تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المشايخ الجدد



المهاجر7
03-06-2008, 05:48 PM
الْمَشَايِخُ الجُدُد

وَدَعْوَتُهُم إِلَى ( الْمُبَاهَلَةِ )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
وفيه بيان وشرح قول ) ابنِ عساكر ) رحمه الله : ( لُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ



كتبه الشيخ

عبد الكريم بن صالح الحميد

حفظه الله تعالى


بِسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيْم

ـــــــــــــــــــــــــ
المَشايخ الجُدُد !
ـــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..

أما بعد :

فإنه لَمَّا بَدَأ إنتاجُ التعاليمِ الحادثة التي تُسَمَّى ( نِظَامِيَّة ) وسَلَكَتْ الأمَّةُ طريقاً مُختلِفاً عن الطريق الذي كان عليه سلَفُها الصَّالِح جاء الانحرافُ لابِساً ثيابَ اللَّبْسِ ! ؛ وكون هذه التعاليم تُسَمَّى ( نِظَاميَِّة ) فهذا يوحي بأن التعاليم التي كانت في الماضي ( فوضى ) وهَذَا المعنى يَفْهمه مَن لا يفهم ، أو مَن يفهم على مقتضى هواه لا على المقتضى الشَّرعيِّ الصحيح ؛ وتفاصيل هذا طويلة ، وهي تتلخص فيما يلي :

أولاً : العلم المطلوب تعلُّمُهُ والعمل به هو ميراث رسول الله دون شائبةِ شيءٍ يُسَمَّى عِلْماً ؛ وهذا هُوَ طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .

ثانيا: لَمْ يَكُن يُطْلَبُ هذا العلم إلا لشيءٍ واحدٍ وهو : " العمل به " عُبُودِيَّة للهِ – عزَّ وجل – دون شَارَاتٍ وَرُتَبٍ مُمَيَّزَةٍ على قَدْرِها تأتِي الوظيفة الدراهميِّة للمُتَخَرِّجِ ! ؛ وذَللِكَ هُو طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَـاء الأمـة بَعْدَهم .
ثالثاً : طِلِبُ العِلْم يكون في المسجد تَعبُّداً لله – عزَّ وجل - ، وإن كان خارج المسجد في أماكِن أخرى فإنه يكون كالذي في المسجد تَمَاماً حيث يُتعبَّد الله به ولا يُرجى بطلبه غير الله تعالى ؛ وهذا هُوَ طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .

رابعاً : يَتَولَّى ذلك أهلُ العِلْمِ حَقِيقَةً والصَّلاح حَقِيقَةً ؛ وهذا هُو طَرِيقُ الصَّحابةِ وعُلَمَاء الأمة بَعْدَهم .

هذه أصولٌ أصِيلَةٌ ذَكَرتها وغيرها في بعض كُتُبَي وعلى نَهْجِهَا كانت الأمَّةُ تسير مُنْذُ عهدَ الصحابَةِ الكِرامِ –رضي الله عنهم – إلى أن جاء ما يُسَمَّى : ( الدراسة النظامية ) فجاءت المُخالفةُ للأربعةِ الْمُتَقَدِّمةِ بما يلي :
أولاً : العلم المطلوب تعلمه شَيءٌ من ميراث رسول الله ، وعلوم أخرى بعضها يُعارض عِلْمَ الرَّسولِ وبعضها مُزاحِمٌ مُضْعِفٌ مُنْهِكٌ ! ،


ومن هنا جاء اسم :
( مَعَارِف ) ، وهذا مصطلح حادث يشمل علم الرسول وغيره من العلوم على نهج الفلاسفة ، وهذا الاسم يُطْلِقُه أهلُ الوقت على مدارسهم وعلومهم ، فهذا الأول مُقابل الأوَّل المقدَّم .

ثانياً : أُسِّسَ هذا التعليم الحادث على الوظائف الماليَّةِ والرِّئاساتِ الدُّنيوية ، وهذا الثاني مقابل الثاني المقدَّم .

ثالثاً : الطَّلبُ في مواضع مُنظَّمة على النَّمَط الغربي بحيث يكون كنظام تعليم الكفار في جميع مراحله ، لتكون الحال : ( حذو القُذَّة بالقُذَّة ) ([1]) ! ، وهذا الثالث مقابل الثالث المقدَّم .

رابعاً : يتولى التعليم في هذه المواضع من تَخَرَّج منها وحمل شارتها وشهاداتها دون شرطٍ أو قيدٍ ! .

هذه إشارة والتفاصيل في غير هذا ، لأن المراد هنا معرفة ما حلَّ بالأمة نتيجة هذا التغيير والتخليط والاقتداء بالعجم لِيُعلَمَ أن التشبه بهم هو بلاء الأمة ([2]) .

لقد حلَّت بالأمة العقوبات كَحَتْمٍ ملازم للتغيير فجاءت الفتن والمحن ، وطبيعي أنه ونتيجة لهذا النظام الحادث في التعليم أن يتصدى لحلِّ الفتن والمعضلات المتخرجون من هذا النظام ، كما في البلدان التي جاء منها ؛ لكن المصيبة أنهم يتصدَّرون باسم الشريعة التي اصطبغت بغير صبغتها النقيَّة .




ومن هنا جاءت الثمار من جنس الغرس ، فالشوائب التي سلِمَ منها البند الأول في الأصول الأولى للتعليم –التي ذكرتها قبل قليل في الصفحة الأولى- ودخلت في البند الأول من الأصول الحادثة للتعليم قد أينعت ثمارها التخليطية ، ولا يمكن أن يأتي الثمر إلا على جنس المغروس ؛ ومن الأمثلة لذلك فَقْدُ هذه الحلول للفرقان بل وإقرار الطغيان ! .

فالشعب الفلسطيني مثلاً جعل حَلَِّ قضيته مع اليهود الديمقراطية الانتخابية الكفرية التي يباركها ويُعظِّم أربابها :
(ناصر بن سليمان العمر) حيث قال : ( أيها المجاهدون في حماس ! .. لقد شفى صدورنا وأبهج نفوسنا ونفوس المؤمنين هذا الانتصار الذي تحقَّق بفوز حركة المقاومة الإسلامية " حماس " في
الانتخابات الأخيرة ! )([3]).. إلى آخر تمجيد هذا الشَّعب المُتَنَكِّر للدِّين اللاَّبس ثياب الكفر باسم الإسلام بدخوله ( الديمقراطية ) الطاغوتية وتَخَلِّيه عن حكم الله ! وأنَّى لمن هذه حاله أن ينصره الله .

أما (سلمان بن فهد العودة) فإنه يأمر الفلسطينيين بالاحتكام إلى النظام والقانون وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم قد صنعوا مستقبلاً أفضل لشعبهم العظيم ! ([4]) .
وآخر ما قرأته عن الفلسطينيين أن الحكومة الفلسطينية الحالية سوف ترسل مُشَرِّعين من ( حماس ) لِيُمَثِّلوها في المؤتمر الدولي الذي تقيمه ( هيئة الأمم المتحدة ) في دويلة ( قَطَر ) حول ( الديمقراطية ) الطاغوتية ! ([5]) ؛ فما يقول(ناصر العمر) في إخوانه الديمقراطيين المُشَرِّعين من ( حماس ) الذين أسبغ عليهم مديحه وثناءه – كما تقدَّم - ؟! ، وقد قال الله تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَم يَأذَنْ بِهِ اللهُ ﴾ ([6]) .. أهكذا تتعامل أنت و (سلمان العودة) مع الكفر ؟! .. والمصيبة أنه يُقتَدَى بكم – أراح الله الأمة منكم أيُّها الْمُلبِّسون اللاَّبِسون الحقَّ مع الباطل- ! .


وأمَّا ما اشترك فيه (ناصر بن سليمان العمر( مع )سلمان بن فهد العودة( فهو مؤتمر فندق " البحرين " برئاسة )القرضاوي( المزعوم أنه انتصار للرسول من سخرية " الدنمارك " ؛ وقد قرر هذا المؤتمر : ( إنشاء " مكتب نصرة قانونية " يتولى متابعة قانونية " لاتخاذ " تدابير قانونية لأعمال " النصرة القانونية للمؤتمر " ! ) ، وكذلك طلب اعتذار ثقافي ، وتأكيد المؤتمر أنَّ العلاقة بين المسلمين والغرب ينبغي أن تقوم على الاحترام المتبادل فأين ﴿ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَدَاً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ ﴾ ([7]) ، ويُؤيد المؤتمر تقديم قرار إلى الأمم المتحدة ينصُّ على حظر ازدراء " ألأديان " – هكذا " الأديان " ! - ، ويطالب بالعمل على استصدار تشريعات وقوانين وقرارات دولية تُحرِّم وتُجرِّم الإساءة للأنبياء والمرسلين ؛ إلى آخر مؤتمر فندق " البحرين " ([8]) ؛ وقد سَبق الردُّ عليه – ولله الحمدُ والمِنَّة - ([9]) .

إنَّ هذا التدَيُّن الجديد لهؤلاء الذين يتصدَّوْنَ لقضايا الأمة لائق بهم على الحقيقة لأنهم كما يُقَال : ( مَنْ ضَيَّعَ الأصُولَ حُرِمَ الوُصُولَ ! ) ، وقد تقدَّم بيان أصولهم في العلم .

فأصل الأصول " كلمة التوحيد " النافية المُبطلة المتبرِّئة في شِقِّها الأول مما وقعوا به وزالت عن قلوبهم وحْشته وأعرضت عن النُّفرة منه ومن أهله ، أما الشِّقُّ الثاني فيدخل فيه حتى أهل الشرك وهو العبادة المطلقة دون إفراد من لا يستحقها سواه – سبحانه وبحمده - ، وفي هذا يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، فأين الكفر بالطاغوت أولاً – الذي هو : ديمقراطية الانتخابات والبرلمانات التي هي حكم الشَّعب للشَّعب، والقوانين التي هي تشريعات هيئة الأمم المتحدة ، وهو الذي دَانَتْ به حماس ! - .

لقد ضللتم ضلالا بعيداً ، واغترَّ بكم المفتونون ، فأنتم أحوج الناس إلى مراجعة دينكم ؛ وشأن العقيدة ليس كغيره ، وهذا ضلالكم فيه .

وآخر ما وقفت عليه لهؤلاء المتصدِّرين جوابٌ لـ )ناصر العمر( في مقابلة معه فيما تسمى بجريدة ( الرأي العام ) الكويتية ([10]) يُمجِّد فيه " حماس " ويقول : ( أنصح " حماس " أن تثبت على مبادئها، فإنْ تنازلت عن مبادئها فأعتقد أنها ستنتهي عَمَلِيَّا وإن بَقِيَت شكلية ) انتهى .

أقول : كيف تنصحهم بالثبات على الديمقراطية الكافرة ؟! .. هذا والله هو الغِشُّ والضلال المبين ! .

لقد أوقعتم الأمَّة في ضلالة ولَبْس عظيم حيث تزعمون أنَّ ( حَمَاس ) إذا تَمَكَّنَت سوف تُحَكِّم الشريعة ؛ فكيف يكون هذا ؟! ، وهل طريق تحكيم الشريعة الإيمان بالطاغوت أم أنه الكفر به أوَّلاً ؟! ، ومن الذي قال لكم : " إن الشَّرَّ ياتي بالخير " ؟! ومن قال : " إنَّ صَبَّ الطِّيبِ على العَذِرَة يرفع نجاستها ويطهِّرها " ؟! .

إنَّ من يدخل انتخابات وبرلمان ( الديمقراطية ) يريد ان يستأذن ( إبليس ) بتحكيم الشريعة بدُعائه والتضرُّع إليه أن يسمح بذلك ! ، إن تحكيم الشريعة يكون بالكفر بما دخلوا به أوَّلاً وهو ( الديمقراطية ) .

إنكم تبْنُونَ أنتمْ و ( حَمَاسُكُم ) على أصول فاسدة ؛ قال تعالى : ﴿ أفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى تَقْوى منَ الله وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([11])

إنَّ النصيحة للفلسطينيين هي أن يتوبوا ممَّا دخلوا به من ( الديمقراطية ) بحيث يكفرون بها ، ويرجعون إلى الله حقيقةً ، وذلك بإقامة دينه كما أراد سبحانه بمتابعة رسوله وُيطهِّروا نفوسهم وديارهم من نجاسات الكفر والضلال والمعاصي ، ولا يتشبهوا بـ ( اليهود ) وإخوانهم ( النصارى ) .

وفي مقابل مدحه لـ ( حماس ) وحثِّه لها لتثبت على مبدئها ( الديمقراطي ) يقول )ناصر العمر( في نفس المقابلة التي قال فيها مدحه لحماس وذلك لَمَّا سُئِل عن الأخبار الأخيرة التي تشير إلى استعادة إمارة ( طالبان ) لشيءٍ من عافيتها ، قال : ( الناس الآن في " أفغانستان " شعروا أن الدولة التي كانت توفِّر لهم الأمان ليست الحكومة العميلة الحالية ، وإنما حكومة " طالبان " بِغضِّ النظر عن تحفُّظنا عن بعض سياستها ) انتهى .

وجواب هذا : أنه معلوم أنَّ الذي جاء ببشائر عودة " طالبان " هو من أخرجها من حُكْمِها ابتلاءً وامتحاناً لَهُم ولغيرهم ليميز الله الخبيث من الطَّيِّب ، فهو سبحانه الملك وهو مُدبِّر المُلْك .

وما كان الله ليفعل إلا عودتهم أحسن مما كانوا ، فهو سبحانه لا يضيع عَمَل عامل ، فهم في حكمهم طبَّقوا الشريعة وأقاموا حدودها ، وحَسْبهم تكسير صنم " بوذا " والله – سبحانه وبحمده – هو الذي وفَّقهم أولاً ويثيبهم ثانياً ؛ فكل الخير منه سبحانه ، وما كنتُ – ولله الحمد – في شَكٍّ من عودتهم لحكمهم من حين أن أُخرجوا من حكمهم ، والحمد لله الذي عافانا من أن نقول ما قاله الظَّانون بالله ظن السوء : ( طالبان وحالِمَان ) و ( انتقلت " طالبان " من الجغرافيا إلى التاريخ ) وأمثال ذلك من أقوال من أمرهم فُرُطاً حيث نشروا هذه الكلمات وظنونهم السوء في جرائدهم .. ﴿ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ ﴾ ([12]) .

وكنت قد دعوتُ – ولِلَّه الحَمْد – إلى ( الْمُبَاهَلَة ) برجوع ( الطَّالِبَان ) لحكمها وسلطانها قريباً أقوى وأعظمَ وأحسنَ ممَّا كانت في حكمها السَّابق الذي عُزِلَت عنه ابتلاءً من مَالكِ الْمُلك – سبحانه وبحمده - ؛ وهذا لا يعني أنّني أعلم الغيب ، ولكنِّي أعرف ما يليق بربِّي –جلَّ جلاله- ، وأعلم صدقَ مَوْعوُدِهِ بِنصْرِ من ينصُرُه وقد قال – وقوله الحقُّ - : ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ ([13]) ، وقال سبحانه : ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ ([14]) ؛ بل أباهل على أنَّ الله – عزّ وجل – سينصر المجاهدين في ( العِراق ) ما داموا يجاهدون في سبيله لتكون كلمته هي العليا ([15])
يتبع

المهاجر7
03-06-2008, 05:52 PM
فهل يا )ناصر العمر( عودتهم من أجل أنهم وفّروا الأمن للأفغان ، أم أنَّ الأمر أكبر وأجلُّ من ذلك وهو حكمهم بالمُنَزَّلِ الذي يقارنه الأمْنُ لا محالة كمقارنة الظِّلِّ للشخص في الضَّوْء ؟! فالأمن الذي حصل وقت حكمهم ثمرة من ثمار تطبيق الشريعة وفرع من فروعها .

وكيف جاءت تحَفُّظاتك عليهم وهم مُحَكِّمون للشريعة ؟! ، ولم يأتِِ حِفْظُكَ دينَك في تأييد ومدح ( حماس ) المُوغِلة في الضلال ، والبعد عن شريعة ذي العزة والجلال ، الْمُحَكِّمة للديمقراطية الكافرة ! .
واعلم أن قولك في هذه المقابلة عن هيئة الأمم التي أسْمَيتَها : ( الأمم المتحدة ضد المسلمين ) وقلت عن مجلس أمنها : " مجلس الظلم والجور والطغيان " فهذا جيِّد ، ولكن كيف يتَّفق مع ( قرارات وتوصيات المؤتمر العالمي لنصرة النبي ) البحرينية – الذي أنت عضو فيه - ، فقد طلبتم من ( هيئة الأمم ) هذه استصدار تشريعات وقوانين وقرارات – كما تقدّم بيانه - ، وهذا خذلان ظاهر لرسول الله لا نُصْرَة ، لأنه إيمان بالطاغوت ! .

وكيف يتَّفق مع قولك في ( حماس ) المؤمنة بطاغوت ( الديمقراطية ) التي هي شريعة ( هيئة الأمم المتحدة ) و ( مجلس أمنها ) ؟! .

إن عبارات حركة ( حماس ) تدول حول ( الالتزام بالديمقراطية ) ، وما يسمونه : ( المصلحة الوطنية ) و ( الوحدة الوطنية ) و ( خيار الشعب ) – وهو تحكيم أصوات الشعب - ، وكذلك ( الشرعية الدولية ) و ( الدم الفلسطيني ) و ( المجلس التشريعي ) وهو الشِّركي الذي يُشَرِّع القوانين ويُلزمها الناس .





هذه بعض كفرياتهم الغليظة التي تأسست عليها ديمقراطيتهم الكفرية ، وليس كلامي معهم هنا ([16]) ، ولكن مع )ناصر العمر( ، و )سلمان العودة( وأجناسهم .

إنَّ أحسن احوال هؤلاء الذين تصدَّوا لقضايا الأمَّة أنهم جهلة بالتوحيد ! ، والجاهل يُفْسِدُ أكثر مِمَّا يُصلح أو أنهم غَشَشَة لأمَّة محمد ! .

إن الأولى بهم أن ينصحوا لأنفسهم أولا قبل الفلسطينيين ويراجعوا دينهم ، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه ! .
وأنا هنا بدأت بالجُرْحِ القاتل وإلا فبلاء هؤلاء عظيم ، مثل مشاركتهم بالشاشات الجالبة للضلالات وتلبيسهم على الأمة جواز إدخال أبنائها ( المدارس الحادثة ) المشحونة بالهَلَكات والتصوير وخلْط الحقِّ مع الباطل ونَحْوِ ذلك ، وغير هذا من دواهيهم ، فلو انشغلوا بنصح نفوسهم بتحقيق التوحيد والبعد عن الفتن لصاروا قدوة صالحة ! .

والعجب أن يوجد من الناس من إذا ذُكِرَ هؤلاء وبُيِّن أمرهم إظهارا للدين ونصيحة للأمة جعل ذلك من باب ( الغيبة ) وقال : ( لُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومةٌ ) ، ونحو ذلك ممَّا لا يفقهه على وجهه أو أنه يحتج به لهواه ، وليس الكلام بهؤلاء من هذا الباب كما أن قائل هذه الكلمة )ابن عَسَاكِر( لم يقصد ما فهمه أهل الفُهُوم القاصرة .

وسوف أُورِدُ كلامه وأوضِّح المقصود منه – إن شاء الله تعالى - :

قال الحافظ )ابن عَسَاكِر( رحمه الله : ( واعْلَمْ يَا أخِي – وَفَّقَنَا اللهُ وَإيَّاكَ لِمَرْضاتِهِ ، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَخْشاهُ ويَتَّقيه حَقَّ تُقَاتِهِ – أَنَّ لُحُومَ العُلَماءِ مَسْمُومَةٌ ، وَعَادةُ اللهِ في هَتْكِ أسْتَارِ مُنْتَقِصِيهِمْ مَعْلُومَةٌ ، لأنَّ الوَقِيعَةَ فِيهِمْ بِمَا هُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ أمْرُهُ عَظِيم ٌ ، والتَّناوُلُ لأعْراضِهِم بالزُّورِ والافْتِراءِ مَرْتَعٌ وَخيمٌ ، والاختِلاقُ عَلَى من اخْتارهُ اللهُ مِنْهُم لِنَعْشِ العِلْمِ خُلُقٌ ذَمِيمٌ ) انتهى ([17]) .

وفيما يلي سأوَضِّح المقصودَ بِهَذا الكلام :

1-يريد )ابن عَسَاكِر( -رحمه الله – بـ ( العُلَماء ) أنهم الذين يستحقُّون أن يُسَمَّوا ( علماء ) ، وهم الذين وصفهم بأن الله اختارهم لِـ ( نَعْشِ العِلْم ) ؛ يعني القيام به ، وبيانه ، والذبِّ عنه ، ليس من تَمَعْلَم وسُمِّي بـ ( العالِم ) كحال كثيرين من أهل زماننا ! .
2-قوله : ( بما هُمْ مِنْهُ بَراءٌ ) ، وقوله ، : ( بالزُّور والافْتِراء ) ، وقوله : ( والاختِلاقُ ) يُبَيِّن المراد وأنَّه القول فيهم بالكذب عليهم ، فهذا هو المحذور .
3-لا يعني كلامه هذا غلق الباب عن الكلام في العلماء إذا دعت الحاجة لذلك وحَسُنَ القصد في ذلك كما في كتب ( الجرح والتعديل ) والتراجم ومما يُؤثَر عن العلماء كلامهم في زلَّات بعضهم ، بل هذا دين يُدَان الله به ، وذلك بشروطه ليس للثَّلب والاستطالة وإسقاط منزلة العالم وإلا فكيف يحفظ الدين إذا لم تُبَيَّن الأخطاء ؟! .
4-ولا يعني كلام )ابن عَسَاكِر( أيضاً أن لحوم العلماء ليست مسمومة بالافتراء عليهم ، وغِيبتهم وبهتهم ، وإنما معنى كلامه أنّ العلماء الذين وصَفَهم غيبتهم أعظم من غِيبة غيرهم لمقامهم من الدِّين ولأن الله أغْيَرُ لهم مِمَّن ليس في مقامهم ، أمّا ذمُّ الغِيبة والوعيد عليها فعامٌّ للعلماء وغيرهم .
5-إنَّ من المعلوم من عموم وجملة الشريعة وواجباتها هو النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم ، فهل من النُّصح السكوت عن أخطاء العلماء ؟! ، بل هذا غِشٌّ وخيانة ، ولو عُملَ به لتلاشى الدّين واضمحلَّ ! .

بل بيان زلاََّتهم من النصح لهم لِيَقِلَّ أتباعهم ومقلِّدوهم في خطئهم ، ولعلَّهم هم يرجعون إلى الصواب ، وذلك من النُّصح للأمة حتى لا تضِِلَّ بزلات من ليسوا بمعصومين .




6-وإذا كان هذا هو الصحيح في بيان أخطاء من يستحقُّون أن يُسَمَّوا علماء حفظا للدين ونصحا للمسلمين فكيف يكون حال من يتَسَمَّون بالعلماء وآفاتهم على الدين وضررهم على المسلمين ظاهر بيِّن ؟! ؛ لا ريب أنَّ من يجادل عن هذا الصنف أنَّه في أحسن الأحوال مُغرِقٌ في الجهل ! ، وإلا فهو من الغاشِّين للأمة الملبِّسين على الناس دينهم ! .
7-لو سُبِرَت أحوال هذا الصِّنف لَوُجِدَ حين يُنالُ من عرضه أو يُبخسُ في ماله أو يُخالَفُ في هواه مخالفا لأصله الجاهلي الذي أصَّله ، فتجده يحامي ويعادي ، فما بال الدِّين يُغَطَّى على انتهاك حُرُماته بكلام لـ )ابن عَسَاكِر( فُهِمَ على غير مراده ! .

وللإمام )ابن القيم ( - رحمه الله – كلام نفيس في ذلك قال فيه : ( وَأيُّ دينٍ وأيُّ خَيْرٍ فِيمَنْ يَرَى مَحَارِمَ اللهِ تُنْتَهَكُ ، وَحُدودَهُ تُضاعُ ، ودينَهُ يُتْرَكُ وسُنَّةَ رَسُولِ اللهِ يُرغَبُ عَنْها وهُوَ بَارِدُ الْقَلْبِ سَاكِتُ اللِّسانِ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ ؟! ، كَمَا أنَّ المُتَكَلِّمَ بِالْباطلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ .
وهَلْ بَليِّة الدِّينِ إلا مِنْ هَؤُلاءِ الَّذينَ إذَا سَلِمت لَهُم مَآكِلُهُم وَرياساتهم فلا مُبالاة بِمَا جَرَى عَلَى الدِّين ؟! وَخِيارُهُمُ الْمُتَحَزِّنُ الْمُتَلَمِّظُ ، وَلَو نُوزِعَ في بَعْضِ مَا فيه غَضَاضَة عَلَيهِ فِي جَاهِهِ أو مالِهِ بَذَلَ وتَبَذَّلَ وجَدَّ واجْتَهَد ، واسْتَعْمَلَ مَرَاتِبَ الإنْكارِ الثَّلاثَة بِحَسَب وُسْعِه ؛ وَهَؤلاءِ – مَعَ سُقُوطِهِمْ منْ عَيْن اللهِ وَمَقْتِ الله لهم- قَدْ بُلُوا في الدُّنيا بأعْظَمِ بَليَّة تَكونُ وهُمْ لا يَشعُرون ، وَهُوَ مَوْتُ الْقُلُوب ؛ فإنَّ القلْبَ كُلَّما كانَتْ حَيَاتهُ أتَمَّ كَانَ غَضَبُهُ للهِ ورَسولِهِ أقْوى ، وانْتِصارُهُ للدِّينِ أكْمَلُ ! ) انتهى ([18]) .
8-ولو جُمِعَ كلام العلماء في هذا الموضوع لجاء مؤَلَّفا ضخماً ، وتكفي كتب ( التعديل والجرح ) للأئمة – رحمهم الله - ، فبهذا التفصيل يتبين الفرق بين الغِيبة المذمومة والنصيحة الواجبة .

9-أما تفسير النبي الغِيبة بأنها ( ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ ) ([19]) فهذا خارج عن الأخطاء في الدِّين ، لأنَّ أخاك حقيقة لا يكره بيان خطئه في الدين ، بل يَوَدُّ أن يُبَيَّنَ لِئلا تَضِلَّ الأمة بسببه ؛ ومن فهِمَ من كلام النبي هذا أنه مطلق بحيث لا يُذْكَرَ أحدٌ فهو قد أُتيَ من سُوءِ فهمه أو من سوء قصده ، لأنه ذكر من زلَّ وأخطأ ، كذلك الصحابة –رضي لله عنهم- ، ومن بعدهم مِمَّن يُقتدى بهم ذكروا من أخطأ حفاظاً على الدين ونصيحة للمسلمين .

فهل يُفهم من قول النبي في شأن الغيبة : ( ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ ) أنَّ من أخطأ في الدين لا يُذكر؟! ، هذا فَهْم سوء .

10- وأخيرا لو عُمِلَ بمفهوم بعض الناس في الغيبة بأنَّ لحوم العلماء مسمومة مطلقا فلك أن تتصوّرَ ما الذي يبقى من الدين إذا جُعِلَ العلماء في مقام المعصومين ؟! .

هذا كلام مختصر وعلى عُجالة ، وليس هو في بحث الغِيبة عموماً ، وإنما هو مناقشة لكلام )ابن عَسَاكِر( - رحمه الله- حيث يفهمه كثيرون على غير المراد ويحتجُّون به لأهوائهم أو لجهلهم .

قال شيخ الإسلام ( ابن تيمية ) -رحمه الله- : ( وقَاَلَ بَعْضُهُم لـ ( أحْمَدَ بن حَنْبَل ) : أنَّهُ يُثْقِلُ عَلَيَّ أنْ أقُولَ فُلانٌ كَذَِا وفُلانٌ كَذَا ! ، فَقَال : " إذَا سَكَتَّ أنْتَ وسَكَتُّ أنا فمَتَى يَعْرِفُ الْجَاهِلُ الصَّحيحَ منْ السَّقيمِ ؟! " ؛ وَمِثْلُ أَئِمَّة الْبِدَع مِن أَهْلِ المَقالاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتابِ والْسُّنَّةِ أو العِبَاداتِ المُخَالِفَةِ للكِتابِ والْسُّنَّةِ ، فإنَّ بَيَانَ حالِهِم وتَحذِيرَ الأُمَّةِ مِنْهُم وَاجبٌ باتِّفَاقِ المُسْلِمينَ حتَّى قِيْلَ لِـ ( أَحْمَدِ بن حَنْبَل ) : الرَّجُلُ يَصومُ ويُصَلِّي ويَعْتَكِفُ أَحَبُّ إليكَ أوْ يَتَكَلَّمُ في أهْلِ الْبِدَع ؟! ، فَقَال : " إذا قَامَ وصَلَّى واعْتكَفَ فإنَّمَا هُوَ لِنَفْسِه ، وإذا تَكَلَّمَ في أهْلِ الّبِدَعِ فإنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمين هَذَا أفْضَلُ " .
فَبَيَّنَ أنَّ نفْعَ هذا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ في دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الجِهَادِ فِي سَبِيْلِ اللهِ ؛ إذْ تَطهِيرُ سَبِبيلِ اللهِ وَدينِهِ ومَنْهَجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعُ بَغْيِ هَؤُلاءِ وَعُدوانِهِم عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ على الكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ المسْلِمينَ وَلَولا مَنْ يُقيمُهُ اللهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هؤُلاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وكَانَ فَسَادُهُ أعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتيلاءِ العَدُوِّ مِنْ أهْلِ الْحَرْبِ ؛ فإنَّ هؤلاء إذا اسْتَولَوا لَمْ يُفسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنَ الدِّينِ إلا تَبَعاً وَأمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدونَ الْقُلُوبَ ابتِداءً ! ) انتهى ([20

المهاجر7
03-06-2008, 05:54 PM
ويقول ( الحسَن البصْري ) -رحمه الله- : ( ثَلاثَةٌ لَيْسَتْ لَهُمْ حُرْمَةٌ فِي الغِيبةِ : فَاسِقٌ يُعْلِنُ الفِسْقَ ، والأمِيرُ الجائِرُ ، وصَاحِبُ البِدْعَةِ المُعْلِنُ البِدْعَة ) انتهى ([21]) .

وموضوع الغيبة المذمومة والفرق بينها وبين النصيحة وتحذير المسلمين مما يفسد الدين – كما تقدَّم – بيَّنها العلماء مثل قول ( ابن القيم ) -رحمه الله- : ( والفَرْقُ بَيْنَ النصيحة والغيبَة أنَّ النصِيْحَةَ يَكُونُ القَصْدُ فِيهَا تَحْذيرُ المُسْلِمِ مِنْ مُبْتَدِعٍ أوْ فَتَّانٍ أوْ غاشٍّ أوْ مُفْسِدٍ ، فتَذكُرُ مَا فيهِ إذا اسْتَشَارَكَ في صُحْبَتِهِ وَمُعامَلَتِهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ كَمَا قال النَّبيٌّ لِـ ( فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ) - وَقَدْ اسْتَشارَتهُ في نِكاحِ ( مُعَاوية ) وَ ( أبي جَهْمٍ ) فَقَال : " أمَّا ( مُعَاويَة ) فَصُعْلُوكٌ ، وأمَّا ( أبُو جَهْمٍ ) فَلا يضَعُ عصَاه عَن عاتِقِه " ، وقَالَ بَعْضُ أصْحابِهِ لِمَنْ سَافَرَ معَهُ : إذَا هَبَطْتَ عَنْ بلاَدِ قَوْمِهِ فاحذَرْهُ .
فإذَا وَقَعَتِ الِغيبةُ على وجْهِ النَّصيحَةِ للهِ وَرَسولهِ وَعِبَادهِ المُسلِميْن فَهيَ قُرْبَةٌ إلى اللهِ مِن جُمْلَةِ الحَسَنَاتِ .
وإذا وقَعَت عَلَى وجْهِ ذَّمِّ أخيكَ وتَمْزيقِ عِرْضِه والتَّفَكُّه بِلَحْمِهِ والغضِّ منه لِتَضَعَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ فهيَ الدَّاءُ العُضالُ ونارُ الحَسَناتِ التي تأكُلُها كَمَا تأكُلُ النَّارُ الحَطَب ) انتهى ([22]) .

وقال ( النَّوَويُّ ) -رحمه الله – في أحكام الغيبة : ( ومِنْ ذلكَ إذا ذَكَرَ مُصنِّفٌ كِتابَ شخْصٍ بِعينِهِ قائلاً : " قالَ فُلانٌ كَذَا .. " مُريداً بذلك تَنْقيصَه والشَّناعةِ عَليهِ فهوَ حَرامٌ ، فإن أرادَ بَيَان غَلَطِهِ لِئلا يُقلَّدَ أوْ بَيَانَ ضَعْفِهِ في العِلْمِ لِئلا يَغْتَرَّ بِهِ ويُقبَلَ قَولُهُ : فَهذا لَيسَ غِيبةً ، بلْ نَصيحةٌ وَاجِبَةٌ يُثابُ علَيهَا إذَا أرَادَ ذَلِكَ ) انتهى ([23]) .

فتأمَّل قول ( ابن القيم ) - رحمه الله : ( قُربَةٌ إلى اللهِ مِنْ جُمْلَةِ الحَسَناتِ ) ، وقول ( النَّوَوِي ) - رحمه الله- : (بلْ نَصيحًةٌ وَاجِبَةٌ يُثابُ علَيهَا إذَا أرَادَ ذَلِكَ ) تعلم خطأ من يجعل الغيبة باباً واحداً منهيِّاً عنه دون بيان الفرق الذي يذكره العلماء – كما تقدَّم من كلام ( أحمد )و ( ابن تيمية ) و ( الحسن ) -رحمهم الله- ، والذّبِّ عن الدين بذكر المنحرفين ؛ وهذا غلطٌ ظاهِرٌ .

وبعض الناس يحتجُّ بما ورد في ذمِّ ( الغيبة ) من القرآن والسنة وكلام العلماء مثل كلام ( ابن عساكر) - المتقدِّم – ونحوه إذا خالف هواه وبُيِّنَ أمر متبوعه ومقلِّدهِ ، أمّا غير ذلك فله مكيال آخر ! .

ولذلك قيل لبعض العلماء عن رجل أنه إذا ذكر عنده أهل البدع قال : دعونا منهم ، فقال : ( لاَ يَغُرُّكُم ! هُوَ مِنْهُم ) ، وصَدَقْ فهذا الصِّنف لا غيرة عنده على دين رب العالمين ، وفيه دَغَل ! ؛ وما دام الأمر كذلك فكيف لا يُذْكَرُ من يأمرون بتحكيم القوانين ويُقِرُّون الديمقراطية الكافرة ويهنِّئون أهلها ويسمُّون ذلك فوزاً ويأمرون بالانتخابات وسُنن أهل الكتاب الكافرة الضَّالة المضلَّة ؟! ، بل هذا كفرٌ أمر به ( العودة ) الفلسطينيين وهنَّأهم عليه وأقرَّهم عليه ( العمر ) - نعوذ بالله من الضَّلال - .

والحقيقة أن هؤلاء تعلموا علم التوحيد نظريَّاً كما هو شأن التعاليم الحادثة إذ أنَّ فيها تحصيل العلوم نظريَّاً دون شرط العمل ! ، ومعلوم أن هذا لا يعطيهم فرقاناً ، ولا يثمر لهم أوثق عرى الإيمان الذي هو ( الحب في الله ، والبغض فيه ) مع ما يضاف إلى آفاتهم من تخليط العلوم ، وطلب الدنيا بالدين – كما تقدّمَ بيانه - ؛ ولذلك يحسِّنون كثيرا من القبيح ، ويقبِّحون الحسن ، ويشاركون في الشاشات الحادثة ، وغير ذلك مما أحدث لبساً على كثير من الجهال فدخلوا مداخل الضلال ؛ والأمر ليس خاصاً بهؤلاء الذين كم من قبيح حسَّنوه وكم من حسن قبَّحوه ! ؛ وإنما أشباههم كثير – لا كثَّرهم الله –ممن فُتِنوا بمعاداة المجاهدين الموحِّدين وتسميتهم بـ ( إرهابيين ) و ( خوارج ) و ( مُفْسدين ) ونحو ذلك ؛ وبالمقابل تجد مباركتهم لـ ( الديمقراطيين ) المنحرفين من أمثال ( حَمَاس ) ! ؛ وبما أنَّ هؤلاء قد ملئوا الدنيا وأشغلوا الناس بذلك ، وقام آخرون من أهل التوحيد بالرد عليهم ولكنهم لم يَرْعَوُوا فإنه لم يبقَ الآن سوى العدول إلى ما أمر الله به ورسوله من المباهلة .

وعلى هذا فهذه دعوة إلى المباهلة موجهة خصوصا وأولا إلى من يُسَمَّون بـ ( هيئة كبار العلماء ) الذين تكلموا وأفتوا وكتبوا عن المجاهدين في سبيل الله وسمّوهم : ( إرهابيين ) و ( خوارج ) و ( مُفْسدين ) و ( يقصدون قتل المسلمين ) و ( أنّهم دسائسٌ من بعض الدول الأجنبية ) ونحو ذلك ؛ كذلك فالدعوة – أيضا- موجّهة لمن يرى رأيهم من علماء ومشايخ وغيرهم .

وقبل أن أذكر صيغة هذه ( المباهلة ) فسوف أذكر الان – إن شاء لله تعالى – فوائد عن ( المباهلة ) وحكمها وأمثلة حولها ، وكنت ذكرت أكثرها في موضعين من كُتُبي وأذكرهما الآن هنا لأهميتهما :
فأولاً : لقد بيّن أهل العلم حكم ( المباهلة ) ، وقد بيّن بعضهم في رسالة كتبها شروطها المستنبطة من الكتاب والسنة والآثار وكلام الأئمة الأطهار ؛ وحاصل كلامه فيها أنها لا تجوز إلا في أمر مهم شرعا وقع فيه اشتباه وعناد لا يتيسَّر دفعه إلا بـ ( المباهلة ) فيشترط كونها بعد إقامة الحجة والسعي في إزالة الشبهة وتقديم النصح والاعتذار وعدم نفع ذلك ومساس الضرورة إليها ([24]) .

ثانياً : ( المباهلة ) سنَّة ماضية أنزل الله بها قرآنا لقطع العناد ومكابرة نصارى " نجران " ، قال تعالى : ﴿ إنَّ مَثَلَ عِيسَى عنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قَاْلَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرين * فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَك مِنَ الِعلْمِ فَقُلْ تَعَالَوا ندْعُ أبْناءَنا وَأبْنَاءكُمْ وَنِساءَنا وَنِسَاءكُمْ وأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ على الْكَاذِبِين ﴾ ([25]) .

ولقد أُرعِبَ ( النصارى ) فلم يباهلوا ، فصار ذلك هزيمة منكَرَة لأعداء الله .

وقال تعالى : ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ في الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُد لَهُ الرَّحمنُ مَدَّاً حتَّى إذَا رَأوْا مَا يُوعَدُونَ إمَّا العَذَابَ وإمَّا السَّاعةَ فَسَيَعْلَمُون مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً ﴾ ([26]) ، قال ( ابن كثير ) -رحمه الله- : ( وَهذِه مُباهلَةٌُ لِلمُشرِكين الَّذين يزْعُمونَ أنّهم علَى هُدَىً فيمَا هُمْ فيهِ كَمَا ذَكَر َ تعالَى مُبَاهَلَة الْيَهُود في قوْلِه : ﴿ قُل يَا أَيُّها الَّذين هَادوا إنْ زَعَمْتُم أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ من دُوْنِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ([27]) ، أي ادْعُوا بِالمَوْتِ عَلَى الْمُبْطِلِ مِنَّا أَوْ مِنْكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَدَّعُونَ أنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ فإنَّه لا يَضٌرُّكُم الدُّعاء ، فَنَكَلوا عَنْ ذَلِك ) انتهى ([28]) .

وعلى مقتضى هذا الأصل الذي يقتضي أن الممتنع عن ( المباهلة ) يعتبر مُبْطِلاً مهزوما غير عالمٍ أنَّه على الحقِّ ! ، فإن امتنعتم عن مباهلتي فقد شهدتم على أنفسكم بذلك ، قال شيخ الإسلام << ابن تيمية >> - رحمه الله- : ( والنَّصارَى لَمَّا لَمْ يَعلَموا أنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ نَكَلوا عنِ الْمُباهَلَة ! ) انتهى ([29]) ، فادفعوا عن أنفسكم وتقدَّموا ، وهذا تحَدٍّ لكم ولأجناسكم الذين هم على نِحْلتكم ويرون رأيكم .
ثالثاً : ( المباهلة ) يدعى إليها في الأمور الكبيرة والصغيرة لبيان الحقِّ من الباطل فيما أشكل .
وهذه أمثلة لها وأقوال لأهل العلم حولها غير ما سبق :
· عن ( مَسْروق بن الأجْدع ) - رحمه الله- قال : قال ( عبدالله بن مسعود ) -رحمه الله - : ( مَنْ شَاءَ لاعَنْتُه " أيْ بَاهَلتُه " : لأنْزِلَت سُورَةُ النِّساءِ الْقُصْرى ([30]) بَعْدَ : ﴿ أرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ﴾ ([31]) ) ([32]) .
· وَعَنْ ( عَطَاء بن أبي رَبَاح ) - رحمه الله- أنَّ ( عبدالله بن عبَّاس ) -رضي الله عنه – أنه كان يقول : ( مَنْ شاءَ لاَعنتُهُ عِنْدَ الحجََرِ الأسوَدِ أنَّ اللهَ لمْ يذْكُرْ فِي القُرآنِ جَدَّاً وَلاَ جَدَّةً إنْ هَمْ إلاَّ الآبآءُ ، ثُمَّ تَلاَ : ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائي إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ ([33]) ) ([34]) .
· وعن ( ابن عبَّاس ) -رضي الله عنه – أنه قال : ( لَوَدِدْتُ أنِّي وَالذينَ يُخَالِفُونِي في الْجدِّ تَلاعَنّا : " أيُّنا أسْوأُ قَوْلاً ) ([35]) .
· وقال ( ابن عبَّاس ) -رضي الله عنه- أيضا : ( مَنْ شَاءَ بَاهَلتُهُ أنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ مِنَْ الأمَةِ ، إنَّمَا قَالَ الله : ﴿مِنْ نِسَائِهِم ﴾ ([36]) ) ([37]) .
· وقال العلاَّمة المُفَسِّر ( عكرمة القرشيّ) - مولى ( ابن عبَّاس ) -رضي الله عنه – في قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نؤتِها أجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ الآيات ([38]) ، قال –رضي الله عنه – ( مَنْ شَاءَ بَاهَلتُهُ أنَّها نَزَلَت فِي أزْوَاجِ النَّبِيِّ ) ([39]) .
· ومِمَّن طَلَبَ ( المُبَاهَلة ) : ( الشَّعْبِي )([40]) .
وَكَذَلِك ( الأوْزَاعي )([41]) .
وأيضا شيخ الإسلام ( ابن تيمية ) حيث قال عن بعض خصومه : ( وَطَلَبْتُ مُبَاهَلَة بَعْضِهِم ) ([42]) ، وَقَالَ عنْ بَعْضِهِم : ( وَبَيَّنتُ مَا دَخَلوا فيه مِنْ " الْقَرْمَطَة " حَتَّى أظْهَرتُ مُبَاهَلَتهُم ) انتهى ([43]) .
· وقد طلبها ( ابن القيم)من ( المُعَطِّلَة ) ، وذكر ذلك في مُقدِّمة نونيَّته ([44]) .

· وقال – رحمه الله- ( والمُناظرة إذا انتهَت إِلَى هَذَا الْحَدِّ لَمْ يَبْقَ فِيهَا فَائِدةٌ ، ويَنْبَغِي العُدُولُ إِلَى مَا أمَرَ الله بِهِ رَسولَهُ مِنَ الْمُبَاهَلَة ) ؛ وَذَكَرَ آيَة " آلِ عِمْرَانَ " ([45]) .
· وقال – رحمه الله – في قصَّة وَفْدِ " نَجْران" : ( ومِنْها أنَّ السُّنَّة في مُجادَلَةِ أهْلِ البَاطِلِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِم حُجَّةُ اللهِ ولَمْ يَرْجِعوا بَلْ أصَرُّوا عَلَى الْعِنادِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْمُبَاهَلةِ ، وقَدْ أمَرَ الله سُبْحانَهُ بِذَلكَ رَسُولَهُ ولَمْ يَقُلْ : " إنَّ ذَلِكَ ليْسَ لأِمَّتك مِنْ بَعْدِك " ، ودعا إليها ابْنُ عَمِّه ( عبدالله بن عَبَّاس) -رضي الله عنه- لِمَنْ أنْكَرَ عَليْهِ بَعْضَ مَسَائِلِ الفُرُوعِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيهِ الصَّحابَةُ ، ودَعَا إليها ( الأوزاعي (( سُفْيانَ الثَّورِي) فِي مَسْألةِ رَفْعِ اليَدين وَلَمْ يُنْكَرْ علَيْهِ ذلِك ، وهَذَا مِنْ تَمام الحُجَّة ) انتهى ([46]) .

تأمَّل قَوْلَهُ –رحمه الله – : " إنَّها سُنَّةٌ فِي مُجَادلَةِ أهْلِ البَاطِل " ، وقَولُه : " إنَّها للأمَّة مِنْ بَعْدِه ".
· وقال الحافظ ( ابن حَجَر ) بَعْدَ أنْ ذَكَرَ قِصًّة وفْدِ " نَجْرَان " ومَا فيها مِن الفَوائِد ، قال : ( وفيها مشروعيِّةُ مُباهَلَة المُخالِف إذا أصرَّ بَعْدَ ظُهور الحُجَّة ، وَقدْ دعَا ( ابن عبَّاس)-رضي الله عنه- إلى ذلك ثُمََّّ ( الأوزاعيّ) ، وَوَقَع ذلك لجَماعةٍ من العُلَماء ؛ ومِمَّا عُرِفَ بالتَّجْرُبة أنَّ منْ بَاهَلَ وكانَ مُبْطِلاً لا تَمضي عليه سَنَةٌ مِنْ يَوْم الْمُباهَلَة ) ثمَّ قال : ( وَوَقَع لي ذلك مع شَخْصٍ كانَ يَتَعَصَّبُ لِبعْضِ الْمَلاحِدة فَلَمْ يَقُمْ بَعْدَها غَيْرَ شَهْرين ) انتهى المقصود من كلامه ([47]) .

المهاجر7
03-06-2008, 05:58 PM
وقد بيّن ( السَّخاويّ ) في كتابه ( القَوْلُ الْمُنْبي عَنْ تَرْجمة ( ابن عربي) من هو الشخص الذي باهل ومن هو الملحد الذي تباهلوا لأجله حيث قال : ( سَمِعْتُ شَيْخَنا ( ابن حَجَر) -رحمه الله- مِرَارَاً يقول : إنَّه جَرى بينه وبين شخْصٍ يُقَالُ لهُ ( ابن الأمين) من المحبِّين لـ ( ابن عربي )منازَعَةُ كبيرةٌ في أمر ( ابن عربي) حتَّى نِلْتُ من ( ابن عربي) لِسوء مَقَالته فَلَم يَسْهُل ذلك بالرجل المُنازِع لي في أمره ؛ وكان بـ " مِصْر" شَيْخٌ يُقَالُ له ( الشّيخ صَفَاء ) فهدَّدني المذكور بأن يغريه بي فيذْكُر للسلطان أنّ بـ " مِصْر " – جماعة منهم فلان- يذكرون الصَّالحين بالسّوء ونحو ذلك- ، فقلت : ما للسُّلطان في هذا مدخَلٌ لكن نتباهلُ أنا وإياك في أمره لأنّه قَلَّ ما يَتباهَلُ اثنان فكَان أحدُهُما كاذباً إلا وأُصيبَ ([48]) ، فأجابَ للمُباهَلَة .

قال شيخُنا : فقُلتُ له : قُلْ " اللَّهمَّ إنْ كان ( ابن عربي) على ضَلالٍ فالعنِّي بِلَعْنتِك " ، فقالَ ذلكَ ، وقلتُ أنا: " اللَّهمَّ إنْ كان (ابن عربي) على هُدى فالعنِّي بلعنتك " ، وافترقنا .
قال: وكان يسكن " الرَّوضة" ، فاستضافه شخص من أبناء الجُنْدِ جَميلُ الصُّورة فحضر عنده لِضيافته ، ثمَّ بدا له عدَمُ المبيت عنده وخرج في أوّل اللَّيل وَصَحِبه من يُشيِّعه إلى " الشخْتُور" ، فلمَّا رجَعَ أحَسَّ بشيءٍ مَرَّ على رِجْلِه فقال لأصحابه : " مرَّ على رِجْلي شيءٌ ناعِمٌ فانظروا" ، فلم يَرَوا شيئاً ، وما رجع إلى منزله إلا وقد عَميَ بَصره ومَا أصبَحَ إلا ميّتا ، وكان ذلك في ( ذي القعدة) ، وكانت المُباهلَةُ في " رمضان" في نفس السَّنة ، قال : وكنْت قدْ عَرَّفْتُ من حضَرَ أنَّ من كان مُبْطِلاً لا تمضي عليه السَّنة ) انتهى ([49]) .
وقال ( السُّيوطي ) -رحمه الله- أثناء ترجمته للخليفة العباسي ( هارون الرَّشيد ): ( ومن الحوادث في أيّامه سنَةَ خَمْسٍ وسَبْعين ومائة افترى ( عبْدُالله بن مُصْعب الزُّبيري) على ( يَحيىََ بْنِ عبْدِالله بْنِ حَسَن العَُلَويِّ) أنَّه طلب إليه أن يخرج معه على ( الرَّشيد) .
فباهله ( يحيى ) بِحَضْرة (الرَّشيد) وشبّك يده في يده وقال : قُل : " اللّهُمَّ إن كُنْت تعلمُ أنَّ ( يحيى) لم يدْعُني إلى الخِلاف والخروج على أمير المؤمنين هذا فكِلني إلى حولي وقوتي واسْحتني بعذاب من عندك ؛ آمين يا ربَّ العالمين ؛ فتلجلج ( الزُّبيريُّ) وقالها ، ثُمَّ قال ( يحيى) مثل ذلك وقاما ؛ فمات ( الزُّبيريّ) ليومه ! ) انتهى ([50]) .

· وقد دعا إلى (المباهلة) الشيخ ( محمد بن عبدالوهَّاب) -رحمه الله- في رسالته إلى ( عبدالله بن محمد بن عبداللَّطيف ) -رحمه الله – حيث قال :

( وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع : إمَّا إلى كتاب الله ، وإمَّا إلى سنَّة رسول الله ، وإمّا إلى
إجماع أهل العلم فإن عاند دعوتنا دعوته إلى " المباهلة " كما دعا إليها ( ابن عباس)في
بعض المسائل في الفرائض ، وكما دعا إليها ( ألأوزاعيُّ)(سفيانَ) في مسالة
رفع اليدين وغيرهما من أهل العلم ) انتهى ([51]) .

· وقال الشَّيخ ( صِدِّيق حَسَن خَان القنوجي) -رحمه الله – ( أرَدْتُ الْمُباهَلَة في ذَلِكَ البَاب- يَعْني بَاب صِفات اللهَِ تعالى- مَعَ بَعْضِهَم فَلَمْ يَقُم الْمُخَالِفُ غَيْرَ شَهريْن حتَّى ماتَ ) انتهى ([52]) .

وبعد بيان شأن (المباهلة) وحقيقتها ، وذكر بعض أقوال وقصص ومواقف العلماء حولها ، وأنَّها لا تجوز إلا في أمر مهم شرعاً وقع فيه اشتباه وعناد ، وأنه لا أعظم ممَّا حلَّ بالأمة في هذه الفترة العصيبة حيث وقع اللّبس والاختلاف وما ترتب على ذلك من المصائب مما يجعل الحليم حيراناً !.

وما أطلبه الآن مع أنه سنَّة ماضية وحكم من أحكام الشريعة فهو – أيضا – أنصف مَطْلَب وأعدلُ طريق ، إذ إنه تحكيمٌ للحَكَم العدْل عزَّ وجل الذي لا يَظْلمُ ولا يَجور مع أنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيءٍ قدير ، فمن خافَ حَيفَه –سبحانه وتعالى- وظُلمه فليراجع إيمانه فليس بمؤمن ! .

إنَّ ( المباهلة ) فرصةٌ للصَّادق قدْ لا تَحْصُل بِالْمُنى لأنَّ كلَّ صادقٍ في أمر اتُّهِم فيه أحبُّ شيءٍ إليه ظهورُ صدقه .

وانا عرَضتُ نفسي لكم بمطلب لا يُتَّهم من طلبه وهو غاية العدل والإنصاف ، وما عليكم إلا أن تُظهِروا صدقكم بعملٍ يسير ، فالمباهلةُ مجرّد دُعاء ! .

وقد تقولون : ( نحنُ على يقينٍ من أمرنا ) ؛ فيُقالُ لكم : ولكن المخالِف لكم كثيرٌ ؛ فَبَاهِلوا لِيرسَخَ يقينُكُم ، ويستيقن الشّاكّ فيكم ، والمُعارضُ لكم ،وتظهر حجَّة الله في أرضه وبين عباده جَليَّة واضِحَة ؛ كذلك لِيَثقَ بكم من قلَّدكم ، وبنى على فتاويكم بنيانه ، ووثَّق عليه أركانه .

ولا تحتاج المسألة للمناظرة ، فقد تكلَّم بها وكُتِبَ فيها من الجانبين حتَّى قُتِلتْ بَحثاً وكلاماً ! ، فَلَمْ يبقَ إلا ( المباهلة ) ، فلنجتمع في مجمع يحضره الناس ، وإن شئتم عند الكعبة فنبتهل إلى من لا يَظْلِم مِثْقال ذَرَّة ، وندعوه بأن نقول وإياكم :
( اللهمَّ إنْ كَانَ مَنْ قَامَ مِنْ أهْلِ هذِهِ " الْجَزِيرَةِ " بِمَا سَمَّوه الْجِهَادَ فِي سَبيلِ الله مِمَّا فَعَلوهُ هُنَا ومَا ذَهَبُوا إليه في " العِراق" و " أَفْغانستان " حقَّاً يُرْضيكَ وأنّه امْتِثَالٌ لأمرِكَ وَأمْرِ رِسُولِك فأهلِكنْا عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ ؛ وإنْ كَانَ فِعْلُهُم هَذَا إرْهَاباً وفَسَاداً وأنَّهُم خَوَارِجٌ ويَقْصُدُون قَتْلَ المُسْلِمين وَدسَائسٌ مِنْ بَعْضِ الدُّولِ الأَجْنَبِيَّة الْمُعَادِيَةِ فَأهْلِك (عَبْدَ الكرِيمِ الْحُمَيْد) .
ونُؤَمِّنُ وَيُؤَمِّنُ النَّاسُ .

وبعد كلِّ ذلك أقول :
من يلومني على ذلك فعليه من الله ما يستحق ، حيث إنَّ ما ذكرته نزل به القرآن الكريم ، ودعا إليه رسول الله وعمل به الصَّحابة وعلماء الأمة ، وهو غاية العدل لأنَّه تحكيم لخالقنا ومعبودنا سبحانه وبحمده .

فالمطلوب من كلِّ أحد أن يُطالب بتنفيذ هذه ( المباهلة ) وحصولها سواء كان من المؤيدين لهؤلاء المشايخ والعلماء أو من المعارضين لهم ، وليعلم كلٌّ أحدٍ أن النَّاكل عن هذه ( المباهلة) مهْزومٌ مُبْطِل ، لأنه لو كان صادقاً لَفَرِحَ وسارع إلى ذلك لِيَتَجلَّى صدقه ويندحر مُعارِضُه .
ولْتَكُن مباهلتكم مُجتمعين ، فإن امتنع بعضُكم فليباهل من شاء منكم ومن غيركم مجتمعين أو متفرِّقين .
ولقد تبيَّن أنِّي لمْ آتِ بِبِدْعٍ من قول أو عملٍ ، فمن أنكر عليَّ ذلك فقد أنكر غايَةَ العدل ومُنْتهاه ! ، ولْيَحْذَر مِن دعوة المظلوم أن تُحيطَ بِهِ .

والله المستعان ، وعليه التُّكلان .

والحمد لله ربِّ العَاَلَمين ، وصَلَّى الله وسلَّمَ وَبَاركَ عَلى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعين .
عبد الكريم بن صالح الحميد
بُرَيْدَةُ – شَهْرُ شَوّالٍ/1427


وهذه صورة ضوئية للكتاب وفى أخره الخاتم الخاص بالشيخ كتوقيع على نشر الكتاب

المهاجر7
03-06-2008, 06:01 PM
1) أخرج البخاري في >>صحيحه<< برقم ( 3269) ومسلم في >>صحيحه<< برقم (2669) عن أبي سعيد البخاري–رضي الله عنه- أن النبي قال : ( لَتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ! ، قلنا : يا رسول الله .. اليهود والنصارى ؟! ، قال : فَمَن ! ) ؛ وقد أخرج ابن أبي شيبة في >>مصنفه << برقم (37378) بإسناد حسن عن عبدالله بن مسعود 0-رضي الله عنه- أنه قال : ( أنتم أشبه الناس سمتا ورأيا ببني إسرائيل ، لتسلكن طريقهم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل ) انتهى ، و ( القُذَّة ) : ( رِيش السَّهم ) . انظر : >>القاموس المحيط<< للفيروز أبادي ( 1 /341 ) .

[2] ) وفي كتابه الجديد والأخير : >>جلاء حقيقة الدين وعزة المتدينين ، وبيان ضلال سُنن المغضوب عليهم والضالين<< كلام مفصَّل حول التشبه بالكفار والنهي عنه وذكر بعض أقوال العلماء والغربيين حول ذلك وآثاره .

[3] ) انظر مقاله : >>أيها المجاهدون في حماس<< .

[4] ) انظر مقاله >>لا تفعلوها<< .

[5] ) وقد أقيم منذ يوم الاثنين ، الموافق 8 / شوال /1427هـ حتى يوم / الخميس ، الموافق 11 / شوال /1427هـ .

[6] ) سورة الشورى ، من الآية : 21 .

[7] ) سورة الممتحنة ، من الآية : 4 .

[8] ) انظر : قرارت وتوصيات ما سُمي : >>المؤتمر العالمي لنصرة النبي .<< .

[9] ) بردِّ مهم ومختصر عنوانه : >>أهكذا تكون نصرة النبي ؟!<< .

[10] ) في أوائل شهر رمضان الماضي 1427 هـ .

[11] ) سورة التوبة ، آية : 109 .

[12] ) سورة آل عمران ، من الآية : 118 .

[13] ) سورة محمد ، من الآية : 7 .

[14] ) سورة الحج ، من الآية 40 .

[15] ) انظر كتابنا الجديد >>جلاء حقيقة الدين وعزة المتدينين<< ، ص ( 84 – 85 ) .

[16] ) وقد كتبت سابقاً أكثر من بيان في نصح الفلسطينيين ، وبيّنت ان الذي أصابهم بسبب بعدهم عن ربِّهم وتنكُّرهم لدينهم ! .

[17] ) >>تبيين كذب المفتري<< ، ص ( 49 ) .

[18] ) >> إعلام الموقِّعين<< ( 2176/) .


[19] ) أخرج مسلم في >>صحيحه<< برقم ( 2589) عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله y ( أتدرون ما الغيبة ؟! ) قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ فقال : ( ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَه ) ، قيل : أفرأيتَ إن كان في اخي ما أقول ؟! ؛ قال : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبْتَه ، وإن لم يكن فيه فقد بَهتَّه ) .

[20] ) << مجموع الفتاوى >> ، ( 28 / 231-232 ) .

[21] ) أخرجه البيهقي في << شعب الإيمان >> برقم ( 9669 ) .

[22] ) << الروح >> ، ص ( 240 ) .

[23] ) << الأذكار >> ، ص ( 338 ) .

[24] ) وقد أورد هذا الكلام الشيخ ( أحمد بن إبراهيم العيسى ) – رحمه الله – شارح << الكافية الشافية >> وذلك بعد أن ذكر مطالبة الإمام ( ابن القيم ) خصومه بـ ( المباهلة ) ؛ انظر : << توضيح المقاصد وتصحيح القواعد >> ( 1/37) .

[25] ) سورة آل عمران ، الآيات 59 –61 .

[26] ) سورة مريم ، آية 75

[27] ) سورة الجمعة ، آية 6 .

[28] ) << تفسير ابن كثير >> ، ( 3 / 136 ) .

[29] ) << الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح >> ، ( 4 / 57 ) .

[30] ) أي قوله تعالى : ﴿ وأولاتُ الأحْمالِ أَجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ ] سورة الطلاق ، آية 4 [ .

[31] ) سورة البقرة ، آية : 234 .

[32] ) أخرجه أبو داود في <<سننه>> برقم ( 1963) ، والنسائي في <<سننه>> برقم ( 3464 ) ، وغيرهم ؛ وإسناده صحيح .

[33] ) سورة الجمعة ، آية : 6 .

[34] ) أخرجه سعيد بن منصور قي << سننه >> برقم ( 51) ، وإسناده حَسَن .

[35] ) أخرجه الدارمي في << سننه>> برقم ( 2925 ) .

[36] ) سورة المجادلة ، من الآية : 2 .

[37] ) أخرجه الدارقطني في << سننه>> برقم ( 267 ) ، والبيهقي في << سننه الكبرى >> برقم ( 15027 ) .

[38] ) سورة الأحزاب ، الآيات : 31- 34 .

[39] ) انظر << تفسير ابن كثير >> ، (3/484) .

[40] ) انظر : << تفسير ابن جرير >> ، (27/ 142 ) .

[41] ) انظر << السنن الكبرى>> للبيهقي (2/82) ورقم (2372) ؛ أو << تاريخ دمشق >> لابن عساكر ( 35/ 170) .

[42] ) << مجموع الفتاوى >> ، ( 4 / 82 ) .

[43] ) << السبعينية>> ، ص (520 ) .

[44] ) انظر : << الكافية الشافية بشرح ابن عيسى >> ، ( 1/31) .

[45] ) << مختصر الصواعق المرسلة >> ، ( 2/ 359 ) .

[46] ) << زاد المعاد >> ، ( 3/ 643) .

[47] ) << فتح الباري >> ، ( 7/ 697) .

[48] ) ( المباهلة ) من جنس الدعاء فقد تستجاب وقد لا تستجاب ، ولذلك قال " ابن حجر" : (قلَّ ما يتباهل اثنان فكان احدهما كاذباً إلا أُصيب) .

[49] ) وقد ذكرها –أيضا- الألوسي في كتابه << غاية الأماني في الرَّد على النبهاني >> (2/ 374) ، والبقاعي في << مصرع التصوف>> ص (149) ، وذكر نقلاً عن كتاب الشيخ " تقي الدين الفاسي" في تكفير " ابن عربي" أن " ابن حجر" قال بأن هذه المباهلة المشهودة جرت في شهر رمضان من عام 797 هـ وهلك " ابن الأمين" في شهر ذي القعدة من العام نفسه .

[50] ) << تاريخ الخلفاء>> ، ص ( 117) ؛ وانظر : << تاريخ الإسلام>> للذهبي (3/ 278) .

[51] ) انظر : << الدّرر السنية >> ، ( 1/41) .

[52] ) << عون الباري لحل أدلة صحيح البخاري >> ، ( 5/334) .