تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الخلاف بين الصحابة في معركتي الجمل وصفين وقضية التحكيم



فـاروق
06-18-2008, 02:55 PM
علي الصلابي

معركة الجمل وصفين وقضية التحكيم

قال تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
[الحجرات: 9، 10].


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أبى؟ قال: فانطلق إليه، وركب حمارًا، وانطلق المسلمون، وهي أرض سبخة , فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عنى، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، قال: فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحًا منك، قال: فغضب لعبد الله رجل من قومه. قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضرب بالجريد وبالأيدي وبالنعال. قال: فبلغنا أنها نزلت فيهم: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا.


وعن الحسن عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس، قوله: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فإن الله سبحانه أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله، حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبى منهم أن يجتنب فهو باغ، فحق على إمام المؤمنين أن يجاهدهم ويقاتلهم، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويقروا بحكم الله.


وفي قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، أي إذا تقاتل فريقان من المسلمين، فيجب على ولاة الأمور الإصلاح بالنصح والدعوة إلى حكم الله، والإرشاد وإزالة الشبهة وأسباب الخلاف، والتعبير بـ«إن» للإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يقع القتال بين المسلمين، وأنه إن وقع فإنه نادر قليل، والخطاب في الآية لولاة الأمور، والأمر فيها للجوب، وقد استدل البخاري وغيره بهذا على أن المعصية وإن عظمت لا تُخرج من الإيمان، خلاقًا للخوارج القائلين بأن مرتكب الكبيرة كافر وهو في النار، وثبت في صحيح البخاري عن أبى بكرة- رضي الله عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يومًا، ومعه على المنبر الحسن بن على – رضي الله عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أخرى، ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ، فكان كما قال صلى الله عليه وسلم أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب التي وقعت بينهما.


وفي قوله تعالى: فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ، أي فإن اعتدت وتجاوزت الحد إحدى الفئتين على الأخرى، ولم تذعن لحكم الله وللنصيحة، فعلى المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية، حتى ترجع إلى حكم الله، وما أمر به من عدم البغي، والقتال يكون بالسلاح وبغيره، ويفعل الوسيط ما يحقق المصلحة، وهي الفيئة، فإن تحقق المطلوب بما دون السلاح كان ذلك، وإن تعين السلاح وسيلة فعل حتى الفيئة.


وفي قوله تعالى: فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي رجعت الفئة الباغية في بغيها، بعد القتال، ورضيت بأمر الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم، وتؤدى ما يجب عليها للأخرى، حتى لا يتجدد القتال بينهما مرة أخرى، واعدلوا أيها الوسطاء في الحكم بينهما. إن الله يحب العادلين، ويجازيهم أحسن الجزاء، وهذا أمر بالعدل في كل الأمور. قال صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا» ثم أمر الله تعالى بالإصلاح في غير حال القتال، ولو في أدنى اختلاف فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، فهذه الآية أصل من الأصول التي تنظم علاقة المسلم بأخيه المسلم.

إن الله تعالى لم ينف صفة الإيمان عن إحدى الطائفتين أو كلتيهما مع وقوع القتال بينهما، وإن أولى الناس بالدخول تحت معنى هذه الآية هم سادات المؤمنين الصحابة الكرام، سواء ما وقع في معركة الجمل أو صفين، وقد قام أمير المؤمنين علىّ- رضي الله عنه – بتطبيق هذه الآية من حرصه على الإصلاح. وقد استجاب طلحة والزبير لذلك، إلا أن أتباع عبد الله بن سبأ أنشبوا الحرب بين الطرفين، وسيأتي بيان ذلك في محله بإذن الله، وحرص أمير المؤمنين على الإصلاح مع أهل الشام، وبذل ما في وسعه، من طرق سلمية، وجرّد سيفه بعد فشل كل المحاولات الإصلاحية لكي يفئ معاوية – رضي الله عنه- إلى السمع والطاعة، ووحدة الخلافة الإسلامية، إلا أن معاوية اشترط تسليم قتلة عثمان- رضي الله عنه -، فاجتهد وأخطأ، وكان الحق مع أمير المؤمنين على ووقع القتال.

وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فأثبتت الأخوة الإيمانية لجميع المقاتلين من المسلمين، ومن باب أولى ما وقع بين على وطلحة والزبير – رضي الله عنهم- في الجمل، وما وقع مع معاوية في صفين، ومن هنا يظهر لنا أن المقاتلين في الجمل وفي صفين مؤمنون، ولا مجال للطعن في الصحابة بسبب هذه الحوادث التاريخية، أو محاولة نزع الإيمان عنهم، أو نشر العبارات المنحرفة في حقهم، ويكفى في الرد على تلك المقولات الباطلة أن هذه الآيات أثبتت لهم أخوة الإيمان، وسيأتي بيان ما وقع بينهم – بإذن الله تعالى – بالتفصيل.

فقد ذكر تعالى أن المؤمنين إخوة في الدين، ويجمعهم أصل واحد، وهو الإيمان، فيجب الإصلاح بين كل أخوين متنازعين، وزيادة في أمر العناية بالإصلاح بين الأخوين أمر الله تعالى بالتقوى، والمعنى: فأصلحوا بينها، وليكن رائدكم في هذا الإصلاح وفي كل أموركم تقوى الله، وخشيته والخوف منه، بأن تلتزموا الحق والعدل، ولا تحيفوا ولا تميلوا لأحد الأخوين، فإنهم إخوانكم، والإسلام سوّى بين الجميع، فلا تفاضل بينهم ولا فوارق، ولعلكم ترحمون بسبب التقوى وهي التزام الأوامر واجتناب النواهي.


وقد جعلت الآية الكريمة الإصلاح بين الإخوة وتقوى الله سبب نزول رحمة الله، تعظيمًا لأمر الإصلاح بين المسلمين. ويلاحظ أنه قال: اتقوا الله عند تخاصم رجلين، ولم يقل ذلك عند إصلاح الطائفتين، لأنه في حالة تخاصم الرجلين يخشى اتساع الخصومة، وأما في حال تخاصم الطائفتين فإن أثر الفتنة أو المفسدة عام شامل الكل, وكلمة (إنما) للحصر تفيد أنه لا أخوة إلا بين المؤمنين، ولا أخوة بين المؤمن والكافر، لأن الإسلام هو الرباط الجامع بين أتباعه، وتفيد أيضًا أن أمر الإصلاح ووجوبه إنما هو عند وجود الأخوة في الإسلام، لا بين الكفار، فإن كان الكافر ذميًا أو مستأمنًا وجبت إعانته وحمايته ورفع الظلم عنه، كما تجب إعانة المسلم ونصرته مطلقًا إن كان خصمه حربيًا.

وقد قال ابن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عوّل الصحابة، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم: «تقتل عمارًا الفئة الباغية» [أي عمار بن ياسر] أي أن قتال البغاة فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولذلك تخلف قوم من الصحابة – رضي الله عنهم – عن هذا الأمر، كسعد بن أبى وقاص، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة وغيرهم، اعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منهم أمير المؤمنين علىٌّ. وهناك كثير من الأحكام سوف نراها من خلال سرد الوقائع التي حدثت بين الصحابة – بإذن الله تعالى-.


ويُعد نظام التحكيم وقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله نظامًا له السبق من حيث الزمن على محاولات البشرية في هذا الطريق، وله الكمال والبراءة من العيب والنقص الواضحين في كل محاولات البشرية البائسة القاصرة التي حاولتها في كل تجاربها الكسيحة، وله بعد هذا وذاك صفة النظافة والأمانة والعدل والمطلق، لأن الاحتكام فيه إلى أمر الذي لا يشوبه غرض ولا هوى، ولا يتعلق به نقص أو قصور. ولم تنته محاولات الإصلاح منذ اندلاع القتال حتى توج بالصلح العظيم الذي خطط له أمير المؤمنين الحسن بن على رضي الله عنه.


المبحث الأول
الأحداث التي سبقت معركة الجمل


كانت فتنة مقتل عثمان – رضي الله عنه – سببًا في حدوث كثير من الفتن الأخرى، وألقت بظلالها على أحداث الفتن التي تلتها، وقد ساهمت أسباب عديدة في فتنة مقتل عثمان – رضي الله عنه -، منها:

الرخاء وأثره في المجتمع
طبيعة التحول الاجتماعي في عهده
مجيء عثمان بعد عمر
خروج كبار الصحابة من المدينة
العصبية الجاهلية
توقف الفتوحات
الورع الجاهل
طموح الطامحين
تآمر الحاقدين
التدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان
استخدام الأساليب والوسائل المهيجة للناس
دور عبد الله بن سبأ في الفتنة

وقد تم تفصيل تلك الأسباب في كتابي «تيسير الكريم المنّان في سيرة عثمان بن عفان».

إن عثمان- رضي الله عنه – كان الناس يحبونه حبًا عظيمًا، لحسن سياسته ولمكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه في الثناء عليه وزواجه من ابنتيه حتى سمي بذي النورين، فهو من الصحابة الكبار الذين بشروا بالجنة، ولقد تعرض للظلم في حياته من بعض الغوغاء، وكان في استطاعته أن يقضى عليهم ولكنه امتنع خوفًا من أن يكون أول من يسفك الدماء في أمة محمد صلى الله عليه وسلم

، فقد كانت سياسته في التعامل مع الفتنة قائمة على الحلم والتأني والعدل، وقد منع الصحابة من قتال الغوغاء، وأحب أن يقي المسلمين بنفسه، ولذلك كان مقتله سببًا لحدوث كثير من الفتن الأخرى وألقت بظلالها على الأحداث المتتالية من الفتن، ولقد كان مقتله عظيمًا على المسلمين ولذلك تصدع المجتمع الإسلامي لهذا الحادث الجلل، وانقسم الناس،

ومما يزيد من مكانته وبراءته مما نسب إليه مواقف الصحابة من قتله، فقد أجمع الجميع على براءته واتفقوا على الأخذ بدمه إلا أن المواقف اختلفت في الكيفية، وهذا ما سيأتي بيانه، بإذن الله. ونحب أن نسلط الأضواء على دور عبد الله بن سبأ في الفتنة عمومًا:

أولاً: أثر السبئية في إحداث الفتنة:


(1) السبئية حقيقة أم خيال: حقيقة عبد الله بن سبأ: أجمع القدماء على وجوده بلا استثناء وخالف في ذلك قلة من المعاصرين أكثرهم من الشيعة، وحجة من أنكره أنه من إبداع مخيلة سيف بن عمر التميمي وذلك لانتقاد بعض علماء الرجال له في مجال رواية الحديث أن العلماء يعدونه حجة في الأخبار،

علمًا بأنه وردت روايات كثيرة عند ابن عساكر تذكر عبد الله بن سبأ ليس من بين رواتها سيف بن عمر، وقد حكم الألباني على بعضها بأنها صحيحة من حيث السند, وهذا غير الروايات الكثيرة عن ابن سبأ في كتب الشيعة سواء في كتب الفرق أو الرجال أو الحديث عندهم، وليس فيها عمر هذا، لا من قريب ولا من بعيد،

وقد ابتدأ التشكيك في شخصية عبد الله بن سبأ ووجوده في محاولة منهم لنفي دور العنصر اليهودي الحاقد في زرع الفتنة بين المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى يوجه الاتهام للصحابة بأنهم سبب الفتنة بغرض هدم النموذج السامي والصور المشرقة لهم عند المسلمين، وتابعهم على نفي وجود عبد الله بن سبأ بعض المعاصرين كلهم من الشيعة الرافضة لغاية في نفوسهم، وهي محاولتهم الفاشلة لتبرئة أصل مذهبهم من مؤسسة الحقيقي كما أجمع القدماء جميعهم بمن فيهم الشيعة.

وتجدر الإشارة أن من أنكر عبد الله بن سبأ من المحسوبين على أهل السنة هم ممن تأثروا وتتلمذوا على أيدي المستشرقين فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل؟


وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق، لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في أخبار الفتنة، ودور ابن سبأ فيها لم يكن قصرًا على تاريخ الإمام الطبري، واستنادًا على روايات سيف بن عمر التميمي فيه، إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين، وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ الإسلامي وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة،

إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أغزرها مادة وأكثر تفصيلاً لا أكثر، ولهذا فإن التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل بحجة عدم ذكر عبد الله بن سبأ إلا من طريق سيف بن عمر حتى بعد ثبوت ذكره من روايات صحيحة ليس فيها سيف ابن عمر كما أسلفنا، إنما يعنى الهدم لكل تلك الأخبار، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء وتزيف الحقائق التاريخية،

فمتى كانت المنهجية ضربًا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص والروايات المتضافرة؟ وهل تكون المنهجية في الضرب صفحًا والإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة والمتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية؟, وقد جاء ذكر ابن سبأ في كتب أهل السنة كثيرًا منها:

جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان المتوفى عام 83هـ، وقد هجا المختار بن أبى عبيد الثقفي وأنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله:
شهدت عليكم أنكم سبئية

وأني بكم يا شرطة الكفر عارف


وهناك رواية عن الشعبي المتوفى عام103هـ (721م) تفيد كذب عبد الله بن سبأ، وتحدث ابن حبيب المتوفى عام 245هـ (860م) عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الجبشيات, كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم المتوفى سنة 253هـ، خبر إحراق على – رضي الله عنه – لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة,

ويعتبر الجاحظ المتوفى سنة (255هـ) من أوئل من أشار إلى عبد الله بن سبأ, ولكن روايته ليست أقدم رواية عن ابن سبأ كما يروى الدكتور جواد على, وخبر إحراق على بن أبى طالب – رضي الله عنه – لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد, ولفظ الزندقة ليس غريبًا عن عبد الله بن سبأ وطائفته.

ويقول ابن تيمية: إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سب.

ويقول الذهبي: عبد الله من غلاة الزنادقة، ضال مضل.

ويقول ابن حجر: عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة.. وله أتباع يقال لهم السبئية، معتقدون الإلهية في على بن أبى طالب، وقد أحرقهم على بالنار في خلافته.


ويوجد لابن سبأ ذكر في كتب الجرح والتعديل، يقول ابن حبان المتوفى354هـ: وكان الكلبي – محمد بن السائب الإخباري – سبئيًا، من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون: إن عليًا لم يمت، وأنه راجع إلى الدنيا قبل الساعة.. وإن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها, كما أن كتب الأنساب هي الأخرى تؤكد نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ، وهم الغلاة من الرافضة،

وابن سبأ أصله من اليمن، كان يهوديًا وأظهر الإسلام, ولم يكن سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ، إذ أورد ابن عساكر في تاريخه روايات لم يكن سيف فيها، وهي تثبت ابن سبأ وتؤكد أخباره, ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتداع ابن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في على وادعى الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له, ويشير الشاطبى والمتوفى عام790هـ إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله – تعالى- وهي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات, وفي خطط المقريزى المتوفى عام 845هـ، أن عبد الله بن سبأ قام من زمن على مُحدثًا القوم بالوصية والرجعة والتناسخ ,

وأما المصادر الشيعية التي ذكرت ابن سبأ، فقد روى الكشى عن محمد بن قولوية، قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثني يعقوب بن يزيد، ومحمد بن عيسى، عن على بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب الأزدى، عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ، أنه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله أمير المؤمنين عبدًا طائعًا، الويل لمن كذب علينا، وإن قومًا يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم, والرواية عند الشيعة من حيث السند صحيحة.

وفي كتاب الخصال أورد القمى الخبر نفسه، ولكن موصولاً بسند آخر، وأما صاحب روضات الجنات فقد ذكر ابن سبأ على لسان الصادق المصدوق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير وإذاعة الأسرار والتأويل, وقد ذكر الدكتور سليمان العودة في كتابه مجموعة من النصوص التي تزخر بها كتب الشيعة ومروياتهم عن عبد الله بن سبأ، فهي أشبه ما تكون وثائق مسجلة تدين من حاول من متأخري الشيعة إنكار عبد الله بن سبأ، أو التشكيك في أخباره، بحجة قلة، أو ضعف المصادر التي حكت أخباره.

إن شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية لا لبس فيها في المصادر السنية والشيعية المتقدمة والمتأخرة على السواء، وهي كذلك أيضًا عند غالبية المستشرقين أمثال: يوليوس فلهاوزن, وفان فولتن, وليفي ديلافيد, وجولد تسيهر, ورينولد نكلسن, وداويت رونلدس..على حين يبقى ابن سبأ محل شك أو مجرد خرافة عند فئة قليلة من المستشرقين أمثال: كيتاني وبرنارد لويس, وفريد لندر المتأرجح, علمًا بأننا لا نعتد بهم في أحداث تاريخنا.

ومن يستقرئ المصادر، سواء القديمة والمتأخرة، عند السنة والشيعة، يتأكد له بأن وجود ابن سبأ كان وجودًا تؤكده الروايات التاريخية، وتفيض فيه كتب العقائد، وذكرته كتب الحديث، والرجال والأنساب، والأدب، واللغة،

وسار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين والمحدثين، يبدو أن أول من شك في وجود ابن سبأ المستشرقون، ثم دعّم هذا الطرح الغالبية من الشيعة المعاصرين بل وأنكر بعضهم وجوده ألبتة، وبرز من الباحثين العرب المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين، ومن تأثر بكتابات الشيعة المحدثين، ولكن هؤلاء جميعًا ليس لهم ما يدعمون به شكهم وإنكارهم إلا الشك ذاته، والاستناد إلى مجرد الهوى والظنون والفرضيات, ومن أراد التوسع في معرفة المراجع والمصادر السنية والشيعية والاستشراقية التي ذكرت ابن سبأ فليراجع تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور محمد أمحزون، وعبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام، للدكتور سليمان بن حمد العودة.

(2) دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة: في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان – رضي الله عنه – بدت في الأفق سمات الاضطراب في المجتمع الإسلامي نتيجة عوامل التغيير التي ذكرناها، وأخذ بعض اليهود يتحينون فرصة الظهور مستغلين عوامل الفتنة ومتظاهرين بالإسلام واستعمال التقية، ومن هؤلاء عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء، وإذا كان ابن سبأ لا يجوز التهويل من شأنه كما فعل بعض المغالين في تضخيم دوره في الفتنة, فإنه كذلك لا يجوز التشكيك فيه أو الاستهانة بالدور الذي لعبه في أحداث الفتنة، كعامل من عواملها، على أنه أبرزها وأخطرها، إذ إن هناك أجواءً للفتنة مهدت له، وعوامل أخرى ساعدته،

وغاية ما جاء به ابن سبأ آراء ومعتقدات ادّعاها واخترعها من قبل نفسه وافتعلها من يهوديته الحاقدة، وجعل يروجها لغاية ينشدها وغرض يستهدفه، وهو الدَّس في المجتمع الإسلامي بغية النيل من وحدته، وإذكاء نار الفتنة وغرس بذور الشقاق بين أفراده، فكان ذلك من جملة العوامل التي أدّت إلى قتل أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – وتفرق الأمة شيعًا وأحزابًا, وخلاصة ما جاء به أن أتى بمقدمات صادقة وبنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذج الغلاة وأصحاب الأهواء من الناس، وقد سلك في ذلك مسالك ملتوية لبّس فيها على من حوله حتى اجتمعوا عليه، فطرق باب القرآن بتأولّه على زعمه الفاسد حيث قال: لَعجَب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدًا يرجع، وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85]

فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، كما سلك طريق القياس الفاسد من ادعاء إثبات الوصية لعلى- رضي الله عنه – بقوله: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصى، وكان على وصى محمد ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلى خاتم الأوصياء, وحينما استقر الأمر في نفوس أتباعه انتقل إلى هدفه المرسوم، وهو خروج الناس على الخليفة عثمان – رضي الله عنه -، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم حيث قال لهم: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة؟ ثم قال لهم بعد ذلك:

إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصىّ رسول الله فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تستميلوا الناس وادعوا إلى هذا الأمر, وبث دعاته، وكاتب من كان في الأمصار، وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسترون غير ما يبدون، فيقول أهل مصر: إنّا لفي عافية مما فيه الناس.


ويظهر في النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من كبار الصحابة، حيث جعل أحدهما مهضوم الحق وهو على، وجعل الثاني مغتصبًا وهو عثمان، ثم حاول بعد ذلك أن يحرك الناس – خاصة في الكوفة- على أمرائهم باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فجعل هؤلاء يثورون لأصغر الحوادث على ولاتهم، علمًا بأنه ركز في حملته هذه على الأعراب الذين وجد فيهم مادة ملائمة لتنفيذ خطته، فالقرَّاء منهم استهواهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأصحاب المطامع منهم هيّج أنفسهم بالإشاعات المغرضة المفتراة على عثمان؛

مثل تحيزه لأقاربه وإغداق الأموال من بيت مال المسلمين عليهم، وأنه حمى الحمى لنفسه إلى غير ذلك من التهم والمطاعن التي حرك بها نفوس الغوغاء ضد عثمان- رضي الله عنه- مع براءته، ثم إنه أخذ يحض أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مصرهم إلى بقية الأمصار، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال بلغ من السوء ما لا مزيد عليه، والمستفيد من هذه الحال هم السبئية، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي, هذا وقد شعر عثمان – رضي الله عنه – بأن شيئًا ما يحاك في الأمصار وأن الأمة تمخض بشر فقال: والله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها.

على أن المكان الذي رتع فيه ابن سبأ هو مصر، وهناك أخذ ينظم حملته ضد عثمان – رضي الله عنه -، ويحث الناس على التوجه إلى المدينة لإثارة الفتنة بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، ووثب على وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد عليًا، وقد غشهم بكتب ادّعى أنها وردت من كبار الصحابة حتى إذا أتى هؤلاء الأعراب المدينة المنورة واجتمعوا بالصحابة لم يجدوا منهم تشجيعًا، حيث تبرءوا مما نسب إليهم من رسائل تؤلب الناس على عثمان, ووجدوا عثمان مقدرًا للحقوق، بل وناظرهم فيما نسبوا إليه، ورد عليهم افتراءهم وفسّر لهم صدق أعماله، حتى قال أحد زعمائهم وهو مالك ابن الأشتر النخعى: لعله مُكر به وبكم.

ويعتبر الذهبي أن عبد الله بن سبأ المهيج للفتنة بمصر وباذر بذور الشقاق والنقمة على الولاة ثم على أمير المؤمنين عثمان فيها, ولم يكن ابن سبأ وحده، وإنما كان عمله ضمن شبكة من المتآمرين وأخطبوط من أساليب الخداع والاحتيال والمكر وتجنيد الأعراب والقراء وغيرهم، ويروى ابن كثير أن أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وذهابه إلى مصر وإذاعته بين الناس كلامًا اخترعه من عند نفسه، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر.

إن المشاهير من المؤرخين والعلماء من سلف الأمة وخلفها يتفقون على أن ابن سبأ ظهر بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط سبئية، ليلفت المسلمين عن دينهم وطاعة إمامهم ويوقع بينهم الفرقة والخلاف، فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكوّنت به الطائفة السبئية المعروفة التي كانت عاملاً من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وما ترتب على قتله من فتن كمعركتي الجمل وصفين وغيرهما. والذي يظهر من خطط السبئية أنها كانت أكثر تنظيمًا، إذ كانت بارعة في توجيه دعايتها ونشر أفكارها لامتلاكها ناصية الدعاية والتأثير بين الغوغاء والرعاع من الناس، كما كانت نشيطة في تكوين فروع لها سواء في البصرة أم في الكوفة أم في مصر، مستغلة العصبية القبلية، ومتمكنة من إثارة مكامن التذمر عند الأعراب والعبيد والموالي، عارفه بالمواضع الحساسة في حياتهم وبما يريدون.


-----
يتبع

عبد الله بوراي
06-18-2008, 03:14 PM
فى إنتظار التكملة بارك الله فيك
ولا أدرى
لما الوصول الى الحقيقة هنا من السهل المُستصعب أو المُستصعب السهل...؟
فقد قل الماء وكثرت الدلاء
والله أعلم
عبد الله

صرخة حق
06-18-2008, 03:27 PM
معكم أخي نتابع .. بارك الله فيكم

فـاروق
06-18-2008, 05:26 PM
ثانيًا: اختلاف الصحابة في الطريقة التي يؤخذ بها القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه:

إن الخلاف الذي نشأ بين أمير المؤمنين على من جهة، وبين طلحة والزبير وعائشة من جهة أخرى، ثم بعد ذلك بين على ومعاوية لم يكن سببه ومنشؤه أن هؤلاء كانوا يقدحون في خلافة أمير المؤمنين علي وإمامته وأحقيته بالخلافة والولاية على المسلمين، فقد كان هذا محل إجماع بينهم.

قال ابن حزم:ولم ينكر معاوية قط فضل علىّ واستحقاقه الخلافة، ولكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان – رضي الله عنه – على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان(1).


وقال ابن تيمية: ومعاوية لم يدّع الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل عليًا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا عليًا وأصحابه بالقتال، ولا فعلوا(2)...وقال أيضًا:...وكل فرقة من المتشيعين مقرّة مع ذلك بأن معاوية ليس كفئًا لعلى بالخلافة، ولا يكون خليفة مع إمكان استخلاف على، فإن فضل على وسابقته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معلومة كفضل إخوانه أبى بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم(3).


إن منشأ الخلاف لم يكن قدحًا في خلافة أمير المؤمنين علىّ – رضي الله عنه- وإنما اختلافهم في قضية الاقتصاص من قتلة عثمان، ولم يكن خلافهم في أصل المسألة، وإنما كان في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية،

إذ كان أمير المؤمنين على موافقًا من حيث المبدأ على وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان رأيه أن يرجئ الاقتصاص من هؤلاء إلى حين استقرار الأوضاع وهدوء الأمور واجتماع الكلمة (4),

قال النووي: واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:

قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده،

وقسم عكس هؤلاء: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدتهم وقتال الباغي عليه،

وقسم ثالث: اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين، وأن الحق معه، لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه(5).

ثالثًا: خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة للإصلاح:

قدم طلحة والزبير إلى مكة ولقيا عائشة – رضي الله عنهم جميعًا – وكان وصولهما إلى مكة بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان تقريبًا، أي في ربيع الآخر من عام36هـ (6)، ثم بدأ التفاوض في مكة مع عائشة، رضي الله عنها، للخروج، وقد كانت هناك ضغوط نفسية كبيرة على أعصاب الذين وجدوا أنفسهم لم يفعلوا شيئًا لإيقاف عملية قتل الخليفة المظلوم، فقد اتهموا أنفسهم بأنهم خذلوا الخليفة وأنه لا تكفير لذنبهم هذا – حسب قولهم- إلا الخروج للمطالبة بدمه، علمًا بأن عثمان هو الذي نهى كل من أراد أن يدافع عنه في حياته تضحية في سبيل الله،

فعائشة تقول: إن عثمان قُتل مظلومًا والله لأطالبن بدمه (7), وطلحة يقول: إنه كان منى في عثمان شيء ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه(8), والزبير يقول: نُنهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يَبْطل، فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدًا، إذا لم يُفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب(9).


فهذا الإحساس الضاغط على الأعصاب والنفوس كان كفيلاً بأن يحرك الناس ويخرجهم من راحتهم واستقرارهم، بل كانوا يخرجون وهم يدركون أنهم يخرجون إلى أهوال قادمة مجهولة، فكل واحد منهم خرج من بيته وهو غير متوقع العودة مرة أخرى؛ فشيعه أولاده بالبكاء وسمي يوم خروجهم من مكة نحو البصرة بيوم النحيب، فلم يُرَ يوم كان أكثر باكيًا على الإسلام، أو باكيًا له من ذلك اليوم(10).

لقد توافرت مجموعة من العوامل في مكة جعلتهم يفكرون في طريقة جادة لتحقيق مطلبهم، ومن هذه العوامل: أن بنى أمية قد هربوا من المدينة واستقروا في مكة، ومنها: أن عبد الله بن عامر – أمير البصرة في عهد عثمان- كان في مكة وهو يحث على الخروج ويعرض المعونة المادية،

ومنها: أن يعلى بن أمية الذي خرج من اليمن لإعانة الخليفة عثمان وصل إلى مكة، وقد قتل الخليفة ومع من المال والسلاح والدواب شيء لا بأس به، فعرض كل ذلك للمساعدة في قتل عثمان، فكان هذا كفيلاً لتشجيع الباحثين عن طريقة لمطاردة قتلة عثمان، وما دامت العوامل قد توافرت لجمع قوة تطالب بدم عثمان فمن أين يبدءون؟

دار حوار بينهم حول الجهة التي يتوجهون إليها فقال بعضهم – على رأسهم السيدة عائشة-:إن المدينة هي وجهتهم، وظهر رأى آخر يطلب التوجه إلى الشام ليتجمعوا معًا ضد قتلة عثمان، وبعد نظر طويل قرَّ رأيهم على البصرة، لأن المدينة فيها كثرة ولا يقدرون على مواجهتهم لقلتهم، ولأن الشام صار مضمونًا لوجود معاوية، ومن ثم يكون دخولهم البصرة أولى في هذه الخطة لأنها أقل البلدان قوة وسلطة، ويستطيعون من خلالها تحقيق خطتهم(11),

وكانت خطتهم ومهمتهم واضحة سواء قبل خروجهم، أو أثناء طريقهم، أو عند وصولهم إلى البصرة وهي: المطالبة بدم عثمان، والإصلاح، وإعلام الناس بما فعل الغوغاء، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر(12), وأن هذا المطلب هو لإقامة حد من حدود الله(13), وأنه إذا لم يؤخذ على أيدي قتلة عثمان – رضي الله عنه- فسيكون كل إمام معرضًا للقتل من أمثال هؤلاء(14), وأما الطريقة التي تصورها فهي الدخول إلى البصرة ثم الكوفة، والاستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلكحتى يُضيقوا الخناق على قاتلي عثمان الموجودين في جيش علىّ فيأخذونهم بأقل قدر ممكن من الضحايا(15).


لم يكن الخروج إلى البصرة والغضب الذي حرك الصحابة من البساطة التي ظهرت للناس كثأر لعثمان، رضي الله عنه، وكأنه رجل من عوام الناس قُتل، فخرجت الجيوش في الطلب له بثأره، رغم كونه حدًا من حدود الله يستوجب الغضب ويستدعى حدوث ذلك، ولكن مكانة عثمان وشخصيته ومكانته المعنوية كخليفة، وقتله بالصورة التي تمت، كان فوق ذلك، ومعه اغتيال لصفة شرعية هي «الخلافة» التي يفهمها المسلمون: نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين، وسياسة الدنيا به(16), فالاعتداء عليها دون وجه حق اعتداء على صاحب الشرع وتوهين لسلطانه، وضياع لنظام المسلمين(17).


كانت السيدة عائشة والزبير وطلحة ومن معهم يسعون لإيجاد رأى إسلامي عام في مواجهة الطغمة السبئية التي قتلت عثمان، وأصبحت ذات شوكة لا يستهان بها، وذلك من خلال تعريف المسلمين بما أتى هؤلاء السبئيون والغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل، ومن ظاهرهم من الأعراب والعبيد، فلقد بات واضحًا عند الصحابة من الفريق الذي كان يرى رأي عائشة – رضي الله عنها- أن الغوغاء والسبئيين لهم وجود في جيش علىّ، وأنه لأجل ذلك فإن عليًا- رضي الله عنه – يصعب عليه مواجهتهم، خشية منه على أهل المدينة، ومن ثم فإنه ينبغي عليهم أن يحاولوا السعي لإفهام المسلمين، وتقوية الجانب المطالب بإقامة الحدود، لتتم إقامتها بأقل الخسائر في دماء الأبرياء، وهو هدف لا نشك أن عليًا كان يسعى إليه، ويحاوله،

بل إن الروايات التي مرت معنا في المحاورة بين الزبير وطلحة وعلىّ تدل على ذلك،

ثم إن هذا السلوك منهم، وهذه النية في تعريف الناس، وتوضيح الأمور لهم، دليل على وعى تام منهم بأساليب السبئية في اللعب بأفكار العامة، وتوجيهها على النحو الذي ينخر في الأمة حتى لا تستقر على حال، فكان لابد من موجهتها في ميدان الأفكار، لإبطال عملها، ولقد تبين هذا العمل واضحًا، وصريحًا في الروايات الصحيحة(18), التي تحدثت فيها السيدة عائشة – رضي الله عنها- عن أهداف هذا الخروج،

فروى الطبري أن عثمان بن حنيف – وهو والى البصرة من قبل أمير المؤمنين على بن أبى طالب – أرسل إلى عائشة – رضي الله عنها – عند قدومها البصرة يسألها عن سبب قدومها، فقالت:

والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطى لبنية الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار، ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر؛ فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجنود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين، ولا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أُعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، فنهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به وتحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره(19).


وروى ابن حبان أن عائشة – رضي الله عنها – كتبت إلى أبى موسى الأشعري – والى علىّ على الكوفة-: فإنه قد كان من قتل عثمان ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من قبلك بالقرار في منازلهم، والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح أمر المسلمين(20).

ولما أرسل علىُّ القعقاع بن عمرو لعائشة ومن كان معها يسألها عن سبب قدومها، دخل عليها القعقاع فسلم عليها، وقال: أي أُمه، ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بنى، إصلاح بين الناس(21).


وبعد انتهاء الحرب يوم الجمل جاء علىٌّ إلى عائشة – رضي الله عنها – فقال لها: غفر الله لك. قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح(22).

فتقرر أنها ما خرجت إلا للإصلاح بين الناس، وفيه رد على من طعن في عائشة – رضي الله عنها – من الشيعة الرافض في قولهم: إنها خرجت من بيتها وقد أمرها الله بالاستقرار فيه في قوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، فإن سفر الطاعة لا ينافي القرار في البيت وعدم الخروج منه إجماعًا، وهذا ما كانت تراه أم المؤمنين – عائشة – في خروجها للإصلاح للمسلمين وكان معها محرمها ابن أختها عبد الله بن الزبير(23).


قال ابن تيمية في الرد على الرافضة في هذه المسألة: فهي – رضي الله عنها – لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافى الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفره، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد سافر بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة – رضي الله عنها – وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم،

وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ثلاثة أشهر، بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحججن بعده كما كن يحججن معه، في خلافة عمر – رضي الله عنه – وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان، أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزًا، فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك(24).

ويقول ابن العربي: وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في قوله: لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]. والأمر بالإصلاح، مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى حر أو عبد(25).


وهذه بعض الأمور المهمة في خروجها:

1- هل أُكرهت السيدة عائشة على الخروج؟ زعم اليعقوبي أن الزبير بن العوام أكره السيدة عائشة على الخروج(26), وقال بهذا القول صاحب الإمامة والسياسة(27), وابن أبى الحديد(28), وكذلك فعل الدينورى(29), وألمحت الرواية التي ذكرها الذهبي بأن المتسلط عليها هو عبد الله بن الزبير(30) – ابن أختها أسماء – وسار على هذه الروايات كثير من الباحثين، كمحمد سيد الوكيل(31)؛ فقد زعم أن الزبير وطلحة شجعا عائشة على الخروج، وزاهية قدورة(32) وغيرهما، وهذا غير صحيح، فقد قامت السيدة عائشة بالمطالبة بثأر عثمان منذ اللحظة التي علمت فيها بمقتله- رضي الله عنه – وقبل أن يصل الزبير وطلحة وغيرهما من كبار الصحابة إلى مكة؛

ذلك أنه قد روى أنها لما انصرفت راجعة إلى مكة أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي فقال: ما ردك يا أم المؤمنين؟ قالت: ردّني أن عثمان قُتل مظلومًا، وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر، فاطلبوا دم عثمان تعزُّوا الإسلام. فكان عبد الله أول من أجابها33), ولم يكن طلحة والزبير قد خرجا من المدينة، وإنما خرجا منها بعدما مر على مقتل عثمان أربعة أشهر(34).


2- هل كانت متسلطة على من معها؟: كان فيمن خرج معها – رضي الله عنها- جمع من الصحابة(35), ولم تكن السيدة عائشة المرأة المتسلطة التي تحرك الناس حيث شاءت – كما زعم بروكلمان(36), ولقد أكدت روايات الطبري تأييد أمهات المؤمنين لها، ولمن معها في السعي للإصلاح، بل وتأييد عدد غير قليل من أهل البصرة لها(37), وكان هذا العدد غير القليل ممن لا يستهان بهم، فلقد وصفهم طلحة والزبير بأنهم خيار أهل البصرة ونجباؤهم(38), ووصفتهم السيدة عائشة بأنهم الصالحون(39), وما كان خروج هذا العدد من الصالحين إلا عن اعتقاد راسخ بجدوى هذا الخروج وصواب مقصده، وكان أمير المؤمنين يعلم هذا، ويرد الزعم الذي زعمه البعض من أن الخارجين مع السيدة عائشة كانوا جموعًا من السفهاء والغوغاء والأوباش(40), فلقد وقف أمير المؤمنين بعد معركة الجمل بين القتلى من فريق عائشة، يترحم عليهم ويذكر فضلهم(41). وسيأتي بيان ذلك أنه لم يكن خروجًا غوغائيًا، تحكمت فيه السيدة عائشة في أناس غير راشدين، بل كان خروجًا واعيًا شارك فيه بعض الصحابة الكبار(42).


3- موقف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج للطلب بدم عثمان:كانت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قد خرجن إلى الحج في هذا العام فرارًا من الفتنة، فلما بلغ الناس بمكة أن عثمان قد قُتل أقمن بمكة، وكن قد خرجن منها فرجعن إليها، وجعلن ينتظرون ما يصنع الناس ويتحسسن الأخبار، فلما بويع علىّ خرج عدد من الصحابة من المدينة كارهين المقام بها بسبب الغوغاء من أهل الأمصار، فاجتمع بمكة منهم خلق كثير من الصحابة وأمهات المؤمنين(43),

وكانت بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عائشة على السير إلى المدينة، فلما اتفق رأى عائشة ومن معها من الصحابة على السير إلى البصرة، رجعن عن ذلك وقلن: لا نسير إلى غير المدينة(44). كان الخروج في أمر عثمان إذن غير مختلف عليه بين أمهات المؤمنين، لكنهن اختلفن حين تغيرت الوجهة من المدينة إلى البصرة، غير أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر – رضي الله عنها – وافقت عائشة على السير إلى البصرة، وإنما عزم(45) عليها أخوها عبد الله كي لا تخرج، فلم يكن عدم خروجها ناتجًا عن اقتناع منها(46), وقالت لعائشة: إن عبد الله حال بيني وبين الخروج، وأرسلت إلى عائشة بعذرها(47). وتكاد الروايات الشائعة تبدى أن أم سلمه – رضي الله عنها – لم تكن ترى رأى عائشة ومن معها في الخروج إلى البصرة، وأنها كانت ترى ما يراه على(48), غير أن أقرب الروايات إلى الصحة هي أنها أرسلت إلى علىًّ ابنها عمر بن أبى سلمه قائلة: والله لهو أعز على من نفسي، يخرج معك فيشهد مشاهدك. فخرج فلم يزل معه(49).

وهي رواية عند التحقيق لا يتبين لنا منها أن هذا الإرسال لابنها يعنى أنها كانت تخالف أمهات المؤمنين في القول بالإصلاح بين المسلمين، فعائشة نفسها ومن معها لم يكونوا يرون أنهم بهذا الخروج يخالفون عليًا – رضي الله عنه – أو يخرجون على خلافته كما رأينا، وكما سوف تؤكد لنا الأحداث، كما أننا لم نجد في الروايات الصحيحة ما يدل على خروجها على إجماع أمهات المؤمنين في أهمية السعي للإصلاح(50), وكانت أمهات المؤمنين يعلمن أن هذا الخروج في الإصلاح بين المسلمين مما يدخل في معنى الفرض الكفائى، والضابط فيه أن الطلب فيه ليس متوجهًا إلى جميع المكلفين، بل هو إلى ما فيه أهلية القيام به، لا على الجميع عمومًا، ولقد كانت أهلية القيام بهذا الإصلاح بين المسلمين متوافرة تمامًا في السيدة عائشة: مكانة وسنًا وعلمًا وقدرة، وكانت عائشة أكثرهن فقهًا بإجماع جمهور المسلمين(51),

كما أنها كانت تهتم بالأمور العامة، فكانت صاحبة شخصية ثقافية واسعة، تكونت منذ نشأتها في بيت أبى بكر العالم بأيام العرب وأنسابهم، ومن عيشها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرجت منه أسس سياسة الدولة الإسلامية، ثم هي بنت الخليفة الأول للمسلمين، وقد أكد العلماء هذه المكانة للسيدة عائشة،

فقد قال عروة بن الزبير: لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا..ولا بقضاء، ولا بطب منها(52).

وكان الشعبي يذكرها فيتعجب من فقهها وعلمها، ثم يقول: ما ظنكم بأدب النبوة؟! وكان عطاء يقول: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة(53). وكان الأحنف بن قيس سيد بنى تميم، وأحد بلغاء العرب يقول: سمعت خطبة أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، والخلفاء بعدهم..فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم، ولا أحسن منه في عائشة. وكان معاوية يقول مثل هذا(54).هذا وقد خرج أمهات المؤمنين مودعات للسيدة عائشة حين خرجت للبصرة، وفي ذلك معنى من معاني المعاونة والتشجيع لها على أمرها(55).

4- مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب: ثبت مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب من طرق صحيحة؛ فعن يحيى بن سعيد بن القطان، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس ابن حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب»(56).ومن طريق شعبة عن إسماعيل ولفظ شعبة: أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب. فقال لها الزبير: أترجعين؟ عسى الله عز وجل أن يُصلح بك بين الناس(57).

وبهذا اللفظ أخرجه يعلى بن عبيد عن إسماعيل، وهو عند الحاكم(58), وقال الألباني: إسناده صحيح جدًا وقال: صححه من كبار أئمة الحديث: ابن حبان، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر(59).

فهذه الروايات الصحيحة، ليس فيها شيء من شهادة الزور أو التدليس الذي يتنزه عنه مقام الصحابة والذي زعمته الروايات الضعيفة(60) التي سيأتي بيانها.

إن المتأمل لهذه الروايات التي صححها العلماء لا يجد في أي منها ما يدل على نهى عن شيء، أو أمر بشيء لتفعله السيدة عائشة، بل إن ما يفهم منها هو تساؤله عن أيتهن التي يحدث أن تمر على ماء الحوأب؟ والروايات الدالة على النهى، والتي بها لفظة إياك في الأثر الوارد: «إياك أن تكوني يا حميراء»(61) لم يصححها العلماء، وإنما ضعفت، ومن هنا فإن الصحيح الذي نذهب إليه هو أن مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب لم يكن له الأثر السلبي الذي افتعلته الروايات الموضوعة، ولم يكن له الأثر البعيد على السيدة عائشة نفسها بحيث تفكر جديًّا في الرجوع عما خرجت له من إصلاح بين المسلمين، وسعى لتسديد خطاهم، ولم يعد الأمر أن يكون «ظنًا» منها في احتمال الرجوع، وهذا هو ما عبرت عنه حين قالت: ما أظنني إلا راجعة وهو ظن لم يتلبث إلا يسيرًا ثم عاد هدفها واضحًا بعدما ذكرها الزبير بما عسى الله أن يجريه على يديها من إصلاح بين المسلمين(62),

لقد كانت وما زالت مسألة ماء الحوأب(63) والأحاديث المذكورة فيها مجالاً خصبًا للشيعة وغيرهم يطعنون بها على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ويدينون بها خروجها في شأن الطلب بدم عثمان، حتى انتهى بهم الأمر إلى نفى صفة الاجتهاد عنها، بدعوى مخالفتها – في زعمهم – لنهى الرسول صلى الله عليه وسلم لها عن أن ترد ماء الحوأب،

وقد ذكرت المصادر التاريخية هذه القصة، فقد جاءت عند الطبري في رواية طويلة، يرويها إسماعيل بن موسى الفزاري قال عنه ابن عدى: أنكروا منه الغلو والتشيع(64).

ويروى الفزارى هذا الخبر عن على بن عابس الأزرق، وهو ضعيف قاله ابن حجر والنسائي(65), وهو يروى هذا الخبر عن الخطاب الهجري وهو مجهول(66), وهذا الهجري المجهول، يرويه عن مجهول آخر هو صفوان بن قبيعة الأحمسى(67), ثم أخيرًا عن شخصية أشد جهالة هي شخصية العزنى صاحب الجمل، وما هو بصاحب الجمل، وإنما صاحبه هو يعلى بن أمية(68).

وفي متن هذه الرواية ما يجد القارئ من رائحة التشيع والرفض الواضحة في آخر الرواية، حيث تزعم على لسان علىًّ أنه كان – رضي الله عنه – يرى أحقيته بالخلافة على أبى بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – والصحيح الثابت من الروايات المحققة يدل على خلا ذلك تمامًا(69).

وعلى أساس كل ما سبق يتضح لنا أن هذه الرواية غير صحيحة(70), وهناك روايات أخرى وردت في هذا الموضوع، كلها باطلة سندًا ومتنًا، ومغزى هذه الروايات وهدفها هو الطعن على كبار الصحابة وفضلائهم، وبيان أن مقصدهم من خروجهم هذا، هو تحقيق مطامع دنيوية شخصية من مال ورئاسة وغيرها، وأن الغاية تبرر الوسيلة، وأنهم لا يتورعون في سبيل ذلك عن إشعال الحرب والفتنة بين المسلمين، وتركز الروايات على الصحابيين الجليلين طلحة والزبير – رضي الله عنهما -(71),

كما يريد مفتري هذه الروايات أن يبين ويؤكد أن هذين الصحابيين ومن معهما من أفراد المعسكر يتجرءون على انتهاك حرمات الله؛ فهم يقسمون ويحلفون لأم المؤمنين بأيمان مغلظة أن هذا ليس ماء الحوأب، وزيادة على ذلك أتوا بسبعين نفسًا – وفي رواية بخمسين نفسًا – يشهدون على صدق قولهم، فكان هذا العمل – كما افترى المسعودي الشيعي الرافضي – أول شهادة زور في الإسلام(72).

وتحاول هذه الروايات أن تظهر أن طلحة والزبير وأم المؤمنين – رضي الله عنهم- ليسوا على شيء من صفاء القلوب والاجتماع على هدف واحد، وتحاول أن تظهر أن عائشة – رضي الله عنها – بجانب طلحة – رضي الله عنه – وفي قرارة نفسها أن يتولى هو الخلافة، وذلك لأنه تيمي مثلها، كما تظهر هذه الروايات أن هناك تنافسًا داخليًا بين طلحة والزبير، وحرصًا من كل واحد منهما أن يتولى الإمارة، وهذه الروايات لا تخلو من ضعف قوى، فبعضها منقطع السند أو فيها مجاهيل لا يعرفون، أو فيها كلا العيبين الفادحين(73).

ولقد تأثر كثير من الكتاب والمؤرخين بهذه الروايات واعتمدوا عليها وأسهموا في نشرها، وهي لا أساس لها، كالعقاد في عبقرية على، وطه حسين في على وبنوه(74), وغيرهما من الكتاب المعاصرين.

5- أعمالهم في البصرة: عندما وصل طلحة والزبير وعائشة – رضي الله عنهم – ومن معهم إلى البصرة نزلوا جانب الخريبة(75), ومن هناك أرسلوا إلى أعيان وأشراف القبائل يستعينون بهم على قتلة عثمان، كان كثير من المسلمين في البصرة وغيرها، يودون ويرغبون في القود من قتلة عثمان – رضي الله عنه – إلا أن بعض هؤلاء يرون أن هذا من اختصاص الخليفة وحده، وأن الخروج في هذا الأمر بدون أمره وطاعته معصية، ولكن خروج هؤلاء الصحابة المشهود لهم بالجنة، وأعضاء الشورى ومعهم أم المؤمنين عائشة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفقه النساء مطلقًا، ومطلبهم الشرعي لا غبار عليه ولا ينكره صحابي واحد، جعل الكثير من البصريين على اختلاف قبائلهم ينضمون إليهم،

وأرسل الزبير إلى الأحنف بن قيس السعدي التميمي يستنصره على الطلب بدم عثمان، والأحنف من رؤساء تميم وكلمته مسموعة، يقول الأحنف واصفًا هول الموقف:..فأتاني أفظع أمر أتاني قط فقلت: إن خذلاني هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم لشديد(76) إلا أنه اختار الاعتزال، فاعتزل معه ستة آلاف ممن أطاعه من قومه، وعصاه في هذا الأمر كثير منهم، ودخلوا في طاعة طلحة والزبير وأم المؤمنين(77).

ويذكر الزهري أن عامة أهل البصرة تبعوهم(78), وهكذا انضم إلى طلحة والزبير وعائشة ومن معهم أنصار جدد لقضيتهم التي خرجوا من أجلها.وقد حاول ابن حنيف تهدئه الأمور والإصلاح قدر المستطاع إلا أن الأمور خرجت من يده حتى قال أحدهم عن البصرة: قطعة من أهل الشام نزلت بين أظهرنا(79). وحتى إن معاوية فيما بعد حاول الاستيلاء عليها بمساعدة أهلها(80).

وتذكر بعض المصادر غير الموثقة أن عثمان بن حنيف رخص لحكيم بن جبلة في القتال، وهذا لا يثبت، والمصادر الصحيحة لم تثبت ذلك(81).

6- مقتل حُكَيم بن جبلة ومن معه من الغوغاء: أقبل حُكَيم بن جبلة بعدما خطبت عائشة – رضي الله عنها – في أهل البصرة، فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة وطلحة والزبير – رضي الله عنهم – رماحهم وأمسكوا ليمسكوا، فلم ينته حكيم ومن معه، ولم يثن، وظل يقاتلهم، وطلحة والزبير كافُّون إلا ما دافعوا عن أنفسهم، وحكيم يذمر(82) خيله ويركبهم بها(83), وعلى الرغم من ذلك، فإنه عائشة – رضي الله عنها – ظلت حريصة على عدم إنشاب القتال، فأمرت أصحابها أن يتيامنوا بعيدًا عن المقاتلين، وظلوا على ذلك حتى حجز الليل بينهم(84),

حتى إذا كان الصباح جاء حكيم بن جبلة وهو يبربر، وفي يده الرمح، وفي طريقه إلى حيث عائشة – رضي الله عنها – ومن معها، جعل حكيم لا يمر برجل أو امرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إلا قتله(85), وعندئذ غضبت عبد القيس إلا من كان اغتُمر(86) منهم، فقالوا لحكيم: فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم، والله لا نَدَعُك حتى يقيدك الله(87), فرجعوا وتركوه، ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان – رضي الله عنه- وحصره من نزاع القبائل كلها، فلقد كانوا قد عرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة، فاجتمعوا إليه، ووافقوا أصحاب عائشة، فاقتتلوا قتالاً شديدًا(88), وظل منادى عائشة – رضي الله عنها – يناديهم ويدعوهم إلى الكفّ فيأبون(89),

وجعلت – رضي الله عنها – تقول: لا تقتلوا إلا من قاتلكم. لكن حكيمًا لم يُرَع(90) للمنادى، وظل يُسَعَّر القتال، عندئذ وبعد ما تبينت للزبير وطلحة – رضي الله عنهما – طبيعة هؤلاء الذين يقاتلون، وأنهم لا يتورعون ولا ينتهون عن حرمة، وأن لهم هدفًا في إنشاب القتال، قالا: الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللهم لا تبق منهم أحدًا، وأقد منهم اليوم، فاقتلهم، فجادُّوهم القتال، ونادوا: من لم يكن من قتلة عثمان – رضي الله عنه – فليكفف عنا، فإننا لا نريد إلا قتلة عثمان، ولا نبدأ أحدًا، فاقتتلوا أشد القتال(91),

فلم يفلت من قتلة عثمان من أهل البصرة إلا واحد، وكان منادى الزبير وطلحة قد نادى: ألا من كان فيكم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم(92).

وكان فريق من هؤلاء الجهال والغوغاء – كما قالت عائشة – قد غادوها في بيتها في الغَلَس ليقتلوها، وكانوا قد ذهبوا حتى سُدَّة بيتها، ومعهم الدليل، إلا أن الله دفع عنها بنفر من المسلمين كانوا قد أحاطوا بيتها – رضي الله عنها – فدارت عليهم الرحى وأطاف بهم المسلمون فقتلوهم(93), واستطاع الزبير وطلحة ومن معهم أن يسيطروا على البصرة وكانوا بحاجة إلى طعام ومؤنة غذائية، وقد مرت عليهم أسابيع،وهم ليسوا في ضيافة أحد، فتوجه جيش الزبير إلى دار الإمارة ومن ثم إلى بيت المال ليرزقوا أصحابهم، وأخلى سبيل عثمان بن حنيف واتجه إلى على(94)، وبذلك تمت سيطرة طلحة والزبير وأم المؤمنين – رضي الله عنهم – على البصرة وقتلوا عددًا كبيرًا ممن شارك في الهجوم على المدينة، قدر بسبعين رجلاً من أبرزهم زعيم ثوار البصرة حكيم بن جبلة، والذي كان حريصًا على القتال وإشعال الحرب، وكان الزبير أمير المؤمنين؛ فقد بويع على ذلك(95). (لم افهم هذه --- فاروق )

7- رسائل السيدة عائشة إلى الأمصار الأخرى:كانت السيدة عائشة – رضي الله عنها – حريصة على إيضاح وجه الحق فيما حدث من قتال مع أهل البصرة، فكتبت إلى أهل الشام والكوفة واليمامة، وكتبت إلى أهل المدينة أيضًَا تخبرهم بما صنعوا وصاروا إليه، وكان فيما كتبت به لأهل الشام: إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله عز وجل هو الذي يردُّنا عن ذلك. فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم، وخالفنا شرارهم ونُزَّاعهم، فردُّونا بالسلاح، وقالوا فيما قالوا: نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتْهم بالحق وحثتهم عليه، فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين مرة بعد مرة، حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة عثمان أمير المؤمنين، فلم يفلت منهم إلا حُرْقُوص بن زهير والله مقيده. وإنّا نناشدكم الله – سبحانه – في أنفسكم إلا ما نهضتم بمثل ما نهضنا به، فنلقى الله عز وجل وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا(96).


8- الخلاف بين عثمان بن حنيف وجيش عائشة والزبير وطلحة: روى الطبري عن أبى مخنف عن يوسف بن يزيد، عن سهل بن سعد قال: لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان ابن عثمان بن عفان إلى عائشة يستشيرونها في أمره، قالت: اقتلوه، فقالت لها امراة: نشدتك الله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ردوا أبانًا، فردُّوه، فقالت: احبسوه ولا تقتلوه. قال: لو علمت أنك تدعينني لهذا لم أرجع. فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا شعر لحيته، فضربوه أربعين سوطًا، ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه(97)، وفي سند هذه الرواية أبو مخنف وهو شيعي رافضي محترق، وهذه الرواية لم تثبت من طريق صحيح يمكن أن يعول عليه، والصحابة الكرام ينزهون عن مثل هذه المثلة القبيحة. والذي يفهم من رواية سيف أن الغوغاء هم الذين فعلوا ذلك، وأن طلحة والزبير – رضي الله عنهما – استشنعاه، واستعظماه وبعثا بالخبر إلى عائشة فقالت: خلوا سبيله وليذهب حيث شاء(98), وهذه الرواية عارضت تفصيلات أبى مخنف فهي لم تذكر الأمر بقتله أو حبسه أو الأمر بنتف شعر وجهه، وقد اختار هذه الرواية النويرى وابن كثير(99), وذكر الذهبي أن مجاشع بن مسعود قد قتل قبل دخول دار عثمان بن حنيف(100), وحتى لو فرض عدم قتل مجاشع بن مسعود فليست إليه القيادة حتى يصدر هذه الأوامر(101).

----
يتبع
ـــــــــــــــــــــ
(1) الفصل في المل والأهواء والنحل (4/160).
(2) مجموع الفتاوى (35/72).
(3) مجموع الفتاوى (35/72).
(4) أحداث وأحاديث فتنة الهرج ص158.
(5) شرح النووي على صحيح مسلم (15/149).
(6) تاريخ الطبري (5/469).
(7) تاريخ الطبري (5/485).
(8) سير أعلام النبلاء (1/34).
(9) تاريخ الطبري (5/487).
(10) تاريخ الطبري (5/487)، دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة للشجاع: ص(417).
(11) تاريخ الطبري (5/476)، دراسات في عهد النبوة: ص(418).
(12) تاريخ الطبري (5/489).
(13) دراسات في عهد النبوة: ص(419).
(14) تاريخ الطبري (5/487).
(15) دراسات في عهد النبوة: ص(419).
(16) مقدمة ابن خلدون: ص(191).
(17) دور المرأة السياسي: ص(391).
(18) دور المرأة السياسي: ص(394).
(19) تاريخ الطبري (5/489).
(20) الثقات لابن حبان (2/282).
(21) تاريخ الطبري (5/520).
(22) شذرات الذهب (1/42).
(23) الانتصار للصحب والآل: ص(444).
(24) منهاج السنة (4/317- 570).
(25) أحكام القرآن (3/569، 570).
(26) تاريخ اليعقوبي (2/180، 209).
(27) الإمامة والسياسة (1/58، 69).
(28) شرح نهج البلاغة (9/18).
(29) الأخبار الطوال: ص(145).
(30) سير أعلام النبلاء (2/193).
(31) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين: ص (526).
(32) عائشة أم المؤمنين: ص (184).
(33) تاريخ الطبري (5/475).
(34) دور المرأة السياسي: ص (383)، تاريخ الطبري (5/469).
(35) المصدر نفسه: ص(384).
(36) تاريخ الشعوب الإسلامية: ص (111، 114، 117).
(37) تاريخ الطبري (5/475).
(38) تاريخ الطبري نقلاً عن دور المرأة السياسي: ص(385).
(39) تاريخ الطبري نقلا عن دور المرأة السياسي: ص(385).
(40) انظر ما قاله صاحب الإمامة والسياسة (1/57).
(41) تاريخ الطبري (5/574).
(42) دور المرأة السياسي: ص(385).
(43) البداية والنهاية (7/241).
(44) البداية والنهاية (7/241).
(45) عزم عليها: أقسم عليها.
(46) دور المرأة السياسي: ص (386).
(47) تاريخ الطبري (5/487).
(48) أنساب الأشراف (4/224).
(49) أسد الغابة (4/169)، الإصابة (4/487)، دور المرأة السياسي ص (387)، المستدرك مرويات أبى مخنف: ص (257).
(50) دور المرأة السياسي: ص(387).
(51) سير أعلام النبلاء (2/183).
(52) سير أعلام النبلاء (2/183).
(53) المصدر نفسه (2/185).
(54) المصدر نفسه (2/183).
(55) دور المرأة السياسي: ص(389).
(56) مسند أحمد (6/97).
(57) مسند أحمد (6/97).
(58) المستدرك (3/120).
(59) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/767) رقم 474.
(60) دور المرأة السياسي: ص(405).
(61) قال الذهبي: كل حديث فيه يا حميراء لا يصح، سير أعلام النبلاء (2/167، 168).
(62) دور المرأة السياسي: ص(406).
(63) الحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة قريب منها على طريق مكة إليها.
(64) الكامل في ضعفاء الرجال (1/528)، ميزان الاعتدال (1/413).
(65) تقريب التهذيب (1/697).
(66) تقريب التهذيب (2/392)، دور المرأة السياسي: ص(400).
(67) ميزان الاعتدال (3/434)، لسان الميزان (3/225).
(68) أسد الغابة (5/486)، دور المرأة السياسي: ص(400).
(69) دور المرأة السياسي: ص(402).
(70) تاريخ الطبري (5/483).
(71) مصنف ابن أبى شيبة (15/283) ضعيفة السند منقطعة، وأنساب الأشراف من (2/47) نفس الطريق وهذه الروايات تخالف الصحيح الثابت.
(72) مروج الذهب (2/367).
(73) تاريخ الطبري وفي إسنادها مجهولان، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(133).
(74) خلافة على بن أبى طالب: ص(132).
(75) موقع جانب البصرة، انظر: خطط البصرة ومنطقها 114- 122العلمي.
(76) خلافة على بن أبى طالب, عبد الحميد: ص (133).
(77) طبقات ابن سعد (5/456) له شواهد تقويه.
(78) مصنف عبد الرزاق (5/456) بسند صحيح إلى الزهري مرسلاً.
(79) الطبقات (6/333).
(80) فتح الباري (13/26)، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(137).
(81) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص (137، 138).
(82) يذمر الخيل: يحضها ويشجعها.
(83) تاريخ الطبري (5/494).
(84) تاريخ الطبري (5/494).
(85) المصدر نفسه (5/495).
(86) اغتمر: اغتمس.
(87) يقيدك الله: القَوَد: القصاص، وقتل القاتل بالقتيل.
(88) تاريخ الطبري (5/499).
(89) تاريخ الطبري (5/499).
(90) لم يرع: لم يبال.
(91) تاريخ الطبري (5/499).
(92) المصدر نفسه (5/501).
(93) المصدر نفسه (5/503).
(94) تاريخ الطبري (5/43)، خلافة على، عبد الحميد: ص (138).
(95) أنساب الأشراف (2/93) بسند حسن، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص (139).
(965) تاريخ الطبري (5/501).
(97) تاريخ الطبري (5/497).
(98) تاريخ الطبري (5/497).
(99) نهاية الأرب (20/38)، البداية والنهاية (7/233).
(100) تاريخ الإسلام للذهبي، مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري: ص (359).
(101) مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري: ص(259).

سـمـاح
08-21-2008, 04:55 PM
بارك الله فيكم
هل من تتمة للموضوع ؟