تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فرنسا: عدالة فرنسا السوداء والأيام الحالكة



من هناك
04-05-2008, 02:09 PM
!!

ألإفراج في فرنسا عن ستة فرنسيين من جمعية آرش دو زوي والذين أدينوا في قضية الشروع في خطف أكثر من مائة طفل من تشاد والسودان لنقلهم إلى فرنسا، وذلك بعد إعلان عفو عنهم أصدره الرئيس التشادي إدريس دبّي, صفحة سوداء وصفعة نكراء في وجه العدالة الإنسانية وتاريخها.

السلطات التشادية كانت قد اعتقلت الفرنسيين المدانين في أكتوبر الماضي فيما كانوا يستعدون لمغادرة مطار مدينة أبيشي التشادية مع أولئك الأطفال بزعم أنهم أيتام على متن طائرة بوينغ مؤجرة من شركة إسبانية. السلطات التشادية ومنظمات دولية مثل الصليب الأحمر واليونيسيف وقتها أكدت أن معظم الأطفال ليسوا يتامى بل فيهم من أبواه على قيد الحياة. وقال وزير الداخلية التشادي أن الجمعية قامت بتغيير ملابسهم بهدف إظهارهم كلاجئين محتاجين للرعاية الصحية.

في أواخر العام الماضي أصدرت محكمة تشادية حكما بالسجن لمدة ثمانية أعوام على الفرنسيين الستة, وعلى رأسهم رئيس المنظمة إريك بروتو, بعد إدانتهم بمحاولة تهريب 103 من أطفال تشاد والسودان إلى فرنسا, وبعدها جرى نقل أعضاء المنظمة الستة المدانين جوا إلى فرنسا ليمضوا في سجونها عقوبتهم بموجب اتفاق للتعاون بين فرنسا وتشاد.

الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي زار تشاد مطلع نوفمبر الماضي في مسعى لحل فضيحة منظمة "آرش دو زوي", بعد أن هاتف نظيره التشادي إدريس ديبي لمناقشة الموضوع، ووعد ديبي باتخاذ عقوبات مشددة بحق الخاطفين. وأضاف ديبي إن "هدف الخاطفين هو فصل الأطفال عن أهلهم وبيعهم لعصابات المنحرفين جنسيا في أوروبا والذين يقومون بانتهاك الأطفال أو حتى قتلهم وبيع أعضائهم". وقد ندد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالعملية ووصفها بأنها "غير قانونية وغير مقبولة". المعارضة الفرنسية اتهمت حكومة بلادها آنذاك بأنها كانت على علم بخطة نقل الأطفال، ولم تفعل ما هو كاف للحيلولة دون ذلك, وقال رئيس الوزراء الاشتراكي السابق لوران فابيوس "إننا وضعنا أنفسنا في موقف صعب ونحن نريد معرفة دور السلطات الفرنسية في هذه القضية".

قضية الأطفال واتهامات الرئيس التشادي للجمعية الفرنسية بمحاولة بيعهم للمنحرفين جنسيا, كما اتهامات المعارضة الفرنسية لحكومة ساركوزي بعلمها بخطة نقل الأطفال هي اتهامات خطيرة للغاية, ومن بعد ذلك فإن العفو عن المتهمين وقد أدينوا وإطلاق سراحهم بكل بساطة أمر أشد خطورة.

الدعم الفرنسي العسكري والدبلوماسي لإدريس دبّي كان قد أنقذه من هجوم المتمردين على العاصمة نجمينا في فبراير الماضي, وقتها أعلن دبّي أنه مستعد للعفو عن الفرنسيين المدانين في تلك القضية. وهكذا تستخدم قضية خطيرة وجريمة ضد الإنسانية كصفقة ورشوة سياسية ووسيلة لتوجيه الشكر لفرنسا لتدخلها العسكرية.

قضية الأطفال في مراحلها المختلفة وحتى نهايتها البائسة في عفو مشوب بعلامات استفهام كبيرة, تعيد مجددا طرح قضية ازدواجية المعايير وضياع القيم الإنسانية السوية في عالم تتحكم فيه قوى تستخدم حقوق الإنسان وسيلة سياسية وأداة لتحقيق المصالح وإرساء النفوذ. فالذين يبكون على حقوق الإنسان في دارفور اختفت أصواتهم في هذه القضية خطيرة ونهايتها الوخيمة وهي تمس الحقوق الأساسية لأطفال أبرياء. العفو والذي قبلته فرنسا بل وربما طلبته, يذكرنا بالضغوط التي تتعرض لها ما تسمى بدول العالم الثالث لإطلاق سراح المتهمين الغربيين حال إدانتهم جنائيا, والمرات العديدة التي يتكرر فيها العفو الكريم عنهم وكأنهم فوق القانون, أليس في هذه المسلكيات عنصرية بغيضة؟

قضية الجمعية الفرنسية والسعي لطي صفحتها وبسرعة يجعلنا نخشى من أن يكون ما انكشف هو رأس جبل الجليد, وأن الممارسات الخطيرة والتي تتستر بغطاء العمل الإنساني والخيري من جهات غربية, متفشية وبشكل أبعد مما نتصور. من هنا يبدو مطلب التحقيق الدولي في مثل هذه الممارسات الخطيرة أمرا ضروريا ومنطقيا. فلا ينبغي ولا يليق أن تبدأ القضية باتهامات الرئيس التشادي للجمعية الفرنسية بالسعي لبيع الأطفال للمنحرفين جنسيا وللتجارة بأعضائهم ثم تنتهي بعفوه عن المدانين كعرفان شكر لحكومتهم ألتي دعمته في وجه منافسيه!!

ياسر سعد