تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ماهية الشرعية الدولية



مقاوم
03-09-2008, 08:06 AM
ماهية الشرعية الدولية





http://qawim.net/images/stories/mahya.jpg

كتب د. السيد مصطفى أبو الخير*

http://qawim.net/exq.gif أُحيط مصطلح الشرعية الدولية بالغموض والتزييف, وبات من أكثر المصطلحات على الصعيد الدولي ترديداً فالكل بات يتحدث عن الشرعية الدولية, ويزعم كافة السياسيين في أرجاء المعمورة أن أقوالهم وأفعالهم مطابقة للشرعية الدولية وفي نطاقها وتستظل بظلها.

ورغم أن تعبير (الشرعية الدولية) مصطلح علمي محدد المعنى في العلوم السياسية وعلم القانون الدولي. ولكن يختلف القانونيون حول بعض التفاصيل في تحديده, ولكنهم يتفقون في عناصره الرئيسية التي تجعل هذه الكلمة قابلة للاستخدام كمصطلح علمي وليس كمصطلح سياسي, يفسره كل سياسي طبقاً لمصالحه وهواه. حتى أن البعض وصف مصطلح الشرعية الدولية بأنه أحد أخبث أقنعة النظام الدولي الجديد وأكثرها فتنة للألباب.

ولكن يبقى السؤال ما هي الشرعية ؟ وهل هي مجرد قرارات صادرة عن مجلس الأمن ؟ أم هي مجمل البنية التشريعية والقانونية التي تقوم عليها الأمم المتحدة ؟ ثم ما هي المرجعية التي يمكن الاستناد عليها لمعرفة مدى اتفاق تصرف دولي ما مع الشرعية الدولية؟

بداية يجب التفرقة بين مفهوم الشرعية legitimacy (الذي يدور حول الأسس التي يتقبل فيها أفراد المجتمع النظام السياسي ويخضعون له طواعية, ومفهوم المشروعية) legality (بمعنى خضوع نشاط السلطات ونشاط الأشخاص للقانون, وبالتالي فقد تكون السلطة مشروعة, أي مطابقة لأحكام القوانين, ولكنها غير شرعية برفض الجماعة لها. بسبب عدم تلاؤمها مع قيمهم وتوقعاتهم. فالشرعية فكرة أو معتقد تتعلق بأساس السلطة وكيفية ممارساتها, بالتالي فهي مفهوم مصدره الدين أو الكاريزما أو التقاليد, بينما المشروعية مصدرها القانون.

كما أن هناك فرق بين القانونية (legality) والشرعية (legitimacy) فالقانونية هي صدور القرارات وفق القانون, وأما الشرعية ألا تمثل هذه القرارات تجاوزاً من جانب السلطة لاختصاصاتها طبقا للقوانين أي استخدام السلطات القانونية لتحقيق أهداف لا ينص عليها القانون.

إن مفهوم الشرعية الدولية ثابت عند الفقهاء في القانون الدولي والعلاقات الدولية والعلوم السياسية, ومعروف لدى القوى الدولية. فقد عرفها البعض في كلمات قليلة أنها (أحكام القانون الدولي المعاصر التي يمثلها ميثاق الأمم المتحدة والنظام الذي يحكم العلاقات الدولية عقب الحرب العالمية الثانية).

وهي تلك المبادئ التي نص عليها الميثاق من عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات بين الدول‏,‏ وعدم التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول‏,‏ والمساواة في السيادة بينها‏,‏ وحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحرية‏,‏ وواجب الدول في تنفيذ التزاماتها وفقا للميثاق بحسن نية‏,‏ وفي تسوية نزاعاتها بالطرق السلمية‏,‏ وكل هذه المبادئ تضمنها تفصيلاً إعلان المبادئ الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً للقانون الدولي والمطابقة لميثاق الأمم المتحدة‏,‏ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ‏24‏ أكتوبر‏1970م.

وهي تلك المنظومة التي شكلتها الأمم المتحدة على مدى ما يزيد على نصف قرن لتبني عليها النظام الدولي المعاصر‏,‏ والتي من أهم لبناتها تصفية الاستعمار وتفعيل حق تقرير مصير الشعوب واستقلالها‏,‏ الأمر الذي كرَسه الإعلان رقم (1514) الصادر عن الجمعية العامة في ‏14‏ ديسمبر‏1960.‏

كما أن الشرعية الدولية تشمل مجموعة المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني‏, سواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ‏1948‏ أو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام‏1966, والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام‏1966, ‏ واتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز العنصري عام ‏1965, والإعلان الخاص بإزالة التمييز ضد المرأة عام‏1967, ‏واتفاقية تحريم وعقاب جريمة إبادة البشر عام ‏1948, واتفاقية تحريم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة عام ‏1984, وغيرها من الاتفاقات والإعلانات الدولية الخاصة بحقوق الطفل واللاجئين والعمال.

وهي التي تشمل اتفاقات جنيف الأربع لعام ‏1949, الأولى الخاصة بتحسن حالة الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان والثانية الخاصة بتحسين حال الجرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار‏,‏ والثالثة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب‏, ‏ والرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب‏.‏ كما تشمل البروتوكولين الإضافيين إلى هذه الاتفاقات عام‏1997,‏ الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة ـ ومنها حرب التحرير ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية والثاني المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية‏.‏

ومنها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام ‏1998, والذي يعرف بنظام روما,‏ الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بمحاكمة مرتكبي جريمة إبادة البشر والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان‏.‏ وتشمل كذلك الاتفاقات الدولية التي تحظر استخدام أنواع معينة من الأسلحة‏, ومنها اتفاقية عام‏1981‏ والبروتوكولات الأربعة الخاصة بالأسلحة الانشطارية والحارقة‏, والمخادعة وأسلحة الليزر‏,‏ واتفاقية الألغام عام‏1997, ‏والاتفاقات الخاصة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية‏, وغيرها‏.‏

الشرعية الدولية إذن بناء متكامل‏,‏ حاولت البشرية به أن تقيم العلاقات بين الدول على أسس سليمة لتحقيق السلام والتعاون فيما بينها بعد أن اكتوت بنار حربين عالميتين خلال جيل واحد‏.‏ وهذا البناء المتكامل يقوم على أسس من مبادىء القانون الدولي‏, ‏ منها ما يمليه العرف ومنها ما تتضمنه الاتفاقات الدولية‏, ‏فالشرعية الدولية ليست مجرد شعار بل أنها مجموعة مبادىء ثابتة.

وعرفها أخر بأنها: (سيادة منطق العدل والحق بين أعضاء الجماعة الدولية وليست مرادفاً لشريعة القوة والغطرسة) وقال عنها آخر أنها: (تجسيد وترجمة لإرادة المجتمع الدولي), ولذلك ليس لطرف أو دولة أن تحدد هذه الشرعية. وهي المرجعية والإطار العام الذي بموجبه يتم الحكم على كافة أفعال وتصرفات أشخاص وآليات المجتمع الدولي, وبناء عليه أن ما يقوم به طرف قوي أو طرف ضعيف, متفق أو مخالف مع الشرعية الدولية ينبغي تقويمه وفقاً لقواعد وأسس هذه المرجعية الدولية. ومعنى ذلك أن الشرعية الدولية وإن تجاوزتها سلوكيات القوة للدول القوية, فلا يعني ذلك إلغاء الشرعية الدولية, أو تبديل مفهوما أو إضفاء الشرعية على تصرف يتناقض مع مبادئ وأسس الشرعية الدولية.

عموماً فالشرعية الدولية صفة لا تزول عن تصرف من التصرفات الدولية عن طريق معاهدة ما, أو وضع جديد يوصف بأنه يتناقض مع الشرعية الدولية أي مع الأسس المقررة في القانون الدولي العام, ولا يغير من ذلك الاضطرار إلى التعامل التطبيقات الباطلة القائمة على أرض الواقع, وهذا معناه رغم التعامل مع وضع قائم ما غير شرعي, فأن ذلك لا يعني الاعتراف بمشروعيته.

فمصطلح الشرعية الدولية لا يتبدل مقصودة بكثرة استخدامه في غير موضعه فقد وضع على مر الدهور وكر العصور وأوضاع متشابهة ومتعددة ومختلفة, وأحداث وتطورات جارية, دون أن يفقد معناه ومغزاه, ولا تضيع معالمه وحدوده. فالشرعية الدولية لا يمكن تفصيلها كما تفصل الملابس لتناسب لقطة زمنية معينة أو عصر معين.

وبحسب رأي من يتحاكمون للشرعية الدولية فإنه لا يمكن لدولة ما أو مجموعة من الدول, أن تكون مرجعاً للشرعية الدولية مفهوماً وحدوداً, فالشرعية الدولية هي المرجعية للحكم على تصرفات سائر أشخاص وآليات النظام الدولي على مر الدهور وكر العصور, وهي بناء متكامل ثابت الحدود والأركان والمعالم.

رغم ذلك ذهب البعض إلى الخلط بين مصالح الدول الكبرى والشرعية الدولية, فهم يبررون تصرفات الدول الكبرى على اعتبار أنها الشرعية الدولية, كما يفعل البعض في منطقتنا العربية من تبرير تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية, بزعم أنها القطب الأوحد وتقف وحدها على قمة النظام العالمي الجديد, حيث تملك من المقومات ما يجعلها مرجعا للشرعية الدولية وأساس لها, وهم (المارينز العرب).

فالعرب ينظرون إلى الشرعية الدولية على أنها شيء عالي مقدس, لا يصدر عنها إلا الخير فقط, أو أنها كائن مثالي قائم بذاته, منفصل عن النظام الدولي وعلاقاته, يمسك بميزان العدالة والحق ويحكم بينهما بين أشخاصه وآلياته. وننسى أو نتناسى أن الشرعية الدولية (هي الوجه المعبر في كل لحظة دولية عن تقاطع مصالح الدول الكبرى المتصارعة في العالم وعلى العالم) وليست ولا يمكن أن تكون ذلك الكائن المثالي الذي نتصوره ونعلق عليه آمالنا, ونعتمد عليه في حل كافة أزماتنا الدولية الصغيرة والكبيرة.

لو لم يكن ذلك صحيحاً, لما كانت تتبدل المفاهيم لهذه الشرعية, كلما تبدلت موازين القوى, بين عصر وآخر, ولما ظهرت ليست ازدواجية المعايير بل تعددها, والكيل بأكثر من مكيال, ولما كانت بعض القرارات العادلة ولو بحدود ضيقة ترمى في سلة المهملات, أو في مزبلة التاريخ, أما القرارات الظالمة فتأخذ طريقها للتنفيذ لكونها تلبى مصالح الدول الكبرى وحلفاؤهم.

تلك حال المجتمع الدولي منذ أمد بعيد, ولا نغالي في القول إذا قلنا أن ذلك حال المجتمع الدولي على مر الدهور وكر العصور, مما أوجد حالة تناقض وفصام بين القانون الدولي قواعد وأحكام ومبادئ وبين النظام الدولي السائد في عصر من العصور, أي إن البون واسع بين القانون الدولي وبين الواقع الدولي.

والحقيقة يجب أن نفصل تماماً بين مفهوم القانون الدولي كشرعية لتنظيم العلاقات الدولية على أسس ومبادئ ثابتة, أي بين الشرعية الدولية, وقرار أو قرارات يصدرها مجلس الأمن أو حتى الجمعية العامة للأمم المتحدة, لأن استعمال كلمة (شرعية) بما لها من حرمة وقدسية لا يمكن حصرها في قرار أو بضعة قرارات صادرة عن مجلس الأمن التي تسيطر عليه الدول الخمس الكبرى سيطرة كاملة أو حتى الجمعية العامة للأمم المتحدة, لأن القرارات الصادرة عن الجمعية العامة تعبر عن مصالح الدول السياسية والقانون الدولي يحمى حقوق وليست مصالح, لأن المصالح تخضع للسياسة.

لذلك يجب حصر استعمال كلمة (شرعية دولية) للدلالة على المفاهيم الثابتة في القانون الدولي والعرف الدولي الناشئ عن ممارسات تواترت وحظيت بالقبول من أشخاص وآليات المجتمع الدولي.

ونحن نرى أن الشرعية الدولية هي (إسقاط قواعد ومبادئ وأحكام القانون الدولي بفروعه المختلفة ومصادره المتعددة, وكافة المعاهدات والاتفاقيات والعهود الدولية المتعددة الأطراف والجماعية وما يستجد من قواعد ومبادئ يتعارف عليها ويتواتر على تطبيقها المجتمع الدولي بأشخاصه وآلياته).

مما سبق من تعريفات للشرعية الدولية يمكن استخلاص الخصائص العامة لها فيما يأتي:

1) إن الشرعية الدولية تعلو ولا يعلو عليها في المجتمع الدولي.

2) إن الشرعية الدولية تستند على القانون الدولي وليس على تصرفات دولة معينة أو مجموعة دول مهما كانت وكانوا, فالشرعية الدولية تحكم على تصرفات الدول وليس العكس.

3) لا يمكن لأي شخص من أشخاص القانون الدولي أو آلية من الآليات أن تحدد أو تتحكم في الشرعية الدولية, بقرار أو بعدة قرارات أو بتصرف أو بعدة تصرفات.
الشرعية الدولية ثابتة لا تتغير ولكنها تتسع في المضمون أي في المبنى وليس في المعنى, وقفاً على العرف الدولي وما قد يستحدثه من قواعد ومبادئ لاقت قبولاً وتأييداً وتطبيقاً من المجتمع الدولي.

وأخيراً:

بعد تبيان كل ما سلف من ماهية الشرعية الدولية الإله الذي يريدون منا عبادته من دون الله -سبحانه وتعالى- يجب علينا تبيان موقف الإسلام شريعةً ومنهاجاً من المجتمع الدولي أشخاصاً وآليات وواقع ووقائع، هل هي متناقضة معه أم متفقة وما حكم الإسلام بعبارة أوضح الشرعية الإسلامية الدولية.

فالقانون الدولي المعاصر قانون نصراني النشأة والمذهب والآيديولوجية، نقصد بالنصرانية هنا النصرانية التي تختلف جذرياً عن المسيحية التي بشر بها سيدنا عيسى بن مريم والتي انتهت بزول خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن الشرعية الدولية تتكون كذلك من أشخاص ودول تحت مزاعم باطلة وتشريع وتقنين للظلم والعدوان منطلقين من وحل المصالح وبرك الأغراض الدنيوية الزائلة.

فليس في الشريعة الإسلامية شعب مختار ولا دولة دون القانون وفوقه فالكل مخاطب من خلال القواعد القانونية الإسلامية على حد سواء دون تمييز أو أفضلية ولا حتى أسبقية، فالكليات الخمس سالفة هي قوام الحياة تتكفل بهما الشريعة الإسلامية سواء للدول أو القارات أو المجتمعات البشرية في أي مكان على وجة الأرض.

فلا ظلم فيها لأحد مهما كان سواء دولة أو أشخاص طبيعيين لذلك فالشرعية الدولية بخلاف الشرعية الإسلامية العليا.

* خبير في القانون الدولي.

http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=2163&Itemid=1