تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مساعدة في دراسة الفقه



أم ورقة
06-10-2008, 06:45 PM
السلام عليكم

قريبتي تدرس حالياً دراسات إسلامية
و لكنها تجد صعوبة في فهم مادة،
فطلبت مني أن أساعدها في فهم المادة..
فقلت أسأل هنا في المنتدى اذا كان أحد يستطيع أن يبسّط علينا الأمر

الكتب التي يدرسون منها هي التالية:

1- الموافقات في أصول الشريعة - لأبي اسحق الشاطبي
2- مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية - تأليف د/ محمد سعد بن أحمد بن مسعود اليوبي


إذا كان أحد يعلم هذه الكتب و يستطيع المساعدة في الشرح او التوضيح هنا من خلال المنتدى، نكون من الشاكرين
مع العلم أن الوقت مضغوط نظراً لاقتراب الامتحانات عندهم

من هناك
06-11-2008, 10:54 AM
لو كان عندك اسئلة ضعيها وإن شاء الله تجدين من يساعدك فيها

أم ورقة
06-11-2008, 11:05 AM
إن شاء الله
على كل حال بما أننا وجدنا الكتاب على النت - بمساعدة صاحبة الهمم منال- فسأضع المقتبسات المطلوبة

أم ورقة
06-11-2008, 11:12 AM
النوع الأول في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة وفيه مسائل



المسألة الأولى

تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام أحدها أن تكون ضرورية والثاني أن تكون حاجية والثالث أن تكون تحسينية .

فأما الضرورية: فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة . وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.
والحفظ لها يكون بأمرين: أحدهما ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها .وذلك عبارة عن مراعتها من جانب الوجود.

والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها. وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.
فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان(2/8) والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضا كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وما أشبه ذلك والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود وإلى حفظ النفس والعقل أيضا لكن بواسطة العادات والجنايات ويجمعها الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم.

والعبادات والعادات قد مثلت والمعاملات ما كان راجعا إلى مصلحة الإنسان مع غيره كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض بالعقد على الرقاب(2/9) أو المنافع أو الأبضاع والجنايات ما كان عائدا على ما تقدم بالإبطال فشرع فيها ما يدرأ ذلك الإبطال ويتلافى تلك المصالح كالقصاص والديات للنفس والحد للعقل وتضمين قيم الأموال للنسل والفطع والتضمين للمال وما أشبه ذلك.ومجموع الضروريات خمسة وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل. وقد قالوا إنها مراعاة في كل ملة.

وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب فإذا لم تراع دخل(2/10) على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة.
وهي جارية في العبادات والعادات والمعاملات والجنايات.
ففي العبادات كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض والسفر وفي العادات كإباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا وما أشبه ذلك وفي المعاملات كالقراض والمساقاة والسلم وإلغاء التوابع في العقد على المتبوعات كثمرة الشجر ومال العبد وفي الجنايات كالحكم باللوث والتدمية والقسامة وضرب الدية على العاقلة وتضمين الصناع وما أشبه ذلك.

وأما التحسينات: فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق.

وهي جارية فيما جرت فيه الأوليان:
ففي العبادات كإزالة النجاسة وبالجملة الطهارات كلها وستر العورة وأخذ الزينة والتقرب بنوافل الخيرات من الصدقات والقربات وأشباه ذلك وفي العادات كآداب الأكل والشرب ومجانبة المآكل النجاسات والمشارب المستخبثات والإسراف والاقتار في المتناولات وفي المعاملات كالمنع من بيع النجاسات وفضل الماء والكلأ وسلب العبد منصب الشهادة والإمامة وسلب المرأة(2/11)منصب الإمامة وإنكاح نفسها وطلب العتق وتوابعه من الكتابة والتدبير وما أشبهها وفي الجنايات كمنع قتل الحر بالعبد أو قتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد.
وقليل الأمثلة يدل على ما سواها مما هو في معناها فهذه الأمور راجعة إلى محاسن زائدة على أصل المصالح الضرورية والحاجية إذ ليس فقدانها بمخل بأمر ضروري ولا حاجي وإنما جرت مجرى التحسين والتزيين.

المسألة الثانية :
كل مرتبة من هذه المراتب ينضم إليها ما هو كالتتمة والتكملة مما لو فرضنا فقده لم يخل بحكمتها الأصلية .
فأما الأولى فنحو التماثل في القصاص فإنه لا تدعو إليه ضرورة ولا تظهر فيه شدة حاجة ولكنه تكميلي وكذلك نفقة المثل وأجرة المثل وقراض المثل والمنع من النظر إلى الأجنبية وشرب قليل المسكر ومنع الربا والورع اللاحق في المتشابهات وإظهار شعائر الدين كصلاة الجماعة في الفرائض والسنن وصلاة الجمعة والقيام بالرهن والحميل والإشهاد في(2/12) البيع إذا قلنا إنه من الضروريات.

وأما الثانية: فكاعتبار الكفء ومهر المثل في الصغيرة فإن ذلك كله لا تدعو إليه حاجة مثل الحاجة إلى أصل النكاح في الصغيرة وإن قلنا إن البيع من باب الحاجيات فالإشهاد والرهن والحميل من باب التكملة ومن ذلك الجمع بين الصلاتين في السفر الذي تقصر فيه الصلاة وجمع المريض الذي يخاف أن يغلب على عقله فهذا وأمثاله كالمكمل لهذه المرتبة إذ لو لم يشرع لم يخل بأصل التوسعة والتخفيف.
وأما الثالثة: فكآداب الأحداث ومندوبات الطهارات وترك إبطال الأعمال المدخول فيها وإن كانت غير واجبة والإنفاق من طيبات المكاسب والإختيار في الضحايا والعقيقة والعتق وما أشبه ذلك ومن أمثلة هذه المسألة أن الحاجيات كالتتمة للضروريات وكذلك التحسينات كالتكملة للحاجيات فإن الضروريات هي أصل المصالح حسبما يأتي تفصيل ذلك بعد هذا إن شاء الله.

المسألة الثالثة :
كل تكملة فلها من حيث هي تكملة شرط وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال وذلك أن كل تكملة يفضي اعتبارها إلى رفض أصلها(2/13)فلا يصح اشتراطها عند ذلك لوجهين:
أحدهما: أن في إبطال الأصل إبطال التكملة لأن التكملة مع ما كملته كالصفة مع الموصوف فإذا كان اعتبار الصفة يؤدي إلى ارتفاع الموصوف لزم من ذلك ارتفاع الصفة أيضا فاعتبار هذه التكملة على هذا الوجه مؤد إلى عدم اعتبارها وهذا محال لا يتصور وإذا لم يتصور لم تعتبر التكملة واعتبر الأصل من غيرمزيد.
والثاني: أنا لو قدرنا تقديرا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوات المصلحة الأصلية لكان حصول الأصلية أولى لما بينهما من التفاوت.
وبيان ذلك أن حفظ المهجة مهم كلى وحفظ المروءات مستحسن فحرمت النجاسات حفظا للمروءات وإجراء لأهلها على محاسن العادات فإن دعت الضرورة إلى إحياء المهجة بتناول النجس كان تناوله أولى.
وكذلك أصل البيع ضروري ومنع الغرر والجهالة مكمل فلو اشترط نفي الغرر جملة لانحسم باب البيع وكذلك الإجارة ضرورية أو حاجية واشتراط حضور العوضين في المعاوضات من باب التكميلات ولما كان ذلك ممكنا في بيع الأعيان من غير عسر منع من بيع المعدوم إلا في السلم وذلك في الإجارات ممتنع فاشتراط وجود المنافع فيها وحضورها يسد باب المعاملة بها والإجارة محتاج(2/14) إليها فجازت وإن لم يحضر العوض أو لم يوجد ومثله جار في الإطلاع على العورات للمباضعة والمداواة وغيرهما.
وكذلك الجهاد مع ولاة الجور قال العلماء بجوازه قال مالك لو ترك ذلك لكان ضررا على المسلمين فالجهاد ضروري والوالي فيه ضروري والعدالة فيه مكملة للضرورة والمكمل إذا عاد للأصل بالإبطال لم يعتبر ولذلك جاء الأمر بالجهاد مع ولاة الجور عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ما جاء من الأمر بالصلاة خلف الولاة السوء فإن في ترك ذلك ترك سنة الجماعة والجماعة من شعائر الدين المطلوبة والعدالة مكملة لذلك المطلوب ولا يبطل الأصل بالتكملة.
ومنه إتمام الأركان في الصلاة مكمل لضروراتها فإذا أدى طلبه إلى أن لا تصلي كالمريض غير القادر سقط المكمل أو كان في اتمامها حرج ارتفع الحرج عمن لم يكمل وصلى على حسب ما أوسعته الرخصة وستر العورة من باب محاسن(2/15) الصلاة فلو طلب على الإطلاق لتعذر أداؤها على من لم يجد ساترا إلى أشياء من هذا القبيل في الشريعة تفوق الحصر كلها جار على هذا الأسلوب.
وانظر فيما قاله الغزالي في الكتاب المستظهري في الإمام الذي لم يستجمع شروط الإمامة واحمل عليه نظائره.

المسألة الرابعة :المقاصد الضرورية في الشريعة أصل للحاجية والتحسينية.
فلو فرض إختلال الضروري بإطلاق لاختلا باختلاله بإطلاق ولا يلزم من إختلالهما إختلال الضروري بإطلاق نعم قد يلزم من إختلال التحسيني بإطلاق إختلال الحاجي بوجه ما وقد يلزم من إختلال الحاجي بإطلاق إختلال الضروري بوجه ما فلذلك إذا حوفظ على الضروري فينبغي المحافظة على الحاجي وإذا حوفظ على الحاجي فينبغي أن يحافظ على التحسيني إذا ثبت أن التحسيني يخدم الحاجي وأن الحاجي يخدم الضروري فإن الضروري هو المطلوب.
فهذه مطالب خمسة لا بد من بيانها:
أحدها: أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي.
والثاني: أن إختلال الضروري يلزم منه إختلال الباقيين بإطلاق.
والثالث: أنه لا يلزم من إختلال الباقيين إختلال الضروري.
والرابع: أنه قد يلزم من إختلال التحسيني بإطلاق أو الحاجي بإطلاق إختلال الضروري بوجه ما.(2/16)
والخامس: أنه ينبغي المحافظة على الحاجي وعلى التحسيني للضروري.
بيان الأول أن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة على الأمور الخمسة المذكورة فيما تقدم فإذا اعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي مبنيا عليها حتى إذا انخرمت لم يبق للدنيا وجود أعني ما هو خاص بالمكلفين والتكليف .وكذلك الأمور الأخروية لا قيام لها إلا بذلك .
فلو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى ولو عدم المكلف لعدم من يتدين ولو عدم العقل لارتفع التدين ولو عدم النسل لم يكن في العادة بقاء ولو عدم المال لم يبق عيش وأعني بالمال ما يقع عليه الملك واستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه ويستوي في ذلك الطعام والشراب واللباس على اختلافها وما يؤدي إليها من جميع المتمولات فلو ارتفع ذلك لم يكن بقاء وهذا كله معلوم لا يرتاب فيه من عرف ترتيب أحوال الدنيا وأنها زاد للآخرة.
وإذا ثبت هذا فالأمور الحاجية إنما هي حائمة حول هذا الحمى إذ هي تتردد على الضروريات تكملها بحيث ترتفع في القيام بها واكتسابها المشقات وتميل بهم فيها إلى التوسط والإعتدال في الأمور حتى تكون جارية على وجه لا يميل إلى إفراط ولا تفريط.
وذلك مثل ما تقدم في اشتراط عدم الغرر والجهالة في البيوع وكما نقول في رفع الحرج عن المكلف بسبب المرض حتى يجوز له الصلاة قاعدا أو مضطجعا ويجوز له ترك الصيام في وقته إلى زمان صحته وكذلك ترك المسافر الصوم(2/17) وشطر الصلاة وسائر ما تقدم في التمثيل وغير ذلك فإذا فهم هذا لم يرتب العاقل في أن هذه الأمور الحاجية فروع دائرة حول الأمور الضرورية.
وهكذا الحكم في التحسينية لأنها تكمل ما هو حاجي أو ضروري
فإذا كملت ما هو ضروري فظاهر وإذا كملت ما هو حاجي فالحاجي مكمل للضروري والمكمل للمكمل مكمل فالتحسينية إذا كالفرع للأصل الضروري ومبني عليه.
بيان الثاني يظهر مما تقدم لأنه إذا ثبت أن الضروري هو الأصل المقصود وأن ما سواه مبني عليه كوصف من أوصافه أو كفرع من فروعه لزم من اختلاله اختلال الباقيين لأن الأصل إذا اختل اختل الفرع من باب أولى.
فلو فرضنا ارتفاع أصل البيع من الشريعة لم يكن اعتبار الجهالة والغرر
وكذلك لو ارتفع أصل القصاص لم يمكن اعتبار المماثلة فيه فإن ذلك من أوصاف القصاص ومحال أن يثبت الوصف مع انتفاء الموصوف وكما إذا سقط عن المغمى عليه أو الحائض أصل الصلاة لم يمكن أن يبقى عليهما حكم القراءة فيها أو التكبير أو الجماعة أو الطهارة الحدثية أو الخبثية ولو فرض أن ثم حكما هو ثابت لأمر فارتفع ذلك الأمر ثم بقي الحكم مقصودا لذلك الأمر كان هذا فرض محال ومن هنا يعرف مثلا أن الصلاة إذا ارتفعت ارتفع ما هو تابع لها ومكمل من القراءة والتكبير والدعاء وغير ذلك لأنها من أوصاف الصلاة بالفرض فلا يصح أن يقال إن أصل الصلاة هو المرتفع وأوصافها بخلاف ذلك.
وكذلك نقول إذا كان أصل الصلاة منهيا عنه قصدا أو الصيام كذلك كالنهي عن الصلاة في طرفي النهار والنهي عن الصيام في العيد فكل ما تتصف به من مكملاتها مندرج تحت أصل النهي من حيث نهي عن أصل الصلاة التي لها هيئة اجتماعية في الوقوع لأن النهي عن العبادة المخصوصة من حيث هي كذلك (2/18) ولا تكون منهيا عنها إلا بمجموع أفعالها وأقوالها فاندرجت المكملات تحت النهي باندراج الكل.
ولا يقال إن لهذه الأشياء حقائق في أنفسها لا تكون منهيا عنها بذلك الإعتبار فلا يلزم أن تكون منهيا عنها مطلقا وإذا لم تكن منيها عنها على الإطلاق لم يلزم ارتفاعها بارتفاع ما هي تابعة له فلا يلزم من إختلال الأصل إختلال الفرع كما أصلت وأيضا فإن الوسائل لها مع مقاصدها هذه النسبة كالطهارة مع الصلاة وقد تثبت الوسائل شرعا مع انتفاء المقاصد كجر الموس في الحج على رأس من لا شعر له فالأشياء إذا كان لها حقائق في أنفسها فلا يلزم من كونها وضعت مكملة أن ترتفع بارتفاع المكمل. x

* الأرقام هي أرقام الصفحات فقط


يتبع

أم ورقة
06-11-2008, 11:15 AM
المسألة الخامسة
المصالح المثبوتة فى هذه الدار ينظر فيها من جهتين من جهة مواقع الوجود ومن جهة تعلق الخطاب الشرعي بها.
فأما النظر الأول فإن المصالح الدنيوية من حيث هى موجودة هنا لا يتخلص كونها مصالح محضة وأعني بالمصالح ما يرجع إلى قيام حياة الإنسان وتمام عيشه ونيله ما تقتضيه أوصافه الشهوانية والعقلية على الإطلاق حتى يكون منعما على الإطلاق وهذا فى مجرد الإعتياد لا يكون لأن تلك المصالح مشوبة بتكاليف ومشاق قلت أو كثرت تقترن بها أو تسبقها أو تلحقها كالأكل والشرب واللبس والسكني والركوب والنكاح وغير ذلك فإن هذه الأمور لا تنال إلا بكد وتعب.
كما أن المفاسد الدنيوية ليست بمفاسد محضة من حيث مواقع الوجود إذ ما (2/25) من مفسدة تفرض فى العادة الجارية إلا ويقترن بها أو يسبقها أو يتبعها من الرفق واللطف ونيل اللذات كثير ويدلك عل ذلك ما هو الأصل وذلك أن هذه الدار وضعت على الإمتزاج بين الطرفين والاختلاط بين القبيلين فمن رام استخلاص جهة فيها لم يقدر على ذلك وبرهانه التجربة التامة من جميع الخلائق وأصل ذلك الأخبار بوضعها على الابتلاء والاختبار والتمحيص قال الله تعالى { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } وما فى هذا المعنى وقد جاء فى الحديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات فلهذا لم يخلص فى الدنيا لأحد جهة خالية من شركة الجهة الأخرى.
فإذا كان كذلك فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفا وإذا غلبت الجهة الأخرى فهى المفسدة المفهومة عرفا ولذلك كان الفعل ذو الوجهين منسوبا إلى الجهة الراجحة فإن رجحت المصلحة فمطلوب ويقال فيه إنه مصلحة وإذا غلبت جهة المفسدة فمهروب عنه ويقال إنه مفسدة على ما جرت به العادات فى مثله فإن خرج عن مقتضى العادات فله نسبة أخرى وقسمة غير هذه القسمة.
هذا وجه النظر فى المصلحة الدنيوية والمفسدة الدنيوية من حيث مواقع الوجود فى الأعمال العادية .
وأما النظر الثانى فيها من حيث تعلق الخطاب بها شرعا فالمصلحة إذا كانت هى الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة فى حكم الإعتياد فهى المقصودة(2/26) شرعا ولتحصيلها وقع الطلب على العباد ليجري قانونها على أقوم طريق وأهدى سبيل وليكون حصولها أتم وأقرب وأولى بنيل المقصود على مقتضى العادات الجارية فى الدنيا فإن تبعها مفسدة أو مشقة فليست بمقصودة فى شرعية ذلك الفعل وطلبه.
وكذلك المفسدة إذا كانت هى الغالبة بالنظر إلى المصلحة فى حكم الإعتياد فرفعها هو المقصود شرعا ولأجله وقع النهي ليكون رفعها على أتم وجوه الإمكان العادي فى مثلها حسبما يشهد له كل عقل سليم فإن تبعتها مصلحة أو لذة فليست هى المقصودة بالنهي عن ذلك الفعل بل المقصود ما غلب فى المحل وما سوى ذلك ملغي فى مقتضى النهي كما كانت جهة المفسدة ملغاة فى جهة الأمر.
فالحاصل من ذلك أن المصالح المعتبرة شرعا أو المفاسد المعتبرة شرعا هى خالصة غير مشوبة بشىء من المفاسد لا قليلا ولا كثيرا وإن توهم أنها مشوبة فليست فى الحقيقة الشرعية كذلك لأن المصلحة المغلوبة أو المفسدة المغلوبة إنما المراد بها ما يجري فى الإعتياد الكسبي من غير خروج إلى زيادة تقتضى التفات الشارع إليها على الجملة وهذا المقدار هو الذى قيل إنه غير مقصود للشارع فى شرعية الأحكام.
والدليل على ذلك أمران أحدهما أن الجهالة المعلومة لو كانت مقصودة للشارع أعني معتبرة عند الشارع لم يكن الفعل مأمورا به بإطلاق ولا منهيا عنه بإطلاق بل كان يكون مأمورا به من حيث المصلحة ومنهيا عنه من حيث المفسدة ومعلوم قطعا أن الأمر ليس كذلك.
وهذا يتبين فى أعلى المراتب فى الأمر والنهي كوجوب الإيمان وحرمة الكفر ووجوب إحياء النفوس ومنع إتلافها وما أشبه ذلك فكان يكون الإيمان الذى لا أعلى منه فى مراتب التكليف منهيا عنه من جهة مافيه من كسر النفس من إطلاقها وقطعها عن نيل أغراضها وقهرها تحت سلطان التكليف الذى لا لذة فيه لها وكان الكفر الذى يقتضى إطلاق النفس من قيد التكليف وتمتعها بالشهوات من غير خوف مأمور به أو مأذونا فيه لأن الأمور الملذوذة والمخرجة عن القيود القاهرة مصلحة على الجملة وكل هذا باطل محض بل الإيمان مطلوب بإطلاق والكفر منهى عنه بإطلاق فدل على أن جهة المفسدة بالنسبة إلى طلب الإيمان وجهة المصلحة بالنسبة إلى النهي عن الكفران غير معتبرة شرعا وإن ظهر تأثيرها عادة وطبعا.
والثانى أن ذلك لو كان مقصود الإعتبار شرعا لكان تكليف العبد كله تكليفا بما لا يطاق وهو باطل شرعا أما كون تكليف ما لا يطاق باطلا شرعا فمعلوم فى الأصول وأما بيان الملازمة فلأن الجهة المرجوحة مثلا مضادة فى الطلب للجهة الراجحة وقد أمر مثلا بإيقاع المصلحة الراجحة لكن على وجه يكون فيه منهيا عن إيقاع المفسدة المرجوحة فهو مطوب بإيقاع الفعل ومنهى عن إيقاعه معا والجهتان غير منفكتين لما تقدم من أن المصالح والمفاسد غير متمحضة فلا بد فى إيقاع الفعل أو عدم إيقاعه من توارد الأمر والنهي معا فقد قيل له افعل ولا تفعل لفعل واحد أي من وجه واحد فى الوقوع وهو عين تكليف ما لا يطاقx.

أم ورقة
06-11-2008, 11:15 AM
فصل
وأما إذا كانت المصلحة أو المفسدة خارجة عن حكم الإعتياد بحيث لو انفردت لكانت مقصودة الإعتبار للشارع ففي ذلك نظر ولا بد من تمثيل ذلك ثم تخليص الحكم فيه بحول الله.
مثاله أكل الميتة للمضطر وأكل النجاسات والخبائث اضطرارا وقتل القاتل وقطع القاطع وبالجملة العقوبات والحدود للزجر وقطع اليد المتأكلة وقلع الضرس الوجعة والإبلام بقطع العروق والقصد وغير ذلك للتداوي وما أشبه ذلك من الأمور التي انفردت عما غلب عليها لكان النهي عنها متوجها وبالجملة كل ما تعارضت فيه الأدلة.فلا يخلو أن تتساوى الجهتان أو تترجح إحداهما على الأخرى.
فإن تساوتا فلا حكم من جهة المكلف بأحد الطرفين دون الاخر إذ اظهر التساوي بمقتضى الأدلة ولعل هذا غير واقع في الشريعة وإن فرض وقوعه(2/30) فلا ترجيح إلا بالتشهي من غير دليل وذلك في الشرعيات باطل باتفاق وأما أن قصد الشارع متعلق بالطرفين معا طرف الإقدام وطرف الإحجام فغير صحيح لأنه تكليف ما لا يطاق إذ قد فرضنا تساوي الجهتين على الفعل الواحد فلا يمكن أن يؤمر به وينهى عنه معا ولا يكون أيضا القصد غير متعلق بواحدة منهما إذ قد فرضنا أن توارد الأمر والنهي معا وهما علمان على القصد على الجملة حسبما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى إذ لا أمر ولا نهي من غير اقتضاء فلم يبق إلا أن يتعلق بإحدى الجهتين دون الأخرى ولم يتعين ذلك للمكلف فلا بد من التوقف.
وأما إن ترجحت إحدى الجهتين على الأخرى فيمكن أن يقال إن قصد الشارع متعلق بالجهة الأخرى إذ لو كان متعلقا بالجهة الأخرى لما صح الترجيح ولكان الحكم كما إذا تساوت الجهتان فيجب الوقف وذلك غير صحيح مع وجود الترجيح ويمكن أن يقال إن الجهتين معا عند المجتهد معتبرتان إذ كل واحدة منهما يحتمل أن تكون هي المقصودة للشارع ونحن إنما كلفنا بما ينقدح عندنا أنه مقصود للشارع لا بما هو مقصوده في نفس الأمر فالراجحة وإن ترجحت لا تقطع إمكان(2/31) كون الجهة الأخرى هي المقصودة للشارع إلا أن هذا الإمكان مطرح في التكليف إلا عند تساوي الجهتين وغير مطرح في النظر ومن هنا نشأت قاعدة مراعاة الخلاف عند طائفة من الشيوخ والإمكان الأول جار على طريقة المصوبين والثاني جار على طريقة المخطئين.
وعلى كل تقدير فالذي يلخص من ذلك أن الجهة المرجوحة غير مقصودة الإعتبار شرعا عند اجتماعها مع الجهة الرجحة إذ لو كانت مقصودة للشارع لاجتمع الأمر والنهي معا على الفعل الواحد فكان تكليفا بما لا يطاق وكذلك يكون الحكم في المسائل الإجتهادية كلها سواء علينا أقلنا إن كل مجتهد مصيب أم لا فلا فرق إذا بين ما كان من الجهات المرجوحة جاريا على الإعتياد أو خارجا عنه فالقياس مستمر والبرهان مطلق في القسمين وذلك ما أردنا بيانه. فإن قيل أفلا تكون الجهة المغلوبة مقصودة للشارع بالقصد الثاني فإن مقاصد الشارع تنقسم إلى دينك هكذا وإن في الكتاب الضربين. فالجواب أن القصد الثاني إنما يثبت إذا لم يناقض القصد الأول فإذا ناقضه لم يكن مقصودا بالقصد الأول ولا بالقصد الثاني وهذا مذكور في موضعه من هذا الكتاب وبالله التوفيق.
المسألة السادسة
لما كانت المصالح والمفاسد على ضربين دنيوية وأخروية وتقدم الكلام على الدنيوية اقتضى الحال الكلام في المصالح والمفاسد الأخروية فنقول إنها على ضربين أحدهما أن تكون خالصة لا امتزاج لأحد القبيلين بالآخر كنعيم أهل الجنان وعذاب أهل الخلود في النيران أعاذنا الله من النار وأدخلنا الجنة (2/32)برحمته.
والثاني أن تكون ممتزجة وليس ذلك إلا بالنسبة إلى من يدخل النار من الموحدين في حال كونه في النار خاصة فإذا أدخل الجنة برحمة الله رجع إلى القسم الأول وهذا كله حسبما جاء في الشريعة إذ ليس للعقل في الأمور الأخروية مجال وإنما تتلقى أحكامها من السمع.
أما كون هذا القسم الثاني ممتزجا فظاهر لأن النار لا تنال منهم مواضع السجود ولا محل الإيمان وتلك مصلحة ظاهرة وأيضا فإنما تأخذهم على قدر أعمالهم وأعمالهم لم تتمحض للشر خاصة فلا تأخذهم النار أخذ من لا خير في عمله على حال وهذا كاف في حصول المصلحة الناشئة من الإيمان والأعمال الصالحة ثم الرجاء المعلق بقلب المؤمن راحة ما حاصلة له مع التعذيب فهي تنفس عنه من كرب النار إلى غير ذلك من الأمور الجزئية الآتية في الشريعة من استقراها ألفاها.
وأما كون الأول محضا فيدل عليه من الشريعة أدلة كثيرة كقوله تعالى { لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون } وقوله { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } الآية وقوله { لا يموت فيها ولا يحيى } وهو أشد ما هنالك إلى سائر ما يدل على الإبعاد من الرحمة وفي الجنة آيات آخر وأحاديث تدل على أن لا عذاب ولا مشقة ولا مفسدة كقوله { إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين } إلى قوله { لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين } وقوله { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } إلى غير ذلك مما هو معلوم وقد بين ذلك ربنا بقوله في الجنة أنت رحمتي وفي النار أنت عذابي(2/33)فسمى هذه بالرحمة مبالغة وهذه بالعذاب مبالغة.
فإن قيل كيف يستقيم هذا وقد ثبت أن في النار دركات بعضها أشد من بعض كما أنه جاء في الجنة أن فيها درجات بعضها فوق بعض وجاء في بعض أهل النار أنه في ضحضاح مع أنه من المخلدين وجاء أن في الجنة من يحرم بعض نعيمها كالذي يموت مدمن خمر ولم يتب منها وإذا كانت دركات الجحيم أعاذنا الله منها بعضها أشد فالذي دون الأشد أخف من الأشد والخفة مما يقتضيه وصف الرحمة التي تحصل مصلحة ما وأيضا فالقدر الذي وصل إليه العذاب بالنسبة إلى ما يتوهم فوقه خفيف كما أنه شديد بالنسبة إلى ما هو دونه وإذا تصورت الخفة ولو بنسبة ما فهي مصلحة في ضمن مفسدة العذاب كما أن درجات الجنة كذلك في الطرف الآخر فإن الجزاء على حسب العمل وإذا كان عمل الطاعة قليلا بسبب كثرة المخالفة كان الجزاء على تلك النسبة ومعلوم أن رتبة آخر من يدخل الجنة ليست كرتبة من لم يعص الله قط ودأب على الطاعات عمره وإنما ذلك لأجل عمل الأول السببي فكان جزاؤه على الطاعة في الآخرة نعيما كدره عليه كثرة المخالفة وهذا معنى ممازجة المفسدة فإذا كان كذلك فالقسمان معا قسم واحد x.

أم ورقة
06-11-2008, 11:16 AM
فصل
وإذا ثبت هذا انبنى عليه قواعد:
منها أنه لا يستمر إطلاق القول بأن الأصل في المنافع الأذن وفي المضار المنع كما قرره الفخر الرازي إذ لا يكاد يوجد انتفاع حقيقي ولا ضرر حقيقي وإنما عامتها أن تكون إضافية. (2/40)
والمصالح والمفاسد إذا كانت راجعة إلى خطاب الشارع وقد علمنا من خطابه أنه يتوجه بحسب الأحوال والأشخاص والأوقات حتى يكون الإنتفاع المعين مأذونا فيه وقت أو حال أو بحسب شخص وغير مأذون فيه إذا كان على غير ذلك فكيف يسوغ إطلاق هذه العبارة أن الأصل فى المنافع الإذن وفى المضار المنع؟
وأيضا فإذا كانت المنافع لا تخلو من مضار وبالعكس فكيف يجتمع الإذن والنهي على الشىء الواحد وكيف يقال إن فى الأصل فى الخمر مثلا الإذن من حيث منفعة الإنتشاء والتشجيع وطرد الهموم والأصل فيها أيضا المنع من حيث مضرة سلب العقل والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهما لا ينفكان أويقال الأصل فى شرب الدواء المنع لمضرة شربه لكراهته وفظاعته ومرارته والأصل فيه الإذن لأجل الإنتفاع به وهما غير منفكين فيكون الأصل فى ذلك كله الإذن وعدم الإذن معا وذلك محال.
فإن قيل المعتبر عند التعارض الراجح فهو الذي ينسب إليه الحكم وما سواه فى حكم المغفل المطرح.
فالجواب أن هذا مما يشد ما تقدم إذ هو دليل على أن المنافع ليس أصلها الإباحة بإطلاق وأن المضار ليس أصلها المنع بإطلاق بل الأمر فى ذلك راجع إلى ما تقدم وهو ما تقوم به الدنيا للآخرة وإن كان فى الطريق ضرر ما متوقع أو نفع ما مندفع. (2/41)
ومنها أن القرافي أورد إشكالا فى المصالح والمفاسد ولم يجب عنه وهو عنده لازم لجميع العلماء المعتبرين للمصالح والمفاسد فقال :
المراد بالمصلحة والمفسدة إن كان مسماهما كيف كانا فما من مباح إلا وفيه فى الغالب مصالح ومفاسد فإن أكل الطيبات ولبس اللينات فيها مصالح الأجساد ولذات النفوس وآلام ومفاسد فى تحصيلها وكسبها وتناولها وطبخها وإحكامها وإجادتها بالمضغ وتلويث الأيدي إلى غير ذلك مما لو خير العاقل بين وجوده وعدمه لاختار عدمه فمن يؤثر وقد النيران وملابسة الدخان وغير ذلك فيلزم أن لا يبقى مباح ألبتة.
وإن أرادوا ما هو أخص من مطلقهما مع أن مراتب الخصوص متعددة فليس بعضها أولى من بعض ولأن العدول عن أصل المصلحة والمفسدة تأباه قواعد الإعتزال فإنه سفه X

أم ورقة
06-11-2008, 11:17 AM
المسألة التاسعة
كون الشارع قاصدا للمحافظة على القواعد الثلاث الضرورية والحاجية والتحسينية لا بد عليه من دليل يستند إليه والمستند إليه فى ذلك إما أن يكون دليلا ظنيا أو قطعيا وكونه ظنيا باطل مع أنه أصل من أصول الشريعة بل هو أصل أصولها وأصول الشريعة قطعية حسبما تبين فى موضعه فأصول أصولها أولى أن تكون قطعية ولو جاز إثباتها بالظن لكانت الشريعة مظنونة أصلا وفرعا وهذا باطل فلا بد أن تكون قطعية
فأدلتها قطعية بلا بد.
فإذا ثبت هذا فكون هذا الأصل مستندا إلى دليل قطعي مما ينظر فيه فلا يخلو أن يكون عقليا أو نقليا
فالعقلي لا موقع له هنا لأن ذلك راجع إلى تحكيم العقول فى الأحكام الشرعية وهو غير صحيح فلا بد أن يكون نقليا.
والأدلة النقلية إما أن تكون نصوصا جاءت متواترة السند لا يحتمل متنها التأويل على حال أولا فإن لم تكن نصوصا أو كانت ولم ينقلها أهل التواتر فلا يصح استناد مثل هذا إليها لأن ما هذه صفته لا يفيد القطع وإفادة القطع هوالمطلوب وإن كانت نصوصا لا تحتمل التأويل ومتواترة السند فهذا مفيد للقطع إلا أنه متنازع فى وجوده بين العلماء.
والقائل بوجوده مقر بأنه لا يوجد فى كل مسألة تفرض فى الشريعة بل يوجد فى بعض المواضع دون بعض ولم يتعين أن مسألتنا من المواضع التي جاء فيها دليل قطعي.
والقائل بعدم وجوده فى الشريعة يقول إن التمسك بالدلائل النقلية إذا(2/49)كانت متواترة موقوف على مقدمات عشر كل واحدة منها ظنية والموقوف على الظني لا بد أن يكون ظنيا فإنها تتوقف على نقل اللغات وآراء النحو وعدم الإشتراك وعدم المجاز وعدم النقل الشرعي أوالعادي وعدم الإضمار وعدم التخصيص للعموم وعدم التقييد للمطلق وعدم الناسخ وعدم التقديم والتأخير وعدم المعارض العقلي وجميع ذلك أمور ظنية X
المسألة العاشرة
هذه الكليات الثلاث إذا كانت قد شرعت للمصالح الخاصة بها فلا يرفعها تخلف آحاد الجزئيات.
ولذلك أمثلة أما في الضروريات فإن العقوبات مشروعة للإزدجار مع أنا نجد من يعاقب فلا يزدحر عما عوقب عليه ومن ذلك كثير وأما في(2/52)الحاجيات فكالقصر في السفر مشروع للتخفيف وللحوق المشقة والملك المترفه لا مشقة له والقصر في حقه مشروع والقرض أجيز للرفق بالمحتاج مع أنه جائز أيضا مع عدم الحاجة وأما في التحسينيات فإن الطهارة شرعت للنظافة على الجملة مع أن بعضها على خلاف النظافة كالتيمم.
فكل هذا غير قادح في أصل المشروعية لأن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي لأن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت X

أم ورقة
06-11-2008, 11:18 AM
النوع الثاني في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام ويتضمن مسائل
المسألة الأولى
إن هذه الشريعة المباركة عربية لا مدخل فيها للألسن العجمية وهذا وإن كان مبينا في أصول الفقه وأن القرآن ليس فيه كلمة أعجمية عند جماعة من الأصوليين أو فيه ألفاظ أعجمية تكلمت بها العرب وجاء القرآن على وفق ذلك فوقع فيه المعرب الذي ليس من أصل كلامها فإن هذا البحث على هذا الوجه غير مقصود هنا.
وإنما البحث المقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة لأن الله تعالى يقول { إنا أنزلناه قرآنا عربيا } وقال { بلسان عربي مبين } وقال { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } وقال { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي } إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة هذا هو المقصود من المسألة.(2/64)
وأما كونه جاءت فيه ألفاظ من ألفاظ العجم أو لم يجىء فيه شىء من ذلك فلا يحتاج إليه إذا كانت العرب قد تكلمت به وجرى فى خطابها وفهمت معناه فإن العرب إذا تكلمت به صار من كلامها ألا ترى أنها لا تدعه على لفظه الذي كان عليه عند العجم إلا إذا كانت حروفه فى المخارج والصفات كحروف العرب وهذا يقل وجوده وعند ذلك يكون منسوبا إلى العرب فأما إذا لم تكن حروفه كحروف العرب أو كان بعضها كذلك دون بعض فلا بد لها من أن تردها إلى حروفها ولا تقبلها على مطابقة حروف العجم أصلا ومن أوزان الكلم ما تتركه على حاله فى كلام العجم ومنها ما تتصرف فيه بالتغيير كما تتصرف فى كلامها وإذا فعلت ذلك صارت تلك الكلم مضمومة إلى كلامها كالألفاظ المرتجلة والأوزان المبتدأة لها هذا معلوم عند أهل العربية لا نزاع فيه ولا إشكال.
ومع ذلك فالخلاف الذي يذكره المتأخرون فى خصوص المسألة لا ينبني عليه حكم شرعي ولا يستفاد منه مسألة فقهية وإنما يمكن فيها أن توضع مسألة كلامية ينبني عليها اعتقاد وقد كفى الله مؤونة البحث فيها بما استقر عليه كلام أهل العربية فى الأسماء الأعجمية.
فإن قلنا إن القرآن نزل بلسان العرب وإنه عربي وإنه لا عجمه فيه فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود فى ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره وبالعام يراد به العام فى وجه والخاص فى وجه وبالعام يراد به الخاص والظاهر يراد به غير الظاهر(2/65)وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره وتتكلم بالكلام ينبىء أوله عن آخره أو آخره عن أوله وتتكلم بالشىء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة وتسمى الشىء الواحد بأسماء كثيرة والأشياء الكثيرة بإسم واحد وكل هذا معروف عندها لا ترتاب فى شىء منه هي ولا من تعلق بعلم كلامها.
فإذا كان كذلك فالقرآن فى معانيه وأساليبه على هذا الترتيب فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة فهم لسان العجم لاختلاف الأوضاع والأساليب
والذي نبه على هذا المأخذ فى المسألة هو الشافعي الإمام فى رسالته الموضوعة فى أصول الفقه وكثير ممن أتى بعده لم يأخذها هذا المأخذ فيجب التنبه لذلك
وبالله التوفيق.
المسألة الثانية
للغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة على معان نظران:
أحدهما: من جهة كونها ألفاظ وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة وهى الدلالة الأصلية
والثاني: من جهة كونها ألفاظا وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة وهي الدلالة التابعة
فالجهة الأولى هي التي يشترك فيها جميع الألسنة وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين ولا تختص بأمة دون أخرى فإنه إذا حصل فى الوجود فعل لزيد مثلا كالقيام ثم أراد كل صاحب لسان الإخبار عن زيد بالقيام تأتي له ما أراد من غير كلفة ومن هذه الجهة يمكن فى لسان العرب الإخبار عن أقوال الأولين ممن ليسوا من أهل اللغة العربية وحكاية كلامهم ويتأتى فى لسان العجم حكاية أقوال العرب والإخبار عنها وهذا لا إشكال فيه(2/66)
وأما الجهة الثانية فهي التي يختص بها لسان العرب فى تلك الحكاية وذلك الإخبار فإن كل خبر يقتضى فى هذه الجهة أمورا خادمة لذلك الإخبار بحسب المخبر والمخبر عنه والمخبر به ونفس الإخبار فى الحال والمساق ونوع الأسلوب من الإيضاح والإخفاء والإيجاز والإطناب وغير ذلك.
وذلك أنك تقول فى ابتداء الأخبار قام زيد إن لم تكن ثم عناية بالمخبر عنه بل بالخبر فإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت زيد قام وفى جواب السؤال أو ما هو منزل تلك المنزلة إن زيدا قام وفى جواب المنكر لقيامه والله إن زيدا قام وفى إخبار من يتوقع قيامه أو الإخبار بقيامه قد قام زيد أو زيد قد قام وفى التنكيت على من ينكر إنما قام زيد X

أم ورقة
06-11-2008, 11:18 AM
المسالة الثالثة
هذه الشريعة المباركة أمية لأن أهلها كذلك فهو أجرى على اعتبار المصالح ويدل على ذلك أمور:
أحدها: النصوص المتواترة اللفظ والمعنى كقوله تعالى { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم } وقوله { فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته } وفى الحديث
بعثت إلى أمة أمية لأنهم لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين والأمي منسوب إلى الأم وهو الباقي على أصل ولادة الأم لم يتعلم كتابا ولا غيره فهو على أصل خلقته التي ولد عليها وفى الحديث(2/69) نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وقد فسر معنى الأمية فى الحديث أي ليس لنا علم بالحساب ولا الكتاب
ونحوه قوله تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } وما أشبه هذا من الأدلة المبثوثة فى الكتاب والسنة الدالة على أن الشريعة موضوعة على وصف الأمية لأن أهلها كذلك.
والثاني: أن الشريعة التي بعث بها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما إما أن تكون على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية أو لا فإن كان كذلك فهو معنى كونها أمية أي منسوبة إلى الأميين وإن لم تكن كذلك لزم أن تكون على غير ما عهدوا فلم تكن لتنزل من أنفسهم منزلة ما تعهد وذلك خلاف ما وضع عليه الأمر فيها فلا بد أن تكون على ما يعهدون والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية فالشريعة إذا 4 أمية.
والثالث: أنه لو لم يكن على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزا الله تبارك وتعالى رضي الله عنهن الرب عز وجل (2/70)ولكانوا يخرجون عن مقتضى التعجيز بقولهم هذا على غير ما عهدنا إذ ليس لنا عهد بمثل هذا الكلام من حيث إن كلامنا معروف مفهوم عندنا وهذا ليس بمفهوم ولا معروف فلم تقم الحجة عليهم به ولذلك قال سبحانه { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي } فجعل الحجة على فرض كون القرآن أعجميا ولما قالوا إنما يعلمه بشر رد الله عليهم بقوله { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } لكنهم أذعنوا لظهور الحجة فدل على أن ذلك لعلمهم به وعهدهم بمثله مع العجز عن مماثلته وأدلة هذا المعنى كثيرة X

أم ورقة
06-11-2008, 11:19 AM
المسألة الخامسة
إذا ثبت أن للكلام من حيث دلالته على المعنى اعتبارين من جهة دلالته على المعنى الأصلى ومن جهة دلالته على المعنى التبعي الذى هو خادم للأصل كان من الواجب أن ينظر فى الوجه الذى تستفاد منه الأحكام وهل يختص بجهة المعنى الأصلي أو يعم الجهتين معا ؟
أما جهة المعنى الأصلي فلا إشكال فى صحة اعتبارها فى الدلالة على الأحكام بإطلاق ولا يسع فيه خلاف على حال ومثال ذلك صيغ الأوامر والنواهى والعمومات والخصوصات وما أشبه ذلك مجردا من القرائن الصارفة لها عن مقتضى الوضع الأول .
وأما جهة المعنى التبعي فهل يصح اعتبارها في الدلالة على الأحكام من حيث يفهم منها معان زائدة على المعنى الأصلي أم لا هذا محل تردد ولكل واحد من الطرفين وجه من النظر
فللمصحح أن يستدل بأوجه :
أحدها: أن هذا النوع إما أن يكون معتبرا في دلالته على ما دل عليه أولا ولا يمكن عدم اعتباره لأنه إنما أتى به لذلك المعنى فلا بد من اعتباره فيه وهو زائد على المعنى الأصلي وإلا لم يصح فإذا كان هذا المعنى يقتضى حكما شرعيا لم يمكن إهماله واطراحه كما لا يمكن ذلك بالنسبة إلى النوع الأول فهو إذا معتبر وهو المطلوب. (2/95)
والثاني: أن الإستدلال بالشريعة على الأحكام إنما هو من جهة كونها بلسان العرب لا من جهة كونها كلاما فقط وهذا الإعتبار يشمل ما دل بالجهة الأولى وما دل بالجهة الثانية هذا وإن قلنا إن الثانية مع الأولى كالصفة مع الموصوف كالفصل والخاص فذلك كله غير ضائر وإذا كان كذلك فتخصيص الأولى بالدلالة على الأحكام دون الثانية تخصيص من غير مخصص وترجيح من غير مرجح وذلك كله باطل فليست الأولى إذ ذاك بأولى للدلالة من الثانية فكان اعتبارهما معا هو المتعين.
والثالث: أن العلماء قد اعتبروها واستدلوا على الأحكام من جهتها في مواضع كثيرة:
كما استدلوا على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يوما بقوله عليه السلام
تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلى والمقصود الإخبار بنقصان الدين لا الإخبار بأقصى المدة ولكن المبالغة اقتضت ذكر ذلك ولو تصورت الزيادة لتعرض لها.
واستدل الشافعي على تنجيس الماء القليل بنجاسة لا تغيره بقوله عليه السلام
إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها الحديث(2/96) فقال لولا أن قليل النجاسة ينجس لكان توهمه لا يوجب الإستحباب فهذا الموضع لم يقصد فيه بيان حكم الماء القليل تحله قليل النجاسة لكنه لازم مما قصد ذكره.
وكاستدلالهم على تقدير أقل مدة الحمل ستة أشهر أخذا من قوله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } مع قوله { وفصاله في عامين } فالمقصد فى الآية الأولى بيان مدة الأمرين جيمعا من غير تفصيل ثم بين فى الثانية مدة الفصال قصدا وسكت عن بيان مدة الحمل وحدها قصدا فلم يذكر له مدة فلزم من ذلك أن أقلها ستة أشهر.
وقالوا فى قوله تعالى { فالآن باشروهن } إلى قوله تعالى { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } الآية إنه يدل على جواز الإصباح جنبا وصحة الصيام لأن إباحة المباشرة إلى طلوع الفجر تقتضى ذلك وإن لم يكن مقصود البيان لأنه لازم من القصد إلى بيان إباحة المباشرة والأكل والشرب
واستدلوا على أن الولد لا يملك بقوله تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } وأشباه ذلك من الآيات فإن المقصود بإثبات العبودية لغير الله وخصوصا للملائكة نفى اتخاذ الولد لا أن الولد لا يملك لكنه(2/97) لزم من نفي الولادة وأن لا يكون المنسوب إليها إلا عبدا إذ لا موجود إلا رب أو عبد.
واستدلوا على ثبوت الزكاة فى قليل الحبوب وكثيرها بقوله عليه الصلاة والسلام
فيما سقت السماء العشر الحديث مع أن المقصود تقدير الجزء المخرج لا تعيين المخرج منه ومثله كل عام نزل على سبب فإن الأكثر على الأخذ بالتعميم اعتبارا بمجرد اللفظ والمقصود وإن كان السبب على الخصوص.
واستدلوا على فساد البيع وقت النداء بقوله تعالى { وذروا البيع } مع أن المقصود إيجاب السعي لا بيان فساد البيع.
وأثبتوا القياس الجلي قياسا كإلحاق الأمة بالعبد فى سراية العتق مع(2/98) أن المقصود فى قوله عليه السلام
من أعتق شركا له فى عبد مطلق الملك لا خصوص الذكر إلى غير ذلك من المسائل التى لا تحصى كثرة وجميعها تمسك بالنوع الثانى لا بالنوع الأول وإذا كان كذلك ثبت أن الاستدلال من جهته صحيح مأخوذ به.
وللمانع أن يستدل أيضا بأوجه:
أحدها: أن هذه الجهة إنما هى بالفرض خادمة للأولى وبالتبع لها فدلالتها على معنى إنما يكون من حيث هى مؤكدة للأولى ومقوية لها وموضحة لمعناها وموقعة لها من الأسماع موقع القبول ومن العقول موقع الفهم كما نقول فى الأمر الآتى للتهديد أو التوبيخ كقوله { اعملوا ما شئتم } وقوله { ذق إنك أنت العزيز الكريم } فإن مثل هذا لم يقصد به الأمر وإنما هو مبالعة فى التهديد أو الخزي فلذلك لم يقبل أن يؤخذ منه حكم فى باب الأوامر ولا يصح أن يؤخذ وكما نقول فى نحو { واسأل القرية التي كنا فيها } إن المقصود سل أهل القرية ولكن جعلت القرية مسئولة مبالغة فى الاستيفاء بالسؤال وغير (2/99) ذلك فلم ينبن على إسناد السؤال للقرية حكم وكذلك قوله { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } بناء على القول بأنهما تفنيان ولا تدومان لما كان المقصود به الإخبار بالتأبيد لم يوخذ منه انقطاع مدة العذاب للكفار إلى أشياء من هذا المعنى لا يؤتى على حصرها وإذا كان كذلك فليس لها من الدلالة على المعنى الذي وضعت له أمر زائد على الإيضاح والتأكيد والتقوية للجهة الأولى فإذا ليس لها خصوص حكم يؤخذ منها زائدا على ذلك بحال.
والثانى: أنه لو كان لها موضع خصوص حكم يقرر شرعا دون الأولى لكانت هى الأولى إذ كان يكون تقرير ذلك المعنى مقصودا بحق الأصل فتكون العبارة عنه من الجهة الأولى لا من الثانية وقد فرضناه من الثانية هذا خلف لا يمكن.
لا يقال إن كونها دالة بالتبع لا ينفى كونها دالة بالقصد وإن كان القصد ثانيا كما نقول فى المقاصد الشرعية إنها مقاصد أصلية ومقاصد تابعة والجميع مقصود للشارع ويصح من المكلف القصد إلى المقاصد التابعة مع الغفلة عن الأصلية (2/100) وينبنى على ذلك فى أحكام التكليف حسبما يأتي بعد إن شاء الله فكذلك نقول هنا إن دلالة الجهة الثانية لا تمنع قصد المكلف إلى فهم الأحكام منها لأن نسبتها من فهم الشريعة نسبة تلك من الأخذ بها عملا وإذا اتحدت النسبة كان التفريق بينهما غير صحييح ولزم من اعتبار إحداهما اعتبار الأخرى كما يلزم من إهمال إحداهما إهمال الأخرى.
لأنا نقول هذا إن سلم من أدل الدليل على ما تقدم لأنه إذا كان النكاح بقصد قضاء الوطر مثلا صحيحا من حيث كان مؤكد للمقصود الأصلي من النكاح وهو النسل فغفلة المكلف عن كونه مؤكدا لا يقدح فى كونه مؤكدا فى قصد الشارع . فكذلك نقول فى مسألتنا إن الجهة الثانية من حيث القصد فى اللسان العربي إنما هى مؤكدة للأولى فى نفس ما دلت عليه الأولى وما دلت عليه هو المعنى الأصلي فالمعنى التبعي راجع إلى المعنى الأصلي ويلزم من هذا أن لا يكون فى المعنى التبعى زيادة على المعنى الأصلي وهو المطلوب.
وأيضا فإن بين المسألتين فرقا وذلك أن النكاح بقصد قضاء الوطر إن كان داخلا من وجه تحت المقاصد التابعة للضروريات فهو داخل من وجه آخر تحت الحاجيات لأنه راجع إلى قصد التوسعة على العباد فى نيل مآربهم وقضاء أوطارهم ورفع الحرج عنهم وإذا دخل تحت أصل الحاجيات صح افراده بالقصد من هذه الجهة ورجع إلى كونه مقصودا لا بالتبعية بخلاف مسألتنا فإن الجهة التابعة لا يصح افرادها بالدلالة على معنى غير التأكد للأولى لأن العرب ما وضعت كلامها على ذلك إلا بهذا القصد فلا يمكن الخروج عنه إلى غيره.
والثالث أن وضع هذه الجهة على أن تكون تبعا للأولى يقتضى أن ما تؤديه من المعنى لا يصح أن يؤخذ إلا من تلك الجهة فلو جاز أخذه من غيرها لكان خروجا بها عن وضعها وذلك غير صحيح ودلالتها على حكم زائد على ما فى الأولى خروج لها عن كونه تبعا للأولى فيكون استفاده الحكم من جهتها على(2/101)غير فهم عربي وذلك غير صحيح فما أدى إليه مثله وما ذكر من استفادة الأحكام بالجهة الثانية غير مسلم وإنما هى راجعة إلى أحد أمرين إما إلى الجهة الأولى وإما إلى جهة ثالثة غير ذلك.
فأما مدة الحيض فلا نسلم أن الحديث دال عليها وفيه النزاع ولذلك يقول الحنفية أن أكثرها عشرة أيام وأن سلم فليس ذلك من جهة دلالة اللفظ بالوضع وفيه الكلام ومسألة الشافعي فى نجاسة الماء من باب القياس أو غيره وأفل مدة الحمل مأخوذ من الجهة الأولى لا من الجهة الثانية
وكذلك مسألة الإصباح جنبا إذ لا يمكن غير ذلك وأما كون الولد لا يملك فالاستدلال عليه بالآية ممنوع وفيه النزاع وما ذكر مسالة الزكاة فالقائل بالتعميم إنما بني على أن العموم مقصود ولم يبن على أنه غير مقصود وإلا كان تناقضا لأن أدلة الشريعة إنما أخذ منها الأحكام الشرعية بناء على أنه هو مقصود الشارع فكيف يصح الاستدلال بالعموم مع الاعتراف بأن ظاهره غير مقصود وهكذا العام الوارد على سبب من غير فرق ومن قال بفسخ البيع وقت النداء بناء على قوله تعالى { وذروا البيع } فهو عنده مقصود لا ملغى وإلا لزم (2/102) التناقض فى الأمر كما ذكر وكذلك شأن القياس الجلى لم يجعلوا دخول الأمة فى حكم العبد بالقياس إلا بناء على أن العبد هو المقصود بالذكر بخصوصه وهكذا سائر ما يفرض فى هذا الباب
فالحاصل أن الاستدلال بالجهة الثانية على الأحكام لا يثبت فلا يصح إعماله ألبتة وكما أمكن الجواب عن الدليل الثالث كذلك يمكن فى الأول والثانى فإن فى الأول مصادرة على المطلوب لأنه قال فيه فإذا كان المعنى المدلول عليه يقتضى حكما شرعيا فلا يمكن إهماله وهذا عين مسألة النزاع والثانى مسلم ولكن يبقى النظر فى استقلال الجهة الثانية بالدلالة على حكم شرعي وهو المتنازع فيه فالصواب إذا القول بالمنع مطلقا والله أعلم .

أم ورقة
06-11-2008, 11:19 AM
فصل
قد تبين تعارض الأدلة فى المسألة وظهر أن الأقوى من الجهتين جهة المانعين فاقتضى الحال أن الجهة الثانية وهي الدالة على المعنى التبعي لا دلالة لها على حكم شرعي زائد ألبتة
لكن يبقى فيها نظر آخر ربما أخال أن لها دلالة على معان زائدة على المعنى الأصلي هي آداب شرعية وتخلقات حسنة يقر بها كل ذي عقل سليم فيكون لها اعتبار فى الشريعة فلا تكون الجهة الثانية خالية عن الدلالة جملة وعند ذلك يشكل القول بالمنع مطلقا.
وبيان ذلك يحصل بأمثلة سبعة
أحدها أن القرآن أتى بالنداء من الله تعالى للعباد ومن العباد لله سبحانه إما حكاية وإما تعليما فحين أتى بالنداء من قبل الله للعباد جاء بحرف النداء المقتضى للعبد ثابتا غير محذوف كقوله تعالى { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة } { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } { يا أيها الناس } { يا أيها الذين آمنوا } فإذا أتى(2/103) بالنداء من العباد إلى الله تعالى جاء من غير حرف نداء ثابت بناء على أن حرف النداء للتنبيه فى الأصل والله منزه عن التنبيه وأيضا فإن أكثر حروف النداء للبعيد ومنها يا التي هي أم الباب وقد أخبر الله تعالى أنه قريب من الداعي خصوصا لقوله تعالى { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } الآية ومن الخلق عموما لقوله { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم } وقوله { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }
فحصل من هذا التنبيه على أدبين أحدهما ترك حرف النداء والآخر استشعار القرب كما أن فى إثبات الحرف فى القسم الآخر التنبيه على معنين إثبات التنبيه لمن شأنه الغفلة والإعراض والغيبة وهو العبد والدلالة على ارتفاع شأن المنادى وأنه منزه عن مداناة العباد إذ هو فى دنوه عال وفى علوه دان سبحانه
والثاني أن نداء العبد للرب نداء رغبة وطلب لما يصح شأنه فأتى فى النداء القرآني بلفظ الرب فى عامة الأمر تنبيها وتعليما لأن يأتي العبد فى دعائه بالإسم المقتضى للحال المدعو بها وذلك أن الرب فى اللغة هو القائم بما يصلح المربوب فقال تعالى فى معرض بيان دعاء العباد { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } إلى آخرها { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } وإنما أتى قوله تعالى { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } من غير إتيان بلفظ الرب لأنه لا مناسبة بينه وبين ما دعوا به بل هو مما ينافيه بخلاف (2/104) الحكاية عن عيسى عليه السلام فى قوله { قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء } الآية فإن لفظ الرب فيها مناسب جدا
والثالث أنه أتى فيه الكناية فى الأمور التي يسحبا من التصريح بها كما كنى عن الجماع باللباس والمباشرة وعن قضاء الحاجة بالمجىء من الغائط وكما قال فى نحوه { كانا يأكلان الطعام } فاستقر ذلك أدبا لنا استنبطناه من هذه المواضع وإنما دلالتها على هذه المعاني بحكم التبع لا بالأصل
والرابع أنه أتى فيه بالالتفات الذي ينبىء فى القرآن عن أدب الإقبال من الغيبة إلى الحضور بالنسبة إلى العبد إذا كان مقتضى الحال يستدعيه كقوله تعالى { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين } ثم قال { إياك نعبد } وبالعكس إذا اقتضاه الحال أيضا كقوله تعالى { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة } وتأمل فى هذا المساق معنى قوله تعالى { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } حيث عوتب النبى صلى الله عليه وسلم بهذا المقدار من هذا العتاب لكن على حال تقتضى الغيبة التي شأنها أخف بالنسبة إلى المعاتب ثم رجع الكلام إلى الخطاب إلا أنه بعتاب أخف من الأول ولذلك ختمت الآية بقوله { كلا إنها تذكرة }
والخامس الأدب فى ترك التنصيص على نسبة الشر إلى الله تعالى وإن كان هو الخالق لكل شىء كما قال بعد قوله { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } إلى قوله { بيدك الخير } ولم يقل بيدك الخير والشر وإن كان قد ذكر القسمين معا لأن نزع الملك والإذلال بالنسبة إلى من لحق ذلك به شر ظاهر نعم قال فى أثره { إنك على كل شيء قدير } تنبيها فى الجملة على أن الجميع خلقه حتى جاء فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم(2/105) والخير في يديك والشر ليس إليك وقال إبراهيم عليه السلام { الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين } الخ فنسب إلى رب العالمين الخلق والهداية والإطعام والسقي والشفاء والإماتة والإحياء وغفران الخطيئة دون ما جاء في أثناء ذلك من المرض فإنه سكت عن نسبته إليه
والسادس الأدب في المناظرة أن لا يفاجئ بالرد كفاحا دون التقاضي بالمجاملة والمسامحة كما في قوله تعالى { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } وقوله { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } { قل إن افتريته فعلي إجرامي } وقوله { قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } { أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } لأن ذلك أدعى إلى القبول وترك العناد وإطفاء نار العصبية
والسابع الأدب في إجراء الأمور على العادات في التسببات وتلقي الأسباب منها وإن كان العلم قد أتى من وراء ما يكون أخذا من مساقات الترجيات العادية كقوله تعالى { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } { فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده } { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } ومن هذا الباب جاء نحو قوله تعالى { لعلكم تتقون } { لعلكم تذكرون } وما أشبه ذلك فإن الترجي والإشفاق ونحوهما إنما تقع حقيقة ممن لا يعلم عواقب الأمور والله تعالى عليم بما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون
ولكن جاءت هذه الأمور على المجرى المعتاد في أمثالنا فكذلك ينبغي لمن كان عالما بعاقبة أمر بوجه من وجوه العلم الذي هو خارج عن معتاد الجمهور أن يحكم فيه عند العبارة عنه بحكم غير العالم دخولا في غمار العامة وإن بان عنهم(2/106) بخاصية يمتاز بها وهو من التنزلات الفائقة الحسن في محاسن العادات وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بأخبار كثير من المنافقين ويطلعه ربه على أسرار كثير منهم ولكنه كان يعاملهم في الظاهر معاملة يشترك معهم فيها المؤمنون لإجتماعهم في عدم انخرام الظاهر فما نحن فيه نوع من هذا الجنس والأمثلة كثيرة فإذا كان كذلك ظهر أن الجهة الثانية يستفاد بها أحكام شرعية وفوائد عملية ليست داخلة تحت الدلالة بالجهة الأولى وهو توهين لما تقدم اختياره والجواب أن هذه الأمثلة وما جرى مجراها لم يستفد الحكم فيها من جهة وضع الألفاظ للمعاني وإنما استفيد من جهة أخرى وهي جهة الإقتداء بالأفعال X

أم ورقة
06-24-2008, 07:40 AM
السؤال:

هل يمكن اعتبار الاجتهاد في مقاصد الشريعة من مصادر التشريع؟

مقاوم
06-24-2008, 01:46 PM
مصادر التشريع في الإسلام المتفق عليها أربعة، أصلان وفرعان أو تابعان.

أما الأصلان فالكتاب والسنة وأما الفرعان فالإجماع والقياس. الاجتهاد هو الوسيلة التي نصل بها من الأصلين إلى الفرعين فلا يعتبر مصدرا بحد ذاته.

أما غير هذه المصادر الأربعة : كقول الصحابي ، والاستحسان ، وسد الذرائع ، والاستصحاب ، والعرف ، وشرع من قبلنا ، والمصالح المرسلة ، وغيرها ، فقد اختلف العلماء في حجيتها وصحة الاستدلال بها.

والله أعلم .

سعد بن معاذ
06-24-2008, 02:43 PM
سوف اتطفل عليكم فاسمحوا لي
قبل البدايه والحديث في مثل هذا الموضوع ان يعطى القارى العامي فكره عن علم اصول الفقه
فمن يقرا الموضوع لن يعرف او يفهم شيء لذلك يستحسن اخذ فكره عن علم اصول الفقه
ليفهم القارى ماهو مكتوب
ابو معاذ

أم ورقة
06-24-2008, 04:18 PM
مصادر التشريع في الإسلام المتفق عليها أربعة، أصلان وفرعان أو تابعان.

أما الأصلان فالكتاب والسنة وأما الفرعان فالإجماع والقياس. الاجتهاد هو الوسيلة التي نصل بها من الأصلين إلى الفرعين فلا يعتبر مصدرا بحد ذاته.

أما غير هذه المصادر الأربعة : كقول الصحابي ، والاستحسان ، وسد الذرائع ، والاستصحاب ، والعرف ، وشرع من قبلنا ، والمصالح المرسلة ، وغيرها ، فقد اختلف العلماء في حجيتها وصحة الاستدلال بها.

والله أعلم .

جزاك الله خيراً على الإفادة

مقاوم
06-24-2008, 07:05 PM
وإياكم أختي الفاضلة


سوف اتطفل عليكم فاسمحوا لي
قبل البدايه والحديث في مثل هذا الموضوع ان يعطى القارى العامي فكره عن علم اصول الفقه
فمن يقرا الموضوع لن يعرف او يفهم شيء لذلك يستحسن اخذ فكره عن علم اصول الفقه
ليفهم القارى ماهو مكتوب
ابو معاذ
نعم أخي الفاضل
هناك موضوع للأخ عزام: شرح الورقات لإمام الحرمين يتناول هذا الأمر بشيء من التفصيل.
هذا رابط الموضوع:
http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=27732

سعد بن معاذ
06-25-2008, 10:36 AM
انصحك بقراءة كتاب روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة من اروع الكتب في اصول الفقة

أم ورقة
06-25-2008, 10:45 AM
مشكور على كل حال