المنهجى
03-31-2008, 04:41 PM
اوضح تقرير نشرته وكالة الانباء الفرنسية قائلة انه من المؤكد ان الولايات المتحدة ان لم تكن قررت فقد سمحت لمؤسساتها في الحديث عن موضوع جدوى وجود نظام آل سعود وكذلك جدوى توفير الحماية له، رغم ان المؤشرات التي ظهرت في تصريحات واجراءات الادارة الأمريكية توفر دلائل قوية على أنها قررت ذلك. ولعل نقل القيادة العسكرية إلى قطر، رغم توظيف ذلك من قبل النظام لصالحه، إلاّ انه في الواقع يؤكد ان الادارة الأمريكية ونتيجة للاحداث التي جرت بعد 11 سبتمبر، قررت تغيير خارطة التبعية وفق محددات جديدة تؤمن لها قدراً من الحماية لمصالحها. وقد كان الهجوم الامريكي على العراق والذي كانت القيادة الوسطى للقوات الأمريكية تديره من قطر، والذي كان عماده القواعد الجوية في الجزيرة، والتي اجتهد نظام آل سعود في ان تكون في خدمة تلك القوات بعد ان خسر مقاماً متقدماً وهو وجود تلك القيادة على ارض الجزيرة مؤشراً على ذلك. حتى أن العلاقات القطرية مع نظام آل سعود قد شابها نوع من الارباك نتيجة السبق التبعي الذي حققته قطر على حسابه.
لذلك يمكن القول ان الولايات المتحدة تعمل على مسارين فيما يتعلق بنظام آل سعود، هذين المسارين في الواقع يصبان في النهاية في مجرى الترتيب النهائي الذي رسمته للمنطقة:
فالمسار الأول: يؤكد على ضرورة فتح السدود أمام طوفان نقد نظام آل سعود ورموزه في سابقة لم تشهدها الفترات السابقة والتي كان نظام آل سعود في موضع المقصر اتجاه تنفيذ مأمورياته التبعية، هذه الانتقادات التي طورت في مرحلة لاحقة إلى ضغوط خطيرة لم يستطع رموز نظام آل سعود التخفيف منها رغم التعبئة التي قام بها بنو سعود ودخولهم المعركة بانفسهم لعلاقة تلك الضغوط بمصيرهم.
أما المسار الثاني: فكان يؤكد على ان الدائرة الضيقة من دوائر الادارة الأمريكية بما فيهم الرئيس الامريكي يحاولون عبر تصريحاتهم التلويح على ان العلاقات مع نظام آل سعود لا زالت على حالها. والواقع ان هذا المسار هو اخطر من المسار الأول لأن المسار الأول يتناول رموز النظام وطبيعته المكشوفة لابناء الجزيرة وشعوب المنطقة وحتى لبعض وسائل الاعلام الأمريكية والغربية لذلك فان الانتقادات لو كانت مجرد انتقادات فهي لا تشكل خطراً عليهم، أما المسار الثاني فهو الطريقة المخادعة التي تتبعها الادارات الأمريكية في الحصول على مكتسبات بأقل الاثمان وكذلك وضع الكرة في ملعب الخصم كما حدث مع النظام العراقي بعد حرب الكويت، حيث ان الولايات المتحدة التي لم تستكمل بعد شروط اسقاط النظام العراقي رغم سهولة ذلك في عام 1991م، كانت تريد من النظام العراقي انجاز بعض الأمور التي ستوظفها في سيناريو دخولها إلى العراق دون أن تكون هناك ردود فعل قوية على ذلك الدخول. وقد قبل النظام العراقي كل المهمات التي قرأها في قرار الولايات المتحدة في مساعدته على ضرب الانتفاضة التي حدثت في اعقاب هزيمة الجيش العراقي واعتبر صدام حسين تلك المساعدة بأنها رسالة لاعتماده مرة أخرى في تنفيذ المخططات الأمريكية. وإذا اعتبرنا أن تصديق صدام لذلك هو من الغباء السياسي فان القرار الامريكي هو من المخادعة الناجحة في عرف السياسة الأمريكية. فالولايات المتحدة التي شاهدت الشعب العراقي يخرج عن بكرة ابيه بشماله ووسطه وجنوبه مسلحاً ضد النظام العراقي يريد اسقاطه وهو يرفع صور رموزه التي لا ترغب الادارة الأمريكية ان تجد احد هؤلاء الرموز يقود البلد، اصابها الهلع لذلك فقد قررت وبسرعة ايقاف ذلك الزحف أولاً، وثانياً استخدام الحصار الاقتصادي الذي تعرف بأنه سيصيب الشعب وليس النظام استخداماً مخادعاً، وبدأت في حملة منظمة تتصاعد وتائرها مع مرور الوقت، رافعة شعار احتواء النظام العراقي وتخليص الشعب من مأساته التي خلقتها هي بنفسها. وكانت تهدف من وراء ذلك إلى احداث حالة احباط في نفوس ابناء الشعب العراقي وقتل روح المقاومة لديه، ومن ثم جعله منتظراً للارادة الأمريكية في التغيير، اضافة إلى ذلك تكبيل العراق باتفاقيات لن تستطيع أية حكومة قادمة من التخلص منها لانها صيغت على شكل قرارات صادرة من مجلس الامن. وعلى ضوء هذا التكتيك الامريكي الذي اشرنا إليه فان الادارة الأمريكية تهدف من خلال المسارين الذين اشرنا اليهما إلى ان يقوم نظام آل سعود بانجاز مهمات لا تستطيع هي ان تقوم بها مباشرة لاكمال ترتيبها في المنطقة، ومن هنا يأتي قرار الادارة الأمريكية بحذف أو حجب 28 صفحة حول دور نظام آل سعود ورموزه في تفجيرات 11 سبتمبر 2001م من تقرير لجنة التحقيق التي شكلها الكونغرس حول تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، وإذا كانت تلك الصفحات قد حجبت رسمياً من التقرير إلاّ أنها قد سربت إلى وسائل الاعلام، كما تحدث عنها السناتور بوب غراهام الذي اشرف على التحقيق. اما لماذا تم حذف تلك الصفحات في الوقت الذي لازالت تشن وسائل الاعلام الأمريكية ومعظم المؤسسات هجوماً منظماً على نظام آل سعود؟.
في الواقع لو تضمن التقرير الذي صدر عن لجنة التحقيق تلك الصفحات الثماني والعشرين فهذا يعني ان الادارة الأمريكية ستكون ملزمة باتخاذ قرارات اقلها رفع الحماية عن نظام آل سعود والبدأ بمقاضاة رموزه الذين وردت اسمائهم في التقرير كسلطان بن عبد العزيز وزوجة ابنه هيفاء الفيصل وغيرهم وهذا يعني عدم استخدام التكتيك الذي اشرنا إليه والذي يهدف من خلاله إلى قيام نظام آل سعود بانجاز مهماته الجديدة والتي سيكون ملزماً أمام الخوف من سقوطه بتنفيذها وهذه المهمات التي تريدها الولايات المتحدة من نظام آل سعود يمكن اجمالها كالآتي:
1ـ تغيير المناهج: ان من الأمور التي تقلق الولايات المتحدة والمنظمات الصهيونية في الغرب وكذلك الكيان الصهيوني هو التربية الإسلامية عموماً ومناهج الدراسة التي تحتوي على تثبيت القيم الإسلامية في المجتمعات التي تتخذ من الإسلام ديناً، فالصراعات الغربية مع شعوب المنطقة قد أظهرت ان التزام المسلمين بقيم دينهم هي اكبر عائق واجههم في طريق سيطرتهم عليها، وبعد أن عجزت القوى الاستعمارية من تدمير هذه القيم في نفوس شعوب المنطقة، توجهت إلى تشجيع قيام احزاب تحمل قيماً شوفينية وسهلت لها الوصول إلى الحكم. وقد عملت هذه الاحزاب والانظمة على تبديل القيم الإسلامية بشعارات قومية إلاّ ان هذه الانظمة لم تجرأ على تغيير المناهج كلياً لحساب هذه الشعارات الدخيلة نتيجة للتمسك الجاد من قبل الشعوب الإسلامية بقيمها. ولما كانت القيم الإسلامية والتي تشير اليها تلك المناهج تعمل باتجاه رفض الانحلال والفساد الاجتماعي الذي يجتاح الغرب وهو الطريق الامثل للتغلغل الغربي فيما بين هذه الشعوب وتقويضها وبالتالي السيطرة عليها، فقد دأبت الدول الاستعمارية ومن خلال المنظمات والجمعيات التي شكلتها بانتقاد القيم الإسلامية مستغلةً الاخطاء التي ارتكبها منظمو هذه المناهج والذين اما انهم لم يفهموا سماحة الرسالة الإسلامية أو لوجود عقد تاريخية يحملونها نتيجة لقراءات خاطئة للاسلام. لذلك فان الادارة الأمريكية تأمل من نظام آل سعود تحت ضغط التهديد برفع الحماية منه إلى تغيير هذه المناهج وبما يساعد على ان تكون هناك فسحة لتقبل وجودها أو سياستها أو ما ترمي إليه من تفكيك مجتمعات الدول الإسلامية.
2ـ نتيجة لتنامي الشعور الرافض للوجود الغربي في المنطقة والجزيرة على وجه الخصوص وبروز طليعة مجاهدة تتظم هذا الشعور الرافض وتقنينه جهادياً ولتجربة نظام آل سعود في القمع والجريمة السياسية، فان الولايات المتحدة تأمل من نظام آل سعود وقبل اتخاذ الاجراءات بحقه أن يقوم بتصفية هذه الطليعة واستغلال التعبئة العامة التي خلقتها الولايات المتحدة ضد ما يسمى بالارهاب، لذلك نلاحظ ان نظام آل سعود قد تمادى في اجراءاته القمعية مستخدماً كل الاساليب المجرمة بحق شباب الجزيرة، ومعبئاً جميع وسائل اعلامه ومؤسساته لهذا الغرض.
3ـ لقد أفادت الاحصائيات الشعبية والرسمية بأن شعب الجزيرة هو اكثر شعوب المنطقة والدول الإسلامية استجاب لمقاطعة البضائع الأمريكية حتى يكاد ان يكون في كل مناطق الجزيرة سرت روح المقاطعة إلى حدِّ عجز النظام عن مواجهته مما يستدعى ان تقوم الولايات المتحدة بنفسها بمواجهة هذه الروح العظيمة لدى ابناء شعبنا وهذا ما يتطلب ان تقوم الولايات المتحدة بدور الاشراف المباشر وهذا لا يتأتي إلاّ بالبدء باسقاط هيبة النظام والتمهيد لحضورها العسكري المباشر.
4ـ استغلال الولايات المتحدة المواجهة القادمة بين النظام وشعب الجزيرة والتي ستكون رد فعل لاجراءات النظام القمعية للتدخل كمنقذ وهمي لما سيصيب ابناء الشعب وهي العارفة بشراسة النظام اتجاه شعبه، وعندها سيكون مبرر تدخلها هذه المرة مقبولاً لدى الرأي العام الامريكي والغربي.
5ـ تطويق نظام آل سعود ومنعه من اعطاء استثمارات الغاز الطبيعي للشركات الاوربية أو اليابانية عن طريق الضغط والتخويف الذي تستخدمه الآن الادارة الأمريكية، ولعل التلويحات التي يقوم بها عبد الله باعطاء تلك الاستثمارات لغير الشركات الأمريكية هو نوع من ما يسمى بـ (هواء في شبك) فالواقع يتحدث عكس ما يقوله عبد الله فاسعار النفط الآن وصلت حدود الـ (30) دولاراً للبرميل الواحد في ترتيب امريكي مع نظام آل سعود لخلق مشكلة لبعض الدول الصناعية التي وقفت بالضد من قرار الولايات المتحدة وبريطانيا بالهجوم على العراق والذي سوف يؤثر هذا الارتفاع على زيادة كلفة الانتاج لبضائعها مما يؤدي بالتالي إلى ضعف قدرتها التنافسية مع البضائع الأمريكية.
يبقى هناك سؤال يلح على الجميع من بين هذا التشابك في قضية نظام آل سعود وعلاقته بالولايات المتحدة وهو: لماذا التأكيد على سلطان وولده بندر في الحملة الحالية على النظام؟!
بعيداً عن صدق التحقيقات الأمريكية وكذبها، وبعيداً عن منشأ العناصر التي شكلت ارضية التحقيق وما سبقه من ايراد المعلومات المتناقضة حول قضية منفذي التفجيرات التي حدثت في نيويورك، إلاّ ان المتحقق هو ان المأزق الذي وقعت فيه الادارة الأمريكية كان يتطلب رداً سريعاً حتى ولو كان متهوراً لايقاف غضب الرأي العام الامريكي على ضعف وعدم استطاعة الاجهزة الامنية المتطورة من منع تلك التفجيرات، ولذلك فالاتهام الذي وجهته الادارة الأمريكية إلى تنظيم القاعدة والى اسماء لاشخاص ينحدر معظمهم من الجزيرة وبسرعة دون ان تكون هناك معطيات قوية لهذا الاتهام، سيكون حتى في حالة عدم صدقه رافداً سيصب في النهاية في خدمة السياسة الأمريكية التي اصبحت تركز على قبول الولايات المتحدة كقوة منفردة بعد نهاية الحرب الباردة. فتنظيم القاعدة والاسماء التي ادرجت هي اسلامية وهذا ما يتوافق مع التشخيص الامريكي لعدو المستقبل وهو الإسلام والذي حاولت من خلال ضغوطها على دول اوربا ان يكون هو الطرف المناقض لحلف شمال الاطلنطي الذي فقد مبرر وجوده بانحلال الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو. لذلك فهناك امران يقفزان للسطح يشكلان الاساس في الاجابة على السؤال المطروح. فالامر الأول هو ان هناك فعلاً قرار امريكي بانهاء نظام آل سعود وفق ترتيب قد اتخذته الدوائر الأمريكية المختصة، ولما كان عبدالله هو من الاعمدة الرئيسية في نظام آل سعود والذي يشكل الرأس الاكبر بعد فهد في الاخوة السديريين الذين يشكلون العمود الفقري لحكم بني سعود، فإن اتهامه سيكون بداية السيناريو المحتمل، لا سيما ان سلطان لم يعد يمتلك استار تحجبه نتيجة لانتشار اخبار اختلاساته التي اصبحت معروفة وعلى شكل عمولات يحصل عليها من عقود التسليح وغيرها، اضافة إلى الفضائح التي اصبحت هي الأخرى معروفة والتي قام بها ولده بندر.
اما الأمر الثاني هو أن سلطان بن عبد العزيز وهو اقوى بني سعود حالياً من الممكن ان يتم ابتزاز نظام آل سعود عن طريق الاتهامات الموجهة له للقيام بالمهمات التي اشرنا اليها والتي تراها الولايات المتحدة ضرورية قبل القيام بترتيباتها في المنطقة، فهي تعلم ان سلطان على الرغم من أنه الاقوى في بني سعود إلاّ انه الاضعف من حيث الفضائح لذلك فان الشعور بهذا الضعف اتجاه وسائل الاعلام الغربي ستجعله اكثر استجابة وسرعة لتنفيذ ما تريده الولايات المتحدة من نظام آل سعود.
لذلك يمكن القول ان الولايات المتحدة تعمل على مسارين فيما يتعلق بنظام آل سعود، هذين المسارين في الواقع يصبان في النهاية في مجرى الترتيب النهائي الذي رسمته للمنطقة:
فالمسار الأول: يؤكد على ضرورة فتح السدود أمام طوفان نقد نظام آل سعود ورموزه في سابقة لم تشهدها الفترات السابقة والتي كان نظام آل سعود في موضع المقصر اتجاه تنفيذ مأمورياته التبعية، هذه الانتقادات التي طورت في مرحلة لاحقة إلى ضغوط خطيرة لم يستطع رموز نظام آل سعود التخفيف منها رغم التعبئة التي قام بها بنو سعود ودخولهم المعركة بانفسهم لعلاقة تلك الضغوط بمصيرهم.
أما المسار الثاني: فكان يؤكد على ان الدائرة الضيقة من دوائر الادارة الأمريكية بما فيهم الرئيس الامريكي يحاولون عبر تصريحاتهم التلويح على ان العلاقات مع نظام آل سعود لا زالت على حالها. والواقع ان هذا المسار هو اخطر من المسار الأول لأن المسار الأول يتناول رموز النظام وطبيعته المكشوفة لابناء الجزيرة وشعوب المنطقة وحتى لبعض وسائل الاعلام الأمريكية والغربية لذلك فان الانتقادات لو كانت مجرد انتقادات فهي لا تشكل خطراً عليهم، أما المسار الثاني فهو الطريقة المخادعة التي تتبعها الادارات الأمريكية في الحصول على مكتسبات بأقل الاثمان وكذلك وضع الكرة في ملعب الخصم كما حدث مع النظام العراقي بعد حرب الكويت، حيث ان الولايات المتحدة التي لم تستكمل بعد شروط اسقاط النظام العراقي رغم سهولة ذلك في عام 1991م، كانت تريد من النظام العراقي انجاز بعض الأمور التي ستوظفها في سيناريو دخولها إلى العراق دون أن تكون هناك ردود فعل قوية على ذلك الدخول. وقد قبل النظام العراقي كل المهمات التي قرأها في قرار الولايات المتحدة في مساعدته على ضرب الانتفاضة التي حدثت في اعقاب هزيمة الجيش العراقي واعتبر صدام حسين تلك المساعدة بأنها رسالة لاعتماده مرة أخرى في تنفيذ المخططات الأمريكية. وإذا اعتبرنا أن تصديق صدام لذلك هو من الغباء السياسي فان القرار الامريكي هو من المخادعة الناجحة في عرف السياسة الأمريكية. فالولايات المتحدة التي شاهدت الشعب العراقي يخرج عن بكرة ابيه بشماله ووسطه وجنوبه مسلحاً ضد النظام العراقي يريد اسقاطه وهو يرفع صور رموزه التي لا ترغب الادارة الأمريكية ان تجد احد هؤلاء الرموز يقود البلد، اصابها الهلع لذلك فقد قررت وبسرعة ايقاف ذلك الزحف أولاً، وثانياً استخدام الحصار الاقتصادي الذي تعرف بأنه سيصيب الشعب وليس النظام استخداماً مخادعاً، وبدأت في حملة منظمة تتصاعد وتائرها مع مرور الوقت، رافعة شعار احتواء النظام العراقي وتخليص الشعب من مأساته التي خلقتها هي بنفسها. وكانت تهدف من وراء ذلك إلى احداث حالة احباط في نفوس ابناء الشعب العراقي وقتل روح المقاومة لديه، ومن ثم جعله منتظراً للارادة الأمريكية في التغيير، اضافة إلى ذلك تكبيل العراق باتفاقيات لن تستطيع أية حكومة قادمة من التخلص منها لانها صيغت على شكل قرارات صادرة من مجلس الامن. وعلى ضوء هذا التكتيك الامريكي الذي اشرنا إليه فان الادارة الأمريكية تهدف من خلال المسارين الذين اشرنا اليهما إلى ان يقوم نظام آل سعود بانجاز مهمات لا تستطيع هي ان تقوم بها مباشرة لاكمال ترتيبها في المنطقة، ومن هنا يأتي قرار الادارة الأمريكية بحذف أو حجب 28 صفحة حول دور نظام آل سعود ورموزه في تفجيرات 11 سبتمبر 2001م من تقرير لجنة التحقيق التي شكلها الكونغرس حول تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، وإذا كانت تلك الصفحات قد حجبت رسمياً من التقرير إلاّ أنها قد سربت إلى وسائل الاعلام، كما تحدث عنها السناتور بوب غراهام الذي اشرف على التحقيق. اما لماذا تم حذف تلك الصفحات في الوقت الذي لازالت تشن وسائل الاعلام الأمريكية ومعظم المؤسسات هجوماً منظماً على نظام آل سعود؟.
في الواقع لو تضمن التقرير الذي صدر عن لجنة التحقيق تلك الصفحات الثماني والعشرين فهذا يعني ان الادارة الأمريكية ستكون ملزمة باتخاذ قرارات اقلها رفع الحماية عن نظام آل سعود والبدأ بمقاضاة رموزه الذين وردت اسمائهم في التقرير كسلطان بن عبد العزيز وزوجة ابنه هيفاء الفيصل وغيرهم وهذا يعني عدم استخدام التكتيك الذي اشرنا إليه والذي يهدف من خلاله إلى قيام نظام آل سعود بانجاز مهماته الجديدة والتي سيكون ملزماً أمام الخوف من سقوطه بتنفيذها وهذه المهمات التي تريدها الولايات المتحدة من نظام آل سعود يمكن اجمالها كالآتي:
1ـ تغيير المناهج: ان من الأمور التي تقلق الولايات المتحدة والمنظمات الصهيونية في الغرب وكذلك الكيان الصهيوني هو التربية الإسلامية عموماً ومناهج الدراسة التي تحتوي على تثبيت القيم الإسلامية في المجتمعات التي تتخذ من الإسلام ديناً، فالصراعات الغربية مع شعوب المنطقة قد أظهرت ان التزام المسلمين بقيم دينهم هي اكبر عائق واجههم في طريق سيطرتهم عليها، وبعد أن عجزت القوى الاستعمارية من تدمير هذه القيم في نفوس شعوب المنطقة، توجهت إلى تشجيع قيام احزاب تحمل قيماً شوفينية وسهلت لها الوصول إلى الحكم. وقد عملت هذه الاحزاب والانظمة على تبديل القيم الإسلامية بشعارات قومية إلاّ ان هذه الانظمة لم تجرأ على تغيير المناهج كلياً لحساب هذه الشعارات الدخيلة نتيجة للتمسك الجاد من قبل الشعوب الإسلامية بقيمها. ولما كانت القيم الإسلامية والتي تشير اليها تلك المناهج تعمل باتجاه رفض الانحلال والفساد الاجتماعي الذي يجتاح الغرب وهو الطريق الامثل للتغلغل الغربي فيما بين هذه الشعوب وتقويضها وبالتالي السيطرة عليها، فقد دأبت الدول الاستعمارية ومن خلال المنظمات والجمعيات التي شكلتها بانتقاد القيم الإسلامية مستغلةً الاخطاء التي ارتكبها منظمو هذه المناهج والذين اما انهم لم يفهموا سماحة الرسالة الإسلامية أو لوجود عقد تاريخية يحملونها نتيجة لقراءات خاطئة للاسلام. لذلك فان الادارة الأمريكية تأمل من نظام آل سعود تحت ضغط التهديد برفع الحماية منه إلى تغيير هذه المناهج وبما يساعد على ان تكون هناك فسحة لتقبل وجودها أو سياستها أو ما ترمي إليه من تفكيك مجتمعات الدول الإسلامية.
2ـ نتيجة لتنامي الشعور الرافض للوجود الغربي في المنطقة والجزيرة على وجه الخصوص وبروز طليعة مجاهدة تتظم هذا الشعور الرافض وتقنينه جهادياً ولتجربة نظام آل سعود في القمع والجريمة السياسية، فان الولايات المتحدة تأمل من نظام آل سعود وقبل اتخاذ الاجراءات بحقه أن يقوم بتصفية هذه الطليعة واستغلال التعبئة العامة التي خلقتها الولايات المتحدة ضد ما يسمى بالارهاب، لذلك نلاحظ ان نظام آل سعود قد تمادى في اجراءاته القمعية مستخدماً كل الاساليب المجرمة بحق شباب الجزيرة، ومعبئاً جميع وسائل اعلامه ومؤسساته لهذا الغرض.
3ـ لقد أفادت الاحصائيات الشعبية والرسمية بأن شعب الجزيرة هو اكثر شعوب المنطقة والدول الإسلامية استجاب لمقاطعة البضائع الأمريكية حتى يكاد ان يكون في كل مناطق الجزيرة سرت روح المقاطعة إلى حدِّ عجز النظام عن مواجهته مما يستدعى ان تقوم الولايات المتحدة بنفسها بمواجهة هذه الروح العظيمة لدى ابناء شعبنا وهذا ما يتطلب ان تقوم الولايات المتحدة بدور الاشراف المباشر وهذا لا يتأتي إلاّ بالبدء باسقاط هيبة النظام والتمهيد لحضورها العسكري المباشر.
4ـ استغلال الولايات المتحدة المواجهة القادمة بين النظام وشعب الجزيرة والتي ستكون رد فعل لاجراءات النظام القمعية للتدخل كمنقذ وهمي لما سيصيب ابناء الشعب وهي العارفة بشراسة النظام اتجاه شعبه، وعندها سيكون مبرر تدخلها هذه المرة مقبولاً لدى الرأي العام الامريكي والغربي.
5ـ تطويق نظام آل سعود ومنعه من اعطاء استثمارات الغاز الطبيعي للشركات الاوربية أو اليابانية عن طريق الضغط والتخويف الذي تستخدمه الآن الادارة الأمريكية، ولعل التلويحات التي يقوم بها عبد الله باعطاء تلك الاستثمارات لغير الشركات الأمريكية هو نوع من ما يسمى بـ (هواء في شبك) فالواقع يتحدث عكس ما يقوله عبد الله فاسعار النفط الآن وصلت حدود الـ (30) دولاراً للبرميل الواحد في ترتيب امريكي مع نظام آل سعود لخلق مشكلة لبعض الدول الصناعية التي وقفت بالضد من قرار الولايات المتحدة وبريطانيا بالهجوم على العراق والذي سوف يؤثر هذا الارتفاع على زيادة كلفة الانتاج لبضائعها مما يؤدي بالتالي إلى ضعف قدرتها التنافسية مع البضائع الأمريكية.
يبقى هناك سؤال يلح على الجميع من بين هذا التشابك في قضية نظام آل سعود وعلاقته بالولايات المتحدة وهو: لماذا التأكيد على سلطان وولده بندر في الحملة الحالية على النظام؟!
بعيداً عن صدق التحقيقات الأمريكية وكذبها، وبعيداً عن منشأ العناصر التي شكلت ارضية التحقيق وما سبقه من ايراد المعلومات المتناقضة حول قضية منفذي التفجيرات التي حدثت في نيويورك، إلاّ ان المتحقق هو ان المأزق الذي وقعت فيه الادارة الأمريكية كان يتطلب رداً سريعاً حتى ولو كان متهوراً لايقاف غضب الرأي العام الامريكي على ضعف وعدم استطاعة الاجهزة الامنية المتطورة من منع تلك التفجيرات، ولذلك فالاتهام الذي وجهته الادارة الأمريكية إلى تنظيم القاعدة والى اسماء لاشخاص ينحدر معظمهم من الجزيرة وبسرعة دون ان تكون هناك معطيات قوية لهذا الاتهام، سيكون حتى في حالة عدم صدقه رافداً سيصب في النهاية في خدمة السياسة الأمريكية التي اصبحت تركز على قبول الولايات المتحدة كقوة منفردة بعد نهاية الحرب الباردة. فتنظيم القاعدة والاسماء التي ادرجت هي اسلامية وهذا ما يتوافق مع التشخيص الامريكي لعدو المستقبل وهو الإسلام والذي حاولت من خلال ضغوطها على دول اوربا ان يكون هو الطرف المناقض لحلف شمال الاطلنطي الذي فقد مبرر وجوده بانحلال الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو. لذلك فهناك امران يقفزان للسطح يشكلان الاساس في الاجابة على السؤال المطروح. فالامر الأول هو ان هناك فعلاً قرار امريكي بانهاء نظام آل سعود وفق ترتيب قد اتخذته الدوائر الأمريكية المختصة، ولما كان عبدالله هو من الاعمدة الرئيسية في نظام آل سعود والذي يشكل الرأس الاكبر بعد فهد في الاخوة السديريين الذين يشكلون العمود الفقري لحكم بني سعود، فإن اتهامه سيكون بداية السيناريو المحتمل، لا سيما ان سلطان لم يعد يمتلك استار تحجبه نتيجة لانتشار اخبار اختلاساته التي اصبحت معروفة وعلى شكل عمولات يحصل عليها من عقود التسليح وغيرها، اضافة إلى الفضائح التي اصبحت هي الأخرى معروفة والتي قام بها ولده بندر.
اما الأمر الثاني هو أن سلطان بن عبد العزيز وهو اقوى بني سعود حالياً من الممكن ان يتم ابتزاز نظام آل سعود عن طريق الاتهامات الموجهة له للقيام بالمهمات التي اشرنا اليها والتي تراها الولايات المتحدة ضرورية قبل القيام بترتيباتها في المنطقة، فهي تعلم ان سلطان على الرغم من أنه الاقوى في بني سعود إلاّ انه الاضعف من حيث الفضائح لذلك فان الشعور بهذا الضعف اتجاه وسائل الاعلام الغربي ستجعله اكثر استجابة وسرعة لتنفيذ ما تريده الولايات المتحدة من نظام آل سعود.