تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إثبات صفة العلو لله عز وجل



المهاجر7
03-17-2008, 09:51 PM
بداية: إن هذه القضية قد تم التنازع فيها وما السبيل لحل هذا التنازع؟

أقول وبالله التوفيق:
نحن نتّبع من كان قوله متفقاً مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أخبرنا الله عز وجل ماذا نفعل إن تنازعنا في شيء أو اختلفنا في شيء وهذا هو الحل{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } وقال تعالى:{ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} .
وقال أيضاً: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً} .
وقال جل ذكره: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} .
فهذه الآيات وغيرها من الآيات تدل على أمر واحد وهو أننا إذا تنازعنا في شيء فلنحكّم فيه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقول صحابة رسول الله وقول السلف الصالح الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم من أفضل الناس. فماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا قال سلف هذه الأمة في القضية، هي لم تكن قضية يتنازعون فيها لأنهم كانوا متفقين على قول، ولكن نشأ النزاع عندما أتت كتب المنطق وعلم الكلام وترجمت إلى العربية فأخذ الناس بالتأويـل، فبدأ الواحد منهم يفسر ويتأول ويصول ويجول في آيات الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لا يقف على كلام السلف في ذلك فيقوم ويجتهد!!
أين الاجتهاد يا أخي إذا كان هناك نص، والقاعدة المعروفة في الأصول (لا اجتهاد في مورد النص)!! .
فالصحابة والتابعين لهم، كانوا أقرب زماناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأثبت إيماناً وأصدق كلاماً وأقوى عقيدة وأحسن فهماً وتأويلاً فهل نأتي ونتكلم في أمور قد تكلموا بها وشرحوها لعامة المسلمين وأئمتهم فهل هم أرسخ في العلم أم نحن ؟!

كل هذه المقدمة هي للوصول للجواب الشافي إن شاء الله وهو (( أن الله في السماء)) وهو جواب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح ولبّ الكلام هو أن المقصود بكلمة (السماء) يراد بها العلو والسمو, أي أن الله في الأعلى ولا يراد التحجيم والتحييز، وحاشا لله أن يكون كذلك فالله عز وجل لا سماء تظلّه أو تقلّه وهذا مخالف للعقل والفطرة، ويجوز أن يكون لفظ (في) بمعنى لفظ (على) ودليل ذلك قوله تعالى: {فسيحوا في الأرض} وقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} والمعنى على الأرض وعلى الجذوع لا فيها، ومن سمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف الصالح وجد فيه إثبات الفوقية مالا ينحصر, وسيأتي ذكرها بعد قليل من آيات وأحاديث وكلام للسلف بهذا الخصوص, ومما لا ريب فيه ولاشك أن الله تعالى لما خلق عباده لم يخلقهم في ذاته المقدسة تعالى الله عن ذلك فهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فتعين أنه خلقهم خارجاً عن ذاته، ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم بائن عن خلقه لكان متصفاً بضد ذلك، ونحن نعلم أن القابل للشئ لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية السُفول وهو مذموم على الإطلاق لأنه مستقر إبليس وأتباعه من الجنود.
ونحن نعلم أن صفة العلو والفوقية صفة كمال لا نقص فنفي حقيقة العلو يكون عين الباطل.

نصوص إثبات العلو من الكتاب والسنة:
النصوص الواردة والمتنوعة والمحكمة على علو الله على خلقه وكونه فوق عباده بالتفصيل:
أولاً: التصريح بالفوقية مقروناً بأداة (من) المعينة للفوقية بالذات, قال الله تعالى:{ يخافون ربهم من فوقهم } النحل 50.
ثانياً: ذكرها مجردةً عن الأداة, قال تعالى:{ وهو القاهر فوق عباده } الأنعام 18.
ثالثاً: التصريح بالعروج، قال تعالى:{ تعرج الملائكة والروح إليه } المعارج 4.
رابعاً: التصريح بالصعود إليه، قال تعالى:{ إليه يصعد الكلم الطيب } فاطر 10.
خامساً: التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه, قال تعالى: { بل رفعه الله إليه} النساء158, { إني متوفيك ورافعك إليّ } آل عمران 55.
سادساً: التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو ذاتاً وقدراً وشرفاً، قال تعالى:{وهو العلي العظيم } { وهو العلي الكبير } { إنه علي حكيم }.
سابعاً: التصريح بتنزيل الكتاب منه، قال تعالى: { هو الذي أنزل عليك الكتاب...} آل عمران 7، {تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} غافر2.
ثامناً: التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده وأن بعضها أقرب إليه من بعض، قال تعالى:{ إن الذين عند ربك }الأعراف206،{ وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته} الأنبياء19. وفي هذه الآية نلاحظ الفرق بين (له من) عموماً وبين (من عنده) من ملائكته وعبيده خصوصاً, وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي والحاكم عن النعمان بن البشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمhttp://www.shabab-alamal.com/vb/images/smilies/smile.gifإن الله تعالى كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفيّ عام وهو عند العرش وإنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان) صحيح.
تاسعاً: التصريح بأنه تعالى في السماء والمراد بها العلو، قال تعالى:{ أأمنتم من في السماء } الملك16، وكما ذكرنا سابقاً يجوز لفظ (في) بمعنى (على)، وقد أولت طائفة أن من في السماء هم الملائكة وليس الله وهذا قول باطل لأن الأحاديث تثبت أن الله في السماء فالحديث الذي رواه أحمد وأبو داوود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمhttp://www.shabab-alamal.com/vb/images/smilies/smile.gifالراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وهو حديث صحيح، والحديث يتكلم عن الرحمن تبارك وتعالى، فهو لا يتكلم عن الملائكة، فالله هو الذي يرحم ويعذب ويعاقب.
ونذكر الحديث الذي يتحدث عن الروح الخبيثة والروح الطيبة حينما تُتوفى وهذا الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمhttp://www.shabab-alamal.com/vb/images/smilies/smile.gif...... فيُنطلق به إلى ربه) أي أن الروح الطيبة تصعد إليه تعالى ثم يأمر عز وجل بكتابة عبده في أعلى عليين.
عاشراً: التصريح بالاستواء مقروناً بأداة (على) مختصاً بالعرش الذي هو أعلى المخلوقات {ثم استوى على العرش} ونعلم أن ثم تفيد الترتيب.
حادي عشر: التصريح برفع الأيدي إلى الله تعالى، فعن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين) ،حديث صحيح.
ثاني عشر: التصريح بالنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا، ونحن نعلم أن النزول المعقول عند جميع الأمم يكون من علو إلى سفول، والله أعلم بكيفية النزول.
ونذكر الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له).
ثالث عشر: الإشارة حساً إلى العلو كما أشار إليه من هو أعلم بربه محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حينما قال: (أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع إصبعه الكريمة إلى السماء رافعاً لها إلى من هو فوقها وفوق كل شيء قائلاً :اللهم فاشهد). رواه مسلم وأبو داوود من حديث جابر بن عبد الله، وحديث أنس رضي الله عنه والذي ورد في الصحيحين أنه قال:كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
رابع عشر: التصريح بلفظ "الأين" كقول أعلم الخلق به وأنصحهم لأمته وأفصحهم بياناً عن المعنى الصحيح بلفظ لا يوهم باطلاً، بقوله للجارية السوداء ((أين الله؟)) وهذا ما سنشير إليه فيما بعد، وهناك فئة ينكرون هذا السؤال، باحتجاجهم بأن هذا السؤال مثير للفتنة كما أوردنا في بداية البحث ويعتمدون على قوله تعالى:{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} قال الطبري شيخ المفسرين رحمه الله في خبر روي عن ابن عباس حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد، قال ابن عباس: (( التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا اللّه)). فالمتشابه بقول بعض العلماء إنه الحروف المقطعة من القرآن وهذه التي لا يعلمها إلا الله ومثلها ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك؛ فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها، لاستئثار اللّه بعلم ذلك على خلقه.
ومنهم من قال: إن القرآن جملة وتفصيلاً محكم ولفظ المتشابه أي التشابه بين الآيات وليس لشبهة بينها.
ومنهم من قال: إن التشابه بالآيات هو ما يعلمه الراسخون في العلم مع إيمانهم بها بعيدين عن العوام وعن الذين يبتغون الفتنة كما فعله الجهمية والمعطلة والمعتزلة الذين في قلوبهم زيغ فأرادوا الفتنة ولم يريدوا علماً نافعاً.
الخامس عشر: شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال: إن ربّه في السماء بالإيمان وهذا ما حدث مع الجارية السوداء حينما أجابته فقال اعتقها فإنها مؤمنة. يقول البعض في هذا الحديث إن رسول الله قد خاطبها على قدر عقلها ولكن هل يعقل لرسول الله أن يطلق حكماً أو شهادةً من عنده، فما كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك الجارية: أين الله؟ إلا لامتحان إيمانها، والدليـل أنه أمر بإعتاقها لأنها مؤمنة بقولها أن الله في السماء، فلو أجابته أنه في الأسفل أو في كل مكان هل سيكون جواب سيد الخلق كذلك بأنها مؤمنة؟ ورسول الله هو الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى.
سادس عشر: إخباره تعالى عن فرعون أنه رام الصعود إلى السماء ليطّلع إلى إله موسى فيكذبه بما أخبره من أن الله فوق السموات فقال: {يا هامان ابن لي صرحاً لعلّي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطّلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً}.
فمن نفى العلو فهو فرعوني، ومن أثبته فهو موسويٌّ مُحَمَّدِي.
سابع عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم كيف تردد بين موسى عليه السلام وبين ربه في المعراج مراراً عدة والحديث معروف بالصحيحين.
ثامن عشر: النصوص الدالة على رؤية أهل الجنة لله تعالى من الكتاب والسنة وإخباره النبي أنهم يرونه كرؤية الشمس والقمر فلا يرونه إلا من فوقهم ونعلم أنه لا يتم إنكار الفوقية إلا بإنكار الرؤية ولهذا نفى الجهمية الأمرين الرؤية والفوقية وأثبت أهل السنة والجماعة الأمرين وصار عندهم من أثبت الرؤية ونفى العلو مذبذباً بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فهذه الأدلة جميعها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكلها إن شاء الله أحاديث صحيحة، وطبعاً هذه الأنواع من الأدلة لو بسطت أفرادها لبلغت نحو ألف دليل فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله وهيهات له بجوابٍ صحيح عن بعض ذلك (ونعرج للذكرى على خطورة الخوض في الكيفية فيما يتعلق بالله عزوجل وكيفية نزوله إلى السماء الدنيا، كما يتجرأ البعض على الخوض في هذا، بل نحن نؤمن ونسلم فقط دون الخوض في الكيفية) وسيأتي شرح هذا القول إن شاء الله بالتفصيل.

نصوص إثبات العلو من كلام الأئمة:
كلام السلف في إثبات صفة العلو نجدها كثيرة فمنها:
ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق يسنده إلى مطيع البلخي: أنه سأل أبا حنيفة لمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقال الإمام أبو حنيفة: قد كفر، لأن الله تعالى يقول: ((الرحمن على العرش استوى)) وعرشه فوق سبع سموات.
قلت: فإن قال إنه على العرش ولكن يقول لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر لأنه أنكر أنه في السماء فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر. وزاد غيره: لأن الله في أعلى عليين.
وروى ابن عبد البر في كتاب التمهيد: قول الإمام مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان.
ونذكر قول أبي عمر الطلمنكي: في كتابه الأصول: أجمع أهل السنة على أن الله تعالى استوى على عرشه بذاته على الحقيقة لا على المجاز، ثم ذكر قول مالك السابق.
وأما قول الإمام الشافعي: فقد قال الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: حدثنا أبو شعيب وأبو ثور عن محمد بن إدريس الشافعي قال: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك، وغيرهما: الإقرار بشاهدة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء.
وأما قول الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله: قال الخلال في كتاب السنة أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال سألت أحمد ابن حنبل عمن قال: إن الله تعالى ليس على العرش، فقال: كلامهم كله يدور حول الكفر.
وقال أبو طالب سألت أحمد ابن حنبل عن رجل قال إن الله معنا وتلا قوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) فقال أحمد يأخذون بآخر الآية ويدعون أولها، هلّا قرأت {ألم ترى أن الله يعلم ما في السموات} فهو بالعلم معهم وغير مماس لشيء من خلقه.
ونذكر أيضاً قصة أبا يوسف في بشر المريسي حينما سمعه يقول وهو ساجد: سبحان ربي الأسفل فأراد أن يقيم عليه الحد لقوله ذلك، فقد أنكر قوله تعالى:{سبح اسم ربك الأعلى} رواه ابن أبي حاتم بسند صحيح.
ونذكر أيضاً قول ابن المبارك حينما سُأل أين الله؟ فأجاب: اللهُ فوق العرش بذاته وهو بائن عن خلقه وهو معهم بعلمه. ( بائن من خلقه: أي مستغنٍ عنهم وهو غني عن العالمين).
ونذكر قول ابن خزيمة: فقد قال أبو عبد الله الحاكم في كتاب تاريخ نيسابور، وفي كتاب علوم الحديث: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول سمعت إمام الأئمة أبا بكر بن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماوات وأنه بائن من خلقه فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة، ومن ينكر رؤية الله في الآخرة فهو شر من اليهود والنصارى والمجوس وليسوا بمؤمنين عند أهل السنة والجماعة.
وأما قول أبي جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه صريح السنة: وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز إلى غير ذلك فقد خاب وخسر.
ونذكر قول ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية في باب الإيمان أنّ الله فوق عرشه وأن الله هو الذي أخبر بذلك ورسوله أيضاً وأجمع عليه السلف من أنه فوق سماواته على عرشه وهو مع خلقه أينما كانوا يعلم ما يعملون, كما جمع بين ذلك في قوله: {هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير}. فليس معنى قوله:{وهو معكم أينما كنتم}أنه مختلط بخلقه فإن هذا لا توجبه اللغة وهو خلاف ما أجمع عليه السلف وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، ولله المثل الأعلى أنّك تلاحظ القمر وهو آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته تجده موضوعاً في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، والله سبحانه وتعالى فوق عرشه رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني الربوبية. وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه صواب، حقيقته لا تحتاج إلى تحريف أو تأويل.
ومعنى مهيمن عليهم قال ابن عباس: أي مؤتمنٌّ عليهم، وقال الكسائي: شاهدٌ عليهم، وقال غيره: رقيباً عليهم، فهيمن يهيمن هيمنةً أي رقيباً على كل شيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله:{ وهو معكم أينما كنتم} قال: عالم بكم أينما كنتم، وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان الثوري أنه سأل عن قوله: { وهو معكم أينما كنتم } قال: علمه. وأما قوله:{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } أي هو إله من في السماء ومن في الأرض يعبده أهلهما وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه. وهذه الآية كقوله: { وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون }. أي هو الذي يدعوه من في السموات ومن في الأرض لأنه يعلم السر والجهر.
إذاً لماذا نحاول أن نجتهد وأن نؤوّل وأن نفسر على أريحيتنا ونترك تفسير من قد سلف فهم كانوا من أخير الناس وأفضلهم ولا تنسى أن الزمان الذي نعيشه زمان فتن وأهواء وملذات وشهوات زمان كثير فيه خطباؤه قليل فيه علماؤه؟!
والذي يجري الآن أن معظم طلاب العلم والذين يأخذون العلم من المشايخ ويعتمدون تأويلاتهم دون الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وماذا قال السلف، فبهذا يعتبرون كلام المشايخ مخطوطة يرجع إليها. ونذكر قول الإمام مالك رحمه الله حينما قال: ((كلٌّ يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر الرسول))، ونذكر قول أبي حنيفة: ((نقول الكلام اليوم ونرجع عنه غداً ونقوله غداً ونرجع عنه بعد غد)).
بقي أن نذكر قول ابن مسعود رضي الله عنه: ((من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرّها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)). وقال ابن مسعود أيضاً: ((اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)).
فلم هذا التعصب الذي نلحظه اليوم للعلماء أم أننا تتبع القاعدة لا تعترض فتنطرد، وهذا هو التقليد الأعمى الذي حدث عنه عدي بن حاتم، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك قال: فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية:{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} قال: قلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم ! فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم .
تمسك بحبل الله واتبع الأثر *** ودع عنك رأياً لا يلائمه خبر
لذلك أقول بعد كل هذا إنه إذا سألك أحد أين الله فأجبه، وأنت مطمئن ((أنه فوق العرش بذاته بائن من خلقه وهو معهم بعلمه)).
أو قل له في السماء واشرحها له حتى لا يقول لك إنك حجرت وحجّمت وحيّزت.
وإن لم تستطع النقاش، فعد إلى إيمان العجائز وإيمان الأطفال أي عد إلى الفطرة واسأل نفسك فستجيبك في الأعلى، فإن خانتك فاسأل طفلاً صغيراً، فسيقول لك فوق في العالي أو ينظر إلى السماء.