تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تركمان عكّار



أم ورقة
03-19-2008, 02:33 PM
تركمان عكّار هويّة ضائعة بين لبنان وتركيّا

عكّار ـ خالد سليمان
ذاب «تركمان» عكّار (الأتراك) حيث هم، فقدوا الهويّة مع جذورهم والرابط أيضاً، باستثناء اللغة التي لا يزال البعض منهم يتحدّث بها، كأنّهم بتلك الكلمات المعدودة يحافظون على وطنهم في البلد الذي يعيشون فيه. إذاً، لم تبقَ سوى اللّغة التي يتحدّث بها كبار السن، إذ إن عاداتهم وأعيادهم وتقاليدهم وطقوسهم الاجتماعية في القريتين اللتين يقطنونهما ـ عيدمون والكواشرة ـ لا تختلف عن باقي القرى الأخرى، وليس لهم لباس خاصّ أو ملامح تركيّة تميّزهم وترجعهم إلى أصلهم.
لكن هؤلاء التركمان الذي اعتادوا انتماءهم إلى لبنان، البلد الآخر، ثمّة أماكن فيه تربط بعضهم عاطفيّاً بتركيّا، منها السفارة التي يحافظون على علاقاتٍ جيّدة وودّية معها، إلّا أنّهم ليسوا جميعاً من يؤمنون بهذا الرابط. وفي هذا الإطار، يؤكّد مختار الكواشرة سليمان الأسعد انتماءه «أنا لبناني تركماني، كما هناك لبنانيون من أصل أرمني أو سوري أو عراقي، ولا يزايدنّ أحد على مواطنيتنا، وما يجمعنا مع الأتراك اللغة فقط التي ستزول في يوم من الأيّام، لأنّ الأجيال الحالية تتلقى تعليمها في المدارس العربية خارج البلدة، إضافةً إلى أنّ اللغة التركية التي نتحدّث بها في الكواشرة غير مفهومة بالكامل للأتراك، كما هي لغتهم بالنسبة إلينا بشكل كلّي». ولفت إلى «أنّ علاقة التركمان بالسفارة هي علاقة إنمائية واجتماعية من دون أي أهداف سياسية أو حتّى ارتباط سياسي مع تركيا».
ولدى سؤاله عن سبب وضع أعلام تركية صغيرة داخل منزله بدل العلم اللبناني، لم يتردّد الأسعد في الإجابة التي باتت بديهيّة بالنسبة إليه فـ«ليست للمسألة أيّ أبعاد سياسية، هذه الأعلام وُضعت بعد زيارة أطفال الكواشرة للقوات التركية المشاركة في اليونيفيل، هذا كل ما في الأمر، فنحن ننتمي إلى لبنان وليس إلى تركيّا». وإن كان الأسعد مؤمناً بلبنان، نافياً أن يكون لدى التركمان فكرة التقسيم، إلّا أنّه شدّد على ضرورة المحافظة على اللغة التركيّة كونها عامل غنى إضافياً كاللغتين الإنكليزيّة والفرنسيّة.
لكنْ ثمّة آخرون لديهم الحنين إلى تركيا، ومنهم خالد الأسعد الذي رفع العلم التركي، إلى جانب العلم اللبناني في معرض السيّارات الذي افتتحه منذ فترة وجيزة، «وفاءً للأتراك ولتعريف القادمين بأنّ هذه البلدة تركمانية، من دون أن ينتقص ذلك من وطننا لبنان». ولفت الأسعد أيضاً إلى أنّ «العلم التركي موجود داخل كل بيت تقريباً في الكواشرة». وعن علاقته بالأتراك الذين يزورون البلدة، ولا سيّما السفراء، يرجع الأسعد إلى إحدى اللحظات التي جمعته في أواخر الثمانينات مع السفير التركي إبراهيم ديجالي. يذكر الأسعد «أنّ ديجالي فوجئ عندما عرف بوجود جنود تركمان في فوج الهندسة التابع للجيش اللبناني الذي كنت أخدم فيه، فقد أجهش بالبكاء عندما التقاني نظراً لمحبة الأتراك بعضهم لبعض أينما وُجدوا، وهذا ليس دليل تعصّب بل نابع من تضامن الأتراك مع أبناء جلدتهم في لبنان». فرحة السفير ديجالي بـ«أنسبائه» في الكواشرة وزياراته المتلاحقة لها، أرست عادة جديدة لدى السفراء الذين تبعوه، إذ فرضت هذه العادة على أيّ سفير جديد في لبنان زيارة بلدتي الكواشرة وعيدمون للتعرّف على الأهالي ومشاكلهم.
واللافت أنّ أهالي الكواشرة لا يزالون يتحدّثون التركية إلى الآن، فيما أبناء عيدمون لا يعرفون شيئاً عنها، ويعزو مختار البلدة محمد الحاج السبب في ذلك إلى «أنّ عيدمون تختلف عن الكواشرة لكونها بلدة مختلطة من المسلمين والمسيحيين، ومن جهة ثانية، لم يعر سكّانها الاهتمام باللغة، فاختفت مع الأيّام».
وبالعودة إلى تاريخ التركمانيين في عكّار، يلفت الحاج إلى أنّهم جاؤوا إلى البلدة مع دخول العثمانيين إلى البلدان العربية الذين نشروا العائلات التركية في عكّار ومدينة حلب السورية لحماية الجيش التركي من الهجمات والاعتداءات. ويشير إلى أنّ التركمان لم يعيشوا فقط في الشمال، «فقد وصلوا إلى مشارف بيروت أيضاً وسكنوا فيها، وأنّ الأمير عساف التركماني كان مركزه موجوداً في بلدة غزير الكسروانية حيث اعتنق التركمان في جبل لبنان المسيحية». لكن مع ضعف الدولة العثمانية، أجبر الإقطاعيون التركمان على بيع أراضيهم إلى أهالي القبيات وبيت جعفر، ويشير، في هذا الإطار، إلى «أنّه بسبب هذا القرار، تحوّلت قيود وسجلّات منطقة كرم شباط العقارية الواسعة الممتدّة من القبيات إلى بلدة الرويمة إلى مختار بلدة عيدمون لغاية اليوم».
أمّا في ما يخصّ عددهم في لبنان، فيبلغ حوالى 10 آلاف نسمة، يقطنون بعض الأحياء في مدينتي طرابلس وحلبا، فيما يتركّز القسم الأكبر منهم في بلدتي الكواشرة وعيدمون.


عدد الثلاثاء ١٨ آذار ٢٠٠٨