تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات ودروس وعبر من القرآن



عزام
03-09-2008, 09:56 AM
السلام عليكم
حبذا لو نخصص هذا الموضوع لدروس معينة نستخلصها من آيات القرآن الكريم.
عزام

استغلال الدين للتبرير (ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي)
يقول القرآن الكريم: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ"
في البداية ينبغي أن نلقي نظرة على شأن نزول هذه الآية الكريمة، ذكر الإمام الطبري أن رسول الله ( ذكر ذات يوم وهو في جهازه ، للجد بن قيس أخي بني سلمه :(( هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله ، أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله ، لقد عرف قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء مني . وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن . فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : (( قد أذنت ذلك )). إن هذا المشهد التاريخي يمثل لنا التبرير بأجلى صوره وأشكاله. إنه ليس مجرد تبرير عادي (كالتبرير بالحر والبرد وما أشبه) بل إنه تبرير ديني بمعنى أنه يتخذ من الدين ستاراً لتبرير الهروب من المسؤلية "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني." وهو - أيضاً - لم يرد بصيغة عادية، بل صاحبته مختلف عوامل التأكيد (من القسم و"ان" و"اللام" التأكيدين وغير ذلك) كما نلاحظ في الحديث الشريف.
ولكن هذا المنطق التبريري ليس خاصاً على رجل تاريخي اسمه الجد بن قيس وكنيته "أو <أبو> وهب"، وليس خاصاً بحقبة معينة اندثرت في طيات الماضي العتيق. إنه نموذج يتكرر في كل زمان ومكان، ولكن بأنماط وصور مختلفة. فالذين يعتذرون عن تحمل مسؤولياتهم الدينية، ويقضون أعمارهم في زوايا البيوت بحجة أنهم يخافون على أنفسهم من الانزلاق أو الكبرياء أو الضلال أو ما شابه، والذين يرفضون الانتماء إلى جبهة الحق بحجة أن هذا الانتماء قد يعرضهم لمطاردة السلطات والقبض عليهم وربما انهيارهم وانحرافهم، كل هؤلاء - وآخرون غيرهم - يمكن اعتبارهم نماذج جديدة تكرر موقفاً مشابهاً لموقف الجد بن القيس، وهم - مثله تماماً - يرددون تبريرات كثيراً ما تلبس بغطاء ديني. ولكن ليسمعوا كلام الله: ((أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)).

عزام
03-09-2008, 04:35 PM
الوثنية المعاصرة

مقدمة: عبادة القوة
القارىء التقليدي للقرآن الكريم قد يقرأ ما ورد عن الوثنيين بكثير من التسطيح ظانا ان الوثنية اصبحت من الماضي السحيق. ولكن القارىء الفطن سيفطن الحقيقة ان الاصنام موجودة ولكنها بصيغة اخرى.. لم تعد عبادة الاحجار هي السائدة بل استبدلت بعبادة الاشخاص، عبادة المال، عبادة القوى المادية.. في الجاهلية كان المشركون يصنعون اوثانهم من تمر ويأكلونها اذا جاعوا.. واليوم ما زال الكثير من الناس يمارسون هذا الطقس الوثني.. يهتفون للزعيم الفلاني "بالروح بالدم نفديك يا فلان.." فاذا سقط او اسقط انفضوا عنه واكلوا لحمه ميتا بعد ان كانوا يحتمون بظله ويضربون بسيفه.
وقد ادرك الصهاينة هذا الامر فقالوا في بروتوكولاتهم: ان حقنا يكمن في القوة. وكلمة "الحق" فكرة مجردة قائمة على غير أساس. وفي هذه الأحوال الحاضرة المضطربة لقوى المجتمع ستكون قوتنا أشد من أي قوة أخرى، لأنها ستكون مستورة حتى اللحظة التي تبلغ فيها مبلغاً لا تستطيع معه أن تنسفها أي خطة ماكرة. ان الغاية تبرر الوسيلة، وعلينا ـ ونحن نضع خططنا ـ ألا نلتفت إلى ما هو خير واخلاقي بقدر ما نلتفت إلى ما هو ضروري ومفيد
وفيما يلي امثلة عن تطبيق الآيات لتي تتحدث عن الوثنية على حياتنا المعاصرة، ودروس في كيفية استخلاص الجذور النفسية والفكرية لها.
1- تقديم المصالح على الحق
في كل مكان وزمان توجد تقاليد بالية يحتفظ بها البشر على تهافتها وسخافتها لعدم جرأتهم على الانتفاضة عليها. فهذا قد يحرمهم الحياة الهنيئة الوادعة وقد يوقعهم في مشاكل مع مجتمعهم. يقول رب العالمين: "وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين". إنهيقول لهم: إنكم اتخذتم الأوثان من دون الله, لا اعتقادا واقتناعا بأحقية هذهالعبادة،إنما يجامل بعضكم بعضا, بحيث لا يريدالصاحبأن يترك عبادة صاحبه - حين يظهر الحق له - استبقاء لما بينكم من مودة علىحسابالحق والعقيدة !
ونحن لا نريد ان نتوقف فقط على موضوع الشرك في العبادة بل نريد ان ننظر في اصل هذا الانحراف العقدي والذي يتمثل في المرض النفسي الخطير "تقديم المصلحة على الحق" و "تقديم الهوى على الواجب" فنجد انه اصل لكثير من ممارساتنا الخاطئة في شتى الميادين خاصة في عملنا السياسي والاجتماعي.
2- تقديم الوسيلة على الهدف
دعونا نسأل انفسنا: كيف بدأت عبادة الاوثان؟ سنجد عندها انها بدأت بالتدرج.. كان هناك اشخاص صالحون، فطرح البعض اقامة تماثيل لهم ليتذكروهم و بدأوا بتعظيمهم وشيئا فشيئا تحول التعظيم الى تقديس فاصبحت هذه التماثيل وسائل تقرب الى الله. ومن ثم تحول التقديس الى عبادة أنستهم الإله الحقيقي. كما يبين هذا قوله تعالى: ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار.
واسقاط هذه الاية على واقعنا المعاصر يشير الى التشويه الفكري الخطير المتمثل في تقديم الوسيلة على الهدف. وهذا ان كان في الثانويات لربما تجاوزنا عنه ولكن ان وقع في الاساسيات فكيف نتجاوز عنه؟؟؟ الا يصبح هذا التفضيل عندها خروجا عن الدين كما شكلت عبادة الاصنام خروجا عن الدين. مثال: النهضة الاسلامية او حماية الجماعة المسلمة هي هدف ديني مشروع ولكن في الوقت نفسه هذا الهدف هو وسيلة لغاية اكبر الا وهي عبادة الله وتوحيده. فكيف تقوم بعض الفئات التي تدعي رغبتها في حماية المسلمين من خصوم محليين او دول عربية اخرى بموالاة الكافر الاصلي وعدو المسلمين الاول لذي ثبت كفره وعداوته للاسلام بما لا يقطع الشك؟ وكيف نبرر سيرنا على خطاهم واتباع سننهم خاصة السيء منها ومدحنا لهم ومودتنا العظيمة لهم؟
3- الانغرار بالماديات على حساب الغيبيات
لقد وصف رب العالمين المؤمنين بانهم الذين يؤمنون بالغيب في مطلع سورة البقرة. "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمؤمنين الذين يؤمنون بالغيب ومما رزقناهم ينفقون". ومن طبيعة الانسان انه ينسى ويتاثر بالواقع المشهود والملموس اكثر من الغيب، وهذا ما حصل مع المشركين الذين فضلوا عبادة الاصنام لأنها ملموسة امامهم بالحواس على عبادة الله الخالق الذي لا تدركه الابصار. وما حصل مع الوثنيين حصل مع اليهود ايضا .. فاليهود قوم ماديون بامتياز.. لم يستطيعوا تقبل فكرة اله غير منظور.. كانوا يريدون الها يلمسونه ويرونه امامهم.. فلما رأوا قوما يعبدون الاصنام وراوا انهم متحدون حولهم .. اعجبوا بشكلهم .. وربما اعجبوا بلباسهم وتنظيمهم.. فقالوا لم لا نكون مثلهم؟؟ وفي الاسقاط على الواقع المعاصر نجد ان الناس ينسون من هو الرازق الحقيقي ومن هو المحيي والمميت والقوي العزيز "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا". فيلتحقوا باركان القوة المادية المتمثلة بقوى الطغيان ليحصلوا منهم على القوة والمنعة والعزة الزائفة.
4-تفضيل الاحكام الوضعية على حكم الله

إنالمعنى الأول للدين هو الدينونة - أي الخضوع والاستسلام والاتباع - وهذايتجليفي اتباع الشرائع كما يتجلي في تقديم الشعائر. يقول الحق سبحانه وتعالى : "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون"
وهذه الآية فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. عن عدي بن حاتم - رضي اللّه عنه -قال:أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهمأرباباًمن دون اللّه فقال:" أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم , ولكنهم كانوا إذا أحلوالهمشيئاً استحلوه . وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه " .
والقراءة المعاصرة تقول: كم من يدعي الايمان بالله ويقدم الوطنية او القومية عليه. ومنهم من يتفاخر بقوله "انا عربي اولا مسلم ثانيا" وفي الحقيقة هو عربي اولا واخيرا وليس مسلما ولا من يحزنون.
5- المنطق الطفولي: ظاهرة تقليد العدو
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون (الاعراف 138) إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون
في هذه الآية قد نفهم ان رب العالمن يذم اليهود لانهم ارادوا عبادة الاوثان وهذا صحيح ولا ريب فيه واكن الاهم من ذلك ان نرى ان ما ينتقده القرآن في الحقيقة هو اعمق من هذا. انه ينتقد المنطق الطفولي الذي يحرك بعض الناس بتقليدهم لمن هو - بنظرهم- اعلى منهم. انها نفسية المنهزم الذي لا يرى في الاسلام أي عزة بل يرى العزة في الثروة والجاه. " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" .. وفي واقعنا المعاصر نجد ان كثبرا من المسلمين ينظر الى طوائف وفرق تقدس زعمائها او تطيعهم طاعة عمياء فيغار منهم ويطلب منا انا نطيع من تولى زعامتنا مثلهم حتى لو لم يكن يمثل ديننا الحنيف. ولسان حاله يقول " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" والادهى من ذلك اننا تعادي احزابا معينة في بلد ما لتهمة التعاون مع الاجنبي فبدل ان نتجنب فعلهم اذا بنا نطبق ما يفعلونه هناك خطوة خطوة كردة فعل انتقامية...
6- تفضيل الادنى على ما هو خير منه:
يلوم القرآن الكريم اليهود لانهم فضلوا الذي هو ادنى على الذي هو افضل.. " وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" ونحن كذلك.. نترك ديننا وعليائنا من اجل شعارات دنيوية فاسدة وفي هذا خطأ منهجي عظيم وتشوه فكري واضح..
7- السطحية وغسيل الادمغة
اراد اليهود الها ماديا يعبدونه... ولانهم يحبون المال سبكوه من الذهب والفضة.. واعجبهم خواره كلما هبت الريح..وفي واقعنا المعاصر نجد ان زعماءنا يشتروننا بالذهب والفضة.. ونحن نعجب بخوارهم (أي تصريحاتهم الجوفاء ) في وسائل اعلامهم التي لا تحترم ديننا ولا عقلنا... لا بل نتفاخر بيننا بمقدار المكر الذي يمتلكه هؤلاء ومقدار قدرتهم على التقلب والدهاء. وهذا مخطط صهيوني واضح تحدث عنه كتاب بروتوكولات حكماء صهيون: ان السياسي إذا خدع الجماهير ثم عرفت خديعته لم تحتقره ولم تضره، بل تقابل خداعه لها بالدهشة، معجبة ببراعته في أنه خدعها فإذا قيل لها: انه غشاش. قالت: ولكنه بارع، واذا قيل: انه دجال قذر، قالت: ولكنه شجاع.. فهي كالنساء تمنح اعجابها لمن لا يستحقه متى أذهلها وأخضعها، وتغالط نفسها بغفلتها.. وهذا السر من أدق أصول السياسة.

منال
03-19-2008, 05:57 PM
أين التكملة؟

وجزاك الله خيرا لا زلت أقرأ بالمشاركة الثانية

عزام
03-19-2008, 10:37 PM
بارك الله فيك اخت منال
ها انا اتابع معك.. انا بحاجة دائما للتذكير لكثرة المواضيع التي ادخل فيها
عزام

التشوهات الفكرية من خلال القرآن الكريم
كما وعدنا في مقالات سابقة سنحاول استخلاص جذور التشوهات الفكرية من خلال آيات القرآن الكريم والآيات التي سنتعرض لها اليوم تنطبق على علاقتنا مع الغرب وعلاقتنا مع سائر الفرق الاسلامية.
1- تغليب المصلحة على العقيدة
الاية الاولى التي سنتفكر فيها هي قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا".
1- هذه الآية تتكلم عن ظاهرة لامنطقية و مع ذلك مألوفة جدا.. نحن المسلمين كنا اقرب الى بني اسرائيل من المشركين عقديا ومع ذلك فقد اختار اليهود التحالف مع المشركين ضدنا.. ليس هذا فحسب بل لقد رأوا سواء عن قناعة منهم او عن هوى منهم بأن عقيدة المشركين افضل من عقيدتنا. لقد اعماهم الحقد عن رؤية الحق فبالغوا في تصوير الفروقات بيننا وبينهم واوصلوها الى حد تفضيل عقيدة المشركين على عقيدتنا.
2- تعود هذه الظاهرة لتتكرر مع الحقد الصليبي ضدنا على مر الزمن. وقد ابدع الشيخ الغزالي في الاشارة لهذه الظاهرة. ان معظم الحروب ضدنا كانت صليبية حتى حرب التتار.. لقد حرض الصليبيون التتار علينا عبر زوجة هولاكو المسيحية وعبر قائده كتبغا المسيحي ايضا وذلك لعدة اسباب منها ان يصرفوا التتار عن محاربتهم في اوروبا لكن اهمها بلا ريب هي روح الحقد الاعمى ضد كل ما هو مسلم.. الغربيون اليوم يتهموننا بالارهاب وينسون انهم في تاريخهم حافل بالمجازر ضد المسلمين.. من دخول الروم جزيرة العرب ايام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الى الحروب الصليبية الى الحملات الغربية ضد مصر وصولا الى الانتداب والحروب الاميركية المعاصرة. وما يهمنا في الموضوع هو ان النصارى ومع انهم اضطهدوا اليهود كثيرا في ازمان عديدة فقد تحالفوا معهم في ايامنا المعاصرة. حالفوا اليهود ضدنا مع اننا اقرب اليهم منهم فنحن نعتبر عيسى عليه السلام نبيا وهم يعترونه ابن زنا والعياذ بالله.. وليتهم احبوهم فقط وساعدوهم فقط لمصلحة ما بل غيروا من عقائدهم وبرأوهم من دم المسيح واعتبروهم بمثابة الاخ الاكبر لهم. في حين كان موقفهم مع الاسلام وهو الدين الاقرب لهم والذي جاء مصدقا لما في اناجيلهم فلم يكن الا بحد السيف .. فقد كانت اهدافهم دوما ان يضيقوا علينا ويحاربونا وينتزعوا ديننا منا.
3- وهذا لا يعني ان هذه الآيات لا تنطبق علينا نحن ايضا.. فنحن ايضا نتقاتل فيما بيننا.. واذا بحثت على الانترنت قد تجد عشرات المواقع الاسلامية التي تتحدث عن الخلاف الاسلامي النصراني.. ولكنك ستجد الالاف منها حتما قد غرقت حتى الصميم في الجدال وشن الحروب على الفرق الاسلامية المناوئة. ولو كان الحوار بالحسنى لما كان لنا ان نعترض ولكن ان تصل الامور الى التكفير والشتائم و الدعاء بالاستئصال على بعضنا البعض فهذا امر غير مقبول. قد يكون لدى بعض الفرق المذكورة اخطاء عقدية فادحة تستدعي التبيين والتوضيح لكني اعود فاقيس الامور بمقياس القرآن الكريم فأرى ان رب العالمين حدد عامل العقيدة كاساس لعامل القربي بيننا وبين غيرنا من الفرق .. فالفرق الاسلامية هي اقرب لبعضها البعض من غير المسلمين مهما كات اخطاؤها فادحة طالما شهدت باركان الايمان الخمس وطبقت اركان الاسلام الخمس...
2- تزييف الحقائق
ان اردنا ان ننظر الى اكبر مزيف حقائق في القرآن فلا ريب انه فرعون. وخلافا لما يظنه البعض فان فرعون لم يكن دكتاتورا مثل ستالين وهتلر بل كان دمقراطيا ولكن على طريقة فرعون هذا الزمان جورج بوش. وسنترك هذا التحليل لمقال آخر.. لكن يعنينا الآن ان نقرأ قراءة معاصرة موقف فرعون من طلب موسى عليه السلام منه ان يرسل معه بني اسرائيل. قال موسى عليه السلام: "قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل" فأجاب فرعون بصفاقة "أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى". لم نفهم حتى الآن ما علاقة سؤال موسى عليه السلام بهذا الجواب اللامنطقي.
وما اشبه الامس باليوم.. نحن نريد حقنا بارض فلسطين فيأتي الغرب ليقول: انتم ارهابيون تريدون ان تطردوا الاسرائيليين من بيوتهم".. أي بيوت تلك وهم من احتلها؟؟ وهل مكتوب على الضحية ان تتقبل ان تذبح وهي صامتة؟ فاذ انتفضت ورفضت ان تذبح وينكل بها اتهمت بأنها هي المعتدية؟ ولماذا تغض الشرعية الدولية عينيها عن الاعتداءات على اراض المسلمين من قبل الروس والهندوس والصرب والاميركيين والاسرائليين حتى اذا قام هؤلاء بالمقاومة اعتبروا ارهابيين؟ أي عدالة هذه واي منطق هذا؟

منى المسلمة
03-20-2008, 11:12 AM
بارككم الله...وجزاكم خيرا...
لفتات مهمة...ومفيدة...

عزام
03-21-2008, 04:06 PM
بارك الله فيك اخت منى
نتابع
عزام

تحويل القبلة درس في تخليص النفس من العصبية القومية

قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلى نحو بيت المقدس ستة عشر وسبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يحب أن يوجَّه إلى الكعبة،، وفي هذاالظرف انطلقت ألسنة اليهود وأشبعت المسلمين هزءً وسخرية، وزعمت بأن النبي ، صلىالله عليه وسلم، قد وجه أتباعه بالانتقال إلى قبلة أهل الكتاب في القدس، و قالواكيف ينتقد محمد ديننا و هو يتوجه فى صلاته إلى قبلتنا؟ وشق ذلك على المسلمين الذينظلوا يعظمون البيت الحرام في مكة حتى في الجاهلية ويجعلونه محط مجدهم القومي، وظلالنبي، صلى الله عليه وسلم، يقلب وجهه في السماء من غير أن يسأل الله تعالى أويستفسر حياءً وتعظيماً لأمر الله عز وجل. وظل كذلك حتى نزل قول الله تعالى يأمرالمسلمين بالتوجه في صلاتهم من جديد إلى البيت الحرام: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره
ووراء ذلك كان امتحانٌ إلهيٌ و تطهيرٌ وصقلٌلنفسية المسلم وتخليصها من أوشاب العصبية القومية حتى تعتصم بمحض التوحيد ، وكمايقول في أجمل بيان صاحب ( الظلال ) : " ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله ،وتجريدها من التعلق بغيره ، وتخليصها من كل نعرة ، وكل عصبية لغير المنهج الإسلاميالمرتبط بالله مباشرةً ، مجرداً من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية علىالعموم ، فقد نزعهم نزعاً من الاتجاه إلى البيت الحرام ، واختار لهم الاتجاه - فترة - إلى المسجد الأقصى ، ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية ، ومن كل ما كانت تتعلق بهفي الجاهلية وليظهر من يتبع الرسول اتباعاً مجرداً من أي إيحاء آخر ، اتباع الطاعةالواثقة الراضية المستسلمة ، ممن ينقلب على عقبيه اعتزازاً بنعرةٍ جاهلية تتعلقبالجنس ، والقوم ، والأرض ، والتاريخ ، أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحناياالضمير أي تلبس من قريب أو بعيد " . هذا ما كان من أمر التوجه إلى الكعبة ".
فائدة
في تفسير قوله تعالى "لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" اقوال للمفسرين يذكرونها كي لا يفهم فاهم ان لله علما حادثا وهو جل جلاله لم يزل عالما فيقولون فيها:
1- أي لنعلم كائنا او موجودا ما قد علمناه ان يكون ويوجد. فالله تعالى عالم ازلا بكل ما اراد وجوده انه يوجد. في الوقت الذي شاء وجوده فيه.
2- او ليميز التابع من الناكص فوضع العلم موضع التمييز, لأن العلم يقع به التمييز.
3- او ليعلم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ذلك. وانما اسند علمهم الى ذاته لأنهم خواصه مثل قوله تعالى في سورة الفتح "ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله" وهو على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم كقولك لمن ينكر ذوب الذهب "فلنلقه في النار لنعلم ايذوب؟" وهو يعلم انه يذوب.
4-او المراد به الجزاء: أي لنجازي الطائع والعاصي وكثيرا ما يرمز للتهديد في القرآن بالعلم.

منال
05-14-2008, 11:13 AM
أظن جميع نقاط الموضوع مهمة فى وقتنا الراهن

بانتظار التكملة بارك الله بحضرتك

عزام
06-07-2008, 04:02 PM
الحكمة من تحريم الربا
الشعراوي
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس (274) ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (275) يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (276) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (277) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279) وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (280)
الاقتصاد والمال و الربا
نسمع تعابير ازدحام السكان أو الانفجار السكاني، بينما توجد اماكن تتطلب خلقا ويوجد خلق يبحث عن أماكن، فلماذا هذا الاختلال؟ هذا الاختلال ناشىء من أن السلوك البشري غير منطقى فى هذا الكون. والكون الذى نعيش فيه ، فيه إرتقاءات عقلية شتى، وطموحات ابتكارية صعدت إلى الكواكب، وتغزو الفضاء، ووجدت فى كل بيت آلات الترفيه، أما كان المنطق يقتضى أن يعيش العالم سعيدا مستريحا؟ نحن نجد أغنى بلاد العالم هى التى يعاني الناس فيها القلق، وهى التى تمتلىء بالاضطراب وهى التى ينتشر فيها الشذوذ، وهى التى تشكو من ارتفاع نسبة الجنون بين سكانها إذن فالعالم ليس منطقيا. وهذا التخبط يؤكد ما يقوله الحق : "إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" إنها حركة هستيربة فى الكون تدل على أنه كون غير مستريح، كون غير منسجم مع طموحاته وابتكاراته. أما كان على هذا الكون بعقلائه أن يبحثوا عن السبب فى هذا، وأن يعرفوا لماذا نشقى كل هذا الشقاء وعندنا هذه الطموحات الابتكارية. كان يجب أن يبحثوا، فالمصيبة عامة، لا تعم الدول المتخلفة أو النامية فقط، بل هى أيضا فى الدول المتقدمة، كان يجب أن يعقد المفكرون المؤتمرات ليبحثوا هذه المسالة، فإذا ما كانت المسألة عامة تضم كل البلاد متقدمها ومتأخرها وجب أن نبحث عن سبب مشترك.
الأرزاق التى توجد فى الكون تنقسم إلى قسمين : رزق ننتفع به مباشرة، ورزق هو سبب لما أنتفع به مباشرة. أنا آكل رغيف الخبز، هذا اسمه رزق مباشر ، واشرب كوب الماء ، وهو رزق مباشر ، واكتسي بالثوب وذلك أيضا رزق مباشر، وأسكن فى البيت وهذا رابع رزق مباشر، وأنير المصباح رزق مباشر . ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغنى عن الرزق المباشر. فإذا كان عندى جبل من ذهب وأنا جوعان، ماذا أفعل به ؟ إذن فرغيف الخبز أحسن منه ، هذا رزق مباشر ، فالنقود أو الذهب لتشترى بها هذا وهذا ، لكن لايغنينى عن هذا وهذا. وقد جاء وقت أصبح الناس يرون فيه المال هوكل شيء حتى صار هدفا وتعلق الناس به. و الحق أن المال ليس غاية، ولا ينفع أن يكون غاية بل هو وسيلة. فإن فقد وسيلته وأصبح غاية فلابد من أن يفسد الكون. فعلة فساد الكون كله فى القدر المشترك الذى هو المال، حيث أصبح المال غاية ولم يعد وسيلة. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطهر حياة الأقتصاد للناس طهارة تضمن حل ما يطعمون ، وما يشربون ، وما يكتسون ، حتى تصدر أعمالهم عن خليات إيمانية طاهرة مصفاة ذلك أن الشىء الذى يصدر عن خلية إيمانية طاهرة مصفاة لا يمكن أن ينشا عنه إلا الخير.
ومن العجيب أن نجد القوم الذين صدروا لنا النظام الربوى يحاولون الأن جاهدين أن يتخلصوا منه ، لا لأنهم ينظرون إلى هذا التخلص على أنه طهارة دينية ، ولكن لأنهم يرون أن كل شرور الحياة ناشئة عن هذا الربا. وليست هذه الصيحة حديثة عهد بنا ، فقديما قام رجل الاقتصاد العالى " شاخت " في لمانيا وقد رأى اختلال النظام فيها وفى العالم ، فوضع تقريره بان الفساد كله ناشىء من النظام الربوى، وأن هذا النظام يضمن للغنى أن يزيد غنى ، ومادام هذا النظام قد ضمن للغنى أن يزيد غنى ، فممن يزداد غنى؟ لاشك انه يزداد غنى من الفقير. إذن فستؤول المسألة إلى أن المال سيصبح فى يد أقلية فى الكون تتحكم فى مصائره كلها ولاسيما المصائر الخلقية . لماذا؟ لأن الذين يحبون أن يستثمروا المال لا ينظرون إلا إلى النفعية المالية ، فهم يديرون المشروعات التى تحقق لهم تلك النفعية. و هناك رجل اقتصاد آخرهو "كينز" إالذي يتزعم فكرة " الاقتصاد الحر" فى العالم يقول قولته المشهورة : إن المال لايؤدى وظيفته فى الحياة إلا إذا انخفضت الفائدة إلى درجة الصفر . ومعنى ذلك أنه لا ربا .
وإذا ما نظرنا إلى عملية عقد الربا فى ذاتها وجدناها عقدا باطلا لأن كل عقد من العقود إنما يوجد لحماية الطرفين المتعاقدين ، وعقد الربا لا يحمى إلا الطرف الدائن فقط ، وهناك أمر خلقى آخر وهو أن الإنسان لا يعطى ربا إلا إذا كان عنده فائض زائد على حاجته. ولا ياخذ إنسان من المرابى إلا إذا كان محتاجا . فانظروا إلى النكسة الخلقية فى الكون . إن المعدم الفقير الذى لا يجد ما يسد جوعه وحاجته يضطر إلى الاستدانة ، وهذا الفقير المعدم هو الذى يتكفل بان يعطى الأصل والزائد إلى الغنى غير المحتاج. إنها نكسة خلقية توجد فى المجتمع ضغنا، وتوجد فى المجتمع حقدا ، وتقضي على بقية المعروف وقيمته بين الناس ، وتنعدم المودة فى المجتمع . فإذا ما رأى إنسان فقير إنسانا غنيا عنده المال ، ويشترط الغنى على الفقير المعدم أن يعطيه ما ياخذه وأن يزيد عليه ، فعلى أية حال ستكون مشاعر وأحاسيس الفقير؟ كان يكفى الغنى أن يعطى الفقير ، وأن يسترد الغنى بعد ذلك ما أخذه الفقير ، ولكن الغنى المرابى يطلب من الفقير أن يسدد ما أخذه ويزيد عليه .
الجدال في الربا
تعلل البعض بالآية "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون" ويقولون: إن النص القرآني إنما يتكلم عن الربا فى الأضعاف المضاعفة، فإذا ما منعنا القيد فى الأضعاف المضاعفة لايكون حراما!! فيأتي الجواب "وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم". إن هذا القول الحكيم لم يجىء إلا ليبين الواقع الذى كانوا يعيشونه، ولم يستثن الله ضعفا أو أضعافا لأن الحق جعل التوبة تبدأ من أن ياخذ الإنسان رأس ماله فقط.
2- وكانوا يتعللون أن اتفاق الطرفين على أى أمر يعتبر تراضيا ويعتبر عقدا . قد يكون ذلك صحيحا إن لم يكن هناك مشرع أعلى من كل الخلق يسيطر على هذا التراض . فهل كلما تراض الطرفان على شىء يصير حلالا؟ لو كان الأمر كذلك لكان الزنا حلالا. لأنهما طرفان قد تراضيا . إن الله قد فرض أمرا يقضى على التراضى بينى وبينك لأنه هو المسيطر، و الذى حكم فى الأمر، فلا تراض بيننا فيما يخالف ما شرع الله أو حكم فيه وإذا نظرنا نظرة أخرى فإننا نجد أن التراضى الذى يدعونه مردود عليه. تراض باطل بالفحص الدقيق والبحث المنطقى لماذا ؟ لأننا نقول إن التراضي انما ينشا بين اثنين لا يتعدى أمر ما تراضيا عليه إلى غيرهما ، أما إذا كان الأمر تعدى من تراضيا عليه إلى غيرهما فالتراض باطل.
فهب أن واحدا لا يملك شيئا ، وواحدا آخر يملك ألفا ، والذى يملك ألفا هي ملكه ، وأدار بها عملا من الأعمال ، وحين يدير صاحب الألف عملا فالمطلوب له أجر عمله ليعيش من هذا الأجر . أما الذى لا يملك شيئا إذا ما أراد أن يعمل مثلما عمل صاحب الألف، فذهب إلى إنسان وأخذ منه ألفا ليعمل عملا كعمل صاحب الألف ، فيشترط من يعطيه هذه الألف من الأموال أن يزيده مائة حين السداد فيكون المطلوب من الذى اقترض هذه الألف أجر عمله كصاحب الألف الأول - ومطلوب منه أيضا أن يزيد على أجره تلك المائة المطلوبة لمن أقرضه بالربا فمن أين يأتي من اقترض ألفا بهذه المائة الزائدة ؟ إن سلعته لو كانت تساوى سلعة الآخر فإنه يخسر وإن كانت سلعته أقل من سلعة الاخر فإنها تكسد وتبور. إذن فلابد له من الاحتيال النكد ، وهذا الاحتيال هو أن يخلع على سلعته وصفا شكليا يساوى به سلعة الاخر ، ويعمد إلى إنقاص الجواهر الفعالة فى صنعة سلعته ، فيسحب منها ما يوازى المائة المطلوب سدادها للمرابى . فمن الذى سيدفع ذلك ؟ إنه المستهلك.
إذن فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يشيع فى الناس الرحمة والمودة . وأن يشيع فى الناس التعاطف . إنه الحق - سبحانه - صاحب كل النعمة أراد أن يشيع فى الناس أن يعرف كل صاحب نعمة فى الدنيا أنه يجب عليه أن تكون نعمته متعدية إلى غيره ، فإن رآها المحروم علم أنه مستفيد منها ، فإذا كان مستفيدا منها فإنه لن ينظر إليها بحقد، ولا أن ينظر إليها بحسد، ولايتمنى أن تزول لأن أمرها عائد إليه. ولكن إذا كان السائد هو أن يريد صاحب النعمة فى الدنيا أن يأخذ بالاستحواذ على كل عائد نعمته ، ولا يراعى حق الله فى مهمة النعمة ، ولا تتعدى هذه النعمة إلى غيره ، فالمحروم عندما يرى ذلك يتمنى أن تزول النعمة عن صاحبها وينظر إليها بحسد. ويشيع الحقد ومعه الضغينة ، ويجد الفساد فرصة كاملة للشيوع فى المجتمع كله.
الربا و الزكاة
يريد سبحانه أن يقول : إياكم أن يخدعكم الربا بلفظه ، فالألفاظ تخدع البشر لأنكم سميتموه "ربا" لما ؟ بالسطحية الناظرة : لأن الربا هو الزيادة ، والزكاة تنقص ، فالمائة فى الربا تكون مائة وعشرة مثلا حسب سعر الفائدة ، وفى الزكاة تصبح المائة 97.5 ، فى الأموال وعروض التجارة وتختلف عن ذلك فى الزروع وغيرها. وفى ظاهر الأمر أن الربا زاد ، والزكاة أنقصت ، ولكن هذا النقصان و الزيادة هى فى اصطلاحاتكم وفى أعرافكم . والحق سبحانه وتعالى يمحق الزائد ، وينقى الناقص فهو سبحانه يقول :
يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (276)
وكلمة " يمحق " من " محق" ، أى ضاع حالا بعد حال ، أى لم يضع فجأة ، ولكن تسلل فى الضياع بدون شعور ، ومنه " المحاق" أى الذهاب للهلال . " ويمحق الله الربا " أى يجعله زاهيا أمام صاحبه ثم يتسلل إليه الخراب من حيث لا يشعر . ولعلنا إن دققنا النظر فى البيئات المحيطة بنا وجدنا مصداق ذلك . فكم من أناس رابوا ، ورأيناهم ، وعرفناهم ، وبعد ذلك عرفنا كيف انتهت حياتهم . " يمحق الله و الربا ويربي الصدقات" ويقول فى آية اخرى : وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله فإياكم أن تعتقدوا أنكم تخدعون الله بذلك . . ما هو المقابل ؟ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون
كل "يا أيها الذين امنوا" فى القرآن هى حيثية كل حكم ياتي بعدها ، وأنت تفعل مايامرك به الله ، لان سألك أحد : وقال لك : لماذا فعلت هذا الأمر؟ فقل له فعلته لأننى مؤمن ، والذى أمرني به هو الذى آمنت بحكمته وقدرته . وأنت لا تدخل فى متاهة علل الأحكام ، لإنك آمنت بان الله إله حكيم قادر ، أنزل لك تلك التكاليف ، واياك أن تدخل فى متاهة علة الأحكام ، لماذا ؟ لأن هناك أشياء قد تغيب علتها عنك ، أكنت تؤجلها إلى أن تعرف العلة؟. أكنا نؤجل تحريم لحم الخنزير إلى أن يثبت حاليا بالتحليل أنه ضار ؟ لا ، إذا كان قد ثبت حاليا بالتحليل أنه ضار فنحن نزداد ثقة فى كل حكم كلفنا الله به ولم نهتد إلى علته.
ويتابع الحق : " وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين " ، و" ذروا " أى اتركوا ، ودعوا ، وتناسوا ، واطلبوا الخير من الله فيما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين حقا بالله.
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون . فى هذه الآية قضية كونية يتغافل عنها كثير من الناس . لقد جاء نظام ليحمى طائفة من ظلم طائفة ، ولم يات هذا النظام إلا بعد أن وجدت طائفة المرابين الذين ظلموا طائفة الفقراء المستضعفين. وحسب هؤلاء الستضعفين الذين استغلوا من المرابين أن ينصفهم القران وأن ينهى قضية الربا إنهاء يعطى الذين رابوا ما سلف لأنهم بنوا حياتهم على ذلك. و حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هى الأمر الظاهر . وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله ، وعليهم أن يكونوا حربا على كل ظاهرة من ظواهر الفساد فى الكون ليطهروا حياتهم من دنس الربا .وهكذا وضع الله نهاية لأسلوب التعامل ، حتى يتطهر المال من ذلك الربا ، فإذا قال الحق : " فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " فمعنى هذا أنه سبحانه يبين لنا بهذا القول أنه لاحق للمرابين فى ضعف ولا ضعفين ، ولافى أضعاف مضاعفة . وحينئذ " لا تظلمون " (بالكسر) من رابيتم ، بان تأخذوا منهم زائدا عن رأس المال.
ولكن ما موقع "ولاتظلمون" (بالضم) ومن الذى يظلمهم ؟ قد يظلمهم الضعيف الذى ظلم لهم سابقا ، ويأخذ منهم بعضا من رأس المال بدعوى أنهم طالما استغلوه فاخذوا منه قدرا زائدا على رأس المال . إن المشرع يريد أن يمنع الظالم السابق فينهى ظلمه ، وأن يسعف المظلوم اللاحق فيعطيه حقه. وكثير من النظريات التى تاتي لتقلب نظاما فى مجتمع ما تعمد إلى الطائفة التى ظلمت، فلاتكتفى بان تكفها عن الظلم ، ولكن تمكن للمظلوم أن يظلم من ظلمه، وذلك هو الإجحاف فى المجتمع ، وهذا ما يجب من ان يتنبه إليه الناس جيدا لأن الله الذى نصفك أيها المظلوم من ظالمك ، فمنع ظلمه لك ، يجب أن تحترم حكمه حينما قال : "فله ما سلف " وبهذا القول انتهت القضية . و بعد ذلك يأتي القرآن الكريم ليفتح باب جديدا من الامل للمظلومين فيقول لدائنيهم "صحيح ان رأس المال حقكم و لكن لا تأخذوه حالا بل تمهلوا الدين ان كان معسرا و ان اردتم ان تتساموا في الايمان فاعفوا لهم و تنازلوا حتى عن رؤوس اموالكم النبي حكم الله لكم بها الى المعسرين من مدينيكم" و ذلك في وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (280).

عزام
06-09-2008, 08:11 AM
مراعاة الاسلام للفطرة الانسانية

سيد قطب
"كتب عليكم القتال وهو كره لكم . وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ; وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم . والله يعلم وأنتم لا تعلمون"
إن القتال في سبيل الله فريضة شاقة . ولكنها فريضة واجبة الأداء . واجبة الأداء لأن فيها خيرا كثيرا للفرد المسلم , وللجماعة المسلمة , وللبشرية كلها . وللحق والخير والصلاح .
والإسلام يحسب حساب الفطرة ; فلا ينكر مشقة هذه الفريضة , ولا يهون من أمرها . ولا ينكر على النفس البشرية إحساسها الفطري بكراهيتها وثقلها . فالإسلام لا يماري في الفطرة , ولا يصادمها , ولا يحرم عليها المشاعر الفطرية التي ليس إلى إنكارها من سبيل . . ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر , ويسلط عليه نورا جديدا إنه يقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير كريه المذاق ; ولكن وراءه حكمة تهون مشقته , وتسيغ مرارته , وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنساني القصير . . عندئذ يفتح للنفس البشرية نافذة جديدة تطل منها على الأمر; ويكشف لها عن زاوية أخرى غير التي تراه منها. نافذة تهب منها ريح رخية عندما تحيط الكروب بالنفس وتشق عليها الأمور . . إنه من يدري فلعل وراء المكروه خيرا . ووراء المحبوب شرا . إن العليم بالغايات البعيدة , المطلع على العواقب المستورة , هو الذي يعلم وحده . حيث لا يعلم الناس شيئا من الحقيقة. وعندما تنسم تلك النسمة الرخية على النفس البشرية تهون المشقة , وتتفتح منافذ الرجاء , ويستروح القلب في الهاجرة , ويجنح إلى الطاعة والأداء في يقين وفي رضاء .
هكذا يواجه الإسلام الفطرة , لا منكرا عليها ما يطوف من المشاعر الطبيعية , ولا مريدا لها على الأمر الصعب بمجرد التكليف . ولكن مربيا لها على الطاعة , ومفسحا لها في الرجاء . لتبذل الذي هو أدنى في سبيل الذي هو خير ; ولترتفع على ذاتها متطوعة لا مجبرة , ولتحس بالعطف الإلهي الذي يعرف مواضع ضعفها , ويعترف بمشقة ما كتب عليها , ويعذرها ويقدرها ; ويحدو لها بالتسامي والتطلع والرجاء .
وهكذا يربي الإسلام الفطرة , فلا تمل التكليف , ولا تجزع عند الصدمة الأولى , ولا تخور عند المشقة البادية , ولا تخجل وتتهاوى عند انكشاف ضعفها أمام الشدة . ولكن تثبت وهي تعلم أن الله يعذرها ويمدها بعونه ويقويها . وتصمم على المضي في وجه المحنة , فقد يكمن فيها الخير بعد الضر , واليسر بعد العسر , والراحة الكبرى بعد الضنى والعناء . ولا تتهالك على ما تحب وتلتذ . فقد تكون الحسرة كامنة وراء المتعة ! وقد يكون المكروه مختبئا خلف المحبوب . وقد يكون الهلاك متربصا وراء المطمع البراق .
إنه منهج في التربية عجيب . منهج عميق بسيط . منهج يعرف طريقه إلى مسارب النفس الإنسانية وحناياها ودروبها الكثيرة . بالحق وبالصدق . لا بالإيحاء الكاذب , والتمويه الخادع . . فهو حق أن تكره النفس الإنسانية القاصرة الضعيفة أمرا ويكون فيه الخير كل الخير . وهو حق كذلك أن تحب النفس أمرا وتتهالك عليه . وفيه الشر كل الشر . وهو الحق كل الحق أن الله يعلم والناس لا يعلمون ! وماذا يعلم الناس من أمر العواقب ? وماذا يعلم الناس مما وراء الستر المسدل ? وماذا يعلم الناس من الحقائق التي لا تخضع للهوى والجهل والقصور ?!
إن هذه اللمسة الربانية للقلب البشري لتفتح أمامه عالما آخر غير العالم المحدود الذي تبصره عيناه . وتبرز أمامه عوامل أخرى تعمل في صميم الكون , وتقلب الأمور , وترتب العواقب على غير ما كان يظنه ويتمناه . وإنها لتتركه حين يستجيب لها طيعا في يد القدر , يعمل ويرجو ويطمع ويخاف , ولكن يرد الأمر كله لليد الحكيمة والعلم الشامل , وهو راض قرير . . إنه الدخول في السلم من بابه الواسع . . فما تستشعر النفس حقيقة السلام إلا حين تستيقن أن الخيرة فيما اختاره الله . وأن الخير في طاعة الله دون محاولة منها أن تجرب ربها وأن تطلب منه البرهان ! إن الإذعان الواثق والرجاء الهاديء والسعي المطمئن . . هي أبواب السلم الذي يدعو الله عباده الذين آمنوا ليدخلوا فيه كافة . . وهو يقودهم إليه بهذا المنهج العجيب العميق البسيط . في يسر وفي هوادة وفي رخاء . يقودهم بهذا المنهج إلى السلم حتى وهو يكلفهم فريضة القتال . فالسلم الحقيقي هو سلم الروح والضمير حتى في ساحة القتال .
وإن هذا الإيحاء الذي يحمله ذلك النص القرآني , لا يقف عند حد القتال , فالقتال ليس إلا مثلا لما تكرهه النفس , ويكون من ورائه الخير . . إن هذا الإيحاء ينطلق في حياة المؤمن كلها . ويلقي ظلاله على أحداث الحياة جميعها . . إن الإنسان لا يدري أين يكون الخير وأين يكون الشر . . لقد كان المؤمنون الذين خرجوا يوم بدر يطلبون عير قريش وتجارتها , ويرجون أن تكون الفئة التي وعدهم الله إياها هي فئة العير والتجارة . لا فئة الحامية المقاتلة من قريش . ولكن الله جعل القافلة تفلت , ولقاهم المقاتلة من قريش ! وكان النصر الذي دوى في الجزيرة العربية ورفع راية الإسلام . فأين تكون القافلة من هذا الخير الضخم الذي أراده الله للمسلمين ! وأين يكون اختيار المسلمين لأنفسهم من اختيار الله لهم ? والله يعلم والناس لا يعلمون !
ولقد نسي فتى موسى ما كانا قد أعداه لطعامهما - وهو الحوت - فتسرب في البحر عند الصخرة . (فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال:أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت , وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا . . قال:ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا . فوجدا عبدا من عبادنا . . .). . وكان هذا هو الذي خرج له موسى . ولو لم يقع حادث الحوت ما ارتدا . ولفاتهما ما خرجا لأجله في الرحلة كلها !
وكل إنسان - في تجاربه الخاصة - يستطيع حين يتأمل أن يجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائهاالخير العميم . ولذات كثيرة كان من ورائها الشر العظيم . وكم من مطلوب كاد الإنسان يذهب نفسه حسرات على فوته ; ثم تبين له بعد فترة أنه كان إنقاذا من الله أن فوت عليه هذا المطلوب في حينه . وكم من محنة تجرعها الإنسان لاهثا يكاد يتقطع لفظاعتها . ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشيء له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل. إن الإنسان لا يعلم . والله وحده يعلم . فماذا على الإنسان لو يستسلم
إن هذا هو المنهج التربوي الذي يأخذ القرآن به النفس البشرية . لتؤمن وتسلم وتستلم في أمر الغيب المخبوء , بعد أن تعمل ما تستطيع في محيط السعي المكشوف . .

عزام
06-10-2008, 12:58 PM
هذه مهداة للاخوة مقاوم وطرابلسي
عزام
طالوت وجالوت .. عبر ودروس
كثيراً ما تبتلى الأمم والشعوب بالهزائم وترك الديار وخسارة الأوطان والتشتت ومفارقة الأهل والولد والأحبة، ولا ريب في أن تلك الهزائم والنكبات لا تأتي من فراغ وإنما من خلال الأمراض الاجتماعية التي تعشش في النفوس والتي أوجدت القابلية للهزيمة مصداقاً لقوله تعالى \" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم \" ، وفي القرآن الكريم لقطة خاطفة عن مجتمع لديه الأسباب المادية للنصر وكان بإمكانه أن يصمد أمام الغزاة ولكن النفسية الخائرة المهزومة لأبنائه جعلته يترك دياره للغاصبين لقمة سائغة فاستحق الموت المعنوي والحقيقي في البلاد التي هاجر إليها عقوبة من الله على سوء فعلته ، يقول سبحانه \" ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم \" نلاحظ الاستهجان والاستغراب في فعلتهم من السؤال الإنكاري في قوله تعالى \" ألم تر ؟\" ..
والغرابة من وجوه : أولها أنهم خرجوا بإرادتهم واختيارهم ودون إجبار أو إكراه ، وثانيها أنهم خرجوا من ديارهم والأصل أن الديار والأوطان غالية عزيزة لا يغادرها أهلها بهذه السهولة ، ثم هم في ديارهم متحصنون بها أمام الغزاة ويعرفون مداخلها ومخارجها وأزقتها ، بينما عدوهم الذي يحذرون هجومه جاهل بكل ذلك ، ثم هم يخرجون من ديارهم الفسيحة المريحة التي لا يزاحمهم فيها أحد ولا يزاحمون فيها أحدا ، يعيشون فيها بكرامتهم . ولكنهم يتركونها إلى ديار مجهولة لا يعرفون ما ينتظرهم فيها وربما يضطرون إلى أن تجتمع عدة أسر قي بيت واحد أو خيمة واحدة أو مغارة أو تحت السماء ، ثم هم يزاحمون أهل الديار الجديدة في أرزاقهم فيصبحون محل نقمتهم واحتقارهم .
وثالثها أنهم خرجوا وهم ألوف فلو كانوا عشرات أو مئات لكان لهم بعض العذر ولكنهم آلاف لا بل ألوف وهي جمع كثرة حيث غادروا ديارهم وهم بعشرات الألوف أو بمئاتها . ومهما كان تعداد الجيوش الغازية فإنها تضيع في خضم أهل الديار فكيف يهربون وهم بهذا العدد الهائل ؟؟
والرابعة أنهم يخرجون حذر الموت فلم يكن خطر الموت والقتل ماثلاً أو واقعاً بهم ولا حتى متوقعاً بل هو الحذر والاحتياط من خطر قد يحل بهم ، فما بالهم يغلبّون الاحتمال الضعيف ويتجاهلون الاحتمال القوي وهو النصر ورد الغزاة خائبين إن هم واجهوهم ؟!
إن مجتمعاً تنحط فيه النفسيات والتفكير إلى هذا الحضيض لا يستحق الحياة ولا الكرامة ولا العزة ولذلك كانت العقوبة أن يموتوا ، لقد هربوا من الموت فلاقاهم ، ولو طلبوه لوهبهم الله الحياة ، هذا الموت قد يشمل الكوارث الطبيعية ومذابح أهل البلاد المضيفة وملاحقة الغزاة الغاصبين في البلاد الجديدة التي هاجروا إليها ، ويشمل الموت المعنوي بالذلة والاحتقار والاستهانة والاستهزاء بهم حيثما حلوا أو ارتحلوا جزاءاً وفاقاً ، وما ربك بظلام للعبيد . ولكن رحمة الله واسعة وفضله عظيم فهو سبحانه يعيدهم إلى رشدهم ، ويهديهم سبيل النصر والعودة ، ويدلهم إلى طريق الحياة .. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فهذه الشعوب تكون مبتلاة بقيادات وزعامات تقودها إلى الضلال والهزائم والنكبات وتستمر في الزعامة على الرغم مما سببته من هزائم ، وفي أجواء الهزيمة تنشأ قيادات أخرى تستفيد من الوضع الجديد ، ويرعاها العدو المنتصر ويمكن لها أسباب القبول لدى أبناء شعبها .

ثلاثة مطالب

وفي سورة البقرة وبعد آيات قلائل من الآية التي تتحدث عن مشهد الخروج نرى نموذجاً لزعامات نشأت وقادت وتزعمت في الظلام وفي غفلة من الشعب حتى كان ذات يوم جاء نفر من هؤلاء القادة إلى نبي لهم يتقدمون بطلبات ثلاثة : قال تعالى : \"ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وابنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين \" .
في هذه الآية يأتي الملأ _ وهم القيادات والأشراف _وسموا بالملأ لأنهم يملأون عيون الناس لمكانتهم ومالهم _ يأتي هؤلاء إلى النبي طالبين منه أن يعين لهم ملكاً يجمع شملهم ويوحد شتاتهم ذلك لأن الشعوب المهزومة يكون لها قيادات كثيرة ، والطلب الثاني أن يقودهم هذا الملك للقتال ، وحددوا نوع القتال في طلبهم الثالث بأنه في\" سبيل الله\" .

وجه الغرابة

والحق أن صدور هذه المطالب الثلاثة من مثل هذه الزعامات أمر مستغرب بل مستهجن ويدعو إلى الشك والريبة ، فلقد عهد الناس في زعماء الهزيمة أنهم لا يحبون الوحدة لأنها تكلفهم التنازل عن كراسيهم .. ولا يحبون القتال لأنه يكلفهم حياتهم وبالتالي فهم دعاة الصلح والسلام ، وابغض شئ لديهم رفع راية \" في سبيل الله \" ولذلك فهم يفضلون عليها كل الرايات الوضيعة من شرقية وغربية .. إضافة إلى أنهم يريدون أن يكونوا أصناماً معبودة لا أناساً عاديين . وهنا يثور التساؤل مرة أخرى : لماذا توجهوا إلى النبي يطلبون هذه المطالب وهم كاذبون ؟! بدليل أنهم بمجرد أن كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم ، وبمجرد أن عين طالوت ملكاً عليهم وقائداً عاماً للجيش رفضوا إمرته واعترضوا عليه مما يعني أن يرفضون الوحدة التي جاءوا يطالبون بها ، وكذلك فإن رفضهم لطالوت الذي اختاره الله واصطفاه عليهم يدل على أنهم غير صادقين في رفعهم راية \" في سبيل الله \" وقد بين لهم نبيهم ذلك \" إن الله قد بعث لكم طالوت \" فهو اختيار الله ، فما حقيقة الأمر يا ترى ؟

الوحدة

إن الشعوب لا تظل مستغفلة عمياء ابد الدهر ولكنها تصحو من نومها وتفيق من سباتها وتدرك أن سببا رئيسياً من أسباب الهزيمة هو التفرق والتمزق ولذلك تسعى للوحدة ، ولكن هذه الشعوب تحس بأن القيادات المتسلطة هي سبب تفرقها فتتمنى الجماهير لو تزيلهم أو يتحدوا ، وها هنا يخشى الزعماء على أنفسهم فيجتمعون ويشكلون هياكل ومنظمات وحدوية هشة ليضحكوا بها على ذقون الشعوب وتكون بمثابة \" اللهاية\" التي تسكتهم عن المطالبة بالوحدة الحقيقية .. ولدينا العديد من الأمثلة والنماذج كالجامعة العربية ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي …وربما سارع هؤلاء الزعماء أنفسهم إلى تقويض الوحدة الهشة التي صنعوها بأيديهم كي تيأس الجماهير ولا تعود تطالب بالوحدة ، ثم تسري في الناس مقالة \" اتفق العرب على ألا يتفقوا \" .

لماذا القتال ؟

هذا عن الوحدة ولماذا يطالبون بها .. فلماذا يا ترى يطالبون بالقتال ؟؟
إن الشعوب التي بدأت تفيق وتصحو من سباتها تدرك أن هزيمتها كانت لأنها لم تدخل معارك حقيقية أو أنها حاربت بدون تخطيط واستكمال للعدة ، ونتيجة لتآمر زعمائها عليها ، وبالتالي فالقيادات تطالب بأن تخوض ميدان الوغى مدفوعة بحماس الجماهير حتى لا تتهم بالجبن والخيانة ، وربما كانوا يظنون بأن القتال لن يحصل فلا بأس من المزايدة .
أو فليخوضوا الحروب ليكبروا في أعين الناس لأن الذي يقاتل يكسب احترامهم وثقتهم وتصبح له مكانة في قلوبهم .. مع أن هذه القيادات لم تشترك فعلياً في القتال بل زجوا الشعوب بها ، وبالتالي تظل القيادات على كراسيها .
وهم حين يخوضون الحروب فإنهم يخوضونها دون إعداد ولا تخطيط ، بل هم يتآمرون على مزيد من بيع الأوطان وجعل جنودهم وجيوشهم بين قتيل وأسير وجريح أمام الأعداء الذين يتسلمون اغلب الأسلحة والمعدات غنيمة باردة ، وتتحطم معنويات الشعوب وتصاب باليأس والإحباط فيقنعها الزعماء عن طريق وسائل إعلامهم بأن لا طاقة لهم بقتال الأعداء حتى يجدوا سبيلاً للتفاوض والاستسلام .
وبرغم ذلك فإن الشعوب لا تموت _ وبخاصة إذا كانت مؤمنة _ وبالتالي فهي لا تتوقف عن المطالبة بقتال الغاصبين ، وهنا يخوض الحكام بالشعوب المتحمسة المعبأة حروباً جديدة ، يحققون فيها انتصارات تكتيكية صغيرة ليكبروا في أعين الجماهير وتكون هذه الانتصارات الوهمية جسراً ومعبراً لمفاوضة الأعداء ووقف القتال وإسكات الجماهير عن المطالبة بكامل الحقوق المسلوبة والأوطان المضيعة … وينادي واحدهم فيقول انه بطل العبور .. وهو اليوم أيضاً بطل السلام .
لقد خاض بنا زعماؤنا معارك 48 و 67 ، كي تزرع اليأس في النفوس وتتحطم معنويات الشعوب ، ولكن إيمان هذه الأمة لا يزال يدفعها إلى ميدان الوغى دفعاً ، فاضطر الحكام إلى خوض مسرحية 73 ، وحققوا فيها نصراً تافهاً للتنفيس عن الغيظ المكبوت والجمر المتقد في النفوس والقلوب ليعبروا من هذا النصر التكتيكي الصغير إلى التفاوض مع الغاصب والتنازل له عما اغتصبه .. و إلا فهل يمكن مقارنة معركة الكرامة ونصر 73 بهزيمة 48 و 67 ؟؟

التستر بالدين.. ورفع راية \" في سبيل الله \"
وتدرك الشعوب من جملة ما تدرك وهي تصحو من سباتها أن أهم أسباب هزائمها المتلاحقة هو بعدها عن منهج الله .. حيث أنها قد جربت كل الرايات الوضعية فلم تحصد إلا الهزائم وانكبات … وتتذكر زماناً رفعت فيه راية الإسلام فسادت وملكت وحققت أعظم الانتصارات … كل هذا وغيره تسمعه الجماهير من القيادات المؤمنة والدعاة إلى الله فتستجيب لهم وتبدأ بهجر الرايات الأرضية والقادة الذين يدعون إليها … وهنا يخشى الزعماء وقادة الهزيمة أن تتركهم الشعوب وتسير خلف القيادات المؤمنة الصادقة … فيلجأوا إلى التستر بالدين ، وربما خاضوا حربهم في رمضان ، وربما اظهروا التودد للعلماء وزاروهم في بيوتهم كما حدث مع \" الملأ \" إذ أتوا إلى النبي ، ربما وضع المناضلون على رأس مجلسهم \"جبة وعمامة\" ، وربما تسموا باسم مقتبس من القرآن ، كل ذلك حتى ينخدع الشعب بهم ويظن انهم على الإيمان فلا ينبذهم ويتبع القيادات المؤمنة .
إن التاريخ يذكر انه خلال ثورة ال 36 اجتمعت وتوحدت عدة أحزاب وتنظيمات وأظهرت تأييدها للثورة ثم كان لها دور ، بالتنسيق مع بعض العرب والغربيين في احتوائها وتحويل مسارها وإيقاف الإضراب العام بعد ستة اشهر .

عِبَرْ طالوتية

ونعود إلى قصة طالوت نستلهم منها مزيداً من العبر والدروس .. فالمتوقع انه بمجرد أن نكص الزعماء عن القتال أن يتولى معهم جنودهم وأنصارهم ، وحتى الذين لم يتولوا فليسوا جميعاً صادقين حيث انهم اعترضوا على قيادة طالوت قائلين \" أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالمُلك منه ولم يؤت سعة من المال \" … وهنا يظهر هدفهم سافراً واضحاً وهو أن يكون القائد الأعلى واحداً منهم ويكون الكيان الوحدوي هشاً … ويظل كل واحد منهم على كرسيه ويبقى التمزق على حاله … انهم يرفضون زعامة طالوت لأنهم _ في تصورهم _ أحق بالملك منه …فهم الذين ورثوا الزعامة كابراً عن كابر … وهم أصحاب الغنى والثراء … وهم الذين شاركوا في الحروب السابقة وبالتالي هم الممثلون الشرعيون للشعب .
لقد ذهب زعماء القوم إلي النبي ليفوتوا الفرصة على طالوت وأمثاله من القيادات المؤمنة الصاعدة وحرصوا على أن يكون التعيين صادراً من القيادة الروحية_ النبي _ ولكن النبي الفطين الحكيم المؤيد بوحي الله ، يعيّن القائد الذي لا يصلح سواه لهذه المرحلة وليس ذلك فحسب بل انه قبل ذلك يكشفهم أمام جماهيرهم حين يعلمهم بان الله قد فرض عليهم القتال فيكون منهم النكوص .
ويشاء الله تعالى أن يجعل لطالوت كرامة يزيد فيها من رصيده في القلوب وقبوله في النفوس وليطوع له الرقاب ، فتكون آية ملكه وعلامة اصطفاء الله إياه أن يأتي التابوت إلى قومه بني إسرائيل تحمله الملائكة _ وهو صندوق فيه بعض آثار لما تركه آل موسى وآل هارون يبدو أن بني إسرائيل فقدوه في إحدى معاركهم التي هزموا فيها .
وكأن رب العزة يجعل في هذا الزمان آيات وكرامات للناس في ارض الإسراء لتكون دليلاً وآية على ملك الفئة المؤمنة واصطفائها لقيادة المسيرة الجهادية ، ومن اظهر هذه الآيات ما يحققه تعالى على أيدي الصادقين من إثخان في العدو ، إضافة إلى استمرارهم في الجهاد وتوقف غيرهم .. فإن ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل .

اختبار وتمحيص

ويدرك طالوت أن في جيشه من التحق به خجلاً أو بدون إيمان واقتناع ، وان فيهم المنافقين ومرضى القلوب وضعاف النفوس الذين إذا كانوا في الجيش زادوهم خبالاً … فكان لا مناص من استثنائهم … ويقف طالوت خطيباً بالجند فيعلمهم أن الله مختبرهم بنهر فمن شرب منه فليس من طالوت وليفارق الجيش وأما من يصبر ولم يشرب أو شرب غرفة بيده فهو فقط الذي يسمح له بالاستمرار .
إن من لا يصبر على الماء لا يرجى منه أن يصبر إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق … والذي لا يطيع قائده في الأمر الصغير فلن يطيعه في الأمر الكبير … ومن هنا تلجأ الحركات الجهادية إلى طلب بعض التكليفات للجماهير أمراً أو نهياً لقياس مدى استجابة الجماهير لها ولقياس طاقة وإمكانيات وقدرات تحمل الشعب في الخطوات القادمة كما في الإضرابات وأيام المواجهة والصيام وغيره …

وتحكي الآيات نكوص أكثرية الجند وقعودهم إذ شربوا من النهر … ولا يبقى مع طالوت إلا اقل القليل وينظرون إلى أنفسهم فيستصغرونها أمام جحافل جالوت بعددهم وعُددهم ويقولون \" لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده \" … فلو تأخر القتال كي نزيد عددنا وعتادنا ، فيرد عليهم الذين يظنون انهم ملاقو الله \" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين \" فيذكرونهم بالقانون الرباني بأن النصر ليس بكثرة العدد والعتاد ، وإذا أذن الله لفئة بالنصر فإنها تغلب الفئة الكثيرة والله مع الصابرين … إن موازين الدنيا كلها ليست هي التي تحدد المنتصر من المنهزم ، ولكن مشيئة الله هي التي تقرر ذلك وبالتالي فلا نصر لمن لم يرد الله نصره ولو كان معه كل القوى العظمى في العالم ، ولا هزيمة لمن أراد الله نصره ولو اجتمعت ضده كل القوى الباغية .
وحين يلتقي الجيشان يتوجه المؤمنون إلى الله أن يفرغ عليهم صبراً ويثبت أقدامهم وينصرهم \" على القوم الكافرين \" فهم لم ينسوا حتى في اشد حالات الهول أنهم يقاتلون لجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكفار هي السفلى .. إن القضية إذاً ليست إزالة كافر أجنبي عن حكم الأوطان ثم استبداله بكافر وطني … وإنما إزالة نظام الكفر وظلمه ليحكم شرع الله وعدله .
وحين تكون الراية واضحة يستحق الجنود النصر وتحق على أعدائهم الهزيمة بمشيئة الله \" فهزموهم بإذن الله \" … إنه ما إن يدخل الإيمان ساحة الصراع مع الكفر حتى تحل بالكفر وأهله الهزيمة الماحقة سواء كان ذلك الصراع في حلبة القتال والنزال أو في ميدان العقل والفكر \" بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق \" .. ويبرز من بين المجاهدين جندي شاب يقتل قائد الأعداء _ جالوت_ فتتضاعف هزيمة الأعداء وتتأكد ويؤتى الله داود الملك … ذلك أنه لا يصلح للملك والقيادة إلا من كان جندياً ممتازاً … وإذا أراد الله لعبد التمكين هيأ له أسبابه وجعل له من الآيات والكرامات ما يرسخ مكانته في القلوب ليكون هذا الحدث جسراً ربانياً يعبر به داود لقيادة شعبه .. إن الاثخان في الأعداء ، وزعاماتهم بالذات هو السبيل إلى القيادة والنصر … وهو الأمر الذي أخفقنا فيه حتى الآن بينما نجح فيه الأعداء .
ويأتي التعقيب القرآني \" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين \" فلولا انه سبحانه يدفع الكافرين بالمؤمنين ويسلطهم عليهم لتمادي الكفار في غيهم وفسادهم … وإذن فلا خوف على العباد والبلاد من مدافعة الكافرين وقتالهم ، وإنما الخوف من ترك الكافرين يعيثون فساداً .


طارق حميدة – رامالله

عزام
06-12-2008, 09:16 AM
حكمة عدم فرض الجهاد في مكة (ظلال القرآن)

ساعود لاحقا لافصل الاحرف ان شاء الله.. لا اعرف سبب هذه المشكلة:confused:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْكُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (النساء 77)


يعجب الله - سبحانه - من أمر هؤلاء الناس ; الذين كانوا يتدافعون حماسة إلى القتال ويستعجلونه وهم في مكة , يتلقون الأذى والاضطهاد والفتنة من المشركين . حين لم يكن مأذونا لهم في القتال للحكمة التي يريدها الله . فلما أن جاء الوقت المناسب الذي قدرة الله ; وتهيأت الظروف المناسبة وكتب عليهم القتال - في سبيل الله - إذا فريق منهم شديد الجزع , شديد الفزع , حتى ليخشى الناس الذين أمروا بقتالهم - وهم ناس من البشر - كخشية الله القهار الجبار, الذي لا يعذب عذابه أحد, ولا يوثق وثاقه أحد. . (أو أشد خشية)!! وإذا هم يقولون - في حسرة وخوف وجزع "ربنا لم كتبت علينا القتال؟". . وهو سؤال غريب من مؤمن. وهو دلالة على عدم وضوح تصوره لتكاليف هذا الدين ولوظيفة هذا الدين أيضا . . ويتبعون ذلك التساؤل , بأمنية حسيرة مسكينة "لولا أخرتنا إلى أجل قريب !" وأمهلتنا بعض الوقت , قبل ملاقاة هذا التكليف الثقيل المخيف !
إن أشد الناس حماسة واندفاعا وتهورا , قد يكونون هم أشد الناس جزعا وانهيارا وهزيمة عندما يجد الجد , وتقع الواقعة . . بل إن هذه قد تكون القاعدة ! ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة عن عدم التقدير لحقيقة التكاليف . لا عن شجاعة واحتمال وإصرار . كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال . قلة احتمال الضيق والأذى والهزيمة ; فتدفعهم قلة الاحتمال , إلى طلب الحركة والدفع والانتصار بأي شكل . دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار . . حتى إذا ووجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا , وأشق مما تصوروا . فكانوا أول الصف جزعا ونكولا وانهيارا . . على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم , ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ; ويعدون للأمر عدته , ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة , ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف . فيصبرون ويتمهلون ويعدون للأمر عدته . . والمتهورون المندفعون المستحمسون يحسبونهم إذا ذاك ضعافا , ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور !وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا ; وأي الفريقين أبعد نظرا كذلك !
وأغلب الظن أن هذا الفريق الذي تعنيه هذه الآيات كان من ذلك الصنف , الذي يلذعه الأذى في مكة فلا يطيقه ; ولا يطيق الهوان وهو ذو عزة . فيندفع يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بدفع الأذى , أو حفظ الكرامة. والرسول صلى الله عليه وسلم يتبع في هذا أمر ربه بالتريث والانتظار, والتربية والإعداد, وارتقاب الأمر في الوقت المقدر المناسب. فلما أن أمن هذا الفريق في المدينة ; ولم يعد هناك أذى ولا إذلال , وبعد لسع الحوادث عن الذوات والأشخاص ; لم يعد يرى للقتال مبررا ;أوعلى الأقل لم يعد يرى للمسارعة به ضرورة !

"فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية,وقالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال؟ لولا أخرتنا إلى أجل قريب! ".
وقد يكون هذا الفريق مؤمنا فعلا . بدليل اتجاههم إلى الله في ضراعة وأسى ! وهذهالصورة ينبغي أن تكون في حسابنا . فالإيمان الذي لم ينضج بعد ; والتصور الذي لم تتضح معالمه ; ولم يتبين صاحبه وظيفة هذا الدين في الأرض - وأنها أكبر من حماية الأشخاص , وحماية الأقوام , وحماية الأوطان , إذ أنها في صميمها إقرار منهج الله في الأرض , وإقامة نظامه العادل في ربوع العالم ; وإنشاء قوة عليا في هذه الأرض ذاتسلطان , يمنع أن تغلق الحدود دون دعوة الله ; ويمنع أن يحال بين الأفراد والاستماع للدعوةفي أي مكان على سطح الأرض ; ويمنع أن يفتن أحد من الأفراد عن دينه إذا هواختاره بكامل حريته - بأي لون من ألوان الفتنة - ومنها أن يطارد في رزقه أو في نشاطه حيث هو - وهذه كلها مهام خارجة عن وقوع أذى على أشخاص بعينهم أو عدم وقوعه . . وإذن فلم يكن الأمن في المدينة - حتى على فرض وجوده كاملا غير مهدد - لينهي مهمة المسلمين هناك ; وينهى عن الجهاد !
الإيمان الذي لم ينضج بعد ليبلغ بالنفس إلى إخراج ذاتها من الأمر; والاستماع فقط إلى أمر الله واعتباره هو العلة والمعلول , والسبب والمسبب , والكلمة الأخيرة -سواءعرف المكلف حكمتها أم لم تتضح له - والتصور الذي لم تتضح معالمه بعد ليعرف المؤمن مهمة هذا الدين في الأرض ; ومهمته هو - المؤمن - بوصفه قدرا من قدر الله ,ينفذ به الله ما يشاؤه في هذه الحياة . . لا جرم ينشأ عنه مثل هذا الموقف , الذي يصوره السياق القرآني هذا التصوير ; ويعجب منه هذا التعجيب ! وينفر منه هذا التنفير .
فأما لماذا لم يأذن الله للمسلمين - في مكة - بالانتصار من الظلم ; والرد على العدوان ; ودفع الأذى بالقوة . . وكثيرون منهم كان يملك هذا ; فلم يكن ضعيفا ولامستضعفا ولم يكن عاجزا عن رد الصاع صاعين . . مهما يكن المسلمون في ذلك الوقت قلة . .
أماحكمة هذا , والأمر بالكف عن القتال , وأقامة الصلاة وإيتاء الزكاة , والصبروالاحتمال . . حتى وبعض المسلمين يلقى من الأذى والعذاب ما لا يطاق , وبعضهم يتجاوزالعذاب طاقته ; فيفتن عن دينه . وبعضهم لا يحتمل الاستمرار في العذاب فيموت تحتوطأته . .
أماحكمة هذا فلسنا في حل من الجزم بها . لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبين لنامن حكمة ; ونفرض على أوامره أسبابا وعللا , قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية . أو قد تكون , ولكن يكون وراءها أسباب وعلل أخرى لم يكشف لنا عنها ,ويعلم - سبحانه - أن فيها الخير والمصلحة . . وهذا هو شأن المؤمن أمام أي تكليف .أو أي حكم في شريعة الله - لم يبين الله سببه محددا جازما حاسما - فمهما خطر له من الأسباب والعلل لهذا الحكم أو لذلك التكليف ; أو لكيفية تنفيذ هذا الحكم أو طريقة أداء ذلك التكليف , مما يدركه عقله ويحسن فيه . . فينبغي أن يعتبر هذا كله مجرد احتمال . ولا يجزم - مهما بلغت ثقته بعلمه وعقله وتدبره لأحكام الله - بأن ما رآه هو حكمة ; هو الحكمة التي أرادها الله . . نصا . . وليس وراءها شيء , وليس من دونها شيء ! فذلك التحرج هو مقتضى الأدب الواجب مع الله . ومقتضى ما بين علم الله ومعرفة الإنسان من اختلاف في الطبيعة والحقيقة .
وبهذا الأدب الواجب نتناول حكمة عدم فرض الجهاد في مكة وفرضيته في المدينة . .نذكر ما يتراءى لنا من حكمة وسبب . . على أنه مجرد احتمال . . وندع ما وراءه لله .لانفرض على أمره أسبابا وعللا , لا يعلمها إلا هو . . ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح !
إنهاأسباب . . اجتهادية . . تخطى ء وتصيب . وتنقص وتزيد . ولا نبغي بها إلامجرد تدبر أحكام الله . وفق ما تظهره لنا الأحداث في مجرى الزمان:
1- ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد ; في بيئة معينة ,لقوم معينين , وسط ظروف معينة . ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات , تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع علىشخصه أو على من يلوذون به . ليخلص من شخصه , ويتجرد من ذاته , ولا تعود ذاته ولامن يلوذون به , محورا لحياة في نظره , ودافع الحركة في حياته . . وتربيته كذلك على ضبط أعصابه ; فلا يندفع لأول مؤثر - كما هي طبيعته - ولا يهتاج لأول مهيج .ليتم الاعتدال في طبيعته وحركته . . وتربيته على أن يتبع مجتمعا منظما له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته ; ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره - مهما يكن مخالفا لمألوفه وعادته - وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي , لإنشاء "المجتمع المسلم" الخاضع لقيادة موجهة ; المترقي المتحضر , غير الهمجي أو القبلي .
2- وربما كان ذلك أيضا , لأن الدعوة السلمية أشد أثرا وأنفذ , في مثل بيئة قريش ; ذات العنجهية والشرف ; والتي قد يدفعها القتال معها - في مثل هذه الفترة - إلى زيادة العناد وإلى نشأة ثارات دموية جديدة , كثارات العرب المعروفة , التي أثارتحربداحس والغبراء , وحرب البسوس - أعواما طويلة , تفانت فيها قبائل برمتها - وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام . فلا تهدأ بعد ذلك أبدا . ويتحول الإسلام من دعوة , إلى ثارات وذحول تنسى معها فكرته الأساسية , وهو فيمبدئه , فلا تذكر أبدا !
3- وربما كان ذلك أيضا , اجتنابا لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت . فلم تكن هنا كسلطة نظامية عامة , هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم . إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء كل فرد , يعذبونه هم ويفتنونه و"يؤدبونه" ! ومعنى الإذن بالقتال - في مثل هذه البيئة - أن تقع معركة ومقتلة في كل بيت . . ثم يقال:هذا هو الإسلام ! ولقد قيلت حتى والإسلام يأمر بالكف عن القتال ! فقد كانت دعاية قريش في الموسم , في أوساط العرب القادمين للحج والتجارة:إن محمدا يفرق بين الوالد وولده ; فوق تفريقه لقومه وعشيرته ! فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل الوالد , والمولى بقتل الولي . .في كل بيت وكل محلة ?
4- وربما كان ذلك أيضا , لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون أوائل المسلمين عن دينهم , ويعذبونهم ويؤذونهم ; هم بأنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلص , بل من قادته . . ألم يكن عمر ابن الخطاب من بين هؤلاء؟؟؟
5- وربما كان ذلك , أيضا , لأن النخوة العربية , في بيئة قبلية , من عادتها أن تثورللمظلوم , الذي يحتمل الأذى , ولا يتراجع ! وبخاصة إذا كان الأذى واقعا على كرام الناس فيهم . . وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه النظرة - في هذه البيئة -فابن الدغنة لم يرض أن يترك أبا بكر - وهو رجل كريم - يهاجر ويخرج من مكة , ورأى في ذلك عارا على العرب ! وعرض عليه جواره وحمايته . . . وآخر هذه الظواهر نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبى طالب ,بعدما طال عليهم الجوع واشتدت المحنة . . بينما في بيئة أخرى من البيئات ذات الحضارةالقديمة التي مردت على الذل , قد يكون السكوت على الأذى مدعاة للهزء والسخرية والاحتقار من البيئة ; وتعظيم المؤذي الظالم المعتدي !
6- وربما كان ذلك أيضا , لقلة عدد المسلمين حينذاك , وانحصارهم في مكة . حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة . أو بلغت أخبارها متناثرة ; حيث كانت القبائل تقف علىالحياد , من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها , حتى ترى ماذا يكون مصيرالموقف . . ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة , إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة - حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل منهم - ويبقى الشرك , وتنمحي الجماعة المسلمة . ولم يقم في الأرض للإسلام نظام , ولا وجد له كيان واقعي . . وهودين جاء ليكون منهج حياة , وليكون نظاما واقعيا عمليا للحياة .
7- في الوقت ذاته لم يكن هناك ضرورة قاهرة ملحة , لتجاوز هذه الاعتبارات كلها ,والأمر بالقتال ودفع الأذى . لأن الأمر الأساسي في هذه الدعوة كان قائما - وقتها -ومحققا . . هذا الأمر الأساسي هو "وجود الدعوة " . . وجودها في شخص الداعية صلى الله عليه وسلم وشخصه في حماية سيوف بني هاشم , فلا تمتد إليه يد إلا وهي مهددة بالقطع ! والنظام القبلي السائد يجعل كل قبيلة تخشى أن تقع في حرب مع بني هاشم , إذا هي امتدت يده اإلى محمد صلى الله عليه وسلمفكان شخص الداعية من ثم محميا حماية كافية . . وكان الداعية يبلغ دعوته -إذن - في حماية سيوف بني هاشم ومقتضيات النظام القبلي , ولا يكتمها , ولايخفيها , ولا يجرؤ أحد على منعه من إبلاغها وإعلانها , في ندوات قريش في الكعبة ,ومن فوق جبل الصفا ; وفي اجتماعات عامة . . ولا يجرؤ أحد على سد فمه ; ولا يجرؤ أحد على خطفة وسجنه أو قتله ! ولا يجرؤ أحد على أن يفرض عليه كلاما بعينه يقوله ; يعلن فيه بعض حقيقة دينه ; ويسكت عن بعضها . وحين طلبوا إليه أن يكف عن سب آلهتهم وعيبه الميكف . وحين طلبوا إليه أن يسكت عن عيب دين آبائهم وأجدادهم وكونهم في جهنم لميسكت . وحين طلبوا إليه أن يدهن فيدهنوا . أي أن يجاملهم فيجاملوه ; بأن يتبع بعض تقاليدهم ليتبعوا هم بعض عبادته , لم يدهن . . وعلى الجملة كان للدعوة "وجودها" الكامل , في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلممحروسا بسيوف بني هاشم - وفي إبلاغه لدعوة ربه كاملة في كل مكان وفي كل صورة . . ومن ثم لم تكن هنالك الضرورة القاهرة لاستعجال المعركة , والتغاضي عن كل هذه الاعتبارات البيئية التي هي في مجموعها , مساندةللدعوةومساعدةفي مثل هذه البيئة .
هذه الاعتبارات - كلها - فيما نحسب - كانت بعض ما اقتضت حكمة الله - معه - أن يأمرالمسلمين بكف أيديهم . وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة . . لتتم تربيتهم وإعدادهم , ولينتفع بكل إمكانيات الخطة في هذه البيئة ; وليقف المسلمون في انتظار أمرالقيادة , في الوقت المناسب . وليخرجوا أنفسهم من المسألة كلها , فلا يكون لذواتهم فيها حظ . لتكون خالصة لله . وفي سبيل الله . . والدعوة لها "وجودها" وهي قائمة ومؤداة ومحمية ومحروسة . . .

عزام
06-24-2008, 02:41 PM
الشركاء المتشاكسون (الظلال)
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (الزمر 29)
يضرب الله المثل للعبد الموحد والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضاً فيه, وهو بينهم موزع; ولكل منهم فيه توجيه, ولكل منهم عليه تكليف; وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق; ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه ! وعبد يملكه سيد واحد , وهو يعلم ما يطلبه منه , ويكلفه به , فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح . .
(هل يستويان مثلاً ?). . إنهما لا يستويان . فالذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين . وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه , ووضوح الطريق . والذي يخضع لسادة متشاكسين معذب مقلقل لا يستقر على حال ولا يرضي واحداً منهم فضلاً على أن يرضي الجميع !
وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك في جميع الأحوال . فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يقطع الرحلة على هذه الأرض على هدى , لأن بصره أبداً معلق بنجم واحد على الأفق فلا يلتوي به الطريق . ولأنه يعرف مصدراً واحداً للحياة والقوة والرزق , ومصدراً واحداً للنفع والضر , ومصدراً واحداً للمنح والمنع , فتستقيم خطاه إلى هذا المصدر الواحد , يستمد منه وحده , ويعلق يديه بحبل واحد يشد عروته . ويطمئن اتجاهه إلى هدف واحد لا يزوغ عنه بصره . ويخدم سيداً واحداً يعرف ماذا يرضيه فيفعله وماذا يغضبه فيتقيه . . وبذلك تتجمع طاقته وتتوحد , فينتج بكل طاقته وجهده وهو ثابت القدمين على الأرض متطلع إلى إله واحد في السماء . .

منال
06-24-2008, 03:06 PM
بارك الله بحضرتك

تم فصل الأحرف المتشابكة

عزام
08-13-2008, 05:09 PM
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم

"يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم .عفا الله عنها والله غفور حليم . لقد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين"
يتجه السياق إلى شيء من تربية الجماعة المسلمة وتوجيهها إلى الأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم سؤاله عما لم يخبرها به; مما لو ظهر لساء السائل وأحرجه أو ترتب عليه تكاليف لا يطيقها, أو ضيق عليه في أشياء وسع الله فيها, أو تركها بلا تحديد رحمة بعباده.
نوعية الاسئلة
كان بعضهم يكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السؤال عن أشياء

لم يتنزل فيها أمر أو نهي
أو يلحف في طلب تفصيل أمور أجملها القرآن, وجعل الله في إجمالها سعة للناس.
أو في الاستفسار عن أمور لا ضرورة لكشفها فإن كشفها قد يؤذي السائل عنها أو يؤذي غيره من المسلمين.
اسباب التزول

وروي أنه لما نزلت آية الحج سأل سائل:أفي كل عام? فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال لأن النص على الحج جاء مجملا: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا" والحج مرة يجزي. فأما السؤال عنه أفي كل عام فهو تفسير له بالصعب الذي لم يفرضه الله. وفي حديث مرسل رواه الترمذي والدارقطني عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا". قالوا:يا رسول الله أفي كل عام ? فسكت . فقالوا: أفي كل عام ? قال: " لا. ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم". . الخ الآية .
وفي حديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم:" . . . فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله? قال: " النار" فقام عبدالله بن حذافة فقال: "من أبي يا رسول الله ? " فقال:" أبوك حذافة " . . قال ابن عبد البر: عبدالله بن حذافة أسلم قديما, وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية, وشهد بدرا, وكانت فيه دعابة ! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما قال: من أبي يا رسول الله? قال: "أبوك حذافة " قالت أمه: ما سمعت بابن أعق منك. أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس?! فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به . .
وفي رواية لابن جرير - بسنده - عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر. فقام إليه رجل فقال :أين أنا? قال: "في النار" فقام آخر فقال: من ابي? فقال: "أبوك حذافة " فقام عمر بن الخطاب, فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما. إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك, والله أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه, ونزلت هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم". . الآية .
وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وهو قول سعيد بن جبير . وقال:ألا ترى أن بعده: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"?
فلسفة القرآن في السؤال
ومجموعة هذه الروايات وغيرها تعطي صورة عن نوع هذه الأسئلة التي نهى الله الذين آمنوا أن يسألوها . .
لقد جاء هذا القرآن لا ليقرر عقيدة فحسب, ولا ليشرع شريعة فحسب. ولكن كذلك ليربي أمة, وينشىء مجتمعا, وليكون الأفراد وينشئهم على منهج عقلي وخلقي من صنعه . . وهو هنا يعلمهم أدب السؤال, وحدود البحث , ومنهج المعرفة . . وما دام الله - سبحانه - هو الذي ينزل هذه الشريعة, ويخبر بالغيب, فمن الأدب أن يترك العبيد لحكمته تفصيل تلك الشريعة أو إجمالها. وأن يتركوا له كذلك كشف هذا الغيب أو ستره . وأن يقفوا هم في هذه الأمور عند الحدود التي أرادها العليم الخبير . لا ليشددوا على أنفسهم بتنصيص النصوص , والجري وراء الاحتمالات والفروض . كذلك لا يجرون وراء الغيب يحاولون الكشف عما لم يكشف الله منه وما هم ببالغيه . والله أعلم بطاقة البشر واحتمالهم , فهو يشرع لهم في حدود طاقتهم , ويكشف لهم من الغيب ما تدركه طبيعتهم . وهناك أمور تركها الله مجملة أو مجهلة; ولا ضير على الناس في تركها هكذا كما أرادها الله . ولكن السؤال - في عهد النبوة وفترة تنزل القرآن - قد يجعل الإجابة عنها متعينة فتسوء بعضهم , وتشق عليهم كلهم وعلى من يجيء بعدهم. لذلك نهى الله الذين آمنوا أن يسألوا عن أشياء يسوؤهم الكشف عنها; وأنذرهم بأنهم سيجابون عنها إذا سألوا في فترة الوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وستترتب عليهم تكاليف عفا الله عنها فتركها ولم يفرضها: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم . . عفا الله عنها . ."
أي لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها وترك فرضها أو تفصيلها ليكون في الإجمال سعة . . كأمره بالحج مثلا . . أو تركه ذكرها أصلا . . ثم ضرب لهم المثل بمن كانوا قبلهم - من أهل الكتاب - ممن كانوا يشددون على أنفسهم بالسؤال عن التكاليف والأحكام . فلما كتبها الله عليهم كفروا بها ولم يؤدوها . ولو سكتوا وأخذوا الأمور باليسر الذي شاءه الله لعبادة ما شدد عليهم , وما احتملوا تبعة التقصير والكفران . ولقد رأينا في سورة البقرة كيف أن بني إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة , بلا شروط ولا قيود , كانت تجزيهم فيها بقرة أية بقرة . . أخذوا يسألون عن أوصافها ويدققون في تفصيلات هذه الأوصاف . وفي كل مرة كان يشدد عليهم . ولو تركوا السؤال ليسروا على أنفسهم . وكذلك كان شأنهم في السبت الذي طلبوه ثم لم يطيقوه ! . . ولقد كان هذا شأنهم دائما حتى حرم الله عليهم أشياء كثيرة تربية لهم وعقوبة ! وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ذروني ما تركتكم . فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم , واختلافهم على أنبيائهم ". وفي الصحيح أيضا:" إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها , وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها . وسكت عن أشياء رحمة بكم - غير نسيان - فلا تسألوا عنها " . . وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما, من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته " . .
منهج الاسلام في المعرفة
ولعل مجموعة هذه الأحاديث - إلى جانب النصوص القرآنية - ترسم منهج الإسلام في المعرفة . .

إن المعرفة في الإسلام إنما تطلب لمواجهة حاجة واقعة وفي حدود هذه الحاجة الواقعة . . فالغيب وماوراءه تصان الطاقة البشرية أن تنفق في استجلائه واستكناهه , لأن معرفته لا تواجه حاجة واقعية في حياة البشرية . وحسب القلب البشري أن يؤمن بهذا الغيب كما وصفه العليم به . فأما حين يتجاوز الإيمان به إلى البحث عن كنهه ; فإنه لا يصل إلى شيء أبدا , لأنه ليس مزودا بالمقدرة على استكناهه إلا في الحدود التي كشف الله عنها . فهو جهد ضائع . فوق أنه ضرب في التيه بلا دليل , يؤدي إلى الضلال البعيد .
وأما الأحكام الشرعية فتطلب ويسأل عنها عند وقوع الأقضية التي تتطلب هذه الأحكام . . وهذا هو منهج الإسلام . . ففي طوال العهد المكي لم يتنزل حكم شرعي تنفيذي - وإن تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال - ولكن الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير الكفارات لم تتنزل إلا بعد قيام الدولة المسلمة التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام. ووعى الصدر الأول هذا المنهج واتجاهه ; فلم يكونوا يفتون في مسألة إلا إذا كانت قد وقعت بالفعل ; وفي حدود القضية المعروضه دون تفصيص للنصوص , ليكون للسؤال والفتوى جديتهما وتمشيهما كذلك مع ذلك المنهج التربوي الرباني.
كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يلعن من سأل عما لم يكن . . ذكره الدارمي في مسنده . . وذكر عن الزهري قال: بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر:أكان هذا ? فإن قالوا:نعم قد كان , حدث فيه بالذي يعلم . وإن قالوا:لم يكن , قال:فذروه حتى يكون . وأسند عن عمار بن ياسر - وقد سئل عن مسألة - فقال:هل كان هذا بعد ? قالوا:لا . قال دعونا حتى يكون , فإذا كان تجشمناها لكم . وقال الدرامي:حدثنا عبدالله بن محمد بن أبي شيبة , قال:حدثنا ابن فضيل , عن عطاء , عن ابن عباس , قال:ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض, كلهن في القرآن, منهن: "يسألونك عن الشهر الحرام". . "ويسألونك عن المحيض". . وشبهه . . ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم .
وقال مالك: أدركت هذا البلد [ يعني المدينة ] وما عندهم علم غير الكتاب والسنة . فإذا نزلت نازلة , جمع الأمير لها من حضر من العلماء, فما اتفقوا عليه أنفذه. وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وقال القرطبي في سياق تفسيره للآية: روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات , ووأد البنات , ومنعا وهات . وكره لكم ثلاثا: قيل وقال; وكثرة السؤال , وإضاعة المال " . . قال كثير من العلماء:المراد بقوله: "وكثرة السؤال": التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعا, وتكلفا فيما لم ينزل, والأغلوطات, وتشقيق المولدات. وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف. ويقولون: إذا نزلت النازلة وفق المسؤول لها . .
إنه منهج واقعي جاد . يواجه وقائع الحياة بالأحكام , المشتقة لها من أصول شريعة الله , مواجهة عملية واقعية . . مواجهة تقدر المشكلة بحجمها وشكلها وظروفها كاملة وملابساتها , ثم تقضي فيها بالحكم الذييقابلها ويغطيها ويشملها وينطبق عليها انطباقا كاملا دقيقا . . فأما الاستفتاء عن مسائل لم تقع , فهو استفتاء عن فرض غير محدد . وما دام غير واقع فإن تحديده غير مستطاع. والفتوى عليه حينئذ لا تطابقه لأنه فرض غيرمحدد. والسؤال والجواب عندئذ يحملان معنى الاستهتار بجدية الشريعة ; كما يحملان مخالفة للمنهج الإسلامي القويم .
ومثله الاستفتاء عن أحكام شريعة الله في أرض لا تقام فيها شريعة الله , والفتوى على هذا الأساس ! . . إن شريعة الله لا تستفتى إلا ليطبق حكمها وينفذ . . فإذا كان المستفتي والمفتي كلاهما يعلمان أنهما في أرض لا تقيم شريعة الله ; ولا تعترف بسلطان الله في الأرض وفي نظام المجتمع وفي حياة الناس . . أي لا تعترف بألوهية الله في هذه الأرض ولا تخضع لحكمه ولا تدين لسلطانه . . فما استفتاء المستفتي ? وما فتوى المفتي ? إنهما - كليهما - يرخصان شريعة الله , ويستهتران بها شاعرين أو غير شاعرين سواء !
ومثله تلك الدراسات النظرية المجردة لفقه الفروع وأحكامه في الجوانب غير المطبقة . . إنها دراسة للتلهية ! لمجرد الإيهام بأن لهذا الفقه مكانا في هذه الأرض التي تدرسه في معاهدها ولا تطبقه في محاكمها ! وهو إيهام يبوء بالإثم من يشارك فيه , ليخدر مشاعر الناس بهذا الإيهام ! إن هذا الدين جد. وقد جاء ليحكم الحياة . جاء ليعبد الناس لله وحده, وينتزع من المغتصبين لسلطان الله هذا السلطان, فيرد الأمر كله إلى شريعة الله , لا إلى شرع أحد سواه . . وجاءت هذه الشريعة لتحكم الحياة كلها ; ولتواجه بأحكام الله حاجات الحياة الواقعية وقضاياها , ولتدلي بحكم الله في الواقعة حين تقع بقدر حجمها وشكلها وملابساتها .
ولم يجيء هذا الدين ليكون مجرد شارة أو شعار . ولا لتكون شريعته موضوع دراسة نظرية لا علاقة لها بواقع الحياة . ولا لتعيش مع الفروض التي لم تقع , وتضع لهذه الفروض الطائرة أحكاما فقهية في الهواء !
هذا هو جد الإسلام . وهذا هو منهج الإسلام . فمن شاء من "علماء" هذا الدين أن يتبع منهجه بهذا الجد فليطلب تحكيم شريعة الله في واقع الحياة. أو على الأقل فليسكت عن الفتوى والقذف بالأحكام في الهواء !