تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الرباط وفقهه.... سلاحنا عندما يحتدم الصراع



أبو يونس العباسي
07-22-2008, 11:47 PM
الرباط وفقهه.... سلاحنا عندما يحتدم الصراع (2)
أبو يونس العباسي

- أحبتي في الله : إن من يتذمر من مشاق الرباط , ووطأة الأعداء في ميادين الرباط , وتصدر منه كلمات التجزييع والتيأييس وعدم الصبر وعدم الرضا بهذا الواقع , ويرجوا لو خرج من ميادين الرباط في أقرب فرصة تسنح له , لهو إنسان يغفل شأن الرباط وفضله ومكانته وعظيم الأجر الآتي من ورائه من عند الله رب العالمين , وإن من الواضح عند كل ذي لب أن من يتذمر من الرباط هو إنسان يعيش بدون هدف , بل هدفه الوحيد هو الدنيا , وملذاتها وشهواتها , وشتان بين من كان الرحمن هدفه , وبين من كان الشيطان هدفه , لا يستتون عند الله , ولتعلموا جميعا : إن واجبنا تجاه هذه الأفكار أن نجاهدها ونبين خطرها , ونفضح عوارها , ونبين الهدف والغاية التي نريدها من وراء الرباط ألا وهي : ظهور الدين ورفعة كلمته , والقضاء على الباطل وإزهاق صولته وجولته , قال الله تعالى :"قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " .
أحبتي في الله : وإن الرباط ليس مختصا بالمداومة على العبادة والحراسة على الثغور , بل يدخل فيه كل ما يخيف العدو ويؤرقه , ويضعف من قوته , ويساهم في قوة دولة الإسلام ورفعتها , كما أفاد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى , قال الله تعالى :" مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " , فالتعليم والتعلم - إن قصد به وجه الله - ثغر من ثغور الرباط , ومؤسسات الخدمة العامة والعمل فيها ثغر من ثغور الرباط , والمؤسسات الصحية والخدمة فيها , ثغر من ثغور الرباط , وميادين الأعمال المهنية ثغر من ثغور الرباط , وأن تخدم الإسلام وترفع كلمته , في عملك أيا كان , فهو من الرباط في سبيل الله , قال الله تعال :" وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" , أخرج البخاري في صحيحه زيد بن خالد رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا " , إذن : فالمرابط ومن يؤمن له حاجياته , ويؤمن لأهله حاجياتهم كذلك , له حظ ونصيب من أجر الرباط , ونحن كنا ولا زلنا أمة متعاونة (على وجود الاختلاف الوضح بين كنا ولا زلنا ) , كل يخدم المشروع على حسب طاقته ومواهبه وقدراته , قال الله تعالى :"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب"
-أحبتي في الله : ولعلكم تسألون : ما هي العلاقة بين الرباط وبين الصبر , فأقول لا يكون هناك رباط بدون صبر , فالرباط شكل من أشكال الصبر , وبالصبر أمرنا الله أن نستعين على متاعب الحياة , قال الله تعالى :" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" , وبالصبر يدخل المؤمنون الجنة , بالصبر على الطاعة , وعن المعصية , وعلى أقدار الله تعالى , قال الله تعالى :"سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " , وكمال الصبر صفة أولي العزم من الرسل , قال الله تعالى :" فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ " , والصبر على منهج الله , وعدم التفريط في شيئ منه , وخاصة في الظروف الحالكة , دليل على صدق الانتماء لله ولرسوله , قال الله تعالى :" والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك هم الصادقون " , ويكفي الصابرون أن المولى - جل جلاله - يحبهم , قال الله تعالى : " والله يحب الصابرين " .
- أحبتي في الله : وإذا سألتم عن السر في زهد الناس في الرباط , قلت لكم : حب الدنيا وكراهية الموت , فهذا هو المرض العضال الذي ابتليت به الأمة , وسبب لها ما سبب من أمراض ونكبات وبلاءات , وهو مرض حذرنا منه الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - , أخرج أحمد في مسنده وأبو داوود في سننه وصححه الألباني من حديث ثوبان : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قيل : يا رسول الله ! فمن قلة يومئذ ؟ قال : لا و لكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم و ينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا و كراهيتكم الموت", وإن الحياة الدنيا إنما تذم إذا ألهت عن الآخرة , وشغلت عن محاب الله سبحانه وتعالى , وإلا من سخرها للوصول للآخرة , فنعم الصنيع صنيعه ,ونعم الفعل فعله , قال الله تعالى :" وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " , وإذا أردتم معرفة منزلة الدنيا عند الله فها هي منزلتها : قال الله تعالى :" وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا " , وقال سبحانه وتعالى :" إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " , وقال ذو العزة والجبروت :" كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" .
-أحبتي في الله : كثيرون هم من أهل بلدي من يرجون الخروج من أرض الرباط , وكثيرون هم الذين يرغبون أن يشاركوننا أجر الرباط من السلمين , لو سنحت لهم الفرصة , فجلست مع نفسي , وقلت : هل لو سنحت لك فرصة الخروج هل ستخرج ؟ هل ستخرج لتتخلص من هذا الواقع الأليم والأليم جدا ؟ رغبت بذلك , ولكن منعتني الآيات والأحاديث التي ذكرنها قبلا , والتي سأذكرها الآن , منعني من الخروج ذلك الحديث الذي صححه الشيخ الألباني في فضائل الشام ودمشق من حديث زيد بن ثابت : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :"يا طوبى للشام يا طوبى للشام يا طوبى للشام ( وفي احدى الروايات لأهل الشام ) قالوا يا رسول وبم ذلك قال تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام" , وددت الخروج , ولكن منعني قوله - صلى الله عليه وسلم - كما عند أبي داوود وصححه الألباني عن ابن حوالة وهو عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيصير الأمر أن تكونوا أجنادا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق "
قال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك , فقال : " عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل وفي رواية تكفل لي بالشام وأهله " , وددت أن أخرج , ولكن منعني قوله - صلى الله عليه وسلم - كما عند الطبراني وصححه الألباني من حديث عبد اللع بن عمروا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فاذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا ان الايمان اذا وقعت الفتن بالشام " , وفي فضائل الشام ودمشق وصححه الألباني من حديث ابن حوالة قال :" يا رسول الله اكتب لي بلدا أكون فيه فلو أعلم أنك تبقى لم اختر على قربك قال عليك بالشام ثلاثا فلما رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كراهيته للشام قال هل تدرون ما يقول الله عز وجل يقول ياشام يا شام يدي عليك يا شام أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي أنت سيف نقمتي وسوط عذابي أنت الأندر واليك المحشر ورأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة قلت ما تحملون قالوا نحمل عمود الاسلام أمرنا أن نضعه بالشام وبينا أنا نائم رأيت كتابا اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تخلى من أهل الأرض فأتبعت بصري فاذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غدره فان الله قد تكفل لي بالشام وأهله حديث صحيح دون قوله يا شام يا شام يدي عليك يا شام وقوله أنت سيف نقمتي وسوط عذابي أنت الأندر.
- إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن يثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم : أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة

أبو يونس العباسي
07-22-2008, 11:48 PM
لمن يرغب في المزيد : الجزء الثاني من المقال

*
*
*
*
*
*

أبو يونس العباسي
07-22-2008, 11:48 PM
الرباط وفقهه.... سلاحنا عندما يحتدم الصراع
أبو يونس العباسي
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه , وسلم تسليما كثيرا , وبعد ....
- كنت أمشي في أحد شوارع المدينة , وكان الناس كعادتهم قد اجتمعوا , كل خمسة يتحدثون على حدة , وعلى طول الشارع الذي كنت أسير فيه , وكانت مجموعة من هذه المجموعات يتحدثون عن الواقع المؤلم في القطاع , وكانوا بين متفائل صابر , ويائس جزع , حتى قال أحدهم : يا إخواننا اصبروا , وإلا فكيف ستحصلون على أجر الرباط , وكيف ستسمون مرابطين , قلت في نفسي : لقد صدقت ياعماه , لو فقه الناس فقه الرباط , لما كان الصراع مع أعداء الله على هذا الحال , ولكان وضعنا أفضل وأحسن بمرات ومرات .
أحبتي في الله : في وقت تزداد فيه وطأة الكافرين والمرتدين من طواغيت العرب والعجم على منهج محمد - صلى الله عليه وسلم , وأتباع منهج محمد - صلى الله عليه وسلم - نحتاج إلى عزيمة قوية لنصمد في وجوههم , ثم لتكون العاقبة لنا بإذن الله تعالى , حقا أنني أرى أن المسلمين خاصة ممن يسكنون في " ميادين الصراع " , أو بتعبير سلفنا الصالح في " الثغور "بحاجة إلى معرفة الرباط وفقهه , فإن لهذا الفقه كبير الأثر في ثباتنا وتمسكنا بديننا , له كبير الأثر في حمايتنا من فقه الانبطاح ومشائخه , وفقه الانكسار ورهبانه , وفقه الرضى بالأمر الواقع وأحباره , وفقه الركوع لغير الله رب العالمين وأساطينه .
- أحبتي في الله : والرباط إن وددتم معرفة المقصود به ... فهو : المكوث على الثغور لقتال العدو المحارب , ولكن لابد أن نعلم بأنه: ليس كل من رابط فهو مرابط , هناك من يرابط من أجل جعل كلمة الله هي العليا , وكلمة الذين كفروا هي السفلى , هذا هو الرباط الذي نقصده من مقالنا , ونرضى به , وندعوا إليه , وهناك الرباط في سبيل الطاغوت , من أجل الدنيا , رباط يحمي فيه أصحابه الطاغوت وسلطانه , رباط يحفظ أصحابه فيه مصالح الكافرين , كرباط الجنود الأشاوس على الحدود المصرية الفلسطينية , أو الفلسطينية الأردنية , أو رباط مغاوير السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة , وقبل ذلك في غزة حتى من الله علينا , والذين يحولون بين المجاهدين وبين قتال اليهود , ألا فقبح الله رباطا مثل هذا الرباط .
- أحبتي في الله : وإن معنى الرباط ليس محصورا في قتال أعداء الله تبارك وتعالى , بل إن الثبات على الطاعات , والمداومة عليها , والصبر على مشاقها , هو من الرباط في سبيل الله - سبحانه وتعالى - , بل إن الرباط العسكري , لا يؤتي أكله إلا بقدر ماعند صاحبه من رباط على طاعة المولى - سبحانه وتعالى - , والدليل على هذا الفهم : ذلكم الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على عقيدتكم في زمن التفريط رباط , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على مبائكم في زمن التفريط رباط , يا أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - : إن ثباتكم على منهج ربكم , في زمن التفريط رباط , ولا بد هنا أن نعلم : بأن التفريط في المبادئ والثوابت والأصول , الكل يحسنه , فلا ميزة لأحد على أحد فيه , ولكن ما لا يحسنه الكثيرون : هو الصبر على هذه المبادئ والثوابت والأصول , وهنا يتميز لطالب الحق فريقان : فريق باع الدين بمتاع من الدنيا الزائل , وفريق آخر : باع الدنيا من أجل رب العالمين , قال الله تعالى عن الفريق الأول : " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" , وقال رب العالمين في حق الفريق الثاني :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " , وقال عنهم في موضع آخر :" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
-أحبتي في الله : وإذا أحببتم أن تكونوا من منتسبي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية , فاعلموا أن أبرز صفات هذه الطائفة , أنها طائفة مرابط أهلها , صابر أتباعها على الحق وتبعاته , فكما تحمل سلفنا الصالح هذه الرسالة , وتكبدوا المشاق حتى أوصلوها إلينا , فلا بد علينا أن نتحمل هذه التبعة , ونسلم الراية للجيل الذي سيأتي بعدنا , محتسبين في ذلك كله وجه الله الكريم , وغير مكترثين برضى أحد إلا برضاه , ولا بسخط أحد إلا بسخطه , ولا بمخالفة أحد إلا بمخالفته , أخرج أبو داوود في سننه وصححه الأباني من حديث ثوبان : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تزال طائفة من أمتي , على الحق ظاهرين , لا يضرهم من خالفهم , حتى يأتي أمر الله " , فهم هنا ثابتون على الحق ( كل الحق) مرابطون على حدوده , حراس له , لا يسمحون لأحد أن ينتهك حرمته , فهم مرابطون عليه : بالتمسك به والالتزام به في حق أنفسهم , وبالدعوة إليه بألسنتهم , والرد على الشبه حول الحق الذي يعتقدونه , وبالجهاد دونه بالسيف والسنان , وذلك إلى قيام الساعة , أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة " قلت : تدبر هذا الحديث , ثم تأمل الدعاوى التي يثيرها البعض بعدم شرعية الجهاد في هذه الآونة , سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
- أحبتي في الله : ومن الآيات التي تحدثت عن الرباط : قوله سبحانه وتعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " , والمقصود بقوله تعالى : "اصبروا" , أي على الدين وتكاليفه , وهذا من الرباط كما علمنا , وأما قوله تعالى : "وصابروا" , أي على قتال عدو الله وعدوكم , وذلك بالتجلد في القتال , وعدم الرضا بالهزيمة , وهذا من الرباط كما علم آنفا , وأما قوله تعالى :" ورابطوا" : أي رابطوا عدوكم حتى يترك دينه لدينكم , وهذا هو المقصود الأسمى للقتال , وقيل في معنى قوله تعالى :" ورابطوا " من الرباط وهو ملازمة المكان بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين أي أقيموا على الجهاد , وأما قوله تعالى :" واتقوا الله " أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية , وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه , وأما قوله تعالى :" لعلكم تفلحون " : أي إن فعلتم ذلك كله , ومن الآية يتبين لكل متدبر أهمية الرباط , ومكانة الرباط عند الله تبارك وتعالى , وليتأمل الواحد منا في هذه الآية وخاصة في قوله تعالى :" ورابطوا " , فهو فعل أمر, والأمر للوجوب إلا إذا صرفه صارف .
- أحبتي في الله : ولأن الرباط ذو مكانة سامقة عند الله تعالى , فقد رتب الله عظيم الجر لمن يمارسه , ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها) , وأخرج مسلم في صحيحه عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان) , وفي سنن أبي داوود وصححه الألباني عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" كل الميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر" , وغيرها من الأحاديث التي لو قرأها المسلمون بعيونهم فرسخت في قلوبهم , ما طابت أنفسهم ان يتركوا الرباط والمكوث في أرض الرباط , ونصرة أهل الرباط , وإن رغبتنا في الجنة وما فيها من نعيم , وخوفنا من النار وما فيها من جحيم , هو الذي يدفعنا للرباط , وللدعوة إلى الرباط في سبيل الله تعالى , كيف لمؤمن أن يترك الرباط وهو السبيل إلى الحياة الأبدية السرمدية التي لايفنى نعيمها !!! , قال الله تعالى :" وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " , كيف لمؤمن أن يترك الرباط , وهو السبيل للحصول على ما عند الله تعالى !!! , قال الله تعالى :" ما عندكم ينفد وما عند الله باق ", والعجب العجاب , ومع كل ما قلنا , تجد الكثيرين من المسلمين يزهدون في الرباط , ويصعب عليهم التضحية بالدنيا وملذاتها , ولو كان ذلك من أجل الله تبارك وتعالى .