تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب اشارات على الطريق...



Abuhanifah
04-09-2008, 09:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم الشيخ علي القرني


الإشارة الأولى: أنو الخير واعمل بمقتضى هذه النية


بالنية يتحدد السفر، وتتضح الوجهة، وعلى أساسها يخطط منهج الرحلة، فهي أساس الأمر ورأسه وعموده وأصله، بل هي روح العمل وقائده وسائقه يصح بصحتها ويفسد بفسادها، يستجلب التوفيق بها ويحصل الخذلان بعدمها، وبحسب النية تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، وكل المناهل غير الصدق آسنة . (وسنة الله أن من نوى الخير وعمل بمقتضى تلك النية أن يوفق ويسدد ويؤيد ويبلغ من الخير ما يريد ).
وفوق ما يريد بإذن ربه ، يقول الله جل وعلا: ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(النساء: من الآية100).
( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)(الشورى: من الآية20) .
(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
ومن نوى الشر وعمل بمقتضى تلك النية حرم التوفيق، وحالفه الخذلان والهوان، وإن بدا غير ذلك فإنما هو سراب أو أحلام لا تلبث أن تنقشع فيظهر المستور، يقول الله جل وعلا: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً) (الاسراء:18).
ويقول (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ.... ) (هود:15-16).
( وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(آل عمران: من الآية145)،
فانو الخير واعمل بمقتضى تلك النية فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير، (وإنما الأعمال بالنيات ولكل إمرئ ما نوى) رواه البخاري ومسلم .

القصد وجه الله بالأقوال .......... والأعمال والطاعات والشكران
وبذاك ينجو العبد من إشراكه ...... ويصير حقا عابد الرحمن


* * * * *

Abuhanifah
04-10-2008, 08:41 PM
الإشارة الثانية: خليج صاف أطيب من بحر كدر



بمعنى آخر: النوع الثمين لا الكم المهين،
بمعنى ثالث: ( من لا يخلص لا يتعب، فهو كالذي يحشو جراب العمل رمل يثقله ولا ينفعه، إن من سلك الطريق بلا إخلاص كالذي يريد كسر الجوز بالعهن، أو كمن يحدو وماله بعير، يمد القوس وما لها وتر، يتجشأ من غير شبع، كالوحش بلا جبل)، لا شك انه لهدفه لا يصل، العمل صورة والإخلاص روح العمل، عمل المرائى بصلة كلها قشور، لباس المرائي نظيف لكن قلبه نجس، الإخلاص مسك والريا جيفة .
فاحذر كمائن نفسك اللاتي متى ........ خرجت عليك كُسرت كسر مهان
( لما أخذ دود القز ينسج الحرير أقبلت العنكبوت تتشبه وتنسج، ثم نسجت وقالت: يا دودة القزة لي نسج وتلك نسج ولا فرق بين النسيجين، قالة دودة القزة: نسجي أردية الملوك، ونسجك شبكة الذباب، وعند مس النسيجين يتبين الفرق) .
ليس التكحل في العينين كالكَحَلِ وما كل دام جبينه عابد، وفي عنق الحسناء يستحسن العقد ، والنفيس نفيس أينما كان .

ورب كئيب ليس تندى جفونه ......... ورب كثير الدمع غير كئيب
إذا اشتبكت دموع في خدود ........... تبين من بكى ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب شوقا ........... وينطق بالهوى من قد تباكى

جماع هذه الإشارة : (... وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110)


* * * * *

أبو مُحمد
04-10-2008, 08:46 PM
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ..

جزاك الله خيرا أخي أبا حنيفة.
كلام طيب جدا .


بالنية يتحدد السفر، وتتضح الواجهةلعلها الوجهة والله اعلم.


ليس التكحل في العنين لعلها العينين والله اعلم.

Abuhanifah
04-10-2008, 09:26 PM
تم التصحيح ...
بارك الله بك أخي

من هناك
04-11-2008, 01:25 AM
نتابع معكم إن شاء الله

Abuhanifah
04-15-2008, 12:09 PM
نتابع معكم إن شاء اللهأهلا بك أخي بلال وبمتابعتك..

Abuhanifah
04-15-2008, 12:14 PM
الإشارة الثالثة: العلم الشرعي والعمل به ضرورة للمسافر


به يعرف السهل من الطريق الوعر، به يميز إشارات الطريق وعوائقه، به يعرف الله ويعبد ويذكر ويوحد ويحمد ويمجد، به يعرف الحلال من الحرام، به توصل الأرحام، فهو أساس السفر ولا بد، بل هو أشرف مطلوب، وأفضل مرغوب، وأنفع زاد يقتني لمسافر مكدود، ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(الزمر: من الآية9).
لا يكون العلا مثل الدنا ......... لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
ومن تدرع بالعلم حفظ ومنع، وحاز قصب السبق وارتفع وبرع (ولما كان المجاهد لا ينكأ عدوا إلا بسلاح وعدة فكذلك المتعلم والمعلم لا يصنع أمة ولا يكشف غمة ولا يزيل ظلمة إلا بعلم وعمل من أثر أو سنة (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )(الأحزاب: من الآية21.
ومن لا يربيه الرسول ويسقه ....... لبنا له قدر من ثدي وحيه
فذاك لقيط ما له نسبة الولا ........ ولا يتعدى طور أبناء جنسه
العلم وسيلة، والعمل ثمرة، العلم أساس البناء، والعمل ثمرة الغرس ، والبناء من غير أس لا يبنى، والثمر من غير غرس لا يجنى، فاعلم أخي ولا تنس.
فما تنفع الخيل الكرام ولا القنا ........... إذا لم يكن فوق الكرام كرام
العلم أبلغ من القول ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)(العنكبوت: من الآية43) ، والناس أبناء ما يحسنون، وفعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل، (ومهما كان العالم وطالب العلم والداعية فصيحا بليغا مؤثرا بارعا فإن كلامه لا يتجاوز الآذان ما لم يعمل به، حتى إذا عمل به دبت فيه الحياة؛ دبت بكل كلمة ينطق بها، واتجهت كل جملة كأنها قذيفة ترهف آذان الغافلين، وتوقظ ضمائر المتغافلين، وتصبح دروسه وخطبه ومواعظه برنامجا عمليا يتقبله الناس راضين به عاملين مذعنين) لا يغني العلم شيئا لوحده، لأن العلم لا يعمل وحده، إنما هو بمن يحمله ويعلمه.
يقول السيد قطب رحمه الله: ( إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيما واقعيا لما ينطق ... عندئذ يؤمن الناس، ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق .. إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة لآنها منبثقة من حياة).
وعادة السيف أين يزهي بجوهره ......... وليس يعمل إلا في يد بطل
والذين يعلمون ثم لا يعملون أو يعملون بخلاف ما يقولون ويعلمون بئس ما يصنعون، إنما هي أوعية للعلم يسيرون ثم لا ينفعون بل قد يضرون، جلسوا على باب الجنة – كما يقول ابن القيم رحمه الله -: (يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعون إلى النار بأفعالهم، كلما قالت أقوالهم: هلموا اسمعوا، قالت أفعالهم: افرنقعوا لا تسمعوا لو كان حقا ما يدعون إليه كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصور هداة مرشدون أدلاء، لكنهم في الحقيقة قطاع طرق). أذلاء وما هم بأجلاء، بئس ما يصنعون. (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة:5). ما يغني الأعمى معه نور الشمس لا يبصرها، وما يغني عن العالم كثرة العلم لا يعمل به، إنما هو كالسراج يضيء البيت ويحرق نفسه، عليه بوره ولغيره نوره، يحق عليه قول القائل:
فأسعدت الكثير وأنت تشقى ......... وأضحكت الأنام وأنت تبكي
خير من القول فاعله وخير من الصواب قائله :
ومن العجائب والعجائب جمة ......... قرب السبيل وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ...... والماء فوق ظهورها محمول
( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ )، قول الله في سورة النساء، عملوا بمقتضى ما عملوا ( لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) (النساء:66 - 68) ، كم وكم ؟ من قدوات ظاهرا لم تعمل بمقتضى ما عملت فسقطت وتكشفت على الطريق فيما بين غمصة عين وانتباهتها، لعل ابن عيينة رحمه الله يعنيها بخطابه يوم يقول: لا تكون كالمنخل يخرج الدقيق الطيب ويمسك النخالة، تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم، إن من يخوض النهر لا بد أن يصيب ثوبه وإن إجتهد ألا يصيبه، فويحكم ثم ويحكم ثم ويحكم.
أيها العالم أياك الزلل ........... واحذر الهفوة فالخطب جلل
هفوة العالم مستعظمة ........... إن هفا أصبح في الناس مثل
إن تكن عندك مستحقرة ........ فهي عند الله والناس جبل
انت ملح الأرض ما يصلحه ... إن بدا فيه فساد وخلل
أيها المسافر على علم:(لا تشغل نفسك بأدنى العلوم دون اعلاها وأسماها وأنت قادر عليه، فإني لأربأ بك أن تكون كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر أو كغارس الشعراء حيث يزكو النخل والتين والزيتون) ، فتسبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. ثم أصغ سمعك للشوكاني رحمه الله وهو يخاطبك فيقول: ( استكثر من العلم الشرعي زادا لك ما شئت، وتبحر في الدقائق مخلصا ما استطعت، واجب من عذلك أو خالفك بقول من صدقك.
أتانا أن سهلا ذم جهلا علوما ......... ليس يدركهن سهل
علوما لو دراها ما قلاها ولكن ....... الرضا بالجهل سهل
أما قد علمت وعملت فإن من مقتضى العلم أن تدعو غيرك إلى العلم الذي عرفته بالحجة والبرهان على بصيرة وهدفك إخراج من تدعوه ونفسك من الظلمات إلى النور من الانحراف إلى الاستقامة التي تنال رضى الله بها في الدنيا وفي الآخرة .
هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفسر قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ)، فيقول : ( فواجب على الأمة أن يبلغوا ما أنزل إليه، وينذروا كما أنذر، قال الله تعال: ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122). والجن لما سمعوا القرآن (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)(الاحقاف: 29).
وهذا تلميذه الإمام المحقق ابن القيم الجوزية رحمه الله يقول : ( وتبليغ سنته صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، واما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء ، وخلفائهم في أممهم ، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه).
وليست هذه المنزلة العليا في الدنيا إلا منزلة الدعوة إلى الله، ووراثة وظائف النبوة، التي ليس أشرف منها إلا منزلة النبوة نفسها وهذا الإمام أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى يناديك: (ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم ) و (هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثهم على الخير، ونهيهم عن الشر).
وها هو رحمه الله يقارن بين الشجعان يخالطون الناس لدعوتهم، ويصبرون على أذيتهم، وبين المتخاذلين المعتزلين القاعدين عن الدعوة إلى الله تعالى ، فيقول : (الزاهد في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن نفع الناس ، وهي حالة حسنة إذا لم تمنع من خير ، من جماعة واتباع جنازة وعيادة مريض، إلا أنها حالة الجبناء . فأما الشجعان فهم يتعلمون ويعلمون . وهذه مقامات الأنبياء عليهم السلام) .
إن الحاجة إلى الدعوة ماسة، لأن العقول لا تستطيع وحدها إدراك مصالحها التي تكفل لها في الدنيا الآخرة ، لأنها لا تُهدى وحدها إلى تمييز الخير من الشر ، فكثيرا ما يبدو لها الشر في لباس الخير فتقع فيه، وكثير ما يظهر لها الخير في صور الشر فتعرض عنه (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216) فمهما توسعت أفهام الإنسان ومداركه ومعارفه فإنه يبقى قاصرا محدودا ومن ثم كان لا بد من الدعوة على أيدي الرسل وأتباعهم.
فإذا اتضح الهدف سرت في هذه الحياة على هدى وعندها بادر بعمل دؤوب في طموح وجدية وأخذ بقوة تستشعر قوله الله تعالى : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ً) (مريم:12)، وقوله: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة:63).
((خذوا ما أتيناكم بقوة )).
إذا كان ما تنويه فعلا مضارعاً .......... ألا فاجعله ماضيا بالجوازم
في ثبات ومسارعة ( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) (طـه:42)، (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الانبياء:90)، في تدرج وأناة واعتدال ومداومة (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح:7-8)، في شجاعة وعدم تهيب وتردد.
ومن يتهيب صعود الجبال .......... يعش أبد الدهر بين الحفر
في بصيرة وفرقان بإتقان (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ )(يوسف:108)، في استشارة حازم (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، في عزيمة وتصميم مع وتوكل دون تسفيه رأي أو إنقاص قدر (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(آل عمران:159)
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ......... فإن فساد الرأي أن تترددا
إذا كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا .......... فإن فساد العزم أن يتقيدا
إذا هممت فبادر، وإذا عزمت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر .
ما كل من طلب المعالي نافذا ......... فيها ولا كل الرجال فحول
(يتبع)

Abuhanifah
04-15-2008, 12:19 PM
وعلى الطريق تضع لك حاديين مرعبين حافزين.
أحدهما : قول الله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).
وثانيهما : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ((من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)).
إن هدى الرحمن شخصا واحد ........ بك خير لك من بحر درر
وهو خير لك عند الله من ............. ما بدا للشمس أو نور القمر
((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )) متفق عليه.
فإن لم ينفع الحاديان، فعلى الطريق وعيدان محذران لها أن تثير في نفسك الشعور بخطر الفتور والتهاون والكتمان .
أحدهما : ما اخرجه البخاري ومسلم – رحمهما الله – عن ابي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ((إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا. ثم تلا ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) ، وتلا (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) )) (البقرة: 159-160)
وثانيهما : ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من كتم علما ينتفع به جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار )). ورواه أبو داود في كتاب العلم والترميذي بلفظ: (( من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)) قال الترميذي حديث حسن صحيح.
فهل يجوز سكوت ........ أو يستساغ النمير
الخطب خطب عظيم ...... والأمر أمر خطير
فإن لم يحرك فيك الوعد ولا الوعيد ، ولا الترغيب ولا الترهيب، إذ تبلد الإحساس فلا مساس، فقف على أخبار أهل الأهداف، علك أن تشتبه بهم، فيثور فيك الحماس على أساس.
( في مؤتة خرج جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه زيد وجعفر وابن رواحة رضي الله عن الجميع، هدفهم : (إن هي إلا إحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة في سبيل الله ) فلما ودعهم المسلمون قالوا: صحبكم الله بالسلامة ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين. فقام عبد الله بن رواحة وقال :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ......... وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيد حران مجهزة ......... بحربة تنفذ الأحشاء والكبد
حتى يقال إذا مروا على جدثي ..... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
ولما رأى المسلمون جموع الروم – الجموع الكبيرة – نظروا في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فقام إبن رواحة فقال : والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، وما نقاتل الناس بعدد ولا عدة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما الشهادة .
تلذ له المروءة وهي تؤذي ........ ومن يعشق يلذ له الغرام
فقاتل القوم وعليهم زيد، فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم وخر صريعا رضي الله عنه وأرضاه . أخذ الراية جعفر فقاتل بها حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها لئلا ينتفع بها العدو، ثم قاتل وهو يقول :
يا حبذا الجنة واقترابها ........ طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ..... كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذا لاقيتها ضرابها
فقطعت يمينة، فأخذ الراية بيساره، فقطعت فاحتضن الراية حتى قتل كالأسد . رحمة الله على ذاك الجسد. ثم أخذهاإبن رواحة كالليث، ونالته الجراح -وأي جراح- فحاله:
هل أنت إلا إصبع دميت ......... وفي سبيل الله ما لقيت
يا نفس أإلا تقتلي تموتي ......... هذا حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت ............ إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيت
(ثم قاتل ثابتا رضي الله عنه وأرضاه حتى قتل، فأخذ الراية سيف الله خالد ففتح الله على يديه ).
أخرجوا الدنيا من قلوبهم، وقطعوا أسباب التعلق بها عن أنفسهم، فكان الإقتحام، وكانت الشهادة وكان الفوز بالجنة، وهكذا أمر العاقل اللبيب، لا يبيع الياقوت بالحصى، ولا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة، الطريق شاق وتكاليف وعوائق، فمن لم يجمع همته، ويعلي إدارته، ويقوي عزيمته، ويتخفف من دنياه فلن يستطيع بلوغ أهدافه وغايته .
ومن تكن العلياء همة نفسه ............ فكل الذي يلقاه فيها محبب
ولم يتأخر من أراد تقدما .............. ولم يتقدم من أراد تأخرا
ويذكر الذهبي في سيره: ( أن نور الدين الشهيد لما نزل دمياط بقي عشرين يوما صائما لا يفطر إلا على الماء، فضعف وكاد يتلف، ولما التقى العدو وخاف على الإسلام، انفرد في ناحية من الجيش ومرغ وجهه في التراب وقال يا رب، من نور الدين؟ الدين دينك والجند جندك وافعل يا رب ما يليق بكرمك فنصره الله نصرا مؤزرا).
كان ذا همة عالية، كان هدفه وهاجسه فتح بيت المقدس وتطهيره من الصليب. قام في حلب بعمل منبر عظيم لينصبه في بيت المقدس حينما يفتحه وكان الناس يسخرون منه يوم يمرون عليه وهو يفعل ذلك فلم يلتفت إليهم وحاله كحال نبي الله نوح يوم يصنع الفلك (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا (هود:38)، كان يريد بذلك المنبر بث الروح، وبعث الهمم، وتبديد اليأس المخيم على القلوب، ولقد حقق الله له أمنيته، وفتح بيت المقدس، ونصب له منبره بعد وفاته، نصب على يدي تلميذه صلاح الدين وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنة . والسيف يبلغ ما لا يبلغ الكلم .
هذي الغرائز لا ما تدعي القضب ......... هذي المكارم لا ما قالت الكتب
وهذه الهمم اللاتي متى خطبت ............ تعثرت خلفها الأشعار والخطب
والصارم الغضب الذي فتح الورى ....... ما زال في يد أهله مسلولا
إن لم يحرك فيك الوقوف على سير أصحاب الهمم السامية ساكنا، إذا قد صرت جلمودا ساكنا، فانظر إلى أهل الدنيا في دنياهم، وخذ منهم حافزا لذلك، كيف يكدحون ليلهم ونهارهم في تعاملهم مع الدرهم والدينار؟ أفلا حياء من الله أن يكون هؤلاء أعظم تجلدا منك وانت تتعامل مع الله الكبير المتعال ثم تتقاعس .
إذا فقد الإنسان صدق انتمائه ........ وأضحى بلا قلب فليس بإنسان
أعمى أصم عن الحقيقة أبكم ......... بالنوم في الفرش الوثيرة تغرم
والصمت كهفك والظلام مخيم
تدعى ولكن الذي يدعى سها ......... أمسى على ماء التخاذل يهرم
من أنت يا هذا أمالك في الورى...... عقل يفكر في الأمور فيحسم
إني لأرجوا أن أراك مزمجرا ....... انا مؤمن بمبادئي أنا مسلم
قد قمت أرقى في مدارج عزتي ...... علمي دليلي والعزيمة سلم
ذهب الرقاد فحدثي يا همتي ......... إن العقيدة قوة لا تهزم
لغة البطولة من خصائص أمتي ..... عنا رواها الآخرون وترجموا
من ذلك الوقت الذي انتفضت به ..... بطحاء مكة والحطيم وزمزم
منذ التقى جبريل فوق ربوعها ....... بمحمــد يتلو له ويعلـم
فلا تستشر غير العزيمة في العلا .... فليس سواها ناصح ومشير
فإن لم يحرك فيك أهل الدنيا وكدحهم في دنياهم شيء فانظر إلى الكفار، إلى حطب جهنم كيف يلهثون وراء أهدافهم المؤقتة، ويتفانون لها مع أنه لا عقبى لها،:
هاهو مخترع الكهرباء يترك المدرسة بعد أن وصفه معلمه بأنه ليس مؤهل للاستمرار في المدرسة، وتذهب أمه إلى المدرسة متألمة لمواجهة معلمه لتقول له: إنك لا تعرف معنى ما تقول، وكل المشكلة أن إبني أذكى منك، ثم أخذته وعلمته في بيتها حتى أعطته من علوم الدنيا وعلوم المادة ما يستطيع أن يستمر به، فلم يفل عزمه مع طرده من المدرسة بل تراه يثابر ويكافح ويبدأ في تجاربه ( ليخترع المصباح الكهربائي بعد تسعة ألاف تجربة )، بعمل يتراوح بين ثمان عشر ساعة وعشرين ساعة في اليوم، في جلد عجيب ، ثم لم يتوقف بعدها بل أن النجاح – كما قيل- يجر إلى النجاح فينطلق بعد عشر سنوات في البحث والجهد في تجارب بلغت خمسين ألف تجربة، بتكلفة ثلاثة ملايين دولار ليخترع بطارية السيارات وأجهزة الإشارة في سكك الحديد وإضاءة الغواصات، ويسأل متى الإجازة يا أديسون ؟ قال: في اليوم ا لذي يسبق جنازتي.
هل استفاد أديسون من إضاءة المصابيح واختراع البطارية؟ هل استفاد فائدة؟ نعم! استفاد شهرة واستفاد مالا ، لكنها مؤقتة تزول وتنتهي، لا تنفعه عند الله، لأنه لم يقل يوم من الأيام: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء:82)، (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) (الفرقان:23)، أفلا حياء من الله أن يكون كافر مثل هذا أشد تجلدا لأهدافه المؤقتة الوضيعة من مؤمن يؤمن بالله والدار الآخرة؟ خيبة وخسارة وخذلان.
أدنى الفوارس من يغير لمغنم .......... فاجعل مغارك لمكارم تكرم
أيها المؤمنون لا تتوانوا ............... فالتواني وسيلة للتباب
فإذا المصلحون في القوم ناموا ........ نهضت بينهم جيوش الخراب
فإن كنت مع هذا كله لم تتحرك، إذ أنك ثمل الهمة، مقعد العزيمة، بليد الذهن، يحق عليك قول القائل: يخبرني البواب أنك نائم ........ وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم
لم يحرك فيك ما مضى ساكنا، فلا تبرر قعودك، ولا تبرر ضعفك، ولا تبرر خورك، فإن ذلك أقبح من ضعفك وأشنع من خورك وقعودك، ولكن سل الله أن يرفع ما بك فهو خير لك .
يجلس بعض المتخاذلين عن تبليغ دين الله ونشره شبعان ريان متكئا على أريكته حتى إذا ما طلب منه نصرة دينة ولو بكلمة أو كلف بأبسط مهمة لخدمة دينه انبرى يتهرب من المسؤولية ويورد لك الأدلة الصحيحة على أن واقع المسلمين سيكون ضعيفا وسيئا في المستقبل ولا بد من العزلة، فيوقعها على حاله فإذا به ينبري ويقول: إن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: ((يوشك ان يكون خير مال المرء المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال ومواضع القطر يفر بدينة من الفتن)). ويقول صلى الله عليه وسلم : ((لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم)).
وهكذا دواليك . يبرر قعوده ولا يعمل بمقتضى الحديث الذي لا ينطبق على زمانه حقا، ولم يفهمه في ضوء النصوص الأخرى، فاول ما يجنى عليه اجتهاده. تعود نقض العزائم فحيل بينهم وبين الغنائم ويجلس الآخر شبعان ريان متكئا على أريكته حتى إذا ما عاتبته في التخاذل عن تبليغ دين الله واستغراقه في اللهو والترف، انطلق في القذيفة مردداً: ((ياحنظلة ساعة وساعة)) وكأنه لا يعرف من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم غير هذا.
إن لم تقم بالعبء أنت ...... فمن يقوم به إذن
إن الذين لا تغلي دمائهم ولا تلتهب نفوسهم ولا تهتز مشاعرهم لخدمة هذا الدين لا يعقد عليهم أمل، ولا يناط بهم رجاء أموات غير احياء والميت لا يحس بالأوجاع وما يشعرون أيان يبعثون . إن النائم يوقظ، والغافل يذّكر، والذي لا يجدي فيه التذكير ولا التنبيه فهو ميت وإنما تنفع الموعظة من أقبل عليها بقلبله ( وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) (غافر:13)





* * * * *

Abuhanifah
04-17-2008, 08:34 PM
الإشارة الرابعة: إنما عليك الجهد

افعل وسعك وطاقتك، وما تستطيع الدوام عليه لئلا تنقطع في الطريق ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وإذا صلحت المقاصد لم يخب القاصد.
على المرء أن يسعى إلى الخير جاهدا .......... وليس عليه أن تتم المقاصد

* * * * *

أبو مُحمد
04-17-2008, 08:56 PM
أعطنا بعض الوقت وبارك الله فيك أخي أبا حنيفة .
لدي مواضيع كثيرة عالقة فصبركم علينا .

أبو مُحمد
04-18-2008, 07:55 PM
السلام عليكم ..
لعله من الظلم لنقلك الطيب هذا يا أخي أبا حنيفة ان يُقتبس بعضه ويترك بعضه ولكني اقدم في نفسي هذه على غيرها فعذرا:


فما تنفع الخيل الكرام ولا القنا ........... إذا لم يكن فوق الكرام كرام



(ومهما كان العالم وطالب العلم والداعية فصيحا بليغا مؤثرا بارعا فإن كلامه لا يتجاوز الآذان ما لم يعمل به،


(يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعون إلى النار بأفعالهم، كلما قالت أقوالهم: هلموا اسمعوا، قالت أفعالهم: افرنقعوا لا تسمعوا لو كان حقا ما يدعون إليه كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصور هداة مرشدون أدلاء، لكنهم في الحقيقة قطاع طرق).


(الزاهد في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن نفع الناس ، وهي حالة حسنة إذا لم تمنع من خير ، من جماعة واتباع جنازة وعيادة مريض، إلا أنها حالة الجبناء . فأما الشجعان فهم يتعلمون ويعلمون . وهذه مقامات الأنبياء عليهم السلام)

نسأل الله السلامة ... نسأل الله السلامة

نسأل الله الاخلاص في القول والعمل .


ولي عودة لتكملة القراءة

Abuhanifah
04-22-2008, 08:34 PM
السلام عليكم ..
لعله من الظلم لنقلك الطيب هذا يا أخي أبا حنيفة ان يُقتبس بعضه ويترك بعضه ولكني اقدم في نفسي هذه على غيرها فعذرا: بارك الله بك أخي العزيز....



الإشارة الخامسة: وتعاونوا على البر والتقوى



المؤمنون جماعة واحدة، ويد واحدة، وجسم واحد، وبنيان واحد، والجميع مسؤولون عن تبليغ دين الله على سبيل التعاون والتآزر والتضامن مع السعي الجاد إلى تغيير واقع الأمة ونقلها من مجرد الإحساس إلى الوعي بأسباب الواقع والطريق إلى إخراجها من ذلك الواقع، التعاون من اجل تمكين منهج الله جل وعلا في الأرض قاطبة مطلب وضرورة، تجعل كل فرد يضاف إلى الآخر ثم تستثمر كافة العقول والسواعد والدقائق، ((والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وكل يستفيد من الآخر، إذا عن بحر لا يجوز التيمم، والخيط الواهي إذا انضم إليه مثله أصبح حبلا متينا يجر الأثقال .
ذكر صاحب (مواقف إيمانية) أنه في حج 1395هـ رأى آلاف الحجاج منظرا يثير المشاعر ويستجيش المدامع، شاهدوا حاجين أحدهما أعمى قادر على المشي، والثاني مشلول بصير العنين ، أراد الأعمى ان يستفيد من بصر المشلول، وأراد المشلول أن يستفيد من حركة الأعمى، فاتفق الحاجان على أن يحمل الأعمى المشلول فالحركة من الأعمى والتوجيه من المشلول، وقاما بتأدية المناسك على مشقة وجهد يعلمها الله فالأمر ليس هينا وكلكم يعلم؛ عند الطواف زحام، وعند السعي زحام، وعند رمي الجمار زحام، وفي كل مكان زحام، لكن العزيمة الصادقة، والثقة بالله عظيمة، ورجاء ما عنده ينسى المتاعب والمكاره والمشقة)، أدوا فريضتهم ضاربين أروع المثلة في التعاون والإستفادة من الطاقات، هذا كله في تعاون اثنين فكيف لو تظافرت جهود امة بطاقاتها ومواهبها، وإمكاناتها في خدمة دينها، كيف يكون الأمر لا شك انه سيكون:

كالبحر يقذف للقريب جواهرا ....... جوداً ويبعث للبعيد سحائبا

إن التعاون طريق إلى البناء والنجاح، ونظرة يلقيها المرء على خلق الله تؤكد هذا الأمر (أمة النحل أمة عجيبة، طائفة من أمة تبني البيوت، وطائفة تنظفها، وطائفة تحرسها وتحميها، وطائفة تدل على مواضع الأزهار، وطائفة تمتص الرحيق لتأتي به وتخرج العسل اللذيذ ( )وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) (الأنعام:38)

والنمل تبني قراها من تماسكها ....... والنحل يجني رحيق الزهر أعوانا

إن يدا واحدة لا تصفق -كما قيل- حتى إذا لم يبق إلا تلك اليد أدت ما عليها غير ملومة وحالها :

إذا عز في قومي المسعفون .......... فإنك يا خالقي مسعفي
فما أنا بالمستسيغ القعود ............. ولا أنا بالشارد المسرف

يقول السيد محمد نوح: (رغيف الخبز على صغر حجمه لا يصل إلى الإنسان إلا بعد عمل عشرات بل مئات من البشر تعاونت على تجهيزه وإعداده وتقديمه، ومن كان في شك من ذلك فليسأل نفسه: من حرث الأرض؟ ومن بذر الحب؟ ومن سقاه بالماء؟ ومن نظف الحشائش عنه؟ ومن حرسه؟ ومن حصده ومن نقله إلى الجرن ؟ ومن داسه؟ ومن طحنه ؟ ومن خبزه؟ ومن بالنار سواه؟ ومن إلينا حمله؟ ومن قدمه؟ ومن ؟ ومن؟ ومن؟....
هناك أسئلة كثيرة. هذا الجهد في رغيف الخبز، فكيف بالأمر في خدمة دين الله) والتمكين له، في بناء النفوس، في صنع الرجال، في كشف الظلم وإنارة البصائر، إنه يحتاج إلى تظافر طاقات وقدرات، مع صبر ومصابرة وثبات، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة:71)، فهيا إلى التلاحم وهيا إلى التعاون وهيا إلى التآزر .

فالنصر لم ينزل على متخاذل ......... والرزق لم يبعث إلى متواكل

ولنترك اللوم والتوبيخ، فاللوم لا يحرك ولا يجمع، والتفتيش عن الثغرات التي يدخل منها الداء أولى. وعند كل من الهموم ما يكفيه، وليس بحاجة إلى معكر إضافي، فليحول كل منا أخاه إلى داعية معه يحمل هم الدعوة، ويتبنى أفكارها، وحاله يهتف ويقول :

أمتي انتم في كل أرض .......... أنتم خير الأمم
فأجمعوا أشتات أنها ............. ركم في غمر يم
تنشروا الخير الأعم ............. تبلغوا العز الأشم
وتكونوا سادة الدنيا ............ وفرسان القمم
وما ذلك على الله بعزيز.


* * * * *

أبو مُحمد
04-26-2008, 02:33 AM
جزاك الله خيرا أخي ابا حنيفة وبانتظار التكملة.

Abuhanifah
05-14-2008, 04:51 PM
جزاك الله خيرا أخي ابا حنيفة وبانتظار التكملة.
وجزاك الله خيرا مثله وأعادك الينا سالما



الإشارة السادسة: إنما السيل إجتماع النقـط


بمعنى دوام ولو على القليل، قليل دائم خير من كثير منقطع، والديمومة والاستمرار في العطاء تجعل العمل وإن كان ضئيلا أصيلاً مستطاعا مذللاً يقام به في غير ما عناء، ليس المهم قدر العمل بل الاستمرار في أدائه، فالقطرة الدائمة تصبح سيلاً عظيماً.

أما ترى الحبل بطول المدى ........ على صليب الصخر قد أثر

والشيء بثمرته يقدر ثمنه، ويعرف ثمنه، ومن ثمرات المداومة ما يلي:
نيل محبة الله:

أولاً: نيل محبة الله التي هي غاية منى المؤمنين الذين هم أشد حبا لله، ومن أين أخذت هذا ؟ من الحديث القدسي الذي رواه البخاري:
((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))، يستمر ويداوم حتى يحبه الله فإذا حصلت محبة الله فالنتيجة: (( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولإن استعاذني لأعيذنه)).
وفوق هذا ما رواه الشيخان: (( إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السما، ثم يوضع له القبول في الأرض)).

أهيب بقومي إلى المكرمات ........ ألا هل ملب ألا هل مجيب


ترويض النفس:
ثانيا: ترويض النفس على مكابد الهوى حتى تعتاد الخير ، فالنفس من طبعها حب التفلت والانطلاق، ولكنها إذا روضت ذلت، واستجابت إلى ما تكره، فتمزق حجب البطالة، وتقفز على أسوار المكاره، وتستمر على ما روضت عليه، وتداوم دون كلل ولا ملل حتى وإن استغرقت هذه المداومة العمر كله، يقول أحد السلف: عالجت لساني عشرين سنة قبل أن يستقيم لي، ويقول عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد. وجاء عن التابعي الجليل إبن المنكدر رحمه الله: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي.

وما يردع النفس اللجوج عن الهوى ......... من الناس إلا حازم الرأي كامله
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ............ فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت

الأمن من الحسرة عند المرض:
ثالثا: الأمن من الحسرة عند المرض أو العجز والفتنة، فالمداوم حين يحال بينه وبين العمل يجري له ما كان يعمله، يستشعر هذا مما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله صحيحا مقيما)) فلا حسرة ولا ندم.
تربية النفس على أخذ أعلى الأمور:
رابعا: تربية النفس على أخذ أعلى الأمور، وعدم الرضا بالدون، ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).
إملال الشيطان وإضعافه:
خامسا: إملال الشيطان وإضعافه وقطع الطريق عليه. يقول الحسن رحمه الله -كما في الزهد لابن المبارك-: إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوما على طاعة الله فبغاك وبغاك فرآك مداوما ملك ورفضك، وإن كنت مرة هكذا ومرة هكذا – تتقدم خطوة وتتأخر خطوتين كما يفعل البعض- طمع فيك.
هذه بعض ثمرات المداومة على العمل، ومن عرف الثمرة قدرها، فبادر إلى الشجرة لقطفها.
يقال لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم ؟ قال:
حتى الممات إن شاء الله، وقال له آخر: إلى متى تكتب العلم؟
قال: لعل الكلمة التي تنفعني لم تكتب بعد. والأعمش يروى عنه وكيع أنه لم تفته تكبرة الإحرام مع الإمام سبعين سنة، ويقول: اختلفت إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة.
من منا يلقي الله وقد أدرك التكبيرة الأولى مع الإمام أربعين يوماً، مع انه له براءتين: براءة من النفاق وبراءة من النار فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وروى الجماعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما حق إمرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) يقول ابن عمر : فوالله ما مرت علي ليلة مذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا ووصيتي عندي.

إذا فعلوا فخير الناس فعلاً .......... وإن قالوا فأكرمهم مقالا
ترى جدا ولست ترى عليهم.......... ولوعاً بالصغائر واشتغالا

ويروى أن حمدون بن حماد بن مجاهد الكلبي رحمه الله كان يقول: كتبت بيدي هذه ثلاثة آلاف وخمسمائة كتاب ولعل الكتاب الذي أدخل به الجنة لم يكتب بعد، لعل هذا مما يعين على المداومة، كلما عملت عملا قلت لعل هذا لا يبلغني الجنة، فإلى آخر وإلى آخر حتى تلقى الله على ذلك فربك أغفر وأرحم سبحانه. فجاهد نفسك وداوم على العمل (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99)



* * * * *

منال
05-14-2008, 06:00 PM
ماشاء الله بوركت على النقل الطيب

لازلت بالاشارة الثالثة بالنسبة للاشارة الثانية فى نهايتها الآية لماذا بدأت ب "واحد" ولم تكتب كاملة "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىّ أنما إلهكم إله واحد" ؟
وجزاكم الله خيرا

Abuhanifah
05-22-2008, 08:34 AM
وجزاك الله خيرا اختي

لماذا بدأت ب "واحد" ولم تكتب كاملة "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىّ أنما إلهكم إله واحد" ؟
لست أنا الكاتب انما نقلتها كما هي في الكتاب وانا استغربت ذلك أيضا!!!

Abuhanifah
05-22-2008, 08:39 AM
الإشارة السابعة: إنما الأخطار أثمان المعاني


إنما الأخطار أثمان المعالي .......... ربما الأجسام صحت بالهزال

بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)

والعبقرية حرمان وتضحية ........... وليس ينبغ إلا كل صبار

إن حمل الدعوة إلى الناس ، وجعلهم يؤمنون بها ويثـقون ويتأثرون عملية صعبة شاقة تحتاج إلى صبر وثبات، وأن المضي في طريق الدعوة ليس بأمر هين ولا طريق ميسور، ولا بد من عزم وقوة وصبر وثبات لا يؤتاه إلا من نذر نفسه لله، غير مبال بما سواه ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142).

والصبر يوجد إن باء له كسرت .......... لكنه بسكون الباء موضوع

والله عز وجل قد وجه نبيه صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية إلى الصبر والجلد وقوة التحمل فقال: ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل:10)، وقال (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (الروم:60)، الصبر تفائل دائم حتى لو ضربت الجاهلية أطناب الأرض، فلا يسوغ بحال الإنسحاب من الميدان، إذا يخلو الجو للشيطان، ويكر الجراد على الحرث فيلتهمه، وقد تغير اللصوص عليه فينتهبونه، فلا بد من صبر وصمود حتى يثبت ويثمر العود.

ولست بخالع درعي وسيفي .......... إلى أن يخلع الليل والنهار

كل لذة منقطعة عند كل غمسة في جهنم، وكل بؤس وشقاء ينقطع عند أول غمسة في الجنة ، وللباطل جولة ثم يذهب هباء، والحق له صولة وهو أنفع وله البقاء، فإذا أدلهم الخطب، واشتد الظلام، فارتقب بزوغ الفجر، وتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر ، ثم أصبر وصابر فإن العاقبة للمتقين. وخاب المبطلون، وبشر الصابرين، واصبر على ما يقولون:

لا يفزعنك هول خطب دامس ............ فلعل في طياته ما يسعد
لو لم يمد الليل جنح ظلامه ............... في الخافقين لما أضاء الفرقد



* * * * * *

منال
05-22-2008, 01:12 PM
والعبقرية حرمان وتضحية ........... وليس ينبغ إلا كل صبار

رائعة

بارك الله فيك

Abuhanifah
05-26-2008, 10:31 AM
جزاك الله خيرا على متابعتك وبارك الله بالشيخ علي القرني



الإشارة الثامنة: تمهل


لا تعجل في دعوة أو حكم يوشك أن تصل، (إن من سنن الله في النفس أنها لا تضحى ولا تبذل إلا إذا عولجت من داخلها، وتجردت من حظوظها، وأدركت فائدة التضحية والبذل). وذلك لا يتم إلا في وقت طويل وجهد وتكاليف وكدح دائب في اناة ليس يعروها ملل، فليعلم.

ومن سنن الله مع العصاة والمذنبين والمجرمين والكافرين: الإمهال (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (لأعراف:183)، ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (الكهف:58)، إذا أغفل الداعية هذه السنن تعجل وربما فشل في دعوته وكبا، إن من يريد تغير الواقع في أقل من طرفة عين دون النظر إلى العواقب والسنن، كمن يريد أن يزرع اليوم ويحصد غدا، بل يريد ان يغرس في الصباح ويجني الثمرة في المساء وهذا محال، لا بد من صبر وترو على البذرة حتى تنبت، وعلى النبتة حتى تورق، وعلى الورقة حتى تزهر، وعلى الزهرة حتى تثمر، وعلى الثمرة حتى تنضج، ثم يبادر إلى قطفها قبل أن تفسد، ومسافة ميل تبدأ بخطوة واحدة، ومن سار على الطريق وصل، إن شيوع المنكرات، وإحاطتها بالمؤمن من كل جانب،مع العجز – أحياناً- عن تحمل أعباء الطريق ومشاقه، مع واقع أعداء الله في الصد عن سبيل الله، مع الطاقة الضخمة التي يولدها الإيمان في النفس ، قد يدفع هذا كله إلى العجلة إذا لم تضبط الأمور بضابط الشرع.

يرد يدي عن خوفها بطش ربها ......... ويمنع نفسي أن تخادع ديني

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة قد بعث والأصنام من حول الكعبة تحيط بها وتعلوها، ثم لم يقبل على إزالتها إلا يوم فتح مكة في السنة الثامنة ، أي بعد بعثته بواحد وعشرين عاماً ، لتقديره صلى الله عليه وسلم أنه لو قام بتحطيمها في أول يوم قبل أن تحطم في داخل النفوس ، لأقبلوا على تشيدها وزخرفتها بصورة أعظم وأشنع، وعندها يتـفاقم الأمر ويعظم الضرر، ولذا تركها صلى الله عليه وسلم، وأقبل يعد الرجال، ويزكي النفوس، ويطهر القلوب، حتى إذا ما تم له ذلك أقبل بتلك القلوب ليفتح بها مكة ويزيل الأصنام فكان له ما أراد (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الاسراء:81).

لكل شيء في الحياة وقته ........... وغاية المستعجلين فوته

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم – فيما ترويه عائشة كما في صحيح البخاري-: أنه لولا أن قومها حديثوا عهد بكفر لنقض الكعبة وأعادها على قواعد إبراهيم، وهذا هو الفقه حقا، أعني رفض المنكر بالقلب، ومقاطعته خوفا من أن يؤدي إلى منكر أكبر، مع البحث عن سبيل التغيير، والعزم على أنه حين تتاح الفرصة لتغيره فلن يكون هناك تباطؤ أو توان.

فكن أسدا في جسمه روح ضغيم .......... وكم أُسد أرواحهن كلاب
يمنع الليث حماه ان يرى ................. فيه كلبا عاديا إن زأرا

ليعد الواحد منا نفسه ما دامت الظروف غير ملائمة، والفرص غير مواتية، والعواقب غير محمودة، والمقدمات قاصرة، حتى إذا ما لاءم الظرف كان حاله كحال القائل يوم قال:

أنا أبو طلحة وإسمي زيد ......... وكل يوم في سلاحي صيد

ثم أنظر وتأمل واعتبر: (ها هي شجرة الصنوبر تثمر بعد ثلاثين سنة، وشجرة الدباء (القرع) تثمر في أسبوعين تسخر الدباء من الصنوبر وتقول : إن الطريق التي تقطعينها في ثلاثين سنة أقطعها في أسبوعين ويقال لي شجرة ولك شجرة . فتقول شجرة الصنوبر: مهلا إلى أن تهب الرياح الخريف .

وعندها يعرف المضمار ........ ويعرف السابق والخوار

فتصبّر لتصبر، وتحلّم لتحلم ، ولا تعجل فقد تكفى بغيرك ويكتب لك بصدق نيتك ما لغيرك، ورُب عجلة أورث ريثاً، وقد يكون مع المستعجل الزلل. ليكن حالك أحيانا حال الأحنف بن قيس رحمه الله يوم جاءه رجل فلطم وجهه، فقال بسم الله يابن أخي، ما دعاك إلى هذا؟ قال: آليت أن ألطم سيد العرب من بني تميم، قال فبرَّ بيمينك فما أنا بسيدها، سيدها حارثة بن قدامة .

ليست الأحلام في حال الرضى .......... إنما الأحلام في حال الغضب

فذهب الرجل إلى حارثة فلطمه، فقام عليه واخترط السيف وقطع يمينه، ولسان حاله:

وسيفي كان في الهيجاء طبيباً ......... يداوي رأس من يشكوا الصداعا

فلما بلغ الأحنف ما حصل لهذا الأحمق، قال أنا والله قطعتها .

ليس الغبي بسيد في قومه ........... لكن سيد قومه المتغابي

نعم، العاقل لا يفعل أمرا إلا إذا نظر في عواقبه، وتبصر أبعاده ومراميه، لا يتعجل الخطا، ولا يستبق الأحداث ولا يشرع في الحكم على الأمور، بل يزن الأشياء بميزان دقيق، ويقدر المواقف، بنظرة ثاقبة فاحصة، وخطوة متانية تحسب كل حساب. فكن أفضل من أن تخدع، وأعقل من أن تخدع، لا خب ولا الخب يخدعك .

ولترقَّ شيئاً فشيئاً صاعداً درجاً .......... من البناء رصينا واحذر العجلا
فكم عجول كبا من ضعف رؤيته ......... وذي أناة أصاب الرشد والأملا


* * * * * *

طرابلسي
05-27-2008, 07:04 PM
بارك الله فيك
سأعيد القراءة مرة اخرى
فمثل هذا الكلام يحتاج إلى قراءة متأنية

Abuhanifah
05-28-2008, 11:08 AM
أهلا بك عم طرابلسي وجزاك الله كل خير
شكرا على متابعتك

إبن الفردوس
05-29-2008, 08:00 PM
:smile: :smile: :smile: :smile:

Abuhanifah
06-01-2008, 03:30 PM
هلا بالأخ الغالي...
طولت الغيبة
سلم على راشد والجميع وانتبه لينزعوك :)
السلام عليكم

إبن الفردوس
06-01-2008, 06:18 PM
هلا بالأخ الغالي...
طولت الغيبة
سلم على راشد والجميع وانتبه لينزعوك :)
السلام عليكم


هلا يالربع هلا بالغالي ...

ذكرتني بأنشودة طالت الغيبة :rolleyes:

ما عاد فينا نلتقي ونحكي إلا على المنتديات ما هيك

:tongue:

الله يسلمك ويسلمهم بس لا تخاف

لأني أنا خايف ما إنزعهم :D

وعليكم السلام

:cool:

Abuhanifah
11-16-2008, 11:29 AM
الإشارة التاسعة: كن أحزم من قرلَّى

القرلى طائر ما ئي ذو حزم، لا يرى إلا حذرا، على وجهه الماء ، عين في الماء طمعاً، وعين في السماء حذراً، ولذلك تقول العرب في المثل : ( كن احزم من قرلى، إن رأى خيرا تدلى وإن رأى شرا تولى) . ومن الحزم تعويد النفس على الخير حتى تعتاده وتألفه، ومن الحزم منع النفس هواها، وعدم الرضا بالدون، دون علاها ( فإن في النفس كما يقول ابن القيم: كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان، وحيل أصحاب السبت، وتمرد الوليد، وجهل ابي جهل.
ومن أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة العجل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة ، ومكر الثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع، ووثوب الفهد، غير أن الحازم بالمجابهة يذهب ذلك كله) بإذن ربه، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) (النازعـات:40) ،ليس من الحزم بيع الوعد بالنقد، وليس من الحزم جزع من صبر ساعة مع احتمال ذل الأبد، إن من يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير إنما هو سفيه . لا يعرف الحزم ولا الحزم يعرفه، عينُه عينُ هوى، وعين الهوى عينٌ عمياء.

إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ........ ولم ينهها تاقت إلى كل مطلب
بعضنا أكبر همه ومبلغ علمه لقمةٌ ولباسٌ ومركبٌ، مطعمٌ شهي، وملبسٌ دفي، ومركبٌ مطي، قد رفع راية:
إنما العيش سماع ومدام وندام ....... فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام

هوان لا يعرف الحزم، وذلة لا تعرف العز، عار ينكره الحر والأسد، ويألفه الحمار والوتد.
إن الهوان حمار البيت يألفه ......... والحر ينكره والفيل والأسد
ولا يقيم بدار الذل يألفها ............. إلا الذليلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ...... وذا يُشج فما ياوي له أحد

الحزم بقدر الإهتمامات والهموم ، والهموم بقدر الهمم، ( والجلد والحزم خير من التفلت والتبلد، والصلاة خير من النوم، والمنية خير من الدنية، وعزَّ بزَّ.
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى .......... فكل محب للحياة ذليل
( ومن أراد المنزلة القصوى من الجنة فعليه أن يكون في المنزلة القصوى في هذه الحياة، واحدة بواحدة ولكل سلعة ثمن) .
كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله حازما مع نفسه قد علق سوطا في بيته يخوف به نفسه، وكان يقول لنفسه : قومي، فوالله لأزحفن بك زحفا إلى الله حتى يكون الكلل منك لا مني، فإذا فتر وكل وتعب تناول سوطه وضرب رجله ثم قال: أيضن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمنهم عليه زحاماً، حتى يعلموا انهم خلفوا وراءهم رجالاً) .
هم الرجال وعيب أن يقال ......... لمن لم يكن في زيهم رجل
حالهم :
عباس عباس إذا احتدم الوغى ......... والفضل فضل والربيع ربيع




* * * * *

مقاوم
12-06-2008, 07:56 AM
بانتظار الباقي ...

بارك الله فيك أبا حنيفة على هذا النقل الطيب.