تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النهب الاسرائيلي المنظم للمواقع الاثرية في الجنوب



سعد بن معاذ
07-22-2003, 06:25 AM
النهب الاسرائيلي المنظم للمواقع الاثرية في الجنوب
لبنان يطالب باستعادة كنوزه المسروقة خلال المفاوضات





ثناء عطوي / السفير 30-12-1999


--------------------------------------------------------------------------------



لم تكن عمليات النهب الاسرائيلية المنظمة للمواقع الاثرية في جنوبي لبنان هي الوحيدة التي تعرضت لها الاثار عام 1983 ابان الاجتياح الاسرائيلي والتي استهدفت قبر حيرام ملك صور، ذلك ان هناك العديد من الشواهد على سرقات مماثلة استبقت هذه العملية منذ العام 1978 ولم تنته فصولا حتى اليوم .

واذا كان الهدف الرئيس لاسرائيل من وراء ذلك هو اعادة رسم الحدث التاريخي بابعاده السياسية وفق منظورها الخاص ، فهي لم تسقط من حسابها الجدوى المادية للسياحة التاريخية وما يمكن ان تغدقه هذه الاخيرة على الدولة من اموال تأسيسا على ما تقدم ، فإن نبش قبر حيرام وتمركز الجيوش المحتلة في محيطه عام 1983 بعد اتخاذ قيادة العدو قرارا بتحويل مدافنه الى مقر عسكري ما كان سعيا وراء سراب ، بل ان الاسرائيلي الذي لا ينفك يبحث في زوايا المنطقة عن اثر وموطىء قدم ، كان ينقب بين طيات القبور ومفاصل احجارها عن رموز ميثولوجية توراتية تتطابق والمعتقدات اليهودية ، وتحرره من عقد التاريخ والجغرافيا معا ، ولاسيما ان الدلائل المتعلقة بالملك داوود وولده سليمان نادرة وشبه معدومة ، من هنا كان امل الاسرائيليين كبيرا بالحصول على طرف خيط في قبر حيرام ، الملك الذي ارتبط بعلاقات صداقة وثقافة مع داوود ومن بعده سليمان الذي تبادل بدوره مع حيرام التجارة والمعارف بحسب المؤرخ اليهودي يوسفينوس .

هذه المعطيات التي تشكل حلقة وصل اساسية بين ماضي اليهود وحاضرهم كانت في الثمانينات المقصد والهدف الى حد تولي ادارة الآثار في اسرائيل اعمال التنقيب عن مواقع اثرية في جنوبي لبنان ، وهي اوفدت للغاية نفسها عشرات الاثريين من علماء وتقنيين في رحلات دورية نظمتها الى جنوبي لبنان برا عبر منطقة الناقورة الحدودية ، مما يدلل على اهمية المكتشفات الاثرية .

في تلك السنة تحديدا اي عام 1983 استقرت وحدات عسكرية في الجيش الاسرائيلي شرقي الملعب الروماني في مدينة صور ونفذت اعمال جرف واسعة للمدافن والاسواق القديمة استولت بمحصلتها على قطع اثرية تعود للحقبة البيزنطية ، وهذا ما اكدته عقب الانسحاب الاسرائيلي مديرية الاثار التي كشفت عن مبان اثرية منكوبة ومفرغة من كنوزها .

وانسحبت اعمال النهب على موقع راس العين جنوب مدينة صور حيث عثرت قوات الاحتلال على توابيت وقبور مدفنية تعود للعصرين الروماني والبيزنطي ، وقامت بنقلها عام 1985 الى داخل فلسطين المحتلة وسبق ذلك اغلاق مقام النبي صيدون قرب ساحة الشهداء وتنفيذ حملة تنقيب واسعة داخله ، علاوة على كنيسة وموزاييك النبطية التي عثرت عليها وحدة من الجيش الاسرائيلي عام 1984 ، ووصفها خبير في الاثار بانها كانت في وضع ممتاز تحوي رسوما لاشكال هندسية تجسد رجالا قدماء وحيوانات منوعة مشغولة بمهارة وخفة ومزاج لوني مزدحم .

واذا كان ممكنا احصاء القطع الاثرية المسروقة من اكثر من موقع في المناطق التي تحررت لاحقا ، فإنه من الصعب معرفة ماهية وحجم وعدد القطع المماثلة التي نهبت من المناطق المحتلة وهي لا تزال رهينة العابثين بالحاضر كما بالماضي عبر تاريخه ، ويؤكد مصدر في مديرية الاثار ان اليد الطولى للاسرائيليين لم توفر موقعين اثريين فائقي الاهمية الاول يقع في خراج بلدة يارون المحتلة جنوب مدينة صور حيث ركزت ادارة الاثار الاسرائيلية حفرياتها ، وتم العثور حينها على مدينة فينيقية تعود للقرن الثاني قبل الميلاد اي للفترة الهيلينية ، اما الموقع الثاني فقد ظهر في بلدة حولا واحيطت مكتشفاته بدرجة عالية من الكتمان كما هو حال معظم الحفريات التي تمت بسرية مطلقة وتغطية عسكرية اسرائيلية .

هذا التكتم وما عقبه من شواهد ملموسة على اعمال النهب والتي اثارت شكوكا لدى الاثريين اللبنانيين ، عززها بعض الاثريين الغربيين الذين رجحوا انتقال قطع اثرية تعود الى الحقبات الفينيقية والبيزنطية والرومانية من جنوبي لبنان الى متاحف فلسطين المحتلة بطرق غير شرعية فيها تزوير للتاريخ والمستقبل معا .

هذا الموضوع الحيوي المتعلق بالهوية والجذور لا يقل اهمية بجانب عن الموضوعات المتعلقة بالارض والسيادة ، ولهذه الغاية دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري مؤخرا الوفد اللبناني المقرر ان يفاوض اسرائيل للمطالبة بحقوق لبنان الاثرية وممتلكاته التاريخية ، وهي مشروعة ومسبوقة بتجارب مماثلة حصلت في غير دولة من العالم بعد انتهاء الحروب لاسيما منها مصر حيث استعادة سيناء بعد الانسحاب الاسرائيلي القسم الاكبر من القطع الاثرية التي كان نهبها الاسرائيليون ، اضافة الى عمليات التفاوض الجارية الان بين الفلسطينيين والاسرائيليين لاعادة الكنوز الاثرية الى الضفة .

هذا وتدرس الحكومة اللبنانية امكانية تشكيل لجنة خاصة مؤلفة من علماء آثار ومتخصيين ، ستتولى التفاوض مع اللجان الاسرائيلية حول آلية استعادة القطع المسروقة والمعروضة في المتاحف الاسرائيلية والتي يتجاوز عددها العشرات .