تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الغـزو الربـوي للعالم الإسلامي



أحمد الظرافي
04-06-2008, 07:03 PM
الغـزو الربوي للعالم الإسلامي
بقلم: أحمد الظرافي


الربـا في مكة قبل الإسلام :
كان الربا في جاهلية العرب منتشراً على نطاق واسع ودون حدود أو قيود وخاصة في مكة قلب بلاد العرب النابض والتي كانت التجارة فيها وقتئذٍ في قمّة الازدهار والرواج نظراً لوقوعها على طريق القوافل التجارية بين جنوب شبه الجزيـرة العربية وبلاد الشام وأيضاً لمكانة مكة الدينية في قلوب العرب. وكانت التجارة بالنسبة لأهل مكة في ذلك الوقت تمثل شريان الحياة وعمود البقاء والاستقرار وذلك لأن بلادهم مكة تقع في وادٍ قاحل غير ذي زرع كما ورد في القرآن الكريم

ومع ازدهار التجارة في مكة والتجرد من القيم الدينية والأخلاقية وجد الربا المناخ الملائم للازدهار والشيوع والانتشار حتى أنه صار مصدرا رئيسياً أخر لثراء المجتمع المكي وإعلاء كلمته في البلاد وأصبح من العادات الراسخة والمتأصلة في المجتمع الجاهلي، وغدا جزءاً لا يتجـزأ من نظام حياتهم وأسلوب معيشتهم الاجتماعيـة والاقتصـادية، ولكنه كان في الوقت نفسه أحد أسباب سخط الناس عليه وعلى من يتعاطاه لأن الربا في مكة كان فاحشاً جداً وكان التجار المقرضون يلحون في زيادته ويتشددون في المطالبة برأس المال ورباه معـاً ولم يمهلوا معسراً ولم يسهلوا في الأداء إلى وقت الميسرة، وكان عدد المرابين في مكة كبيرا جدا ومن ضمنهم أغنى التجار من السادة القرشيين وحلفائهم، كما كان الربا منتشرا أيضا في الطائف ويثرب وفي أماكن أخـرى يعيشون على الربا بطفيلية مربحة دون تعـب وقد وصلت المعاملات الربوية في مكة قبيل البعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وصلت إلى درجة فظيعة من الظلم والاستغلال والشناعة ومن ذلك أن الدائـن كان يحمل امرأة المدين أو ابنته على البغـاء أي يجبرها عليها، وكان هذا عرفا جاريـا في حياتهم وكان يعـرف عندهم بـ" المساعـاة " أي البغـاء لإيفـاء ما على أبي أو زوج هذه المرأة البريئة، من الديـن والذي لم يكن تقريباً هناك سبيل إلى إيفائه، لأنه كان يزداد على الدوام بما كان يُضاف إليه من الربـا الفاحش.

موقف الإسلام الصارم من الربا
وعندما جـاء الإسـلام شن حملـة شعـواء ضـد الربا ومن يتعاملون به حيث أنه لم يكتف بتحريمه تحريما مطلقا والتشديد على ذلك ولم يكتف باعتباره كبيرة من الكبائر وموبقة من الموبقات وإنما قرن ذلك التحريم وتلك الأوصاف بضروب شديدة من التهديـد والزجر والوعيد والتي لم يـرد مثلهـا في كبيرة الزنا ولا في غيرها من الكبائر، قال تعـالى:" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ، أن الذين أمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون، يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين، فأن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا يظلمون ولا تظلمون، وأن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم أن كنتم تعلمون ).

وجاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى عليه وسلم: ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدَ عند الله من ست وثلاثين زنية )

وقال : ( الربـا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه وأن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ) رواه الطبرراني في الأوسط من طريق عمرو بن راشد ـ قال الشيخ محمد رشيد رضا ـ وقد وثقه ابن حبَان على نكارة حديثه هذا
والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة

عصر الاستعمـار الغربي
وقد ظل المسلمون متمسكين بتعاليم الإسلام في هذا المجال قرون طويلة، سلم المجتمع إلإسلامي خلا لها : من آفة الربا إلا ما كان من حوادث فردية وانحرافات جزئية لا يسلم منها مجتمع بشري حتى جاء عصر الاستعمار الغربي وابتليت البلاد الإسلامية بالوقوع تحت نيره فأدخل عليها مفاهيمه ونظمه القانونية والمادية والاقتصادية وكان من هذه النظم نظام البنوك في الحياة الاقتصادية وغدا لها تأثيرها في الحياة السياسية والاجتماعية.

وقد حرص الاستعمار الغربي على إنشاء هذه البنوك الربـوية في جميع المستعـمرات: حتى تستطيع أن تشرف على تطبيق النظم الاقتصادية الواردة مع هذا الاستعمار لضمان تصدير المواد الخام إلى البلاد الأجنبية وتسويق منتجاتها في هذه المستعمرات.

فعندما احتلت بريطانيا مصر عام 1882م كانت من أهم سياساتها الاستعمارية في هذا البلد هي التوسع في زراعة القطن المصري (طويل التيلة) وذلك من أجل زيادة الكميات المصدرة منه للمصانع البريطانية ـ وكانت الثورة الصناعية في بريطانيا في ذلك الوقت في أوج ازدهارها ـ ولهذا الغرض فقد نشأت العديد من شركات الاستصلاح الزراعي وكانت مملوكة لمستثمرين أجانب ( يهود أو نصارى )

ومع انتشار شركات استصلاح الأراضي هذه ، نشأت المؤسسات المالية التي تقدم قروض الرهونات الربوية والتي كان الطلب عليها متزايداً في تلك الفترة نتيجة للحاجة إلى تمويل بيع الأراضي المستصلحة والتي كان التوسع فيها سريعاً وكبيراً.

وقد كان اليهود يقفون وراء إنشاء العديد من بنوك الرهونات الربوية في ذلك الوقت ومن أهم البنوك التي لعب اليهود دوراً في إنشائها البنك العقاري المصري الذي تأسس عام 1880م، ( أي قبل احتلال بريطانيا لمصر فعليا إنما كانت مصر قد سقطت قبل ذلك اقتصاديا وماليا وكان أولئك اليهود - وأكثرهم محليين - هم طلائع الاستعمار العسكري المباشر) فقد اشترك في تأسيس هذا البنك ( العقاري) سوارس ورولو وقطاوي وهم من أثرياء اليهـود وكذلك البنك الأهلي المصري والذي تأسس عام 1898م، وقد تم تأسيسه بقيادة سلفاجو وكاسيل ورافائيل سوارس، وظل آل سوارس يتضخمون في أعمال البنوك وشراء الأراضي الزراعية والعقارية فأسس جاك سوارس البنك التجاري المصري بل وتأسس بنك سوارس عام 1936م وكان الأخوة رافائيل وجاك وكارلو من أشهر رجال المال وأخطرهم.( ) وكل هؤلاء اسماء لشخصيات يهودية مصرية برزت بقوة إلى الواجهة المالية مع هيمنة الاستعمار البريطاني على مصر.

وإلى جانب بنوك الرهونات نشأت العديد من البنوك التجارية، والتي كانت تقدم قروضاً للبورجوازية الزراعية ومن أهم هذه البنوك دويتشه أورينت بنك (بنك الشرق الألماني) والذي افتتح فرعاً له في مصر عام 1906م وكأن يعني ذلك ازدياد حدة التنافس الإمبريالي بين بريطانيا وألمانيا داخل السوق العالمية خلال الفترة السابقة على الحرب العالمية الأولى.

وهذا فضلا عن فروع البنوك والبيوت المالية الأجنبية التي أنشئت في الاسكندرية مثل بنك أو بنهايم وغيره والتي كانت تقدم القروض للخديو وللحكومة المصرية، بفوائد باهضة وبضمان أهم مصادر الدخل الرئيسية للدولة المصرية، مثل إيرادات صادرات القطن وإيرادات الجمارك وإيرادات قناة السويس وقد كانت قروض وفوائد هذه البنوك المتراكمة والتي عجزت الحكومة المصرية عن سدادها من العوامل الرئيسية لوصول الانجليز إلى مصر ، وهذه وحدها قصة طويلة تحتاج إلى بحث مستقل.

والمهم أنه نتيجة لانتشار كل تلك الأنواع المختلفة من البنوك الربوية في مصر في ذلك الوقت، فقد راحت حمى التعامل بالربا تنتشر رويداً رويداً في المجتمع المصري المسلم والمحافـظ : فبدأ بعض المسلمين يتعاملون بالربا لا إقراضاً بل اقتراضاً ( بدعوى أنهم مضطرين وكان هناك بعض النخب التي درست في الخارج لا تألوا جهدا في تشحيم الطريق لدخول الربا الحرام إلى بيوت المصريين) ثم اتسع الأمر وشـاع عمليـاً ، مع بقائه محظوراً قانونـاً ، ثم دخل الإذن به في دائرة التشريع تحت ضغط السلطات الأوربية المحتلة للأقطار الإسلامية وبقيت الشعوب الإسلامية نفسها مدة طويلة متمردة على فكـرة تأسيس مصارف وطنية تكون مهمتها التصرف في جميع المعاملات التي منها القرض بفائدة.

الجدل حول الفائدة المصرفية:
وفي عام 1907م رفضت البنوك الأجنبية العاملة في مصر منح المزيد من القروض للفلاحين المصريين، بعد أن كانت قد عودتهم عليها وأوقعتهم في شباكها وشراكها، وكان ذلك صـدمة كبـرى للمصريين، أثرت في نفسياتهم فضلا عن التأثير على حياتهم الزراعية والاقتصادية. وفي غضون ذلك تعـالت أصوات المفكرين والسياسين المصريين المنادية بأهمية إنشاء بنـوك وطنية لتحل محـل البنوك الأجنبية في تقديم القروض للفلاحين المصـريين، وامتلأت الصحف بالمقالات من هذا القبيل، إلا أن هذه العملية أصطدمت بالأحكام الشرعية، ونتيجة لذلك عُقدت سلسلة من اللقاءات والمناظرات العلمية لبحث هذا الموضوع من الناحيتين الشرعية والاقتصادية وكأن من أهم تلك الملتقيات الملتقى العلمي الذي عُقد في عام 1913م حيث التقت آراء معظم العلمـاء والمفكرين الحاضرين على رفض المشروع من الوجهة الدينية، غير أن فريقاً أيدوا الفكرة معتمدين على نص قرآني في دعوى أن الربا المحظـور في الإسلام بالنص والإجماع إنما هو الربا الذي يصل إلى مثل رأس المال أو يزيد عليه [ آل عمران:130] وأن كل ربح ينقص عن مقدار رأس المال فهو محل بحث واختلاف في نظرهم. وكانت النتيجة أن رجحت كفة الأقلية على الأغلبية وبين عشية وضحاها أصبحت فوائد البنوك مباحة من وجهة نظر هؤلاء. ولم يكن بوسع الفئة الاخرى أن تعمل شيئا لأن مصر كانت لا زالت خاضعـة للإنجليز ، ولم تكن قد استقلت بعد.

وبناء على تلك الفتوى أو الرأي أو المقترح، وبعد مرور سنوات قليلة بدأت طلائع البنوك الوطنية في الظهـور في السوق المالية المصرية، وكان أول بنك وطني مصري يتم إنشاؤه على أساس الفـائـدة على غـرار البنوك الأجنبية الرأسمالية هو " بنك مصر" والذي أسسه محمد طلعت حرب عام 1920م. وقد اختـار طلعت حرب رئيس الطائفة اليهودية يوسف قطـاوي ليكون نائبا لرئيس بنك مصر عام 1920م.() وهذا يعني أن اليهود كانوا ضالعين في تأسيس هذا البنك،وكانت تربط طلعت حـرب صلات وثيقة بالطبقة اليهودية في مصر حيث أنه بعد أن ترك عمله الحكومي عين مديراً ( عضو مجلس الإدارة المنتدب) لشركة كوم امبو. وهي شركة أسسها سوارس والسير ارنست كاسل وهما من الخواجه اليهود، وقد مكنه ذلك المنصب من عقد الصلات بعدد من أقوى العائلات اليهودية في قطاع "المتمصرين" في الطبقة العليا المصرية وكأن من بينهم عائلات سوارس وقطاوي وهراري ورولو وموصيري ولما كانت عائلتا سو ارس وقطاوي تقيمان صلات هامة برأس المال الأوربي فقد تعرف طلعت حرب بشكل أكبر على عمليات الأموال الدولية ومما يتسم بأهمية خاصة ذلك الارتباط بين عائلة سوارس وبين رأس المال اليهودي في ألمانيا وخاصة في دويتشه أورينت بنك.

ومع النجاح الكبير الذي حققه بنك مصر وتنوع نشاطه وانتشار فروعه في فلسطين والحجاز وغيرهما إلا أنه انهـار فجأة وبدون مقدمات عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء ودول المحـور (1939-1945)

ومنذ العشرينيات من القرن الماضي وحتى اليوم تأسست مئات بل آلاف البنوك الوطنية الربوية سواء المركزية أو التجارية أو المتخصصة وغيرها من البنوك المختلفة الأغراض والأنواع، إلى جانب شركات التأمين المختلفة والتي تقوم معظم معاملاتها على الربا والمقامرة ومن ذلك أيضاً فوائد صندوق البريد والتي بدأ التعامل بها في مصر منذ بداية القرن العشرين فقد أفتى بعض العلماء ومنهم الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر في حينه بإباحة هذه الفوائد. ونتيجة لذلك صار بمقدور مكاتب صندوق توفير البريد التي تديرها الحكومة أن تفتح أبوابها عام 1901م وأن تدفع فوائد على الودائع.

نظام المصارف التقليدية
وهكذا دخل كثير من الناس في دائرة المحظور واصبح الربا على هذا النحو من الانتشار المخيف حتى أنه لم يترك عملا إقتصاديا إلا ودس أنفه فيه - كما قال الشيخ محمد عبد الله الخطيب- بيد أن معاملات البنوك التجارية تمثل الصورة الأكثر ضرراً والأشد خطراً من الربا في الواقع فهي: تقوم على نظام الفوائد الربوية كما تتضمن معظم معاملاتها غرراً ومقامرة وجهالة فعلى سبيل المثال تجمع أموال الناس في صورة ودائع وتعطيهم فائدة ثم تعيد إقراض هذا المال مرة أخرى بسعر فائدة أعلى. فهي على ذلك تأكل الربا وتؤكله فوظيفتها الأساسية هي الاتجار في الديون من خلال عمليتي إقراض واقتراض النقود على أساس الفائدة الربوية.

ويرى بعض الكتاب أن البنوك التجارية الحالية ما هي إلا صـورة متطورة من المرابي القديم الذي كان يقوم بإقراض أمواله مقابل عمولة تمثل نسبة من القرض نفسه وكانت ذات طابع استغلالي فسميت ربا وهي الآن تسمى الفائدة. أي أن الربا والفائدة هما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة.

والبنوك التجارية كما تقرض قروضاً تأخذ الشكل العادي المعروف فأنها تعطي قروضاً في أشكال مستحدثة مثل ما يسمى بفتح الاعتماد (غير المستندي ) وخصم الأوراق التجارية والسحب على المكشوف ..الخ فكل هذه المعاملات في جوهرها قروض ربوية.
غير أن علماء المسلمين لم يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء الانتشار الفاحش للمعاملات الربوية وخاصة من خلال البنوك التقليدية فقد بذلت جهود عظيمة لإيجاد البديل الشرعي لهذه البنوك من اجل إنقاذ عامة المسلمين من الربا وتوفير سبيل التعامل الحلال ومن هنا فقد ظهرت المصارف الإسلامية في منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي لتؤكد على مرونة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان.

بيد أن المشكلة مع ذلك تزداد استفحالا حتى مع وجود البنوك الإسلامية وانتشارها وذلك لسبب بسيط وهو أنه لا يمكن تطبيق نظام البنوك الإسلامية في ظل هيمنة الانظمة والقوانين العلمانية وفي ظل التبعية السافرة للانظمة الاقتصادية والسياسية وللسوق المالية والعملة الاجنبية.

أحمد الظرافي
04-06-2008, 08:49 PM
كيف احتل الانجليز مصر:

بالرغم من استبداد محمد علي باشا واعتباره مصر ملكية خاصة له ولأبنائه وبالرغم من رغبته الطموحة في تحديث هذا البلد على غرار النموذج الأوروبي الذي كان مغرما به ، إلا أنه كان ذكيا بما فيه الكفاية ، وقد جعله ذكاؤه هذا حذرا من رأس المال الأجنبي ، ورفض العديد من عروض القروض الأجنبية ، ولم يسمح لنفسه قط بالتورط في الديون ، وكان يتجنب دائما التورط في مشروعات تفوق أعباؤها موارد البلاد المالية . وقد رحل عن العالم عام 1849 دون أن تكون مصر مدينة لأحد بقرش واحد. وأما أحفاده من بعده ونظرا لكونهم لم يكونوا على شاكلته، فقد كانوا صيدا سهلا لرأس المال الأجنبي وللمرابين الأجانب. وكان تغلغل رأس المال الأجنبي أوضح ما يكون في القروض الربوية التي حصل عليها خلفاء محمد علي.
إذ لم يمض وقت طويل على اعتلاء عباس باشا العرش حتى أضطر لاقتراض مبلغ 400 ألف جنيه استرليني من " بننسيولا أند اورينتال كومباني " مدشنا أول بادرة خروج على سياسة محمد علي .
وفي عام 1854 وافق خلفه محمد سعيد على إنشاء " بنك أوف إيجيبت " لكي يحرر نفسه من معدلات الفائدة الربوية التي كانت تطلبها البيوت المالية المحلية ، والتي كان يديرها المرابون الفرنسيون واليونانيون واليهود ، ومع ذلك لم يكن حظه أفضل مع رجال البنوك الأوروبيين الذين كانوا يوقفون عروض القروض حتى يوافق الوالي على شروطهم .
وفي عهد محمد سعيد باشا ( 1854- 1863 ) تزايد حجم الدين المصري بصورة هائلة نتيجة لتورطه بالاقتراض من بعض المصارف الأوروبية التي كانت قد أنشئت في الإسكندرية ، ولم تكفه القروض المحلية وأذونات الخزانة التي أشار بها ديليسبس عليه بها بل لجأ في عام 1860 لعقد أول قرض خارجي مع أحد المصارف الفرنسية ، وخصصت حصيلة جمارك ميناء الإسكندرية لضمانه ، ولجأ لعقد أول قرض خارجي تعقده الدولة المصرية في تاريخها الحديث ، قدمه لها مصرف ( أوبنهايم ) الألماني بمبلغ ( 2.5 ) مليونين ونصف مليون جنيه إسترليني ، مضمونا بحصيلة ضريبة الأطيان على أراضي الدلتا .
وقد كان ذلك إيذانا بدخول مصر عهد جديد هو عهد الإذلال والخضوع والوقوع في دوامة الهيمنة الخارجية وتحت رحمة الدائنين من المرابين الأجانب الجشعين الذين لا يرقبون في مدين إلا ولا ذمة، والذين صار الاقتصاد المصري رهينة بأيديهم وموجها لخدمتهم ، وبتعطيل النهضة التي كان محمد علي باشا قد بدأها ، وبشيوع الترف واللهو والخمر والنساء ، وأصبح من بين الأهداف الأساسية للإدارة الاقتصادية توليد الدخل الكافي لخدمة الديون ، التي تضاعفت أعباؤها ونمت نموا خياليا في غضون سنوات قليلة .
فقد توالت القروض التي اقترضتها الحكومة بين عامي 1864 و1875 حتى بلغت نحو خمسة وتسعين مليون جنيه استرليني ، وذلك نتيجة لارتفاع سعر الفائدة التي أصرّ عليها الدائنون الأجانب، وكانت السبب الرئيسي في الارتباك المالي الخطير ، حتى أن الرسوم الجمركية لميناء الإسكندرية ، والدخل الآتي من مبيعات القطن المصري طويل التيلة المشهور ، وإيرادات قناة السويس ، وغير ذلك من مصادر الدخل المصري والتي ارتهنت كضمانةٍ لسداد القروض ، لم تعد تكفي لسداد الأعباء السنوية التي ترتبت على تلك القروض، وأصبحت ثقة الأوروبيين بالحكومة المصرية محل شك ، بل أن ثقة الحكومة المصرية بنفسها أصبحت محل شك ، فقررت الدول الأوروبية التدخل المباشر جهارا نهارا لغل سلطة هذه الحكومة في شؤونها المالية والإدارية لضمان الوفاء بديونها - فجاءت بعثة كييف سنة 1875 واقترحت إنشاء مصلحة للرقابة على مالية مصر ، وأن يخضع الخديوي لمشورتها ، ولا يعقد قرضا إلا بموافقتها - واضطر الخديوي إسماعيل في هذا العام – وبعد أن سفح بالأموال من غير وعي أو تحوط ، في مظاهر أوروبية كثيرة غير مجدية ، وطلبا للزينة والترف والبذخ أودت بمصر إلى الإفلاس المالي – أضطر إلى بيع أسهم الحكومة المصرية في قناة السويس وعددها نحو 176 ألف سهم، إلى الحكومة البريطانية، لقاء دفع أربعة ملايين جنيه فوراً، ساعدت على تأجيل الانهيار المالي مؤقتاً. - وانشأ صندوق الدين سنة 1876 ، لتسلم المبالغ المخصصة للديون من المصالح المحلية - ويتولى إدارته مندوبون أجانب ، تنتدبهم الدول الدائنة ، ويعينهم الخديوي وفقاً لهذا الانتداب - فكانت هناك حكومة أجنبية داخل الحكومة المصرية ، وسلطتها فوق سلطات الحكومة المصرية ، وفي نفس هذه السنة أيضا تم أنشأ نظام الرقابة الثنائية على مالية مصر ، فكان هناك مراقبان أجنبيان أحدهما إنجليزي لمراقبة الإيرادات ، والآخر فرنسي لمراقبة المصروفات - وكانا هذان المراقبان الأجنبيان يتمتعان بسلطة مطلقة في إدارة الحكومة المالية - ثم تطورت الرقابة الثنائية إلى تأليف حكومة مختلطة يدخلها وزيران أوروبيان أحدهما انجليزي لوزارة المالية ، والآخر فرنسي لوزارة الأشغال . وعندما حاول الخديوي إسماعيل مقاومة اشتراك هذين الوزيرين الأوروبيين في مجلس الوزراء المصري كلفه ذلك عرشه سنة 1879 . و تم فرض هذين الوزيرين بالقوة والقهر على المصريين. مما استفز الحركة القومية ... فوقف أحمد عرابي على رأس الوطنيين الوقفة الشهيرة في ساحة عابدين ... وذلك في عهد الخديوي توفيق الذي خلف إسماعيل عقب إقالته فاستعان توفيق بالإنكليز ليقضي على وثبة الجيش مما أفضى إلى الاحتلال الذي ظل جاثما على صدر مصر منذ سنة 1882 حتى ثورة يوليو1952

أحمد الظرافي
04-06-2008, 08:50 PM
كيف احتل الفرنسيون الجزائر وتونس ؟؟

إن المعلومات والوثائق التاريخية تقول أن الجزائر في القرن الثامن عشر أي قبل أن تحتلها فرنسا كانت تملك اقتصادا نشيطا ، وكانت هي البلد الدائن وفرنسا كانت البلد المدين وفي هذا الصدد نشير إلى ثلاث معاهدات تخص اعتراف فرنسا بقروضها من الجزائر : المعاهدة الأولى أبرمت عام 1796 وتشير إلى أن الجزائر قدمت لفرنسا قرضين : الأول عبارة عن قمح لم تكن فرنسا تملك تسديد ثمنه آنذاك أي عام 1793 م ، والقرض الثاني نقدا وقيمته 5 ملايين من الفرنكات الذهبية في سنة 1796 بدون فائدة ( لأن الفائدة ربا والربا حرام في الشريعة الإسلامية ) وهناك معاهدة ثانية أبرمت في سنة 1801 وثالثة أبرمت في سنة 1820 ، تجدد فيهما اعتراف فرنسا بهذه الديون للجزائر .
ثم دار الزمان دورته بسرعه فقد: دخل الباي ( لقب يطلق على الحاكم في كل من الجزائر وتونس ) في علاقات مالية مع مرابيين يهوديين فرنسيين كان يقدمان له القروض في مقابل صفقات تجارية ، وكان الباي يتأخر في الأداء أحيانا فكان اليهوديان يلجآن إلى القنصل الفرنسي في الجزائر والذي كان يتدخل دائما لصالح الربا وأهله .. ثم أن الدول الأوروبية كانت قد اتجهت إلى الاستعمار لوضع يدها على منابع المواد الخام وضمان أسواق واسعة لتصريف البضائع. وكانت محصلة ذلك هو احتلال فرنسا للجزائر واعتبارها جزءا من الأراضي الفرنسية.
وفي تونس أتجه الباي هناك للاستدانة من أوروبا – ومن فرنسا تحديدا - وفي اقل من سبع سنوات بلغ الدين مائة وخمسين مليون فرنك فرنسي فاتخذت الدول الأوروبية ذلك حجة للتدخل في شئون تونس الداخلية واقترحت فرنسا تشكيل لجنة مالية ووافقتها انجلترا وايطاليا وصدر مرسوم من الباي سنة 1870 بتشكيلها من فرنسيين وانجليز وايطاليين يرأسها موظف فرنسي وجعلت مهمتها توحيد الدين وتحديد الفوائد وإدارة المرافق التي خصصت لهذا الدين وعن طريق هذا الدين وصل الفرنسيون إلى استعمار تونس ..

أحمد الظرافي
04-06-2008, 08:50 PM
كيف ضاعت الهند الإسلامية ؟؟؟

بعد أن قضت انجلترا على التمرد الأكبر في الهند والذي اندلع في سنة 1858م ، ثبت للسياسيين البريطانيين أن المقاومة الحقيقية للاستعمار البريطاني تمثلت في مقاومة المسلمين لهذا الاستعمار ، وخاصة سلاطين دلهي وحلفائهم رجال نظام حيدر أباد ، فكان أن استقر رأي البريطانيين على إعلان الحرب على الإسلام وأهله في الهند ، فكان أن أيدت الهندوس والسيخ ..ضدهم. ولم ينفعها في هذا المجال شيء – أي في مجال القضاء على المقاومة الإسلامية - كما نفعتها القروض الربوية ، لأن نظام حيدر أباد ورجال دولته ، ظنوا أنهم ينفعون دولتهم إذا هم اقترضوا المال من المصارف الانجليزية وذلك لتمويل الجيوش وشراء الأسلحة الحديثة ، التي سيتم بها محاربة الانجليز الغزاة وطردهم من الهند ، وأيضا الدفاع عن أنفسهم من الهندوس والسيخ ، وما لبث أن خاب ظنهم ، لأن صناع السلاح وتجاره كانوا – ومازالوا – أحلاف المرابين والمستعمرين.
صحيح أن جزءا كبيرا من تلك الأموال قد ذهبت لشراء السلاح الحديث ، ولكن بأثمان خيالية والبندقية التي كان ثمنها - إذ ذاك - خمسة جنيهات انجليزية ، بيعت للمسلمين بخمسين جنيها مقترضة من بنك انجليزي ، بيد أنهم كانوا يقتصدون أو يسوفون في بيع الذخيرة لهم ، وفي وقت من الأوقات توقف بيع الذخيرة - أصلا - فأصبحت البنادق والمدافع مجرد حديد خردة بلا قيمة ومن ثم انفتح الطريق أمام التدخل الاستعماري الانجليزي للهند دون مقاومة . وهكذا ضاعت الهند الإسلامية .

أحمد الظرافي
04-06-2008, 08:51 PM
كيف انتهت الخلافة العثمانية ؟؟

بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، صارت الإمبراطورية العثمانية مسرحاً واسعاً لتنافس البنوك الأجنبية ، حيث راح كل واحد منها، يحاول التركيز على هذا السوق المصرفي البكر، لتصريف العملات، وتوظيف الرساميل، ونهب المواد الأوليّة للصناعة .. وكانت هذه البنوك تسهّل للدولة العثمانية قروض التمويل للحروب، وتشترط عليها أن يكون سداد الدّين خلال فترة تُدرك هذه البنوك سلفاً أن الإمبراطورية غير قادرة على السداد فيها، وتضعُ على ذلك ضماناتٍ من المواد الأوليّة للصناعة، كالقطن والحرير والأخشاب – التي كانت من أهم مصادر الدخل للدولة العثمانية - وتحوّلت القروض التي كانت تمنحها تلك البنوك للدولة العثمانية إلى إحدى الوسائل المهمة لتغلغل القوى الأجنبية ، والتسلل في اقتصاد البلد، وفي الإدارة، وأجهزة الحكم وإحكام الطوق على الإمبراطورية العمثانية سياسياً، واقتصاديا ..

الأمر الذي أدّى إلى تعميق فقرها وجهلها وتفكّكِها، فضَعُفَتْ موارد البلاد، وقلّت مداخيلها، وكثُرت نفقاتها فلم تجد الإمبراطورية من خيار أمام الحاجة والضرورة سوى الإمعان في الاستقراض، إذ أن هذه هي الطريقة المتاحة أمامها لإنقاذ نفسها من الإفلاس والانهيار ، وبدلاً من إنفاق هذه القروض، على تحسين موقعها الإنتاجي والاقتصادي، أقدمت على إنفاقها ضمن قنواتٍ تزيد من حالة الإفقار والتجويع، حيث أنفقتها على الحروب، وعلى قمع الثورات التحررية التي كان الغرب نفسه هو من يثيرها ضدها ، كما أنفقتها على بذخ السلاطين والأمراء، وأيضا على دفع الفوائد، وتسديد القروض السابقة، التي عجزت عن الوفاء بها في حينه! ولهذا الموضوع قصة طويلة حزينة يشيب من هولها شعر الصبي . لأنه يتعلق بدولة خلافة إسلامية كبرى كانت تهيمن على ثلث الكرة الأرضية، وكانت سيدة البر والبحر