عزام
04-05-2008, 03:08 PM
إنصاف الغرب لا يعني إتباعه
د. عائض القرني
جريدة الشرق الأوسط اليوم الثلاثاء
كتبت مقالتي (نحن العرب قساة جفاة) عن مشاهداتي في باريس، ولاأجدني ابتعدت عن الصواب؛ فقد ذكرتُ جانباً من جوانب حياتهم، وقد يجتمع في الشخص والدولة والشعب والأمة حسنات وسيئات ومناقب ومثالب، وأذكرُ هنا مسائل:
1- لا يجوز التعريض بالدعاة وطلبة العلم بأنهم لم يفهموا الواقع ولم يطّلعوا على حضارة الغرب ونحو هذه النغمة السائدة، وأنا قد سافرت إلى أوروبا وأمريكا مرات من قبل هذه الزيارة ووالله ما سافرتُ من السعودية إلى فرنسا إلا وقد اطلعتُ على تاريخ فرنسا الحديث مع كثيرمن كتب مفكريها ومثقفيها، ولي إلمام بتاريخ الثورة الفرنسية وصولاً إلى شارل ديقول الثوري الرمز مروراً بالرئيس بنبيدو السمين الضخم، تعريجاً على الرئيس المتألق (فلري جسكار دستان) تطويفاً على الرئيس الغامض النابه (ميتران) وصولاً إلى الرئيس المنظّر (شيراك)، وأخيراً الرئيس المستعجل المطفوق (ساركوزي)، فهل يُظَن أني كتبتُ المقال بناءً على مروري في شارع (شونزي ليزي)؟ وهذا لم يحصل.
2- إن منهج الوحي كتاباً وسُنّة يقوم على الإنصاف والعدل حتى مع غير المسلمين، وقد أنصف الله النصارى في كتابه فقال الله تعالي ; لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ) وقال: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) وفي صحيح مسلم أن رسول الله) قال: "لا تقوم الساعة إلا والروم أكثر الناس"، والروم هم أجداد الأمريكان والأوربيين وعلّق عمرو بن العاص على هذا الحديث بمدحهم ثم قال: (هم أمنع الناس للظلم)، فلماذا لا ننصفهم في هذا الجانب كما أنصفهم الله ورسوله والصحابة؟
3- قبل أن أزور باريس بأيام نقلت (قناة العربية) و(قناة الجزيرة) مشهداً مؤثراً للرئيس الفرنسي (ساركوزي) وهو يصافح فلاّحين، فمد يده إلى أحدهم مصافحاً ومسلِّماً، فقبض الفلاح يده وصاح في وجه الرئيس: أنا لا أصافحك، أنت رئيس كذّاب!! فردّ عليه الرئيس بقوله: وأنت أحمق، فمال الرأي العام كلّه مع الفلاّح ضد الرئيس، وهاجمت الصحافة الرئيس، ونقصت شعبيّة (ساركوزي) بسبب هذه الحادثة، فبالله لو قام فلاّح عربي على رئيس عربي من الأنظمة الثوريّة القمعية الاستبدادية وقال له مثلما قال للرئيس الفرنسي فماذا ستكون النتيجة؟ طبعاً سوف ينادي الزّبانية والجلاّدين بقوله: (خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه)، فلماذا لا ننصفهم كما أنصفهم عمرو بن العاص في هذه المسألة؟
4- حاضرتُ أنا والدكتور سعد البريك والدكتور عبدالعزيز المقحم والدكتور عبد الله الحارثي في مساجد باريس و(ليون) و(بروكسل) و(مدريد) وغيرها من المدن، وحضر من الجالية العربية التي فرَّ أكثر أفرادها من السجون والمعتقلات العربية من أنظمة قمعيّة ثوريّة استبدادية انقلابيّة ترفض تحكيم الشريعة الإسلامية فتعلّموا في أوربا الطب والهندسة والطيران والتكنولوجيا، ومارسوا الدعوة في المراكز الإسلامية والمساجد ووسائل الإعلام، فهل تسمح لهم كثير من الأنظمة العربية بذلك؟ فلماذا لا ننصفهم في هذا الجانب؟
5- أننكِرُ أن الحضارة- ولو كانت ماديّة- ترقق الطباع، وهذا أمر معلوم متعارف عليه شرعاً وعقلاً، وفي حديث حسن يقول عليه الصلاة والسلام"من بدا جفا"، والمعنى: من سكن البادية وابتعد عن الحضارة صار في خُلُقه جفاء وفي طباعه قسوة،
ولما سافرتُ إلى أمريكا مع الدكتور عبد القادر طاش وشاهدنا اصطفاف الناس بانتظام مع حسن الترتيب والنظام في الأخذ والعطاء التفت إليَّ وقال: (الحضارة ترقق الطباع)، فلماذا لا نلمح هذا الجانب؟ ولماذا لا نتذكر قسوة كثير منّا وأدلة هذه القسوة موجودة؟ فمنها آثار الكدمات واللطمات في جباه بعضنا من آثار التضارب والتقاتل فيما بيننا، ومنها كثرة الصدمات في السيارات نتيجة للعنف الاجتماعي، وهل ننكر أن الكثير منّا يحمل عصاً وهراوة في سيارته لوقت الطلب والمنازلة؟
6- أنا لا أنكر أن فرنسا احتلت الجزائر، ولا أنها أيّدت إسرائيل، ولكنني لا أنكر ما وصلوا إليه من رقي مادي وتفنن في أساليب الحياة كما قال تعالى: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) أليس في حياتهم الدنيا التداول السلمي للسلطة بلا قتل ولا انقلاب ولا غدر ولا خيانة؟ أليس في حياتهم الدنيا الطب الراقي والصناعة الناجحة والتنظيم والترتيب مع جودة البناء وسرعة القطارات وإتقان الطائرات ونحوها من الأمثلة؟
د. عائض القرني
جريدة الشرق الأوسط اليوم الثلاثاء
كتبت مقالتي (نحن العرب قساة جفاة) عن مشاهداتي في باريس، ولاأجدني ابتعدت عن الصواب؛ فقد ذكرتُ جانباً من جوانب حياتهم، وقد يجتمع في الشخص والدولة والشعب والأمة حسنات وسيئات ومناقب ومثالب، وأذكرُ هنا مسائل:
1- لا يجوز التعريض بالدعاة وطلبة العلم بأنهم لم يفهموا الواقع ولم يطّلعوا على حضارة الغرب ونحو هذه النغمة السائدة، وأنا قد سافرت إلى أوروبا وأمريكا مرات من قبل هذه الزيارة ووالله ما سافرتُ من السعودية إلى فرنسا إلا وقد اطلعتُ على تاريخ فرنسا الحديث مع كثيرمن كتب مفكريها ومثقفيها، ولي إلمام بتاريخ الثورة الفرنسية وصولاً إلى شارل ديقول الثوري الرمز مروراً بالرئيس بنبيدو السمين الضخم، تعريجاً على الرئيس المتألق (فلري جسكار دستان) تطويفاً على الرئيس الغامض النابه (ميتران) وصولاً إلى الرئيس المنظّر (شيراك)، وأخيراً الرئيس المستعجل المطفوق (ساركوزي)، فهل يُظَن أني كتبتُ المقال بناءً على مروري في شارع (شونزي ليزي)؟ وهذا لم يحصل.
2- إن منهج الوحي كتاباً وسُنّة يقوم على الإنصاف والعدل حتى مع غير المسلمين، وقد أنصف الله النصارى في كتابه فقال الله تعالي ; لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ) وقال: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) وفي صحيح مسلم أن رسول الله) قال: "لا تقوم الساعة إلا والروم أكثر الناس"، والروم هم أجداد الأمريكان والأوربيين وعلّق عمرو بن العاص على هذا الحديث بمدحهم ثم قال: (هم أمنع الناس للظلم)، فلماذا لا ننصفهم في هذا الجانب كما أنصفهم الله ورسوله والصحابة؟
3- قبل أن أزور باريس بأيام نقلت (قناة العربية) و(قناة الجزيرة) مشهداً مؤثراً للرئيس الفرنسي (ساركوزي) وهو يصافح فلاّحين، فمد يده إلى أحدهم مصافحاً ومسلِّماً، فقبض الفلاح يده وصاح في وجه الرئيس: أنا لا أصافحك، أنت رئيس كذّاب!! فردّ عليه الرئيس بقوله: وأنت أحمق، فمال الرأي العام كلّه مع الفلاّح ضد الرئيس، وهاجمت الصحافة الرئيس، ونقصت شعبيّة (ساركوزي) بسبب هذه الحادثة، فبالله لو قام فلاّح عربي على رئيس عربي من الأنظمة الثوريّة القمعية الاستبدادية وقال له مثلما قال للرئيس الفرنسي فماذا ستكون النتيجة؟ طبعاً سوف ينادي الزّبانية والجلاّدين بقوله: (خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه)، فلماذا لا ننصفهم كما أنصفهم عمرو بن العاص في هذه المسألة؟
4- حاضرتُ أنا والدكتور سعد البريك والدكتور عبدالعزيز المقحم والدكتور عبد الله الحارثي في مساجد باريس و(ليون) و(بروكسل) و(مدريد) وغيرها من المدن، وحضر من الجالية العربية التي فرَّ أكثر أفرادها من السجون والمعتقلات العربية من أنظمة قمعيّة ثوريّة استبدادية انقلابيّة ترفض تحكيم الشريعة الإسلامية فتعلّموا في أوربا الطب والهندسة والطيران والتكنولوجيا، ومارسوا الدعوة في المراكز الإسلامية والمساجد ووسائل الإعلام، فهل تسمح لهم كثير من الأنظمة العربية بذلك؟ فلماذا لا ننصفهم في هذا الجانب؟
5- أننكِرُ أن الحضارة- ولو كانت ماديّة- ترقق الطباع، وهذا أمر معلوم متعارف عليه شرعاً وعقلاً، وفي حديث حسن يقول عليه الصلاة والسلام"من بدا جفا"، والمعنى: من سكن البادية وابتعد عن الحضارة صار في خُلُقه جفاء وفي طباعه قسوة،
ولما سافرتُ إلى أمريكا مع الدكتور عبد القادر طاش وشاهدنا اصطفاف الناس بانتظام مع حسن الترتيب والنظام في الأخذ والعطاء التفت إليَّ وقال: (الحضارة ترقق الطباع)، فلماذا لا نلمح هذا الجانب؟ ولماذا لا نتذكر قسوة كثير منّا وأدلة هذه القسوة موجودة؟ فمنها آثار الكدمات واللطمات في جباه بعضنا من آثار التضارب والتقاتل فيما بيننا، ومنها كثرة الصدمات في السيارات نتيجة للعنف الاجتماعي، وهل ننكر أن الكثير منّا يحمل عصاً وهراوة في سيارته لوقت الطلب والمنازلة؟
6- أنا لا أنكر أن فرنسا احتلت الجزائر، ولا أنها أيّدت إسرائيل، ولكنني لا أنكر ما وصلوا إليه من رقي مادي وتفنن في أساليب الحياة كما قال تعالى: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) أليس في حياتهم الدنيا التداول السلمي للسلطة بلا قتل ولا انقلاب ولا غدر ولا خيانة؟ أليس في حياتهم الدنيا الطب الراقي والصناعة الناجحة والتنظيم والترتيب مع جودة البناء وسرعة القطارات وإتقان الطائرات ونحوها من الأمثلة؟