تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : في ظلال المسابقة الغنية بالفوائد القرآنية



almuslim
05-19-2008, 03:20 PM
القــراءات القرآنيــة
بين الفكر الاستشراقي ودراسات العلماء

لكاتبه :القاضي الأثري


هذا القرآن العظيم لا يزال دفاق الفيض مستمر العطاء علي الرغم من المحاولات المتكررة من المستشرقين و المستغربين للقضاء عليه، وقتل الانتماء إليه. ولقد يكون خيراً أن نعمد في هذا التوقيت إلى طرح قضية لا تشغل المتخصصين فقط، وإنما أصبحت-أو وجب أن تصبح- جزءاً من هموم المثقف المسلم، بعد ما رأينا بعض المثقفين، وأنصاف المثقفين يخوضون فيها بغير علم و لا هدى ولا كتاب منير.

وبحسبي من ذلك أن أشير إلى أن كتابات المستشرقين عن القرآن أصبحت مادة دراسة في بعض جامعاتنا، وكنت أنا أحد الذين درسوا كتاب جولد تسيهر وآرثر جفري ونولدكه ، ولعله بغير قصد من أساتذتي -عافاهم الله.

أبادر إلى القول بأنني لست رائداً في هذا المجال، وإنما مسبوق ومقتبس كثيراً من مقدمات هذه الدراسة وملاحظاتها ونتائجها، وأن أكثر عملي فيه هو التلخيص وإعادة الترتيب ، تصحيحاً لبعض التصورات الخاطئة، عسى أن نهتدي إلى رأي مستنير في هذه المسألة يزيل حجب الجهل ويهتك أستار الغفلة عن أهميتها و يضعها في موضع مناسب من ثقافة المهتمين ودراسة الدارسين.

القراءات وكيف تعددت:
يمكن أن نعرف القراءات القرآنية بأنها الأوجه المتعددة لتلاوة النص القرآني. والمعروف من تاريخ القرآن أنه نزل من السماء علي النبي- صلى الله عليه و سلم -بوجه واحد ، وكيفية واحدة ولكن النبي- صلى الله عليه و سلم- طلب من جبريل عليه السلام-أن يسأل ربه التخفيف علي أمته لأنها لا تطيق ذلك ، قال" فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف "(1) وهذه الأحرف هي أوجه التلاوة المتعددة، وهو ما سنفصل القول فيه - إن شاء الله .

ولكن : كيف تعددت القراءات واختلفت ؟
كان نزول القرآن بأوجه متعددة رحمة بهذه الأمة، فكان النبي يقرئ كل رجل من صحابته بوجه يسير علي الصحابة قراء القرآن ، الذين منهم ابن مسعود وأبي ابن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس وعمر بن الخطاب وأبو بكر وغيرهم (رضوان الله عليهم) وكان يرجعون في الخلاف الذي يقع بينهم في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وغالباً ما كان صلى الله عليه وسلم يقر كلا من المترافعين علي طريقته في القراءة .

من ذلك خلاف عمر بن الخطاب المشهور مع هشام بن حكيم ، حين صلى خلفه، فوجده يقرأ سورة الفرقان بطريقة غير طريقته التي علمه إياها النبي صلى الله عليه و سلم ،فأخذ بتلابيبه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأقر النبي كلتا القراءتين، وقال:
"هكذا نزلت" "هكذا نزلت" ثم قال" إن هذا القرآن أنزل علي سبعة أحرف ، فاقرؤوا ما تيسر منها ".(2) وهو حديث ثابت في الصحاح بل صرح بعض العلماء بتواتره(3).

وبعد رغبة النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا إلى الرفيق الأعلى، وكثرة الفتوح تفرق الصحابة في الأمصار، كل يقرأ بحرفه الذي تعلمه منه - بعد - تلاميذه من التابعين ، ومن التابعين من تعلم علي أكثر من صحابي ، فأثرى ذلك كله تعلم القراءات، واطلع هذا الفرن علي اختلافات واسعة حتى لا يكاد الرجل يسمع اثنين علي حرف واحد . نعم ، كان هذا الخلاف ظاهرة صحية وما يزال، ثم قدم حذيفة بن اليمان علي عثمان، وكان يغازي الروم في أرمينية والفرس في أذربيجان ، فقال: " يا أمير المؤمنين ، إني قد سمعت الناس اختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصاري"(4)، وهذا ما أدى بعثمان بن عفان (رضي الله عنه) إلى توحيد رسم المصحف، وحمل الناس علي ما يوافقه، حتى ليروى أنه "أحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه، وعزم علي كل من عنده مصحف يخالف المصحف الذي جمعهم عليه أن يحرقه"(5)، فقد ذكرت المصادر أن عثمان كتب أو استكتب خمس نسخ من المصاحف مختلفة القراءات وبعثها في الأمصار(6)، ولقد كان رسم المصحف العثماني نفسه معيناً علي تعدد القراءات لخلوه من النقط والشكل.

رسم المصحف والقراءات:
ولا بد أن نلقي مزيداً من التأكيد علي لفظة "معينا" في العبارة السابقة، فإن قولنا " كان معينا علي تعدد القراءات" يختلف اختلافاً بائنا عن قولنا" كان سبباً في تعدد القراءات" فالعبارة الأولى صحيحة لا يشوبها شك، وللتمثيل نذكر قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) (النساء: 94).

فلفظ " فتبينوا " مكتوب في المصحف العثماني هكذا ( فتتتتوا) ؛ بغير نقط.وهو معين علي قراءة الآية بوجهين:(فتبينوا) وكذلك (فتثبتوا).

وكلتاهما قراءة صحيحة مروية عن النبي صلى الله عليه و سلم بطريق التواتر(7) وأما العبارة الثانية : فهي خطأ لا يشوبها شبهة صواب، لأن مؤداها أن القراءات واختلافها كان متأخراً عن جمع القرآن، وأن قراء القرآن من التابعين قد تصرفوا من تلقاء أنفسهم بقراءته علي غير الوجه الذي نزل به مخدوعين بالرسم العثماني غير المضبوط مرة، أو مستحسنين معني بعينه مرة أخرى .

المستشرقون وقضية القراءات:
ولا يفوتنا أن نناقش هذا التفكير السخيف الذي أدى إلى هذا الاستنتاج ، وتبلور بصورة واضحة في كتابات المستشرقين ، وبخاصة كتاب"جولدتسيهر" المسمى (مذاهب التفسير الإسلامي) .

والملاحظ أن كثيراً من المستشرقين أطلعونا علي أحط تفكير حين تعوضوا للدراسات القرآنية، فـ (جولدتسيهر) يبدأ كتابه بتقرير بارد هو أنه"لا يوجد كتاب تشريعي يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات مثل القرآن"(8) وهو بهذا يعني تعدد القراءات القرآنية فيسميه اضطراباً، وتجاهل اليهودي أن كتاب قومه لا يساوي في ميزان النقد العلمي جناح بعوضة، وقد اعترف بهذه الحقيقة بعض إخوانه(9).

والتقرير الذي يقدمه جولد تسيهر غريب عن الروح العلمي الذي يدعيه المستشرقون، فاختلاف القراءات هو اختلاف محدود في آيات بعينها من القرآن. كما أن" الاضطراب وعدم الثبات لا يجوز وصف النص به إلا إذا جاء علي صور مختلفة أو متضاربة لا يعرف الصحيح الثابت منها "(10) أما وروده بصور مختلفة صحيحة النسبة إلى الله تعالى متصلة السند به، فلا يجوز أن يكون مطعناً حتى إذا اختلفت صوره، ولو نظر ابن اليهودية في العهد القديم، فقرأ فيه خبر موت موسى ودفنه(11)، وأخبار الملوك بعد موسى(عليه السلام)(12)لأيقن أنه كتاب كتبته أيدي قومه، ولو تأمل حديث هذا الكتاب عن الرب تعالى ، ومصارعته ليعقوب عليه السلام ، وصرع يعقوب إياه وكسره ضلعا منه لأيقن أن الأيدي التي كتبته لهي أنجس الأيدي . (13)

أين هذا كله من القرآن الكريم ؟ الدقة المتناهية في إثبات نصوصه، والورع المتناهي في قراءة حروفه ، والضبط المتناهي في نقل آياته. واقرأ كتاب المستشرق "وليم موير" المسمى (حياة محمد) حين يتعرض في مقدمته لما يسمى " تحريف القرآن وتبديله " وقد ترجمها برمتها الأستاذ هيكل في مقدمته الرائعة للطبعة الثانية من كتاب حياة محمد. وقد استقصى فيها "موير" عمليتي الجمع القرآني ومقومات الدقة فيهما، في ترتيب فكري خالص، يحسن قراءة ألفاظه التي هو اختارها للتعبير عن نتائجه كما ترجمها هيكل ، وإن كنا ننقل النتيجة التي وصل إليها من هذا التحليل. يقول(14) :

"والنتيجة التي نستطيع الاطمئنان إلى ذكرها هي أن مصحف زيد وعثمان لم يكن دقيقاً فحسب، بل كان- كما تدل الوقائع عليه - كاملاً، وأن جامعيه لم يتعمدوا إغفال شئ من الوحي ، ونستطيع كذلك أن نؤكد - استناداً إلى أقوي الأدلة - أن كل آية من القرآن دقيقة في ضبطها كما تلاها محمد"صلى الله عليه وسلم" بل إن شئت الدقة فاقراً مقدمات تفسير"الطبري" و"القرطبي" وكتاب " نكت الانتصار لنقل القرآن " (15) للقاضي الباقلاني لتري من كل ذلك العجب العجاب.

تشكيك (زيهر) في القرآن:
ومع ذلك فقد استخدم (جولد تسيهر) ما وسعه أن يستخدمه من معلومات مبتورة مستهدفاً التشكيك في القرآن والقراءات القرآنية، من ذلك :

1- يرى أن المنتظر من النص الإلهي أن يأتي في قالب موحد متلقي من الجميع بالقبول.

2- أن تعدد القراءات القرآنية راجع إلى خصوصية الخط العربي(بغير نقط أو ضبط) بحيث يمكن قراءة اللفظ المكتوب بصور صوتية مختلفة متغيرة المعني و الإعراب.
"إذن فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط واختلاف الحركات في المحصول الموحد القالب من الحروف الصامتة كانا هما السبب الأول في نشأة حركة اختلاف القراءات في نص لم يكن منقوطاً أصلاً،أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه "(16).

3- أن التابعين وعلماء المسلمين قد عملوا بتفكيرهم المحض في تغيير قراءات قرآنية بناء علي ما يسميه "ملاحظات موضوعية " أو "خلافات فقهية " ؛ (17) فالنص القرآني- في نظر"جولد تسيهر" قد تعرض بعد كتابته لعمل الأيدي و العقول المسلمة بالتغيير والاختلاف نتيجة لما تعرض له المسلمون من خلاف فقهي أو نظرات حضارية.
وهذه الملاحظات الثلاثة هي التي تدور حولها بحوث المستشرقين في القراءات ، فهو يعترف أنه يسير علي نهج (زعيمنا) تيودور نولدكهtheodor Noldeke في كتابة الأصيل البكر(تاريخ القرآن)(18)ومثل هذا الاعتراف يسوقه"جفري" في مقدمة كتاب (المصاحف)لابن أبي داود ، الذي يدعى فيه أن القرآن قد تعرض للتبديل بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم .

أدلة واهية:
غير أن المتأمل في هذه الملاحظات لا يخيل إليه أنها تثبت أمام الوعي الصحيح بتاريخ القرآن أو أسلوبه ، فلم يعرف في تاريخ القرآن خلاف جوهري في قراءاته ، وقد حصر العلماء المسلمون اختلاف القراءات في سبعة وجوه - علي نحو ما سيأتي إن شاء الله - لا يشير واحد منها إلى هذا الاضطراب المدعى المزعوم . وكل ما حدث تشدد بعض القراء لحروفهم حفاظاً علي ما سمعه من ثقات الصحابة .

والملاحظ أن هؤلاء المستشرقين يستدلون أحياناً بقراءات ضعيفة وواهية في نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتغافلون عن الحديث المتواتر الذي قدمنا ؛ وهو قول النبي صلى الله عليه و سلم (نزل القرآن علي سبعة أحرف….) ومن أمثلة هذه القراءات الواهية، قراءة (تستكثرون) بدلاً من (تستكبرون) في قوله تعالى:
 وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُم قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْوَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُون  (الأعراف/48) ذكرها(جولد تسيهر) استدلالاً علي " الاختلاف في تحلية الهيكل المرسوم بالنقط" مع أنها كما يقول د.النجار " لم تعتمد في القراءات السبع ولا الأربع عشرة بل هي قراءة منكرة ، ولا يعرف علي وجه التحديد من قرأ بذلك وحسبك هذا دليلاً علي أن الخط لم يكن هو العمدة في صحة القراءة "(20) إلا أنها لا تناقض فيها ؛ إذ تحمل علي عطف التفسير.

والأسخف من ذلك أنه يذكر قراءة ( أباه ) بدلا من ( إياه ) في قوله تعالى :
 وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وعَدَهَا إِيَّاهُ  ( التوبة/114)
قائلاً : " ومن الغريب أنها قراءة حماد الراوية " (21)، مع معرفته بمنزلة حماد الراوية من هذا العلم ومن الثقة، فهو الذي أطبق علماء الأمة علي الطعن في روايته، فقد قال فيه أبو عمرو بن العلاء: " العجب لمن يأخذ عن حماد، كان يلحن و يكذب و يكسر" (22)، وقد ضعفه أبو حاتم السجستاني( اللغوي) والمفضل الضبي وغيرهما.(23) وهو الذي نظر في المصحف فقرأ : " حتى يعطوا الخربة عن يد " وفسره بأنه(السرقة) " فكان احتجاجه للخطأ أعجب من خطئه " (24) .
وما ذكره الدارسون والعلماء عن حماد دليل قاطع علي اهتمام العلماء بالرواية وذمهم الاكتفاء بالمصحف، وهي قاصمة الظهر بالنسبة لمزاعم (زيهر)، فقد روي صاحب ( ما يقع فيه التصحيف ): " أن حماداً كان حفظ القرآن من المصحف ، فكان يصحف نيفا وثلاثين حرفاً " (25).

ولو أن هؤلاء المستشرقين آمنوا- كما آمنا- بالله ورسوله و الكتاب الذي أنزل علي رسوله لأراحوا أنفسهم من مشقة الكذب علي الله وقلب الحقائق التاريخية الثابتة، ولو أنهم شغلوا أنفسهم بالتفتيش في صحف قومهم التي امتلأت كذبا وزوراً وسفاهة وحمقاً واجتراء علي محارم الله لأغناهم ذلك عن الوقوع فيما وقعوا فيه من سوء الظن وسوء الفهم ، و تالله لقد صدق عليهم قول النبي صلي الله عليه وسلم :" يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عينه"(26). وتالله ما هي قذاة ، ولكن خيل للمغرورين المحاسن سيئات، وتخفيف الله ورحمته بعباده اضطرابا وتفككاً.


أسباب الخلط (سوء فهم، وسوء نيـة)
هل نستطيع أن نرجع هذا الخلط الذي يقع فيه هؤلاء الأعاجم في دراسة القرآن إلى أسباب صحيحة ؟ في هذا المجال نتذكر قول الأستاذ العقاد الذي يعد تشخيصاً دقيقاً لموقف المستشرقين وأسبابه ، يقول : إنهم "جمعوا سوء الفهم وسوء النية".(27) :

1-أما سوء النية : فذلك ثابت مقرر في تاريخهم سياسياً وفكرياً، وحسبنا أن نطالع أي كتاب لأحدهم مثل درمنغم أو كارلايل مثلاً لنعرف صدق هذا القول.

2-وأما سوء الفهم : فالمطالع لدراستهم عامة يلاحظ من ذلك ما يضحكه - وشر البلية ما يضحك - ، وليس هذا مستغرباً من قوم أعاجم لا يفقهون سر العربية وذوقها وإن عرفوا ترجمتها ومعانيها، فلو رأينا اليوم مستشرقاً يترجم كلمة " التضحية " "بأنها عبادة الشمس" لأنها ( مشتقة من الضحى ). وكلمة ( أخذ ) أنها تأتي بمعني (نام) لقوله تعالى:
 لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نوْمٌ  (28)

لو رأينا ذلك ألا يكون ذلك حرياً بأن يدفعنا إلى ضرب الصفح عن دراستهم للغة، وبخاصة في القرآن الكريم ؟

مناقشة مزاعم زهير :
ولنلق نظرة علي الأعمدة الثلاثة التي بني عليها المستشرقون متمثلين في جولد زيهر " افتراءهم علي القرآن " :
1- ظن جولد تسيهر : أن المنتظر من النص الإلهي " أن يأتي في قالب موحد " وهذا تحكم لا وجه له، كما عبر الأستاذ النجار(29) رحمه الله تعالى.
نعم. كان هو ينتظر ذلك، ولو جاء في قالب موحد لقال:كان المنتظر من نص إلهي أن يأتي بصور مختلفة حتى ييسر علي الأمة فهمه وتلاوته !

ما أشبه ذلك بصنيع أسلافه اليهود! إذ ظلوا ينتظرون النبي الأمي المكتوب عندهم في التوراة  فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ  (البقرة/89)
 إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ (البقرة/246)

وقد جاء العهد الجديد يحتوي أربع صور لما ظنوه الإنجيل بين كل منها وأخيه من الخلاف ما يملأ السماوات و الأرض ، وقد عبر عن ذلك الدكتور ( فريدريك جرانت ) في كتابه (الأناجيل أصلها وتطورها ) بقوله (30 ) :
" إن العهد الجديد كتاب غير متجانس ، ذلك أنه شتات مجمع ، فهو يمثل وجهات نظر مختلفة ".
هل هذه ، أو قريب منها صورة القرآن الكريم ؟
حاش لله ، فقد التأمت ألفاظ القرآن وأساليبه ومسائله الدقيقة فلا تجد فيه عوجاً ولا أمتا، وبون شاسع بين اختلاف نطق الألفاظ بغية التيسير، وبين اختلاف النص و الحكم والقصة والنبوءة و العقيدة من ( إنجيل ) ( لإنجيل )

2- زعمه أن تعدد القراءات راجع إلى خصوصية الخط العربي ، بحيث يمكن قراءة الصورة الكتابية بصور صوتية مختلفة .
وهذا زعم يرده أقل البصر بكتاب الله تعالى ، أو أقل النظر في قراءاته المتعددة. وقد سبقنا إلى الرد علي هذه الجزئية دارسون فضلاء ، أشير منهم إلى ثلاثة هم :
أ- الدكتور عبد الحليم النجار، وذلك في تعليقاته الدقيقة علي كتاب"جولد زيهر" التي جعلها هوامش علي ترجمته له ، (وقد طبعت الترجمة والتعليقات سنة 1374 هـ -1955م ، بمطبعة السنة المحمدية ، ونشرها الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد ) .
ب- الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي، في كتابه القيم (رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات ) (وقد نشرته مكتبة نهضة مصر بالفجالـة سنة 1380هـ-1960م)
ت- فضيلة الشيخ عبد الفتاح القاضي في كتابه ( القراءات في نظر المستشرقين والملحدين ) (وقد نشره مجمع البحوث الإسلامية سنة1392 هـ-1970م)
والملاحظ أن عنوان هذا الكتاب قد كتب له الرواج وكثرة الانتفاع به لغلبة اللون الإعلامي عليه إلى جانب أنه دراسة موفقة لم تقتصر علي الإفادة الكثيرة من دراسة الأستاذين النجار وشلبي ، بل زادت عليهما عدة ملاحظات .
ونحن نلخص ما أورده الثلاثة - حسب الإمكان - مضيفين إليه ما يؤكده، مشاركين في إدحاض هذه الفرية العظيمة :
1- الأدلة التاريخية التي تؤكد ورود الروايات المختلفة قبل رسم المصحف ، بل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، وقد أشرنا - قبل - إلى وقوع هذا التعدد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه الصلاة والسلام قد ذكره في معرض الثناء علي القرآن والحمد لربه علي تيسيره لأمته ، وسنفصل هذا الأمر بعد إن شاء الله ولكن الذي يهمنا الآن هو أن هذه الأوجه كانت معروفة قبل أن يجمع القرآن ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ القرآن علي هذه الأحرف المختلفة ؛ فلا دخل إذاً للرسم في ذلك (31) .
2- لو كانت القراءة تابعة للرسم. كما يدعي هذا اللفيف الغبي من المستشرقين لصحت كل قراءة وافقت العربية والرسم ، ولكن ما وصلنا من تراث عن هذا الموضوع يؤكد خلاف ذلك تماماً، فقد ذكر( السيرافي ) أن ( يحيى بن يعمر) قد واجه (الحجاج الثقفي) بأنه يلحن في القرآن في قوله تعالى من سورة التوبة :
 قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله 
( التوبة / 25 )
فالحجاج يقرأ ( أحب ) بالرفع ، وقد نزلت بالنصب(32) ، مع أن الرفع وجه في اللغة ، ولم يقرأ به أحد في الأربع عشرة ، وإنما لحّن يحيى الحجاج هنا لا لعدم موافقته العربية وإنما لعدم صحة القراءة نقلاً.
وقراءة:  إنا كل شئ خلقناه بقدر  (القمر/50)
يصح في لفظ (كل) الرفع والنصب ، ولم يقرأ بالرفع أحد، علي الرغم من أن الرفع هو الراجح عند سيبويه ، لأنه (مبتدأ بعد اسم، وهذا الكلام في موضع خبره) (32) ولكن التنزيل أرجح لأن قواعد اللغة تبنى عليه 0 (34)


الحواشي
(1) أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس
البخاري ط/ الحلبي3/226 كتاب"فضائل القرآن"
مسلم ط/عيسى الحلبيى3/561 كتاب" صلاة المسافرين "
وأخرجه غيرهما كأبي داود والترمذي وأحمد ومالك.
(2) أخرجه الشيخان أيضاً وغيرهما
( البخاري3/226 ، مسلم 3/560)
(3) الإتقان للسيوطي1/041 والذي صرح بتواتره هو أبو عبيد القاسم بن سلام.
(4) المقنع في رسم مصاحف الأمصار للداني ط/الكليات الأزهرية ص14، الطبري1/062
(5) الطبري 1/063 لطائف الإشارات للقسطلاني ط/مجمع البحوث الإسلامية 1/064
(6) الجمع الصوتي الأول د.لبيب السعيد ط/الهيئة المصرية للكتاب ص 066 وقد ذكر الداني الاختلاف في عدد النسخ ص 19.
(7) قراءة " فتثبتوا " هي قراءة حمزة والكساني وخلف. وقرأ الباقون" فتبينوا ".
(8) مذاهب التفسير الإسلامي اجنتس جولد زيهر ترجمة د. عبد الحليم النجار/4.
(9) انظر ما ذكره - مترجما ً- الأستاذ أحمد عبد الوهاب - عن رأي علماء الكتاب المقدس في العهد القديم . وذلك في كتاب المسيح في مصادر العقيدة المسيحية"
ط/ وهبة (الفصل الخاص بالمصادر).
(10) مذاهب التفسير ( زيهر) ص4 ( هامش )
(11) ، (12)سفر الملوك الأول والثاني من العهد القديم.
(13) سفر التكوين32/24/30.
(14) حياة محمد : محمد حسين هيكل ط/ 2(المقدمة) .
(15) حقق هذا الكتاب د.محمد زغلول سلام ونشره منشاة المعارف بالإسكندرية سنة 1971.
(16) جولد زيهر ص9.
(17) المصدر السابق ص 11.12.
(18) المصدر السابق ص7.
(19) المصاحف لابن أبي داود نشر جفري.
(20) جولد زيهر ص9(هامش)
(21) المرجع السابق.
(22) طبقات فحول الشعراء لابن سلام ط/المعارف(المقدمة)ص14.
(23) الدراسات الميدانية في منهج النحاة العرب(رسالة بالماجستير مخطوطة بالآلة الكاتبة بدار العلوم(القاهرة)سنة 1972 للأستاذ محمود عثمان أبو سمرة)ص 316.
(24) شرح ما يقع فيه التصحيف و التحريف للعسكري تحقيق عبد العزيز أحمد ط/الحلبي ص 142.
(25) المصدر السابق.
(26) أخرجه أحمد والترمذي .
(27) مطلع النور للعقاد ط/الهلال ص 70.
(28) المصدر السابق نفسه.
(29) جولد زيهر ص7(هامش).
(30) الطبعة الإنجليزية ص 17(نقلاً عن الأستاذ أحمد عبد الوهاب"المسيح في مصادر العقيدة المسيحية"ط/ وهبة ص 15)
(31) رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات د .عبد الفتاح شلبي ط/
النهضة المصرية ص22 وهذا الصنيع نفسه صنعه عثمان ؛ فقد أرسل مع المصاحف رجالاً يقرؤون الناس.انظر لبيب السعيد ص 141.
(32) أخبار النحويين البصريين للسيرافي ط/ الحلبي سنة 1374 ص 17.
(33) الكتاب لسيبوبه ط/ هارون 1/147، 148 .
(34) الكتاب السابق نفسه.




يتبع

almuslim
05-21-2008, 11:52 AM
3- أن أهل العربية من القراء الكبار لم يجرؤوا أن يختاروا القراءة التي لم تثبت عندهم في النقل ، بل استمسكوا بالنقل ، وهذا أبو عمرو بن العلاء شيخ البصريين ، وهو أحد السبعة يقول: " لولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت كذا و كذا " ، وهذا إمام الكوفيين ( حمزه الزيات) وهو أحد السبعة أيضاً ، يقول عن سفيان الثوري : " هذا ما قرأ حرفاً من كتاب الله إلا بأثر " (1) .

4- تحري القراء بعد كتابة المصاحف للضبط التام في التلقي من الشيوخ ، وعدم الاعتماد علي المصحف ، ومن ثم قالوا : " لا تأخذوا القرآن من مصحفي" ، (2) وقد مر بنا كم شنعوا بحماد الراوية " لأنه كان يعتمد علي المصحف ، فكان يصحف نيفاً وثلاثين حرفاً" ، وهذه المتابعة الدقيقة للمصحفين وإحصاء تصحيفاتهم تدل دلالة قاطعة علي أن (زيهر) وشيعته كانوا أكذب الكذابين حين ظنوا أن السلف الصالح قد غيروا بعض القراءات بناء علي ما سماه "ملاحظات موضوعية أو خلافات فقهية " وهي الفرية الثالثة التي افتراها علي القرآن .
وأن هؤلاء الحفاظ لم ينظروا في المصحف إلا للعرض أحياناً علي شيوخهم ، وأن القرآن أخذ من الصدور، وجاءت السطور تأكيداً له
 بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم  (العنكبوت/49).

أسانيد القراءات ورواتها:
وأسانيد هذه القراءات تلقياً وسماعاً وعرضاً موجودة في كتب القراءات وهذان مثالان للكتب التي استوعبت هذه الطرق :
أحدهما: كتاب ( السبعة ) لابن مجاهد (ت 324) ، وقد حققه د . شوقي ضيف ونشرته دار المعارف بمصر وهو من أقدم كتب القراءات .
والثاني : كتاب (لطائف الإشارات في فنون القراءات ) للقسطلاني () ، وقد حققه الشيخ عامر السيد عثمان والدكتور عبد الصبور شاهين ، ونشره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سنة 1392 هـ-1972 م ،(ويبدو أنه لم ينشر منه حتى الآن إلا الجزء الأول منه ، كما تدل عليه آخر قائمة للمطبوعات في ربيع الأول 1403) .

وهذه أسانيد لإمامين من أئمة القراءات ، نسوقها علي سبيل المثال ، لنري ونوقن ، ونجزم ونشهد أنهم لم ينظروا في مصحف بغية التعلم ، وأن إسنادهم متصل بالتلقي والمشافهة إلى النبي صلى الله عليه و سلم :

أ‌- الإمام نافع : ( شيخ المدينة ت 169هـ) :
كان فصيحاً عالماً بالقراءات ووجوهها، قال مالك: " قراءة نافع سنة " (3)
ومن أسانيده : (4)

1- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم . وقد عد الأستاذ أحمد شاكر- نقلاً عن البخاري - طريق عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أصح الطرق عن أبي هريرة وكلنا يعرف من أبو هريرة . (5)

2- أبو جعفر يزيد بن القعقاع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . ويكفينا عن أبي جعفر قول ابن مجاهد:"كان لا يتقدمه أحد في القراءة" (6) .

3- يزيد بن رومان عن عبد الله بن عباس عن أبي ابن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم . ويزيد بن رومان حافظ ثقة قارئ من فقهاء أهل المدينة .

أدرك نافع هؤلاء وغيرهم ، بل لقد أدرك ، وقرأ علي " سبعين من التابعين " .(7) قال : " فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته ، وما شذ فيه واحد تركته "(8)
وهو منهج جيد يعتمد علي النقل والتثبت والتحري، وشتان بين ذلك وبين مزاعم الكاذبين. ومن ثم كانت قراءته محط ثقة الناس، يقول الإمام أبو إسحاق السبيعي" قراءة نافع قراءتنا ، وذلك أنه كفانا المئونة، مما لو أدركنا من أدرك ما عدونا ما فعل (9).

ب‌- حمزة بن حبيب الزيات: (مام أهل الكوفة - ت 156هـ) :
وقد أطبق الناس علي توثقيه، وتحملوا إليه ليتعلموا عليه، قال عنه الذهبي: (10) " وكان إماماً حجة قيماً بكتاب الله تعالى ، حافظاً للحديث ، بصيراً بالفرائض والعربية عابداً ، خاشعاً قانتاً لله ، ثخين الورع عديم النظير"
(11) وكان حمزة"متبعاً لآثار من أدرك من الأئمة"(12).
من أسانيده
1- الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن زر بن حبيش وأصحاب ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهي سلسلة - علم الله - من الثقات الصالحين .
ويبدو أنه أخذ القراءة عن الأعمش سماعاً منه لا عرضاً كما أنه سأله عن الحروف حرفاً حرفاً . كما يذكر هو. (13)

2- جعفر بن محمد الصادق ، عن آبائه ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه و سلم وهذا - بحق الله تعالى - من أجود الأسانيد .

توثيق الأئمة لأصحاب القراءات:
ذكرنا اثنين من أئمة القراءات وأسانيد لهما، ونصل كلامنا بغيرهما من الأئمة مع بعض ما ذكره علماء الأمة من توثيقهم والثناء عليهم، لنعرف مقدار سلفنا الصالح ويتحدد لنا : هل نستطيع الاعتماد علي نقله وضبطه للقرآن الكريم ؟

ت - ابن كثير المكي : ( ت120 هـ ) :
سمع مجاهد بن جبر عن ابن عباس . ولم يخالف مجاهداً في شئ من قراءته (14)وهو شيخ ثقة ، لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير وأبا أيوب الأنصاري ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم(15). وقد أجمع أهل مكة علي قراءة ابن كثير(16) .

ث - عاصم بن أبي النجود (ت 127 هـ):
وكان متقدماً في زمانه،معروفاً بالإمامة (17) ، وكان إماماً في القراءات والحديث (18) ، وقال العجلي : "عاصم بن بهدلة صاحب سنة وقراءة ، وكان رأساً في القرآن" (19).

ج - الكسائي ( ت 189 هـ) :
وهو إمام الناس في عصره في القراءة والعربية ، كان أوحد الناس في القرآن (20) وقال عنه ابن معين : " ما رأت عيني أصدق لهجة من الكسائي " (21)

ح - أبو عمرو بن العلاء (ت 154):
وهو أحد القراء الكبار، وأكثر القراء شيوخاً(22) كان متقدماً متمسكاً بالآثار(23) ، قال عنه إبراهيم الحربي: " كان أبو عمرو بن العلاء من أهل السنة" (24) ، كان شعبة بن الحجاج يقول :" تمسك بقراءة أبي عمرو، فإنها ستكون للناس إسناداً " (25).

خ-عبد الله بن عامر (ت 118) :
" وهو أعلي أئمة القراءة سنداً ، وأقدمهم هجرة، ومن كبار التابعين، الذين أخذوا عن الصحابة كعثمان ابن عفان ، وأبي الدرداء ، ومعاوية ، وفضالة بن عبيد " (62) .
ولا يستطيع المرء- بعد هذه الأدلة - أن يرتاب في دقة القراء وأمانتهم وتلمسهم كافة الوسائل الدقيقة لنقل القرآن ، والطرق الصحيحة في حمله ، وتسقط فرية"جولد تسيهر" كما تحطمت فرى كثيرة أخري علي صخرة القرآن وإنما اللافت للنظر- بعد هذا كله- أمران ، تنبه إلى أحدهما بعض الباحثين وهداني الله تعالى إلى الآخر بفضله ومنه:

أما الأول : فهو أن كثيراً من الدارسين (العرب) المحدثين قد وقعوا -عن جهل وغير عمد- فيما وقع فيه "جولد تسيهر" ومن هؤلاء د. علي عبد الواحد وافي في كتابه ( فقه اللغة ) إذ يقول: " يرجع بعض مظاهر الاختلاف في قراءات القرآن إلى اختلافهم في قراءة الكلمة حسب رسمها في المصحف العثماني ، فقد كان الرسم مجرداً من الإعجام والشكل ، ولذلك كان يمكن قراءة بعض الكلمات علي وجوه مختلفة " (27) وإذا كنا نود أن يكون د . وافي قد راجع نفسه في هذا الآمر- وهذه أخلاق العلماء - بعدما تنبه إليه بعض الدارسين كالأستاذ عبد الفتاح شلبي(28) ، فإن آخرين نلمس عندهم هذا المعني، فقد عبر عن هذا المعني الأستاذ فؤاد سزكين بطريقة مبتسرة في كتابه " تاريخ التراث العربي" ، (29) وردد كثير من الدارسين مثل هذا القول- بحسن نية منهم في الغالب - ولعل توارد مثل هذه الترهات علي ألسنة الدارسين كانت من أهم العوامل في استجابتي لداعي النفس بالكتابة عنه.
وأما الأمر الثاني : فهو أن مزاعم (تسيهر) وأستاذه (نولدكه) ليست جديدة علي الفكر الإسلامي ، فلقد عقد الشيخ أبو بكر الباقلاني (ت 413 هـ) فصلاً في كتابه (نكت الانتصار لنقل القرآن) لمناقشة هذا الزعم وإحقاق الحق فيه ، وأجدني مضطراً إلى نقل صفحة كاملة منه إن لم يكن إثباتاً لوجود هذه القضية من زمن ، فعلي سبيل التلذذ بذكر القرآن وقراءاته " فتطويل أخبار الهوى لذة أخري" قال القاضي رحمه الله : " لم يختلف القراء السبعة في أن القراءات التي صار بعضهم إليها قرآن منزل من عند الله تعالى ، وأنها تنقل خلفاً عن سلف ، وأنهم أخذوها عن طريق الرواية ، وربما تخرص الجاهل الضعيف من المنتسبين إلى علم القرآن بأن اختلاف القراء إنما صاروا إليه من جهة الاجتهاد وإعمال الفكر في حمل الكلام علي ما هو ( أليق ) وهذا قول باطل مرغوب عنه ،لا يعرف قائله ولا يدري منتصب لنصرته، ولا منصف يرجع إليه فيه ، لأن الظاهر المتوافر المشهور أنه إنما أخذوا القرآن رواية ، لأنهم كانوا رحمهم الله يمتنعون من القراءة بما لم يسمعوه ، ويمتنعون أيضاً من رد ما يشكون فيه خوفاً أن يكون قد قرئ به، فكيف تكون هذه حالهم وهم يستجيزون القراءة بالاختيار لولا حيرة قائل هذا وجهله ؟ "(30) .

إن مكائد المجرمين للإسلام عميقة الجذور، ضاربة في تاريخ الفكر الإسلامي بمناحيه المختلفة ، ولكن الله أبي إلا أن يقيض لدينه حراساً فيذهب الزبد جفاء ، ويبقى في الأرض ما ينفع الناس :
 إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون  (الحجر/9).

معنى الأحرف السبعة:
سبق أن ذكرنا نزول القرآن علي سبعة أحرف، كلها شاف كاف ، وتصريح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقد صرح بعض العلماء بتواتر حديث الأحرف السبعة الذي يؤكد أن نزول القرآن بهذه الهيئة هو تخفيف عن أمة النبي صلى الله عليه وسلم.

ويبدو أن هذا التخفيف كان بالمدينة ، يدل علي ذلك حديث أبي بن كعب الذي يقول إن جبريل -عليه السلام- لقي النبي صلى الله عليه وسلم عند أضاة بني غفار فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علي حرف قال: أسأل الله معافاته ومغفرته ، فإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية، فقال: " إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علي حرفين" فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علي ثلاثة أحرف فقال:أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علي سبعة أحرف ، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا " (31) .

ومثله حديث ابن عباس مرفوعاً : " أقرأني جبريل علي حرف واحد، فراجعته، فلم أزل استزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"(32)

وقد اختلفت مذاهب العلماء في معنى الأحرف السبعة ، فنقل القرطبي عن أبي حيان أنها بلغت خمسة وثلاثين قولاً(33)، ولكن اشتهر من هذه المذاهب خمسة مذاهب:
الأول : يفسر هذه الأحرف علي أنها الألفاظ المترادفة، ولو كانت من لغة واحدة ؛ لاختلاف قراءة عمر وهشام بن الحكم مع أنهما كليهما من قريش وقد صرح القسطلاني بأن هذا نقل أكثر أهل العلم .(34)
الثاني : يفسرها علي أنها لغات قريش ومن ينتهي نسبه إليها، واحتجوا لذلك بأن قريشاً قوم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نزل القرآن بلسانهم لقوله تعالى :
(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (إبراهيم/4)
أو أنها لغات لمضر وبطونها، لما روي عن عمر أن القرآن نزل بلغة مضر. ولكن العلماء ردوا هذا القول بظاهر قوله تعالى:
(إنا جعلناه قرآناً عربياً) (الزخرف/3)
أي أنه نزل قرءانٍ بلسان العرب .

ونقل القسطلاني عن القاضي الباقلاني أنه قال : ومن زعم أنه أراد مضر دون ربيعه ، أوهما دون اليمن ، أو قريشٍ ، فعليه البيان ؛ لأن اسم العرب يتناول الجميع تناولاً واحداً . (35)
وفي رسالة لأبي عبيد بن سلام نجد أن في القرآن الكريم ألفاظاً من مختلف لغلت العرب من مضر وغيرها- وقد أورد هذه الرسالة السيوطي في الإتقان(36) - فلو صح عزو ابن سلام وهو لغوي ثبت ، ومحدث ثقة ، لما كان حجة لمن حصر أوجه القرآن في مضر.
الثالث : وهو تغاير الألفاظ مع إتقان المعني مع انحصار ذلك في سبع لغات"وهو قول ابن حجر(37) وإذا كان هذا المذهب صحيحاً، فينبغي أن تكون هذه اللغات من العرب كافة- كما أسلفنا -، وينبغي أيضاً أن يكون المراد بالتغاير هو مطلق التغاير لا مجرد الترادف ، وذلك لما سننقل من كلام القسطلاني وابن الجزري ، وهما من أعمدة هذا العلم .
فالقسطلاني- وهو يمثل المذهب الرابع - يقرر" أن الاختلاف في الأحرف السبعة اختلاف تنوع وتغاير، لا تضارب وتناقص، إذ هو محال أن يكون في كتاب الله (38).
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)(البقرة/259).

ثم يقسم القسطلاني اختلاف الأحرف إلى ثلاثة أحوال:
1- اختلاف اللفظ ، والمعنى واحد : كالصراط والسراط ونحوها.
2- اختلاف اللفظ والمعنى مع جواز اجتماعهما في شئ واحد: مثل(كيف ننشرها) بالراء و الزاي ، فمعنى ننشزها (بالزاي) أنه رفع بعض العظام علي بعض حتى قامت. ومعني ننشرها(بالراء) أن الله أحيا العظام. فضمن الله تعالى المعنيين في القراءتين.
3- أن يختلفا جمعياً- أي اللفظ والمعني- مع جواز اجتماعهما في شئ واحد، وإنما يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد، مثل:( وظنوا أنهم قد كذبوا) و ( قد كذبوا ) - بالتخفيف والتشديد مع الكسر في الذال - ، ووجه التخفيف : أي وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أمروهم به ، " فالظن في الأولى يقين، والضمائر الثلاثة للرسل، وفي الثانية شك والضمائر الثلاثة للمرسل إليهم " (39).

ويمثل ابن قتيبة وابن الجزري المذهب الذي يقوم علي الاستقراء المستقصي لقراءات القرآن ومحاولة استيعاب كافة الخلافات وتصنيفها، يرجع ابن قتيبة في (مشكل القرآن ) وجوه الخلاف بين القراءات إلى سبعة أشياء :
1- تغير إعراب اللفظ بما لا يغير معناه أو صورته: مثل(و لا يضار كاتب و لا شهيد) سواء كان بضم الراء وفتحها.
2- تغير إعرابه بما يغير معناه دون صورته:مثل (باعد بين أسفارنا) بكسر العين ، و(باعد) بفتح العين والدال فلفظة (باعد) في الأولى فعل أمر، وفي الثانية فعل ماض .
3- تغير حروف اللفظة دون إعرابها بما يغير المعني لا الصورة: مثل : (ننشزها)
(ننشرها) بالزاى والراء .
4- تغير حروف اللفظة بما يغير الصورة لا المعني: مثل: (كالعهن المنقوش) كالصوف المنقوش في قراءة ابن مسعود وابن جبير رضي الله عنهما.
5- تغير حروف اللفظة بما يغير الصورة و المعني مثل: (وطلح منضود) قرأ علي: "وطلع منضود".
6- التغير بالتقديم و التأخير:مثل: ( وجاءت سكرة الموت بالحق) وقرأ أبو بكر الصديق "وجاءت سكرة الحق بالموت".
7- التغير بالزيادة والنقصان :مثل(والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى) قرأ عبد الله وأبو الدرداء : " و الذكر والأنثى " بكسر الراء وحذف (ما خلق) فهذا النقصان ، أما الزيادة فمثل قوله تعالى(وأنذر عشيرتك الأقربين) زاد ابن عباس في قراءة له : "ورهطك منهم المخلصين " (40).

وهناك محاولة جادة أخرى يقدمها الإمام ابن الجزري بقوله: " تتبعت القراءات صحيحها و شاذها وضعيفها ومنكرها، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها، و المتأمل لهذه الأوجه السبعة التي ذكرها صاحب( النشر) لا يجد بينها و بين كلام ابن قتيبة كبير خلاف غير التغيرات و الأمثلة.(41)

بين الأحرف و القراءات:
وأيا ما كان القول في تفسير هذه الأحرف السبعة، فإنه ينبغي التنيه علي أمرين :
الأول : أن الأحرف السبعة مفهوم يختلف عما عرف بالقراءات السبعة وليست كل قراءة من هذه القراءات التي عرفت بالقراءات السبعة وجهاً أو حرفاً بعينه من هذه الأحرف فالأحرف هي الأوجه المتعددة التي نزل بها القرآن ولم يكن المقصود به طريقة فلان أو فلان في القراءة، علي نحو ما بينا آنفاً ومصطلح القراءات السبعة مصطلح متأخر وجدناه عند أبي بكر بن مجاهد،حين تعددت قراءات النص القرآني، فرأى ابن مجاهد اختيار سبعة طرق للقراءة، وحمل الناس عليها وترك خلافها، ولم يدَّعِ ابن مجاهد أن هذه هي الأحرف السبعة المقصودة بالحديث، ولا أنها الصواب دون غيرها(42) .

ويدلنا علي ذلك أيضاً أن غيره اختار عشرة قراء ، وأحب للناس محاكاتهم،وهناك من اختار أربعة عشر إماماً من القراء. وفي هذا ما يدفع توهماً توهمته العامة.

الثاني : أن هذه الأوجه المتعددة ينبغي أن تفهم علي أنها نوع من التيسير المتعلق بلغات القبائل ساقه الله للأمة ، كما يقول الإمام ابن قتيبة : (43)
"فالهذلي يقرأ (تعلمون) ،(تسود وجوه) بكسر التاء ، والتميمي يهمز، والقرشي لا يهمز، ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلاً وناشئاً وكهلاً لاشتد عليه ذلك وعظمت المحنة فيه ، فأراد الله - برحمته ولطفه - أن يجعل لهم متسعاً في اللغات ".

أنواع القراءات :
هذه الأوجه المختلفة في القراءات - التي يسر الله بها علي الأمة - لم تنقل عن النبي صلى الله عليه و سلم وصحابته بدرجة واحدة من درجات الإسناد ؛ فقد نقل بعضها بطريق التواتر، وبعضها برواية الآحاد، وروي بعضها بأسانيد قوية، والآخر بأسانيد ضعفية أو واهية ، شأنها في ذلك شأن كافة المرويات ومن ثمة قسمت القراءات إلى متواترة وآحاد ، ثم إلى صحيحة أو ضعفية أو شاذة .

فالمتواترة : هي التي نقلها الكافة عن الكافة ، يعني نقلها جماعة من الثقات لا يتيسر عادة تواطؤهم علي الكذب عن مثلهم ، حتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وهي أوثق أنواع القراءات .

وقراءة الآحاد : هي التي رويت عن طريق الثقات الضابطين ولكن نقلها عدد أقل من حد التواتر وهي قراءات صحيحة، وإن كانت أدني من سابقتها و الاختلاف في حد الآحاد و التواتر قديم مشهور بين أصحاب الفن ، يرجع فيه إلى دراساتهم و ترجيحاتهم ، والأهم من ذلك هنا هو مناقشة مصطلح القراءة الشاذة، والضعيفة و الصحيحة، ومدى صحة الاحتجاج بذلك شرعاً ولغة.


حجية القراءات :
وقد ذكر بعض العلماء شروطاً للقراءة الصحيحة المقبولة وهي :
1- أن تنقل بطريق التواتر.
2- وتوافق رسم أحد المصاحف العثمانية.
3- أن توافق اللغة العربية.

قالوا : " و ما لم يجتمع فيه ذلك فهو شاذ " ، بل لقد نقل بعضهم الإجماع علي ذلك وتشدد له(44) ، ولا نظن ادعاء الإجماع علي ذلك إلا ضرباً من الخيال ، فقد قرر الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح وقبله أبو إسحاق الشيرازي الخلاف فيه، ونقل ابن تيمية مثل ذلك عن جماعة من السلف لا بأس بهم يمكن مراجعة أسمائهم في النشر أو لطائف الإشارات (45). والحقيقة أن هذه الشروط تحرم طائفة مباركة من القراءات دخول نطاق الاحتجاج ، الأمر الذي يخشى ما وراءه من حجب لبعض الوحي عن الأمة وتحريم بعض ما أنزل الله هدى ونوراً. ثم ها هو الإمام الجليل ابن الجزري صاحب التصانيف يقرر ميزاناً آخر للقراءة الصحيحة المقبولة ، وهو:
1- كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه.
2- ووافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمالاً.
3- وصح سندها.

" فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، و لا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب علي الناس قبولها، سواء أكانت عن الأئمة السبعة أو عن العشرة أو عن غيرهم من الأئمة المقبولين " (46) .

القراءات الشاذة والقراءات الضعيفة:
فأين تقع القراءة الشاذة من ذلك ؟
نبه ابن الجزري إلى أن القراءة الشاذة هي التي تخلف عنها شرط موافقة المصحف بمعني أنها " القراءة التي صح سندها ووافقت العربية ولكنها لم توافق رسم المصحف " ، وحصر مخالفتها لرسم المصحف في أربعة أشياء :
1- الزيادة : مثل قراءة ابن مسعود: " فصيام ثلاثة أيام متواليات " .
2- النقص : مثل قراءة أبي الدرداء : " والذكر والأنثى " .
3-التقديم والتأخير : مثل قراءة أبي بكر: " وجاءت سكرة الحق بالموت " .
4-إبدال كلمة مكان أخري : مثل قراءة ابن مسعود: " كالصوف المنقوش " .
واختار ذلك القسطلاني(47)

ويلاحظ على هذا التعريف أمور:
1- أنه يقوم علي وعي بأن القراءة الشاذة قسم من الصحيح من حيث الإسناد وأنها شذت عن رسم المصحف العثماني ، والثابت أن بعض الصحابة ظلوا متمسكين بقراءات سمعوها من فم النبي صلى الله عليه وسلم رغم مخالفتها مصحف عثمان، كقراءة أبي الدرداء السابقة .
2- أنه تعريف يخالف مفهوم بعض أهل العلم ، كالغزالي وصدر الشريعة الذي يذهب إلى أن الشاذ هو ما لم يتواتر لفظه ، وهو مفهوم ناقشناه من قبل .
3- أن مفهوم ابن الجزري للقراءة يفرق بين الشاذة و الضعيفة، فلا خلاف عندهم أن القراءة التي افتقدت شرط صحة الإسناد هي قراءة مردودة ، لا يشفع لها رسم المصحف و لا موافقة العربية .

بعض قراء الشواذ المشهورين:
ونلقي الآن إطلالة علي بعض قراء الشواذ المشهورين، والله المستعان:
1-الحسن البصري : هو من هو: أشهر من أن يعرف ، التابعي الثقة الورع الطيب ،" إمام زمانه علماً وعملاً "(48) ، وهو من رجال الصحيحين(49)، قال عنه ابن سعد:" كان جامعاً عالماً رفيعاً حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً"(50) ، وقال عن العجلي:" تابعي ثقة ، رجل صالح ، صاحب سنة "(51)وقد لقي الحسن- رحمه الله- من الصحابة عمر بن الخطاب و أبا موسى الأشعري وأبا العالية وأبي بن كعب وزيد ابن ثابت وقرأ عليهم جميعاً.(52) وهو شيخ أبي عمرو بن العلاء-أحد القراء السبعة-(53) ، قال عنه الشافعي:لو أشاء أقول: إن القرآن نزل بلغة الحسن . وقد كثرت مناقبه حتى صنف فيها ابن الجوزي جزءاً (54).

2-الأعمش : الثقة الحافظ المحدث القارئ الناسك الورع، الإمام الجليل مقرئ الأئمة (55) ، قال هشام : ما رأيت في الكوفة أقرأ لكتاب الله تعالى من الأعمش (56) . وهو من رجال الصحيحين(57)، لقي طائفة من الصحابة وحدث عن بعضهم(58). وقد بلغ من إتقانه القرآن وحفظه وصدقه وتثبته أن شعبة بن الحجاج - وهو من هو في التشدد في الرجال- كان إذا رآه قال: " المصحف المصحف " ، وكان رأساً في القرآن (59).
>
>
>
>
>
وبعد:
أفلا تقودنا الدراسة الواعية لتراث هذا القرآن إلى عدة نتائج خطيرة في حياتنا الثقافية وموقفنا الحضاري ، منها:
1- أن كثيراً من مثقفينا اليوم يحتاجون إلى تقليب الصفحات التراثية قبل الاندفاع إيجاباً أو سلباً، في قراءة ما كتب المحدثون.

2- أن الخوف من الخطأ حسنة ينبغي أن ندفع إلى التزود بأدوات البحث العلمي الدقيق لا أن تضع الحجب ما بيننا وبين قضايانا .

3- أن التراث الإسلامي بحاجة حقيقية إلى من يقرؤه بمعاناة المسؤول لا بمشاهدة المتفرج .

4- أن هزائمنا العسكرية والاقتصادية ما هي إلا هزائم فكرية علي وجه اليقين ، دفعنا إليها جهلنا بنا أنفسنا، حضارة وتراثاً.

فنسأل الله الذي جعل حرماً آمنا يتخطف الناس من حوله أن يجعل من أنفسنا من يخرجنا من توابيت الأفكار الميتة ، ويعيننا علي معاودة صحوتنا الإسلامية إنه بنا رؤوف رحيم .


الحواشي
(1) معرفة القراء الكبار للذهبي ط/دار التأليف 1/85 وانظر حجة القراءات
"لابن زنجلة ط/ الرسالة ص 63.
(2) شرح ما يقع فيه التصحيف ص10.
(3 ) السبعة لابن مجاهد تحقيق شوقي ضيف ط/ دار المعارف ص 62.
(4) كل الأسانيد مستخرجة من كتب ابن مجاهد السابق.
(5) مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر1/138، 142(المقدمة).
(6،7)ابن مجاهد/56. وانظر لطائف الإشارات1/97.
(8،9)
(10،11)معرفة القراء الكبار1/93.
(12،13،14)ابن مجاهد/76.
(15)لطائف الإشارات1/95.
(16،17)ابن مجاهد/66.
(18)لطائف الإشارات1/96.
(19)قواعد التجويد بقراءة حفص عن عاصم بن أبي النجود لعبد العزيز
القارئ ط/مكة المكرمةص12.
66.
(18)لطائف الإشارات1/96.
(19)قواعد التجويد بقراءة حفص عن عاصم بن أبي النجود لعبد العزيز
القارئ ط/مكة المكرمةص12.
(20)ابن مجاهد/60ن معرفة القراء الكبار1/102.
(21)معرفة القراء الكبار1/85.
(22)الدراسة الميدانية في منهج النحاة العرب ص.
(23)ابن مجاهد/182.
(24)معرفة القراء الكبار1/85.
(25)ابن مجاهد/182.
(26)النشر في القراءات العشر لابن الجزري ط/راغب الطباع2/264.
(27)فقه اللغة علي عبد الواحد وافي ط/ص119، وقد أصلح ذلك في الطبعة الثامنة(ص122).
(28)رسم المصحف د . شلبي /20.
(29)تاريخ التراث العربي فؤاد سركين(مترجم)1/146.
(30)نكت الانتصار للباقلاني /145.
(31)رواه مسلم 3/562.
(32)انظر الحاشية رقم 11.
(33،34)لطائف الإشارات 1/44.
(35)فتح الباري لابن حجر 9/47.
(36)الإتقان 1/133.
(37)فتح الباري 9/23.
(38،39)لطائف 1/37.
(40)تأويل مشكل القرآن ابن قتيبة(ط/السيد صقر
(49)تهذيب التهذيب ط/الهند 2/263.
(50،51)تذكرة الحفاظ 1/71، التهذيب2/266.
(52)مقدمة(القراءات الشاذة)لعبد الفتاح القاضي ط/الكليات الأزهرية.
(53)ابن زنجلة/70.
(54)عنوان المقال"أضواء علي القراءات والقراء" مجلة الأمة/عدد
جمادي الآخرة 1404 هـ..
(55،56)ابن زنجلة/70، القراءات الشاذة للقاضي(المقدمة).
(57،58،59)تهذيب التهذيب 4/222.

almuslim
05-21-2008, 11:55 AM
قائمة المصادر والمراجع مرتبة هجائيا

• الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين السيوطي . تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم
ط / دار التراث : 1405 – 1984 .
• أخبار النحويين البصريين : للسيرافي . ط / الحلبي سنة 1374 هـ
• تاريخ التراث العربي : فؤاد سزكين . ترجمة فهمي أبو الفضل . ط /الهيئة العامة للكتاب مصر : 1971 .
• تأويل مشكل القرآن : لابن قتيبة . تحقيق السيد أحمد صقر . ط/ دار التراث .
• تذكرة الحفاظ : شمس الدين الذهبي . ط/ دائرة المعارف العثمانية بالهند .
• تفسير الطبري : تحقيق الشيخ أحمد شاكر ، الشيخ محمود شاكر ط / دار المعارف 1969 .
• تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلاني ط / دائرة المعارف العثمانية بالهند (د . ت) .
• الجمع الصوتي الأول د/ لبيب السعيد ط / الهيئة المصرية للكتاب 1387 – 1967.
• حجة القراءات لأبى زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة . تحقيق د . سعيد الأفغاني . ط / مؤسسة الرسالة 1418 – 1977 .
• حياة محمد (  ) د/ محمد حسين هيكل الطبعة الثانية ط/ الهيئة المصرية للكتاب .
• الدراسات الميدانية في منهج النحاة العرب – رسالة ماجستير مخطوطة بالآلة الكاتبة – بدار العلوم القاهرة . سنة 1972 . محمود عثمان أبو سمرة .
• رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات – د/ عبد الفتاح شلبي – ط/ النهضة المصرية .
• السبعة في القراءات لأبى مجاهد – تحقيق د / شوقي ضيف – ط / دار المعارف بمصر
• سنن الترمذي : للإمام محمد بن عيسى بن سورة الترمذي . ط / المكتبة الثقافية – بيروت ( د . ت ) .
• شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبى العسكري – تحقيق عبد العزيز أحمد – ط / الحلبي 1383 – 1963 .
• صحيح البخاري : محمد بن إسماعيل البخاري ( بحاشية السندي) – ط / الحلبي .
• صحيح مسلم : للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري . ط / عيسى الحلبي .
• طبقات فحول الشعراء – لابن سلام الجمحي – ط / دار المعارف
• العهد القديم – دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط .
• فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر – مصورة دار المعرفة – بيروت عن طبعة السلفية بمصر .
• فقه اللغة : على عبد الواحد وافى . ط / مكتبة نهضة مضر .
• القراءات في نظر المستشرقين والملحدين : للشيخ عبد الفتاح القاضي . ط / مجمع البحوث الإسلامية 1392 - 1972.
• قواعد التجويد لقراءة حفص عن عاصم – عبد العزيز القارئ – ط / مكة المكرمة .
• الكتاب : لسيبويه . تحقيق عبد السلام هارون ط / الهيئة المصرية العامة للكتاب .
• لطائف الإشارات – للقسطلاني – ط / مجمع البحوث الإسلامية بمصر 1971 .
• مذاهب التفسير الإسلامي – اجنتس جولة زيهر ترجمة د / عبد الحليم النجار .
• المسند : للإمام أحمد بن حنبل . ط / المكتب الإسلامي ( الطبعة الخامسة 1405 - 1985.
• المسند : للإمام أحمد بن حنبل . تحقيق شاكر . ط / دار المعارف بمصر .
• المسيح في مصادر العقيدة المسيحية : للأستاذ أحمد عبد الوهاب . ط / مكتبة وهبة .
• المصاحف : لابن أبى داود نشره آرثر جفري . ط / دار الكتب العلمية .
• مطلع النور : للعقاد . ط / دار الهلال .
• معرفة القراء الكبار : ط/ التأليف .
• المقنع في رسم مصاحف الأمصار . لأبى عمرو الداني . ط / الكليات الأزهرية .
• مناقب الحسن البصري : لابن الجوزى . ط / مجلة الأزهر .
• النشر في القراءات العشر : لابن الجزري . ط / على محمد الصباغ . مكتبة المثنى ببغداد .
• نكت الانتصار لنقل القرآن – لأبى بكر الباقلاني – ط / دار المعارف .

almuslim
05-21-2008, 11:55 AM
انتهى فلا تنسوا الكاتب والناقل من الدعاء.

منال
05-23-2008, 07:31 PM
بوركتَ

يثبت لفترة للقراءة على مهل باذن الله

جزاك الله خيرا