تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بـل أستطـــيع



سـمـاح
06-17-2008, 09:36 AM
ناصر بن سليمان العمر (بتصرف)

يقول ابن القيم- رحمه الله-: "لو أن رجلاً وقف أمام جبل, وعزم على إزالته؛ لأزاله".

لقد توصلت - بعد سنوات من الدراسة, والبحث, والتأمل- إلى:

أنه لا مستحيل في الحياة؛ سوى أمرين فقط.

الأول: ما كانت استحالته كونية {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: من الآية 258].

الثاني: ما كانت استحالته شرعية؛ مما هو قطعي الدلالة، والثبوت، فلا يمكن أن تجعل صلاة المغرب ركعتين، ولا أن يؤخر شهر الحج عن موعده {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات} [البقرة: من الآية 197].

وما عدا هذين الأمرين, وما يندرج تحتهما من فروع؛ فليس بمستحيل. قد تكون هناك استحالة نسبية لا كلية، وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الاستطالة فقد يعجز فرد عن أمرٍ؛ ولكن يستطيعه آخرون، وقد لا يتحقق هدف في زمن؛ ولكن يمكن تحقيقه في زمن آخر، وقد لا يتأتى إقامة مشروع في مكان، ويسهل في مكان ثان، وهكذا.

إن الخطورة: تحويل الاستحالة الفردية، والجزئية، والنسبية؛ إلى استحالة كلية شاملة عامة.

إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة؛ تكون سبباً في تثبيط الآخرين، ووأد قدراتهم، وإمكاناتهم في مهدها.

إن أول عوامل النجاح، وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم (لا أستطيع – مستحيل)، وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني، وقصور العقل الباطن، ووهن القوى العقلية.

إن كثيراً مـن الـذين يكررون عبـارة: لا أستطيـع، لا يشخصون حقيقة واقعـة، يعذرون بها شرعاً, وإنما هو انعكاس لهزيمـة داخلية, للتخلص من المسئولية.

ومن الأخطاء التي تحول بين الكثيرين، وبين تحقيق أعظم الأهداف، وأعلاها ثمناً تصور أنه لا يحقق ذلك إلا الأذكياء.
ولكن نرى أن عدداً من عظماء التاريخ كانوا أناساً عاديين، بل إن بعضهم قد يكون فشل في كثير من المجالات كالدراسة مثلا.

لا شك أن الأغبياء لا يصنعون التاريخ؛ ولكن الذكاء أمر نسبي ,يختلف فيه الناس ويتفاوتون، وحكم الناس غالباً على الذكاء الظاهر، بينما هناك قدرات خفية خارقة لا يراها الناس ؛بل قد لا يدركها صاحبها إلا صدفة، أو عندما يصر على تحقيق هدف ما؛ فسرعان ما تتفجر تلك المواهب , مخلفة وراءها أعظم الانتصارات، والأمجاد.

إن من أهم معوقات صناعة الحياة:
الخوف من الفشل، وهذا بلاء يجب التخلص منه، حيث أن الفشل أمر طبيعي في حياة الأمم، والقادة، فهل رأيت دولة خاضت حروبها دون أي هزيمة تذكر؟!
وهل رأيت قائداً لم يهزم في معركة قط؟!
والشذوذ يؤكد القاعدة، ويؤصلها، ولا ينقضها.

إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا – خالد بن الوليد – سيف الله المسلول، وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية، والإسلام، ولم يمنعه ذلك من المضي قدماً في تحقيق أعظم الانتصارات، وأروعها.

والذين يخافون من الفشل النسبي، قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع
ومن يتهيب صعود الجبـال*** يعش أبد الدهر بين الحفر

وأختم هذه المقالة, بإشارات تفتح لك مغاليق الطريق:

(1) ذلك الكم الهائل من عمرك, والذي يعد بعشرات السنين، قد تحقق من أنفاس متعاقبة, وثوان متلاحقة، وآلاف الكيلو مترات التي قطعتها في حياتك؛ ليست إلا خطوات تراكمت فأصبحت شيئاً مذكوراً.

وكذلك الأهداف الكبرى؛ تتحقق رويداً رويدا، وخطوة خطوة، فعشرات المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء، ليست إلا مجموعة من الحروف ضم بعضها إلى بعض، حرفاً حرفاً؛ فأصبحت تراثاً خالداً ,على مر الدهور والأجيال.

(2) علو الهدف يحقق العجائب، فمن كافح ليكون ترتيبه الأول؛ يحزن إذا كان الثاني, ومن كان همه دخول الدور الثاني؛ يفرح إذا لم يرسب إلا في نصف المقررات والمواد.

وإذا كانت النفوس كبـــاراً تعبت في مرادها الأجســام
ومن يهـن يسهـل الهوان عليـــه ما لجـــرح بميت إيـلام

الإبداع لا يستجلب بالقوة, وتوتر الأعصاب؛ وإنما بالهدوء, والسكينة وقوة الإيمان, والثقة بما وهبك الله من إمكانات، مع الصبر والتصميم, وقوة الإرادة والعزيمة؛ ولذلك فأكثر الطلاب تفوقاً؛ أكثرهم هدوءاً, وأقلهم اضطراباً عند الامتحان. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأربطهم جأشاً، وأثبتهم جناناً، وأقواهم بأساً؛ يتقون به عند الفزع لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً.

(3) التفكير السليم المنطقي يقود إلى النجاح، والتخطيط العلمي العملي طريق لا يضل سالكه.

(4) وفشل كثير من المشروعات منشؤه الخطأ في طريقة التفكير، والمقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة.

(5) الواقعية لا تتعارض مع تحقيق أعظم الانتصارات, والريادة في صناعة الحياة؛ بل هي ركن أساس من أركانها، وركيزة يبنى عليها ما بعده، وعاصم من الفشل والإخفاق بإذن الله.

(6) كثير من المشكلات الأسرية, والشخصية, والاجتماعية؛ منشؤها توهم صعوبة حلها, أو استحالته. بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى؛ ولكن الأمر يحتاج إلى عزيمة وتفكير، يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى أجزاء، ومن ثم المباشرة في علاج كل جزء بما يناسبه.

(7) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] جماع الأمر، ومدار العمل، والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون الحياة هباء منثوراً.

(8) أخذنا من وقتكم كثيراً، فهلموا إلى العمل والمجد والخلود.

مقاوم
06-17-2008, 10:10 AM
جزاك الله خيرا أختنا الفاضلة على هذا النقل القيم.

وحفظ الله شيخنا أبا بدر الشيخ ناصر العمر وامد في عمره ونفعنا بعلمه.