تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل في النقد الذاتي/2: ملاحظات حول الأداء الإعلامي للدعاة في القنوات الفضائية



مقاوم
04-12-2008, 12:01 PM
رسائل في النقد الذاتي/2: ملاحظات حول الأداء الإعلامي للدعاة في القنوات الفضائية
مريم عبدالله النعيمي / كاتبة وباحثة إماراتية


توقف بنا الحديث في الحلقة الأولى من هذه السلسلة (رسائل في النقد الذاتي) عند أنموذج ومثال اتخذته كمدخل لهذا الملف الهام، والخاص بجهود الدعاة العاملين في العمل الإعلامي.

وقد انصب الحديث على التلفاز كمحطة رئيسة في هذا الملف الكبير، لما له من تأثير لا يمكن قياسه بأية أداة إعلامية أخرى، ونظرا لحجم المراهنات الكبيرة والتوقعات المرتفعة، التي تزامنت وما تزال تجاه المهمة الاستثنائية التي يمكن أن يؤديه الدعاة في التلفاز، ولربما بلغ بالبعض أن يسميه الدور الإنقاذي للعقل المسلم، وهو عنوان قد لا يكون دارجا في أذهان العامة. وإن كانت النخبة تعلم أن أخطر قضية يعاني منها العقل المسلم اليوم، هو حالة الركون والجمود في التفكير، والتي ترتب عليها برامج نمطية، وذات حلول جزئية، لا تكاد ترتقي لمستوى الحلول العميقة والشاملة.

ما يهمني في هذا المقال، هو الحديث حول أسلوب الإثارة والضرب على بعض الأوتار الضعيفة من قبل بعض النجوم الدعاة، وقد اتخذت مثالا على ذلك حلقة الداعية الدكتور محمد العوضي، حيث تركز النقاش حول الإشكاليات التي أثارها الموضوع والظلال المرسومة حوله، إضافة إلى بعض الإيضاحات حول خطورة تقديم أنموذج للإلحاد في الخليج، متمثلا في شاب كويتي استضافه الدكتور محمد العوضي في برنامجه قذائف.

لقد تناول مقالي السابق جملة من النقاط حول أسباب الرفض لهذا النمط من العرض التلفازي، الذي يفتقد عناصر التكامل، والتي تساهم بدورها في تكوين رؤية معمقة، يكتسبها المشاهدون حول القضية المثارة.

حول هذا النوع من العروض الإعلامية والمعالجات الخارجة عن نسقها المعرفي، يدور مقال اليوم، فماذا عن اختيار مواد إعلامية فجة، بل وماجنة تزخر بها البرمجيات الغربية في النوع المقدم لألعاب الأطفال، وعرض مقاطع منها في برامج بعض الدعاة النجوم؟!!

الداعية الشيخ (نبيل العوضي) على سبيل المثال، قدم لنا في إحدى حلقاته منذ فترة من الزمن مادة إعلامية مرئية بها صور فاضحة، ومشاهد خليعة ثم قال للآباء والأمهات منكرا على تلك البرامج إسفافها هذا ما يراه أبناؤكم فاحذروا تلك البرامج، ثم شنع على من يدخل تلك البرامج المسيئة للذوق العام إلى بلادنا!!

قد يتساءل أحدنا: وما النكير في عرض صور ينكرها الداعية، وهو لم يقصد بها سوى توضيح خطورتها؟ السبب هو أن ردة فعل فئة من المشاهدين بعد ذلك كانت مخيبة للآمال، فتلك الفئة التي لم يكن لها علم بتلك البرامج دب إليها الفضول، وشعرت بشيء من الرغبة في معرفة المزيد حول هذه المادة المرئية. وهكذا قدم الداعية نبيل العوضي دعاية مجانية لأعمال هابطة هو ينكرها، ولا يقصد الترويج لها على الإطلاق، ولكن المقدمات الصحيحة وحدها هي التي تؤدي إلى النتائج الصحيحة.

بالعودة إلى موضوعي والمثال الذي أعرضه له، فقد كان من النتائج العكسية لحلقة الشيخ نبيل العوضي، انتشار تفسيرات مضطربة في أوساط شريحة من مشاهدي تلك الحلقة، بل وبدأت فتاة ثانية لم تتزوج، وهي في نهايات سن العشرين، في تفصيل ما شاهدته أمامي، وبدأت تشرح بعض التفاصيل التي أشعرتني بالصدمة للّغة الواضحة، والوصف الصريح لبعض المشاهد التي تظهر في تلك البرمجيات.

والسؤال: هل كان ما ينتظره الداعية نبيل العوضي هو هذه النتيجة البائسة؟!! هل كان الداعية الشهير يريد صورا فاضحة تمعن فيها الفتيات ثم يثرثرن بعد انتهاء الحلقة بما رأين وسمعن، بطريقة يختلط فيها النقد والاستهجان بالشعور بامتلاك شيء يستحق أن تدار حوله النقاشات، ويكون مادة للمجالس وجلسات السمر، بالرغم من أنه حديث لن يكون مطابقا ومبادئ الذوق والأدب الإسلاميين. وهنا قد يُطرح السؤال التالي: كيف يكون كشف الإعلام الغربي الموجه للناشئة، إذا كان الإخبار عنه، سوف يتسبب في نوع من الإثارة والفضول لدى العامة؟!!

والإجابة هي أن طريقة تقديم المادة التلفازية مسألة لا تكفي معها النية الطيبة، لتضمن الوصول بالقارئ إلى إجابات على أسئلته الهامة، وقد كان حري بالشيخ الفاضل أن يقدم حلقته بصورة لا تخدش حياء جمهوره الكبير، إذ ليس من الحكمة التماشي مع فضول العامة وإرضاء توقهم لمعرفة المستور!!

المطلوب مواد إعلامية تساهم في تقديم إجابات، وإنارة الطريق، وفتح منافذ العقول على معلومات ميسرة وعملية وقادرة على حل المشكلات المثارة، وليس مجرد الحديث الناقد لأن النقد وحده لا يكفي.

هل من المصلحة العامة أن نخاطب العواطف، ونحفز مشاعر الغضب الفجائي العارم، ونجعل الناس تسب وتلعن، أم أن ما يحقق المصلحة العامة، شيء أبعد من ذلك وأكثر أهمية؟

ماذا دهى بعض الدعاة، فنزلوا بمستوى عرضهم الإعلامي إلى حد يكون فيه غاية غاياتهم تحميس الناس، ورفع مستوى الغضب لديهم، وكأنها جلسات خلاص يساعد الداعية فيها الناس على تفريغ شعورهم بالتقصير تجاه دينهم، وبمجرد حدوث الالتحام العاطفي بين الداعية وجمهوره، فإن النجاح يكون قد تحقق؟!! برأيي، أكبر خطر يمكن أن يمثله تكريس أسلوب الإثارة من قبل بعض نجوم الدعاة، والتركيز على العواطف الدينية، أو استجلاب سحرة، ومناقشتهم، أو فتح فضائيات للقراءة على المسحورين، هو أنه يمارس في كثير من الأحيان نوع من التخدير للعقل المسلم، أو تنويمه، أو في أحسن الأحوال القبول به فردا غاضبا على الانتهاكات المستمرة للقيم والأخلاق، ثم هو لا يعرف قواعد وأسس النهوض، وطريقة معالجة تلك التحديات المحيطة به وما أكثرها!!

وهذا، لأن مثل هذه البرامج لا تقدم خطوات عملية لعلاج أوجاعنا، وإنما تتحدث عما هو كائن لتحذرنا منه، وكأننا لا نعلم أن الأمة اليوم هي في حال يرضي العدو ولا يسر الصديق؟!!

إن هذا الحال المر ليس سرا نحتاج لإذاعته في التلفاز، كما أن لجوء بعض العامة للسحر، لا يعني البتة أن نعالج هذا الموضوع الخطير بأسلوب الإدانة المباشرة، لأن الله تعالى قد حسم الموضوع، وليس بعد قول الله قول لمخلوق!!

ما نحتاجه، هو خطوات عملية للخروج من النفق المظلم، وما كنا ننتظره من نجوم الدعاة هو الكثير من الحصافة والذكاء والرؤية الشمولية المعمقة لحياتنا الفكرية، والتربوية، والإعلامية، والاقتصادية وسائر مرافق الحياة

لم نكن ننتظر منهم أن يسموا الأسود باسمه، ويصفوا الأبيض بصوت عال، قائلين هذا اللون أبيض، رحماكم أيها المتحدثون اللامعون، فنحن نحتاج آلاف السنين حتى نحقق نهضتنا إذا كنا سنحرك الأمور الراكدة بمثل هذه الطريقة؟

عفوا، فالأمر أكبر مما تعتقدون، ولا أظن أن الموضوعات التي يراد منها الإثارة والمبالغة وتحريك العواطف، ستساهم في صحوة العقل المسلم واستفاقته! لن يكون هناك بناء حقيقي كامل، وقضايانا تعالج من أوتار عاطفية محضة، والحلول المبتكرة والمشجعة والعملية غائبة عن الحضور.

ما أردنا هذا ولا رمينا إليه يوم أن هب الخيرون منا في مبادرات رائعة لدعم مشاريع الفضائيات الإسلامية، التي وإن حاولت أن تسد الفراغ، فإن المهام التي تنتظرها تحتاج إلى جهود من نوع مختلف، وطريقة معالجة جذرية لنوع ونمط وأسلوب عرض القضايا والأفكار.

ليس سرا أن نقول، إن نظرة واحدة سريعة لكيفية عرض قضايا تربوية شائكة في بعض البرامج الغربية الجادة، والتي يتم عرضها تلفازيا، ترينا الفرق الهائل بين الاختصاص والهواية، بين التكامل في عناصر العرض، وبين الاختزال والابتسار وتقديم الأعمال بشكل مرتجل، كما في كثير من البرامج الحوارية التي يتصدى بعض نجوم الدعاة لمناقشتها. بينما كان من الأفضل والأكمل أن تُلقى تلك الأوراق بين أيدي المختصين، لكي تترسخ ثقافة احترام عقل المشاهد، ومساعدته على إيجاد حلول جيدة لمشاكله المتنامية.

هذا وللحديث صلة بإذن الله، وثمة المزيد من العرض والتحليل لإشكالية المهام المتداخلة التي يؤديها بعض الدعاة النجوم بحسن نية وصفاء نفس، ولكن هل تكفي النية وحدها للوصول بنا لتحقيق النجاح؟!
سؤال أترك إجابته لكم.

مقاوم
04-13-2008, 05:51 PM
أين أنت يا بلال؟؟ :)