تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بعد صراعات الأرض والنفوذ.. الطاقة مصدر الحروب القادمة في العالم !!



مقاوم
07-13-2008, 06:05 AM
بعد صراعات الأرض والنفوذ.. الطاقة مصدر الحروب القادمة في العالم !!
د. عصام عبد الشافي

http://qawim.net/exq.gif يمثل الحصول على مصادر الطاقة الموثوقة، أحد الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي، كما تمثل الطاقة واستخداماتها أحد معالم الثورة الصناعية الحديثة، بل لا يمكن المبالغة أن التوسع في استخدامها أصبح معياراً تتحدد على أساسها معدلات النمو والتقدم في دول العالم المعاصر، ولذلك ليس مستغرباً أن تُنفق مليارات الدولارات سنوياً على البني التحتية والخدمات المتعلقة بالطاقة في العديد من دول العالم.

وقد ازداد الطلب العالمي على الطاقة الأولية بما يقارب 60% في الفترة بين عامي 1973 و1997، وتستأثر البلدان المرتفعة الدخل (التي يعيش فيها 20% من سكان العالم) بنحو 60% من استخدام الطاقة التجارية، وأمام هذه الزيادة تشير التوقعات إلى احتمالات تضاعف الطلب كل 28 سنة، وهو ما يعني ضرورة توفير نحو 15 تريليون دولار من الاستثمارات الجديدة في البنى التحتية لقطاع الطاقة خلال العقدين القادمين لسد الاحتياجات الجديدة واستبدال المعدات المتقادمة.

وفي الخامس والعشرين من يوليو 2007، قال وزير الفرنسي"تييري بريتون: "من الناحية الفعلية نحن نخوض حرب طاقة، فسعر برميل النفط ارتفع إلى ثلاثة أمثاله. في العامين الماضيين. وفي حقيقة الأمر، إن العالم يخوض هذه الأيام ثلاث حروب للطاقة، وليست واحدة فقط. الأولى حول الأسعار، والثانية بخصوص الاستثمارات والاتفاقات، والثالثة جيوسياسية".

الحرب الأولى، اقتصادية: فقد ارتفعت الأسعار بسبب زيادة الطلب المفاجئة على النفط نتيجة للنمو الاقتصادي الهائل في الهند والصين والبرازيل، في الوقت الذي يستمر فيه النمو المستدام في الولايات المتحدة دون توقف أو تباطؤ، فيما تراجعت نوعية المصافي المتطورة التي تستطيع أن تعالج النفط الثقيل العالي الكبريت والمتوافر في شكل واسع. فالمشكلة في هذه الحرب هي الطلب، وليس أي نقص في الإمدادات، أو أي سياسة لخفض الإنتاج عمداً. والعكس هو الصحيح. فالدول المنتجة تضخ بكامل طاقتها تقريباً لتثبيت الأسعار.

الحرب الثانية، استثمارية: فهناك إعادة نظر وخرق للاتفاقات المبرمة حول النفط والغاز، في دول أميركا اللاتينية بحجة أن العقود السابقة مجحفة بحق الدول المنتجة. وفي روسيا، هناك صراع علني مع الدول الأوروبية التي تحاول دخول صناعة البترول الروسية، لكن موسكو تطالب بالسماح لشركاتها بالحقوق والامتيازات نفسها التي تطالب بها الشركات الغربية. وحاولت الدول الغربية معالجة هذه المسألة في قمة الدول الصناعية الثماني، لكن دون نتائج ملموسة.

أي أن عدداً أكبر من الدول المنتجة أصبح أكثر قدرة على الإمساك بزمام الأمور بيده، وبالتالي أكثر قدرة على فرض رأيه ومصلحته السياسية والمادية على الشركات الأجنبية والدول الكبرى. وهذه القدرة تدفع باتجاه زيادة الأسعار لأنها تمنع الشركات الدولية من وضع يدها على احتياطات بترولية جديدة، من ناحية ورغبة المنتجين في تعظيم مكاسبهم فيكون الصدام بالمستهلكين.

الحرب الثالثة، مسلحة: وستدور رحاها في الدول المنتجة للطاقة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا في دول أمريكا اللاتينية، وكذلك فى العديد من الدول الأفريقية. وخاصة في نيجيريا. التي فقدت طاقة إنتاجية تقدر بـ 800 ألف برميل يومياً، بسبب عمليات تخريب المنشآت والأنابيب، التي أعلنت حركة تحرير دلتا النيجر مسؤوليتها عنها.
وكانت بداية الحروب المسلحة بسبب الطاقة في القرن الجديد في أفغانستان لضمان السيطرة على غاز بحري (بارنت) و(قزوين)، ثم كانت الساحة الثانية في العراق، فالاستيلاء على نفط العراق ثالث منتج لهذه المادة الخام في العالم، كان أحد الأسباب الرئيسة وراء الغزو الأميركي للعراق. ومنها امتد الخطر إلى إيران ودول أمريكا اللاتينية.

وإدراكاً من الدول الكبرى لطبيعة هذا الخطر، وتداعياته فقد رفعت قمة الدول الثماني الصناعية في العالم، التي عقدت فى شهر يوليو 2006 في مدينة سان بطرسبورج الروسية، شعار "أمن الطاقة"، فى إعلان واضح لحرب باردة جديدة عنوانها "الطاقة وحروب الألفية"، هذه الحروب التي تعتبر الولايات المتحدة العامل المشترك الأكبر فى إشعالها، وفي العمل على تأجيجها، وهو ما يمكن الوقوف عليه من تحليل مناطق الصراع القائمة أو المحتملة حول الطاقة ودور الولايات المتحدة في كل منها، وذلك على النحو التالي:‏

أولاً: الصراع في آسيا:

دخل الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا, والولايات المتحدة الأميركية في سباق مع الزمن لاستثمار وتسويق نفط وغاز كل من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان، حيث تعمل شركات متعددة الجنسية بدعم من الولايات المتحدة على استخراج محروقات تلك المنطقة وبيعها، ولأن النفط وأسعاره، صعوداً أو هبوطاً، في الأسواق العالمية مرهون باحتياطات الحرب، فقد ارتبطت أسعاره بصعود وهبوط مخزون الولايات المتحدة منه، باعتبارها أكبر مستهلك له في العالم، قبل الهجوم الكاسح الذي شنته الصين والهند على سوق النفط في السنوات الخمس الأخيرة، ثم التحركات الروسية لضمان السيطرة على القلب الأسيوي والشرق الأوربي.

فبعد توقيع الاتفاق الثلاثي بين روسيا واليونان وبلغاريا على إنشاء خط أنابيب البترول الممتد من الميناء البلغاري بورجاس إلى الميناء الكسندرو بوليس لنقل نفط روسيا إلى أوروبا الغربية. جاءت الضربة الروسية التالية، بتوقيع اتفاق ثلاثي جديد بين روسيا وتركمانستان وكازاختسان، لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الروسي حول بحر قزوين، وسوف يعطي الخط الجديد مزيداً من القوة والفاعلية للدور الروسي من حيث السيطرة على سوق الطاقة في أوروبا، مع وجود فائدة مؤكدة سوف تعود على الدول المشاركة في خطوط الأنابيب الناقلة للنفط والغاز الروسيين.

وتسعى موسكو إلى تأكيد وجودها القوي في المنطقة في مواجهة التحالف الأوروبي الأميركي والذي بات جلياً في مشروع الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية وأفضل الطرق من وجهة نظرها هي دعم سيطرتها على خطوط تصدير الغاز بإبرام مثل هذه الاتفاقيات التي تضمن لها الهيمنة الكاملة على مصادر الطاقة التي تحتاجها أوروبا بشدة.

وفي مقابل التحركات الروسية بذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة لاستمالة زعماء منطقة آسيا الوسطى، الذين تقع بلدانهم على الحدود الجنوبية لروسيا. حيث دعا نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى إقامة طرق جديدة لإمدادات الطاقة تلتف على روسيا، ولكن باتفاق دول "بحر قزوين" الثلاثة، تكون موسكو قد أعلنت عن بداية فصل جديد في اللعبة الكبرى للسيطرة على مصادر الطاقة في منطقة آسيا الوسطى.

ودخولاً على خط الصراع دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى خلق تحالف اقتصادي وتجاري فى مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ولكن لأن مواثيق الطاقة الدولية تم تصميمها لتناسب مصالح المستهلكين في أوريا والولايات المتحدة، فإن تصديق روسيا عليها يعني إجبارها على توفير الغاز للمشتركين، مع تمكينهم كذلك من استخدام شبكة خطوط الأنابيب لضخ الغاز غير الروسي. وهذا يقلل من فرص تصدير الغاز الروسي لأوروبا ويخلق مزيداً من التنافس في السوق الأوروبية.

وفي الغرب من آسيا كانت حرب تدمير العراق، فقد أكد قطاع كبير من المراقبين أن غزو العراق فتح أبواب حروب الطاقة على كل الاحتمالات، بل وفتح المجال أمام الحروب الأكثر كارثية، والمتمثلة في التنافس والصراع على المفاعلات النووية، باعتبارها طاقة المستقبل البديلة للبترول وغيره من موارد للطاقة. وعلى الرغم من نفي الولايات المتحدة بأن غزو العراق كان بهدف السيطرة على ثرواته، فإن الواقع يؤكد كذب هذه المزاعم، ورغم تصريحات الإدارة الأمريكية حول ضرورة تخصيص عائدات النفط العراقي لإعادة بناء الدولة العراقية إلا أن معظم العقود ذهبت للشركات الأميركية المتعددة الجنسية مثل (بتشل وهاليبرتون). وفي هذا الإطار صرح ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي، والذي شغل منصب المدير التنفيذي لشركة خدمات النفط هاليبرتون منذ عام 1999، أن العالم يحتاج إلى 50 مليون برميل إضافي من النفط يومياً بحلول عام 2010. وأن منطقة الشرق الأوسط، تحتوي ثلثي إنتاج العالم من النفط، وهو ما يمكن السيطرة عليه ولو لزم الأمر عسكرياً، أو من خلال ما يسمى (اتفاقيات الشراكة في المنتج) وتفعيل هذا النوع من الاتفاقيات في العراق.

ثانياً: الصراع في أفريقيا:

تشير الأرقام الواردة في التقرير الرئاسي الأمريكي فيما يتعلق بقضية الطاقة وأبعادها السياسية والاستراتيجية إلى أن استهلاك النفط سيرتفع بنسبة 33% فى الولايات المتحدة في العقدين المقبلين واستهلاك الغاز بنسبة 50% فيما سيتزايد الطلب على الكهرباء بنسبة 45%.

وحذر التقرير من أن البلاد مقبلة على عجز متزايد إذا ما استمر إنتاج الطاقة على الوتيرة نفسها التى شهدها في العقد الماضي. ويدعو التقرير أيضا إلى تحديث التقنيات للاقتصاد فى استهلاك الطاقة وزيادة البنى التحتية للتوزيع وزيادة الإنتاج وتطوير وسائل حماية البيئة.
وأمام ذلك قامت الاستراتيجية الأمريكية على بناء ما بين 1300 إلى 1900 محطة لتوليد الطاقة في السنوات العشرين المقبلة إضافة إلى تمديد خطوط لنقل النفط والغاز بطول 60 ألف كم وإنشاء خطوط التوتر العالي بطول يزيد على 400 ألف كم. واستغلال الموارد النفطية والغازية، بما فيها تلك الموجودة في المناطق المحمية فى ألاسكا وتنشيط المحطات النووية، في ظل بيانات تشير إلى أن الولايات المتحدة تستهلك ربع الطاقة العالمية ولا تنتج سوى 19% منها. وأيضاً رصد ملياري دولار لمدة عشر سنوات لتطوير استغلال الفحم الحجري الذي تعتمد عليه طاقة الولايات المتحدة حتى الآن بنسبة 52%، وكذلك تخصيص نحو مليار وربع المليار دولار لاستغلال وتطوير مصادر طاقة بديلة.
ومع إدراك الإدارة الأميركية لخطورة وحساسية أزمة الطاقة وانعكاساتها على الاقتصاد الأميركي، فقد اتجهت لاتخاذ جملة من الإجراءات كان في مقدمتها:

1ـ الاستمرار في تطبيق سياسة خارجية تستهدف احتكار السيطرة على منابع النفط في العالم ومحاولة التحكم بكميات إنتاجه وأسعاره حتى لو تطلب ذلك استخدام القوات المسلحة الأميركية.

2ـ تطبيق سياسة ترشيد استهلاك الطاقة والحفاظ علي المخزون الاستراتيجي، وتحسين الوسائل التقنية المستخدمة في القطاع النفطي، وفرض الضرائب، والقيام بحملات إعلامية منظمة لتوعية المواطنين، لدفعهم نحو تقليل الاستهلاك، إلى جانب وضع البرامج والمشاريع الرامية إلى الحد من الاستيراد، وتطوير المصادر البديلة، كالفحم والغاز والطاقة النووية وغيرها.

3ـ السعي المستمر لتنويع مصادر استيراد الطاقة، ومحاولة تخفيف اعتماد الاقتصاد الأميركي على النفط المستورد من دول الأوبك، ولهذا زاد الاهتمام بالنفط المكتشف في الدول المحيطة ببحر قزوين وسط آسيا، وبالنفط الأفريقي.

وفي إطار السعي للسيطرة على النفط الأفريقي جاءت جولات بوش لدول القارة، واكتسبت جولته الأولى (التي زار خلالها 5 دول هي السنغال ـ جنوب أفريقيا ـ بتسوانا ـ أوغندا ـ نيجيريا) في الفترة من 7-12 يوليو 2003 أهمية خاصة؛ لأنها أول مرة يقوم فيها الرئيس بوش بزيارة القارة السمراء منذ توليه الحكم، فأفريقيا لم تكن في مجال أولويات سياسته الخارجية؛ ولكن حدث تحول كبير في أولويات بوش الخارجية بعد أحداث 11 سبتمبر، كما ساهمت حرب العراق في بروز أفريقيا على الساحة بالنسبة للخارجية الأمريكية التي فشلت في ضمان الحصول على تأييد الدول الأفريقية الأعضاء في مجلس الأمن في التصويت لصالح مشروع القرار الخاص بضرب العراق. فضلا عن اعتراض الكثير من الدول الأفريقية على القرار الأمريكي المنفرد بشن الحرب.

وقد كانت هناك مجموعة من المؤشرات على هذا التحول في فكر الرئيس بوش فيما يتعلق بالقارة الأفريقية، ومكانتها في الإستراتيجية الأمريكية، ومن بين هذه المؤشرات: زيادة المساعدات الأمريكية للدول الأفريقية جنوب الصحراء؛ فحجم المساعدات الأمريكية للدول الأفريقية جنوب الصحراء بلغ ما يزيد عن مليار دولار هذا العام مقارنة بـ750 مليون دولار عام 2000 نهاية فترة كلينتون. وكذلك قيام بوش بمقابلة 32 رئيس دولة أفريقية من إجمالي 53 دولة، بين عامي 2001 و2008. وطرح عدة مشاريع كبيرة للنهوض بالقارة، منها القانون الذي أصدره في مايو الماضي، ويقضي بإنشاء صندوق لمكافحة الإيدز في العالم بمبلغ 15 مليار دولار على 5 سنوات، فضلا عن طرحه مشروعا آخر لمكافحة "الإرهاب" في شرق القارة بتكلفة 100 مليون دولار. وكان من بين الأهداف التي سعي إليها بوش من زياراته، استغلال ثروات القارة وخاصة النفط.

وترسيخاً لهذا التوجه أكد مدير المعهد الأمريكي للدراسات الإستراتيجية المتقدمة الدكتور "بول ميكائيل ووبي" أن الولايات المتحدة تعمل حاليا لمضاعفة استيرادها من النفط النيجيري من 900 ألف برميل يوميا إلى 18 مليون برميل يوميا في السنوات القليلة المقبلة، وذلك كأحد المؤشرات القوية والجديدة التي تؤكد توجه الولايات المتحدة صوب نيجيريا للحصول على احتياجاتها من النفط، وتخفيف الاعتماد على دول الخليج العربية، خاصة السعودية بعد القلق الذي شاب العلاقات بينهما عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.

وقال: إن المؤشرات والأرقام الإحصائية الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كافة الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الأفريقي إلى 50% من مجموع النفط المستورد بحلول عام 2015م. وأضاف أن التخطيطات المستقبلية والمبنية على الدروس المستفادة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت الولايات المتحدة إلى التفكير جدياً والعمل نحو تنويع المصادر الخاصة لتلبية احتياجاتها من النفط خارج منطقة الشرق الأوسط التي تعتبرها أوكار الإرهابيين ومهد تنظيم القاعدة، على حد زعمها.

وفي هذا السياق أكد وزير الطاقة الأميركي الأسبق (سبنسر أبراهام)، في كلمته في المؤتمر الإفريقي الثالث، الذي عقد في الدار البيضاء، (4/6/2003): "تواجه الولايات المتحدة والدول الإفريقية تحديات مماثلة وفرصاً مثيرة لتأمين مصادر للطاقة آمنة، وبكلفة معتدلة، ويمكن الاعتماد عليها. علينا أن نلبّي حاجات شعبنا المتنامية للطاقة، وان ننوّع مصادر تزويد الطاقة، وأن نقوّي البنية التحتية لقطاع الطاقة لدينا، وأن نشجع صيانة الموارد الطبيعية، وأن نحسّن الحماية البيئية".

وأضاف إن استراتيجيتنا: "توصي أن نقوم بإعادة تنشيط الاجتماعات الوزارية للطاقة بين الولايات المتحدة وإفريقيا .. وتعميق الالتزام الثنائي والمتعدد الجوانب لتشجيع بيئة منفتحة أكثر للتجارة الأميركية للنفط والغاز، وللاستثمار ولعملياتها.. ولتعزيز التنوع الجغرافي لمصادر تزويد الطاقة، والتطرق إلى مسائل مثل الشفافية، وحرمة العقود، والأمن"، وتحتل التجارة الحرة والأسواق الحرة قلب رؤيتنا لنظام طاقة دولي سليم نظراً لأن التجربة قد أظهرت إنها الأفضل لتوليد النتائج الأمثل لمنتجينا ومستهلكينا".

وفي قمته التي عقدت يومي 28 و29 نوفمبر 2007 في لاتفيا، ناقش حلف شمال الأطلسي "الناتو" الدور الذي يمكن أن يلعبه في مواجهة التهديدات المحتملة لإمدادات الطاقة للدول الأعضاء فيه، والأساليب التي يمكن أن يتبعها في هذا الشأن، ومنها تسيير دوريات لحراسة خطوط نقل الغاز والنفط من الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة، كما ناقشت القمة وثيقة اعتبرت أن من بين التهديدات الأساسية التي يواجهها الناتو خلال الفترة من 10 إلى 15 سنة قادمة "تعطل موارد حيوية" ومن ضمنها إمدادات الطاقة.

وفي هذا السياق أعلن الأمين العام للحلف "هوب شيفر": "أن أمن الطاقة موضوع يخص الحلف"، وقال الجنرال الأمريكي "جيمس جونز" قائد العمليات في الناتو إن هناك دوراً محتملاً للحلف في حماية خطوط الشحن الرئيسية، مثل تلك الممتدة حول البحر الأسود وخطوط الإمدادات من أفريقيا إلى أوروبا.

وجاءت هذه العبارات على خلفية "هاجس الطاقة" لدى الدول المستهلكة، والذي أصبح يلعب دوراً كبيراً في توجيه سياساتها على الساحة الدولية، ويمثل بنداً أساسياً على جدول اجتماعاتها وتصوراتها حول مصادر تهديد أمنها القومي، ودور المنظمات والتكتلات التي تنضوي تحتها في هذا الخصوص.

وخاصة مع إدراك الكثير من المراقبين أن الأزمة لا تتوقف عند حد اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك فقط، وإنما يمتد إلى أبعاد أخرى منها: أن الجزء الأكبر من مصادر النفط والغاز يقع في مناطق غير مستقرة أو معرضة للاضطراب مثل الشرق الأوسط، فضلاً عن تزايد التهديدات الإرهابية لأنابيب النفط والغاز ضمن إستراتيجية بعض المنظمات المتطرفة الهادفة إلى الإضرار بمصالح الدول الغربية. وكذلك اتجاه بعض القوى المنتجة للطاقة إلى استخدامها في مجال المساومات السياسية في مواجهة الدول المستهلكة، كما حدث بين أوكرانيا وروسيا؛ عندما قطعت روسيا عنها الغاز لعدة أيام بسبب معلن وهو الاختلاف حول الأسعار، وسبب خفي هو عدم رضا موسكو عن النظام الذي جاء إلى الحكم في أوكرانيا بتأييد من الولايات المتحدة والغرب.

وتصعيداً للحديث عن "حروب الطاقة"، برز دور الناتو باعتباره أداة الردع المناسبة للغرب، سواء لمنع الدول المنتجة من استخدام مواردها الطبيعية في الابتزاز السياسي، أو منافسة الدول المستهلكة الأخرى مثل الصين والهند في الحصول على الطاقة. وفي هذا السياق قال "هوب شيفر" أمام البرلمان الأوربي: إن الناتو سيبحث استخدام القوة إذا ما هُددت إمدادات الطاقة". مع تركيز الاهتمام في هذا الإطار بما يحدث في منطقة الخليج العربي بالدرجة الأولى.

وانعكس هذا الاهتمام في تنظيم مؤتمر بعنوان "دور الناتو في أمن الخليج"، (30 نوفمبر ـ 1 ديسمبر 2005)، وأصبح هذا المؤتمر آلية دورية سنوية لمناقشة هذه القضية، وخاصة مع وجود إطار يحكم هذه القضية هو "مبادرة اسطنبول"، التي تم توقيعها عام 2004، وبمقتضاها وقع الحلف عدة اتفاقات للعاون مع بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ومن بين الأسباب التي دفعت لتنامي الاهتمام بمنطقة الخليج، تعدد التهديدات المباشرة لإمدادات الطاقة من الخليج من قبل تنظيم القاعدة؛ حيث دعا "بن لادن" إلى استهداف منشآت وأنابيب النفط في المنطقة، فيما تعرضت منشأة "ابقيق" العملاقة لتكرير النفط في السعودية إلى هجوم مسلح أفشلته السلطات السعودية في فبراير 2006، في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى أن منطقة الشرق الأوسط قد أصبحت الأولى في العالم من حيث استهداف منشآت النفط. يضاف إلى ذلك تزايد احتمالات الصراع في المنطقة بشكل قد يؤدي إلى التأثير السلبي على تدفق النفط منها، وخاصة مع تهديدات إيران المباشرة بتعطيل تصدير النفط عبر مضيق هرمز إذا ما تعرضت إلى عقوبات أو هجوم عسكري بسبب برنامجها النووي.

وفي عددها الصادر في العاشر من يونيو 2008، نشرت "رنا فروهار"، مقالاً بمجلة النيوزويك الأمريكية، تحت عنوان "سعر برميل النفط قد يصل إلى 200 دولار في الأشهر القليلة المقبلة. كيف سيغير هذا الارتفاع حال العالم؟: حروب الطاقة المقبلة". كان من بين ما جاء فيه: أدت الصدمة الناتجة عن ارتفاع الأسعار إلى أكبر التغييرات الاستهلاكية في الولايات المتحدة. فالأوروبيون الأكثر حرصا على مراعاة البيئة، تحميهم عملتهم الأقوى، والآسيويون محميون من ارتفاع أسعار النفط بفضل إعانات حكومية تضبط تأثير أسعار الوقود على المستهلكين. لكن إن استمرت أسعار النفط بالارتفاع، ولم تعد الإعانات الحكومية متوفرة، وهذا أمر محتمل، فستنتشر ثورة الطاقة التي تغير أمريكا اليوم.

وأضافت إن هناك مخاوف من أنه فيما تدفع أسعار النفط العالية الاقتصادات الآسيوية إلى الحد أو حتى الامتناع كليا عن تقديم الإعانات السخية بهدف إبقاء سعر الوقود متدنيا، فإن النمو سيتباطأ إلى حد كبير، وقد تحدث اضطرابات اجتماعية فيما يزداد يأس أفقر الشعوب في العالم. التداعيات السياسية لهذا (التي تتضمن تقويض التجارة الحرة)، فضلا عن الارتفاع المطرد لكلفة العمليات التجارية، قد تؤدي إلى الابتعاد عن العولمة.

كما أنه من الممكن حدوث نزاعات أسوأ. "فيما تشهد مناطق مثل الشرق الأوسط، وأفريقيا، وروسيا وفنزويلا نموا مطردا، سنرى ازدياد الجشع للطاقة، وسلوكا أكثر عدائية، وعمليات استعمارية من قبل بلدان مختلفة"، ومع ازدياد ثراء إيران، قد يصبح حزب الله أقوى. وسيزداد نفوذ الصين في أفريقيا. وقد تحل مكان الأفكار الغربية عن المجتمع المدني والبيئة وحقوق المرأة مجموعة جديدة من القيم.
وخلصت الكاتبة إلى التأكيد على أنه: "سوف يراق المزيد من الدم حتما. فالثراء النفطي يخرب اقتصاد البلدان وسياساتها، ولا يشجع التنوع، ويفاقم الخلافات الاثنية ويسهل تمويل حركات التمرد. وأصبحت البلدان المنتجة للنفط تشكل ساحة لثلث الحروب الأهلية في العالم، بعدما كان خُمس تلك الحروب يجري فيها عام 1992".

وفي إطار ما سبق وفي ظل "أزمة الطاقة" في العالم، ومع القفزات الصاروخية في أسعار النفط، رغم المحاولات التي تبذلها دول العالم الكبرى للسيطرة عليها، ورغم الضغوط التي تفرضها هذه الدول على الدول المنتجة للنفط لزيادة إنتاجها، فإنه يمكن القول أن الدول المستهلكة أصبحت مستعدة لفعل أي شيء من أجل ضمان تدفق إمداداتها، حتى لو اقتضى ذلك التدخل عسكرياً ضد بعض الدول. وأصبح هناك جهداً دولياً قوياً من أجل تحييدها وإبعادها عن الصراعات السياسية الدولية.

وإذا كان ثمة حديث عن التعاون، بين المنتجين والمستهلكين من جهة، وبين المستهلكين أنفسهم من جهة أخرى، من أجل التوصل إلى إطار عادل للتعامل مع قضية الطاقة يحقق مصالح الجميع ويحول القضية من مجال للمواجهة إلى مجال للتعاون والتنسيق المشترك، وتأكيد البعض على أنه لا مجال للتعامل الفاعل مع قضية الطاقة في العالم إلا من خلال التعاون.

فإن الأمر أعقد من ذلك بكثير وخاصة في ظل الشعور بالغبن والظلم في كل الدول المنتجة للنفط من سياسات الدول الصناعية وممارساتها ضد هذه الدول، وإذا كانت الدول الصناعية تفرض شروطها وأسعارها المبالغ فيها في كثير من الأحيان، على منتجاتها التي تصدرها فكيف لها أن تفرض شروطها على الدول المنتجة للطاقة، والتى تري في زيادة أسعار الطاقة فرصة لمواجهة أسعار احتياجاتها الأساسية التي تستوردها من الدول الكبرى.

وبين النقيضين تبقي احتمالات الصراع أكبر من احتمالات التعاون.. والمؤشرات الراهنة خير دليل على تأكيد هذا الاحتمال

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3099&Itemid=1