تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هذا ما يحدث ...عندما تختل الموازين



أبو يونس العباسي
07-13-2008, 10:35 PM
هذا ما يحدث ...عندما تختل الموازين
أبو يونس العباسي
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
في وقت اختلت فيه الموازين , وقلبت فيه الحقائق , واهتزت فيه الثوابت , وأصبحت أصولنا في خطر , كان لا بد من تدارك هذا الخطر قبل فوات الأوان .
-وهذا المقال محاولة جادة لإرجاع الأمور إلى وضعها الطبيعي , ومكانها المناسب , وخاصة في مثل هذا الوقت الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه :سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة .(قال الشيخ الألباني صحيح)
-وبادئ ذي بدئ لابد لنا أن نعرف ما هو المقصود بالميزان ؟ وماذا نعني به ؟ والميزان هو : تلكم الأداة التي يعرف بها ومن خلالها موازين ومثاقيل الأشياء , أو بإمكانك ان تقول بأن الميزان هو : تلكم المرجعية التي يرد إليها جميع الأقوال والأفعال والاعتقادات للحكم عليها من حيث الصحة والفساد ,ولقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى عندما قال :" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ".
-وبناء على ذلك يكون المقصود بالميزان عند أهل التوحيد هو كتاب الله وسنة رسوله , بينما هو عند أهل التنديد القوانين الوضعية البشرية , وكل ما تفرع عنها من مؤسسات ومنظمات إقليمية ودولية , أسأل الله أن يدمرها , اللهم آمين . ‌
-إخوة التوحيد والإيمان : وموازين الناس في هذه الدنيا تنقسم غلى قسمين : إما ميزان رباني وإما ميزان وضعي , والميزان الرباني إنما نعني به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم -بفهم سلف الأمة -رضي الله عنهم وأرضاهم .
-ونقصد بالميزان الوضعي : كل ما سوى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وواجبنا نحو هذه الموازين الوضعية أن نكفر بها , وندعوا الناس إلى الكفر بها , ونسفهها , ونسفه اهلها , ونسفه واضعيها ومتبيعها كذلك , قال الله تعالى :" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "
-وإن الإيمان لا يثبت لأحدنا , إلا إذا جعل الميزان الرباني هو الذي يحكم حياته ويديرها , ويفصل في نزاعاته ويحلها , قال الله تعالى :" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "وقال جل جلاله :"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا "وقال سبحانه:"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ "
-إذن فكل من اتخذ ميزانا سوى ميزان الكتاب والسنة , فقد حكم الجاهلية , وتحاكم إليها , وإن من أبرز الموازين الجاهلية التي تشارك الله تعالى في الحكم والتشريع والقضاء ما يسمونه بالمجالس التشريعية (الوثنية), والرباعية الدولية , ومجلس الأمم المتحدة , والشرعية الدولية , وغيرها من المؤسسات الكافرة الفاجرة , الفاسدة المفسدة , الضالة المضلة , وذلك لأن هذه المؤسسات تشارك الله في الحكم والله تعالى يقول :" مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " ويقول كذلك :"وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ".
-إخوة الإيمان والإسلام : ولا بد أن نعلم أن الميزان الدنيوي له كبير العلاقة بالميزان الأخروي , فمن كان ميزانه في الدنيا كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثقل ميزانه في الآخرة ولا ريب , أما من كان ميزانه ميزانا وضعيا خف ميزانه في الآخرة ولا ريب كذلك , ويدل على هذ الفهم ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال للفاروق يوما : إنما ثقلت من ثقلت موازينه يوم القيامة , باتباعهم للحق وثقله عليهم , وحق لميزان لا يكون فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا , وإنما خفت موازين من خفت موازينه , لاتباعهم الباطل وخفته عليهم , وحق لميزان لا يكون فيه إلا الباطل , أن يكون خفيفا .
-يا أهل الحق : فائدة أقف عندها وأذكركم بها من كلام أبي بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه - وهي : أن من اتبع الحق , فالاتباعه للحق ضريبة ,ألا وهي التلبس بالمشاق , ومواجهة الصعاب , والتعرض للابتلاءات , هذه هي الضريبة التي لا بد أن يدفعها كل من يلتزم الحق , ولكن لا يجوز أن ننسى أنها ضريبة يليها مكافأة ونعيم من الله الرحمن الرحيم , قال الله تعالى :"إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا".
-إخوة التوحيد والإيمان : وميزان الآخرة ميزان له كفتان , كفة توضع فيها الحسنات , وكفة توضع فيها السيئات , فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة و ومن رجحت سيئاته عل حسناته دخل النار , ومن استوت حسناته مع سيئاته كان من أهل الأعراف , الذين يمكثون بين الجنة والنار , إلى أن يتشفع لهم الرسول الأكرم "محمد - صلى الله عليه وسلم -", والسؤال لك بعدما علمت هذا , من أي الفرقاء أنت ؟ عملك هو الذي يحدد ذلك.
-إخوة التوحيد والإيمان : ولا بد أن نعلم : أن الذل والعار والشنار الذي أصاب أمتنا إنما هو بسبب الخلل الكبير في موازيننا , التي نزن بها الأشياء حولنا , ولخطورة الإخلال بالموازين قامت الرسل تقول لأقوامهم :"وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ", وفي مستدرك الحاكم وصححه الأباني من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال :"ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ".
-أحبتي في الله : هذا وإن كان المقصود ابتداء من الميزان ميزان البيع والشراء , إلا أنه لا يمنع ان يدخل فيه بقية الأنواع الأخرى من الموازين , كميزان العبادة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والتعليم والصحة والجتماع والإسكان......الخ , وكل ما ذكرناه وما لم نذكره من شؤون الحياة في مثل هذه الأيام لا يوزن بالميزان الرباني بل يوزن بالميزان الوضعي , فنتج بسبب ذلك ما نتج من ألوان الفساد وأشكاله المتنوعة المتغايرة , قال الله تعالى :" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ".
-إخوة التوحيد والإيمان : في وقت كثر فيه الطعن بالموحدين والمجاهدين ,وفي نفس الوقت الذي فشا فيه مدح الطواغيت , والدفاع عنهم , والذود دون عروشهم الظالمة المستبدة , في وقت تنزل فيه نصوص ولي الأمر الشرعي التي قيلت في أمثال الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين , نرى كثيرا من المشائخ ينزلونها على طواغيت العصر و الذين ما كانوا يوما من الأيام أولياء أمر شرعيين لنا , بل هم أولياء كفر وفجر وعهر وخمر , نسأل الله لنا ولهم الهداية , اللهم آمين .
-يا مشائخ الطواغيت : إن كلماتكم كما كلمات غيركم , ستوزن عليكم , ففكروا فيل ان تتفوهوا بأي كلمة , هل ستوزن لكم أم عليكم , قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وسلم من حديث أبي هريرة :" كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحانه الله وبحمده سبحانه الله العظيم" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم كما عند مالك وأحمد والترمذي وصححه الألباني من حديث بلال ين الحارث:"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة", وإني أعظكم فأقول لكم : إن لم تقول الحق فاصمتوا , ولا تنصروا الطاغوت بكلامكم الباطل وتذكروا قول النبي -صلى الله عليه وسلم -كما عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه ‌ - :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرا أو ليصمت", ووالله إنني أسمع كثيرا من المشائخ يتكلمون فأقول : ليتهم سكتوا .
-أحبتي في الله : أعمالكم , كل أعمالكم ستوزن عليكم , لذلك وقبل ان تعملوا أي عمل , لابد ان تقفوا مع أنفسكم قليلا وتسألوها : هل سيوزن هذا العمل في ميزان حسناتنا أم في ميزان سيئاتنا ؟ويكون أقدامكم على هذا العمل او إحجامكم تابعة للإجابة على هذا السؤال , فإن تيقنتم ان هذا العمل سيوزن في كفة الحسنات فاعملوه , ولا تخافوا عند فعله لومة لائم , ولا تكترثوا بنعق ناعق و ولا بنباح نابح , فالأمر كما قالت العرب يوما : " الكلاب تعوي والقافلة تسير " .
- أحبتي في الله : وإن سألتم عن أكثر ما يثقل موازينكم يوم القيامة قلت لكم : حسن الخلق , ودليل هذا ما أخرجه أبو داوود وصححه الألباني من حديث أب الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال:" ما من شيئ يوضع يوم القبامة في الميزان أثقل من حسن الخلق" والسر في هذا : أن حسن الخلق وسيلة أنجح من ناجحة , في تحبيب الناس بالدين , ودعوتهم إليه , ومسارعتهم إلى اعتناقه , على العكس تماما من سوء الخلق , الذي يبعد الناس عن الدين و وينفرهم عنه , وكم من رجل متدين كان سوء أخلاقه مع الناس , سببا من أسباب رفضهم وعزوفهم عن الهداية , انني أخشى أن ينطبف على من ينفر الناس عن الإسلام بسوء خلقه قوله تعالى:" لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ".
-أحبتي في الله : وإذا كان الميزان الرباني يزن الأقوال والأعمال فهو كذلك يزن الأشخاص , وإن وزن أحدنا يثقل ويخف على قدر إيمانه وتقواه , يدل على هذا الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال:"ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة . وقال اقرؤوا ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ), وفي المقابل وكما عند أحمد بسند حسن:"أن عبد الله ابن مسعود انكشفت ساقه وكانت دقيقة هزيلة فضحك منها بعض الحاضرين , فقال صلى الله عليه وسلم : أتضحكون من دقة ساقيه والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد", وإذا كان الأمر كذلك , فلا بد أن تكون أوزان الناس في قلوبنا ومقاديرهم على حسب ما عندهم من إيمان وتقوى لله الواحد الديان , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " وعند أحمد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رسول الله علمه أن يقول في الوتر :" إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت"(قال الشيخ الألباني : صحيح ), وفي السلسلة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم -قال :"إذا لقيتم المشركين ( وفي رواية أهل الكتاب ) فلا تبدؤهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى اضيقها ], فإذا سألت لماذا هذا ؟ قلت لك : لأنه كافر وكفره يجعله بدون وزن عند الله وعند الموحدين كذلك , إذ إن حبنا وبغضنا للآخرين ليس ذاتيا بل إنه تابع لحب الله الجليل العظيم , فعجب كل العجب لمن جعل النصارى إخوانه , والروافض أولياءه , والطواغيت أسياده ورؤؤساؤه وأشقاؤه , كيف يقول هذا ؟ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم -كما عند الحاكم وحسنه الألباني من حديث بريدة يقول : "إذا قال الرجل للمنافق يا سيدي فقد أغضب ربه "وهو القائل أيضا كما عند أحمد والطبراني وصححه الألباني من حديث عمروا بن العاص :"إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالحوا المؤمنين ", أما فيما يتعلق بالمسلمين فولاؤنا لهم تابع لما عندهم من حسنات وسيئات , فعلى قدر ما عند هم من حسنات وسيئات يكون ولاؤنا لهم .
-أحبتي في الله : من الابتلاءات التي ابتلينا بها في هذه الأيام بلية العلمانية والعلمانيين , هؤلاء العلمانيون الذين قصروا مهمة الميزان الرباني على مقهوم العبادة وحسب , اما فيما يتعلق ببقية شؤون الحياة فلا يزنون يالميزان الرباني , وإنني أعجب منهم - إن كانوا مسلمين- كيف يفعلون هذا والله يقول :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" ويقول أيضا :" وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ", ومع وضوح الأدلة وضوح الشمس في رابعة النهار , ترى كثيرا ممن ينتسبون للعلم يدافعون عنهم وعن مشروعهم مدافعة الأبطال , ألا فلا نامت أعين الجبناء.
-أحبتي في الله : الميزان الرباني , هو ميزان يحكم بالعدل بين الناس , كل الناس , فهو لا يفرق في حكمه بين قريب وبعيد , ولا بين غني وفقير, ولا بين شريف ووضيع , ولابين قوي وضعيف , ولا بين مسلم وكافر , هو لا يعرف مبدأ الوزن بميزانيين ولا الكيل بمكيالين كذلك , هو ميزان يقوم على العدل حتى مع الأعداء البغضاء على قلوبنا , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ", هو ميزان لا يعرف الواسطة , بل إنه يرى في الواسطة سببا من أسباب الهلاك والتبار والدمار , يدل على هذا الفهم ما أخرجه أبو داوود وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها :" أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب فقال إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"
- إخوة التوحيد والإيمان : لا بد أن نعلم أن سلفنا الصالح إنما عزوا لما وزنوا أمور حياتهم بهذا الميزان العادل , وضعوا الدنيا في كفة , والآخرة في كفة , فرجحوا كفة الآخرة , وصبروا على لأواء ترجيحهم هذا , وضعوا المصلحة الدنوية في كفة , والمصلحة الأخروية في كفة , ثم رجحوا كفة المصلحة الأخروية , وصبروا على المشاق التي نالت منهم بسبب هذا الترجيح , وضعوا الهوى في كفة , والدليل الشرعي في كفة , ثم رجحوا الدليل الشرعي على الهوى , وصبروا على المتاعب التى تلبست بهم من وراء هذا الترجيح , وضعوا طاعة المخلوق في كفة , وطاعة الخالق في كفة , ثم رجحوا طاعة الخالق , وصبروا على البلاءات التي تصادمت معهم من جراء هذا الترجيح , وضعوا حب الخالق في كفة , وحب المخلوق في كفة , ثم رجحوا حب الخالق , وصبروا على العذابات التي أصابتهم بسبب ما رجحوا , إنهم وباختصار رجحوا رضوان الله على رضوان غيره , والا نتماء لله على الانتماء لغيره , وعبودية الله على العبودية لغيره , إنهم وبكل بساطة رجحوا الله على من سواه , إن سلفنا إنما كان كذلك لأنه أجاب الله لما قال :"والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ" وأجابوه كذلك لما قال :" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " وأجابوه كذلك لما قال :"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " وأجابوه كذلك لما قال :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ " وأجابوه كذلك في كل ما أمر به أو نهى عنه في الكتاب والسنة , لذلك أعزهم ونصرهم وأيدهم رب العالمين سبحانه وتعالى.

-إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن بثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم :ابو يونس العباسي
مدينةالعزة غزة رجب 1429ه