تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القرصنة البيولوجية



أم ورقة
05-16-2008, 05:24 PM
القرصنة البيولوجية: حين تصطاد الشركات المعرفة المحلية

تلحظ معظم حكومات الدول النامية في تركيبتها إدارات لحماية حقوق الملكية الفكرية أكثر مما تلحظ إدارات لحماية حقوق المستهلك. وبما أن حقوق الملكية الفكرية تمثّل حجر الزاوية للمنظمة العالمية للتجارة، ولمختلف الاتفاقيات التجارية الثنائية والإقليمية، تمارس الدول الغنية وذات النفوذ ضغطاً على هذه الدول الفقيرة أو التي هي في طور النمو، للدفع بها نحو تطبيق القوانين وتنظيم مكافحتها للقرصنة.
إلا أن الكثير من الناشطين والأكاديميين يرون أن الدول الغنية هي من يمارس القرصنة فعلياً، وخصوصاً في مجال الزراعة، في ما يتعلّق بالمادة الوراثية، وتحديداً بذور النباتات التي تعود ملكيتها في الأصل إلى مزارعي الدول الفقيرة.
فالبذور تمثّل أساس المنظومة الزراعية والمحافظة على أفضلها عاماً بعد عام، يتيح للمزارعين انتقاء أصناف المزروعات الأكثر تأقلماً مع البيئة المحيطة وتطويرها. تصبح هذه البذور مع الوقت جزءاً من المعرفة المحلية الأصلية، وتعود بالتالي ملكيتها الفكرية للمزارعين.
تعتمد كبريات الشركات أسلوباً موحّداً في آلية تطويرها أنواعاً جديدة من البذور التجارية: يحددون المشكلة المطلوب مواجهتها (الجفاف، الأمراض أو الحشرات المؤذية، النمو البطيء للنبتة وتفاعلها مع الأسمدة..)، ثم يبحثون على بذور متأصلة من مختلف المناطق والبلدان تكون فيها المشكلة التي حُدّدت متفشية، وبالتالي يكون المزارعون قد اعتمدوا بعد طول التجربة أكثر أشكال البذور مقاومة لها.
تحصل هذه الشركات على البذور من المزارعين، تطوّرها وتهجّنها ثم تسوقها وتبيعها لهم مجدداً من دون مشاركتهم أرباح بيعها. لهذه الممارسة اسم علمي واضح: القرصنة البيولوجية. وهي تطبّق بثبات وبمنهجية من قبل شركات البذور العالمية وبعض مؤسسات البحث العلمي.
إلا أن القرصنة البيولوجية ليست المشكلة الوحيدة المتعلقة بالبذور الجديدة والمحسنة. فهذه البذور غالباً ما تنتج محصولاً أعلى من محاصيل البذور الأم، وتتجاوب بشكل أفضل مع المياه والأسمدة الزراعية فتستهلك نسباً أعلى منها. بذلك تكون زراعتها مشروطة باستخدام كميات أعلى من المياه والأسمدة الكيماوية التي لا يمتلك صغار المزارعين توفير أثمانها، فتصبح هذه البذور حكراً على المزارعين الأغنياء الذين يملكون الرساميل المطلوبة لتأمينها.
بالإضافة إلى ذلك، لا تستعمل هذه البذور المهجنة إلا لموسم واحد فقط، لأنها تفقد خصائصها إذا ما حفظت وزرعت مجدداً، مما يمنع المزارعين من الاحتفاظ بها سنة تلو الأخرى. هذا الوضع يجعل المزارعين يرتهنون للمؤسسات التجارية الزراعية التي تبيعها لهم: فعليهم أن يعيدوا شراء هذه البذور موسماً بعد الآخر من الشركات المنتجة لها.
تزيد متطلبات زراعة هذه البذور من الأسمدة والمياه من الكلفة الاقتصادية لزراعتها، ما يؤدي بالكثير من المزارعين الصغار إلى الإفلاس ويدفع بهم إلى إقفال مزارعهم ووقف باب رزقهم.
خلال السنوات العشر الماضية، انتحر 120 ألف مزارع في الهند، وعزي أمر انتحارهم إلى عدم قدرتهم على تحصيل رؤوس الأموال أو الاستثمارات الضرورية للحفاظ على إنتاجهم الزراعي، في حين اختفت بذورهم الأصلية وسلبهم كبار المزارعين أراضيهم التي زرعت بكثافة ببذور اشتراها هؤلاء من الشركات العالمية.
تستطيع الحكومات، في إطار الحؤول دون تحوّل المزارعين إلى رهائن في أيدي الشركات الكبرى، أن تعمد إلى دعم مؤسساتها في مجال الأبحاث والتطوير والتنمية، في إنتاج بذور محسنة توزّعها مجاناً على المزارعين الصغار. فالمزارع هو من يمتلك حق ملكية هذه البذور في الأساس، ويساهم في المال العام الذي يموّل تطويرها.
إن إبقاء الأنواع والمحاصيل التقليدية على قيد الحياة عبر حماية البذور القديمة هو أمر في غاية الأهمية، ولذلك لأسباب عديدة، أهمها أن البذور القديمة تتميّز بعدم تجانسها وبالتالي تحافظ على التنوع البيولوجي في البيئة المحلية، بينما تقلّص البذور الجديدة المتجانسة في تركيبتها الجينية من هذا التنوع. وهناك خطر من أن يؤدي تجانس أصناف المحاصيل إلى انقراضها الكامل عند إصابتها بآفة أو بمرض ما. أما الأصناف المتنوعة، فيرفع عدم تجانسها من حظوظها في البقاء.
لكن حكومات العالم الثالث لا تبالي بخطورة هذا الوضع الذي يفتك بالمزارعين الصغار، بل بالعكس، تعمل على تفاقمها. ففي لبنان وبعض الدول العربية كما في الهند، تخطط هذه الحكومات لاستبدال صغار المنتجين وزراعاتهم المحلية بالاستثمارات الزراعية الكبيرة شبه الصناعية التي لا تقتصر أضرارها على المجتمع الريفي اقتصادياً واجتماعياً، بل تؤثر أيضاً بشكل سلبي على البيئة وتؤدي في نهاية الأمر إلى القضاء على المعرفة المحلية التي كوّنها صغار المزارعين عبر آلاف السنين.
ر.ز


عدد الجمعة ١٦ أيار ٢٠٠٨

سـمـاح
05-16-2008, 05:27 PM
هذه احدى اخطار المحاصيل المعدلة جينياً والتي لا يهتم لها الناس كثيراً