تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأسير المنسي



المهاجر7
03-15-2008, 08:15 PM
"إنني مطالب أمام عقيدتي وأمام ضميري أن أدفع الظلم والجبروت، وأرد الشبه والضلالات، وأكشف الزيف والانحراف، وأفضح الظالمين على أعين الناس، وإن كلفني ذلك حياتي وما أملك".


* * *

كلمات مضيئات لا تزال محفورة في الذاكرة، منذ سمعناها ووعيناها من شيخنا الدكتور عمر عبد الرحمن منذ أكثر من عشرين عاماً، وأشهد أنا ما رأينا منه خلال هذه السنين الطوال إلا مزيداً من الثبات على الحق، ومزيداً من الترجمة العملية لما تحويه تلك الكلمات من معاني التضحية والصبر على الأذى في سبيل الله.

ولعل في محنته في سجون الأمريكان- خير دليل على ما نقول...

فلقد امتحن الشيخ على يد هؤلاء المجرمين بما لم يمتحن به سواه، فلفقت له التهم الباطلة، ودُس عليه من بني جلدته من يحاول توريطه في قضية هي من إعداد المباحث الفيدرالية الأمريكية، انتهت بالحكم عليه من قبل قاضٍ يهودي مجرم؛ بالسجن مدى الحياة، استناداً لقانون قديم لم يطبق منذ الحرب الأهلية الأمريكية.

هذا كله بالرغم من أنه كان من بين الأشرطة السمعية التي زعموا أنها أدلة إدانة للشيخ، كان من بينها شريط قُدِّم للمحكمة بطريق الخطأ، وهو يحوي مكالمة هاتفية بين ضابط من المباحث الفيدرالية وبين العميل المصري المدعو عماد سالم، وفيه يشرح الضابط لذلك العميل كيف يمكنه الإيقاع بالشيخ وتوريطه في القضية، وأن عليه أن يحاول استدراجه للحصول منه على أقوال يمكن أن تعد جرائم يعاقب عليها القانون.

وقد كان هذا الشريط وحده كافياً في نسف كل التهم الموجهة للشيخ، على أساس أن القانون الأمريكي يمنع من استدراج شخص لإيقاعه في خطأ يحاسب عليه القانون، ولكن الحقد اليهودي الصليبي أبى إلا أن يتجلى في أبشع صوره وأسوأ مظاهره.

بل إن هيئة المحلفين قد برأت الشيخ من قضية محاولة تفجير "مركز التجارة العالمي"، ومن كل التهم المنسوبة إليه، باستثناء تهمتي التحريض على اغتيال الرئيس المصري أثناء زيارة كانت مقررة وقت ذاك إلى نيويورك، والتحريض على قتال الجيش الأمريكي، والشكوك تحيط من كل جانب باعتبار الأقوال المنسوبة للشيخ تحريضاً بالمعنى القانوني.


.وإذا كانت نصرة الشيخ واجباً قصر فيه أكثر المسلمين، فقد رأيت أن أقل ما ينبغي علينا القيام به الحديث عن بعض ما وعيناه عنه من الدروس، وما سمعناه أو شهدناه من مواقفه التي كانت مثالاً يحتذى في الصبر والثبات، لعل ذلك يُعرِّفُ به من لم يعرفه، أومن سمع به ولم يعلم عنه إلا ما تردده أجهزة الإعلام المضللة، التي لا تزال تصم الشيخ وأمثاله بأنهم "متطرفون"، "إرهابيون"، "أصوليون"... إلى آخر تلك القائمة التي لا تنتهي.

والحق أن جهاد الشيخ وصدعه بالحق بدأ في وقت مبكر من حياته ،وقبل عدة سنوات من اتهامه في قضيتي مقتل السادات والقضية التي سميت بـ "قضية الجهاد"، عام 1981، وهما القضيتان اللتان ارتبط اسمه بهما، واشتهر إعلامياً من خلالهما.

فالذين يعرفون الشيخ عن قرب، يعلمون أنه كان صادعاً بالحق منذ توليه الخطابة بمساجد وزارة الأوقاف قبل تخرجه من كلية أصول الدين، بدءاً من العام 1964م، وأنه لأجل ذلك كان يستدعى للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية، بل أحيل للاستيداع عام 1969م، ثم أعيد ولكن إلى عمل إداري لا يحتك فيه بالجماهير، ثم اعتقل في أكتوبر عام 1970م بعد إفتائه بأنه لا تجوز صلاة الجنازة على جمال عبد الناصر.

وفي العام 1974 أرادت زوجة الرئيس السابق – السادات - تمرير قانون جديد للأحوال الشخصية يمنع تعدد الزوجات، ويمنع الطلاق إلا على يد القاضي، ووقف الغيورون ضد هذا القانون المخالف لشرع الله، وكان شيخنا واحداً من هؤلاء الغيورين، وقد كان حينئذ مدرساً بكلية أصول الدين بأسيوط، فقاد مسيرة من طلاب فرع جامعة الأزهر بأسيوط، التقت مع مسيرة أخرى لطلاب جامعة أسيوط عند مبنى المحافظة، وهناك سلم الدكتور عمر إلى محافظ أسيوط وثيقة احتجاجية باسم الجامعتين تعترض على هذا القانون الخبيث، وتطالب بمنع إقراره.

ثم سافر الشيخ إلى أرض الحرمين في إعارة لإحدى الجامعات السعودية، ولكنه قطع إعارته وعاد لمصر في عام 1980م لما أرادوا التضييق عليه ومنعه من الدعوة والخطابة.

ثم جاءت أحداث عام 1981 في مصر، وسُجن الشيخ وقدم للمحاكمة مرتين كما أسلفنا، وقد برئ في كلتا القضيتين بعد ما ذاق التعذيب ألواناً، لكنه تلقاه بصبر المؤمن وثبات الواثق، وكان كثيراً ما يردد أثناء تعذيبه: (ذق أيها الجسد الفاني... ذق).

وحين كان يسأله بعض زبانية التعذيب؛ ماذا كنت تقول بالخارج؟ كان يجيب في غير خوف ولا تردد: (كنت أقول الحق ولو كان مراً).

ولا زالت كلماته القوية في مرافعته أمام محكمة أمن الدولة ماثلة في أذهان من عاصروها... من مثل قوله مخاطباً قاضيه: (أيها القاضي المستشار؛ حق الله ألزم من حق رئيس الجمهورية، الله يمنعك من الحكومة، والحكومة لا تمنعك من الله).

وقوله: (إنني مسلم أحيا لديني وأموت في سبيله، ولا يمكن بحال أن أسكت والإسلام يحارب في كل مكان، أو أن أهدأ وأمواج الشرك والضلالة تتلاطم وتغمر كل اتجاه، {كظلمات في بحر لجي يغشه موج من فوقه موج من فوقه سحاب}). (أنا لا يرهبني السجن ولا الإعدام، ولا أفرح بالعفو أو البراءة، ولا أحزن حين يحكم علي بالقتل؛ فهي شهادة في سبيل الله، وعندئذ أقول؛ فزت وربِّ الكعبة، وعندئذ أقول أيضاً:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً http://tawhed.ws/styles/default/images/star.gif

على أي جنب كان في الله مصرعي).

كما كان موقف الشيخ واضحاً في مرافعته من أنظمة الحكم المخالفة لشرع الله تعالى، وفقدانها للشرعية بسبب امتناعها عن تطبيق شرع الله، حتى كان محاموه يشفقون عليه من أن تتخذ أقواله تلك دليل إدانة ضده، فكانوا يتدخلون ليقولوا للمحكمة؛ إنه لا يقول هذا الكلام بصفته متهماً في القضية، وإنما بصفته واحداً من علماء المسلمين.

وإذا كانت مواقفه في وجه الظلم والظالمين قد اتسمت بهذا القدر الذي أشرنا إليه من القوة والصلابة، فإن مواقفه مع إخوانه وتلاميذه كانت تتسم بحنو الوالد، وحرص الأستاذ والمعلم على محبيه ومريديه، فكان دائم المواساة لهم والتسرية عنهم.

ولقد روى الأخ الشيخ عبود الزمر في حوار صحافي معه؛ أنه لما حكم عليه بالسجن حزن حزناً شديداً، إذ كان يريد أن يلقى الله شهيداً، وظل في حزنه إلى أن جاءته كلمات الشيخ حفظه الله:(لقد بعتم أنفسكم لله ورضيتم بالجنة ثمناً لها، وهو سبحانه صاحب الحق في أن يضع السلعة التي اشتراها حيث شاء، وما عليكم إلا التسليم والرضا؛ لأنها بالبيع خرجت عن ملككم، فإن شاء ابتلاكم بالسجن، وإن شاء رزقكم الشهادة، وليس لكم أن تشترطوا فتقولوا؛ نريد شهادة ولا نريد سجناً).

كما كان الشيخ - ولا يزال - حاملاً هم الإسلام والمسلمين، شديد الحزن والتأثر لما آلت إليه أحوال الأمة من ضعف وذلة، حتى إنه استمع إبان محاكمته في قضية اغتيال السادات إلى الشباب وهم ينشدون:

ملكنا هذه الدنيا القرونا http://tawhed.ws/styles/default/images/star.gif

وأخضعها جدود خالدونا

فلما بلغوا قول الشاعر:

ترى هل يرجع الماضي فإني http://tawhed.ws/styles/default/images/star.gif

أتوق لذلك الماضي حنينا
فوجئوا بدموع الشيخ تنهال على لحيته، ورأوه يبكي - وهو الذي تحمل كل صنوف التعذيب فلم تخنه عبراته - رأوه يبكي حنيناً وشوقاً لمجد تعب في تحصيله الأجداد فأضاعه الأحفاد.


ومن أسف؛ أن قضية الشيخ لم تأخذ حقها عند إخوانه من العلماء والدعاة وقادة الحركات الإسلامية، فلقد رأينا تجاهل أكثرهم لمحنة الشيخ، وهم الذين نظن أنه لا يغيب عنهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفك الأسير، كما في صحيح البخاري من حديث أبي موسى مرفوعاً: (أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني)، قال سفيان: (والعاني الأسير) [1].

وقد أجمع أهل العلم على وجوب فك أسارى المسلمين، حتى قال بعض أهل العلم: (لو أسرت امرأة بالمشرق، ولم يستطع أهل المشرق فك أسرها، وجب على أهل المغرب العمل على فك أسرها)، فكيف بعالم من علماء المسلمين؟

بل قد رأينا من المنسوبين للعلم والدعوة من يصم الشيخ ظلماً وعدواناً؛ بأنه خارجي تكفيري.

ورأينا من يخاف من مجرد أن يجري اسم الشيخ على لسانه.

ورأينا من لا يرغب في أن يذكر اسم الشيخ في مجلس هو فيه.

ففي سبيل الله ما لقيت وما تلقى أيها الشيخ الجليل، وإلى الله نشكو ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، مع اعترافنا بالتقصير في نصرتك والقيام بالواجب نحوك، وعند الله تعالى نحتسب ما تعاني من تجاهل قضيتك حتى ممن كانوا يوماً من أقرب الناس إليك: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة http://tawhed.ws/styles/default/images/star.gif

على النفس من وقع الحسام المهند
الكاتب: عبد الآخر حماد الغنيمي (http://tawhed.ws/a?i=18&PHPSESSID=0f5fe3aabbf5c6329eaaa9bbf aaffe28)]
1) أخرجه البخاري: 373، وأبو داود: 3105.

أبو مُحمد
03-15-2008, 08:57 PM
فك الله أسره وعافاه.