تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حماس.. وفتح، من المقاومة إلى مقاومة المقاومة!



FreeMuslim
05-21-2008, 01:05 PM
حماس.. وفتح، من المقاومة إلى مقاومة المقاومة!

بقلم مصطفى فرحات (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.authors&authorsID=623)

هل أخطأت حماس في قبولها المشاركة في اللعبة السياسية؟ وهل أخطأت مرة أخرى عندما رفضت التنازل عن الإرادة الشعبية الفلسطينية التي رشحتها لتكون البديل الطبيعي لـ"فتح"؟ وهل أخطأت مرة ثالثة عندما حوّلت مسار المقاومة من خط (فلسطين/ القدس) إلى خط (غزة/ الضفة الغربية)، تحول فيها الإخوة الفُرقاء إلى أعداء يفعلون ببعضهم ما لم يفعله العدو بهم؟

لقد تخلى العرب في مجملهم عن القضية الفلسطينية ونفضوا أيديهم منها بحجج ذكية حينا وغبية أحيانا أخرى، لاسيما وأنهم رأوا في الصراع الفلسطيني الداخلي ذريعة تؤكد فشل خيار المقاومة والمصادمة مع الكيان الصهيوني، لأن سنوات النضال والعدو المشترك والمصير الواحد ووحدة الأرض لم تُفلح في طمس معالم الخلافات السياسية والأيديولوجية بين الفصائل الفلسطينية التي تجاذبتها نزعات مختلفة، تدثرت بعباءات شتى، من العقيدة إلى المصلحة إلى المنفعة.

لقد بدا واضحا للعيان أن واقع المشهد السياسي بات محكوما بمنطق الكبت بسبب انسداد أفق المستقبل المنظور بالنسبة للفصائل الفلسطينية: فالمقاومة اختُزلت في إطلاق صواريخ على مستوطنات صهيونية ضررها النفسي أكبر من ضررها المادي، كما أن الفصائل الجهادية تحولت بعد 11 سبتمبر إلى عدو أمريكي مباشر بعد أن كانت عدوا بالتبعية، ومشروع "الأرض مقابل السلام" الاستسلامي بدا حلما عزيز المنال نظرا لصعود التيارات الدينية الصهيونية المتطرفة الرافضة لأي تنازل عن شبر من "الأرض المقدسة" وتسليمها إلى "الأمميين"، في حين صرح العرب بعد اتفاقات أوسلو أنهم لا يمكنهم أن يكونوا "فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين"، وتسابق بعضهم إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل مثل موريتانيا بعيدا عن المظلة العربية، فكانت الانتخابات ـ التي أجريت بضغط أمريكي ـ هي الطفرة التي حوّلت مسار الصراع بشكل لا يقبل العودة إلى الوراء.

كان "اتفاق مكة" هو البداية الفعلية لمحاولات وقف الدوامة المتسارعة التي طحنت برحاها الأطياف الفلسطينية المتناحرة والمحايدة على حد السواء، ونحن هنا لا نتجاهل دعوات الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية كلا من حماس وفتح إلى ضبط النفس والعمل من أجل الوحدة الفلسطينية بما يخدم المصلحة المشتركة بعيدا عن الأهواء السياسية وردود الأفعال، لكن هذا الاتفاق لم يصمد أياما على أرض الواقع، لأن الصراع الميداني بين الفصائل المتناحرة بدا أكبر من مبادئ الزعماء وقيادات هذه الأحزاب نفسها،.

كما أنه بمحاولة المملكة العربية السعودية لعب دور الوسيط الفاعل في القضية بعد غياب طويل عنها، أثار حفيظة بعض صناع القرار المصريين الذين رأوا في هذه المبادرة السعودية محاولة لسحب البساط من تحت أقدام مصر التي كانت تعتبر نفسها "عرّاب" القضية الفلسطينية وقطب رحاها، ويُحتمل أن بعض الأطراف قد تمنّت فشل الاتفاق نكاية في السعودية، دون تقدير لعواقب هذا الشرخ على وحدة الأمة العربية ككيان مستقل ومقاوم، وهو ما بدأ يظهر مع بوادر الأزمة اللبنانية وقمة دمشق الأخيرة. الجميع تحدث عن أزمة داخلية بين فتح وحماس، فكان الحل هو جمع الفرقاء في طاولة حوار واحدة لـ"قنص" ضمانات مشتركة تكشف عن حسن النوايا للخروج من عنق الزجاجة، لكن الخطأ كان أكبر من الجميع.

وقد أثبت الواقع أنه حتى فتح وحماس لا يمكنهما التحكم في قواعدهما وسراياهما، في حين حاول جميع الأطراف بوعي أو بغير وعي حصر المشكلة في تيارين اشتركا في تولي السلطة الفلسطينية قبل أن يبغي بعضهما على بعض، وتجاهل الفصائل الأخرى بما فيها الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، ولم توجه لهما دعوات عربية علنية لوضع تصور كفيل بحل المشكلة الفلسطينية، وهو ما يعني تهميشا هدفه تفتيت هذه الفصائل وإذابتها وتحجيم دورها. في حديث دار بيني وبين د. موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، بُعيد اتفاق مكة، وقد نشرت تفاصيل الحوار يومية "البلاد" الجزائرية وموقع مجلة "العصر"، على هذا الرابط: http://alasr.ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=8815 (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=8815)

كان الحوار منصبا حول تقييم مسيرة الحركة بعد قبولها باللعبة السياسية، وكان الهاجس الذي يحكم أسئلتي متمحورا حول النقاط التالية: هل تنازلت حماس عن قناعاتها؟ ولم لم تعد الحركة تتحكم في قواعدها بعد رفض بعض السرايا الاستجابة لنداء التهدئة؟ وهل كانت الاتفاق محاولة سعودية لفك ارتباط الحركة بإيران؟ وكذا: كيف يُعقل أن تجمع حماس بين المشاركة السياسية ومبدأ المقاومة وعدم الاعتراف بإسرائيل، مع أن اللعبة السياسية مطوّقة سلفا بقبضة إسرائيلية سياسية وتبعات ما بعد أوسلو؟ وهل تُعتبر حرب حماس اليوم حرب مصطلحات لا نفاذ إلى مضامينها؟ بمعنى أن الحركة تتحدث اليوم عن مصطلح "الخيار الإستراتيجي"، بدل مصطلح "التنازلات"، وتتحدث عن "الهدنة" مع إسرائيل بدل مصطلح "السلام".. فهل يمس هذا التحوير في المصطلحات جوهر القضية أم أنه يبقى حبيس الظواهر فقط؟ وكان الجواب طبعا سياسيا دبلوماسيا، يتحدث بلغة العموميات أكثر من لغة الواقع..

سألته بعدها هل هو مقتنع بطبيعة الاتفاق وثباته، أم أنه يتحدث عن أمنية مجسدة في ثوب واقعي، فقال بلغة الدبلوماسي إن الأمر واقع وليس أمنية.. لكن الواقع نفسه رفض تصديق مقولته لأن الصراع انفلت من أصله ولم يعد يتحكم فيه أحد في الداخل. وحاولت اليمن ركوب الموجة بدورها، فجمعت بين الفرقاء وجعلتهم يوقّعون على مبادرة سلام ومصالحة ناقضتها تصريحات محمود عباس قبل أن يجف مداد موقعيها عليها، فجاء الاتفاق "المولود ميتا" دليلا آخر يكشف أن المشكلة الفلسطينية تجاوزت أصحابها الذين هم في نهاية المطاف وقودها لا صنّاعها.

وفي ندوة صحافية عقدها خالد مشعل في نفس الفترة، سألته عن صحة ما يدور في الكواليس عن امتعاض بعض حماس/ الداخل من قرارات حماس / الخارج، حيث إن هذه الأخيرة، وعلى رأسها أبو الوليد، ترفع سقف المطالب بما يُحرج إسماعيل هنية ورفقاءه، رغم أنهم هم خط الدفاع الأول في مواجهة آلة الدمار الصهيوني من جهة، وصولة إخوة النضال من "فتح" من جهة أخرى، لكنه هو الآخر بدا دبلوماسيا، ونفى أي بوادر خلاف أو نزاع بين الداخل والخارج (وهل كان بإمكانه أن يُجيب بالعكس؟)، محتجا بأنه هو نفسه من وقّع اتفاق مكة، بما يعني أنه رجل سلام وتهدئة، لا رجل تصعيد المواقف. إن الأسئلة التي استهللنا بها مقالنا ليس من الممكن الإجابة عنها مباشرة بعد طرحها، لأن الجواب محكوم بالنتيجة النهائية لهذا الصراع أكثر من مقدماته وبداياته، ولأننا اعتدنا في أدبياتنا السياسية والثقافية أن نحكم على الأمور من خلال نتائجها قبل مبادئها.

إننا عندما نسأل: (هل أخطأت حماس في قبولها المشاركة في اللعبة السياسية؟) فالجواب سيكون (نعم) لو تمخضت النتيجة عن تفكك الحزب ودمار غزة، وسيكون (لا) إذا ظهر أن سياسة المغالبة التي ارتضتها الحركة قد آلت إلى تسوية الأوضاع والحفاظ على توازن المقاومة حتى لا تبيع نفسها للصهاينة بثمن بخس، وهو نفس ما ينسحب على جميع الأسئلة الأخرى، ويُخطئ من يحاول الإجابة مسبقا عليها، إلا لمن أراد قراءة الأحداث بمنطقه لا بمنطق الأحداث نفسها.
لكن المؤكد في كل هذا، أن التجربة الفلسطينية شاهد آخر على الخلل الكبير في تقدير أولوياتنا السياسية والحضارية، وتقدير نسبية الخطر بين الداخل والخارج، وهي تكشف في السياق نفسه عن بذور الصراع الكامنة فينا ومدى استعدادنا لخوض حروب التدمير الذاتية.