تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من أوراق الموساد السرية.. "العلاقة المغربية": أسرار التعاون المخابراتي بين الرباط وتل أبيب



مقاوم
04-07-2008, 02:01 PM
من أوراق الموساد السرية.. "العلاقة المغربية": أسرار التعاون المخابراتي بين الرباط وتل أبيب

كتب وعرض وترجمة أحمد الغريب


http://qawim.net/exq.gif الحديث عن العلاقات السرية التي يقيمها الكيان الصهيوني مع بعض الدول أمر مثير للغاية ، خاصة وإن طال ذاك الحديث دولة عربية ما ، وقبل نحو أسبوعين طرحت دار نشر "ميتير" "الإسرائيلية" كتاب جديد للصحفي المعروف شموئيل سيجف بعنوان "العلاقة المغربية" يسرد فيه أدق التفاصيل المتعلقة بالعلاقات الصهيونية – المغربية ، ويكشف فيه أيضاً عن وثائق سرية لجهاز المخابرات "الإسرائيلي" "الموساد" تتعلق بالعلاقات مع الرباط ، والدور الخفي للجهاز في هذا البلد العربي.

سيجف، مؤلف العديد من الكتب التي تدور أحداثها عن القضايا السرية، و يعتبر الصحفي الوحيد الذي قام بالإطلاع على وثائق الموساد ، وقام بتقديم بعضاً من تفاصيلها ، بعيداً عن قيود الرقابة "الإسرائيلية" ، كاشفاً عن أعمال المخابرات" الإسرائيلية" في بلاد المغرب العربي ، وأسرار هذا النشاط الذي استمر عشرات السنوات ، وقصة التعاون بين تل أبيب والرباط الذي أفضى إلي حدوث وساطة مغربية سنة1977، قبيل زيارة الرئيس أنور السادات "لإسرائيل"، والتي نتج عنها اتفاقية كامب ديفيد والتوصل إلى أول اتفاق سلام توقعه "إسرائيل" مع دولة عربية.

ويكشف الكتاب الإسرائيلي الجديد الدور الذي لعبه "الموساد" "الإسرائيلي" في اغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة ، وهو ما أكدته صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي أفردت مساحة واسعة لعرض هذا الكتاب الهام الذي يميط اللثام عن عقود من العلاقات السرية بين "إسرائيل" والمغرب ويتيح للجميع التعرف عن قرب ومن خلال الوثائق معرفة بعض الأسرار في تاريخ العلاقات"الإسرائيلية" – العربية.

وتشير الصحيفة في بداية عرضها للكتاب إلي أنه وفي نوفمبر 2007، أعلن القاضي الفرنسي "باتريك رامييل" أنه سيستأنف التحقيق في قضية اختطاف واغتيال واختفاء جثة زعيم المعارضة المغربية مهدي بن بركة - تلك الحادثة التي وقعت قبل نحو 42 عاماً ، وتفتح من جديد بشكل مفاجئ.

ففي أعقاب الطلب الذي تقدمت به أسرة بن بركة لإعادة فتح ملف القضية، أعلن القاضي أنه يريد معرفة أي من ملوك المغرب، يتحمل مسئولية اغتيال بن بركة، ومعرفة العملاء الفرنسيين الذين حصلوا على رشوة لتسهيل عملية الاختطاف والدور الذي لعبه "الموساد" "الإسرائيلي" في هذه القضية ، و كان بن بركة قد اختطف في التاسع والعشرين من أكتوبر 1965، مع ذروة المعركة الانتخابية للرئاسة الفرنسية ، ومنذ ذلك الحين، لم يعلم عنه أحداً أي شيء.

وقد كشفت هذه القضية عن أهم وأكثر التحالفات سرية في الشرق الأوسط- بين أجهزة المخابرات المغربية و"الإسرائيلية" ، ويبدو أن تلك العلاقات قد وصلت إلى ذروتها في هذه القضية، عندما قدمت "إسرائيل" معلومات إلى المغاربة مكنتهم من تعقب واغتيال بن بركة، نظير معلومات لا مثيل لها في المضمون والأهمية قدمها المغاربة "لإسرائيل" ، و أدت هذه القضية إلى إحداث عاصفة شديدة داخل نظام الحكم في "إسرائيل"، كادت أن تدفع رئيس الوزراء آنذاك ليفي أشكول إلى الاستقالة.

بداية النشاط السري للموساد في الرباط:

ووفقاً لما ذكره سيجف، فإن العلاقات المغربية -"الإسرائيلية" بدأت في أعقاب الشعور بالخوف على مصير اليهود المغاربة- وكان هذا أول هدف لإجراء علاقة سرية ، ولكن بمرور السنين، أصبحت العلاقات "الإسرائيلية" - المغربية متشعبة ومتنوعة، نكشف النقاب عنها هنا لأول مرة ، وفي عام 1955، قرر "الموساد" إزاء المساعدات الجادة التي قدمتها مصر لحركة التحرير في المغرب، أن هناك ضرورة بالغة لحماية يهود المغرب حتى يتم تهجيرهم "لإسرائيل" .

و أمر رئيس الوزراء دافيد بن جوريون رئيس الموساد "إيسار هريئيل" بإقامة شبكة عمليات في المغرب يطلق عليها "هامَسجيرت"- أي الإطار ، وتم تكليف "شلومو حافيلوف" لرئاسة تلك الشبكة، واتخذ من باريس مقراً له، من أجل تأمين استمرارية الاتصال مع قيادة "الموساد" في "إسرائيل" ، وكان حافيلوف يتوجه من حين لآخر إلى المغرب لمقابلة عملائه حتى يتعرف منهم على طبييعة العمل وحل المشاكل التي يواجهونها ، وقسم عملائه إلى مجموعتين أساسيتين: مجموعة "لفيا"، التي تولت حماية السكان اليهود، ومجموعة "مكهيلا" التي تولت تهجير اليهود. واهتم عميل واحد بأمر حركات الشبيبة وحصل على لقب "بالاط".

كان حافيلوف ذاته تحت إمرة إيسار هريئيل في شعبة "بيتسور" "بالموساد"، تلك الشعبة المختصة بحماية وتهجير الجاليات اليهودية التي تواجه خطراً في الدول التي تعيش فيها ، وكان توقيت انتشار هذه الشبكة في المغرب ممتازاً: مع تدهور الحكم الفرنسي في المغرب قبيل استقلالها في مارس 1956 ، وكانت مقاليد الحكم آنذاك لا تزال في أيدي فرنسا، التي غادرت البلاد بشكل تدريجي، مما ألحق مساساً بأداء مختلف الوزارات.

كان المسئولون المغاربة الذين خلفوا الفرنسيين محدودي الخبرة وأقل فائدة، وقد تضررت بالتحديد أجهزة الاستخبارت، حيث ضعفت النواحي الأمنية ومراقبة الحدود الساحلية والبرية والجوية ، ونشر سيجف في كتابه أسماء وألقاب رجال الموساد الذين عملوا في المغرب خلال تلك الفترة ، ويتضح أنه كان هناك امرأة بين قادة العملية تدعى "يهوديت نسياهو"، عميلة مدربة من "الموساد" لعبت دوراً في إلقاء القبض على أدولف أيخمان ، و دخل العملاء "الإسرائيليين" المغرب عبر عدة طرق متنوعة.

وكان جهاز الموساد مسئول عن التنفيذ، والوكالة اليهودية والجوينت مسئولان عن تهجير يهود المغرب الذين هاجروا بشكل جماعي إلى "إسرائيل"- هاجر 72 ألف يهودياً منذ عام 1948 وحتى نهاية 1955 ، وعندما بقي أكثر من 200 ألف يهودي، أعلنت الحكومة المغربية إغلاق معسكرات الهجرة وفرضت حظراً على خروج اليهود من البلاد سنة 1956.

ويقول سيجف إنه "على عكس الناجين من محرقة النازية، الذين هاجروا "لإسرائيل" من داخل محارق معسكرات الإبادة، كان يعيش يهود المغرب في أمان بشكل نسبي ، فلم يكن في المغرب معاداة للسامية إسلامية بشكل منظم، ولم تُرتكب هناك أي مذابح على الإطلاق" ، ويضيف سيجف أن كتابة الحقيقة عن الهجرة من المغرب كانت نوعاً من اكتمال الصورة، على حد اعتقاده، لأنه شخصياً يتحمل جزءً من افتعال تلك الأكاذيب.

"لقد قام نظام الحكم الإسرائيلي بتزييف الواقع وجعل الهجرة من المغرب تحاكي الرواية الصهيونية ، والحقيقة أننا لم نكن بصدد هجرة بدعوى أن هناك مشاكل ، بل العكس: فقد كان يهود المغرب هم أساس الوساطة لدى النظام الحاكم والإدارة العامة وقطاع الأعمال ، وبعد رحيل نظام الحكم الفرنسي والاستقلال، احتاجت المغرب إلى يهودها أكثر من أي وقت، وكان الملك يحرص على مكافأتهم وحمايتهم والحفاظ على سلامتهم ورفاهيتهم".

ويضيف قائلاً"كنت في تلك الفترة ضابطاً صغيراً في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، ونظراً لأني أجيد التحدث بلغات أجنبية، تم إلحاقي بوفود لمنظمات يهودية وغير يهودية حلت على "إسرائيل" من أجل تكوين انطباع إزاء ما يحدث ، وأتذكر أنهم كانوا يرسلونهم تحديداً إلى قرى المهاجرين من جبال أطلس ، فقد كانوا يعيشون في ظروف صعبة داخل مغارات وقرى نائية، دون وجود تعليم أو خدمات أساسية ، وكان الهدف هو إظهار كيفية تحسن أوضاعهم مع هجرتهم "لإسرائيل" ، ولكن الملاحظة الهامة، هي أن المواطنين غير اليهود كانوا يعيشون بالضبط في هذه المنطقة وفي نفس الظروف ، وكان عدد الجالية اليهودية لا يزيد عن 6% من إجمالي يهود المغرب ، كانت معظم الجالية اليهودية تعيش في المدن وتدرس وتزدهر ، إضافة إلى أن معظم اليهود كانوا يتحدثون العبرية هناك" ، وقد أدى فرض الحظر على الهجرة إلى بدء عصر جديد للهجرة السرية، رغماً عن أنف السلطات المغربية تحت قيادة الموساد.

وكانت عملية تهجير يهود يعيشون في القرى الجنوبية النائية أصعب من تهجير أشقائهم الذين يعيشون في المدن الكبرى ، وحتى يتسنى التغلب على هذه المشكلة، تم منح مهاجري القرى زياً يتماشى مع آخر صيحات الموضة وبعض من المال، حتى يثبتوا لأفراد الشرطة عند الحدود أنهم يستطيعون السفر جواً أو بحراً إلى أوروبا ، وبدلاً من "زكائب" الملابس التي كانت ممتلئة عن آخرها، تم تزويدهم بحقائب وأعطيت كل أسرة اسماً وهمياً لأحد الأقارب الذي ينتظز قدومهم في أوروبا.

بن بركة يلتقي بنائب رئيس الموساد:

وقد التقى يعقوف كروز نائب رئيس "الموساد" ومسئولين "إسرائيليين" آخرين مع مهدي بن بركة، زعيم المعارضة المغربية المنفي. طلب بن بركة الحصول على مساعدة مادية، وأسلحة إن كان في الامكان، من أجل نضاله ضد القصر الملكي. وفي المقابل، تعهد للإسرائيليين بحرية التنقل وحقهم في تهجير يهود المغرب. وعندما وصلت أنباء تلك اللقاءات إلى القدس، أمر رئيس الحكومة بن جوريون بإبلاغ الحسن بتفاصيل مؤامرة بن بركة ضده. ولم ينسى الحسن هذا الجميل بعدما تقلد مقاليد الحكم.

وقدم "ألكس جتمون" نفسه إلى السلطات المغربية كوكيل للموساد قائلاً إنه مفوض للتفاوض حول عقد صفقة بشأن اليهود. وقد نُظمت له ستة لقاءات مع مبعوثي الملك في المغرب وفرنسا وسويسرا. ولكن المبعوثين طالبوا بوقف عمليات التهجير السري لأنها ستببب حرجاً شديداً للملك. كما طُرح في تلك اللقاءات مطلب بدفع تعويض مادي عن الأضرار التي ستتكبدها المغرب نتيجة تهجير اليهود. وفي نهاية المطاف، عقدت صفقة مع محمد أوفكير المسئول عن الأجهزة السرية في المغرب نصت على أن يدفع رجال الموساد 250 دولاراً مقابل كل يهودي يتم تهجيره من المغرب- أي حوالي 20 مليون دولاراً مقابل 80 ألف يهودي.

الموساد يساعد المغرب في تشكيل وحداته الخاصة:

العلاقات مع القصر الملكي لم تنته حتى بعد تهجير اليهود. بل على العكس: فقد أبدت كلا الدولتين رغبتهما في مساعدة بعضهما البعض. فعلى سبيل المثال، عندما طلب المغاربة من الموساد تقديم مساعدة لإقامة وحدة حراسة الشخصيات تم إرسال يوسِف شاينر إلى المغرب، والذي يعتبر أحد كبار حراس بن جوريون، وأعطى المغاربة دورة تدريبية في الحراسة. ومع نشوب الحرب بين المغرب والجزائر سنة 1963، تحولت العلاقات بين كلال الدولتين إلى مصالح. فعندما توجه وفداً عسكرياً مصرياً إلى الجزائر، وتعهد بمد المقاتلين بالأسلحة، قرر رئيس الموساد مائير عاميت أن يقترح على المغرب التعاون عسكرياً، وتوجه إلى المغرب لمقابلة الملك الحسن حاملاً جواز سفر مزيف. وبعد وقت قصير على وصوله إلى الفندق، التقى لأول مرة مع محمد أوفكير الذي قال له " لقد سمعت كثيراً عنك، وإنني معجب بدولتكم، وأحيكم على جرأتكم".

وفي غداة اليوم التالي، التقى عاميت والملك في خيمة بمراكش ، وتحدث الحسن بالفرنسية، وكان يعقوف كروز نائب عاميت يترجم له الحديث الذي دار بينهما ، وبعد التحدث عن التغيرات التي حدثت في الشرق الأوسط خلال الأشهر الأخيرة، أكد عاميت على المساعدة العسكرية التي تقدمها مصر إلى الجزائر في حربها ضد المغرب. وفي هذا المجال، كان ملف المخابرات "الإسرائيلية" كاملاً. ومع نهاية اللقاء أخبر عاميت الملك "أننا نستطيع تقديم المساعدة ونرغب في المساعدة".

محطة دائمة للموساد في الرباط:

لضرورة تحسين مستوى المساعدات "الإسرائيلية"، سمح أوفكير للموساد بإنشاء محطة دائمة في الرباط، داخل منزل محاط بالحراسة يوجد به جهاز لاسلكي لتسهيل الاتصال بإسرائيل. وخلال فترة الحرب مع الجزائر، اعتاد عاميت مقابلة الملك ثلاث أو أربع مرات سنوياً. وبوجه عام، التقي الاثنان عشرة مرات تقريباً، وكان التعاون مفيداً للطرفين. فقد استفادت إسرائيل بشدة عندما أسرت المغرب ضباط وجنود مصريين، وحصلت منهم على معلومات. بينما استفادت المغرب من مرشدين "إسرائيليين" في سلاح الجو "الإسرائيلي"، دربوا طيارين مغاربة على "طائرة ميج 17" ، وبعد ذلك، باعت "إسرائيل" إلى المغرب دبابات فرنسية كانت تمتلكها وأرسلت ضباط مدرعات لتدريب المغاربة على استخدامها. وكان الشرط المغربي الوحيد عدم وجود أي علامة "إسرائيلية" على الدبابات، وعدم الإشارة في المستندات إلى أنها من إسرائيل. وتم الاتفاق على بيع الدبابات إلى المغرب عن طريق إيران. ولهذه الضرورة، توجه عاميت إلى طهران وحصل على موافقة الشاه الإيراني. وبالاتساق مع ذلك، تم شراء سفينة نقل في مالطا أبحرت إلى مصر، وأجريت عَمرة لها في الأسكندرية، ثم توجهت إلى حيفا. وهناك تم تنظيف الدبابات وأزيلت منها كل ما يدل على هويتها "الإسرائيلية".

كما استفادت "إسرائيل" من وجود المرشدين "الإسرائيليين" في مدرسة المدرعات المغربية، حيث كانت توجد دبابات سوفيتية في تلك القاعدة من النوع الذي منحه الاتحاد السوفيتي إلى مصر وسوريا: "وقد فحصها "الإسرائيليين" ودرسوا فنياتها. وفي المقابل، ساعد الموساد في تنظيم أجهزة المخابرات المغربية وقدم معلومات للملك حول أنشطة زعماء المعارضة الذين طلبوا حق اللجوء في مصر ودول عربية أخرى. وقد اشترت المغرب من "إسرائيل" أسلحة وتزودت سفن الصيد بأجهزة الكترونية "إسرائيلية" من أجل حراسة السواحل ومنع عمليات التسلل الكثيرة.

ساعدونا في اغتيال بن بركة:

على مدار السنين، أجر مسئولين من كلا البلدين كثير من الزيارات الودية المتبادلة. حيث أرسلت "إسرائيل" إلى المغرب ساسة ورجال أعمال، وكانت هناك ثمار لتلك العلاقات. فكل مرة يطلب فيها من إسرائيل تقديم مساعدات استخباراتية بشأن التجسس على الدول العربية، كان الموساد يطلع على تلك المعلومات ، وهناك مثال واضح على الاستفادة "الإسرائيلية" سنة 1965: حينما عقدت قمة عربية في كازبلانكا لتشكيل قيادة مشتركة إزاء نشوب أي حرب مستقبلية مع إسرائيل، وقد سمح المغاربة "للإسرائيليين" بمتابعة فعاليات القمة عن قرب ، وخلال القمة، قال رؤساء هيئة أركان الجيوش العربية لحكامهم إن جيوشهم ليست على استعداد لخوض حرب مع "إسرائيل"- سواء من ناحية التسليح أو الكفاءة. كانت هذه المعلومة أساس الهجوم "الإسرائيلي" في يونيو 1967 ونشوب "حرب الأيام الستة" (حرب67)، وزيادة ثقة قادة الجيش الإسرائيلي بأن إسرائيل ستنتصر بالضربة القاضية.

ولكن بعد وقت قصير، طلب المغاربة الحصول على مقابل لهذه المعلومة ، وخلال المحادثات التي جرت مع رئيس الموساد عاميت وعدد من مساعديه، قال أوفكير ونائبه أحمد دليمي إن بركة يريد الإطاحة بالملك، وطلبا "مساعدة الموساد لإخراجه من اللعبة" ، قال مائير عاميت إن إسرائيل لا تساعد في اغتيال خصوم سياسيين، لكنها ستبذل قصارى جهدها لمساعدة المغرب بشكل غير مباشر ، و نقل هريئيل مطلب المغاربة إلى رئيس الوزراء أشكول، وقرر الاثنان عدم تقديم مساعدة مباشرة، على أن تقدم لهم المساعدة طالما أنها "في إطار التعاون المعتاد بين أجهزة المخابرات" ، ولم يستطع أوفكير ودليمي العثور على بن بركة، الذي تنقّل بين دول العالم واتخذ وسائل حماية لازمة لتفادي تعقبه. وقد أسهم الموساد في تقديم طرف الخيط الذي مكنهم من العثور عليه، حيث استطاع عملاء الموساد معرفة عنوانه في جنيف، وأعطوه إلى المغاربة الذين راقبوه 24 ساعة في اليوم على مدار أسبوعين إلى أن ظهر الهدف.

كما استعان المغاربة بخدمات الصحفي الفرنسي جورج بيجون، الذي وافق على إغراء بن بركة. اقترح بيجون على الأخير أن ينتج عنه فيلماً حول "أنشطته المعقدة" في دول العالم الثالث. وقد بلع بن بركة هذا الطعم وتوجه لمقابلة بيجون في باريس الأمر الذي كلفه حياته ، ولم يكتف المغاربة بمساعدة "إسرائيل" في تعقب بن بركة. ففي 12 أكتوبر، طلب دليمي من بن بركة الحصول على لوحات سيارة مزيفة. توجه مائير إلى الرباط في الـ25 من أكتوبر. وعندما عرض أوفكير ودليمي عليه قضية بن بركة، قال عاميت إن الموساد يشعر بأن المغاربة ليسوا على استعداد لتنفيذ هذه العملية، واقترح عليهم تأجيلها بضعة أشهر. ولكن دليمي رفض هذا الاقتراح، قائلاً إن العملية قد بدأت بالفعل ويصعب وقفها.

في 29 أكتوبر سنة 1965، اختُطِف بن بركة في باريس، ومنذ ذلك الحين لم يراه أي شخص، حتى قام عاميت بإبلاغ أشكول في الخامس من نوفمبر باغتيال بن بركة. وتفاصيل هذا العمليّة يكشف عنها سيجف في كتابه لأول مرة ، وقد تبين أن بن بركة توجه من جنيف إلى باريس حاملاً جواز سفر دبلوماسي جزائري ، وبعدما وضع أغراضه في منزل صديقه اليهودي المغربي "جو أوحانا"، توجه إلى مطعم "براسري ليب"، الواقع على الضفة الشمالية لنهر السين. وكان من المقرر مقابلة الصحفي الفرنسي هناك. لكن قبل مجيئه، قام شرطيين فرنسيين يرتديان زياً مدنياً باختطافه، واقتاداه في سيارة إلى فيلا تقع في إحدى الضواحي جنوبي باريس.

وكان دليمي وعدد من مساعديه في الفيلا. ويبدو أن دليمي لم يقصد قتل المعارض المغربي: حيث أراد فقط اجتثاث اعتراف بأنه تآمر لإسقاط الملك. لكن عندما ركع بن بركة على ركبتيه، وكانت يديه مقيدة خلف ظهره، أغرق دليمي رأسه في وعاء ماء. وفي مرحلة معينة، ضغط بشدة على شرايين عنقه إلى أن مات. بعد مرور بضعة أيام، دُفن بن بركة سراً تحت عمارة قيد البناء في باريس. وقد أشرف أوفكير على عملية الدفن وحرص على عدم ترك أي آثار ، وأثارت تلك القضية غضب الرئيس الفرنسي شارل ديجول.

فحقيقة أن بن بركة تم اختطافه من سط باريس في عز النهار، وبمساعدة فرنسيين، لم تجعله يشعر بالراحة. وقد دفعه ذلك الأمر إلى إقالة عدد من أفراد أجهزة المخابرات الفرنسية، وطالب بإقالة دليمي وأوفكير من منصبيهما. وعندما رفض المغاربة مطلبه، قطع ديجول كافة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.

وفي أعقاب الشكوى التي تقدمت بها أسرة بن بركة، بدأت الشرطة الفرنسية التحقيق في القضية، وطالبت بمحاكمة 13 شخصية، من بينها دليمي والصحفي بيجون، لكن معظم المتهمين وجدوا ملجأ لهم في المغرب ، وبسبب ظهور اسم الموساد في القضية، ساءت العلاقات الفرنسية "الإسرائيلية". كما ألقت هذه القضية بظلالها على النظام الحاكم في "إسرائيل". فقد سمع إيسار هريئيل، الذي أقيل من رئاسة الموساد وخلفه مائيرعاميت، عن عملية الاغتيال من الوزير جليلي. وقد طلب الحصول على ملف بن بركة من الموساد، وقرر استخدامه كأداة لإثارة غضب رئيس الوزراء ورئيس الموساد. طالب هريئيل بتشكيل لجنة تحقيق رسمية لإقالة أشكول وعاميت. وتم تشكيل لجنتين إحداهما داخلية من حزب "مباي". حاول الوزير جليلي، أحد أعضاء اللجنة الداخلية، العمل على إقالة عاميت، الذي قال إنه إذا تمت إقالتي، فإنه يجب إقالة رئيس الوزراء، الذي صدق على كافة مراحل القضية. وتراجع جليلي عن هذا الأمر.

ويشير سيجف في كتابه إلى أن رئيس شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان المغربية، أبلغ رجل الموساد "رافي ميدان" سنة 1973 عن اعتزام الملك الحسن إرسال قوة رمزية إلى سوريا لدعم الرئيس حافظ الأسد. وحينها، أخبر "ميدان" رؤسائه "الإسرائيليين". وقد حذّر المغاربة "إسرائيل" من أن مصر وسوريا متّجهتان للحرب. لكن "الإسرائيليين" لم يأخذوا بهذا التحذير. يقول سيجف "لم يتضح حتى الآن ما إذا كان الموساد قد حفظ هذا التحذير، أم أنهم تجاهلوه مثلما يحدث في حالات كثيرة بسبب ثقة شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" في عدم نشوب الحرب" .

الوساطة المغربية في السلام بين مصر و"إسرائيل":

في عام 1975، بدأ رئيس الحكومة إسحاق رابين يبحث عن آفاق لمبادرات سياسية جديدة في العالم العربي. وقد اقترح رئيس الموساد، يتسحاق حوفي، عقد لقاء مع ملك المغرب.

وفي أكتوبر 1976، استجاب الملك الحسن لطلب حوفي ووافق على مقابلة رابين. توجه رابين إلى باريس على متن طائرة عسكرية، بمرافقة رئيس الموساد وسكرتيره العسكري العقيد أفرايم بورون، حيث استقبله في المطار أحمد دليمي، ويوسِف بورات وكيل الموساد في الرباط، والذي كان بمثابة المترجم خلال تلك اللقاءات. وقد توجهوا جميعا إلى المغرب على متن طائرة المضيفين المغاربة ، وأجرى رابين لقائين اثنين مع الملك الحسن، الذي أعرب عن قلقه من التطرّف في العالم العربي خلال تلك الفترة. كان قلقاً من صعود الإسلام المتطرف في مصر، وحذر من أنه في حالة عدم حدوث تقدّم ملموس للتوصل إلى تسوية بين مصر و"إسرائيل"، فإن ذلك الأمر سيجعل الرئيس أنور السادات يعود إلى أحضان الاتحاد السوفيتي. وأسدى الملك نصيحة لرابين بالبدء في التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، مشدداً على أنه دون التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط.

وقَبِل رابين تحليل الملك بالنسبة لمصر. وأكد على أن الطريق الوحيد لوقف التعصب الإسلامي في مصر هو التوصل إلى سلام مع "إسرائيل". وفي ختام اللقاءات، أعطى رابين الملك ورقة تتضمن سؤالين موجّهان إلى الرئيس المصري: ماذا يطلب السادات في مقابل سلام شامل؟ وماذا يطلب في مقابل سلام جزئي؟ ، وعلى مدار أشهر طويلة، لم يدخر رئيس الموساد حوفي أي جهد للحصول على إجابة عن هذين السؤالين ، وفي يوليو 1977، التقى مع الملك الحسن ونائب رئيس الحكومة المصرية محمد حسن التهامي. وتقرر عقد لقاء بين التهامي ووزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان ، وتوجه ديان إلى باريس في 16 سبتمبر من عام 1977، ومن هناك إلى الرباط على متن طائرة تابعة للقصر المكلي. وقد استغرق لقائه مع الملك نحو أربع ساعات. وينشر سيجف في كتابه لأول مرة جلسات محاضر هذا اللقاء، والتي أظهرت أن ديان لم يتعهد بانسحاب كامل من سيناء على لسان رئيس الوزراء آنذاك مناحم بيجن، حسبما زعم الكثيرون في الماضي. ومع ذلك، لا شك أن الخطوة التي فعلها الملك الحسن ورئيس الموساد حوفي أسفرت عن بداية الطريق المنتظر: بعد مرور شهرين فقط على الاجتماع، أعلن الرئيس السادات عن استعداده لزيارة القدس.


http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2339&Itemid=1