تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الرغيف المسروق المحروق



مقاوم
06-05-2008, 10:24 AM
مقال جيد مع تحفظي على بعض ما جاء فيه.


الرغيف المسروق المحروق

د. شاكر مطـلق

عاش إنسان العصور القديمة عشرات بل مئات آلاف السنين ، باحثاً عن الغذاء . كان يجمع الثمار من الأرض ويصطاد من الحيوان ما يقدر عليه .

مع مرور الوقت اكتشف صدفة القمح البري ، وعلى حد علمي كان ذلك في سورية ، وعرف - بعد أن استقر في القرى التي تحولت إلى مدن ، فالمملكة المدينة ، ومن ثم إلى إمبراطوريات - أن هذه الحبة العجيبة قادرة بعد زراعتها ورعايتها ، على أن تؤمّن له الغذاء .

استمر هذا الوضع زمناً طويلاً حتى وصلنا إلى زمن العَولمة العجيب ، الذي دمّر هذه القاعدة الحياتية القديمة بطرق جهنمية شتى.

بعد التطور العلمي الذي أتاح للإنسان ، غير الناضج عقلياً وأخلاقياً حتى الآن على ما أعتقد ، أن يصل أصبعُـه إلى أسرار الكون الكبرى ، ومنها شطر الذرة الذي كان من الممكن له أن يجلب الخير والفائدة للإنسان في أكثر من موقع ومجال تطبيقي ، إلا أنه وبفضل ( العم سام الأبيض المثقف ) ، الذي أباد سكان أمريكا الأصليين أو كاد ، تحول إلى كارثة عالمية عندما ألقوا بهذا الجحيم المصنّع فوق ناغازاكي وهيروشيما في اليابان ، إبان الحرب الكونية الثانية .

هكذا كان الأمر عليه أيضاً عندما فك الإنسان الرمز الوراثي له ولغيره من الكائنات ، وأمسى قادراً على التلاعب بالمورثات هذه ، وعلى صنع كائنات ، لا وجود لها في الطبيعة أصلاً ، وعلى استنساخ كائنات أخرى.

هذا ما أصاب حبة القمح والذرة وغير ذلك من قوت البشر ، حيث لم يعد المزارع قادراً على أن يأخذ مما أنتج من حبوب ما يلزم ليزرعه في العام المقبل ، لأن ما أعطوه له من حبوب وغير ذلك ، قد يؤمن مؤقتاً محصولاً أوفر غير أنه عقيم لا يمكن له زراعته من جديد ، وعليه أن يعود ليشتريه كل مرة من مراكز الاحتكار المعروفة .

ناهيك عن أن الدعم المقدم من الدول الصناعية الغنية إلى المنتجين فيها ، في المجال الزراعي والحيواني ، والذي يصل إلى العديد من مليارات الدولارات كل عام ، سمح لهؤلاء بإنتاج وفير رخيص قاموا بتصديره إلى دول العالم الثالث ، وبخاصة إلى القارة الأفريقية المنهوبة ، سابقاً والآن أيضاً ، مما حطم شكل الإنتاج الزراعي فيها الذي لا يعرف الدعم الحكومي ، وبرغم ذلك استطاع هنا وهناك أن يحل العديد من الأزمات الغذائية في بلدانه ، وها هو الآن ينهار أمام هذا الغزو الاقتصادي بعد الغزو المباشر الاستعماري والغزو الثقافي وغيره الكثير .

لحسن الحظ ونتيجة التخطيط المدروس استطاعت سورية ،كبلد عربي ، وحيد أن تنجو من هذا الخطر - حتى الآن -، فهي البلد الذي لا ينتج من الغذاء فقط ما يكفيه ، وإنما يصدر من الحبوب أيضاً قسطاً هاماً ، وهذا درس كان على الأمة العربية ، ولا يزال ، أن تقتدي به ، ولاسيما أن هناك مساحات هائلة قابلة للزراعة والتطوير : السودان أنموذجاً .

ينتهي اليوم 5/6/2008 مؤتمر الغذاء العالمي ( الفاو ) في روما ، الذي أخذ على عاتقه في مؤتمرات سابقة محاربة الفقر والجوع ، الذي يطال اليوم أكثر من 850 مليون من البشر في العالم ، والذي لم يفلح في تحقيق أهدافـه بسبب الجشع المفرط للرأسمالية الجديدة المُعولَمة ، التي لم تكتف بنهب الشعوب فحسب ، وإنما ، وبحجة الحفاظ على البيئة ، أخذَت تحول الرغيف إلى وقود ببيئي نظيف !!! .

هكذا يزعمون ويوهمون العالم ، غير أنه لا ولن يسهم حقاً بشكل ملموس بالحد من انهيار البيئة المريع في كوكبنا المنكوب ، وهم يعرفون أسباب هذا النكبة تماماً ، لأنهم أكثر من يسهم - من خلال الصناعة وغيرها بهذا التدهور البيئي ، وإنما هي وسيلة أخرى جهنمية ، حسب ما أرى ، للقضاء على مزيد من سكان الكوكب الذي يعاني حقاً من انفجارٍ سكاني مخيفٍ ، ناهيك عن الإمساك في رقاب الحكومات والشعوب للتحكم بها في قوتها اليومي ، وإن شئت فباستعبادها ، بشكل أو بآخر ، من العبودية الجديدة وليدة العولمة المتوحشة .

آهٍ لو تدرك الحكومات القوامة على رقاب مواطنيها ، أن الخطر ليس هناك ، عند الجار فحسب ، وإنما سيطال الجميع ، وعليهم أن يجدوا القاعدة العلمية الواقعية للتعاون فيما بينهم ، ليس على مستوى المقهورين الجائعين محلياً أو عربياً أو إقليمياً فحسب ، وإنما على المستوى العالمي .
وهذا ليس بالحلم الطّوباوي ، ولكنه عندما توجد الإرادة قابل للتحقيق .

أوَ لمْ تبتدئ الوحدة الأوروبية في منتصف القرن الماضي ، بوحدة الصلب والحديد - في روما عينها - قبل أن تتحقق الوحدة الأوروبية التي نراها الآن حقيقة قوية على أرض الواقع والاقتصاد ؟! .