تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشاشان.. قضية منسية أخرى!



مقاوم
07-02-2008, 04:04 PM
الشاشان.. قضية منسية أخرى!
ستار حديدي روسي من التعتيم على أحداث الشاشان

نبيل شبيب

http://qawim.net/exq.gif منذ فترة لا بأس بها لا يكاد يتحدث أحد عن قضايا للمسلمين كان لا ينقطع الحديث عنها، كما هو الحال مع كشمير أو الفيليبين، رغم أن القضايا لا تزال قائمة، وأحداثها لا تزال جارية.

ربما يعود السبب إلى أن نزف جراح العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال، وما يتهدد بلدانا إسلامية أخرى، غيّب الاهتمام بمن يوصفون بأقليات مسلمة هنا وهناك، حتى وإن كان تعداد بعضها يربو على تعداد السكان في كثير من الدول الإسلامية القائمة. ولكن الاهتمام من قبل لم يكن شعبيا فقط أو مقتصرا على وسائل إعلام ذات توجه إسلامي، بل كان بعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية يطرح هذه القضايا أيضا، ولو على سبيل لفت الأنظار عن القضايا الساخنة الأقرب داخل الحدود. إنّما من المرجّح أن من أسباب تواري هذه القضايا عن الاهتمام ما صنعته الأجواء الإرهابية للمسلمين وحكوماتهم، تحت عنوان الحرب الشاملة المفتوحة ضدّ الإرهاب، فقد صار حتى الحديث عن حقوق الإنسان المسلم وحقوق الأقليات المسلمة بالذات، محظورا أو شبه محظور، أو سببا كافيا للاشتباه، ولإطلاق الاتهامات: "أنتم جهاديون".. وليس مجهولا تحويل كلمة الجهاد إلى "تهمة"، واستخدامها بصورة مرادفة لكلمة الإرهاب، كما صار تعميمها على كل عنوان إسلامي هو القاعدة المتبعة بعد أن كان يجري لِماما فقط.

شعب الشاشان إرهابي!..

في الوقت الحاضر بدأ مصير النسيان أو التناسي يهدّد قضية المسلمين في الشاشان أيضا، لا سيما وأنّ موسكو لا تستخدم في الحديث عن الثائرين المطالبين بالاعتراف باستقلال بلدهم إلا تعابير "الإرهاب والإرهابيين"، وهذا ما مكّنتها منه مساوماتها في المحافل الدولية. وكان أبرزها عندما دخلت مع الأمريكيين في "تحالف" قبيل غزو أفغانستان للحرب ضد الإرهاب، فقد كان واضحا أنها تريد الحصول على الثمن في شكل التلاقي مع الدول الغربية ضد ثورة الشاشان، بإدراجها تحت عنوان "الإرهاب" أيضا.

قبل ذلك كانت موسكو تواجه بعض الإزعاج الرسمي من بعض دول الغرب، بين الحين والآخر، إنما لا ينبغي إغفال أن الدعم الغربي لموسكو في قضية الشاشان، لم يبدأ مع الغزو الأمريكي الغربي لأفغانستان، فمنذ التسعينات من القرن الميلادي العشرين تحوّل الموقف الغربي تدريجيا، من توظيف قضية الشاشان لانتزاع تنازلات ما من موسكو، إلى تقديم الدعم المباشر لها، وكُشف كثير من جوانبه على مستوى المخابرات، ثم أصبح رسميا علنيا، من محطاته الإعلان الأمريكي عام 1994م عن اعتبار الشاشان "قضية روسية داخلية"، والمحطة الأهم كانت الموافقة الأطلسية أثناء قمة اسطنبول (1999م) على أن تتجاوز موسكو بنود الاتفاق المعقود مع الغرب بشأن حجم القوات الأرضية وتوزيعها وتسليحها، فترسل إلى منطقة "القوقاز" من الجنود والعتاد ما يزيد على المتفق عليه، وهو ما صنعته بالفعل.

الحرب الروسية ليست إرهابية!

ليس مجهولا أن القوات الروسية التي بلغت 120 ألف جندي هُزمت في الحرب الأولى ضد الشاشان، واضطر يلتسين قبل رحيله من السلطة إلى توقيع اتفاق تضمّن الانسحاب العسكري الكامل من الشاشان، والوعد بتطبيق حق تقرير المصير فيها بعد خمس سنوات، فأطلق بوتين الحرب الثانية من عقالها قبل حلول الموعد. وبدا عام 2004م كما لو أن الحرب الثانية حققت أغراضها، والواقع أنها حققت بعضها على عدة مستويات:

1- استغلال شَغل البلدان الإسلامية بنفسها وبالحروب الإرهابية الاستباقية والفوضى الهدامة فيها عن قضايا ساخنة، كان من بينها قضية الشاشان.
2- التخلّي الغربي حتى عن المواقف الكلامية المندّدة بوحشية الأعمال العسكرية والمخابراتية الروسية في الشاشان، حتى أصبحت لا تتجاوز حدود سطور معدودة في بعض تقارير منظمات حقوق الإنسان.
3- إلغاء الحكم الذاتي في الشاشان والوعد باستقلالها، وإخضاعها لإدارة مركزية من جانب موسكو مباشرة، مع ما ترتب على ذلك من تنصيب حكومة تابعة للكريملين، وتجنيد من يمكن تجنيدهم لتدور المعركة بين شاشانيين وشاشانيين بمشاركة روسية.

ومن أبرز الوسائل المتبعة إضافة إلى هجمة عسكرية كبرى ومسلسل انتهاكات حقوق الإنسان على غرار ما عرفته حروب البلقان، كان التركيز على أسلوب الاغتيالات، التي بدأت باغتيال الرئيس الشاشاني الأول جوهر دوداييف في عهد يلتسين، وكان أشهرها أخيرا اغتيال شامل باساييف في عهد بوتين.

وراء ستار التعتيم:

لم تعد الحرب جارية على قدم وساق، ولكنّ ثورة الثائرين في الشاشان لم تهدأ حتى اليوم، وما يزالون بطاقاتهم المحدودة وسط حصار دولي مطبق، بمشاركة البلدان الإسلامية، يقومون ببعض العمليات المحدودة، ويركّزون هجماتهم على القوات العسكرية الروسية والقوات "الأمنية" العاملة معها، مع توسيع نطاقها جغرافيا، فلم تعد تقتصر على أرض الشاشان، بل أصبحت تشمل عددا من الأقطار الإسلامية الأخرى الباقية داخل حدود الاتحاد الروسي، لا سيما إنجوشيا وداغستان في جوار الشاشان مباشرة.

رغم صعوبة الوصول أصلا إلى الأنباء عن كل عملية تجري، فضلا عن الاستشهاد بأحداث السنوات الماضية عموما، يمكن الوصول إلى صورة مبدئية، كنموذج، عن طريق ما نُقل من أنباء -بإيجاز غالبا- ولكن بصورة توافقت عليها مصادر روسية وغربية والقليل من المصادر العربية.. هذا مع الاقتصار في هذا النموذج على ما كان خلال أسابيع معدودة قبل كتابة هذه السطور (25/6/2008م):
- هجوم على مركز إدارة بلدية آلخاسوروفو يوم 19/3/2008م، على بعد 20 كيلومترا فقط من العاصمة الشاشانية، جروزني..

- هجوم على دورية استطلاعية روسية في جروزني نفسها ومقتل رئيسها يوم 22/5/2008م..
- اغتيال النائب مراد آكباييف في 1/6/2008م في قرطاي-تشيكيريا..
- القيام بعمليتي تفجير متزامنتين في الشاشان وإنجوشيا يوم 13/6/2008م، تقول المصادر الروسية إن قتلاها كانوا 4 أفراد، وتقول المصادر الشاشانية إن عددهم كان 26 بالإضافة أسر 11، والثابت أنّ 20 مبنى يقطنها رجال المخابرات دمرت في العمليتين..
- اغتيال المسؤول الأمني تيمبولات بوجولوف يوم 16/6/2008م في إنجوشيا المجاورة.

يبدو أن العمليات يومية ومتصاعدة رغم أنّ المصادر الروسية تعتّم عليها قدر الإمكان، ومما يؤشر إلى الوضع الراهن:
1- منظمة ميموريال لحقوق الإنسان تؤكّد أن عدد العسكريين والشرطة الذين قتلوا عام 2008م حتى الآن وصل إلى 167 ومن المدنيين 229..
2- صحيفة نازافيسيمايا الروسية تقول إن "عدد القتلى في المواجهات من الجنود -أي جنود الحكومة الشاشانية التابعة لموسكو- ومن الروس أكبر من عدد قتلى المتمردين بوضوح" وتشير إلى أن "حرب العصابات" انتشرت في الأقطار المجاورة للشاشان بعد 9 سنوات من بدء الحرب الروسية الثانية فيها..
3- ينقل تقرير لمجموعة الأزمات الدولية عن ضابط روسي برتبة جنرال قوله: (السكان يدعمون المتمردين أو يقفون موقف الحياد، لا يقاومونهم ولا يسلمونهم للسلطات الاتحادية) ويقول إن مزيدا من الشباب ينضمون إلى المتمردين باستمرار، ويعلل التقرير ذلك بأن بعض الشباب يُعتقل ويعذب لمجرد رغبته في معرفة المزيد عن الإسلام.
4- صحيفة نويه تسوريخر السويسرية اليومية تؤكّد أن العمليات يومية وأنها تستهدف قوات الأمن والمخابرات..
5- صحيفة فرانكفورتر روند شاو الألمانية تشير يوم 21/6/2008م بمناسبة يوم اللاجئين العالمي، إلى أن اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي عبر الحدود البولندية الأوروبية شرقا، هم حتى الآن من الشاشانيين بنسبة الثلثين تقريبا، والنمسا هي الهدف الأول، ولكن 90 في المائة ممن يصل إليها منهم لا يحصل على لجوء سياسي، ويسلم للسلطات الروسية مجددا.
6- المناورات العسكرية الروسية في المنطقة لم تنقطع، وآخرها في النصف الثاني من نيسان/ إبريل 2008م، وهدفها الرسمي هو السيطرة على الأوضاع في الشاشان.
وتسعى السلطات الروسية للتمويه على حقيقة مجرى الأحداث.
7- ففي نطاق التناقض فيما أعلن عن عملية 13/6/2008م، ذكر موقع "روسيا.. حدث الساعة" الناطق بالعربية أن 60 مقاتلا شاركوا فيها، وأنها استمرت ساعة كاملة وقادها عثمان منزيجوف، من الثائرين المقاتلين.
8- ووكالة نوفوستي الروسية للأنباء تقول إنّ سلطات الإدارة المحلية نفت أسر أحد خلال العملية كما يقول المتمردون، ولكنها كانت قد أعلنت -كما ذكرت الوكالة أيضا- عن وقوع أسرى في أوّل تقرير لها.

التمويه مع التعتيم:

قد يشير إلى الحرص الروسي الشديد على بقاء الشاشان وراء "ستار حديدي روسي" والتهوين من شأن استمرار الثورة فيها رغم حربين روسيتين ضاريتين ضدّها، أنّ قائد القوات التابعة لوزارة الداخلية الروسية يقول إن عدد المتمردين لا يزيد عن 700 مقاتل، وهذا في نهاية 2007م، ولكن القائد نفسه قال ذلك أيضا قبل 3 سنوات كاملة.

وربما تعمد الثائرون الشاشان القيام بعملية 13/6/2008م، لتتزامن مع حملة إعلامية روسية واسعة النطاق حول حقيقة أوضاع الشاشان، ومن ذلك في اليوم نفسه إقامة "مهرجان سينمائي" في جروزني، وكان من الزوار المدعوين إليه وفد نيابي من الأردن حيث تعيش أقلية شاشانية كبيرة نسبيا.

وترأس الوفد النائب الأردني ذو الأصل الشاشاني سميح بينو، وعندما سئل عن حصيلة زيارته كان في جوابه الانطباع الذي استهدفته دعوته، إذ قال: "كان يغمرنا نحن الشراكسة والشيشان في الأردن الشوق لزيارة الجمهورية، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة والحرب التي استمرت فترة طويلة، لذلك تحركنا ومنذ اليوم الأول إلى معظم القرى والمدن للوقوف على آخر التطورات هناك ولرؤية عملية الإعمار، كما التقينا الرئيس رمضان قاديروف، وقد فوجئنا بما رأيناه في العاصمة جروزني من حركة بناء وتطور". وأضاف: "وجدنا أن الأمور تسير باتجاهها الصحيح واستقرار في الوضع الاقتصادي والأمني وكذلك ارتقاء المستوى التعليمي هناك".

ويبدو أن الجولة لم تشمل منطقة العملية، وأنّ الاطلاع على العمران الناشط فعلا لم يرافقه الاطلاع على عملية "هدم" من نوع آخر، تشمل كل ما يذكّر بثورة الاستقلال التي أطلقها جوهر دوداييف من قبل قيام الاتحاد الروسي نفسه مكان السوفييتي سابقا. فمع المهرجان السينمائي أقدمت السلطات المحلية دون إعلان مسبق، على هدم نصب تذكاري في جروزني كان قد أقامه دوداييف للتذكير بحوالي نصف مليون من الشاشانيين الذين قضوا نحبهم نتيجة عمليات التهجير والإبادة التي مارسها ستالين عام 1944م عقب الحرب العالمية الثانية. وعندما سئل قاديروف عن سبب القرار قال: "إن النصب لم يكن قائما في المكان الصحيح"، أي وسط العاصمة الشاشانية.

عمليات الثائرين الشاشانيين مستمرة، وربما كانت زيادتها في الآونة الأخيرة بداية تحرك أوسع نطاقا يوحي به اجتماع لقادة المقاومة في نهاية نيسان/ إبريل الماضي، بزعامة دوكو عمروف، الرئيس الشاشاني المنتخب من جانب المقاومة، للإعداد للعمليات القادمة في صيف 2008م.

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=3046&Itemid=1