تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية



سعد بن معاذ
07-22-2003, 06:23 AM
تصادر "اسرائيل" ما يقارب الـ200 مليون متر مكعب سنوياً من الأنهار والمياه اللبنانية، وتطمع الى تسريع مصادرتها تلك عبر عملية التسوية مع الأطراف العربية ومنها لبنان.

وتخطط "اسرائيل" لاخذ حصة من مياه نهر الليطاني اللبناني تعادل ثلث منسوبه من المياه، وهي بدأت بسرقة مياه هذا النهر ابتداءاً من أواسط الثمانينات عبر حفر نفق بطول عشرة كلم ويمتد من جسر الخردلي في جنوبي لبنان حتى وادي البراغيت في فلسطين المحتلة.

وعملت "اسرائيل" ايضاً على تحويل مجرى نهر الحاصباني بعيد دخوله في الأراضي الفلسطينية وتطمع من خلال عملية التحويل تلك الى ري مناطق زراعية مستحدثة في صحراء النقب.

أطماع "اسرائيل" في المياه اللبنانية تبلورت منذ ما قبل إعلان "اسرائيل" في العام 1948، وراحت تنفذ أطماعها تلك منذ حرب الخامس من حزيران في العام 1967، وتؤكد مجمل التصريحات الإسرائيلية، ان تل أبيب لن تنسحب من جنوبي لبنان قبل حصولها على تعهدات بأخذ كمية كبيرة من مياه نهر الليطاني الذي ينبع من الأراضي اللبنانية ويصب في الأراضي اللبنانية ولا يمر في أراضي دولة أخرى.

الموضوع التالي يسلط الضوء على ذلك :
منذ ما قبل إعلان "اسرائيل" في العام 1948، والتركيز على عنصر الماء كعامل أساسي ومحدد يجمع يهود العالم في وطن واحد، يمتد حدوده بين نهر الفرات في العراق ونهر النيل في مصر، ويعتبر هذا الشعار المائي دافعاً اساسياً لسياسة "اسرائيل" العدوانية والتوسعية، ففي مجمل الحروب التي خاضتها "اسرائيل" ضد الدول العربية، شكل عنصر المياه عاملاً مهماً وقف وراء الآلة الحربية الإسرائيلية.

ففي العام 1956، هدفت "اسرائيل" من خلال اشتراكها في العدوان على مصر، مع فرنسا وبريطانيا، الى الضغط على نظام الرئيس جمال عبدالناصر لاجل حفر قناة مائية تعبر صحراء سيناء الى "اسرائيل"، وفي حرب الخامس من حزيران في العام 1967، هدفت "اسرائيل" الى احتلال الضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية لتوفر المياه فيهما، هذا بالإضافة الى إعادة احتلالها لصحراء سيناء للهدف المذكور قبل الحين.

بطبيعة الحال، كان ثمة أسباب واهداف أخرى وراء شن "اسرائيل" او اشتراكها في الحربين الواردين قبل قليل، الا ان مقص القول بحضور عامل المياه، ينبغي الإشارة الى أهمية هذا العامل في سياسات "اسرائيل" التوسعية، وهو الآمر الذي استمر بدون انقطاع في عقد السبعينيات، وحيث غزت "اسرائيل" جنوبي لبنان في العام 1978 ولنقترب بذلك من مجرى نهر الليطاني اللبناني الذي تضعه السلطات الإسرائيلية في مقدمة سياساتها التوسعية، وفي العام 1982 وسعت "اسرائيل" احتلالها للبنان فوصلت الى عاصمته بيروت، وأذ انسحبت بعد ذلك بفعل مقاومة اللبنانيين لها، الا انها احتفظت بحوالى العشرة في المائة من الأراضي اللبنانية رافضة الانسحاب منها قبل تحقيق أهداف عدة، منها الضغط على لبنان لتقاسم مياه نهر الليطاني معها.

هذه المقدمة، كان لا بد منها من اجل إظهار عنصر المياه كعامل حاسم في الاستراتيجية الإسرائيلية، وأذ يشكل لبنان حلقة ضعيفة من بين مجموع الدولة الشرق أوسطية. فان "اسرائيل" تستغل حلقة الضعف هذه، لاجل تطوير قطاعها الزراعي وتوفير ما يلزمها من استهلاك الماء، على حساب غيرها، وتحديداً على حساب اللبنانيين، وتتأتى حاجة "اسرائيل"، بالأصل، الى المياه، من كثافة هجرة اليهود اليها من الخارج، ووقعت "اسرائيل" بالفعل تحت أزمة الحاجة للمياه بين الأعوام 1989 و1991، جراء استقدام حوالى 800 الف يهودي من روسيا، وبصورة أدت الى ارتفاع عدد سكانها الى اكثر من أربع ملايين نسمة، مما أوقعها تحت وطأة الحاجة الى كميات متزايدة من المياه، وكان الباحث الفرنسي جوزيف كلاتزمان، قد توقع في الستينيات عبر دراسة وضعها آنذاك، ان تعاني "اسرائيل" من ازمة مائية اذا استمرت في استقدام يهود العالم اليها، مما سيجعلها تمارس اعمالاً عدوانية على دول الجوار.

وانطلاقاً من ذلك يمكن تحديد اربعة عناصر تقف وراء الأطماع الإسرائيلية في مياه دول الجوار:

1 - اصرار "اسرائيل" على جلب يهود العالم اليها، وهذا يؤدي حتماً الى توسيع دائرة حاجتها للمياه.

2 - تطوير قطاعها الزراعي في طراد لاجل تصدير منتوجات زراعية الى الخارج بكميات ضخمة، مما يجعلها تتطلع على الدوام لمصادرة مياه غيرها.

3 - استعمال الاسرائيليين للمياه بكثافة واسراف، وحيث يبلغ معدل حاجة الاسرائيلي الى المياه يومياً، حوالى 300 ليتراً.

4 - عدم استعداد "اسرائيل" لممارسة سياسة تبرمج استهلاكها للمياه بما يتناسب مع مخزونها المائي وكمية الامطار الهاطلة في "اسرائيل"، وكل ذلك يسفر عن اندفاع "اسرائيل" لابتزاز الدول الاخرى وممارسة القرصنة المائية على مياه الدول العربية ومن بينها لبنان، وبشكل تستغل "اسرائيل" فيه قوتها العسكرية وتفوقها في المجال التسليحي. وعلى العموم، سوف تتجاوز هه المقالة، الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية لتقتصر على الأطماع بالمياه اللبنانية.

"اسرائيل" والمياه اللبنانية:

لعل المرة الاولى التي ابرزت فيها "اسرائيل" أطماعها في المياه اللبنانية وبشكل علني، كانت في العام 1919، اي ما قبل اعلانها رسمياً بحوالى الثلاثين عاماً، ففي مؤتمر السلام الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس في العام 1919، عرض ممثلو الحركة الصهيونية اقتراحات توصي بإعطاء "اسرائيل" بعد قيامها، حصة من مياه نهر الليطاني اللبناني، وفي العام 1953، قدمت "اسرائيل" الى المبعوث الامريكي روبرت جونسون، مشروعاً كاملاً يتضمن وجوب حصولها على حصة كبيرة من مياه الليطاني.

وعملياً، باشرت "اسرائيل" أطماعها في المياه اللبنانية، بعد اجتياح لجنوبي لبنان في العام 1978، وفي العام 1982، الا انه اعتباراً من العام 1986، راحت "اسرائيل" تنفذ مشروعها التحويلي الكبيري لمياه نهري الليطاني والوزاني اللبنانيين. وذلك على قاعدة مؤلفة من شقين:

الاول: بعد دخول نهر الحاصباني في الأراضي الفلسطينية. اذ عملت "اسرائيل" على تحويل مجرى هذا النهر من اجل تخفيض حصة لبنان منه، متجاوزة بذلك كل القوانين الدولية التي تمنع اية دولة من تحويل مجرى الأنهار او زيادة كميتها منها بدون الاتفاق مع الدول التي تمر منها الأنهار الدولية او تنبع من اراضيها.

الثاني: ويتعلق بنهر الليطاني، وهو ليس نهراً دولياً لانه ينبع من الأراضي اللبنانية ويصب في الأراضي اللبنانية ايضاً ولا يمر في اية دولة أخرى، ففي اسفل جسر الخردلي (داخل الأراضي اللبنانية) حفرت "اسرائيل" نفقاً يمر تحت قريتي دير ميماس وكفركلا، ليصل الى داخل "اسرائيل" قرب مستوطنة الخالصة (كريات شمونة) وهذا النفق يلتقي مع المجرى الجديد الذي حفرته "اسرائيل" لنهر الحاصباني. وبعد اجتياز المجرى: يسير النهران المحولان في قناة واحدة بمؤازرة نهر الاردن.

ولقد حفرت "اسرائيل" هذا النفق بعيداً عن انظار المراقبين، وجهزته عند اسفل الخردلي بنافذة لاستقبال كمية المياه المطلوبة، واقامت عند مدخل النهر حاجزاً صخرياً في عرض النهر يصدّ المياه عن مجراها الطبيعي ويدفعها لتدخل في النفق، وبناء على ذلك، غدت "اسرائيل" تسرق سنوياً من خلال هذا النهر، ما يتراوح بين 150 و200 مليون متر مكعب في السنة.

وتسعى "اسرائيل" من عملية تحويل مجرى نهري الليطاني والحاصباني والى تحقيق الاهداف التالية:

1 - الحصول على حصة كبيرة من مياه نهر الليطاني تعادل ثلث تصريفه السنوي على الاقل. واستناداً الى المعلن من المشاريع الإسرائيلية، فقد قامت تل ابيب بتنفيذ التجهيزات الرئيسية لجر كميات من نهر الليطاني مقدارها 120 مليون مكعب في السنة العادية. وحوالى 250 مليون متر مكعب في سنة شديدة الامطار، وذلك لري مساحات عديدة في صحراء النقب الواقعة تحت سلطات الاحتلال الاسرائيلي.

2 - الهدف من تحويل مياه نهر الحاصباني، الحؤول دون دخولها في بحيرة طبريا وتعرضها للملوحة، وتساهم مياه الحاصباني المحولة بتخفيف نسبة الملوحة عند اختلاطها بمياه نهر الاردن في القناة الاستراتيجية المتجهة نحو صحراء النقب.

3 - التخفيف من تكاليف الضخ الباهظة، ذلك ان "اسرائيل" تجر مياه نهر الحاصباني بالجاذبية.

ان مثل هذه الحقائق، كان اشار اليها الصحافي الامريكي جون كولي في صحيفة "هيرالد تريبيون" الامريكية في 10/6/1983، وقال كولي في مقالته، انه استقى معلومات من الاستخبارات الامريكية ومفادها ان "اسرائيل" تقيم نفقاً للوصول الى مياه نهر الليطاني عند جسر الخردلي، وقد امضى كولي خمسة اسابيع بين بيروت وتل ابيب وجنوب لبنان وتأكد ان المشروع قائم على قدم وساق، وان "اسرائيل"، تبني نفقاً طوله عشرة كيلومترات من منخفض وادي البراغيت في فلسطين الى نقطة منحدرة تحت جسر الخردلي في جنوب لبنان، ومثل هذه الشهادة يدلي بها ايضاً، امريكي آخر، هو الدكتور توماس ناف، استاذ تاريخ الشرق الاوسط في جامعة بنسلفانيا الامريكية، وحيث يؤكد في محاضرة القاها بتاريخ الرابع من تشرين الاول من العام 1991، "ان اسرائيل لن تتخلى عن الجزء المحتل من جنوب لبنان ما لم تحصل على حصة كبيرة من مياه نهر الليطاني".