تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ



أبو مُحمد
04-10-2008, 11:59 AM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الزاهدين وإمام العابدين، أما بعد:


فإن الدنيا دار سفر لا دار إقامة، ومنزل عبور لا موطن حبور، فينبغي للمؤمن أن يكون فيها على جناح سفر، يهيئ زاده ومتاعه للرحيل المحتوم.
فالسعيد من اتخذ لهذا السفر زاداً يبلغه إلى رضوان الله تعالى والفوز بالجنة والنجاة من النار.
إنما الدنيا إلى الجنة والنـــــار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق
تعريف الزهد في الدنيا
تعددت عبارات السلف في تعريف الزهد في الدنيا وكلها تدور على عدم الرغبة فيها وخلو القلب من التعلق بها.


قال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا: قصر الأمل.
وقال عبدالواحد بن زيد: الزهد في الدينار والدرهم.
وسئل الجنيد عن الزهد فقال: استصغار الدنيا، ومحو آثارها من القلب.
وقال أبو سليمان الداراني: الزهد: ترك ما يشغل عن الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة، واستحسنه ابن القيم جداً.
قال ابن القيم: والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا، وأخذ في منازل الآخرة !!.
فأين المسافرون بقلوبهم إلى الله؟
أين المشمرون إلى المنازل الرفيعة والدرجات العالية؟
أين عشاق الجنان وطلاب الآخرة؟
الزهد في القرآن
قال الإمام ابن القيم: والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا، والإخبار بخستها قلتها، وانقطاعها وسرعة فنائها، والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها.
ومن الآيات التي حثت على التزهيد في الدنيا:
1ـ قوله تعالى: http://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [الحديد:20].

2ـ وقوله سبحانه: http://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [آل عمران:14].
3ـ وقوله تعالى: http://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [الشورى:20].

4ـ وقوله تعالى: http://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [النساء:77].

5ـ وقوله تعالى: http://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [الأعلى:17،16].
أحاديث الزهد في الدنيا




أما أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رغبت في الزهد في الدنيا والتقلل منها والعزوف عنها فهي كثيرة منها:
1ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما: { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل } [رواه البخاري]. وزاد الترمذي في روايته: { وعد نفسك من أصحاب القبور }.
2ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر } [رواه مسلم].
3ـ وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً حقارة الدنيا: { ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع } [رواه مسلم].
4ـ وقال صلى الله عليه وسلم: { مالي وللدنيا،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ في ظل شجرة، في يوم صائف، ثم راح وتركها } [رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح].
5ـ وقال http://www.kalemat.org/gfx/article_salla.gif: { لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
6ـ وقال صلى الله عليه وسلم: { ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس } [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
7ـ وقال صلى الله عليه وسلم: { اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً، ولا يزدادون من الله إلا بعداً } [رواه الحاكم وحسنه الألباني].



حقيقة الزهد في الدنيا
الزهد في الدنيا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو ليس بتحريم الطيبات وتضييع الأموال، ولا بلبس المرقع من الثياب، ولا بالجلوس في البيوت وانتظار الصدقات، فإن العمل الحلال والكسب الحلال والنفقة الحلال عبادة يتقرب بها العبد إلى الله ، بشرط أن تكون الدنيا في الأيدي، ولا تكون في القلوب، وإذا كانت الدنيا في يد العبد لا في قلبه، استوى في عينه إقبالها وإدبارها ، فلم يفرح بإقبالها، ولم يحزن على إدبارها.
قال ابن القيم في وصف حقيقة الزهد: وليس المراد ـ من الزهد ـ رفضها ـ أي الدنيا ـ من الملك، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء مالهما.


وكان نبينا صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة.
وكان علي بن أبي طالب، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال.


ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن أو غيره: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك.




جاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جاراً لا يأكل الفالوذج، فقال الحسن: ولم؟ قال: يقول: لا أؤدي شكره، فقال الحسن: إن جارك جاهل ، وهل يؤدي شكر الماء البارد؟.


أهمية الزهد
إن الزهد في الدنيا ليس من نافلة القول، بل هو أمر لازم لكل من أراد رضوان الله تعالى والفوز بجنته، ويكفي في فضيلته أنه اختيار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال ابن القيم رحمه الله: لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الإيمان، وإما من فساد في العقل، أو منهما معاً.


ولذا نبذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه، وصرفوا عنها قلوبهم، وهجروها ولم يميلوا إليها، عدوها سجناً لا جنة، فزهدوا فيها حقيقة الزهد، ولو أرادوها لنالوا منها كل محبوب، ولوصلوا منها إلى كل مرغوب، ولكنهم علموا أنها دار عبور لا دار سرور، وأنها سحابة صيف ينقشع عن قليل، وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى أذن بالرحيل.

أقسام الزهد
قال ابن القيم رحمه الله الزهد أقسام:
1ـ زهد في الحرام وهو فرض عين.
2ـ وزهد في الشبهات، وهو بحسب مراتب الشبهة، فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحباً.
3ـ وزهد في الفضول، وهو زهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره.
4ـ وزهد في الناس.
5ـ وزهد في النفس، بحيث تهون عليه نفسه في الله.
6ـ وزهد جامع لذلك كله، وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما يشغلك عنه.
وأفضل الزهد إخفاء الزهد.. والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد ولا ورع.
أقوال السلف في الزهد
قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، http://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [البقرة:197].
وقال عيسى بن مريم عليه السلام: اعبروها و لا تعمروها.
وقال: من ذا الذي يبني على موج البحر داراَ؟! تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا.
وقال عبدالله بن عون: إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم، وإنكم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم.
قلت: هذا كان في زمان عبدالله بن عون، أما اليوم فإن أكثر الناس قد زهدوا في الآخرة حتى بالفضلة !!
الأسباب المعينة على الزهد في الدنيا
1ـ النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها ونقصها وخستها ومافي المزاحمة عليها من الغصص والنغص والأنكاد.
2ـ النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات.
3ـ الإكثار من ذكر الموت والدار الآخرة.
4ـ تشييع الجنائز والتفكر في مصارع الآباء والإخوان وأنهم لم يأخذوا في قبورهم شيئاً من الدنيا ولم يستفيدوا غير العمل الصالح.
5ـ التفرغ للآخرة والإقبال على طاعة الله وإعمار الأوقات بالذكر وتلاوة القرآن.
6ـ إيثار المصالح الدينية على المصالح الدنيوية.
7ـ البذل والإنفاق وكثرة الصدقات.
8ـ ترك مجالس أهل الدنيا والاشتغال بمجالس الآخرة.
9ـ الإقلال من الطعام والشراب والنوم والضحك والمزاح.
10ـ مطالعة أخبار الزاهدين وبخاصة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.
.
منقول جدا !

أبو مُحمد
04-19-2008, 12:12 AM
{مالي وللدنيا،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ في ظل شجرة، في يوم صائف، ثم راح وتركها}

مقاوم
04-19-2008, 10:13 AM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل
يقول الإمام إبن القيم في الدنيا:


ميزت بين جمالها وفعالها *** فإذا القباحة بالملاحة لا تفي
حلفت لنا ألا تخون عهودنا *** فكأنها حلفت أن لا تفي

ومن المنسوب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:


النفس تبكي على الدنيا وقد علمت *** ان السعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكـنها *** الا التي كان قبل الموت يبنيها
اموالنا لذوي الميراث نجمعها *** ودورنـــا لخراب الدهر نبنيها
أين الملوك التي كانت مسلطنة *** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائن في الافاق قد بنيت *** أمست خرابا وأفنى الموت اهليها
لا تركنن الى الدنيا وما فيها *** فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
المرء يبسطها والدهر يقبضها *** والنفس تنشرهاوالموت يطويها
انما المكارم اخلاق مطهرة *** الدين اولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها *** والجود خامسها والفضل ساديها
والبر سابعها والشكر ثامنها *** والصبر تاسعها واللين باقيها
والنفس تعلم أني لا اصدقها *** ولست ارشد الا حين اعصيها
فاعمل لدار غدا رضوان خازنها *** والجار احمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها *** والزعفران حشيش نابت فيها
انهارها لبن محض ومن *** عسل يجري رحيقا في مجاريها
والطير تجري على الاغصان عاكفة *** تسبح الله جهرا في مغانيها
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها *** بركعة في ظلام الليل يحيها

Abuhanifah
04-19-2008, 11:44 AM
أكرمك الله أخي أبو محمد الغريب :)
وجراك خيرا أخي مقاوم على الأبيات المعبرة
تذكرت قول الشافعي رحمه الله:

ان لله عبادا فطنا ***** طلقوا الدنيا و خافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا ***** انها ليست لحي موطنا
جعلوها لجة و اتخدوا *****صالح الاعمال فيها سفنا

أبو مُحمد
04-19-2008, 12:24 PM
جزاكم الله خيرا للمرور وللاضافات الطيبة.

قد أضفت الموضوع منذ ايام ولكنه جاء في فترة قريبة من غزوة الاخ zohir حفظه الله فضاع موضوعي في الزحام وخشيتُ الا أنال به دعاء منكم فقررت رفعه من جديد :)

يعني بمعنى آخر "أتسول" بهذه المواضيع فمن أعجبه شيء منها فليدعوا لنا في ظهر الغيب :)

صرخة حق
04-19-2008, 05:12 PM
عن أبي هريرة أن النبي قال: ((الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالماً أو متعلماً)) [رواه ابن ماجه وحسّنه].

قال الإمام الشافعي فيها :


ومن يذق الدنيا فإني طعمتها وسـيق إلينا عذبها وعذابهـا

فلم أرهـا إلا غروراً وباطلاً كما لاح في ظهر الفلاة سرابها

وما هي إلا جيفـة مستحيلة عليها كـلاب همهن اجتذابهـا

فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها تنازعتك كـلابها



اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا

طرابلسي
04-19-2008, 07:17 PM
وانا بدوري أذكر أبيات منسوبة للإمام الشافعي رحمه الله يقول فيها :
عليك بتقوى الله إن كنت غافلا **** ياتيك بالأرزاق من حيث لا تدري
فكيف تخاف الفقر والله رازقا **** فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة **** ما اكل العصفور شيئا مع النسر
تزول عن الدنيا فإنك لا تدري ******* إذا جن عليك اليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة **** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى امسى وأصبح ضاحكا *** وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري
فمن عاش ألفا وألفين ***** فلا بد من يوم يسير فيه إلى القبر

أبو مُحمد
04-19-2008, 07:45 PM
جزاكم الله عنا خيرا ورحم الله ائمة الاسلام.

nawwar
04-20-2008, 06:49 PM
ان لله عبادا فطنا ***** طلقوا الدنيا و خافوا الفتنا


نظروا فيها فلما علموا ***** انها ليست لحي موطنا


جعلوها لجة و اتخدوا *****صالح الاعمال فيها سفنا



جزى الله الجميع الخير والبركة.....
هذا موضوع كنت بحاجته...

أبو مُحمد
04-23-2008, 10:09 AM
جزى الله الجميع الخير والبركة
اللهم آمين.