تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أثر المساواة في الفكر الإسلامي المعاصر



عزام
04-27-2008, 06:42 PM
السلام عليكم

موضوع جميل تابعوه معنا على قناة صوت :)

عزام



أثر المساواة في الفكر الإسلامي المعاصر

ماذا وراء علمنة المفهومين ونتائج ذلك على الواقع؟!
د. علاء الدين الأمين الزاكي
المبحث الأول: مفهوما المساواة والعدل والعلاقة بينهما:
المطلب الأول: مفهوم المساواة:
المساواة لغة: من مادة (سوا) وهي «المماثلة والمعادلة 'يقال: لا يُساوِيهِ أي لا يعادله. وسَوَّيْتُ الشيء تَسْوِيَةً فاستَوَى. وقسم الشيء بينهما بالسَّويَّةِ(1).
أما مفهوم المساواة:
فقد ظهر اتجاهان متباينان في الفكر الإنساني لتحديد مفهوم المساواة، وهما:
الاتجاه الأول: توسع في مفهومها وأخذ بها في كل مـكان وكـل مجال حيث ذهب إلى أن معناها إزالة كل الفوارق وإذابة كل الحواجز من أي مصدر كانت، وأن النـاس سواء لا يفرق بينهم دين ولا شرع ولا جنس، سواء كان ذلك في الشرع، أو التعامل أو غيره، وسميت بالمساواة المطلقة.
الاتجـاه الثـاني: وهـو الذي أوجـب المماثـلة الكاملة بين الأشياء إلا ما جاء الشرع بنفي التسـوية فـيـه، وهو الاتجاه الذي يتـوقـف عند الشرع باعتبار أنه صاحب الحق في التسوية والتفريق.
وبالنظر للمفهومين نرى أن الأول فتح الباب على مصراعيه وهو عبـث، بل يصـادم نصوص الشرع الصريحة الواضحة التي تنفي المسـاواة بين بعـض الأشياء، مثل قوله ـ تعالى ـ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، وقــولــه ـ تعـالـى ـ: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: 36]. قال الشيخ ابن عثيمين: «أخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين مساواة، بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمـع بين المتسـاويين والتفريق بين المفـترقـين. ـ وقال ـ: لم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل»(2). فالسلامة الدنيوية والأخروية تقتضي التـزام الشـرع دون غـيره من الاجـتهادات المصـادمة له. فـقد تقتضي حكمة الله ـ تعالى ـ التفرقة بين شيئين نرى فيها الظلم، ولكنها في حقيقتها قمة العدل؛ فليس هناك من يدعي أنه أعرف بالخلق من خالقهم. قال ـ تعالى ـ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ} [الملك: 14].
وقد ترتب على التوسع في مفهوم المساواة آثار خطيرة سنعرض لها في حينها إن شاء الله تعالى.
المطلب الثاني: مفهوم العدل:
العدل لغةً: قال ابن منظور: «العَدْل، ما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم وهو ضِدُّ الجَوْر عَدَل الحاكِمُ في الحكم يَعْدِلُ عَدْلاً وهو عادِلٌ من قوم عُدُول»(3).
أما مفهوم العدل:
فكما أن للمـساواة اتجـاهين فكذلك للعدل اتجاهات عديدة هي:
الاتجـاه الأول: ذهب أقوام إلى أن العدل هو المسـاواة ولا فرق بينهما؛ فإذا ذكرت كلمة (العدل والمساواة) فإنما يعنيان الترادف.

الاتجاه الثاني: وهو الذي يرى أن العدل في الحكم والمساواة بين الناس لا يختلفان، ويعتبر أن المساواة المطلقة نوع من أنواع العدل.
الاتجاه الثالث: وهو الاتجاه الشرعي الذي يرى أن الشريعة بكاملها عدل، وكل ما ورد فيها عدل سواء كان تفرقة أو تسوية أو حكماً؛ لأن الشرع من العدل ـ سبحانه وتعالى ـ وهو وَضْع الشيء حيث أمر الله ـ تعالى ـ أن يوضع. قال القرطبي: «العدل هو كل مفروض، من عقائد وشرائع في أداء الأمانات، وترك الظلم، والإنصاف، وإعطاء الحق»(4). وقال السيوطي: «هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية»(5). وقال السعدي: «العدل، هو: أداء حقوق الله، وحقوق العباد»(6).
ولعلاقة العدل بالمساواة في الشرع ذكر الشيخ ابن عثيمين تعريفاً للعدل يوضح هذه العلاقة، فقال: «هو الجمع بين المتساويين والتفريق بين المفترقين»(7). بمعنى إذا فرّق الشرع بين أمرين فهو العدل، وإذا ساوى بينهما فهو العدل؛ فهو يرد العدل إلى الشرع.
وبهذا يتبين الفرق بين العدل والمساواة في مفهوم الشرع.
ويمكن إجمال أهم الفروق بين العدل والمساواة في الآتي:
أولاً: إن العـدل في الشـرع مأمـور به ومـرغَّـب فيه مطلقاً، في كل مكان، ومع أي شخص كان. قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، وقال ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَسعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]. أما المساواة، فمنفية في بعض المواضع، كقوله ـ تعالى ـ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18].
ثانياً: إن العدل يشمل التسوية والتفريق وكلاهما موجود في الشريعة. أما المساواة فهي تشمل التسوية فقط، لذلك إذا ذكـر بعض المعاصرين كلمة العدل فلا بد أن يعطف عليـها المساواة؛ فالإسلام دين العدل وليس المساواة؛ لشمول العـدل. يقول الشيخ ابن عثيمين: «من الناس من يستعـمل بـدل العدل المساواة، وهذا خطأ. لا يقال: مساواة؛ لأن المساواة قد تقتضي التسوية بين شيئينِ الحكـمةُ تقتضي التفـريقَ بيـنهما. ومـن أجل هذه الدعوة الجائـرة إلى التـسـوية صـاروا يقـولـون: أي فـرق بين الذكر والأنثى؟! سـوّوا بين الذكور والإناث؛ حتى إن الشيوعية قالت: أي فرق بين الحاكم والمحكوم، لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد، حتى بين الوالد والولد، ليس للوالـد سلـطة على الولد... وهلمَّ جرّاً. لكن إذا قلنا بالعـدل، وهـو إعطاء كل أحد ما يستحقه، زال هذا المحذور، وصارت العبارة سليمة»(8). وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم في بعـض المواضـع عن المساواة بالعدل، وذلك لما جاءه بشـير بولـده النعــمان، فـقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنِّى أَعْطَيْتُ ابْنِي مِـنْ عَمْـرَةَ بِنْـتِ رَوَاحَـةَ عَطِـيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟». قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ!». قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ»(9). فمن العدل التسوية بين الزوجات في النفقة، ومن العدل التسوية بين الأولاد في العطـية، ومـن العـدل التـفريق بين الرجـل والمـرأة في الميراث والشهادة.
ثالثاً: استخدام كلمة العدل فيه صيانة للشرع من التناقض، لوجود التفرقة والمساواة، أما استخدام كلمة المساواة ففيه مخالفة صريحة لنصوص الشرع وفيه ادعاء بتناقض نصوصه وإن لم يصرح قائله بذلك.

من هناك
04-28-2008, 02:32 PM
نتابع معكم

عزام
04-28-2008, 02:44 PM
بارك الله فيك اخي بلال
عزام
المبحث الثاني: المساواة في الإسلام:
ذكرنا في مفهوم الإسلام للمساواة وجود بعض صور المسـاواة في الشرع التي يستغلها دعاة المساواة: إما للتشكيك في الشرع بدعوى التناقض لوجودها هنا وانتفائها هناك، أو للاستدلال بها على المساواة المطلقة؛ وكِلا الأمرين باطل. وهنا أذكر بعض صور المساواة في الشرع للدلالة على العدل بمفهومه الصحيح في الإسلام؛ بمعنى أن الحكمة تقتضي التسوية هنا، وقد تقتضي الحكمة ذاتها التفرقة في مكان آخر. من هذه الصور ما يلي:
1- المساواة في أصل الخلقة:
والمقصود بذلك أن الناس في أصل الخلقة سواء، أي في الإنسانية؛ فكل الناس لآدم وآدم خلق من تراب، لا فرق بين أبيض وأسود وأحمر، ولا طويل ولا قصير، ولا عربي ولا عجمي، ويدل على ذلك عدة نصوص منها:
(أ) قوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، قال الألوسـي: «من آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ فالكل سواء في ذلك؛ فلا وجه للتفاخر بالنسب»(10) وقال أبو حيان: «كل واحد منكم مساوٍ للآخر في ذلك الوجه، فلا وجه للتفاخر»(11). وقال ابن عطية: «وقصد هذه الآية التسوية بين الناس»(12)، يعني في أصل الخلقة.
(ب) قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ. مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ. لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ»(13). فجميع الناس في أصل الخلقة سواء، وعلى هذا قامت الشريعة السمحاء.
2- المساواة في أصل الخطاب الشرعي بالإسلام:
إن الخطاب الشرعي بالإسلام، جاء للناس جميعاً، العرب والعجم، البيض والسود، دون تمييز؛ لأن الله ـ تعالى ـ أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة. قال ـ تعالى ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]، فالخطاب موجه للناس جميعاً دون تمييز. وقال ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف: 158]. فلا يجوز أن يقال إن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لجنس دون جنس، ولا لجهة دون جهة
ومن آمن من الناس كان أصل خطاب التكليف موجهاً إليهم جميعاً رجالاً ونساءً على قدم المساواة إلّا ما خصه الشارع لحكمة يعلمها.
يقول ـ تعالى ـ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وقوله ـ تعالى ـ: {وَالْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْـخَاشِعِينَ وَالْـخَاشِعَاتِ وَالْـمُتَصَدِّقِينَ وَالْـمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْـحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْـحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35]. فأركان الإسلام الخمسة بالجملة يطالَب بها الرجال والنساء، لم تستثنِ واحداً منهم. والترغيب في فضائل الأعمال للرجال والنساء كالإنفاق وغيره، والدعوة إلى مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة وغير ذلك.
3- المساواة في الحكم بين الناس:
وفي الحُكْم بين الناس لا يجوز التفريق بين الخصمين لأي سبب من الأسباب؛ لذلك قال ـ تعالى ـ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]. فلا يجوز أخذ حقوق الناس بمجرد العداوة والبغضاء؛ لأن الإسلام دين العدل. وقد قضى شريح القاضي ليهودي بدرع مع أن الخصم هو أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه(14). فلم يعرف الإسلام الظلم في تأريخه بل كان العدل شعاره.
4- المساواة في بعض الأحكام الشرعية:
فالشريعة المباركة ـ زادها الله تشريفاً ـ ساوت بين الناس في بعض الأحكام الشرعيةِ العدلُ يقتضي التسويةَ فيها؛ فمن ذلك على سبيل المثال: التسوية بين الأولاد في العطية كما في الحديث السابق، والتسوية بين الزوجات في النفقة والمبيت، وغير ذلك من الأحكام.

من هناك
04-28-2008, 02:47 PM
جزاك الله خيراً وسوف اكتب تعليقاتي لاحقاً إن شاء الله

موسى بن نصير
04-28-2008, 06:58 PM
متابع بارك الله فيك

عزام
04-29-2008, 07:56 PM
المبحث الثالث: موانع المساواة:
مع أن الناس فيما ذكرنا سواء، ولكن قامت موانع منعت من المساواة بينهم في بعض الأمور تقضي الحكمة حصول التفرقة فيها ونفي المساواة. وهذه الموانع تنقسم إلى قسمين:
الأول:المانع الشرعي الذي جاءت به النصوص الشرعية، ولا أحد يستطيع تجاوز الشرع كائناً من كان. ومن ذلك المنع من المساواة بين المسلم والكافر. قال ـ تعالى ـ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، قال البغوي: «نزلت في على بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه؛ وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد بن عقبة لعلي: اسكت؛ فإنك صبي وأنا والله أبسَطُ منك لساناً، وأحدُّ منك سِناناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة. فقال له علي: اسكت؛ فإنك فاسق، فأنزل الله ـ تعالى ـ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] ولم يقل: لا يسـتويان؛ لأنه لم يرد مؤمناً واحداً وفاسقاً واحداً، بل أراد جميع المؤمنين وجمــيع الفاسـقين»(15). قال السـعدي: «{لاَّ يَسْتَوُونَ} عقلاً وشرعاً، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلـمة، وكـذلك لا يسـتوي ثوابهـما في الآخـرة»(16). وقال ـ تعالى ـ: {أَفَنَجْعَلُ الْـمُسْلِمِينَ كَالْـمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35 - 36].
حتى بين المسلمين لا يستوي أصحاب الأعمال، كما قال ـ تعالى ـ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].
وقال ـ تعالى ـ: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على التفرقة بسبب الشرع.

الثاني: أي المانع الثاني من موانع المساواة ـ المانع الجِبِلِّي أي بسبب أصل الخِلْقة؛ بمعنى أن الناس جميعاً خرجوا من آدم، ولكن الله ـ تبارك وتعالى ـ أقام في خِلْقة المرأة والرجـل فروقاً فرق بسبـبها بينـهما في التكاليف. قال ـ تعالى ـ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، قال ابن عاشور: «فالتفضيل هو المزايا الجِبِلِّية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذبّ عنها وحراستها لبقاء ذاتها»(17)، لذلك قد بُني على هذا المانع التفـرقة بين الرجـل والمرأة في بعـض التكاليف الشرعية التي يقتــضي التفريـق في أصـل الخـلـقة التفـريق بيـنها في هذه الأحكام. كالشهادة؛ لأن النسيان من أصل خِلْقَتها. قال ـ تعالى ـ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282]، قال الآلوسي: «لأن الغالب على طبـاع النـساء النسيان»(18)، وكذا الولاية؛ لأن الضعف في أصل خِلقتها، ولأن العجلة من أصل خلقتها. إلى غير ذلك.
ولو استطاع دعاة تحرير المرأة جعلها تُنفق بدلاً من الرجل لإلغاء الفارق بينهما، لم يستطيعوا جعلها مثل الرجل بإزالة الفوارق الجِبِلِّية.