تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير التنمية في العالم 2008: الزراعة من أجل التنمي



فـاروق
04-15-2008, 09:27 AM
د. سرمد الجميل (http://www.alarabiya.net/authors.php?q=%D8%B3%D8%B1%D9%85%D8 %AF+%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%8A% D9%84)
قبل سنة من الآن تقريباً كان تقرير التنمية في العالم لسنة 2007 بين أيدينا وقد تناول موضوعاً كان ولا يزال محط جدل ونقاش منذ سنوات وهو : التنمية والأجيال اللاحقة ؛ مركزاً على التعليم في العالم ولاسيما في العالم النامي ، واليوم يُعنْون التقرير : الزراعة من أجل التنمية ، ويبدو أن قراءة البنك الدولي للمستقبل أقرب للدقة فما حصل خلال سنة 2007 من زيادة في أسعار المنتجات الزراعية وخاصة الحبوب الإستراتيجية يكاد يكون تغيراً كبيراً لم تظهر آثاره بعد ، ولهذا جاء التقرير في الوقت المناسب ليضع الحقائق أمام السياسيين ومتخذي القرار في مختلف دول العالم بشتى توصيفاتها ويطرح التحديات التي يمكن أن تواجهها شعوب الدول النامية والأقل فقراً لمزيد من الفقر والتردي في المستوى المعشي على الرغم من كل ما تعانيه.

وبالرغم من كل ما يقال حول التقرير ومصدّره البنك الدولي ، وسواء اتفق المعنيون بالأمر أو لم يتفقوا ، فإن ما يعرضه التقرير في سنة 2008 جدير بالاهتمام والدراسة فإنه يؤشر حالة حرجة بدأ العالم النامي يعاني منها اليوم ، وخير دليل على ذلك ما يتعرض له سوق المنتج الزراعي من تغيرات كبيرة في السعر فاقت التوقعات ، وأيّاً كانت الأسباب والدوافع تبقى النتيجة في ما نشاهده اليوم من تناقص في الإنتاج وارتفاع في الأسعار وتزايد مستويات الفقر في عدد غير قليل من الدول النامية مما يلقي مسؤولية كبيرة على الجميع بالعمل بهذا الاتجاه وإدراك حجم المشكلة.

جاء التقرير بـ 364 صفحة وقد قدم رئيس البنك الدولي له ، وتضمن مقدمة وثلاثة أقسام بأحد عشر فصلاً مع فهرس للملاحظات والمراجع ، وجداول للمؤشرات وأشكالاً وجداول ورسوم وخرائط توضيحية .

كانت بداية التقرير مراجعة عامة غطت 25 صفحة مثّلت عرضاً موجزاً لثلاثة مواضيع ركز عليها التقرير في أقسامه وفصوله ، وعرضها بشكل تساؤلات كان أولها : ماذا يمكن للزراعة أن تفعل من أجل التنمية ؟ وثاني التساؤلات نصّ على : ما هي أدوات الاستثمار الفعالة في استخدام الزراعة من أجل التنمية ؟ فيما نص الثالث : عن كيفية تنفيذ أفضل البرامج الزراعية من أجل التنمية ؟

لقد أسهب التقرير في مناقشة هذه التساؤلات الثلاثة وبقدرة ومهارة عالية ، وخصّ كل تساؤل قسماً من التقرير ، واحتوى كل قسم على عدد من الفصول ، وفي معرض القسم الأول ؛ حول ماذا يمكن للزراعة أن تفعله من أجل التنمية عرض التقرير نقاطاً أساسية محورها المساهمة الفاعلة لقطاع الزراعة في تحقيق الأهداف الاقتصادية التي تبلورت واضحة جلية وأهمها تقليص الفقر وتحقيق بيئة مستدامة ، والأهم من ذلك ما بينه التقرير حول مفهوم الزراعة التي قصد منها زراعة المحاصيل كافة المحاصيل والماشية باستثناء الأسماك وبرر ذلك .

تناول التقرير الزراعة كنشاط اقتصادي يسهم جنباً إلى جنب مع القطاعات الأخرى في النمو الاقتصادي وأن الزراعة لها النسبة العالية في الناتج المحلي الإجمالي والعمالة في عدد غير قليل من الدول النامية ، مما يعني أن للإنتاج الزراعي أهميته الكبيرة في الأمن الغذائي العالمي وأيضاً المساهمة في حل عدد من المشاكل الاقتصادية والمالية في بعض الدول النامية ، وقد ميّز التقرير بين سكان المدن وسكان الريف وكيف أن المشكلة تكمن في سكان الريف من حيث الفقر في دول معينة وفي سكان الحضر في دول أخرى .

وقد صنف التقرير الدول على أساس مساهمة القطاع الزراعي فيها فكانت هناك دول يقوم اقتصادها على الزراعة وأنها تشكل متوسطاً قدره 32% من نمو إجمالي الناتج المحلي وأن 70% من السكان الفقراء يعيشون في مناطق ريفية ، فيما أطلق على الصنف الثاني من الدول بالدول التي في طريقها للتحول في اقتصادها وهذه تكون مساهمة الزراعة فيها لا تتجاوز 7% في المتوسط من نمو إجمالي الناتج المحلي فيما 82% من سكان فقراء يسكنون ريف هذه الدول ، والصنف الثالث من الدول ؛ يقوم اقتصادها على المناطق الحضرية ومساهمة الزراعة فيه تقل في المتوسط عن 5% ويتركز الفقراء من السكان في المناطق الحضرية .

ويسترسل التقرير في مناقشة عدد كبير من الجوانب وأهمها ما يطلق عليها الدور الكبير للزراعة في عملية التنمية لما لهذا القطاع من إمكانيات كامنة تجعله قادراً على تحريك النمو في البلدان أو الدول الزراعية ، ويعطي التقرير للفرص المتاحة وفي طريقها للظهور والقدرات متمثلة في الأراضي والمياه والتعليم والصحة وكيفية إدارة هذه الموارد وزيادة الإنتاجية واستدامة التنمية .

ويطرح التقرير التساؤل الثاني وتحت عنوان الأدوات الفعالة في استخدام الزراعة لتحقيق التنمية ، فركز على ست نقاط رئيسة وعرضها بشكل مفصل من خلال فصل لكل نقطة من النقاط التي أدرجها ، وتكاد تكون أشبه بإشارات للدول بهدف تبنيها عبر سياساتها وإستراتيجياتها متضمنة زيادة قدرات الأسر العاملة في الزراعة وكيفية التعامل مع الأراضي والمياه والتعليم والصحة ، وكيفية تحقيق إدارة سعرية وإنتاجية وتحسين عمل الأسواق والمخاطر الكامنة فيها وتشجيع الأداء الأفضل وتبني الإبداع والتقنيات الحديثة .

أما القسم الثالث من التقرير والذي ناقش التساؤل الثالث فيتناول كيفية دعم المزرعة من أجل تحقيق التنمية وبرامجها وبشكلها الجيد ، وقد تضمن هذا القسم كيفية التنفيذ الأحسن لبرامج التطوير وضمن فصلين ركز الأول على إنشاء برامج وطنية للتنمية الزراعية للأصناف الثالثة من الدول وهي الزراعية والمتحولة والمتحضرة الصناعية ، فيما جاء الفصل الأخير من التقرير ليعطي الوصفة التقليدية ومضمونها تقوية الحوكمة محلياً وعالمياً وذلك من خلال تعميق دور القطاع الخاص والمجتمع المدني وإصلاح نظم الحوكمة من مساءلة وشفافية ومشاركة في السياسات الزراعية وكذلك تفعيل اللامركزية والإدارة المحلية .

خلاصة القول ، لقد أشر التقرير مسائل غاية في الأهمية ، وبالتحديد الزراعة والأمن الغذائي والفقر والتنمية ، وكل هذه عناوين باتت مقلقة في سنة 2008 ، وباتت التحدي الأخطر الذي يواجه الدول النامية ولكن يبقى السؤال هل أن الفقراء ، والنسب المتدنية ممن هم دون خط الفقر يدركون المشاركة والمساءلة والشفافية في الحكم أم يهمهم سد رمقهم وجوعهم ، ويبدو أن على البنك الدولي بعد هذا الجهد الكبير الذي بذله في التقرير أن يؤشر لتوصية أكثر واقعية للفقراء ، أو للدول الفقيرة لا أن ينصح الفقراء والجياع بأكل قطعة كاتوه بدل رغيف من خبز شعير.

* خاص بـ"العربية.نت"