تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الدعاء والعمل



عزام
06-02-2008, 05:15 PM
الدعاء والعمل

(محمد قطب)

لمحات جميلة للاستاذ محمد قطب في تفسير آيات من سورة آل عمران ترينا ارتباط استجابة الدعاء بالعمل.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)

لا يكتفي الاسلام من المؤمنين بالتفكر والتدبر والتذكر . . ولا يكتفي منهم بالمشاعر الإيمانية المستكنة داخل القلب. . بل ينبغي أن يتحول هذا كله إلى سلوك عملي وعمل واقعي . . إنه يبدأ بهذا التقرير : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ". وهكذا يكون الحديث عن ملك الله الواسع وقدرته التي لا تحد نذيرا للكفار بأنهم لن يستطيعوا الخروج من ملكه ومن محيط قدرته ولا النجاة من عذابه، وبشيرا للمؤمنين بأنهم فى رحمة الله التي وسعت السماوات والأرض، وفي محيط قدرته التي تدخله الجنة بإذنه . . وخلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار . . وتلك الآيات الكونية كلها . . ذات وقع عميق على الحس البشرى لا يمنع أن ينجو منه . . ولكن فريقا من البشر يرين على قلوبهم ما يكسبون، فتنطمس بصائرهم فلا يعودون يلتفتون لتوقيعات الكون على قلوبهم. ولا يتيقظون لدلالتها الهائلة: دلالتها على وحدانية الله وقدرته، وأنه لا شريك له. ولا ينبغي أن يتخذ معه أو من دونه شريك !

أما أولو الألباب فإنهم لا يوصدون قلوبهم دون توقيعات الكون، ولا يشيحون عنها "بل يتفكرون فيها ويتدبرون" . . إنه يصف أولى الألباب بالصفة الي تميزهم : عباد ربانيون –لا يفترون عن ذكر الله في قيامهم وقعودهم وعلى جنوبهم . . أي في جميع أحوالهم وجميع أعمالهم قلوبهم متصلة بالله، متعلقة به، ترجو رحمته وتخاف عذابه. ثم انهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض، فيهتدون إلى الحقيقة الكبرى: إن الله خلق السماوات والأرض بالحق، ولم يخلقها باطلا يهتدون إلى ذلك بنور الإيمان الذي ينير أفكارهم فتهتدي . . وإلا فالعقل وحده عرضة لأن يضل .. وكم ضلت عقول وهي تتفكر في خلق السماوات والأرض وفي اختلاف الليل والنهار فقالت إنه باطل وعبث لا حكمة فيه ولا غاية وراءه (انظر الوجوديين مثلا)، ذلك أنهم يتفكرون وهم محرومون من نور الإيمان الذي بنير الطريق للعقل فيهتدي إلى الحكمة والغاية : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) ص". وكأنما يقدمون بين يدي مولاهم المؤهلات التي نؤهلهم لدخول الجنة والبعد عن النار : " رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ". . .آمنا ممجرد أن سمعنا فهذا مدلول العبارة أي سارعنا إلى الإيمان . .

ولا يفوتنا ذلك التكرار للفظ الإيمان ومشتقاته: ثلاث مرات فى هذه الجملة الواحدة : إن له دلالة نفسية واضحة : إنه من جهة طريقة لتوكيد إيمانهم بتكرار لفظ الإيمان فى حديثهم، ومن جهة أخرى يدل عل أن مشاعرهم مشغولة بالإيمان، ممتلئة به، بحيث لا يكفي أن يذكروه مرة . . إنما يعاودون ذكره مرة بعد مرة . . كشأن الانسان حين يحب شيئا فيظل يردد ذكره ويتغنى به. بما أنهم سارعوا للإيمان بمجرد أن سمعوا المنادي وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي للإيمان، فهم يتوجهون إلى الله بالدعاء: "رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ" ثم لا يكفيهم هذا التوجه الحار الى الله بل يشعرون في قلوبهم بمزيد من الرغبة في التقرب إلى الله والتوسل إليه. فيضيفون : "رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ". إلى هنا ينتهي ذاك الدعاء الحار الذي لا شك في صدوره عن قلوب مؤمنة صادقة الايمان تفكرت وتذكرت وتدبرت، فهداها التدبر إلى ما اهتدت اليه من الحق، فتوجهت بمشاعر إيمانية صادقة وتوسل حار إلى الله . .

ولا يفوتنا تكرارهم للفظة "ربنا " في الدعاء .. خمس مرات متتالية منها مرتان فى اية واحدة. إن دلالته النفسية على حرارة التوجه وصدق الرغبة دلالة لا تخفى.. " فاستجاب لهم ربهم .. "، إنها لفتة هائلة جدا لا يسع الإنسان أن تفوته دلالتها، إنه استجاب لهم سبحانه بأنه لا يضيع عمل عامل منهم . . ومعنى ذلك أن ذلك التفكر والتذكر والتدبر، وتلك المشاعر الإبمانية – رغم صدقها الذي لا شك فيه – ينبغي أن تتحول – كلها إلى عمل . .

ان الاسلام لا يعرف التفكر من اجل التفكر و لا التدبر من اجل التدبر ولا المشاعر في صورتها الوجدانية الخالصة ولو كانت هي مشاعر الايمان انما ينبغي ان يتحول ذلك الى عمل. التفكر و التدبر و المشاعر والدعاء كلها سواء. وهو درس وعاه المسلمون الاوائل في كل اتجاه. ومن هنا لم تنشا الفلسفة في اجيال السلام الصافية الاولى لأنها تفكر من اجل التفكر وانما جاءت عدوى من اليونان حين بدأ خط الانحراف. ومن هنا كذلك لم تنشأ الصوفية بصورتها السلبية في اجيال الاسلام الصافية الاولى لأنها تذكر من اجل التذكر وتدبر من اجل التدبر ومشاعر من اجل المشاعر ودعاء من اجل الدعاء. انما جاءت عدوى من فارس والهند ورد فعل لانحراف الترف و الفساد.

منال
06-20-2008, 01:34 PM
بارك الله بحضرتك على النقل الطيب

سمعت منذ سنين شريطا للشيخ وحيد عبدالسلام بالي فى التفكر وما أجملها من خطبة سابحث عنها فإن وجدتها أوردها بإذن الله