تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مشكلة فلسطين ليست مشكلة الفرص الضائعة



مقاوم
05-19-2008, 08:13 AM
مشكلة فلسطين ليست مشكلة الفرص الضائعة
د. عبد الفتاح ماضي*

http://qawim.net/exq.gif عشية كل لقاء دولي أو مبادرة دولية لتسوية الصراع العربي الصهيوني ترتفع أصوات بعض الساسة العرب بأن على العرب أن يتنهزوا الفرصة التاريخية وأن يتصالحوا مع الإسرائيليين، ويردد بعض المثقفين وراءهم نفس القول الذي تحول إلى حكمة في زماننا هذا !

تُقدم هذا "الفكرة/الحكمة" وكأن الحركة الصهيونية كانت على استعداد لقبول حل سلمي، أو أن الكيان الإسرائيلي قدّم مشاريع تستند إلى إلغاء الطبيعة العنصرية الإسرائيلية وتنتهي بسلام تاريخي، حقيقي وعادل وشامل، للصراع، كما حدث مثلاً في جنوب أفريقيا.

ومن مخاطر هذه "الفكرة/ الحكمة" أن بعض الأطراف الفلسطينية والعربية يستخدمها كمبرر لتقديم تنازلات جديدة، على أساس أن العرب أخطأوا حينما لم يقبلوا الجلوس مع اليهود قبل 1948، وعندما رفضوا بعد 1948 قبول الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها.

وهذا القول يستند إلى منطق معوج يدّعي "الحكمة بأثر رجعي" كما وصفه الأستاذ محمد حسنين هيكل. هناك الكثير من الحقائق والوقائع تثبت عدم صحة تلك "الفكرة/ الحكمة"، لعل أبرزها ما يلي:

أولاً: مَنْ يفاوض مَنْ؟ أي مَنْ مِنْ العرب كان عليه التفاوض قبل 1948 ومع مَنْ مِنْ الجماعات اليهودية في فلسطين؟ هل كان على عرب فلسطين عام 1882 (عشية بدء هجرة الجماعات اليهودية المنظمة إلى فلسطين)، البالغ عددهم أكثر من نصف مليون نسمة، الجلوس بالتفاوض مع يهود فلسطين البالغ عددهم، وقتذاك، نحو ثمانية آلاف نسمة؟ أم كان ينبغي على عرب فلسطين عام 1896 (وقت ظهور كتاب هرتزل "دولة اليهود")، البالغ عددهم نحو 800 ألف نسمة والذين كانوا يملكون ما يربو عن 98% من مساحة فلسطين التفاوض مع يهود فلسطين الذين كان عددهم لا يزيد عن25 ألف نسمة ويملكون نحو 2% من مساحة فلسطين؟ أم كان على عرب فلسطين عام 1917 (عام صدور وعد بلفور)، البالغ عددهم نحو 920 ألف نسمة والذين كانوا يملكون ما يربو عن 96.5% من مساحة فلسطين الجلوس مع الجماعات اليهودية الذين هاجروا أو هُجروا إلى فلسطين الذين بلغ عددهم إلى 48 ألف نسمة وصاروا يسيطرون على نحو 3.5% من مساحة فلسطين؟ إذا كان هذا ممكنا فيمكن تصور وعقلانية أن يتفاوض الشعب الإنجليزي – مثلاً - مع الأقلية الهندية على اقتسام مساحة بريطانيا اليوم؟ أم كان ينبغي على من تبقى من عرب فلسطين عام 1949 (بعد انتهاء عمليات القتل والتنكيل والتشريد والتهجير خلال حرب 1948/1949) وقيام الكيان الإسرائيلي)، والذين قدر عددهم بنحو 156 ألف نسمة من أصل نحو 750 ألف نسمة كانوا يمثلون سكان فلسطين عشية تلك الحرب، الجلوس والتفاوض مع اليهود الذين صار عددهم بعد قيام الدولة نحو 650 ألف نسمة؟ ليلس منطقياً أن يحدث كل هذا استناداً إلى معيار العدد فقط. ثم ماذا لو أضيف العرب من المحيط إلى الخليج إلى تلك الأرقام؟

ثانياً: مضمون المفاوضات: وعلى افتراض أن الطرفين جلسا معاً، فعلى ماذا كان يجب عليهما أن يتفاوضا؟ أعلى أن يترك عرب فلسطين – وهم أغلبية – كل أرضهم لجماعات يهودية هاجرت أو هُجرت إلى فلسطين من كافة بقاع الأرض كما أراد جناح من الحركة الصهيونية؟ أمْ على أن يترك العرب ضفتي نهر الأردن (أي فلسطين والأردن) كما طالب جناح آخر (اليمين الصهيوني)؟ لم يكن مطروحا لدى الحركة الصهيونية في ذلك الوقت اقتسام الأرض في الأساس، فالحركة قامت على أساس إبادة الآخر أو تهجيره. وفي مرحلة أوسلو كان على منظمة التحرير الاعتراف بإسرائيل والتنازل عن ميثاقها ونبذ ما سمي "الإرهاب" عند الإسرائيليين (أي المقاومة) والقبول بحكم ذاتي على أجزاء من الأرض التي احتلت عام 1967 مع فصلها بمئات من المستوطنات اليهودية وآلاف الأميال من الطرق الإلتفافية ومئات من نقاط التفتيش، أي حكم ذاتي لكيان مكون من كانتونات لا رابط بينها. وفي نهاية أوسلو (مباحثات كامب ديفيد عام 2000) كان على الفلسطينيين التنازل عن حقوقهم في شأن قضيتي اللاجئين والقدس مقابل دولة بمواصفات خاصة، أي بلا سيادة حقيقية على الأرض ولا مع الخارج، وبمطار ومرفأ وشرطة وجهاز أمن "دولة" فقط.

ثالثاً: هل يمكن التفاوض مع عصابات مسلحة؟ هل كان في إمكان عرب ما قبل 1948 – أصحاب فلسطين الشرعيين – أن يتفاوضوا مع عصابات صهيونية مسلحة شكلها المهاجرون اليهود من كل بقاع الأرض بهدف رئيسي – أجمعت عليه كل قيادات تلك العصابات علناً – وهو إبادة العرب في فلسطين وإرهاب من تبقى منهم لدفعهم نحو الهجرة تمهيداً لقيام دولة لليهود هناك؟ وهل كان في استطاعة عرب ما بعد 1948 أن يتفاوضوا مع قادة "دولة" وليدة استطاع جيشها (الذي تكون في الأساس من العصابات المسلحة اليهودية التي عملت في فلسطين) في عامي 9148 و1949 أن ينفذ قرار التقسيم – قرار الجمعية العامة رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 - بالقوة المسلحة، بل أن يوسع من مساحة الأرض التي بحوزته من نحو 6% من مساحة فلسطين إلى نحو 77%، وأن يدمر أكثر من 400 قرية فلسطينية من أصل نحو 518 قرية تم احتلالها.

لقد أدرك قادة الحركة الصهيونية أنه لا يمكن تطبيق قرار التقسيم إلا بالقوة المسلحة، إذ كيف يمكن للجماعات اليهودية وهم وقتذاك لا يملكون إلا 6% من مساحة فلسطين أن يقيموا دولة على مساحة 55.5% (ويشكل العرب أغلبية سكانها أيضاً) كما جاء في قرار التقسيم.

إذا حدث هذا – ولكي لا يُضيع العرب الفرصة المزعومة - كان على عرب فلسطين عام 1947 التنازل عن نحو 49.5% من مساحة فلسطين لكي يتم تنفيذ قرار التقسيم بلا حرب، وهذه هي المساحة التي تمثل الفارق بين ما كان تحت سيطرة اليهود فعلاً وبين ما أعطاه قرار التقسيم لهم.

لقد كان هدف حرب 1948، في واقع الأمر، هو توسيع السيطرة اليهودية وليس رفض العرب وعدم قبولهم قرار التقسيم ومهاجمتهم الدولة الوليدة كما روجت آلة الدعاية الصهيونية ويردد العرب الذين يدعون الحكمة بأثر رجعي.

وقد أثبتت الوقائع على الأرض ذلك، فقد احتلت العصابات الصهيونية قبل 15 مايو 1948 جزءاً من الأراضي التي خصصها قرار التقسيم للدولة العربية (نحو 43% من مساحة فلسطين، من ضمنها مدن مثل يافا وعكا) كما احتلت أجزاءً من الأراضي المخصصة للقدس المُدولة في قرار التقسيم، وفي كتابات الصهاينة أنفسهم ما يُثبت أن القوات الصهيونية هي التي هاجمت واحتلت مدناً وقرى عربية خلال الفترة من قرار التقسيم الصادر في 29/11/1947 وحتى إعلان الدولة في 15/5/1948 وبدء دخول الجيوش العربية فلسطين.

وتكفي الإشارة، هنا، إلى ما قاله ديفيد بن غوريون أمام تجمع صهيوني في 12/12/1948 بافتخار أنه ما إن بدأ شهر أبريل عام 1948 حتى تحولت ما أسماه "حرب التحرير" من دفاع إلى هجوم.

رابعاً: إن أي دارس مدقق لجوهر الحركة الصهيونية يدرك جيداً أن الصهيونية أدركت أن الاعتراف بالحقوق الوطنية لشعب فلسطين معناه القضاء على أساس جوهري من الأسس التي قامت عليها الصهيونية ذاتها، وهي أن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

ولهذا كانت الحركة الصهيونية أول من رفع لاءات ثلاثة هي "لا اعتراف، ولا تفاوض، ولا سلام مع الفلسطينيين" ولهذا فتحت قنوات حوار مع كافة الأطراف ماعد الفلسطينيين.

وسارت إسرائيل على نفس النهج، فظلت حتى نهاية الثمانينيات ترفض حل المشكلة على أساس الإعتراف المتبادل، وترفض قراري مجلس الأمن 242 و338، وتطالب العرب بالاعتراف بها والتخلي عن الكفاح المسلح.

ولعل عدم اعتراف رئيسة الوزراء جولدا مائير بوجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني من أساسه لأقوى دليل على تلك الاستراتيجية، كما أن كل مشاريع التسوية التي قدمها ساسة إسرائيل وقادة جيشها – لإظهار دولتهم في صورة الدولة الداعية للسلام - لا تعترف بالطرف الفلسطيني ولا بحقه في تقرير مصيره، ولا تقضي بإزالة المستوطنات ولا بعودة اللاجئين، وتمنع طرح مسألة القدس للنقاش.

خامساً: السمة العنصرية للدولة العبرية تضيف بعداً آخرا في مسألة التفاوض مع الآخر. فهل كان في مقدور عرب ما بعد 1948 أن يتفاوضوا مع "دولة" شهدت منذ اليوم الأول لها أمرين لا يدركهما الكثيرون، وهما:
1- إعلان وثيقة "إعلان دولة إسرائيل" أن الدولة ستكون "مفتوحة أمام هجرة يهود العالم". وهناك بالطبع تناقض واضح بين هذا وبين النص على المساواة التامة بين جميع مواطنيها. وقد أكد هذا قانونا العودة (1950) والجنسية (1951) – وهما قانونان ليس لهما مثيل في عالمنا المعاصر - إذ يسمحان لأي يهودي في العالم الهجرة إلى "إسرائيل" والحصول على جنسيتها. وقد نضجت الظروف عام 2004 حينما وضع شارون شرط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية وأيده بوش في خطابه في 14 أبريل 2004 فيما سمي رسالة التطمينات. وظل هذا الشرط يتكرر في الخطاب الإسرائيلي من ذلك التاريخ حتى مؤتمر أنابولس، وهو يعني رفض مناقشة مسألة اللاجئين، بل طرد مليون ونصف المليون من الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل.

2- إن إسرائيل لم تحدد لنفسها حدوداً جغرافية، وهذا أمر يتعارض مع يجمع عليه فقهاء القانون العام وعلماء السياسة من أن لتحديد إقليم الدولة أهمية كبرى، حيث ترتبط سيادة الدولة بإقليمها. ولعل هذا ما يفسر الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية الإسرائيلية، المتمثل في التوسع الخارجي والهجوم على كل القوى التي تتحدى الدولة بجيش سُمى جيش "الدفاع" الإسرائيلي، وبدعم من الولايات المتحدة التي تصور نفسها كمدافع أول عن قيم "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان".

سادساً: لكن لماذا اعترفت اسرائيل بوجود شعب فلسطين وبمنظمة التحرير كممثل لهذا الشعب خلال مرحلة أوسلو؟ هناك عوامل كثيرة لهذا ليس أبرزها اختلاف صورة النسق الدولي بعد انهيار الإتحاد السوفيتي أو تنازل الإسرائيليين أو نوايا رابين السلمية كما قد يتبادر إلى الذهن.

إنّ هدف إسرائيل، منذ نشأتها، كان التفرغ لبناء قوتها العسكرية بالإعتماد على قوى دولية – فرنسا وبريطانيا في البداية ثم أمريكا – ثم تحييد الدول العربية باتفاقيات سلام منفردة حتى يأتي اليوم الذي تفرض فيه "السلام" الذي تريده، أي فرض إرادتها هي على الفلسطينيين وقد خسروا الأرض في الداخل والدعم العربي من الخارج.

وهنا كانت أوسلو – بعد أن كان النظام العربي قد تصدع بعد تدمير العراق- لتصفية ما تبقى وإدخال الفلسطينيين إلى نفق مظلم من المفاوضات المطولة مع دعم أمريكي واضح للإسرائيليين ووسط عمليات بناء محمومة للمستوطنات والطرق الإلتفافية. ولم يكن هذا بالأمر الغريب على الحركة الصهيونية (التي هي حركة استعمارية في الأساس)، فقد نفّذ الأوروبيون الإستراتيجية نفسها في مواجهتهم لأصحاب البلاد الأصليين فيما سُمي "أمريكا" أي استراتيجية (عدم الاعتراف بالآخر وسياسة الإبادة)، وكذلك فعل البيض مع السود في جنوب أفريقيا.

واليوم تتحدث إسرائيل عن حل عنصري، تطهيري، ليس على حساب اللاجئين فقط وإنما أيضاً عرب فلسطين 1948 وعرب الضفة والقطاع، وتريد من العرب عدم تضييع الفرصة التاريخية.

وهذا الحل يقوم على تحقيق أهداف ديموغرافية تسيطر إسرائيل عن طريقها على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية بأقل عدد ممكن من السكان العرب، وذلك من خلال: إنشاء دولة فلسطينية على أقل مساحة ممكنة من الأرض وأكبر عدد من السكان الفلسطينيين، وبشرط أن تكون منزوعة السلاح وبلا سيادة، وبدون التخلي عن المستوطنات ولا القدس، وفي ظل وجود جدار للفصل العنصري الذي سيفصل، بمفرده، نحو 9.5 في المائة من أراضي الضفة ويضمها إلى إسرائيل حسب تقرير لمنظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية في عام 2005م، ويتم كل هذا بعد أن يتم تبادل أراضي بين الطرفين على وضع تضم معه إسرائيل أراض، من الأراضي التي احتلت عام 1967، بها مستوطنات يهودية إلى إسرائيل، التي ليس لها حدود معينة، مقابل ضم أراض من إسرائيل يعيش فيها مئات الآلاف من عرب فلسطين 1948م.

ليس هناك من فرص ضائعة مع الإسرائيليين، وإنْ كان هناك من فرص تضيع فهي على الجانب العربي، مع الحكومات العربية مع بعضها البعض وفي مواجهة الحق الفلسطيني، وذلك بإستمرار تشرذمها وعدم اتفاقها على حد أدنى من المصالح العربية المشتركة. وهناك فرص ضائعة على الجانب الفلسطيني، تظهر في الطريقة التي تتعامل بها الفصائل الفلسطينية مع بعضها البعض وفي الانقسام والصراع الدائر بينها!

· قسم العلوم السياسية – جامعة الإسكندرية.

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2705&Itemid=1