تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العراق: مقابر جماعية ولا بواكي له



من هناك
05-03-2008, 04:24 PM
غزت الولايات المتحدة العراق متحدية الإرادة الدولية ومستهينة بها, تحت ذريعة تفكيك أسلحة الدمار الشامل عبر أدلة زورتها وفبركتها. ولما ظهر زيف الادعاءات الأمريكية وانفضحت أكاذيبها تم نقل الاهتمام إلى مسألة انتهاكات النظام العراقي لحقوق الإنسان وتم فتح ملفات قديمة مثل مسألة حلبجة رغم أنها وقعت في وقت كانت العلاقات فيه بين النظام العراقي والولايات المتحدة طيبة وحسنة. مسألة القبور الجماعية والتي زُعم اكتشافها في العراق كانت بمثابة الفرصة الكبيرة للإدارة الأمريكية لتبرهن على صوابية قرارها باحتلال العراق و"تحريره". حيث تم التركيز إعلاميا على تلك القبور واحتلت صدارة الأخبار العالمية لأيام عديدة ونقلت صور النواح والبكاء من أسر الضحايا وعائلاتهم. وعلى الرغم من أن بعض المراقبين أشار إلى أن بعض ضحايا تلك القبور هم من قتلى حرب الخليج الأولى في مطلع التسعينات حين قصفت القوات الأمريكية جموع الجنود العراقيين المنسحبين من الكويت, إلا إن تلك الأصوات اختفت في زوبعة الضجيج الإعلامي والذي ضاعت معه تساؤلات منطقية عن اكتشاف هويات واضحة المعالم لضحايا في تلك القبور الجماعية رغم مرور سنوات طوال عليها جعلت من العظام رميما.


أخبار الكشف عن المقابر الجماعية الضخمة في المحمودية والتي وصفت بأنها الأكبر في التاريخ المعاصر حسب بيان هيئة علماء المسلمين في العراق, لم تلق من الاهتمام والعناية الإعلامية والسياسية الدولية ما تستحقه. بيان هيئة علماء المسلمين ذهب إلى أن خروج مسألة المقابر الجماعية للعلن يأتي في إطار كشف الأوراق وظهور الخلافات بين الحكومة والميليشيات الصدرية, وبعد أن تم طرد المسلحين من تلك المناطق بعد العمليات العسكرية الأخيرة بين الحكومة الحالية ومن تسميهم بالجماعات الخارجة على القانون.


هيئة علماء المسلمين في بيانها ونقلا عن شهادات أهالي المنطقة أشارت بأصابع الاتهام في مسألة المقابر الجماعية إلى منتسبين في قوات الحرس الحكومي والشرطة والمليشيات التابعة للأحزاب الحاكمة والمسيطرة على تلك المنطقة. الهيئة اتهمت القوات الأمريكية بالتواطؤ مع القتلة من خلال عمليات الدهم التي كانت تقوم بها على أوكارهم، فيتم إلقاء القبض عليهم وبعد ساعات يطلق سراحهم بحجة عدم وجود أدلة.


حكومة المالكي والتي أعلنت كعادتها تشكيل لجنة للتحقيق في مقابر المحمودية, ربما لتستخدمها كأداة ضغط على ميلشيات جيش المهدي في سعيها لتطويق نفوذها والحد منه. جدية الحكومة العراقية في الكشف عن حقائق القتل الطائفي موضع شكوك كبيرة!! فعلاوة على تورط أجهزة حكومية في الكثير من التجاوزات, فقد صدر قرار قضائي في شهر مارس الماضي بإسقاط التهم عن مسؤولين كبيرين في التيار الصدري في وزارة الصحة هما حاكم الزاملي واللواء حامد الشمري واللذان كانا قد اتهما بالقتل الطائفي واستغلال سيارات وقوات تابعة لوزارة الصحة لتنفيذ عمليات قتل واختطاف بحق مرضى وأطباء وموظفين سنة. الإدعاء قال إن المحكمة قررت لنقص الأدلة الكافية عدم المضي في المحاكمة بعد أن رفضت الحكومة توفير الحماية للشهود والذين تعرضوا لتهديدات بالقتل.


حتى لو تغاضينا عن اتهامات هيئة علماء المسلمين عن تواطؤ قوات الاحتلال الأمريكية مع الجناة والقتلة, فإن تلك القوات تتحمل مسؤولية قانونية عن الجرائم والمجازر التي وقعت وما تزال في العراق كونها ملزمة بحماية المدنيين زمن الاحتلال كما ينص القانون الدولي, ثم أن تلك الميلشيات –ولو افترضنا براءة القوات الحكومية- تكونت وتأسست أمام الاحتلال وعلى عينه, لتشجيع عملية التفتيت الطائفي في العراق.


الاهتمام الأمريكي الباهت سياسيا وإعلاميا بمسألة القبور الجماعية في المحمودية والتي كانت من إفرازات الاحتلال ونتائجه إن لم نقل من برامجه, لا يقارن بحال بالاهتمام في المقابر الجماعية المنسوبة للنظام السابق في بدايات الاحتلال للعراق. الحديث الانتقائي والموسمي عن حقوق الإنسان واستخدامه كأداة ضغط ووسيلة دعائية لتحقيق مآرب سياسية هو برأيي واحد من أسوأ الانتهاكات لحقوق الإنسان.

ياسر سعد