تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لنبدأ من هنا أخي هنا الحقيقة !



طرابلسي
05-01-2008, 05:46 PM
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله



معذرة اخي الفاضل هنا الحقيقة على هذا الرابط الجديد

لا لنكمل بل لنبدأ من _هنا _ ما لم نتفق عليه من قبل فما كان في الرابط السابق سوى ردود أكثرها لا يدخل في أصل الموضوع .إلا ما قد أرفق في الصفحة السابعة على وجه التحديد

لذا أحبب أن يكون الرابط _هذا _ خاليا من المداخلات الجانبية وليكن تركيزنا على النقطة المثارة في أصل الموضوع ولنمكل من الصفحة السابعة فقط حتى لا يتشتت القارئ من المداخلات الجانبية خشية أن لا يصل إلى النتيجة المرجوة من هكذا حوارات

وقبل البدء أود بيان مسئلة مهمة أبيّن فيها الغاية المرتجاة من هذا الحوار

بعيدا عن العصبية والاستفزازات التي لا تخدم الحوار فتنحرف به عن مساره الصحيح وإن كنت لا أمانع ببعض النكد في غير هكذا مواضيع لذا لا نريد شخصنة وحظوظ نفس (هنا ) لمعرفتي أنها محبطات للعمل وتبعاتها خطيرة

عند الله جل في علاه

بالإضافة إلى ليّ أعناق النصوص والأقوال ليوافق مذهب قائله ولو على حساب الثوابت إرضاء لنفسه لا لربه ولو لّبس إبليس النية عليه فأوهمه أن عمله لله وهو غير ذلك فليكن لإحقاق الحق نصيب من لقبك الجميل



واعلم رحمك الله أنه يوجد في المنتديات عشرات الآلاف من النقاشات حول هذه المسئلة وما وصلت الحوارات إلى نتيجة قطعية مفيدة لاتباعهم هكذا منهجية عنجهية و لما تحمله من انتصار للرأي وتشعب بالردود والتكرار

لذا تجدني مقلا في ردودي في بضع كلمات لمعرفتي أنها تغني عن إنشائيات طويلة مما يفيد الاختصار بما قل ودل .... لكن وللأسف بدأت الأفهام تختلط عليك فتفسر المجمل من كلامي بعدم الوضوح مع ظني أن طالب علم مثلك يفهم سريعا مغزى كلامي عدا عن العامي مما سيضطرني إلى تفنيد كل شبهاتك المثارة في تعقيبك الأخير على أن لا تعود لمثله بعد الآن ولنكمل من حيث انتهينا فلا أحب الجدال بما لا طائل تحته ولا يفيدنا بشيئ نحتسبه عند الله فلنجعل حب الشهرة والبروز لغير هكذا مواضيع فالأمر جلل والتلبيس بمثله كفر وإيمان فلنحذر ...


فأقول :

إن مسألة الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله لا يحتاج إلى استحلال أو جحود

فبمجرد استلام الحكم بغير ما أنزل الله تعالى أعتبر مبدلا ، فالتبديل استحلالٌ بنفسه فأصبح طاغوتا بنفسه وهو الذي أمرنا ربنا بالكفر به قبل إيماننا بالله

أما مسئلة تكفير المعين فلسنا بصدده فله حكمه العام أما هنا فله خصوصية قد لا تنطبق على عامة الناس بما قاموا به من معاصي دون استحلال أو جحود كشارب الخمر والزاني والمرابي ما لم يستحله فيتم الحكم عليه بعد انتفاء الموانع وعلى هذا التفريق سأعمل لاحقا إن شاء الله

ولسنا بصدد تكفير الحاكم بعينه لأنه حاكما بل لما حمله من كفر فإن اختلفنا حول كفر الحاكم كما هو حاصل في جميع المنتديات فهل اتفقنا على كفر الأنظمة العاملة فينا اليوم !!!!!

لا أخالك تخالفني ولا احد ممن يقرأ كلامنا هذا حتى ولو سألت أحد العامة لقال لك انظمتنا كافرة ؟؟!


إذن الحاكم بذاته غير معني بشخصه بل نحن المعنيون لما سيترتب عليه من تبعات تفيد الممانعة لهكذا أنظمة لتحصيل الإيمان الصحيح بالله العظيم امتثالا لأمره تعالى بقوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله )مع التحفظ على الخروج في حال الاستضعاف وعدم تهيئ المجتمع الصالح الذي على أساسه تقوم المجتمعات المؤمنة وبعدئذ نقول معذرتنا إلى ربنا لعلهم يرجعون ...
مع يقيني أن المجتمعات اليوم تحتاج إلى إعادة تأهيل من جديد على كلمة التوحيد

لا إله إلا الله محمد رسول الله

حقا وصدقا

قولا وعملا




وبعد هذا التوضيح والبيان سأرد على شبهاتك المثارة والتي لا تخدم سوى مذهب الإرجاء وزعيمهم الجهم بن صفوان والله المستعان



فانتظر قليلا بارك الله فيك فلست هذه الأيام بمزاج يسمح لي المتابعة الطويلة والدقيقة في آن معا



يتبع ...... لاحقا في الرد على شبهاتك التي أثرتها بالصفحة السابعة من هذا الرابط ... الرئيس في هذا الموضوع ليكون مرجعا لما سبق
http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=29309&page=7



والله من وراء القصد

هنا الحقيقه
05-01-2008, 08:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الطرابلسي لنكن واضحين من بداية الحوار الذي تريد ان تبدأه هنا مع تحفظي على انتقاله رغم اني لا اعرف السبب أو الغاية منه وان وافقت على نقاشنا هنا فهذا لا يمنع بارك الله بك ان استمر في طرح وجهة نظري هناك سواء ان كان لك نصيب في الحوار أم لا فعندما فتحت الموضوع هناك ما كان في خاطري الحوار الثنائي أو المناظرة وغيرها انما كان همي اثبات على الرغم من قناعتي من خلال دراستي للمسألة ان القوانين الوضعية هي كفر اكبر بلا شك عندي وهذا ما بينته لك بارك الله بك من
اول مشاركات بيننا وهذا لا خلاف عليه معك أو مع احد
الا اني قلبت الامر من عدة فوقعت في مظنة تكفيره تكفير عيني او تكفير فعلي

وهذا ما هو مقرر عند اهل السنة

فاما التكفير العيني فاصطدمت بالاستحلال والجحود وموانع التكفير كلها فسكت عنها ورأيت اقوال جمهرة العلماء واولهم بن تيمية وقوله في التتار واسقاط فتواه أو الاجماع في زمنه على اليوم فلم استطع أن استريح الى تكفير الحاكم أو الخروج عليه لما يترتب من علل كثيرة ومنها اني وجدت أن الولاية والبيعة والسمع والطاعة في الاسلام للامير والوالي (ولي الأمر ) وليس للنظام فان الخروج على الوالي يستوجب تكفيره وتكفير الوالي لا يكون الا عيني والتكفير العيني يقع في حالة انتفاء موانع التكفير وموانع التكفير تقع في مظنة التبليغ والتاويل ومدتة وغيرها من قيام الحجة ولهذا ما استطعت ان اقفز هكذا كما لم يستطع ابن تيمية ان يفعلها مع التتار
فرايت ان اكفره على وجه التكفير الفعلي
فاحصيت الاقوال والادلة والاراء وماذهب اليه اهل العلم فلم اجد قول او فعل لي فيه سلف بتكفير الحاكم لقيامه بفعل مكفر لم اجد ولا حالة واحد قام بها السلف واجمعوا عليها

فانتقلت الى العصور والقرون المتاخرة فوقفت على فتوى بن تيمية بقتال التتار فحررت نهج بن تيمية في قتال التتار فرايت انه اصل لهم تاصيلين أولهما جنسهما من جنس الخوارج
وثانيهما كفرهم (والتكفير فيه تفصيل يرجى الانتباه) بعدما اقام عليهم الحجة وثبت بالبرهان انهم استحلوا وجحدوا وانتفت موانع التكفير فيهم

وهذا الامر قلة من يعرفه حسب علمي او ربما عرفوه ولكنهم اتفقوا عليه فلم يتطرقوا اليه لانه معلوم بالضرورة كما هو واضح لمن تتبع اقوال بن تيمية في التتار

وعليه فاني لم اجد أن الحكم بالانظمة الكافرة هي مكفره للحاكم
أو مكفرة لمن يعمل بها غير مستحل او جاحد أو لم تقام عليه موانع التكفير سواء جملة او تفصيل

فان قال قائل هذه مثل تلك بل اعظم فنقول اي هذه واي تلك
فيقول ابن تيمية كفر التتار جملة لانهم حكموا بالياسا وقاتلهم على هذا نقول له
ليس كلامك صحيح مئة بالمئة والكلام في تفصيل
علما اننا لن نستعمل لي النصوص ولا نجحد امام الدليل ولا نبخس الناس اشياءها

فاما التفصيل فسوف اضعه عندما تضع ادلتك لاني والله شاهد أغلب ظني أعلم بماذا سوف تأتيني وبماذا سوف تستشهد وكاني بابن تيمية عندما اعطى مدة مقدارها عشر سنين لمخالفيه ان يجلبوا اية في الصفات قال فيها السلف تاويلا وجاءوه بعد مدة وقبل ان يتكلموا قال لهم انكم جلبتم الاية كذا فبهتوا فردهم

وكاني اعلم انك سوف تجلب النصوص مع الادلة وكاني سوف اقول لك ما قاله ابن تيمية :)

فيا أخي الحبيب لك الوقت الكافي والزمن الطويل اجمع ادلتك او ابحث عنها او اكمل شغلك وعملك فاني اعلم انك ما تتغيب لضعف حجة ولا لهروب والعياذ بالله انما لشغل شغلك او طارئ الم بك فاذهب واقضيه عسى الله ان يقضيه عنك وانا ان شاء الله هنا بانتظارك


ولهذا أخي الفاضل اولا دعني اوضح لك أين ينطلق كلامنا وأين يكون تاصيلنا

اما الان فعليك ان تثبت ان تكفير الحاكم الذي يتبعه الخروج عليه في حالة توفر القوة والنصر ليس لعينه انما لانه حكم بالقوانين الوضعيه او فعل أو أمر امر كفر
عليك ان تثبته بالكتاب والسنة والاجماع والقياس الصحيح

وانا الواجب عليّ ان اضع الادلة التي تفيد ان التكفير يكون تكفير الحاكم عيني وليس فقط ان فعل فعل مكفر ويجب ان التزم بكتاب الله وسنته والاجماع والقياس الصحيح

فان ظهرت ادلتك على ادلتي كان القول قولك فنذهب ونرى هل فعل الحاكم مكفر ام غير مكفر

فتجلب ادلتك التي تفيد بالتكفير من كتاب الله والسنة والاجماع والقياس الصحيح

وانا اجلب ادلتي بان الفعل الكفر لا يجوز الخروج على الحاكم حتى لو كان هناك قوة وشوكة
من الكتاب والسنة والاجماع والقياس الصحيح


هذا الحوار وعلى هذا يكون التاصيل وليس ما ذهبت اليه فان احببت ان تحاور هكذا بسياسة الخطوة خطوة والنقطة نقطة فلا نفارقها حتى نستوفيها ويظهر احد الدليلين كان بها
واما فلا
اما ان كنت تريد ان تاخذ الامر بالمجمل هكذا ولا تفصل وتقول انا تكلمت بالمجمل لانك طالب علم وظني انك فهمتني
قلت : اولا نحن نتدارس ولكن هناك من يقرأ من العوام ولبسطاء فالاجمال لا نفع ولا يؤتي اكله

وحتى لو كان يفهم من الغير فالمجمل هنا لا ينفع ولا يفيد خصوصا ان المجمل هنا له عدة اوجه كما هو الواضح عندما استفسرت منك على بعض الاقوال لان المجمل خطير جدا ولا اريد ان نقع في فخ المجمل
ولا اعلم لما الكلام في المجمل ونحن نستطيع ان نفصل ؟!

اما ان يبدا كلامنا من الصفحة السابعة فأقول اخي الفاضل انا اختلف معك
فالسابعة انما هي مطر غيم الاولى والثانية والثالثة والى اخره
فاما ناخذ الموضوع كله واما ان نتركه كله

فان اردت ان ناخذ الموضوع كله فيكون حوارنا هناك
وان اردت ان نتركه كله فلا مانع لدي على المسائل التي وضعتها هنا فنأخذها واحدة واحدة ونضع ادلتنا ونرى ايها ظهر لدينا

هذا ان اردنا ان نصل للحقيقة وليس انتصار لمذهب معين ومنهج معين وتصديقا لكلامك الجميل في ردك رقم واحد من هذا الموضوع فما هو رايك ؟

المسألة الاولى
1: تكفير الحاكم الذي يستحق ان يخرج عليه ان توفرت القوة والشوكة سواء كان جاء بالبيعة او بالتغلب يكون تكفير عيني أم فعلي

في حالة ظهر التكفير عيني أو فعلي

تكون المسألة الثانية
2: هل استوفت الموانع في حالة التكفير العيني ام لا لتكفير الحاكم الذي يخرج عليه في حالة توفر القوة والشوكة

3: في حالة التكفير الفعلي هل لا يشترط انتفاء الموانع ام لا ؟

الادلة تكون من كتاب الله وسنة نبيه والاجماع والقياس الصحيح

هذه هي المسائل اخي الطرابلسي لمن يبحث عن الحق والحقيقة ولا يهم كم تأخذ وقت لكن المهم ان نصل للحقيقه وان يفهم القارئ اين الحق والتخلص من الذين يكفرون بغير علم ومن المرجئة الذي هونوا الامور حتى صار الكافر لا يكفر ابدا

بانتظار ردك

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الله بوراي
05-01-2008, 09:00 PM
تسجيل

مُتابعة

عبدالله

أبو مُحمد
05-01-2008, 09:07 PM
السلام عليكما ورحمة الله وبركاته ..
الاخ هنا الحقيقة والاخ طرابلسي :

يا اخوتي لدي أسئلة ساذجة تدور في بالي وأرجو منكم أن تجيبونا عليها قبل ان تستمروا وان رايتم انها سابقة لاوانها وانا ارى غير ذلك فلكم ان تهملوها وجزاكم الله عنا خيرا.

من الحكام "حكاما كانوا او انظمة" الذين تتحدثون عنهم ؟
وكم عددهم !؟ وهل لفظ ولي الامر المقصود به هؤلاء الذين يحكموننا اليوم والذين نعلم ان كلا منهم هو ولي امر وخليفة وامير للمؤمنين وغيره ولكل بطانته التي تقول بهذا فقبل ان تفصلوا فيما أنتم عازمون عليه لخصوا لنا حالنا اليوم وحددوا لنا من النظام الذي تتحاورون حوله ؟


هذه مداخلة بسيطة ولن اتدخل ثانية وهذا وعد مني :) الا اذا طلبتم مني ذلك فانا حاضر بكل ما تأمروني به.


وأرى والله أعلم ان تنشؤوا صفحة للاسئلة لنا نحن كعوام ولنتقدم بأسئلتنا لكم والتي تحيرنا وأنتم تجيبون بارك الله فكيم.


والسلام علكيم

طرابلسي
05-01-2008, 09:39 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت أهّم بوضع تعقيبي هنا حول الشبهات التي أثرتها أخي الفاضل هنا الحقيقة
إلا انس سأحترمك رأيك وأرفقها تحت رابطك الأصلي لأني بصراحة أجدها لا تفيد في مثل تلك النقاط التي قمت بوضعها أنا هنا في هذا الرابط
وأما في الرد على كلامك هنا فإلى الغد إن شاء الله
فوالله كنت أنتظر دخول العشاء بفارغ الصبر للقيام إلى فراشي إلا أن سوء الظن من قبلي ربما جعلني أكابر وأرد على بعض شبهاتك التي أثرتها في الرابط السابق على أن أنهي ردي هناك ثم لن أعود إليه ثانية بل التكملة ستكون هنا حول نطاقتنا التي ذكرتها الآن فلا أريد تشعب الموضوع أكثر
أما أخونا البوراي حفظه الله أقول أرجو أن تكون المتابعة مقترنة بترجيح معتبر بين القلولين ولا اخالك إلا من أصحاب الفهم السليم
اما ردي على أبي محمد فأقول هذه النقطة أثرتها عدة مرات بالتفريق بين الحاكم الذي أصل حكمه شرع الله وبدل بحكم او اكثر بخلاف من بدل شرع الرحمن بالكامل وجعل تشريعه متبعا لدى الناس فذا حكمه لا يصح تكفيره ولا الخروج عليه
أما المبدل فتكفيره قربة إلى الله مع التحفظ على الخروج عليه لعدم المقدرة على ذلك ولا في جيلنا هذا لما هو معلوم من حال المجتمعات التي لا تعرف عن هذه المسئلة إلا القليل ولو أردنا أن نزيل الحاكم بالقوة لكان أول من سيصدنا عن ذلك هو الشعب بنفسه لخلل في تلقيه ومعرفته بأحكام الله
ولأن اكثرهم ابتعد أو انسلخ عن دينه ولم يتبقى لديه سوى الاسم للدلالة على أنه مسلم والله المستعان
تعبت كثيرا فإلى الغد إن شاء الله
معذرة ليس باستطاعتي قراءته مرة أخرى لأعالج الأخطاء المطبعية فاغضوا الطرف عنها بارك الله فيكم
وللحديث بقية إن شاء الله

طرابلسي
05-02-2008, 04:01 AM
انما كان همي اثبات على الرغم من قناعتي من خلال دراستي للمسألة ان القوانين الوضعية هي كفر اكبر بلا شك عندي وهذا ما بينته لك بارك الله بك من
اول مشاركات بيننا وهذا لا خلاف عليه معك أو مع احد
وعليه فاني لم اجد أن الحكم بالانظمة الكافرة هي مكفره للحاكم
أو مكفرة لمن يعمل بها غير مستحل او جاحد أو لم تقام عليه موانع التكفير سواء جملة او تفصيل





اما الان فعليك ان تثبت ان تكفير الحاكم الذي يتبعه الخروج عليه في حالة توفر القوة والنصر ليس لعينه انما لانه حكم بالقوانين الوضعيه او فعل أو أمر امر كفر
عليك ان تثبته بالكتاب والسنة والاجماع والقياس الصحيح

ما شاء الله تبارك الرحمن !
طيب انا أسألك سؤالا طالما أقررت بان أصل النظام الكفر أي حكم طاغوتي وان الحاكم لم يكفر بعينه لتبنيه الكفر إلا بعد انتفاء الموانع
فمنك نستفيد ما هو موقفك من الأنظمة العاملة اليوم التي تحكمنا بغير شرع الله ؟!!!
قد نصل إلى النهاية بإجابة واضحة وصريحة منك الآن على أن أكمل بمفردي لاحقا زيف قول أن الحاكم يشترط الاستحلال وانتفاء موانع
ولفرض أن هذا الحاكم استقال من منصبه فهل يتم الخروج على شخصه أم على نظامه ؟!!!
وهل شخص الحاكم هو الدستور بعينه حتى يصبح تبعا للحاكم ام العكس ؟!


معليش أجبني على هذه النقاط فقط فمنكم نستفيد !

طرابلسي
05-02-2008, 08:09 PM
***********************************

طرابلسي
05-02-2008, 08:13 PM
السلام عليكم ورحمة اله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله اما بعد :
فقد امتنع أخونا هنا الحقيقة في الرد بإقرار كفر الأنظمة طالما اختلفنا على عين الحاكم وما هو موقف المسلم الموحد اتجاهه أي النظام ومن والاه
لذا سأضطر بتفريغ كامل موضوعي القديم ( 2000) الذي دار الناقش حوله في موقع السلفيون بين ثلاثة الأخ المسلم وهو أحد كتابنا هنا والأخ عبد الحميد السلفي فرج الله كربه وأخوكم بالاضافة إلى بعض المشاركات من الأخ أبو عبد الرحمن الباشا في الرد على المخبر الجهني الذي كان ينافح عن ولي أمره وبما أن لدينا في موقعنا هذا امثال الجهني
أجد مناط التحرير متحقق في هذه المسئلة والرأي الأخير للقارئ فإنه وكما هو معلوم من شب على شيء شاب عليه ومن كان له حظ في نفسه لا يتنازل عنه ولو خالفته أمة الأرض جميعا لذا سأدرج المقال كاملا ليكون مرجعا مهما في مثل هكذا نازلة
ولنكون على بينة من ربنا ولعلهم يرجعون
واما من اختلفنا معه حول هذه المسئلة
فأقلها هل انتفقنا على كفر الأنظمة وما هو السبيل للبراءة منها !!!


بسم الله نبدأ
ذِكر الإجماع على كُفر الحكام بغير ما أنزل الله

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .



بيان أول ما وقع تبديل الشرع في المنتسبين إلى الإسلام. قد تبين مما ورد في سبب نزول قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، أن اليهود أعرضوا عن حكم الله تعالى برجم الزاني المحصن واخترعوا حكماً بديلاً عن ذلك وصار هذا الحكم المخترع هو القانون المعمول به بينهم.وفي المنتسـبين للإسـلام فـإن أول مـا وقـع هـذا كـان من التتار في أواخر القرن السابع الهجري كما قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله (أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوروبا الوثنية الملحدة؟ ــ إلى قوله ــ إن المسلمين لم يُبْلو بهذا قط ــ فيما نعلم من تاريخهم ــ إلا في ذلك العهد عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام)
(عمدة التفسير)4/173.



وهو كما قال. أمـا انتسـاب التتـار للإسـلام: فقـد وقـع هـذا بعد استيلائهم بقيادة هولاكو على بغداد عام 656 هـ وكانوا وثنيين، وأول من أسلم منهم هو السلطان أحمد بن هولاكو عام 680 هـ،
انظر كتاب (وثائق الحروب الصليبية والغزو المغولي) د. محمد ماهر حمادة، صـ 80، ط مؤسسة الرسالة، 1986م.
ويظهر ادعاؤهم الإسـلام من الاستفتـاءات الموجهـة بشأنهـم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ففي استفتاء منها ورد (ما تقول الفقهاء أئمة الدين في هؤلاء التتار الذين قدموا سنة تسع وتسعين وستمائة، وفعلوا مااشتهر من قتل المسلمين ــ إلى قولهم ــ وادعوا مع ذلك التمسك بالشهادتين وادعوا تحريم قتال مقاتلهم لما زعموا من اتباع أصل الإسلام)
(مجموع الفتاوى) 28/ 501 ــ 502،

وفي استفتاء آخر (ماتقول السادة العلماء.... في هؤلاء التتار الذين يَقْدِمون إلى الشام مرة بعد مرة، وتكلموا بالشهادتين، وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذي كانوا عليه في أول الأمر)
(مجموع الفتاوى) 28/ 509.



هذا من جهة انتسابهم للإسلام. وأما حكمهم بغير ماأنزل الله مع دعواهم الإسلام: فيبيّنه قول ابن تيمية في وصفه للتتار ضمن فتواه بشأنهم، حيث قال
(ولايلتزمون الحكم بينهم بحكم الله، بل يحكمون بأوضاع لهم توافق الإسلام تارة وتخالفه أخرى)
(مجموع الفتاوى) 28/ 505.

وقال ابن كثير
(وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم ســواه في قليــل ولاكثــير)
(تفسير ابن كثير) 2/ 67.
وجنكيز خان هو جَدّ هولاكو الذي استولى على بغداد.
وبعـد: فقـد كانـت هـذه هـى أول مــرة فيـما يُعــرف مـن تـاريـخ المسلـمـين أن ينـتسـب قـوم إلى الإســلام ويحكمون بغير شريعته. فهى نازلة من النوازل التي ليست لها سابقة، ومع ذلك فقد أفتى فيها ابن تيمية وابن كثير
ونقلا الإجماع على كفر من فعل ذلك.


1 ــ أما فتوى ابن تيمية، فهـي ما قاله رحمه الله ــ ضمن فتواه فـي شأن التتار ــ قال (ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب، كما قال تعالي: «إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)

ــ النساء 150 و 151 ــ) (مجموع الفتاوى) 28/ 524.

وفـي مواضـع أخرى من فتاويه نقل شيخ الإسلام الإجماع على كفر من حكم بالشرائع المتضمنة لتحليل الحرام أو تحريم الحلال أو إسقاط الأوامر والنواهي الشرعية، وهذه الصفات كلها تنطبق على القوانين المعاصرة،

ومن هذا قوله رحمه الله
(والإنسان متى حَلّل الحرام ــ المُجمع عليه ــ أو حرَّم الحلال ــ المجمع عليه ــ أو بدّل الشرع ــ المجمع عليه ــ كان كافراً باتفاق الفقهاء)
(مجموع الفتاوى) 3/ 267.

وقال أيضا (ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بَعَث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى)
(مجموع الفتاوى) 8/ 106.

ولشيخ الإسلام أقوال أخرى سننقلها في المسألة التالية إن شاء الله تعالى.2 ــ وأما فتوى ابن كثير التي ذكر فيها الإجماع على كفر من حكم بغير ماأنزل الله.
فقولـه (فمـن تـرك الشـرع المحكـم المنـزل علـى محمـد بن عبداللـه خـاتم الأنبيـاء وتحـاكـم إلـى غيـره مــن الشرائع المنسوخة كَفَر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كَفَر بإجماع المسلمين. قال الله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) وقال تعالى (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) (البداية والنهاية) 13/ 119،
ضمن أحداث عام 624هـ، عند ترجمته لجنكيز خان.


وفي مبحث آخر ذكر حُجِّية الإجماع، وأنه متى صح من جهة النقل ولم يُعلم له مخالف فهو حجة ملزمة، ولايجوز نسخه ولا تبديله، انظر (ارشاد الفحول) للشوكاني صـ 67 ــ 85، و(شرح التلويح على التنقيح) للتفتازاني 2/ 51.

وعلى هذا فالإجماع على كفر من حكم بغير ماأنزل الله ــ الذي نقله ابن تيمية وابن كثير ــ هو حجة مُلزِمة لنا، ودليل مستقل نعتمد عليه في الفتوى بكفر الحكام الحاكمين بالقوانين الوضعية. وإنما وقع الإجماع على حكم هذه المسألة في عصر ابن تيمية
(728 هـ) وابن كثير (774 هـ)
لأنه هذه المسألة وقعت في عصرهما ولم تقع قبله من الناحية التاريخية. ومثلها في ذلك كمسألة خَلْق القرآن التي وقعت في عصر أحمد بن حنبل فانعقد إجماع أهل السنة على حكمها (وأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن من قال إنه مخلوق فهو كافر) ولم ينقل هذا الحكم عن أحد من الصحابة إذ لم تقع المسألة في حياتهم فلم ينقل عن أحدٍ منهم قولٌ فيها.

طرابلسي
05-02-2008, 08:15 PM
تنبيه على فرق هام بين التتار وبين حكام اليوم)


زعـم بعـض المجـادلين عـن الحكـام الطواغيت أنه لا وجه لتطبيق فتاوى ابن تيمية وابن كثير في التتار على حكام اليوم لأن التتار وثنيون.

وهذه مغالطة فقد تبين لك مما سبق أن التتار دخلوا في الإسلام ولكنهم ظلوا يحكمون بغير شريعته، وهذه الأوصاف هى نفس أوصاف حكام اليوم، ولهذا فحكمهم كحكمهم، لأن حالهم كحالهم.

والحـق أن حكـام اليـوم أشـدُّ كفـراً وضـلالاً مـن التتار، وذلك لأن التتار مع استيلائهم على كثير من بلاد المسلمـين كخراسـان والعـراق والشـام أحـيانا فإنهـم لـم يفرضـوا على هـذه البـلاد الحـكم بقـانـونهم الوضعي (الياسق) وإنما تحاكموا به فيما بينهم وظل الحكم في المسلمين جاريا وفق أحكام الشريعة،

أما حكام اليوم فإنهم فرضوا على المسلمين الحكم بهذه القوانين الكافرة.

أمـا ما يبـيّن أن الحكـم بالياسـق ظـل محصـوراً في طائفـة التتـار لـم يتعداهم إلى سائر المسلمين، فيدل عليه قول ابن تيمية فيهم
(ولايلتزمون الحكم بينهم بحكم الله)

(مجموع الفتاوى) 28/ 505.

وقول ابن كثير
(وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق ــ إلى قوله ــ فصارت في بنيه شرعاً متبعاً)
(تفسير ابن كثير) 2/ 67.

فقول ابن تيمية (الحكم بينهم) وقول ابن كثير (فصارت في بنيه) يبين أن الحكم بالياسق كان في طائفة التتار فقط لم يفرضوه على المسلمين في البلاد التي استولوا عليها، وقد نبّه الشيخ أحمد شاكر على هذا الفرق بقوله

(أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير ــ في القرن الثامن ــ لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام «جنكيز خان»؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتي عليها الزمن سريعا، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ماصنعت. ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا وأشد ظلما وظلاما منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك «الياسق»)

(عمدة التفسير) 4/ 173 ــ 174.

وأمـا أن الحكـم بـين المسلمـين ظل جاريا وفق أحكام الإسلام في البلاد التي استولى عليها التتار، فيـدل عليه رسالة سلطان التتار قازان (أو غازان) إلى نائبه في حكم بلاد الشام سيف الدين قبجق، تلك الرسالة التي قرئت على منابر دمشق عام 699 هـ ــ وهى نفس السنة التي استفتي فيها ابن تيمية في شأنهم كما سبق قريبا ــ،
وفيها قال قازان (وعلى مَلِك الأمراء سيف الدين بتقوى الله في أحكامه، وخشيته في نقضه وإبرامه، وتعظيم الشرع وحُكّامه، وتنفيذ أقضية كل قاضٍ على قول إمامه، وليعتمد الجلوس للعدل والإنصاف، وأخذ حق المشروف من الأشراف، وليُقِم الحدود والقصاص على كل من وجبت عليه، وليكُفّ الكف العادية عن كل من يُتعدى عليه)

نقلا عن (وثائق الحروب الصليبية والغزو المغولي) د. محمد ماهر حمادة، صـ 403 ــ 406، ط مؤسسة الرسالة 1986 م.

وفي وصف أحوال تلك البلاد بعد استيلاء التتار عليها نقل صديق حسن خان (وأما البلاد التي عليها ولاة كفار فيجوز فيها أيضاً إقامة الجمعة والعيدين والقاضي قاض بتراضي المسلمين، إذ قد تقرر أن ببقاء شيء من العلة يبقى الحكم، وقد حكمنا بلا خلاف بأن هذه الديار قبل استيلاء التتار من ديار الإسلام، وبعد استيلائهم إعلان الآذان والجمع والجماعات والحكم بمقتضى الشرع والفتوى ذائع بلا نكير من ملوكهم) أهـ

(العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة) لصديق حسن، صـ 232، ط دار الكتب العلمية 1405
والحـاصـل: أن الحـكم بمقتـضى الشرع في بلاد المسلمين التي استولى عليها التتار ثابت تاريخيا، وهذا مما يبين لك أن حكام اليوم الذين يفرضون قوانين الكفار على المسلمين أشد كفراً وضلالا من التتار. وأن المناط الذي أفتي بموجبه بكفر التتار متحقق في المعاصرين بصورة أقوى ....

طرابلسي
05-02-2008, 08:19 PM
(قال ابن كثير رحمه الله )
(وقوله تعالى «ومـن لـم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» قال البراء ابن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبدالله والحسن البصري وغيرهم: نزلت في أهل الكتاب، زاد الحسن البصري وهى علينا واجبة.
وقـال عبدالـرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمة بها، رواه ابن جرير.
وقـال ابن جـرير أيضـا حدثنـا يعقـوب حدثنا هشيم أخبر عبدالملك بن أبي سلمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشْوة، فقال من السحت، قال فقالا وفي الحكم، قال: ذاك الكفر ثم تلا

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
وقال السدي (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) يقول ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أَقَرَّ به فهو ظالم فاسق، رواه ابن جرير ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب.
وقال عبدالرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعبي ومن لم يحكم بما أنزل الله قال للمسلمين.
وقـال ابن جريـر حدثـنا ابن المثنى حدثنا عبدالصمد حدثنا شعبة بن أبي السفر عن الشعبي (ومـن لـم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال هذا في المسلمين (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) قال هذا في اليهود (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) قال هذا في النصارى، وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي.
وقـال عبدالـرزاق أيضـا أخـبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله (ومــن لــم يحكم) الآية قال: هي به كفر، قال ابن طاوس: وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وقـال الثـوري عن ابن جريـج عن عطـاء أنـه قـال: كـفر دون كفـر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق، رواه ابن جرير.
وقال وكيع عن سعيد المكي عن طاوس (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: ليس بكفر ينقل عن الملة.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقري حدثنا سفيان عن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عيينة وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.) أهـ (تفسير ابن كثير) 2/ 61.
وما ورد بسائر التفاسير المتداولة لايختلف كثيراً عما ذكره ابن كثير هنا، وسوف ننقل ما نحتاج إليه من التفاسير الأخرى أثناء الشرح إن شاء الله.




وقـد سعـى البعـض في إبطــال الاحتجـاج بهـذه الآية علـى كفـر الحكـام المعاصـرين، ولهـم في ذلـك ثــلاث شبهات تعتمد كل منها على أقوال لبعض السلف وردت فيما ذكره ابن كثير وغيره من المفسرين وهذه الشبهــات الثــلاث هــى: قولهم إن الآية خاصة بأهل الكتاب لا المسلمين، وقولهم إن الكفر فيها هو الأصغر (كفر دون كفر)، وقولهم إنه لايُحمل على الكفر الأكبر إلا في حق الجاحد أو المستحل، فجعلوا هذا هو مناط التكفير في الآية.
وفيـما يلـي رد على هذه الشبهات وبيان الراجح والصواب في كل منها إن شاء الله، وسوف نعتمد في قدر كبير من الردود هنا على المقدمات المذكورة في المسألة الخامسة من هذا الموضوع، وقد أفردت هذه المقدمات بمسألة مستقلة حتى لا استطرد كثيراً أثناء الردود هنا في إقامة الأدلة على صحة هذه المقدمات، فإذا قلت في كلامي التالي: انظر المقدمة رقم كذا فالمراد بها ماذكرته في المسألة الخامسة.

طرابلسي
05-02-2008, 08:21 PM
شبهة: هل الآية خاصة بأهل الكتاب أم عامة يشمل حكمها المسلمين؟.








اختلفـت أقـوال الصحابـة والتابعـين في هـذه المسألة على قولين: فمنهم من قال نزلت في أهل الكتاب والكفار (كقول البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبي مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وقتادة والضحاك وعبيد الله بن عبدالله والحسن البصري وغيرهم)، ومنهم من قال إنها واجبة على المسلمين (كقول حذيفة بن اليمان والحسن البصري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي). ولم يقل إنها ليست في المسلمين إلا أبو صالح. انظر كلام ابن كثير السابق وكلام الطبري في تفسيره 6/ 252 ــ 255.






وقد ذكرت في المقدمة الثالثة أنه لاحجة في أقوال الصحابة مع اختلافها، ومع ذلك فلابد أن يكون الحق في أحد أقوالهم المختلفة ولايخرج الحق عن جميعهم كما ذكرته في المقدمة الرابعة، ولمعرفة الحق في أقوالهم فلابد من الترجيح بينها بوجوه الترجيح المختلفة كما ذكرته في المقدمة الخامسة، وقد نقلت في المقدمتين الثالثة والخامسة قول الإمام مالك رحمه الله ــ في اختلاف الصحابة ــ (مخطيء ومصيب فعليك بالاجتهاد).






وبالتـرجيـح نجـد أن الصـواب في هـذه المسألـة قـول مـن قـال إن الآيـة عامة يدخل المسلمون في حكمها، والدليل على ذلك:






1 ــ أن صيغـة الآية عامـة لأنهـا مصدَّرة بمَنْ الشرطية (ومن لم يحكم بما أنزل الله)، وقد ذكرت في المقدمــة السادســة أن العــبرة بعمــوم اللفــظ لابخصــوص السبب، وعلى هذا فإن الحكم الذي تضمنته الآية (فأولئــك هم الكافرون) يعم ويلزم كل (مـن لـم يحكـم بمـا أنــزل اللـه). قال ابن تيمية رحمه الله (ولفظ «مَنْ» أبلغ صيغ العموم لاسيما إذا كانت شرطاً أو استفهاماً، كقوله «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره» وقوله «أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً») (مجموع الفتاوى) 15/ 82، ومثله في 24/ 346. ولما كانت صيغة الآية عامة فقد قال ابن القيم فيها (ومنهم من تأوّلها على أهل الكتاب، وهو قول قتادة والضحاك وغيرهما، وهو بعيد، وهو خلاف ظاهر اللفظ، فلا يُصار إليه) (مدارج السالكين) 1/ 365، ط 1 دار الكتب العلمية. وكذلك قال القاسمي في تفسيره (وكذا ماأخرجه أبو داود عن ابن عباس: أنها في اليهود ــ خاصة قريظة والنضير ــ لاينافي تناولها لغيرهم، لأن الاعتبار بعموم اللفظ لابخصوص السبب، وكلمة «مَنْ» وقعت في معرض الشرط فتكون للعموم) (محاسن التأويل) للقاسمي، 6/ 215، ط دار الفكر 1398هـ. وبالمثل قال غيره من المفسرين كأبي حيان الأندلسي في (البحر المحيط) 3/ 492.






2 ــ وممـا يؤكـد أن حكـم الآيــة عــام يدخـل المسلمـون في عمومـه: أن رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم هو المخاطَب بهذه الآيات كما يدل عليه قوله تعالى (ياأيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر) (41)، وقوله (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) (42)، وقوله (فاحكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم) (48) فهذا كله خطاب لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حكم فعلا في الواقعة التي نزلت فيها هذه الآيات فحكم برجم الزانيين، وقد تبيّن لك من المقدمة العاشرة أن خطاب الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم هو خطاب لأمته إلا أن يقوم دليل على التخصيص، ولادليل على ذلك هنا، بل إن العدول في الخطاب من صيغة المفرد (ياأيها الرسول) إلى صيغة الجمع (فلا تخشوا الناس.... ولاتشتروا بآىاتي ثمنا) يؤكد عموم الخطاب لأمته. وقد نقلت في تلك المقدمة قول ابن تيمية (الأصل فيما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم في كل ماأُمِرَ به ونُهِيَ عنه وأبيح له، سارٍ في حق أمته، كمشاركة أمته له في الأحكام وغيرها حتى يقوم دليل على التخصيص، فما ثبت في حقه من الأحكام ثبت في حق الأمة إذا لم يخصّص، هذا مذهب السلف والفقهاء) (مجموع الفتاوى) 15/ 82.






3 ــ وممـا يؤكـد أن الحكـام المعاصرين الذين يدّعون الإيمان ويحكمون بغير ماأنزل الله داخلون في عموم الحكم الوارد بالآية، أن حالهم كحال الذين أنزلت فيهم الآيات كما قال ابن كثير (نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة الله ورسوله المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عزوجل ــ إلى قوله ــ والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وكانوا قد بدّلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم فحرّفوه) (تفسير ابن كثير) 2/ 58. فصورة الواقع هى صورة سبب نزول الآيات، وقد ذكرت في المقدمة السابعة أن صورة سبب النزول قطعية الدخول في النص، ونقل السيوطي في (الاتقان، 1/ 28) الإجماع على ذلك. ولأجل ذلك قال إسماعيل القاضي في «أحكـام القـرآن» بعد أن حكي الخلاف في ذلك: (ظاهر الآيات يدل على أن من فَعَل مثل مافعلوا، واخترع حكماً يخالف به حكم الله، وجعله ديناً يُعمل به، فقد لزمه مثل مالزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره) أهـ، نقله ابن حجر في (فتح الباري) 13/ 120، ونقله القاسمي في تفسيره (محاسن التأويل) 6/ 216. وهذا الذي ذكره إسماعيل القاضي ينطبق تماما على الحكام المعاصرين فهم يحكمون بشرع مخترع جعلوه دينا يُعمل به أي نظاماً ملزماً كما ذكرته في معاني الدين في المقدمة الأولى. ولايؤثر في ذلك كون الحكام المعاصرين هم الذين اخترعوا القوانين الوضعية أو ورثوها عن أسلافهم، لأن اليهود الذين أنزلت فيهم الآيات لم يكونوا هم الذين ابتدعوا التشريع المخالف وإنما ورثوه عن أسلافهم، فهى صورة سبب النزول أيضا، كما تدل على ذلك أحاديث سبب النزول خاصة مارواه الطبري عن أبي هريرة في سبب نزولها. كذلك فإن التزام الحكام المعاصرين للحكم بهذه القوانين وإلزامهم غيرهم الحكم بها في البلاد هو رضاءٌ منهم بها فيكون حكمهم حكم من اخترعها، فالتزام الكفر كفر، والإلزام بالكفر كفر، والرضا بالكفر كفر، (ظلمات بعضها فوق بعض).






4 ــ أنه لم يرد عن أحدٍ من الصحابة أنه قال إن الآية ليست في المسلمين، وإنما غاية ماورد عن بعضهم قوله: إنها نزلت في أهل الكتاب، وهذا ليس تخصيصاً وليس قصراً للنص العام على هذا السبب، وقول الصحابي هنا هو مجرد بيان لسبب النزول كما ذكرته في المقدمة الثامنة، وقال ابن تيمية أيضا: إن الصحابة يقولون نزلت الآية في كذا ولايختلفون في أن نصّها يتعدى إلى غير سبب نزولها طالما يتناوله لفظها (مجموع الفتاوى) 31/ 28 ــ 29. وهناك فرق بين أن يقول قائل: نزلت في أهل الكتاب وبين أن يقول ليست في المسلمين، فهذا القول الأخير لم يرد عن الصحابة وإنما ورد عن بعض التابعين، وهو خطأ لما قدّمت من أدلة، ولأن قول الصحابي لايخصص عموم القرآن لاسيما إذا خولف كما ذكرته في المقدمة الحادية عشرة، وبالأحرى فإن قول التابعي لايخصصه.






5 ــ وعلـى القــول بــأنـهــا نــزلــت فـي كـفــار أهــل الكتــاب، فإن مالزمهم من الوعيد الوارد فيها يلزم المسلمين، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (لتتبعُنَّ سَنَن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضبّ ٍ تبعتموهم) قالوا: يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال صلى الله عليه وسلم (فَمَن؟) الحديث متفق عليه. وهذا هو معنى ماورد عن حذيفة بن اليمان فيما رواه الطبري بإسناده عن أبي البختري قال: سأل رجلٌ حذيفة عن هؤلاء الآيات (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون) قال: فقيل ذلك في بني إسرائيل؟ قال: نِعْم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لهم كل مُرَّةٍ، ولكم كل حُلوةٍ، كلاّ والله لتسلكنّ طريقهم قدر الشِراك.أهـ (تفسير الطبري) 6/ 253. هذا وقد ذكرت في المقدمة التاسعة الأدلة على جواز الاستدلال بالآيات التي نزلت في الكفار على المسلمين طالما يتناولهم لفظها بعمومه، وذكرت فيها سبعة أدلة ثم قول ابن تيمية (وإنما قَصَّ الله علينا قصص من قبلنا من الأمم لتكون عبرة لنا، فنُشَبِّه حالنا بحالهم، ونقيس أواخر الأمم بأوائلها، فيكون للمؤمن من المتأخرين شبه بما كان للمؤمـن من المتقدمين، ويكون للكافر والمنافق من المتأخرين شبه بما كان للكافر والمنافق من المتقدمين) (مجموع الفتاوى) 28/ 425.






6 ــ وعلى القول أيضا بأن الآية نزلت في اليهود،قال تعالى (ياأيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر ــ إلى قوله ــ من الذين هادوا). فإن (الذين هادوا) هو لقب، ومفهوم مخالفة اللقب لا حجة فيه، بمعنى أنه إذا أثبتت الآيات حكماً لهذا اللقب (الذين هادوا)، فإن مفهوم المخالفة معناه أن ينتفي هذا الحكم عن غير (الذين هادوا)، ولما كان مفهوم مخالفة اللقب لايحتج به، فإن هذا معناه أن الحكم الخاص بالذين هادوا لايلزم بالضرورة أن ينتفي عمن عداهم. والحكم المشار إليه هو الوارد في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). وكون مفهوم مخالفة اللقب لاحجة فيه يرد على من ادعى خصوصية أهل الكتاب بهذا الحكم. انظر في مفهوم مخالفة اللقب: (الإحكام في أصول الأحكام) للآمدي 3/ 104، و (ارشاد الفحول) للشوكاني صـ 166 و 169.






7 ــ وعلـى القـول أيضـا بـأن الآيـة نـزلـت فـي أهـل الكتـاب، فإن عامة السلف وجمهور الفقهاء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ثبت أنه شرع لهم بنقل ٍ موثوق ولم يثبت في شرعنا مايخالفه. وهذا متحقق بالنسبة للحكم الوارد في هذه الآية، وقد تكلمت في هذه المسألة في آخر مبحث الاعتقاد في نقد (الرسالة الليمانية) نقلا عن (مجموع فتاوى ابن تيمية) 1/ 258، و 19/ 7، و (اقتضاء الصراط المستقيم) له صـ 167 ــ 169، ط المدني. فإذا كان مالزم أهل الكتاب شرعاً لنا فهذا مما يدل أيضا على عموم النص.






وبعـد، فهــذه سبعــة أوجــه تـدل كلهــا على أن قـولـه تعـالى (ومـن لـم يحكـم بمـا أنـزل اللـه فأولئـك هـم الكافرون) نصٌ عام يدخل المسلمون في عمومه، وكل من أتى بالسبب الوارد فيها (لم يحكم بما أنزل الله) لزمه الحكم الوراد فيها (فأولئك هم الكافرون) ويتبين من ذلك أن القول بأنها نزلت في أهل الكتاب هو من باب بيان سبب النزول لاغير، أما القول بأنها ليست في المسلمين فهو خطأ قطعا كما أسلفت))). انتهى النقل.








[ملاحظة هامة: الكلام السابق منقول من كتاب، وسيأتي الرد على بقية الشبه المثارة في الموضوع

طرابلسي
05-02-2008, 08:28 PM
شــبهة: هل الكفر الوارد في هذه الآية كفر أكبر أم كفر أصغر؟.








حَكَمَ الله تعالى بكفر من لم يحكم بما أنزله، فقال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، فهل هذا الكفر هو الأكبر المخرج من الملة أم الأصغر الذي لايُخرج من الملة أو بلفظ آخر كفر دون كفر؟. اختلفت أقوال الصحابة والتابعين في ذلك على قولين:






1 ــ فمنهـم مـن قـال إنـه الكفـر هكـذا بإطـلاق بمـا يعنـي أنه الأكبر كما سنبينه إن شاء الله، ومن هؤلاء عبدالله بن مسعود فيما نقله عنه ابن كثير في تفسيره أنه سُئل عن الرشوة في الحكم فقال: ذاك الكفر، وتلا الآية، ورواه ابن جرير من طرق وفي رواية له بإسناده عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن السُّحت، أهو الرشا في الحكم، فقال: (لا، من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم، من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق، ولكن السحت يستعينك الرجل على المَظْلمة فتعينه عليها، فيهدي لك الهدية، فتقبلها) (تفسير الطبري) 6/ 240. وروي الطبراني بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال (الرشوة في الحكم كفر، وهى بين الناس سُحت) ذكره ابن حجر المكي في كتابه (الزواجر) 2/ 189، ط دار المعرفة 1402هـ.






وبمـثل قـول ابن مسعـود قـال عمـر بن الخطـاب وعلـي بن أبـي طالـب رضـي اللـه عنهم، وذلك فيما نقله الألوسي البغدادي في تفسيره قال (وأخرج ابن المنذر عن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أرأيت الرشوة في الحكم أمن السحت هى؟ قال: لا، ولكن كفر، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة، ويكون للآخر إلى السلطان حاجة فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية. وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه سـئل عن السحـت فقال: الرشـا، فقيل له في الحكم، قال: ذاك الكفر، وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود نحو ذلك.) (تفسير روح المعاني) للألوسي، مجلد 3، جـ 6 صـ 140.






وقـال بمثل قول ابن مسعود من التابعين: الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والسدي فقال ابن قدامة الحنبلي (قال الله تعالى "أكّالون للسحت"، قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره: هو الرشوة، وقال: إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به إلى الكفر) (المغني مع الشرح الكبير) 11/ 437 ــ 438. وقال القاسمي في تفسيره (ونقل في "اللباب" عن ابن مسعود والحسن والنخعي: أن هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة، فكل من ارتشى وبدّل الحكم فحكَم بغير ماأنزل الله، فقد كَفَر وظَلَم وفَسَق، وإليه ذهب السُّدّي لأنه ظاهرالخطاب) (محاسن التأويل) للقاسمي، 6/ 215، ط دار الفكر 1398هـ. وقول السدي ذكره ابن كثير فيما نقلته عنه ورواه ابن جرير بإسناده عنه قال ("ومن لم يحكم بما أنزل الله" يقول: ومن لم يحكم بما أنزلتُ فتركه عمداً وجَارَ وهو يعلم فهو من الكافرين) (تفسير الطبري) 6/ 257.






فهـذه أقـوال الصحابــة والتابعــين في أن الكـفر الوارد في الآيـة هو الأكـبر على ظاهـره، وبهـذا تعلم أنه لاوجه لكلام محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) حيث قال (أما ظاهر الآية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه المشهورين، بل لم يقل به أحدٌ قط، فإن ظاهرها يتناول من لم يحكم بما أنزل الله مطلقاً سواء حكم بغير ماأنزل الله تعالى أم لا، وهذا لايُكفره أحدٌ من المسلمين حتى الخوارج الذين يكفّرون الفساق بالمعاصي ومنها الحكم بغير ماأنزل الله) (تفسير المنار) 6/ 406، ط دار المعرفة، ط 2. والرجل ــ رشيد رضا ــ كأنه يستخف عقل القاريء خاصة فيما نسبه إلى الخوارج وهو خلاف ماتواتر عنهم. وقد ورد قوله السـابق ضمن فتـواه التي أفتـى فيها بجـواز الحكـم بالقـوانين الانجليزية الوضعية)، انظر (تفسيره المنار) 6/ 405 ــ 409، وأجاز فيها تولي المسلم لمنصب القضاء على أن يحكم بهذه القوانين، فكان لابد له من أن يقول إن الكفر الوارد في آية المائدة ظاهره غير مراد وإلا لأبطل فتواه. وفتواه هذه ضلال مبين وقد اشتملت على مغالطات شرعية شنيعة انتقدها الأستاذ/ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر) صـ 332 ــ 340، ط مؤسسة المدينة 1407 هـ، ونقده له صائب في مجمله وإن كان يُعْوِزُه الاستدلال الشرعي في مواضع، فراجعه إن شئت.






فهذا ما يتعلق بمن قال من الصحابة والتابعين بأن الكفر في الآية على ظاهره.










2 ــ أما من قال إنه كفر أصغر أو كفر لاينقل عن الملة أو كفر دون كفر:






فمـن الصحابـة نُسِب هـذا القـول إلى عبداللـه بن عـباس رضـي اللـه عنهما ولايصح عنه كما سأبينه إن شاء الله.






ومـن التابعـين: رُوِيَ عن طـاوس أنـه قـال (ليس بكفر ينقل عن الملة). وعن عطاء بن أبي رباح أنه قال فيها (كفر دون كفر). رواهما ابن جرير (6/ 256) ونقله عنه ابن كثير فيما نقلته عنه.






هذا جميع ماورد في التفاسير ــ فيما اطلعت عليه ــ من أقوال في نوع الكفر الوارد في الآية، ومادام المسألة قد اختلف فيها فلابد من الترجيح بين أقوال المختلفين، ولكن قبل الترجيح نذكر ماورد عن ابن عباس في المسألة لبيان عدم صحته من جهة الرواية. وقد رُوِيَ عنه في تفسير هذه الآية قولان:






الأول: قولـه (وليـس كمـن كفـر بالله وملائكته وكتبه ورسله) أهـ. وعلى التحقيق فهذا ليس قول ابن عباس، وإنما قول ابن طاوس أُدرج ــ في رواية سفيان عن معمر ــ على ابن عباس. وبيان ذلك أن الطبري رحمه الله روي من طريق سفيان بن عيينة عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هى به كفر، وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله، أهـ. ورواه الطبري من طريق عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سُئل ابن عباس عن قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هى به كفر، قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، أهـ. انظر (تفسير الطبري) 6/ 256.



وقد ظهر من الرواية الثانية ــ رواية عبدالرزاق وهى التي اقتصر ابن كثير على إيرادها ــ أن كلمة (وليس كمن كفر بالله) هى من كلام ابن طاوس لا ابن عباس، وعلى هذا فلا يصح نسبة هذا القول لابن عباس.






والقول الثاني لابن عباس: قول (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه)، ولم يذكره الطبري وإنما ذكره ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم والحاكم كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حُجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرآً ينقل عن الملة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)






كفر دون كفر. أهـ، رواه الحاكم وهذا لفظه في المستدرك (2/ 313) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.






وهـذا الأثــر ــ وإن صححــه الحاكــم ــ فهـو ضعيف من جهة الرواية، والعلة فيه: هشام بن حجير فقد اتفق جهابذة الحديث على تضعيفه وبالتالي فالأثر ضعيف، نعم يصلح حديثه للمتابعة إذا توبع على روايته أما إذا انفرد ــ كما هو الحال في هذا الأثر ــ فلا يصلح للاحتجاج. ومن هذا الباب روي له البخاري ومسلم في المتابعات لا ما انفرد به، ولعل رواية الشيخين له هو ماجعل الحاكم رحمه الله يحكم بصحة هذا الحديث ظناً منه أن هشاماً قد جاوز القنطرة بذلك، وهذه الجملة نبّه عليها الزيلعي في (نصب الراية) فذكر من أسباب غلط الحاكم في التصحيح: أن بعض الرواة يكون قوياً إذا روي عن شيخ معين معروف بملازمته له ولايكون قوياً في غيره من الشيوخ، فيخرج البخاري ومسلم أحاديث هذا الراوي من الوجه القوي فقط فيظن الحاكم أن هذا توثيقاً مطلقا من الشيخين له فيعتمد جميع حديثه ويحمله على الصحة، وهنا روي الشيخان لهشام متابعةً فاعتبر الحاكم أن هذا توثيقاً مطلقاً له.

طرابلسي
05-02-2008, 08:33 PM
الأثر المروي عن ابن عباس أن الكفر الوارد في الآية






لا ينقل عن الملة ضعيف الإسناد لا يحتج به








هذا وقد سعى أحد المعاصرين ــ وهو علي بن حسن بن عبدالحميد الحلبي ــ في تصحيح هذا الأثر عن ابن عباس، وهذا الرجل مطعون في عدالته لتحريفه فيما ينقله عن الآخرين، وقد انتدب للرد عليه في تصحيحه أثر ابن عباس أحدهم، ونقل هذا الرد لي أحد الإخوان الثقات، فأنقله عنه باختصار من باب نسبة الفضل إلى أهله فهــذا من بركـة العلـم كما قال ابن عبدالبر في جامِعِه.






قال ــ بعدمــا ذكر لفظ الحاكم للأثر ــ (هشام بن حجير ضعّفه الأئمة الثقات ولم يتابعه على هذه الرواية أحد. قال أحمد بن حنبل: هشام ليس بالقوي، وقال: مَكْيٌّ ضعيف الحديث، وهذا طعن من جهة الرواية. وضعَّفه يحيى بن سعيد القطان وضَرَب على حديثه، وضعّفه علي بن المديني، وذكره العُقيلي في الضعفاء، وكذا ابن عَدِيّ






وهشــام صـالـحٌ في دينه، لذا قال ابن شبرمة: ليس بمكة مثله، وقال ابن معين: صالح فهذا في الدين أو العبادة بدليل أن ابن معين نفسه قد قال فيه: ضعيف جدا.






وقـال الحافـظ ابن حجـر: صدوق له أوهام. قلت: فلعل هذا من أوهامه لأن مثل هذا القول مرويّ ثابت عن ابن طاوس، فلعله وَهَم فنسبه إلى ابن عباس.






وقـال علي بن المديني: زعـم سفـيان قال: كان هشام بن حجير كتب كُتُبَه على غير مايكتب الناس، أي اقتداراً عليه، فاضطربت عليه.أهـ من "معرفة الرجال" 203/ 2.






وهشـام مـن أهـل مكة، وسفيان كان عالماً عارفاً بأهل مكة، روي العقيلي بإسناده عن سفيان بن عيينة أنه قال: لم نأخذ منه إلا مالم نجده عند غيره. أهـ. فصَحَّ أن هذا الأثر مما تفرد به هشام لأنه من رواية ابن عيينة عنه.






وقـال أبو حـاتم: "يُكتـب حديثـه"، وهـذه أيضـا من صيـغ التمــريـض والتضعيـف، لأن هـذا يعنـي أن حديثه لايُقبل استقلالا، وإنما يؤخذ به في المتابعات فقط. ولذلك لم يَرْو له البخاري ومسلم إلا متابعة أو مقروناً مع غيره، لذا كانت أحاديثه من الأحاديث المنتقدة على الصحيحين.






أما البخاري فلم يرو له إلا حديثاً واحداً، هو حديث سليمان بن داود عليهما السلام "لأطـوفن الليلـة على تسعين امرأة..." الحديث، أورده في كفارة الأيمان من طريق هشام وتابعه في كتاب النكاح برواية عبدالله ابن طاوس. ومن المعلوم أن الحافظ ابن حجر من عادته في "مقدمة فتح الباري" أن يذبّ عمن تُكُلم فيهم بغير حق ويدافع بكل ماأوتي من علم، أما من ظهر له ضعفهم وأن البخاري لم يعتمد عليهم وحدهم إنما أوردهم في المتابعات أو مقرونين، فمثل هؤلاء لايكلف نفسه عناء الرد عليهم، بل يذكر المتابعات الواردة لهم في الصحيح وكفى، وكذلك فعل مع هشام بن حجير "راجع المقدمة".






أمـا مسلـم فكـذلـك ليـس لـه عنــده إلا حـديثـين ولـم يـرو لـه إلا مقــرونا.. وراجـع في هذا ماقاله الشيخ الهروي في كتابه "خلاصة القول المفهم على تراجم رجال الإمام مسلم".






والخلاصة أنه عرف مما سبق أنه لاحجة لمن حاول تقوية هشام بالاحتجاج برواية البخاري ومسلم له.... لأنهما لم يرويا له استقلالاً ولكن متابعة... وهذا من الأدلة على تضعيفه إذا انفرد.






ومـن أجـل هـذا كلـه لـم يوثـق هشـام بن حجـير إلا المتساهـلـون كابن حـبان فإنـه مشهـور بالتسـاهـل في التوثيق. ومثله العِجلي، قال المعلمي اليماني: "توثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق بن حبان تماما أو أوسع" "الأنوار الكاشفة" صـ 68. إلى أن قال ــ وكذا توثيق ابن سعد فإن أغلب مادته من الواقدي المتروك كما ذكر ابن حجر في مقدمة الفتح عند ترجمة عبدالرحمن بن شريح، فإذا كان هذا حال من وَثَّقوه فإن رواياته لاتقوم بها حجة بتوثيقهم هذا..






فكيف وقد عارضهم وقال بتضعيفه الأئمة الجبال الرواسي كأحمد وابن معين ويحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني وغيرهم.






فخــلاصــة القـول: أن هشــام بن حجــير ضعــيف لاتـقــوم بــه حجــة استقلالا وحده، نعم هو يصلح في المتابعات كما عرفت وليس له على رواية ابن عباس هذه. متابع، فصح ّ ضعفها وعدم جواز الجزم بنسبتها إلى ابن عباس.



بـل قـد ثبـت بإسـناد صحـيح عن ابن عباس في تفسير هذه الآية غير ذلك، فقد روي ابن جرير الطبري رحمه الله: ثنا هناد قال ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هــى به كفــر. (وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله)، والظاهر أن القول الأخير (وليس كفرا بالله وملائكته....) ليس من قول ابن عباس أو مدرج من قول ابن طاوس، والدليل على ذلك ماوراه ابن جرير الطبري قال ثنا الحسين بن يحيى قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن طاوس عن أبيه قال سُئل ابن عباس عن قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هى به كفر. قال ابن طاوس: (وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله).)
انتهى كلام أبي أيوب البرقوي.


رابط له صلة بسند الأثر
http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=13951

طرابلسي
05-02-2008, 08:43 PM
قول ابن عباس في الحكم بغير ما أنزل الله






وبهـذا تـرى أنـه لايصـح عن ابن عباس قـول (كفـر دون كفـر) في هـذه الآية، بل صح عنه قوله (هى به كفر) هكذا باطلاق بما يعني أنه الكفر الأكبر. وأذكر فيما يلي دليلين يبينان ذلك:






الدليــل الأول: ويبـين أن ابن عبـاس رضـي الله عنهما يرى أن الكفر في هذه الآية هو الكفر الأكبر، وهو مارواه النسائي في باب تأويل قول الله عزوجل "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، فقد روي النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال (كانت ملوكٌ بعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بدّلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرأون التوراة، قيل لملوكهم: مانجد شتماً أشد من شتم يشتمونا هؤلاء، إنهم يقرأون "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وهؤلاء الآيات مع مايعيبونا به في أعمالنا في قراءتهم، فادعهم فليقرأوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا مابدّلوا منها) الحديث (4990) بسنن النسائي. ويدل هذا الحديث ــ وهو من رواية ابن عباس موقوفا ــ على أمرين، الأول: أن هذه الآية كانت مما أنزل بالتوراة الصحيحة قبل تبديلها فأنزل الله تصديقها في القرآن، والأمر الآخر: أن الكفر فيها هو الأكبر ويدل على ذلك قول المبدّلين منهم: مانجد شتماً أشد من شتم يشتمونا هؤلاء، لمَّا قرأ المؤمنون منهم تلك الآية، ولاشتم أشد من وصفهم بالكفر الأكبر على مابدّلوا وحَرّفوا، ولو لم يكن الكفر في الآية هو الأكبر لما وصفوه بأنه أشد شتم ٍ.






والدليل الثاني: وهو ماسبق ذكره في المناط المكفِّر الثالث عند الكلام في قوله تعالى (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) الأنعام 121، وفي سبب نزولها روي ابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم بأسانيد صحيحة عن ابن عباس قوله: إن ناساً من المشركين كانوا يجادلون المسلمين في مسألة الذبح وتحريم الميتة فيقولون: تأكلون مما قتلتم ولاتأكلون مما قتل الله؟، يعنون الميتة، فقال تعالى (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون).أهـ وانظر (تفسير ابن كثير) 2/ 169 ــ 171.






فهـذا نـص عن ابن عباس في أن مـن اتبـع التشـريع المخالف ــ ولو في قضية واحدة وهى تحليل الميتة هنا ــ أنه مشرك، وذاك ــ أي مارواه عنه النسائي ــ نص في أن تبديل الشريعة كفر أكبر. وهذا كله يؤكد بطلان نسبة قول (كفر دون كفر) إلى ابن عباس إذ قد ثبت عنه بأسانيد صحيحة خلاف ذلك في نفس الموضوع وهو الحكم بغير ماأنزل الله بالشرع المخترع، وأنه شرك وكفر بلغ الغاية في الشدة بما يعني أنه كفر أكبر. نعود بعد ذلك إلى الترجــيح بين القــولين الــوارديــن في نــوع الكفـر في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) أهو كفر أكبر أم أصغر؟. والصواب الذي لاشك فيه أنه كفر أكبر مخرج من الملة، وإليك الأدلة على ذلك:






1 ــ دلالــة إجمــاع الصحابـة لأنـه قـول الصحابـة بلا مخالف منهم، فهو إجماع يجب المصير إليه، وقد نُقل ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وأثبتُ فيما مضى أنه قول ابن عباس أيضا وأنه لايصح عنه قول (كفر دون كفر). ولا اعتبار لمخالفة بعض التابعين كطاوس وعطاء مع اتفاق الصحابة. وقد نقلت في المقدمة الثالثة أقوال الفقهاء في أن الصحابة إذا اتفقوا على قول وجب الأخذ به، كما ذكرت عند الكلام في إجماع الصحابة ــ في نقد (الرسالة الليمانية في الموالاة) بآخر مبحث الاعتقاد ــ أن الإجماع الصحيح هو ماانتفى فيه المخالف والمنازع، وقد تبين لك أنه لا مخالف من الصحابة في أن الكفر في هذه الآية هو الأكبر، ومع انتفاء المخالف يمكن القول بأن هذا إجماع منهم على ذلك.










2 ــ دلالة اللغة العربية: وذلك لأن الكفر في الآية جاء بصيغة الإسم المعرف بأل ــ (الكافرون) ــ الدال على حصول كمال المعنى، بما يعني أنه الكفر الأكبر كما ذكرته في المقدمة الثانية عشرة، فراجعها.






وأضيـف إلى ماذكـرتـه في تلـك المقدمـة: أن اللـه سبحانـه وتعـالى قـد أكـد الكفر في هذه الآية وبَالغَ في وصفه وتغليظه بأسلوب هو من أقوى أساليب اللغة في إفادة المعنى وهو:






أ ــ مجـيء الكـفـر بلـفـظ الإسم وهـو دال عـلى ثبـوت الكـفــر ولـزومـه، دون الفعــل الـدال على التجــدد والحدوث.






ب ــ تصـديـر الإسـم بالألـف واللام المـؤديـة لحصول كمال المسمى (الكافرون) بما يعني أنه الكفر الأكبر كما سبق ذكره في المقدمة الثانية عشرة.






جـ ــ اتيانه سبحانه بجملة جواب الشرط في صورة مبتدأ وخبر معرفتين (أولئك......... الكافرون) وذلك من علامات انحصار الخبر (الكفر) في المبتدأ (أولئك) وهو اسم إشارة يعود على (من لم يحكم بما أنزل الله)، وانحصار الخبر المعرف بأل في المبتدأ فيه مبالغة في حصول كمال معناه في المحكوم عليه (وهو المبتدأ) أي مبالغة في حصول كمال الكفر لأولئك الذين لم يحكموا بما أنزل الله.. انظر (الإيضاح في علوم البلاغة) للقاضي جلال الدين القزويني، صـ 101، ط دار الكتب العلمية 1405هـ.






د ــ ومجـيء المبتـدأ في جملـة جـواب الشـرط في صيغـة اسـم الإشــارة (أولئــك) زيادة في الدلالة على المقصود من اختصاص المذكورين قبله (من لم يحكم.....) باستحقاق الكفر، انظر (الإيضاح) للقزويني صـ 47.






هـ ــ وتقـديم المبتـدأ على الخـبر في جملـة جـواب الشـرط وإن كـان هـو الأصـل في اللغـة إلا أنه يفيد في أن كون المبتدأ (أولئك) متصفاً بالخبر (الكافرون) هو المطلوب بيانه، كمـا أن هــذا التقديم يفيد زيادة تخصيص. انظر (الإيضاح) للقزوني صـ 58.






و ــ وادخـال ضمـير الفصـل (هـم) بين المبتـدأ والخـبر (أولـئك هم الكافرون) يفيد اختصاص المبتدأ بالخبر، أي اختصاص أولئك (الذين لم يحكموا بما أنزل الله) بالكفر. انظر (الإيضاح) للقزويني صـ 57.






والخـلاصـة: أن أسلـوب هـذه الآيـة مـن جهـة بنيـة ألفاظهـا وتركيبها بلغ الغاية في إفادة المعنى، وهو أن أولئك الذين لم يحكموا بما أنزل الله قد بلغوا الغاية في الكفر، وهذا يتفق مع ماذكرته آنفا عن النسائي في هذه الآية من أنه لاشتم أشد مما ورد بها. هذا من جهة دلالة اللغة العربية.






3 ــ دلالــة عــرف الشــارع، أي لغة القرآن: وهو أن الكفر لم يرد في القرآن إلا بما يعني الكفر الأكبر، انظر المقدمة الثالثة عشرة وهى (وجوب حمل معنى اللفظ على معهود استعمال الشارع)، وفيها ذكرت القاعدة العامة التي ذكرها ابن تيمية في قوله (اللفظ إذا تكرر ذِكره في الكتاب، ودار مرة بعد مرة على وجه واحد، وكان المراد به غير مفهومه ومقتضاه عند الإطلاق ولم يُبَيَّن ذلك كان تدليساً وتلبيسا يجب أن يُصان كلام الله عنه) (مجموع الفتاوى) 6/ 471، هذا على وجه العموم، أما بالنسبة للكفر خاصة فإنه حيث أطلق ولم يرد نص يقيد معناه فالمراد به الكفر الأكبر أي حقيقته المطلقة كما قال ابن حجر رحمه الله (عُرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به مايقابل التوحيد، وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لايُراد به إلا ذلك) (فتح الباري) 1/ 65، وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله (ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة قد يُراد بها مُسَمَّاها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لايُحمل عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية، وإنما يُعرف ذلك بالبيان النبوي وتفسير السنة، قال تعالى "وماأرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" ــ إبراهيم 4 ــ) أهـ (الرسـائل المفيــدة) للشيخ عبداللطيف، جمع سليمان بن سحمان، صـ 21 ــ 22. ومعنى حقيقته المطلقة أي الكاملة، ومعنى مطلق الحقيقة أي أدنى مايُطلق عليه، وبالنسبة للكفر فحقيقته المطلقة ــ وهى الأصل في خطاب الشارع عند الأصوليين ــ هى الكفر الكامل أي الأكبر، ولايُحمـل علـى مطلـق حقيقتـه أي الكـفــر الأصغـر إلا بدليـل من كتـاب أو سـنة وهـذا منتـف ٍ بالنسـبة لآية المائدة، وقد سبق في المقدمة الحادية عشرة أن قول الصحابي لايخصص القرآن ولايقيده لاسيما إذا خولف فلا يكون في قوله حجة أصلا كما ذكرته في المقدمة الثالثة.






ولأجل دلالة اللغة العربية ودلالة لغة القرآن (وهى عُرف الشارع في كلامه) على أن الكفر في هذه الآية هو الكفر الأكبر، فقد قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره ــ منتقداً قول من قال إنه كفر أصغر ــ (وقيل المراد كفر النعمة، وضُعِّفَ بأن الكفر إذا أطلق انصرف إلى الكفر في الدين، وقال ابن الأنباري: فعل فعلاً يضاهي أفعال الكفار، وضُعِّف بأنه عدول عن الظاهر) (تفسير البحر المحيط) 3/ 493.






4 ــ دلالة الشرع: فقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وإن ترتب الكفر فيه على مجرد ترك الحكم بما أنزل الله، إلا أن هذا لابد أن يلازمه الحكم بغير ماأنزل الله، كما يدل عليه سبب نزول الآيات: فاليهود تركوا الحكم بما أنزل الله (الرجم) وحكمــوا بغــير ماأنـزل اللــه (الجلد والتحميم...) فالحديث الوارد في سبب النزول يبين مناط الحكم الوارد في الآية، وأن المناط مركب من ترك حكم الله والحكم بغيره، لأن السنة مبينة للقرآن ومفسّرة له كما نقلته عن ابن تيمية في المقدمة الثانية، واستدل بقوله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم) ــ النحل 44 ــ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبيّن بسنته ماأنزل الله من القرآن. وقد بيّنتْ السنة ــ حديث سبب النزول ــ أن الحكم بغير ماأنزل الله داخل في مناط الحكم الوارد بالآية. وقد تبيّن من الأدلة التي ذكرتها في المناط المكفر الثالث أن الحكم بغير ماأنزل الله كفر أكبر بلا ريب، ويدل على ذلك ماورد في تفسير قوله تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله) الشورى 21، وقوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة 31، وقوله تعالى (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) الأنعام 121، وقوله تعالى (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) الأنعام 1. فإذا كان الحكم بغير ماأنزل الله كفراً أكبر وهو داخل في المناط الوارد في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فلابد أن يكون الكفر فيها هو الأكبر. وقد نقلت في المقدمة الثانية (بيان أفضل طرق التفسير) عن ابن تيمية قوله (إن أصحّ الطرق في ذلك أن يُفسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجمِلَ في مكان فإنه قد فُسّر في موضع آخر، وما اختصر من مكان فقد بُسِط في موضع آخر) (مجموع الفتاوى) 13/ 363.



وباتباع هذا الطريق في التفسير يتبين لك بالجمع بين النصوص المختلفة أن الكفر في آية المائدة هو الأكبر كما أسلفت.






والخـلاصـة: أنـه قـد دلـت أقـوال الصحـابـة بـلا مخالـف واللغـة العربيـة ولغـة القــرآن (عُـرف الشـارع) والنصوص الأخرى في نفس المسألة: على أن الكفر الوارد في آية المائدة هو الكفر الأكبر.






ولـم يقـع خـلاف بين الصحابة في هذا، ومانسب إلى ابن عباس لايثبت عنه، ولو صح عنه ذلك لما كان في قوله ولا قول غيره من الصحابة حجة بسبب اختلافها (كما في المقدمة الثالثة) ولوجب الترجيح بين أقوالهم (كما في المقدمة الخامسة)، وقد تبيّن بالترجيح بدلالة اللغة ودلالة عرف الشارع أن ظاهر النص يراد به الكفر الأكبر، وقد تأيّد هذا بدلالة النصوص الأخرى في نفس المسألة، وهذا يرجح قول من قال من الصحابة بأن الكفر في الآية هو الأكبر.






وأضيــف هــنا: أنـه لـو صـح عن ابن عباس قول (كفر دون كفر) ولو لم يكن له مخالف من الصحابة، لَمَا كان هذا القول حجة، لأنه ــ وكما ذكرت في المقدمة الرابعة عشرة ــ أنه لاحجة في قول الصحابي إذا خالف نص الكتاب والسنة، وقد تبين بدلالة اللغة العربية ودلالة عرف الشارع أن نص آية المائدة يدل على أن الكفر فيها هو الأكبر، فلا حجة في قول الصحابي إذا خالف في ذلك. فكيف إذا كان لايثبت عن ابن عباس قول (كفر دون كفر)؟ وكيف وقد خالفه غيره من الصحابة؟.






أمـا التابعـون فهـم الذيـن ثبـت عنهـم الخـلاف في هـذه المسألـة: فقـال الحسـن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والسدّي إنه الكفر الأكبر، وقال طاوس وعطاء إنه الأصغر، وقد نقلت في المقدمة الثانية (أفضل طرق التفسير) عن ابن تيمية قوله ــ في أقوال التابعين في التفسير ــ (فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض و لا على من بعدهم، ويُرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك) (مجموع الفتاوى) 13/ 370. وماذكره شيخ الإسلام هو ما صنعته في هذه المسألة فقد لجأت إلى الترجيح بدلالة أقوال الصحابة ثم اللغة العربية ثم لغة القرآن (عُرف الشارع) ثم النصوص الأخرى في نفس المسألة، وقد ترجّح بهذا كله قول من قال من التابعين بأن الكفر في الآية هو الأكبر.






وقد كان هذا كله في الكلام عن المسألة الثانية في هذه الآية، وهل الكفر فيها هو الأكبر أم الأصغر؟.

طرابلسي
05-02-2008, 08:45 PM
شبهــة: القــول بـأن الكفــر في الآية هو الأكبر، فهل مناط الحكم به هو مجرد ترك الحكم بما أنزل الله والحكم بخلافه، أم أن مناط الحكم بالكفر هو جحد حكم الله واستحلال الحكم بخلافه؟.








عَلَى القـول بأن الكفـر في آيـة المائـدة هـو الأكبر، فهل هذا في حق من تعمد ترك حكم الله والحكم بغيره أم هو في حق من جحد حكم الله أو استحل الحكم بغير ماأنزل الله؟. اختلفت أقوال الصحابة والتابعين في ذلك:






فاشـترط الجحـد للحكـم بالكفـر: ابن عباس فيمـا نسبـه إليه الطبري في تفسيره (6/ 257) ونقله ابن كثير، واشترطه عكرمة فيما نقله أبو حيان الأندلسي في تفسيره (3/ 493).






ولم يشترط الجحد للحكم بالكفر بقية من نقلنا عنهم من الصحابة والتابعين وأن من تعمد ترك حكم الله فقد كفر، كما نقل القاسمي في تفسيره (ونقل في «اللباب» عن ابن مسعود والحسن والنخعي: أن هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة، فكل من ارتشى وبدّل الحكم، فحكم بغير حُكم الله فقد كَفَر وظَلَم وفَسَق، وإليه ذهب السدّي، لأنه ظاهر الخطاب. ثم قال: وقيل: هذا فيمن عَلمَ نص حكم الله ثم ردّه عياناً عمداً وحكم بغيره، وأما من خفي عليه النص أو أخطأ في التأويل فلا يدخل في هذا الوعيد، انتهى) من (محاسن التأويل) للقاسمي، 6/ 215.






هـذا، وقـد قـال القرطـبي (وقـال ابن مسعـود والحسـن: هــى عامـة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار، أي معتقداً ذلك ومستحلاً له) (تفسير القرطبي) 6/ 190. فأنبّه على أن جملة (معتقداً ذلك ومستحلاً له) هى من كلام القرطبي ليست من كلام ابن مسعود والحسن رضي الله عنهما.






فهذه أقوال من اشترط الجحد ومن لم يشترط للحكم بالكفر الأكبر الوارد في الآية على من لم يحكم بما أنزل الله. وإذ قد اختلفت الأقوال فلا حجة في أيٍ منها كما ذكرته في المقدمة الثالثة، ووجب الترجيح بينها. وبالترجيح نجد أن قول من لم يشترط الجحد أو الاستحلال للحكم بالكفر الوارد في الآية هو الصواب، وإليك الأدلة على ذلك:






1 ــ الدليـل الأول: أن قـول من قال يشترط الجحد للحكم بالكفر الوارد في الآية هو قول لادليل عليه، فهو رأي، بل هو قول مخالف لنص الآية فلا حجة فيه كما ذكرته في المقدمة الرابعة عشرة (لاحجة في قول الصحابي إذا خالف نص الكتاب والسنة). والذي نقله الطبري عن ابن عباس قوله («ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» قال: من جحد ماأنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق.) أهـ (تفسير الطبري) 6/ 257. وهذا الكلام مخالف لنص الكتاب والسنة:






فاللـه سبحانـه علّـق الكفـر على تـرك الحكم بما أنزل الله (من لم يحكم)، وابن عباس علّقه على جحد ما أنزل الله، فأثبت مناطاً للحكم غير المناط الوارد في الآية.






والحديث الوارد في سبب النزول أثبت أن اليهود أقروا بثبوت حد الرجم في التوراة كما ورد في لفظ البخاري لحديث ابن عمر وفيه قال اليهود (صَدَق يامحمد، فيها آية الرجم) الحديث، ويؤيـده قـوله تعـالى (وعندهم التوراة فيها حكم الله) المائدة 43، فاليهود أقروا بحكم الله ولم يحكموا به فأكفرهم الله، وابن عباس قال: من أقر بحكم الله ولم يحكم به فهو ظالم فاسق.






وبهذا تعلم أن هذا القول المنسوب إلى ابن عباس مصادم لنص الآية، ولهذا فلا حجة فيه كما ذكرته في المقدمة الرابعة عشرة، وضربت فيها أمثلة لما قاله بعض الصحابة بآرائهم باجتهاد منهم بما يخالف الكتاب والسنة وهم في هذا مجتهدون مخطئون لهم أجر ولكن القول المخالف للكتاب والسنة مردود لقوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رَدٌّ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم (من اشترط شرطاً ليـس في كتــاب الله فهو باطــل وإن كان مائــة شــرط) الحديث متفق عليه. وابن عباس نفسه هو القائل (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال الله ورسوله، وتقولون قال أبو بكر وعمر) أهـ، قاله لمن عارض نص الكتاب والسنة بقول أبي بكر وعمر. انظر (فتح المجيد/ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ماحرم الله أو تحريم ماأحل الله فقد اتخذهم أربابا).






ولأجـل مخالفـة شـرط الجحـد لمنـاط التكفـير الوارد في الآية قال ابن القيم رحمه الله (ومنهم من تأوّل الآية على تـرك الحكـم بما أنزل الله جاحداً له، وهو قول عكرمة. وهو تأويل مرجوح، فإن نفس جحوده كُفْر، سواء حكم أو لم يحكم) (مدارج السالكين) 1/ 365، ط دار الكتب العلمية، ط 1.






وممـا يؤكـد أن مـناط التكفـير في الآيـة هـو مجـرد تـرك الحكـم بما أنزل الله أي الامتناع عن الحكم به، لا جحد حكم الله، هو قوله تعالى (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله، ثم يتولون من بعد ذلك وماأولئك بالمؤمنين ــ إلى قوله ــ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة 43 ــ 44.






فوصفهم الله في الآية الأولى بالتولي عن حكم الله، ونفي عنهم الإيمان لذلك (وماأولئك بالمؤمنين) ووصفهم في الآية الثانية بترك حكم الله، وحكم عليهم بالكفر لذلك. فاتحد السبب والحكم في الآيتين في المُعَيَّنين الذين نزل فيهم النص، بما يبيّن أنه:






* بالنسبـة للســبب: أن تـرك الحكـم بمـا أنـزل اللـه (ومـن لـم يحكـم بمـا أنزل الله) في الآية الثانية، وُصِفَ بأنه التولي عن حكم الله في الآية الأولى.






* وبالنسـبة للحكـم: فإن نفي الإيمان في الآية الأولى، وُصِفَ بأنه الكفر في الآية الثانية، بما يعني أن المراد نفي أصل الإيمان لا كماله الواجب، فقد ذكرت في مبحث الاعتقاد عند نقد كلام ابن حجر في شرح كتاب الإيمان بصحيح البخاري، أن نفي الإيمان قد يراد به نفي أصله بما يرادف الكفر، أو نفي كماله الواجب بما يرادف الفسق، ويعرف المراد بالنفي في كل موضع بالقرائن. وذكرت هناك مراجع المسألة في (مجموع فتاوى ابن تيمية) 7/ 14 ــ 15، 37 ــ 42، 337.






ونعـود مـرة أخـرى للكـلام في السـبب المشـترك في الآيتين، حيث وُصِفَ مرة بترك الحكم بما أنزل الله (ومـن لـم يحكـم بمـا أنزل الله)، ووصف أخرى بأنه التولي عن حكم الله (فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك). فما التولي؟.






(تولاه) معناها: اقترب منه وتابَعَه، و (تولى عنه) معناها أعرض عنه وانصرف، وعن الراغب الأصفهاني أنه إذا جاءت كلمة (تولي) بمعنى أعرض وانصرف ولم تتعد بـ (عن) في اللفظ فينبغي تقدير (عن) بعدها. والتولي في هذه الآية معناه الإعراض، وفيه (عن) مقدَّرة وكأن اللفظ هو «فيها حكم الله ثم يتولون عنه». هذا معناه اللغوي.






أمـا معنـاه الشرعي: فالتولي ضد الطاعة، فهو الانصراف عن الطاعة بما يعني الترك والامتناع ويبيّن ذلك ما قال الطبري في تفسير قوله تعالى (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك) الآية. قال رحمه الله (يعني تعالى ذكره: وكيف يحكمك هؤلاء اليهود يامحمد بينهم، فيرضون بك حَكَماً بينهم، وعندهم التوراة التي أنزلتها على موسى، التي يقرّون بها أنها حقّ، وأنها كتابي الذي أنزلته على نبي، وأن مافيه من حكم فمن حكمي، يعلمون ذلك لا يتناكرونه، ولا يتدافعونه، ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم، وهم مع علمهم بذلك يتولَّوْن، يقول: يتركون الحكم به بعد العلم بحكمي فيه جراءةً عليّ وعصياناً لي ــ إلى أن قال ــ وأصل التولي عن الشيء: الانصراف عنه، كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، ثني حجاج عن ابن جريج عن عبدالله بن كثير (ثم يتولون من بعد ذلك) قال: توليهم: ماتركوا من كتاب الله.) (تفسير الطبري) 6/ 247 ــ 248. وهذا الكلام يبيّن بجلاء أن مناط التكفير في آية المائدة هو مجرد ترك الحكم بما أنزل الله لاجحده، لأن الذين أنزلت فيهم الآيات كانوا ــ كما قال الطبري ــ (يقرون بها أنها حق... يعلمون ذلك لايتناكرونه). فالتولي والترك شيء والجحد أو التكذيب شيء آخر ــ لأن الجحد هو التكذيب الظاهر باللسان كما أسلفت ــ وفي بيان الفرق بين التولي والتكذيب وأنهما أمران مختلفان قال ابن تيمية رحمه الله: (و «التولي» هو التولي عن الطاعة، كما قال تعالى «ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يُسلمون، فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً، وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليما» ــ الفتح 16 ــ، وقال تعالى «فلا صَدَّق ولاصلى، ولكن كذّب وتولى» ــ القيامة 31 و 32 ــ، وقد قال تعالى «لايصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى» ــ الليل 15 و 16 ــ، وكذلك قال موسى وهارون «إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى» طه 48 ــ، فعُلِمَ أن التولّي ليس هو التكذيب، بل هو التولي عن الطاعة، فإن الناس عليهم أن يصدقــوا الرســول فيما أخبــر ويطيعـوه فيما أمر، وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة التولي.) (مجموع الفتاوى) 7/ 142. ويظهر من كلام شيخ الإسلام أن الإيمان عند أهل السنة ــ وهو مادلّ عليه الكتاب والسنة ــ لابد فيه من التصديق بالقلب واللسان مع الطاعة بأداء أعمال الإيمان، وهو معنى قول أهل السنة (الإيمان قول وعمل)، وأن الإيمان ينتفي بما يضاد التصديق وهو التكذيب والجحد، كما ينتفي بما يضاد الطاعة وهو التولي بترك المأمور به أو فعل المنهي عنه والمقصود هنا مايُخل منها بأصل الإيمان كما بيّنته في التنبيه الهام المذكور بمبحث الاعتقاد، فمن حصر الكفر في الجحد فقد حصر الإيمان في التصديق وهذا قول المرجئة وهو قول باطل، وفي هذا قال ابن تيمية رحمه الله (والكفر لايختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق لكن لا اتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك، لكان كُفره أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، عُلِمَ أن الإيمان ليس هو التصديق فقط، بل إذا كان الكفر، يكون تكذيبا، ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعاً بلا تكذيب، فلابد أن يكون الإيمان تصديقا مع موافقة ٍ وموالاة ٍ وانقياد، لايكفي مجرد التصديق) (مجموع الفتاوى) 7/ 292.






والحـاصـل: أن أهـل السـنة القـائلـين بـأن الإيمـان قـول وعمل يُكفِّرون بالأعمال ــ من الأقوال والأفعال والتروك ــ التي نصّ الشارع على كفر فاعلها، أما المرجئة القائلون بأن الإيمان هو التصديق وليس العمل منه، فلا يُكَفّرون بشيء من الأعمال، بل ليس الكفر عندهم إلا التكذيب والجحد أي مايضاد التصديق، ولكن الفقهاء والمتكلمين من المرجئة قالوا مع ذلك إن العمل (قول أو فعل أو ترك) الذي نص الشارع على كفر فاعله فإنه علامة على أنه مكذب بقلبه، ويكفرونه بذلك العمل، وجعلوا الجحد لازما لاينفك عن التكفير بمثل هذا العمل، بخلاف غلاة المرجئة الذين جعلوا الجحد شرطا مستقلا للتكفير في هذا الموضع كما شرحته في تعليقي على العقيدة الطحاوية.






والخـلاصــة: أن مناط التكفير في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) هو ترك الحكم بما أنزل الله الذي جاء مفسراً في الآية قبلها بأنه التولي عن حكم الله أي تركه وعدم طاعته لا التكذيب به وجحده، فمن اشترط الجحد للتكفير هنا فقد خالف النص وشرطه باطل كما قال صلى الله عليه وسلم (من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) الحديث متفق عليه. ومما يزيد هذا بياناً:






2 ــ الدليل الثاني: وهو ماذكرته من أن الذنوب التي نصّ الشارع على كفر فاعلها فإنه يحكم عليه بالكفر بمجرد فعلها دون تقييد ذلك بجحد أو استحلال، بخلاف الذنوب التي لم يثبت عن الشارع كفر فاعلها فلا يكفر إلا إذا جحدها ــ إن كانت من الواجبات ــ أو استحلها ــ إن كانت من المحرمات ــ.






وقـد ذكـرت عقب تعليقي على قول الإمام الطحاوي (ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه)، ذكرت أن التفريق بين هذين النوعين من الذنوب (المكفّرة والمفسِّقة) وعدم اشتراط الجحد أو الاستحلال للتكفير بالأولى مع اشتراطه في الثانية أن هذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة حتى أن مُخالِفَه يكفر، ولهذا أكفر السلف من يشترط الجحد للتكفير بالذنوب المكفرة كما ذكره ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) 7/ 205 و 209. ومن الأدلة التي ذكرتها في التنبيه الهام المشار إليه: إجماع الصحابة على تكفير تارك الصلاة بمجرد الترك، مع إجماعهم على عدم تكفير شارب الخمر إلا إذا استحلها. وذلك لأن النص أثبت الكفر لتارك الصلاة بمجرد الترك وهو قوله صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم، في حين لم يثبت نص في تكفير شارب الخمر فلا يكفر إلا بشيء مكفّر زيادة على الشرب، وهو استحلال شربها بما يعني التكذيب بالنص المحرم لها، وهذا التكذيب كفر.






فـإذا كـان النبـي صلى الله عليه وسلم قـد قـال (بـين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)، فقد قال تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). فترك الصلاة كفر أكبر معرف بأل (الكفر)، وكذلك ترك الحكم بما أنزل الله كفر أكبر معرف بأل. (الكافرون). فهذا تركٌ مُكَفِّر، وهذا تركٌ مكفّر نص الشارع على أن فاعله كافر كفراً أكبر. فمن اشترط الجحد أو الاستحلال للتكفير هنا فقد استدرك على الله وخالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة الذي هو سبيل المؤمنين، وقال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) النساء 115.






يبقـى بعـد ذلـك التنبيـه على قاعـدتين هـما أساس أخطاء معظم المعاصرين في موضوع الإيمان والكفر، ومنه الخطأ في موضوع الحكم بغير ما أنزل الله.






القاعـدة الأولى: وهـى قـول أهـل السـنة (لا نكفـر مسلمـاً بذنـب مـا لـم يستحله). وهى قاعدة صحيحة، ولكن الخلل في فهم كثير من المعاصرين لها، فقد ظنوا أن كلمة (ذنب) فيها تعني أي ذنب كان ــ كما قاله الألباني، وبينت خطأه في أخطاء التكفير بمبحث الاعتقاد ــ وليس الأمر كذلك، بل المقصود بالذنب فيها الذنوب غير المكفرة كالزنا والربا والخمر والسرقة فهذه لا يكفر فاعلها إلا باستحلالها وقد قال أهل السنة هذه العبارة ــ كما ذكر ابن تيمية ــ للرد على الخوارج الذي يكفرون بالذنوب غير المكفرة بمجرد فعلها، أما الذنوب المكفرة فلا يسمى فاعلها مسلماً، وبالتالي فلا تسرى عليه هذه القاعدة، وانظر شرحاً موجزاً لذلك بالمقدمة السادسة عشرة، والتفصيل مذكور بتعليقي على العقيدة الطحاوية بأول مبحث الاعتقاد.






أما القاعدة الثانية: فهي قول الطحاوي رحمه الله (ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه) أهـ. وهذا خطأ وبيّنت خطأه كما بينت معنى هذه العبارة عند المرجئة وذلك في التعليق عليها بمبحث الاعتقاد بما يغني عن إعادته هنا، ويكفيك هنا قول ابن تيمية المذكور آنفا (والكفر لا يختص بالتكذيب...) إلى آخر ما نقلته عنه من (مجموع الفتاوى) 7/ 292.






وقـد كـان هذا كله في بيان أنه لا يشترط الجحد أو الاستحلال للحكم بالكفر الأكبر على (من لم يحكم بما أنزل الله)، وقد ذكرت دليلين على بطلان هذا الشرط:






أحـدهمـا: أن اشتـراط الجحـد مخالــف لمنــاط التكفــير الـوارد في الآية والـذي هـو مجـرد تـرك الحكــم والتولي عنه.






والثـانـي: أن الكفـر في الآية هـو الكفـر الأكبر وقد ثبت ذلك بأربعة أدلة ــ اتفاق الصحابة ودلالة اللغة ودلالة عرف الشارع ودلالة الشرع ــ ذكرتها في الرد على الشبهة الثانية. ورتب الله الكفر الأكبر على ترك الحكم بما أنزل الله بما يعني أن هذا الترك ذنب مكفِّر، وهذا لا يشترط جحد أو استحلال للتكفير به كما دلّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، ومن خالف في ذلك فقد خالف النص والإجماع، وقال بقول غلاة المرجئة الذين أكفرهم السلف لاشتراطهم الجحد للتكفير بالذنوب المكفرة يما ينطوي عليه هذا الشرط من رد حكم الله بكفر من فعل هذه الذنوب بمجرد فعلها.






خـلاصـة القـول في تفسـير قوله تعالى (ومـن لـم يحكـم بمـا أنـزل اللـه فأولـئـك هـم الكافرون).






بعـد الـرد على الشبهـات الثـلاث الـواردة على الاحتجـاج بهـذه الآية، وبيان الحق والقول الراجح في كل منها، ألخص ما سبق فيما يلي:






1 ــ أن الآية عامـة: يَعُم حكمُها كل من يتناوله لفظها، أي كل (من لم يحكم بما أنزل الله) من الحكام والقضاة أو غيرهم ممن يتصدى للحكم بين الناس، وسواء كان القاضي يحكم بالشرع في الأًصل كقضاة الشريعة، أو كان لايحكم به في الأًصل كقضاة القوانين الوضعية، فإن هؤلاء جميعهم يعمهم لفظ الآية إذا تركوا الحكم بما أنزل الله.






2 ــ أن الكفر في الآية هو الكفر الأكبر المخرج من الملة.






3 ــ أن منـاط التكفـير في هذه الآية هو ترك الحكم بما أنزل الله والذي يلازمه دائما الحكم بغير ما أنزل الله كما دل عليه سبب النزول. وهذا المناط هو سبب الحكم بالكفر الوارد في الآية دون النظر إلى الباعث على هذا السبب، فسواء كان الباعث هويً أو رشوة أو قرابة أو جحداً أو استحلالاً أو كراهية لما أنزل الله وتفضيل غيره عليه أو غير ذلك من البواعث، فإن هذا كله لا يؤثر في الحكم الذي يترتب على السبب لا الباعث عليه، وقد ذكرت الفرق بين أسباب الكفر وأنواعه وبواعثه ضمن أخطاء التكفير المذكورة بمبحث الاعتقاد.






4 ــ أن الحكـم بالكفـر يقـع على مـن تـرك حكـم اللـه في قضيـة واحـدة أو في جميـع أقضيـته، وذلـك لأن الحكم بالكفر ــ في سبب نزول الآية ــ وقع على من ترك حكم الله في قضية واحدة وهى حكم الزاني المحصن، وصورة سبب النزول قطعية الدخول في النص كما في المقدمة السابعة.






والخـلاصــة: أن كــل مــن تــرك حكـم اللــه في قضيـة أو نازلــة وحكـم فيها بغير ما أنزل الله متعمداً غير مخطيء فهو كافر كفراً أكبر. ويدخل في هذا الحكم دخولاً أولياً جميع الحكام والقضاة الحاكمين بالقوانين الوضعية، لأن مجرد التزامهم الحكم بهذه القوانين هو تعمد منهم لترك حكم الله والحكم بغيره، فهؤلاء لا يرد فيهم التفريق بين المتعمد والمخطئ. وإنما يرد هذا التفريق في حق قضاة الشريعة الذين يلتزمون الحكم بالشريعة في الأصل، فمن خالفها منهم متعمداً كَفَر، ومن خالفها مخطئا لم يكفر بل هو مأجور باجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد لحديث عمرو بن العاص مرفوعا (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) متفق عليه. إلا أن المخطيء من قضاة الشرع حكمه مردود يجب نقضه إذا خالف الثابت في الشرع للحديث (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم.






وهـذا الذي رجّحنا أنه الحـق في هـذه الآية ــ من أنها عامة في كل من تعمّد ترك حكم الله والحكم بغيره أنه كافر كفراً أكبر ــ قال به كثير من أهل العلم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وبذلك ترى أن ما ذكرناه لم يخرج عن مجموع أقوالهم، وهذا تحقيق لما ذكرناه في المقدمة الرابعة من أن الصحابة إذا اختلفوا ــ وإن أسقط هذا الاختلاف الحجة في قولٍ معين من أقوالهم كما في المقدمة الثالثة ــ إلا أنه لابد أن يكون الحق في قولٍ من أقوالهم إذ لا يخرج الحق عنهم جميعا، ويعرف المُحق منهم بالترجيح كما قال مالك ــ في اختلاف الصحابة ــ (مخطئ ومصيب فعليك بالاجتهاد).وذكر ابن القيم في أصول مذهب أحمد بن حنبل (الأًصل الثالث من أصوله: إذا اختلف الصحابة تخيَّر من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم) (إعلام الموقعين) 1/ 31، وقوله (ولم يخرج عن أقوالهم) لأن الحق في واحدٍ منها كما في المقدمة الرابعة.






وممن قال من السلف بما رجّحناه في هذه الآية:






1 ــ ما نقله العلامة محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره قال (ونقل في «اللباب» عن ابن مسعود والحسن والنخعي: أن هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة، فكل من ارتشى وبّدل الحكم فحكم بغير حكم الله، فقد كَفَر وظَلَم وفسق، وإليه ذهب السُّدّي، لأنه ظاهر الخطاب. ثم قال: وقيل: هذا فيمن عَلِمَ نصّ حكم الله ثم ردّه عياناً عمداً وحَكَم بغيره، وأما من خفي عليه النص أو أخطأ في التأويل فلا يدخل في هذا الوعيد. انتهى. وقال إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن» ظاهر الآيات يدل عى أن من فعل مثل مافعلوا ــ يعني اليهود ــ واخترع حُكماً يُخالف به حكم الله، وجعله ديناً يُعمل به، فقد لزمه مثل مالزمهم من الوعيد المذكور، حاكما كان أو غيره) (محاسن التأويل) للقاسمي، 6/ 215 ــ 216، ط دار الفكر 1398هـ. ومانقله القاسمي عن إسماعيل القاضي ذكره ابن حجر في (فتح الباري) 13/ 120، ومعنى كلام إسماعيل هو ماذكرته في المقدمة السابعة من أن صورة سبب النزول قطعية الدخول في النص، ونقل السيوطي الإجماع على ذلك. وصورة واقعنا المعاصر من الحكم بالقوانين الوضعية هى صورة سبب النزول وهى تعمد ترك حكم الله والحكم بشرع مخترع يخالفه مع جعله ديناً يُعمل به أى نظاماً مُلزماً كما ذكرته في معنى الدين في المقدمة الأولى، والحاكمون بالقوانين الوضعية لايَرِد فيهم ماذكره القاسمي من التفريق بين المتعمد والمخطيء والمتأول فهذا يرد في قضاة الشريعة، أما الحكام بالقوانين الوضعية فهم متعمدون ترك حكم الله والحكم بغيره بمقتضى التزامهم الحكم بها، وهم لايتولون مناصبــهم الرئاســية والقضــائية إلا على الالتــزام بذلك كما تنص عليه ســائر الدسـاتير العلمانية من أنه (الحكم في المحاكم بالقانون)، وقد نبّهت على هذا من قبل.






2 ــ وما نسـبه القاسـمي لابن مسعـود رضـي اللـه عنـه، رواه الطـبري عنـه بأكـثـر من طريق وأكثر من لفظ، ذكرت بعضها قبلاً، ومنها قول الطبري (حدثنا هناد، قال: ثنا عبيدة، عن عمار، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: سألت ابن مسعود عن السحت، أهو الرشا في الحكم، فقال: لا، من يَحْكم بما أنزل الله فهو كافر، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق، ولكن السحت يستعينك الرجل على المَظْلمة فتعينه عليها، فَيُهدى لك الهدية، فتقبلها.) (تفسير الطبري) 6/ 230.






3 ــ وما نسـبه القاسـمي للسـّدي رواه الطـبري عنـه ونقلـه ابن كثـير، وهـو قـوله («ومـن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» يقول: ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمداً، أو جَارَ وهو يعلم فهو من الكافرين) (تفسير ابن كثير) 2/ 61.






4 ــ وقال ابن القيم ــ في هذه الآية ــ (ومنهـم مـن تأوّلهـا على الحكـم بمخالفـة النـصّ، تعمداً من غير جهل ولاخطأ في التأويل، حكاه البغوي عن العلماء عموماً) (مدارج السالكين) 1/ 365، ط دار الكتب العلمية، ط 1.






5 ــ وقال ابن كثير في تفسير قوله الله تعالى { أفحكـم الجاهليـة يبغـون ومـن أحسـن مـن اللــه حكمــا لقومٍ يوقنون } المائدة 05، وهذه الآية هى ختام الآيات الواردة في قصة تبديل اليهود حكم الله في الزاني المحصن، فقال ابن كثير فيها (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ماسواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من الشريعة، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم ســواه في قليــل ولاكثــير، قال تعالى (أفحكـم الجاهليـة يبغـون) أي يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون (ومـن أحسـن مـن اللــه حكمــا لقومٍ يوقنون } (تفسير ابن كثير 2/67). فبيّن رحمه الله أن الحكم بالكفر يقع على من خرج على حكم الله وعَدَل إلى آراء الرجال، وضرب لذلك مثلين أحدهما ماكان عليه أهل الجاهلية والآخر ماكان عليه التتار، ثم عمَّم الحكم فقال (فمن فعل ذلك فهو كافر) أهـ. ولم يقل من اعتقد ذلك أو من جحد حكم الله لأن هذه الصفات وإن كانت مكفرة في ذاتها إلا أن تقييد الكفر بها خروج على مناط الحكم الوارد في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) والمناط كما أسلفنا هو تعمد ترك حكم الله والحكم بغيره.






6 ــ وقـال الشـوكـاني رحمـه اللـه مخـاطبـا القـاضـي الشرعي المقلد الذي يحكم بالأقوال التي يجدها في كتب من سبقه من العلماء ولايدري الراجح من المرجوح والصواب من الخطأ فيها، إذ إن المقلد لابَصَر له بأدلة الكتاب والسنة التي يعلم بها الراجح والصواب، فقال الشوكاني (واعلم أرشدك الله أيها المقلد إنك إن أنصفت من نفسك وخلّيت بين عقلك وفهمك وبين ماحررناه في هذا المؤَلَّف لم يبق معك شك في أنك على خطر عظيم ــ إلى قوله ــ لأنك تريق الدماء بأحكامك وتنقل الأملاك والحقوق من أهلها وتحلل الحرام وتحرّم الحلال وتقول على الله مالم يقل، غيرَ مُستَنِدٍ إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل بشيء لاتدري أحقٌ هو أم باطل باعترافك على نفسك بأنك كذلك ــ إلى قوله ــ وكيف أقدمت على أصول في الحكم بغير ماأنزل الله حتى تكون ممن قال فيه «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ــ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ــ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» فهذه الآيات الكريمة متناولة لكل من لم يحكم بما أنزل الله، فإنك لاتدّعي أنك حكمت بما أنزل الله) أهـ (القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد) للشوكاني صـ 46 ــ 47، ضمن (الرسائل المفيدة) له، ط دار الكتب العلمية. فإذا كان هذا هو قول الشوكاني للقاضي الشرعي المقلد، واستدل عليه بعموم هذه الآيات، فكيف يكون قوله للقضاة بالقوانين الوضعية الذين يجزمون بأنهم يحكمون بغير ماأنزل الله؟.






7 ــ وبمثل قول الشوكاني قال صديق حسن خان (في قوله تعالى «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»: والآية عامّة فيمن بدّل حكم الله وغيره) أهـ (الإذاعة لما كان ومايكون بين يدي الساعة) لصديق حسن، صـ 111، ط المدني.






وبعـد، فقـد كانـت هـذه أقـوال بعـض أهـل العلم في المسألة بمثل ماقلته فيها، وهو أن كل من تعمد ترك حكم الله والحكم بغيره فهو كافر سواء كان قاضيا شرعيا أو غير شرعي، ولايستثنى من هذا الحكم إلا المجتهد المخطيء للحديث الوارد في حقه (حديث عمرو بن العاص).






يبقـى بعـد هـذا تنبيهان متعلقان بتفسير هذه الآية: أحدهما متعلق ببيان معنى الحكم فيها، والآخر في التنبيه على أخطاء شائعة متعلقة بمناط الحكم الوارد في الآية.






----------> سوف نتابع النقل لاحقا إن شاء الله -------->

طرابلسي
05-02-2008, 08:48 PM
(التنبيـه الأول)






في المـراد بالحكـم في قوله تعالى (ومـن لم يحكـم بما أنـزل اللـه) الآية.






قال الفخر الرازي في تفسيره (أمـا الخـوارج فقـد احتجـوا بهـذه الآية، وقالوا: إنها نصٌ في أن كل من حكم بغير ماأنزل الله فهــو كافـر، وكـل مـن أذنـب فقـد حكـم بغـير ماأنـزل اللـه، فـوجـب أن يكـون كــافـراً) (تفسير الرازي) 12/ 5. فأخذ أهل العلم في الرد على احتجاج الخوارج بهذه الآية بردود ذكرتها وأبطلت معظمها فيما مضى من القول. ومن ذلك القول بأنها في أهل الكتاب، والقول بأن الكفر فيها هو كفر دون كفر، والقول بأن المراد بالكفر: فعل فعلا يضاهي أفعال الكفار، والقول بأن المراد من لم يحكم بجميع ماأنزل الله هذا مع أن النص وارد في ترك الحكم في قضية واحدة، ومنها القول بأن الحكم بالكفر فيها إنما يقع على الجاحد والمستحل. وكل هذه الأقوال باطلة مردودة. وبيّنت بطلانها فيما مضى، فالخوارج غلوا في الاحتجاج بالآية، وأصحاب هذه الردود جفوا فأفرغوا الآية من مضمونها وعدلوا عن ظاهرهاً، والحق وسطٌ بين هذين الطرفين.






أما الرد على احتجاج الخوارج المذكور بهذه الآية فينبغي أن يكون من وجهين وهما:






الوجـه الأول: أن نـص الآية وإن كان من صيغ العموم، إلا أنها خاصة بالحكام المَعْنيين بالحكم بين الناس وفصل الخصومات (كالسلطان والقاضي وغيرهما)، فالآية عامة في موضوعها أو هى عامة في موضوع خاص وهو الحكم وفصل الخصومات. وحيث ورد لفظ (الحكم) ــ كواجب على الناس ــ في الكتاب والسنة، فإنه لايُراد به إلا فصل الخصومات ولايراد به جميع أعمال الإنسان، فإن الله تعالى قال (ومن لم يحكم بما أنزل الله) ولم يقل (ومن لم يعمل بما أنزل الله). وقال تعالى (وماكان ربك نسيّاً) مريم 64. فتعميم لفظ (الحكم) على جميع أعمال الإنسان ليصبح كل من أذنب حاكما بغير ماأنزل الله هو من تحريف الكلم عن مواضعه، وهذا من صفات الخوارج كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تواتر عنه في وصفهم أنهم (يقرأون القرآن لايجاوز حناجرهم) الحديث، أي يرددونه قراءة بحناجرهم ولايجاوزها إلى القلوب التي هى موضع الفهم، والمراد وصفهم بأنهم لايفهمون معنى مايقرأون من القرآن.






وقد تقدم في المقدمة الثالثة عشرة أنه يجب حمل معنى اللفظ على معهود استعمال الشارع (أي عرف الشارع في كلامه)، وفيها ذكرت قول ابن القيم (اللفظ الذي اطّرد استعماله في معنى هو ظاهر فيه، ولم يُعهـد استعمالـه في المعنى المؤول أو عُهِدَ استعماله فيه نادراً، فحملُه على خلاف المعهود من استعماله باطل، فإنه يكون تلبيساً يناقض البيان والهداية، بل إذا أرادوا استعمال مثل هذا في غير معناه المعهود حَفّوا به من القرائن مايبيّن للسامع مرادهم به لئلا يسبق فهمه إلى معناه المألوف، ومن تأمل كمال هذه اللغة وحكمة واضعها تبيّن له صحة ذلك) (مختصر الصواعق المرسلة) صـ 16، ط دار الكتب العلمية 1405هـ. فإذا طبقت هذه القاعدة على لفظ (الحكم) الواجب على الناس، وجدته لم يأت إلا بمعنى فصل الخصومات والحكم في أقضية الناس، فكيف إذا جاءت القرائن مؤكدة لهذا المعنى:






ومن ذلك قوله تعالى (ومـن لـم يحكـم بمـا أنـزل اللـه فأولئك هم الكافرون) جاءت في الحكم بين الناس ويؤكد ذلك قوله تعالى قبلها (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط)، وأنها نزلت في حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية اليهوديين اللذين زنيا.






و قـولـه تـعالـى (خصمـان بـغـي بـعـضـنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ــ إلى قوله ــ ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) وهذا نص صريح في أن الحكم إنما يكـون بين الخصوم، وأن الملوك (والرؤســاء) مخاطــبون به كالقضاة، لأن داود عليه السلام كان ملكاً كما قال تعالى (وقتل داود جالوت وآتاه الله المُـلْــك والحكمة) البقرة 251.






وعلـى هـذا المعنـى دار لفـظ (الحـكـم) في الكـتاب والسـنة، كما قال تعالى (وإذا حكمتـم بـين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء 58، وقال تعالى (فاحكم بينهم بما أنزل الله) المائدة 48، وقال تعالى (لتحكم بين الناس بما أراك الله) النساء 105، وقال تعالى (حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم) النساء 65.






والحـاصـل أن قوله تعالى (ومـن لـم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وإن كان نصّاً عاماً، إلا أنه خاص بالحكم بين الناس في أقضيتهم وخصوماتهم، لايشمل سائر أعمال الإنسان في خاصة نفسه كما ذهب إليه الخوارج، وهذا هو الوجه الأول في الردّ عليهم.






أمـا الـوجـه الثـانـي: فهـو أنـه لـو افتـرضنـا صحة رأي الخوارج من أن الآية عامة في كل من لم يعمل بما أنزل الله وأنه كافر، فإنه لاخلاف بين المسلمين في أن العام يدخله التخصيص، وقد دلّت النصوص الخاصة في حق بعض العصاة كالزاني والسارق وشارب الخمر على أنهم لايكفرون بذلك ولايُعاقبون عقاب المرتدين، وهذه نصوص خاصة تقدم على العام بالإجماع، فبطل بذلك استدلال الخوارج بالآية على العموم من الوجه الذي قالوا به.






هـذا ما يتعلـق بالـرد على احتجـاج الخوارج بالآية، وفيه غُنْية عن التأويلات التي رد بها بعض أهل العلم عليهم بما يصرف الآية عن ظاهرها ويفرغها من مضمونها.

طرابلسي
05-02-2008, 08:52 PM
تفنيد أقوال المخالفين






(التنبيـه الثـاني)






في التنبيـه على أخطـاء شائعـة متعـلقـة بمنـاط الحكـم الـوارد في قوله تعالى «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون».






وأذكر فيما يلي الأقوال المتضمنة لهذه الأخطاء ثم أبيّن وجه الخطأ فيها:






1 ــ الشـيخ محمـد بن إبراهيـم آل الشـيخ قال (وأمـا القسـم الثـاني من قِسْمي كُفر الحاكم بغير ماأنزل الله، وهو الذي لايخرج من الملة، فقد تقدم أن تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقول الله عزوجل «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» قد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله رضي الله عنه في الآية «كفر دون كفر» وقوله أيضا «ليس بالكفر الذي تذهبون إليه» أهـ. وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ماأنزل الله، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى) أهـ. من رسالته (تحكيم القوانين) صـ 7. والرد عليه من وجوه:






أولهـا: لـم يصـح عن ابن عباس رضي الله عنهمـا مانسبـه إليـه هـنا كمـا ذكـرتـه في الـرد علـى الشبهـة الثانية.






وثانيـها: أن من روي عن ابن عباس هـذه المقـالـة لـم يقـل إنـه قـالهـا فيمـن حكم بغير ماأنزل الله لشهوة وهوى معتقداً أنه الحق، وإنما هذا شيء ركّبه المعاصرون على كلام ابن عباس ليوفقوا بينه وبين الكفر الأكبر الذي يدل عليه نص الآية، فجعلوا الكفر الأكبر في حق الجاحد وجعلوا الكفر الأصغر في كلام ابن عباس في حق من اعتقد الوجوب وحكم بغير ماأنزل الله لهوى، فجعلوا الحكم بغير ماأنزل الله بمنزلة الذنوب غير المكفرة كالزنا ونحوه التي لم يصفها الله بالكفر الأكبر في حين وصف الله الحكم بغير ماأنزله بأنه كفر أكبر، فأداهم هذا التوفيق بين نص الآية وبين مقالة ابن عباس إلى مصادمة ظاهر نصها.






وثـالثـها: أن الصـورة التـي وصـفها الشـيخ ابن إبراهيـم بأنـها كفـر أصغـر هى نفس صورة سبب نزول الآية وقد وصفها الله بأنها كفر أكبر، وصورة السبب قطعية الدخول في النص، فقوله هذا خطأ قطعاً. فقد قال: من حكم بغير ماأنزل الله لهوى وهو معتقد أن حكم الله هو الحق، والذين أكفرهم الله في الآية أقروا بحكم الله في الرجم وهذا تعبير عن اعتقادهم أنه حق من عند الله، ولم يحكموا به إلا لهوى، وذلك لأن كل من لم يحكم بما أنزل الله فلابد أن يكون متبعاً للهوى، كما قال تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) المائدة 49، وقال تعالى (ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) صلى الله عليه وسلم 26، وقال تعالى(فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) القصص 50، وقال تعالى(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولاتتبع أهواء الذين لا يعلمون) الجاثية 18. فهذه الآيات ومافي معناها تبين أن كل من لم يحكم بما أنزل الله وكل من لم يتبع الرسول وكل من لم يتبع الشريعة فلابد أن يكون متبعاً للهوى، فهُما أمران لاثالث لهما: حق أو هوى. فالذين أكفرهم الله أقروا بوجوب حكمه ولم يحكموا به اتباعا للهوى، فالقول بأن من فعل هذا لايكفر كفراً أكبر مصادم للنص.






وهـنا قـال الشـيخ ابن إبراهيـم إنـه إذا اعتقـد أن حكم الله هو الحق وأنه مخطيء في حكمه بغير ما أنزل الله فيكون كافراً كفراً أصغر، وهذا القول بخلاف قولٍ آخر له، حيث قال (لو قال من حَكَّم القانون: أنا أعتقد أنه باطل، فهذا لا أثر له، بل هو عزل للشرع، كما لو قال أحدٌ: أنا أعبد الأوثان واعتقد أنها باطل) من (فتاوى ومقالات الشيخ محمد بن إبراهيم) 6/ 189. فانظر كيف ناقض نفسه، وقوله الأخير هو الصواب، لأن القول أو الفعل أو الترك المكفر لايؤثر في التكفير به تصريح فاعله باعتقادٍ مكفر من عدمه، ولايتوقف التكفير به على الاعتقاد، بل لو قال إن مُعْتَقَده بخلاف قوله أو فعله الكفري لكان كاذبا، كما نقلته عن شيخ الإسلام ــ في التعليق على قوله تعالى(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) في المناط الثالث أن تارك الصلاة لو قال ــ إنه مقر بوجوبها، ولو ألقى المصحف في الحش (القذر) وقال إنه يشهد أنه كلام الله، أو قتل نبياً وقال إنه يشهد أنه رسول الله لكان كاذبا في قوله، هذا مختصر كلامه من (مجموع الفتاوى) 7/ 615 ــ 616. لأن هذه أفعال مكفرة بذاتها، ولابد أن يصاحبها اعتقاد مكفر، ومن فعل كفراً بغير إكراه فلابد أن يكون كافراً ظاهراً وباطناً كما ذكرته بمبحث الاعتقاد، فإن صرّح بأن اعتقاده سليم لكان كاذباً ولايمنع تصريحه هذا من تكفيره كما قال الشيخ ابن إبراهيم ــ في كلامه السابق ــ (فهذا لاأثر له).






2 ــ الشيخ عبد العزيز بن باز قال في أصناف من حكم بغير ماأنزل الله (ومن قال: أنا أحكم بهذا، وهو يعتقد أن الحكم بغير ماأنزل الله لايجوز ويقول الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ولا يجوز الحكم بغيرها، ولكنه متساهل أو يفعل هذا لأمر صادر من حُكامه فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة ويعتبر من أكبر الكبائر) أهـ نقلا من كتاب (قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال) لسعيد بن علي بن وهف القحطاني، ط 1409هـ صـ 73.






وقوله كقول من سبقه إذ علّق الكفر على الاعتقاد، فقال (وهو يعتقد أن الحكم....) أي إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله لم يكفر وإن اعتقد عدم وجوبه كَفَر، وقد سبق الرد على هذا.






وأضيـف هـنا أنـه قـد سـبق في مبحـث الاعتقاد بيان أن الكفر يقع بقول أو فعل أو اعتقاد ثبت بالدليل أنه مكفِّر، ويدخل في الفعل الترك والامتناع. والحكم بغير ماأنزل الله اجتمع فيه تركٌ مكفر (ترك الحكم بما أنــزل اللــه) وفعلٌ مكفر (الحكم بغير ماأنزل الله)، وهما المناطان الأول والثالث المذكوران في صدر هذه المسألة السادسة، فهو كفر فوق كفر ليس كفراً دون كفر. وحصر الكفر في الاعتقاد خطأ، وهو مذهب المرجئة كما ذكرته في أخطاء التكفير بمبحث الاعتقاد وفيه نقلت اتفاق أهل العلم على أن الكفر يقع بقولٍ أو فعل أو اعتقاد، وقال علماء الدعوة النجدية (فيما ينقض به الإسلام: وأنه يكون بكلمة ولو لم تعتقد، ويكون بفعل ولو لم يتكلم، ويكون في القلب من الحب والبغض ولو لم يتكلم ولم يعمل) (الدرر السنية ــ كتاب المرتد ــ 8/ 101). وقد سبق أن انتقدت أيضا تعليق شيخ الإسلام ابن تيمية كفر من اتبع التشريع المخالف لشرع الله على الاعتقاد، وذلك في الكلام في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) في المناط الثالث، فراجعه.






وأيضا فـإن قـول الشـيخ ابن باز (أو يفعـل هذا لأمر صادر من حكامه فهو كافر كفراً أصغر) أهـ، فمتى كانت طاعة الأمر بالكفر مانعة من التكفير؟ وقد أخبر تعالى أن المستضعفين من الكفار ماكفروا إلا بسبب طاعتهم لكبرائهم، كما قال تعالى(إن الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً ــ إلى قوله ــ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءَنا فأضلونا السبيلا) الأحزاب 64 ــ 67، وقال تعالى (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مَكْر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله) سبأ 33، فلم تكن طاعتهم لسادتهم ورؤَسائهم في الكفر بمانعة من تكفيرهم واستحقاقهم للوعيد، فتأمّل.






3 ــ ومن فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، من الفتوى رقم 5226، جاء فيها (أما نوع التكفير في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فهو كفر أكبر، قال القرطبي في تفسيره: قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد رحمه الله: ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً للقرآن وجحدا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر» انتهى.






وأمـا مـن حكـم بغـير ماأنـزل اللـه وهو يعتقد أنه عاص لله لكن حمله على الحكم بغير ماأنزل الله مايدفع إليه من الرشوة أو غير هذا أو عداوته للمحكوم عليه أو قرابته أو صداقته للمحكوم له ونحو ذلك فهذا لا يكون كفره أكبر بل يكون عاصيا لله وقد وقع في كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق.) أهـ، إفتاء: عبدالله بن قعود وعبدالله بن غديّان وعبدالرزاق عفيفي وعبدالعزيز بن باز، نقلا عن (فتاوى اللجنة الدائمة) جمع الدويش، جـ 2 صـ 93.






ومن فتاوى نفس اللجنة في المسألة نفسها، ماورد بالفتوى رقم 5741 (لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر أكبر وظلم أكبر وفسق أكبر يخرج من الملة، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم يعتبر كافراً كفراً أصغر وظالماً ظلماً أصغر وفاسقاً فسقاً أصغر لايخرجه من الملة كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة.) أهـ (المصدر السابق) جـ 1صـ540.






وقد سبق القول بأن تعليق الكفر الأكبر على الجحد أو الاستحلال أو اعتقاد الجواز خطأ لسببين:






أحدهما: أن هذه مناطات مكفرة غير المناط المكفر الوارد بالآية.






والثاني: أن هذه شروط للتكفير بالذنوب غير المكفرة لا المكفرة كالحكم بغير ماأنزل الله.






وأضيف هنا ثلاثة أمور:






الأول: قولهم إن من حكم بغير ماأنزل الله بسبب الرشوة وهو يعتقد تحريمه أي يعتقد أن حكم الله حق فكُفْره أصغر، هذا خطأ مخالف لنص الآية، فالذين أكفرهم الله (فأولئك هم الكافرون) كانوا مقرين بحكم الله وكانوا يقبلون الرشوة للحكم بغيره كما وصفهم الله بقوله (أكالون للسحت) المائدة 42، وقال تعالى(ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة 44. ولهذا لما سُئل عبدالله بن مسعود عن الرشوة في الحكم، قال: ذاك الكفر، وتلا هذه الآية. فالحكم بغير ماأنزل الله بسبب رشوة كفر أكبر لأنه صورة سبب النزول (المقدمة السابعة).






الأمـر الثـاني: نفـس الصـورة السابقة ولكن حمله على الحكم بغير ماأنزل الله قرابته من المحكوم عليه، وهذا لايمنع من تكفيره أيضا لأنه داخل في سبب نزول الآية فلابد أن يشمله حكمها، وذلك لأن الطبري رحمه الله ذكر في إحدى روايات حديث سبب النزول عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فماذا كان أول ماترخصتم به أمر الله؟ قال زني ابن عم مَلِك فلم يرجمه، ثم زني رجل آخر في أسرةٍ من الناس، فأراد ذلك الملك رجمه، فقام دونه قومه، فقالوا: والله لاترجمه حتى ترجم فلانا ابن عم الملك، فاصطلحوا بينهم على عقوبة دون الرجم، وتركوا الرجم) الحديث.(تفسير الطبري) 6/ 233. فالقرابة كانت أول ماتركوا حكم الله لأجله، فالحكم بغير ماأنزل الله بسبب قرابة كفر أكبر لأنه داخل في صورة سبب النزول (المقدمة السابعة).






والأمـر الثالث: قولهم إن استحل الحكم بغير ماأنزل الله كَفَر كُفْرآً أكبر، هذا حقٌ كما أن الكفر بجحد الحكم حق، ولكن ليس الاستحلال والجحد شرطين للتكفير كما سبق بيانه لأن الحكم بغير ماأنزل الله مناط مكفر بذاته وصفه الله بالكفر الأكبر ومثل هذا لايفتقر للجحد أو الاستحلال ليصبح مكفِّراً. ومع ذلك فإني أضيف هنا أن الحكم بالقوانين الوضعية هو استحلال صريح لما حرّمه الله من المحرمات القطعية، وقد ذكرت هذا في المقدمة السابعة عشرة بالتفصيل فراجعه، وقال ابن تيمية رحمه الله إن من حلل الحرام المجمع عليه كفر بالإجماع.(مجموع الفتاوى) 3/ 267.






هـذا، وقـد رددت على الأقـوال السابقـة المتضمنة لأخطاء متعلقة بمناط الكفر الوارد في الآية بشيء من التفصيل، والأقوال التالية من السادس حتى الحادي عشر مشابهة لما مضى في نفس الأخطاء، ولهذا سأسردها سرداً والرد عليها كالرد على ماسبق. وهى:






4 ــ الشيخ محمد الصالح بن عثيمين قال (الحكـم بغير مافي كتاب الله وسنة رسوله يصل إلى الكفر بشرطين: الأول: أن يكون عالما بحكم الله ورسوله، فإن كان جاهلا به لم يكفر بمخالفته. الثاني: أن يكون الحامل له على الحكم بغير ماأنزل الله اعتقاد أنه حكم غير صالح للوقت وأن غيره أصلح منه، وأنفع للعباد، وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ماأنزل الله كفراً مخرجا عن الملة، لقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وتبطل ولاية الحاكم، ولايكون له طاعة على الناس، وتجب محاربته، وإبعاده عن الحكم.






أمـا إذا كـان يحكـم بغـير ماأنـزل اللـه وهـو يعتقـد أن الحكـم به أي بما أنـزل الله هو الواجب، وأنه أصلح للعباد، لكن خالفه لهوى في نفسه أو إرادة ظلم المحكوم عليه، فهذا ليس بكافر بل هو إما فاسق أو ظالم، وولايته باقية، وطاعته في غير معصية الله ورسوله واجبة، ولا تجوز محاربته أو إبعاده عن الحكم بالقوة) (فتاوى ابن عثيمين) جـ 3 صـ 15 ــ 16، سؤال 340.






5 ــ الشيـخ الشنقيـطي قـال (مـن حَكَم بغـير حُكْم اللـه، وهـو عالـم أنه مرتكب ذنبا فاعل قبيحاً، وإنما حمله على ذلك الهوى فهو من سائر عصاة المسلمين) (أضواء البيان) 2/ 103.






6 ــ الشيخ محمود شاكر فيما نقله عنه أخوه أحمد شاكر في (عمدة التفسير) 4/ 157، قال (وإما أن يكون حكم بها هوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة) أهـ.






7 ــ الأستاذ محمد قطب قال عن الحكم بغير ماأنزل الله (وقد يكون شهوة، كحكم القاضي المرتشي بما يخالف حكم الله وهو عالم بالمخالفة، فهذه معصية) (واقعنا المعاصر) صـ 333.






8 ــ الأستاذ عبدالرحمن عبدالخالق قال (أن يعتقد أن حكم الله هو الخير وهو الحق، وكل حكم يخالفه مرجوح باطل، ولكن يحكم به بدافع من شهوة أو رشوة أو منصب أو غير ذلك، وهذا الذي قال فيه ابن عباس رضي الله عنهما «كفر دون كفر» أي كفر لايخرجه من ملة الإسلام) أهـ من كتابه (الحد الفاصل بين الإيمان والكفر) صـ 51، ط دار الاعتصام 1397 هـ.






9 ــ الأستاذ حسن الهضيبي ــ ونقلت كلامه في هذه المسألة بمبحث الاعتقاد ــ ومنه قوله (الكافر هو من حكم بغير ماأنزل الله جاحداً، وأن من أقر بحكم الله وحَكَم في الأمر على خلافه فهو ظالم فاسق) (دعاة لاقضاة) صـ 159.






وقــد رددت علــى الأخطــاء في كــلام المؤلــفين من الســادس حــتى الحــادي عشر عند الرد على أقوال من سبقهم.






وهناك نوع آخر من الأخطاء في هذا الموضوع تضمنتها الأقوال التالية:






10 ــ الدكتور عبدالله أحمد قادري، قال (النـوع الـرابـع: أن يحكـم بغيـر ماأنـزل اللـه في جزئية من الجزئيات، وهو يعتقد أنه عاص وأن الحكم بغير ماأنزل الله محرم، وأن الواجب هو الحكم بما أنزل الله ولكنه غلبه هواه لمالٍ أو جاه أو قرابة ففعل مافعل ــ إلى أن قال ــ فيجب حمل «كفر دون كفر» على النوع الرابع، وهذا هو اللائق بعلماء السلف الذين يكفّرون من أنكر وجوب الطهارة) أهـ من كتابه (الردة عن الإسلام) صـ 57 ــ 59، ط مكتبة طيبة 1405هـ.






11 ــ الأسـتاذ عبداللـه بن محمـد القـرني، قال (وأمـا الكفـر الأصغـر فبنحـو الحكـم بغـير الشريعــة في قضية معينة لأجل الشهوة، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون») أهـ. من رسالته (ضوابط التكفير عند أهل السنة) صـ 256، ونقلت كلامه هذا من قبل في مبحث الاعتقاد.






أما قول القرني إن ابن عباس قال إن من حكم في قضية معينة لشهوة فكفره أصغر، فابن عباس لم يقل هذا، وقد ذكرت في الرد على الشيخ محمد بن إبراهيم أن هذه مناطات ركّبها المعاصرون على مانسب إلى ابن عباس في تفسير الآية، وهو لايصح عنه من جهة الرواية كما سبق تفصيله.






وأمـا قولهمـا أن من حكـم بغـير ما أنزل الله ويعتقد أنه عاص لهوى أو رشوة أو قرابة فكفره أصغر، فقد سبق الرد عليه وأن هذه كلها داخله في سبب النزول وهو كفر أكبر.






وأمـا قولهمـا إن الكفـر الأصغـر يكـون إذا حكـم في جزئية أو قضية معينة، فخطأ، وقد سبق القول بأن الكفر الأكبر الوارد في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ترتب على ترك حكم الله والحكم بغيره في قضية واحدة وهى حد الزاني المحصن، كما أن الشرك الأكبر الوارد في قوله تعالى(وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ــ الأنعام 121 ــ متوعَّدٌ به من أطاع الكفار في تشريعٍ واحد مخالف وهو إباحة أكل الميتة، فالحكم بغير ماأنزل الله في قضية واحدة هو صورة سبب نزول هذه الآيات فهو قطعي الدخول في عموم حكمها (المقدمة السابعة) أي أنه كفر أكبر. ولهذا فقد انتقد العلماء عَلَى عبدالعزيز الكناني قوله إن الكفر في الآية هو في حق من لم يحكم بجميع ماأنزل الله، بأن الوعيد في الآية ورد في ترك حكم الرجم فقط، كما قال أبو حيان الأندلسي (وقال عبدالعزيز بن يحيى الكناني «ماأنزل» صيغة عموم، فالمعنى من أتى بضد حكم الله في كل ماأنزل الله، والفاسق لم يأت بضد حكم الله إلا في القليل وهو العمل، أما في الاعتقاد والإقرار فهو موافق. وضُعِّف بأنه لو كان كذلك لم يتناول هذا الوعيد اليهود بسبب مخالفاتهم حكم الله في الرجم، وأجمع المفسرون على أن هذا الوعيد يتناول اليهود بسبب مخالفتهم حكم الله في واقعة الرجم فدلّ على سقوط هذا) (البحر المحيط) 3/ 493. وقال ابن القيم (ومنهم: من تأولها على ترك الحكم بجميع ماأنزل الله. قال: ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام. وهذا تأويل عبدالعزيز الكناني، وهو أيضاً بعيد. إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزّل. وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه.) (مدارج السالكين) 1/ 365. وأراد عبدالعزيز الكناني بقوله (ترك الحكم بجميع ما أنزل الله) أنه يدخل في ذلك ترك التوحيد فيكفر من هذا الوجه ــ وكلامه هذا يشبه قول من اشترط الاعتقاد المكفر للتكفير ــ ويُبطله أن الوعيد بالكفر في الآية جاء في حق من ترك حكماً من الشرائع (الرجم) لامن العقائد.






12 ــ الدكتور عمر عبدالرحمن في كتابه (أصنــاف الحكــام) صـ 59 ــ 61. قال (نحـن أمام نوعين من الحكام:






أحدهـما: مسلم يحكـم بكتاب الله، ولكنه ترك الحكم بما أنزل الله في إحدى الوقائع أو بعضها وهو يعلم أنه بذلك عاص آثم....






والآخـر: يدعـي الإسلام، ولايحكم بكتاب الله ولكم يحكم بتشريع وضعي يشرعه هو أو غيره من البشر ويحمل الناس على التحاكم إلى هذا الشرع الوضعي منحيا شرع الله عن الحكم.






فما القول في كل منهما؟.. ومانصيب كل واحد منهما من قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)؟.






هـل يستـوي هـذا الحاكـم الـذي أسس بنيان حكمه على الإسلام وعلم أنه عبد لله ماعليه إلاَّ أن يطبق حكم الله ويقيم شرع الله... بيد أنه أتى معصية بتركه الحكم بما أنزل الله في واقعة... عصيانا لاجحوداً ولا استبدلاً ولا اعتقاداً بأفضلية شرع غير شرع الله... وليس عنده تشريع غير شرع الله يأمر الناس بالتحاكم إليه..






هـل يسـتوي هـذا مـع مـن أسس بنيان حكمه على شفا جرف هارٍ من القوانين الوضعية فانهارت به في نار جهنم... فتجده لايحكم بما أنزل الله لأنه لايقيم حكمه على أساس أنه عبدٌ لله... بل يرى أنه هو أو غيره ــ برلماناً كان أو حزباً أو هيئة أو نظاماً ــ صاحب الحق في التشريع من دون الله، أو التشريع مع الله...






إن الأول منهما ــ بلا جدال ــ إنما هو حاكم مسلم عاص ٍ. * مسلمٌ: لأنه يقيـم حكمـه على أسـاس أن الحكـم والتشـريع إنما هو خالص حق الله تعالى لا يشاركه فيه غيره، ويعلم أن دوره ــ كوال ٍ أو خليفة للمسلمين ــ هو أنه يحكم بين عباد الله بما أنزل الله... * عـاص ٍ: لأنه خالف مولاه فترك الحكم بما أنزل الله في واقعة عصيانا لاجحوداً ولا استبدالاً وهو الذي عناه ابن عباس بقوله «إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) كفر دون كفر».






أمـا الثـاني ــ قاتلـه الله ــ فهو كافر... كافر... لأنه أراد أن يجعل نفسه ــ أو غيره ــ شريكاً لله، أراد أن يخلـع على نفسه صفة من صفات الربوبية وخاصية من خصائصها، ألا وهى حق التشريع، قال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله).... من فعل ذلك فهو كافر قطعا وكفره كفر أكبر ينقل عن الملة وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم... هذا هو الحق الذي لامراء فيه... وهذا هو القول الفصل في النوعين...) أهـ.






أمـا قولـه في النوع الأول (أحدهــما: مسلـم يحكــم بكتـاب اللـه) فهـذا الوصـف غير مؤثر في مناط الحكم، فإيراده في مقام التعليل اشتراط مالم يشترطه الله، هذا فضلا عن أن الحاكم المسلم هو وسائر المسلمين داخلون في عموم نص الآية (ومن لم يحكم...) ولا يكون مسلما إلا إذا كان حاكما بكتاب الله.






وقوله (في إحـدى الوقـائع أو بعضهـا) فهـذا قـد رددت عليـه قـريبا أعـلاه في الـرد على قـادري والقرني حيث بيّنت أن الكفر في آية المائدة (ومن لم يحكم...) وفي آية الأنعام (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ترتب على الحكم بغير ما أنزل الله في قضية واحدة، فدخول هذه الصورة في حكم النص قطعيٌ (المقدمة السابعة). وأذكِّر القارئ هنا بما ذكرته في مبحث الاعتقاد في أكثر من موضع من أن العبد لا يدخل في الإيمان الحقيقي إلا بمجموع خصال ولكنه يدخل في الكفر الحقيقي بخصلة واحدة ومن ذلك حكمه في قضية واحدة بغير ما أنزل الله متعمداً.






وقوله (وهـو يعلـم أنـه بذلك عـاص آثـم) وفسّره بعـد ذلك بقوله (لا جحوداً ولا استبدلاً ولا اعتقاداً) أهـ، فقد سبق الرد على هذا، وأن كفر الحاكم بغير ماأنزل الله هو من جهة فعله لا من جهة اعتقاده، كما قال ابن كثير رحمه الله ــ في تفسير «أفحكم الجاهلية يبغون» ــ قال (فمن فعل ذلك فهو كافر) أهـ. ولم يقل (فمن اعتقد أو فمن جحد) فالاعتقاد والجحود مناطات مكفرة أخرى، أما الحكم بغير ماأنزل الله فهو مناط مكفر بذاته وقد دل على ذلك أكثر من دليل ذكرتها في (المناط المكفر الثالث).






وبهـذا تعلـم أن قوله (إن الأول منهما ــ بلا جدال ــ إنما هو حاكم مسلم عاص) أهـ، أن قوله هذا هو ــ بلا جدال ــ خطأ.






أما قولـه في النـوع الثـاني إنـه كافر لأنه خلع على نفسه حق التشريع. فهذا خروج عن الكلام في مناط الحكم في الآية الأولى (ومن لم يحكم...) وكـأن الآية بذاتهـا ليـس فيـها دلالـة علــى الكفــر مع قوله تعالى (فأولئك هم الكافرون)، فقيد الكفر فيها بمناط غير وارد فيها وهو مناط التشريع، وهذا شرط باطل لأنه ليس كل من حكم بغير ماأنزل الله قد شرع بنفسه خلاف شرع الله، وذلك لأنني قد ذكرت في صدر هذه المسألة (السادسة) ثلاثة مناطات مكفرة في هذا الموضوع: ترك حكم الله، وتشريع مايخالفه، والحكم بما يخالفه، ولايشترط اجتماعها في الشخص ليكفر، بل يكفر بمناط واحد منها. فمن ترك حكم الله فلم يحكم بشيء في القضية وأطلق الجاني كفر بنص الآية (ومـن لـم يحكـم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون) ولو حكم عليه بغير ماأنزل الله لكفر بنص الآية نفسها (لأن الحكم بغير ماأنزل الله داخل في مناطها بدلالة سبب النزول)، وكلاهما لم يشرع شيئا من عند نفسه، فالتشريع مناط مكفر، وترك الحكم بما أنزل الله مناط مكفر آخر، والحكم بغير ماأنزل الله مناط مكفر ثالث. فتعليق كفر الحاكم بغير ماأنــزل اللــه على مــناط التشريع وحده مصادم لنص الآية وتعطيل لمناط التكفير الوارد في قوله تعالى (ومن لـم يحكـم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون).






13 ــ الأستاذ محمد شـاكر الشـريف، قال («فصـل» في بيـان مـتى يكـون الحـاكـم بغـير مـاأنـزل اللـه كافراً كفرآً لايخرجه من الملة؟. ثم قال إنه لايكفر بشروط ثلاثة وهى: (أ) أن يكون ملتزماً ومتقبلاً ظاهراً وباطناً لكل حكم أو تشريع جاء عن الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم. (ب) أن يكون مقراً ومعترفاً بأنه ترك الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى في القضية أو الواقعة المعينة التي يحكم فيها صار آثما وأن حكمه خطأ وأن حكم الله هو الصواب. (جـ) أن يكون الحكم المخالف حكماً في وقائع الأعيان وليس في الأمور الكلية العامة، وهذا الشرط الثالث مما غمض فهمه والتنبّه له على كثير من المعاصرين) أهـ. وأراد بوقائع الأعيان الحكم في قضية معينة وأراد بالحكم في الأمور الكلية العامة وضع التشريع المخالف لشريعة الإسلام، انظر كتابه (إن الله هو الحَكَم) صـ 88 ــ 91، ط دار الوطن، 1413هـ.






وحـاصـل كلامـه يرجـع إلى كلام من سبقه (الدكتورعمرعبدالرحمن): أنه من لم يحكم بما أنزل الله لا يكفر إلا أن يشرع قانوناً عاماً. وقد سبق التنبيه على أن الحكم بغير ماأنزل الله مناط مكفر، وأن التشريع مناط مكفر آخر. وتعليق حكم الكفر الوارد في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) على مناط التشريع فقط ــ الذي يرى المؤلف أنه غمض فهمه على الكثيرين ــ هو تعطيل لنص الآية، فإن الله حكم بالكفر فيها على من تركوا حكمه في وقائع الأعيان (حد الرجم) وكانوا مقرين بأنه حكم الله الذي أنزله في التوراة كما في رواية البخاري لسبب النزول عن ابن عمر وفيه قال اليهود (صدق يامحمد، فيها آية الرجم).






فالشروط الثلاثة التي اشترطها للحكم بالكفر الأصغر لو تحققت في حاكم بغير ماأنزل الله لكان كافراً كفراً أكبر بمجرد حكمه في قضايا الأعيان بغير حكم الله، ولو قال إنه ملتزم بحكم الله ومقر على نفسه بالعصيان لما أثّر هذا في الحكم، بل يكون كاذبا في قوله هذا كما نقلته من قبل عن ابن تيمية (مجموع الفتاوى) 7/ 616، وعن الشيخ محمد بن إبراهيم (مجموع فتاويه) 6/ 189.






وقـد اسـتدل هـذا المؤلـف لشـروطـه بكـلام لأبي مجلـز ولابن كثير (صـ 106 و 107 من كتابه) وكلامهما غير صريح في الدلالة على ماذهب إليه ولم يتناول أبو مجلز المسألة محل النزاع، أما ابن كثير فكلامه في تفسير (أفحكم الجاهلية يبغون) يدل على خلاف ماذهب إليه المؤلف إذ علق ابن كثير الكفر على مجرد الحكم بغير ماأنزل الله في قضايا الأعيان، فقال رحمه الله ــ عن الياسق (فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر) (تفسير ابن كثير) 2/ 67، فعلق كفرهم على مجرد الحكم بغير ماأنزل الله.






وبعد:






فقـد كانـت هـذه بعض الأخطاء المتعلقة بمناط حكم الكفر الوارد في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). ومنها ومما رددت به عليها تعلم أن كل من قسَّم الحكم بغير ماأنزل الله إلى قسمين (كفر أكبر وكفر أصغر) فهو مخطيء، فإن الحكم بغير ماأنزل الله كفر أكبر لاغير. ولاينجو من هذا الوعيد إلا المجتهد المخطيء كما سبق تفصيله.






وأحـب أن أنبّه على أن معظـم المعاصـرين ممـن سـبق ذكرهم متفقون على كفر الحكام بالقوانين الوضعية كما يظهر من بقية كتاباتهم ــ وإن كان منهم من يحاول أن يلتمس العذر لهؤلاء الحكام ــ إلا أنهم مع اتفاقهم على ذلك أشكل عليهم مانُسب إلى ابن عباس من قوله في الآية فحاولوا التوفيق بين الأمرين على النحو التالي:






فقالـوا الكفـر في الآية هو الأكبـر، لكنه محمـول على المعتقـد أو الجاحـد أو المستحـل أو من بدّل الشـرع وشرّع بخلاف حكم الله.






وحملـوا مقالة (كفر دون كفر) على من حكم بغير ماأنزل الله غير جاحد ــ لهوى أو قرابة أو رشوة ــ، أو على من حكم في قضية معينة، مع أن هذه كلها من صورة سبب النزول وحكمها الكفر الأكبر.






فوقعوا بهذا التوفيق في محظورين:






الأول: القول بمقالة غلاة المرجئة الذين يشترطون الجحد للتكفير بالذنوب المكفرة.






الثاني: تعطيل نص الآية (ومن لم يحكم...) بصرفها عن ظاهرها.






والأمـر أيسـر مـن هـذا، فإنـه لايجـب عليـنا إذا ثبـت قـولٌ عن صحـابي يخـالف نص الكتاب والسنة أن نتكلف له التكلفات التي تؤدي بنا إلى مخالفة النص عمداً في حين يكون هو مجتهداً معذوراً في قوله، وبالنسبة لأقوال الصحابة فلا حجة فيها إلا بشروط ثلاثة:






الأول: أن يصح قوله من جهة الرواية، أي يثبت أنه قاله بنقل صحيح.






والثاني: ألا يخالف قوله نص الكتاب والسنة، كما ذكرته في المقدمة الرابعة عشرة.






والثالث: ألا يخالفه مثله أو من هو أولى منه من الصحابة، كما ذكرته في المقدمة الثالثة.






وفي تقرير هذه الشروط قال ابن تيمية رحمه الله (ومَن قال مِن العلماء إن قول الصحابي حجة، فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة، ولا عُرِف نصٌ يخالفه) (مجموع الفتاوى) 1/ 283.






وهـذه الشـروط الثلاثـة منتفيـة كلـها في قـول ابن عباس فـلا حجـة فيـه، ولو انتفـي شـرط واحد منها لأسقط الاحتجاج بقوله، فقوله لم يصح من جهة النقل، وقوله مخالف لظاهر النص وأن الكفر فيه هو الأكبر، وقد خالفه غيره من الصحابة كابن مسعود وغيره كما ذكرته في الرد على الشبهة الثانية. وقد ذكرت في المقدمتين الثالثة والرابعة عشرة أمثلة كثيرة لأخطاء الصحابة ومخالفاتهم للكتاب والسنة، والأمر في هذا هو كما قال الإمام مالك ــ في اختلاف الصحابة ــ (مخطيء ومصيب فعليك بالاجتهاد) أهـ، فلا يجب علينا أن نتأول لقول المخطيء منهم أو نتكلف في التوفيق بين خطئه وبين النصوص، بل نقول إنه ثبت بالترجيح أن هذا مصيب وهذا مخطيء، وهذا له أجران وهذا له أجر وخطؤه مغفور ولكنه لايُتابع عليه، للحديث (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ) رواه مسلم.






هـذا هـو المنـهج العلمي الواجب الاتباع في هذا المقام، والذي بمخالفته وقع من سبق ذكرهم فيما وقعوا فيه من أخطاء ومخالفات، والواجب بالنسبة لما نُسب إلى ابن عباس أن نقول إنه:






1 ـ لم يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله إن الكفر في الآية هو (كفر دون كفر).






2 ــ ولـو صـح عنـه هـذا لكـان مخطـئاً ــ لأن قوله مصـادم لنـص الآية ــ كما أخطأ في ظنه إباحة نكاح المتعة وإباحة لحوم الحمر الأهلية وإباحة ربا الفضل، وكما أخطأ في قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج خالته السيدة ميمونة وهو مُحرِمٌ في عمرة القضاء وحديثه في هذا متفق عليه ولكنه خطأ، انظر (فتح الباري) 4/ 51 ــ 52. ولأجل جواز الخطأ على الصحابي أجمع العلماء على أن كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكره ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) 11/ 208.






3 ــ وعلـى فـرض صحـة قــول ابـن عـباس (كفــر دون كفــر)، وكـذلك مانُقـل عـن عطـاء بـن أبـي ربـاح وطاوس اليماني بمثل هذا، فإن هذا القول ينبغي ألا يحمل على أنه تفسير منهم للآية، لأنه مصادم لظاهر الآية الدال على أنه كفر أكبر، وقول الصحابي والتابعي لايخصص القرآن ولايقيده (المقدمة الحادية عشرة)، ولكن يُحمل هذا على أنه ردٌ منهم على الخوارج المستدلين بهذه الآية على تكفير العصاة بالذنوب غير المكفرة كالزنا والخمر، فكأنهم يقولون للخوارج: إن هذه الآية لاتسري على هؤلاء وإن مايفعلونه هو كفر دون كفر. ومناظرات ابن عباس للخوارج معروفة مشهورة في يوم النهروان وفيما بعده، انظر في ذلك على سبيل المثال (جامع بيان العلم) لابن عبدالبر 2/ 103 ــ 104، أما احتجاج الخوارج بهذه الآية فبيَّنت فساده وبطلانه في التنبيه الأول.






4 ــ أن المناطـات المكفـرة التـي ذكـرناها في هذه المسألة (ترك حكم الله، أو تشريع مايخالفه، أو الحكم بتشريع مخالف) لم يقع شيء منها في زمن ابن عباس ت 68 هـ، ولافيما بَعْده بِعِدّة قرون، وقد طالعت كثيراً من كتب (الأوائل) ــ وهى الكتب التي يذكر مؤلفوها أول من فعل كذا أو أول من قال كذا ــ فلم أر فيها أدنى إشارة إلى وقوع شيء من هذه المناطات في القرون الأولى خاصة الثلاثة الخيرية منها في هذه الأمة. انظر على سبيل المثال كتاب (الأوائل) ضمن (المُصنَّف) لأبي بكر بن أبي شيبة (ت 235 هـ)، ط دار التاج 1409هـ، وكتاب الأوائل منه يقع في جـ 7 صـ 247 ــ 276، ولم يذكر فيه شيئاً من ذلك. غاية ماكان يقع من الحكام والقضاة هو الجور في الحكم في بعض الأمور بحيلة أو تأويل يصعب معه تأثيمه قضاءً وإن كان يأثم ديانةً، ومن هذا ماذكره أبو هلال العسكري في كتابه (الأوائل) قال (أول قاضٍ جار في القضاء بلال بن أبي بُردة: أخبرنا أبو أحمد بإسناده أن رجلاً قدّم إلى بلال رجلاً في دَيْن له عليه، فأقر الرجل به، ــ وكان بلال يُعْنَي بالرجل ــ فقال المدعي: يعطني حقي أو نحبسه باقراره، قال القاضي: إنه مفلس، قال: لم يذكر إفلاسه، قال: وماحاجته إلى ذكره، وأنا عارف به؟ فإن شئت أحبسه فالتزم نفقة عياله، قال: فانصرف الرجل وترك خصمه، وكان بلال معروفاً بالجور.) أهـ من كتابه (الأوائل) صـ 246، ط دار الكتب العلمية 1407هـ. وبمثل هذا الجور يُكَفِّر الخوارج، كما ذكره ابن حزم رحمه الله في كلامه عن شِنَع الخوارج قال (وقالت العُوفية ــ وهم طائفة من البيهسية التي ذكرنا آنفا ــ إن الإمام إذا قضى قضية جور وهو بخراسان أو بغيرها حيث كان من البلاد ففي ذلك الحين نفسه يكفر هو وجميع رعيته حيث كانوا من شرق الأرض وغربها، ولو بالأندلس واليمن فَمَا بين ذلك من البلاد.) (الفصل) لابن حزم، 5/ 54. هذا ماكان يقع في زمانهم. أما أن يتولى رئيس دولة أو ملك أو قاضي ولايته على الحكم بالدستور والقانون الوضعيين ملتزما بذلك لايحيد عنه فهذا لم يقع من قبل قط إلا في طائفة التتار أواخر القرن السابع الهجري حين أعلنوا إسلامهم وحكموا فيما بينهم بقانون وضعي مخالف لشريعة الإسلام، وسأفصّل هذا في أول المسألة التالية إن شاء الله. ولايظن أحد أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لايكفرون أمثال هؤلاء، فإن هذا إزراء بالسلف وغمط لهم، وهم الذين أكفروا مانعي الزكاة بمجرد المنع كما فصّلته في مبحث الاعتقاد، فكيف بمن منع الحكم بالشريعة كلها وحكم بشرع مخالف لها؟، وقد ذكرت من قبل أنه صح عن ابن عباس: أن من أطاع التشريع المخالف واتبعه فقد أشرك بالله، وذلك في تفسير قوله تعالى (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) الأنعام 121.

طرابلسي
05-02-2008, 09:00 PM
وخلاصة ما ذكرته في المسألة السادسة:



بحسب المناطات الثلاثة المكفرة المذكورة في صدر المسألة:



1 ــ أن كل من ترك الحكم بما أنزل الله فيما تصدى للحكم فيه فهو كافر.



2 ــ وأن كل من شرع ما يخالف شرع الله فهو كافر سواء حكم به أو لم يحكم.



3 ــ وأن كـل مـن حكـم بغـير ماأنـزل اللـه فهو كافر، سواء كان هو الذي اخترع التشريع المخالف الذي حكم به أو اخترعه غيره، وسواء حكم في قضية واحدة أو أكثر.



ولا يسـتثنى مـن هـذه الأحكـام إلا الحاكـم أو القاضـي الشـرعـي المجتهـد المخطـيء للنص الوارد في حقه، وخطؤه مغفور ومردود لايُعمل به.



ويـدخـل في هـذه الأحكـام دخـولا أولـيا الرؤســاء والقضــاة والمشــرعــون في الــدول المحكومــة بالقوانين الوضعية. إذ إن هؤلاء يتولون ولاياتهم في هذه البلاد باختيارهم ملتزمين الحكم بهذه القوانين مع علمهم بمخالفتها لشريعة الإسلام، وهذا مستفيض لاينكره إلا معاند مكابر.
وهذا الذي ذكرته هنا هو الصواب والراجح الذي دلت عليه الأدلة الشرعية أما مخالفة بعض المعاصرين وغيرهم ممن نبّهنا على أخطائهم فلا اعتبار لها بعد معرفة وجه الخطأ فيها، خاصة وأنه يتبين لك من تتبع أخطائهم أنهم يقلد بعضهم بعضا فيها بلا حجة ولابرهان ولاتمحيص. وصار الأمر كما روي ابن عبدالبر عن درّاج أبي السمح قال (يأتي على الناس زمان يُسَمِّن الرجل راحلته حتى يُقعِدَ شحماً، ثم يسير عليها في الأمصار حتى تصير نقضاً، يلتمس من يفتيه بسُنة ٍ قد عُمِلَ بها فلا يجد إلا من يفتيه بالظن) أهـ. ذكر هذا الأثر صالح بن محمد الفلاّني (1218هـ) في كتابه (ايقاظ همم أولي الأبصار) ثم قال
(ولقد شاهدنا في زماننا هذا مما قاله أبو السمح فلقد طفت من أقصى المغرب ومن أقصى السودان إلى الحرمين الشريفين فلم ألق أحداً يُسأل عن نازلة فيرجع إلى كتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين وآثار الصحابة والتابعين إلا ثلاثة رجال وكل واحد منهم مقموع محسود يُبغضه جميع من في بلده من المتفقهين وغالب من فيه من العوام والمتسمين بسيم الصالحين، وموجب العداوة والحسد تمسكهم بالكتاب وسنة إمام المتقين صلى الله عليه وسلم ورفضهم كلام الطائفة العصبية والمقلدين) أهـ من كتابه المذكور صـ 27 ــ 29.

طرابلسي
05-02-2008, 09:15 PM
وبعد سرد الأدلة النصّية الدالة على كفر من ذكرنا في هذه المسألة نعرّج على ذكر أقوال العلماء.



........







ومن فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، من الفتوى رقم 5226، جاء فيها (أما نوع التكفير في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فهو كفر أكبر.







يقول فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله:



((من كان منتسبا للإسلام عالما بأحكامه, ثم وضع للناس أحكاما, وهيأ لهم نظما, ليعملوا بها ويتحاكموا إليها وهو بعلم أنها تخالف الإسلام فهو كافر خارج من ملة الإسلام.



وكذا الحكم فيمن أمر بتشكيل لجنة أو لجان لذلك, ومن أمر الناس بالتحاكم إلى تلك النظم والقوانين أو حملهم على التحاكم إليها وهو يعلم أنها مخالفة لشريعة الإسلام.



وكذا من يتولى الحكم بها, وكبقها في القضايا, ومن أطلعهم في التحاكم إليها باختياره مع علمه بمخالفتها للإسلام, فجميع هؤلاء شركاء في الإعراض عن حكم الله.



لكن بعضهم يضع تشريعا يضاهي به تشريع الإسلام ويناقضه على علم منه وبينة. وبعضهم بالأمر بتطبيقه, أو حمل الأمة على العمل به, أو ولي الحكم به بين الناس أو نفّذ الحكم بمقتضاه.



وبعضهم بطاعة الولاة والرضا بما شرعوا لهم ما لم يأذن به الله ولم ينزل به سلطانا.



فكلهم قد اتبع هواه بغير هدى من الله, وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه, وكانوا شركاء في الزيغ والإلحاد والكفر والطغيان ولا ينفعهم علمهم بشرع الله واعتقادهم ما فيه مع إعراضهم عنه وتجافيهم لأحكامه بتشريع من عند أنفسهم وتطبيقه والتحاكم إليه كما لم ينفع إبليس علمه بالحق واعتقاده إياه مع إعراضه عنه وعدم الاستسلام والانقياد إليه وبهذا قد انخذوا هواهم إلها.



فصدق فيهم قول الله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون}))....



مجلة البيان (147) - من كلام له في الحاكمين بغير ما أنزل الله.











التحذير من كتاب (( هزيمة الفكر التكفيري )) لخالد العنبري



بقلم فضيلة الشيخ صالح الفوزان



عضو هيئة كبار العلماء



محلة الدعوة عدد 1749-4ربيع الآخر 1421



الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه .. وبعد :



(( وضـــوح عـقـيدة أهـل السـنة ))



فإن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة واضحة صافية ، لا لبس فيها ولا غموض ، لأنها مأخوذة من هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قد دونت أصولها ومبانيها في كتب معتمدة توارثها الخلف عن السلف ، وتدارسوها وحرروها وتواصوا بها وحثوا على التمسك بها ، كما قال عليه الصلاة والسلام (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى )) ، وهذا أمر لا شك فيه ولا جدال حوله .



(( ظـهـور نابـتـة تـنـازع عقيدة أهل السنة في الإيمان ))



إلا أنه ظهرت في الآونة الأخيرة نابتة من المتعالمين جعلت أصول هذه العقيدة مجالاً للنقاش والأخذ والرد ، ومن ذلك قضية الإيمان وإدخال الإرجاء فيه ، والإرجاء كما هو معلوم .. عقيدة ضالة تريد فصل العمل وإخراجه عن حقيقة الإيمان ، بحيث يصبح الإنسان مؤمنًا بدون عمل ، فلا يؤثر تركه في الإيمان انتفاءً ولا انتقاصًا ، وعقيدة الإرجاء عقيدة باطلة قد أنكرها العلماء وبينوا بطلانها وآثارها السيئة ومضاعفاتها الباطلة .



وآل الأمر بهذه النابتة إلى أن تشنع على من لا يجاريها ويوافقها على عقيدة الإرجاء ويسمونهم بالخوارج والتكفيريين ، وهذا قد يكون لجهلهم بعقيدة أهل السنة والجماعة ، التي هي وسط بين مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر التي هي دون الكفر ، وهو مذهب باطل ، وبين مذهب المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان معصية وإن كانت كبيرة .



فأهل السنة والجماعة يقولون : إن مرتكب الكبيرة ـ التي هي دون الكفر ـ لا يكفر كما تقوله الخوارج ، ولا يكون مؤمنًا كامل الإيمان كما تقوله المرجئة ، بل هو عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان ، وهو تحت المشيئة ، إن شاء الله غفر له ، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ، كما قال تعالى (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) النساء 48







نـقـد كتاب (( هزيمة الفكر التكفيري ))



وقد وصل إليَّ كتاب بعنوان ((هزيمة الفكر التكفيري)) تأليف خالد العنبري ، قال فيه :



{ فما زال الفكر التكفيري يمضي بقوة في أوساط شباب الأمة منذ أن اختلقته الخوارج الحرورية )



وأقول : التكفير للمرتدين ليس من تشريع الخوارج ولا غيرهم ، وليس هو فكرًا كما تقول ، وإنما هو حكم شرعي ، حَكمَ به الله ورسوله على من يستحقه ، بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام القولية أو الإعتقادية أو الفعلية ، والتي بينها العلماء في باب أحكام المرتد ، وهي مأخوذة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالله قد حكم بالكفر على أناس بعد إيمانهم ، بارتكابهم ناقضًا من نواقض الإيمان ، قال تعالى ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) )) سورة التوبة ، وقال تعالى ((وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ )) التوبة 74.



وقال عليه الصلاة والسلام : (( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة )) ، وقال (( فمن تركها فقد كفر )) ، وأحبر تعالى أن تعلم السحر كفر ، فقال عن الملكين اللذين يعلمان السحر ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ )) البقرة 102. ، وقال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ أمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ أمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً )) النساء 137.



وفرق بين من كفره الله ورسوله وكفره أهل السنة والجماعة اتباعًا لكتاب الله وسنة رسوله ، وبين من كفرته الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم بغير حق ، وهذا التكفير الذي هو بغير حق هو الذي يسبب القلاقل والبلايا من الاغتيالات والتفجيرات ، أما التكفير الذي يُبنى على حكم شرعي ، فلا يترتب عليه إلا الخير ونصرة الحق على مدار الزمان ، وبلادنا بحمد الله على مذهب أهل السنة والجماعة في قضية التكفير ، وليست على مذهب الخوارج .



ثم قال العنبري : { فالواجب في الكفر البواح وهو الكفر المجمع عليه التكفير ، والتوقف عنه إرجاء خطير } .



أقول : الكفر البواح هو كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم : ما عليه برهان من الكتاب والسنة والإجماع يأتي به بعد الاستدلال بالكتاب والسنة ، نعم إذا كان الدليل محتملاً فهذا لا يجزم بأحد الاحتمالات من غير مرجح ، أما إذا كان الدليل نصًا فهذا هو البرهان الذي لا يُعدَل عن القول بموجبه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( عندكم فيه برهان )).



والعلماء المعتبرون مجمعون على تكفير من كفره الله ورسوله ، ولا يقولون بخلاف ذلك ولا عبرة بمن خالفهم .



ثم جاء في الكتاب المذكور في حاشية (ص27) :{التبديل في الحكم في اصطلاح العلماء هو :الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله ، كمن حكم بالقوانين الفرنسية وقال :هي من عند الله أو من شرعهِ تعالى ، ولا يخفى أن الحكام بغير ما أنزل الله اليوم لا يزعمون ذلك ، بل هم يصرحون أن هذه القوانين محض نتاج عقول البشر القاصرة ، والتبديل بهذا المعنى الذي يذهب إليه أهل الغلو كفر بإجماع المسلمين )) كذا قال .



ونقول : هذا التبديل الذي ذكرت أنه كفر بإجماع المسلمين ، هو تبديل غير موجود ، وإنما هو افتراضي من عندك ، لا يقول به أحد من الحكام اليوم ولا قبل اليوم ، وإنما هناك استبدال هو اختيار جعل القوانين الوضعية بديلة عن الشريعة الإسلامية ، وإلغاء المحاكم الشرعية ، وهذا كفر أيضًا ، لأنه يزيح تحكيم الشريعة الإسلامية وينحيها نهائيًا ، ويُحل محلها القوانين الوضعية ، فماذا يبقى للإسلام ؟!



وما فعل ذلك إلا لأنه يعتنقها ويراها أحسن من الشريعة ، وهذا لم تَذكره ، ولم تبين حكمه ، مع أنه فصل للدين عن الدولة ، فكان الحكم قاصر عندك على التبديل فقط ، حيث ذكرت أنه مجمع على كفر من يراه ، وكان قسيمه وهو الاستبدال ، فيه خلاف حسبما ذكرت ، وهذا إيهام يجب بيانه .



ثم قال العنبري في رده على خصمه : { أنه يدعي الإجماع على تكفير جميع من لم يحكم بغير ما أنزل الله بجحود أو غير جحود }.



وأقول : كفر من حكم بغير ما أنزل الله لا يقتصر على الجحود ، بل يتناول الاستبدال التام ، وكذا من استحل هذا العمل في بعض الأحكام ولو لم يجحد ، أو قال : إن حكم غير الله أحسن من حكم الله ، أو قال : يستوي الأمران ، كما نص على ذلك أهل العلم ، حتى ولو قال : حكم الله أحسن ولكن يجوز الحكم بغيره ، فهذا يكفر مع أنه لم يجحد حكم الله وكفره بالإجماع .



ثم ذكر الكاتب في آخر كتابه هذا : أن هناك فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ، يُكَفِّر فيها من حكم بغير ما أنزل الله مطلقًا ولا يفصل فيها ، ويستدل بها أصحاب التكفير على أن الشيخ لا يفرق بين من حكم بغير شرع الله مستحلاً ومن ليس كذلك ، وأن الشيخ ابن باز سُئل عنها فقال : محمد بن إبراهيم ليس بمعصوم فهو عالم من العلماء .. إلخ ما ذكر .



ولم يذكر العنبري نص فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم التي أشار إليها ، وهل قُرئ نصها على الشيخ ابن باز أو لا ؟! ، ولا ذكر المرجع الذي فيه تغليط الشيخ ابن باز لشيخه ، وإنما نقل ذلك عن مجلة الفرقان ، ومجلة الفرقان لم تذكر نص فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ولم تذكر في أي كتب الشيخ ابن باز تغليطه لفتوى شيخه ، ولعلها اعتمدت على شريط ، والأشرطة لا تكفي مرجعًا يُعتمد عليه في نقل كلام أهل العلم ، لأنها غير محررة ، وكم من كلام في شريط لو عُرِضَ على قائله لتراجع عنه ، فيجب التثبت فيما ينسب إلى أهل العلم .



هذا بعض ما ظهر لي من الملاحظات على الكتاب المذكور ، وعلى غيره ممن يتكلمون ويكتبون في هذه الأصول العظيمة التي يجب على الجميع الإمساك عن الخوض فيها ، والاستغناء بكتب العقائد الصحيحة الموثوقة التي خلفها لنا أسلافنا من أهل السنة والجماعة ، والتي تدارسها المسلمون جيلاً بعد جيل في مساجدهم ومدارسهم ، وحصل الاتفاق عليها والاجتماع على مضمونها ، ولسنا بحاجة إلى مؤلفات جديدة في هذا .



وختامًا نقول : إننا بريئون من مذهب المرجئة ، ومن مذهب الخوارج والمعتزلة ، فمن كفره الله ورسوله فإننا نكفره ، ولو كرهت المرجئة ، ومن لم يكفره الله ولا رسوله فإننا لا نكفره ، ولو كرهت الخوارج والمعتزلة ، هذه عقيدتنا التي لا نتنازل عنها ولا نساوم عليها ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا نقبل الأفكار الوافدة إلينا ، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .











قال الشيخ عبدالله بن قعود: "إنّ رفع أحكام شرعية من أحكام الإسلام معروف حكمها من دين الإسلام بالضرورة وإحلال قوانين وضعية من صنيع البشر مخالفة لها بدلاً منها والحكم بها بين الناس وحملهم على التحاكم إليها أنّ ذلك شرك بالله في حكمه".







بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد:



إبن تيمية و الحاكمية:



قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله { لا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر ؛ ومن حكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير إتباع لما أنزل الله فهو كافر ؛ فإنه ما من أمة إلا وهى تأمر بالحكم بالعدل ؛ وقد يكون العدل فى دينها ؛ ما رآه أكابرهم ؛ بل وكثير من المنتسبين الى الإسلام يحكمون بعاداتهم وتقاليدهم التى لم ينزلها الله ؛ كسوالف البوادى ؛ وكأوامر الطاعين فى عشائرهم ويرون أن هذا هو الذى ينبغى الحكم به ؛ دون الكتاب والسنة ؛ يقول : ( فهذا هو الكفر ) ؛ وأن كثيرا من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التى يأمر بها المطاعون فى عشائرهم ؛ فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزله الله فلم يلتزموا ذلك بل أستحلوا أن يحكموا بغير ما أنزل الله فهم ( كفار ) } ( منهاج السنة الجزء الخامس صفحة 132)



قال الشيخ بشر بن فهد البشر حفظه الله وفك أسر كلماته الرنانة يقول { وشيخ الإسلام أى إبن تيمية أراد أن يقول فى هذه المسألة أن العلامة على الإيمان هى الإلتزام بالشريعة ؛ فإذا علموا ولم يلتزموا الشريعة فهى علامة على ( إستحلال ) الحكم بغير ما أنزل الله فيكون ذلك كفر مخرج من الملة ؛ لأننا نحكم بالظاهر والظاهر هنا الكفر فكما ذكر شيخ الإسلام فى مجموع فتاويه 7/584 يقول شيخ الإسلام :( الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان الباطن }



إبن عثيمين



يقول فضيلة الشيخ / ابن عثيمين حفظه الله في كتاب فقه العبادات صـ60،61 .



س30 : ما هي صفة الحكم بغير ما أنزل الله ؟



الجواب : الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين :



القسم الأول :



أن يُبطل حكم الله ليحل محله حكم أخر طاغوتي ، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس ، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر كالذين يُنحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس ، ويحلون محلها القوانين الوضعية ، فهذا لاشك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها ، وهو كفر مخرج من الملة ؛ لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق ، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله ، بل ما خالف حكم الله عز وجل ، وجعله الحكم الفاصل بين الخلق ، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى : {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .



القسم الثاني :



أن تبقى أحكام الله عز و جل على ما هي عليه وتكون السلطة لها ، ويكون الحكم منوطاً بها ، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام ، أي يحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا له ثلاث حالات :



الحال الأولى : أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله ، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله عز وجل ، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا كفر . يخرج به الحاكم من المله، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل ،ولم يجعل الله حكماً بين عباده .



الحال الثانية : أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده ، لكنه خرج عنه ، وهو يشعر بأنه عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه ، لما بينه وبينه من عداوة ، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا استبدال به ، ولا اعتقاد بأنه أي الحكم الذي حكم به أفضل من حكم الله أو مساو له أو أنه يجوز الحكم به ، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله ،ففي هذه الحال لا نقول إن هذا الحاكم كافر ، بل تقول إنه ظالم معتد جائر .



الحال الثالثة : أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله ، وأنه بحكمه هذا عاص لله عز وجل ، لكنه حكم لهوى في نفسه ، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له ، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل ، وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنزل قول الله تعالى في ثلاث آيات :{ و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } وهذا يتنزل على الحالة الأولى { و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } يتنزل على الحالة الثانية { و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } يتنزل على الحالة الثالثة .



وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا ، فإن من الناس من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين ، حتى شُغف بها ، وربما قدمها على حكم الله ورسوله ، ولم يعلم أن حكم الله ورسوله ماض إلى يوم القيامة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة إلى يوم القيامة ، والذي بعثه سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد إلى يوم القيامة ، فلا يمكن أن يشرع لعباده إلا ما هو نافع لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة ، فمن زعم أو وهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من الأحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ضل ضلالاً مبيناً ، فعليه أن يتوب إلى الله ، ويرجع إلى رشده وأن يفكر في أمره ا.هـ . فهل يا ترى فهم فضيلة الشيخ بن عثيمين هو فهم الخوارج أو الحروريين كما يقولون



ابن باز



قال العلامة ابن باز -رحمه الله تعالى ( لا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآرائهم خير من حكم الله ورسوله أو تماثلها أو تشابهها أو تركها وأحل محلها الأحكام الوضعية والأنظمة البشرية وإن كان معتقداً أن أحكام الله خير وأكمل وأعدل ) .هـ . من رسالة (وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما يخالفه ) ص 16



ويقول الشيخ رحمه الله تعالى :



( الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال : إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن ، لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن ، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكامًا وضــعــيــة تخالف حكم القرآن ، حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام ، وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف .



وهـــذا هـــو الفساد العظيم ، والـــكــفــر المستبين ، والــــردة السافرة ، كما قال تعالى ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) 65 سورة النساء



وقال تعالى ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))50المائدة



وقال تعالى ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) 44 المائدة



وقال تعالى ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) 45المائدة /وقال تعالى ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) 47 المائدة.



وكـــل دولة لا تحكم بشرع الله ، ولا تنصاع لحكم الله ، ولا ترضاه فهي دولة جاهلية كافرة ، ظالمة ، فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات ، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله ، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده ، وتحكم شريعته ، وترضى بذلك لها وعليها كما قال عز وجل ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)) 4 الممتحنة. ) .



مجموع فتاوى ابن باز (ج1/305)



يقول الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله - ( وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وإن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا : أخطأنا وحكم الشرع أعدل ) الفتاوى للشيخ (12/280) (6/189)










إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

ملاحظة : تم إدراجهم تباعا حتى لا يدخل تعقيبا بينهم مما يحدث لبسا عند القارئ
هذا والله أعلم
والله من وراء القصد
وللحديث تتمة

هنا الحقيقه
05-02-2008, 09:19 PM
ان اردت ان يكون هذا هو ردك في موضوع الحوار بيننا في هذا الموضوع وذاك فلا بأس اخبرني بالموافقة وسوف اردها نقطة نقطة بالادلة على ان يكون ردك هذا هو الذي هنا وهناك أما ان كان هذا الرد هو لهذا الموضوع فليس لي فيه رد لاني ما وافقت على الحوار هنا الا بشروط ولا اجدك قد وافقتني عليها فلهذا لست ملزم بها اما ان قلت ان هذا ردي هنا وهناك سوف تجد الجواب الشافي الكافي المانع القاطع بإذن الله تعالى

فتفضل اخي الطرابلسي بين لي موقفك حتى لا تقول اني امتنعت او عجزت عن الرد

طرابلسي
05-02-2008, 09:37 PM
ان اردت ان يكون هذا هو ردك في موضوع الحوار بيننا في هذا الموضوع وذاك فلا بأس اخبرني بالموافقة وسوف اردها نقطة نقطة بالادلة على ان يكون ردك هذا هو الذي هنا وهناك أما ان كان هذا الرد هو لهذا الموضوع فليس لي فيه رد لاني ما وافقت على الحوار هنا الا بشروط ولا اجدك قد وافقتني عليها فلهذا لست ملزم بها اما ان قلت ان هذا ردي هنا وهناك سوف تجد الجواب الشافي الكافي المانع القاطع بإذن الله تعالى
فتفضل اخي الطرابلسي بين لي موقفك حتى لا تقول اني امتنعت او عجزت عن الرد

بل هو بالأصل ردا على كل ما اتيت به من أقوال وأفهام مضطربة
وازيد من البيت شعرا يا حبذا أن تجيبني على هذه الأسئلة البسيطة والتي أرفقتها لك في الرابط الآخر وانت بالخيار بعد الآن أينما وضعته ستجدني حاضرا إن شاء الله
وانا بانتظار تفنيدك لما طرحته هنا وهناك ويا حبذا لو تجبني بداية على سؤالي التي ختمت بها هناك
والله من وراء القصد