تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الصراع الشيعي – الشيعي على المرجعية في العراق



مقاوم
05-19-2008, 09:16 AM
الصراع الشيعي – الشيعي على المرجعية في العراق
أ. سارة علي*

http://qawim.net/exq.gif الصراع الشيعي- الشيعي على المرجعية في العراق ليس وليد اليوم فهو قديم متجدد لما تشكله المرجعية الشيعية من نفوذ سياسي واقتصادي واجتماعي إضافة للنفوذ الديني وخاصة على الطائفة الشيعية ولكن الأمر لم يكن واضحا للعيان كما هو الحال اليوم حيث إن نفوذ المرجعية الشيعية توسعت كثيرا بعد احتلال العراق من قبل قوات الاحتلال الأمريكي لبغداد وكان واضحا أنَّ المرجعية ستأخذ دورا كبيرا ليس على صعيد العراق فحسب إنما على الساحة العربية والإسلامية نظرا لأن الشيعة يتبعون قرارات مرجعيتهم في كل شئ ويعتبروه جزءاً لايتجزء من الانصياع والطاعة للائمة.

ولاشك أنَّ المتفحص لوضع العراق يلمس ذلك من خلال أن الجهات الشيعية أرادت تصفية مسألة المرجعية لكي يكون لها الغلبة في القرار السياسي وما حققته من مكاسب على الساحة السياسية في العراق، ولذا كان مقتل الخوئي بعد أيام من احتلال العراق وتوجهت أصابع الاتهام تارة إلى مقتدى الصدر وأتباعه وتارة إلى الحكيم وعائلته ولكن الواضح من ذلك هو تصفية حسابات بين الصدر والحكيم الذين كانوا يؤيدون بقاء السستاني وعدم منازعته من قبل الخوئي لان الوضع كان يومها يشكل تحالفا مابين الصدر وعائلته والحكيم وعائلته إلى جانب السيستاني لكي يحققوا أكثر مكاسب ممكنة من خلال كسب الود الأمريكي على حساب الطوائف والمذاهب الأخرى خاصة المذهب السني حيث يعتقد الشيعة أن الحكم في العراق من أحقيتهم وإنهم ظلموا طوال السنوات الماضية.

يذكر أن التمثيل الشيعي في الحكومات العراقية بدأ بالعهد الملكي وكان لايتجاوز 2 % والسبب يعود في ذلك إلى أن الحكومة في العهد الملكي كانت حكومة تكنوقراط وفي وقتها كان المتعلمين والمثقفين وأصحاب الشهادات العليا كانوا هم من السنة ولم يكن المتعلمين وأصحاب الشهادات العليا من الشيعة العراقيين إلا فئة بسيطة جدا لذا جاء التمثيل في الحكومة أكثر من الجانب السني واستمر الحال إلى حكومة عبد الكريم قاسم الذي أعطى الكثير من الامتيازات لهم وخاصة فئة مايسمى بالشروك والذين تنحدر أم قاسم منهم وهو أول من أعطاهم الجنسية العراقية وسكنهم في مدينة بغداد وقام بإعطائهم الوظائف المهمة لذا فكان لابد للشيعة لكي يصلوا إلى تحقيق مأربهم في تولي زمام الأمر في العراق من التعاون مع المحتل الأمريكي وقد أعطتهم مرجعيتهم الأمر بذلك لأنهم يتعاطون مع المبدأ الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة).

وكان للمرجعية دور بارز في ذلك ولكن ما إن مرت السنون الخمسة حتى ظهر لبعض الشيعة إنهم قد استخدموا كوسيلة لتحقيق أهداف شيعة آخرين وان المرجعية مالت إلى أل الحكيم أكثر من الميل إلى الصدر الذي يسعى إلى أن يصل إلى المرجعية ويعتقد هو كما يعتقد أتباعه من شيعة العراق أن المرجعية الشيعية في العراق يجب أن تكون لمن هو أصله شيعي ولكن عربي وليس شيعي إيراني ولذا برز التقاتل على الساحة الشيعية مابين الصدريين أتباع الصدر وبين البدرين أتباع أل الحكيم.

السستاني بدا يهيأ الوضع لانسحابه لكي يفسح المجال لولده محمد رضا لتولي أمور المرجعية ومن هنا كان لمقتدى الصدر أن يتخذ قرارا يتيح له تولي أمر المرجعية لذا توجه إلى قم وأعلن أنه سيتفرغ للدراسة لكي يلفت النظر انه سيتسلح بالعلم من الحوزة في إيران والنجف لكي يكون له الحق في تولي المرجعية بعد السستاني.

وأسباب الصراع هي أسباب سياسية للتنافس تتصل من ناحية بمسعى الحكيم إلى مواصلة أستراتيجية "مؤتمر لندن" الذي نظمه الأمركيان للمعارضة العراقية قبل العدوان، وهذه الاستراتيجية التي اعتمدها الحكيم قبل وخلال العدوان تتصل من ناحية أخرى بقيام باقر الحكيم نفسه وكذلك صحافة "المجلس الأعلى" باتهام السيد محمد صادق الصدر قبيل اغتياله بأنه محسوب على النظام السابق
وتشير أوساط شيعية إلى معارضة قوى سياسية شيعية كثيرة لاستراتيجية "المجلس الأعلى" الذي يصر على "التعاون" مع الأميركيين من أجل قيام نوع من "الشيعية السياسية" الطائفية.

في هذا الشأن تناول مركز أوميديا البحثي الإسرائيلي المتخصص في الدراسات الإستراتيجية ، وفي دراسة أعدها "ميكي سيجال" الباحث المعروف والمتخصص في الشئون الإيرانية والعراقية، قضية الصراع بين القيادات الشيعية في العراق والمنافسة الشديدة بين عائلة السيستاني وعائلة الصدر، وتداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط.

وتطرق الباحث الإسرائيلي في الجزء الأول من دراسته إلى التوتر الحالي داخل الطائفة الشيعية في العراق، على خلفية التوترات التي حدثت ما بين مقتدى الصدر والجيش العراقي مؤخرًا، وقيام "ناصر الربيعي" رئيس الكتلة الصدرية في مجلس النواب العراقي بتوجيه الاتهام لعبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، خصم مقتدى الصدر ومنافسه على تولي قيادة الطائفة الشيعية في العراق، بأنه لم يلتزم بتعهداته لإقامة مجالس مشتركة في سائر المحافظات العراقية، والتوقف عن مطاردة عناصر جيش المهدي الذي يترأسه مقتدى الصدر.

وذكر "سيجال" أن أوجه التوتر والخلاف بين الصدر والحكيم متعددة، وتجلت في وقوع حوادث متعددة في كربلاء ومحافظة الديوانية جنوب العراق بين أنصار جيش المهدي وبين عناصر الشرطة العراقية والتي انضم لها العديد من أفراد وعناصر منظمة بدر الشيعية الجناح العسكري للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق وأكدت أحداث البصرة ومدينة الصدر حدة الصراع بين أل الحكيم ومقتدى على الزعامة الشيعية وعلى من سيكون له الأولوية في المرجعية بعد السستاني.

أما المخاوف التي تراود البعض من تنامي الصراع داخل البيت الشيعي في العراق في أعقاب الرحيل المرتقب لآية الله العظمي السيستاني، أكبر مرجعية دينية شيعية في العراق ، هو التقارير الواردة من العراق التي تتحدث عن أن السيستاني حليف الأمريكان وأحد أكثر من قدم لهم المساعدات من أجل تهدئة الداخل العراقي منذ عام 2003 ، قلل مؤخرًا من نشاطاته وتدخله فيما يحدث في العراق.

وعلى تلك الخلفية ترددت شائعات وتوقعات كثيرة عن أن السيستاني مريض ولا يقدر على استكمال مهامه، كما ترددت شائعات كثيرة عن الشخص القادر على شغل هذا المنصب من بعد السيستاني، وهو نجله "محمد رضا" والذي يقوم الآن ببعض المهام ومنها اتخاذ بعض القرارات لكي يخلف والده.

إن غياب السيستاني له تداعيات كثيرة سواء على الساحة العراق أو خارجها، ومن شأنها أن تعرض ما حققته أمريكا في العراق لضرر بالغ خاصة فيما يتعلق بالهدوء الأمني النسبي الذي شهده العراق، وكذلك فيما يتعلق باستقرار الأوضاع النفطية للعراق ومحاولات إرجاع مستوى صادرات النفط العراقي إلى ما كانت عليه قبل الحرب على العراق.

أما الآثار المترتبة على غياب السيستاني عن الساحة العراقية، فهي ستضر بجهود الأمريكان لتهدئة الساحة السياسية في العراق ودعم حكومة نوري المالكي والذي ثارت من حوله الشائعات في العديد من المواقع السنية على شبكة الإنترنت، بأنه كان متورطًا في تنفيذ عمليات إرهابية داخل العراق في الثمانينات بناء على أوامر من الولايات المتحدة وإيران.

إن المالكي امتنع لفترة طويلة عن التدخل من أجل تهدئة الأوضاع السياسية في العراق، وتضارب موقفه مع الموقف الإيراني الذي يرى أنه من الأفضل قيام رجال الدين بإدارة الشئون السياسة و أن السيستاني كان مسيطرًا على مقاليد الأمور حتى لو كان ذلك من وراء الستار وعبر عناصر موالية له، خاصة وأنه يحظى بقبول كافة الفصائل الشيعية في العراق، الأمر الذي يعد نذير خطر في حال غيابه عن الساحة، وأن هذا الغياب يعني تمزق شيعي داخلي في العراق وصراع بين الفصائل المختلفة، وهو ما قد يؤثر مستقبلاً على نسبة القوى في العراق، باعتبار أن الشيعة يلعبون دورًا هامًا في إحداث توازن داخل العراق، كذلك سيؤثر على مستقبل العلاقة بين الجهات الشيعية المتطرفة وعلى رأسها جيش المهدي وبين الولايات المتحدة الأمريكية والوساطة بين الطرفين لتهدئة الأوضاع، وكذلك سيؤثر كثيرًا على علاقة تلك الفصائل بعضها ببعض.

إن بوادر الصدام الأولية بين زعيم جيش المهدي مقتدى الصدر ونجل السيستاني محمد رضا هو أنَّ مكانة السيستاني الكبرى في العراق، أدت إلى تفاقم أزمة الوريث الذي سيعقبه في الإمساك بزمام الأمور داخل البيت الشيعي العراقي، وهناك أسماء عدة تطرح لشغل هذا المنصب ومنها " محمد سعيد الحكيم" و" محمد بشير النجفي" و" محمد إسحاق الفياض" و" محمد يعقوبي" وعلى الرغم من اعتبار هؤلاء مرجعيات دينية كبرى لها صلاحيات، لكنهم لا يحظون بدعم وتأييد الجمهور في العراق، كما أنهم لا يرتبطون بالأحداث السياسية في العراق.

إن عدم قدرة هؤلاء الأشخاص على شغل مكانة السيستاني من شأنه أن يخدم مصلحة إيران وأتباعها في الساحة الداخلية العراقية، وأن تقوم إيران بدور كبير وبدون شك في اختيار الشخص الذي سيخلف السيستاني، وأنه لا يخفى على أحد دور إيران في دعم وتمويل وتدريب عناصر جيش المهدي وقيامها عبر عناصر حزب الله بتزويد جيش المهدي وجهات شيعية أخرى بأسلحة خفيفة وألغام أرضية، لإعداده من أجل يوم الحسم ولعب دور بارز في اليوم التالي لخروج القوات الأمريكية من العراق وإن طهران تلعب نفس الدور الذي تلعبه في جنوب لبنان حيث تقوم بدعم مقتدى الصدر وجيش المهدي كما تدعم حسن نصر الله وحزب الله في لبنان، بل إنه بات واضحًا أنها تريد أن يحاكي جيش المهدي حزب الله وأن يصبح مثله تمامًا.

أن غياب السيستاني عن الساحة العراقية، من شأنه أن يزيح من على إيران تهديدًا رئيسًا لعبه هو و" منتظري" الذي رفض كل ما قام به الخميني من تغييرات في المذهب الشيعي خاصة فيما يتعلق بسلطة رجال الدين، أو ما يعرف بمنهج "ولاية الفقيه"، كما يعد نجل السيستاني "محمد رضا" أحد هؤلاء المعارضين لإيران.

وإن الفترة الأخيرة تشهد قيام عناصر القوى الشيعية في العراق بمحاولات لبناء قاعدة يمكنهم الارتكاز عليها، خاصة فيما يتعلق بمحاولات الاعتماد على صلاحيات دينية في العراق، وأن مقتدى الصدر زعيم جيش المهدي تردد على إيران عدة مرات مؤخرًا، فهو يحاول استكمال دراسته الدينية سعيًا وراء لقب آية الله، وكذلك فإنه دعم من قواته الداخلية في العراق وبات له أكثر من 30 نائبًا في مجلس النواب العراقي يؤيدونه، خاصة وأنه زوج ابنة آية الله محمد باقر الصدر الذي قتل على يد النظام العراقي السابق.

فيما يحاول "محمد رضا السيستاني" استكمال دراسته الدينية في مسجد الهندي بمدينة النجف العراقية، كما أن لديه من العلم الكثير، خاصة وأنه رافق والده كثيرًا، ولهذا فإن له القدرة على جمع الأموال من الشيعة في لبنان والخليج، وكذلك من الشيعة الغير عراقيين الذين يترددون على النجف في العراق لزيارة الأضرحة، وبعد تحسن الأوضاع الأمنية في العراق قامت إيران بتقليل الدعم المالي الذي تقدمه للسيستاني وللشيعة، وأن أكثر من تضرروا بذلك هم الطلاب العراقيون الشيعة الذين يدرسون في إيران.

إن صراع "الصغار" "مقتدى الصدر" و"محمد رضا" سيشتد ويقوى خاصة أن "رضا" يؤمن بما يؤمن به والده من فصل للدين عن الدولة، أما الصدر الذي تربى في مدينة قم ونشأ على مبادئ وإيديولوجيات إيرانية – خومينية – التي تؤمن بدور رجال الدين الكبير في السيطرة على السلطة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يقدر الصدر على تبوء مكانة السيستاني مستخدمًا ما لديه من صلاحيات دينية وسياسية؟

إن الخصومة بين عائلتي الصدر والسيستاني الضاربة في أعماق الطائفة الشيعية بالعراق، تجلت وبوضوح في مقتل " محمد صادق الصدر" من قبل صدام حسين، فيما ظل " السيستاني" على قد الحياة ولم يمسسه سوء بسب اشتغال "الصدر" بالسياسة والدين، فيما ظل الثاني مهتمًا بأمور الدين فقط، وهو النهج الذي استمر عليه أتباع الصدر والسيستاني حتى بعد رحيل صدام، ومن المتوقع أن تحدد كذلك مستقبل العراق واختياره المدرسة الإيرانية المحافظة وبين النهج الشيعي الذي يدعو لإدارة الدولة بأسلوب براجماتي غير متطرف.

الصراع على المرجعية الشيعية في العراق يتيح لمن يأخذ هذا المنصب عدة امتيازات فإضافة للمنصب هناك الحاشية والأتباع والدعم المادي والخمس (وهي المبالغ التي يقدها الشيعة لمرجعهم وهو حر التصرف بها) إضافة إلى الكلمة المسموعة وانصياع الشيعة لكل أوامر وقرارات المرجعية .

يذكر انه في السنوات الأخيرة قامت عائلة السستاني بشراء ممتلكات وعقار في عدد من المدن والعواصم الأوربية منها فيلا في لندن تم شرائها من قبل بنت السستاني بسعر ثلاثة ملايين جنيه إسترليني، والأيام القادمة ستحدد بعد رحيل السستاني من الذي سيحظى بهذا المنصب الشيعي!!
* كاتبة وصحفية عراقية.

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2717&Itemid=1