تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تقريب التدمرية ....ابن عثيمين



هنا الحقيقه
03-05-2008, 03:07 PM
سوف اقوم ان شاء الله بوضع هذا الكتاب وبالتعليق عليه ان لزم الامر لما فيه من فائدة عظيمة واحتواءه لقواعد مفيدة



المقدمة


إن الحمد لله ، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وأئمته الهدى من بعدهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين للناس ما نزل إليهم من ربهم بياناً كاملاً شاملاً في دقيق أمورهم وجليلها، وظاهرها وخفيها، حتى علمهم ما يحتاجون إليه في مآكلهم، ومشاربهم، ومناكحهم، وملابسهم، ومساكنهم، فعلمهم آداب الأكل والشرب، والتخلي منهما، وآداب النكاح، واللباس ودخول المنزل والخروج منه، كما علمهم ما يحتاجون إليه في عبادة الله - عز وجل - كالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج وغير ذلك.
وما يحتاجون إليه في معاملة الخلق من بر الوالدين، وصلة الأرحام وحسن الصحبة والجوار وغير ذلك.

وعلمهم كيف يتعاملون بينهم في البيع والشراء، والرهن والارتهان، والتأجير والاستئجار، والهبة والاتهاب وغير ذلك. حتى قال أبو ذر - رضي الله عنه-: "لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً"(1).
وفي صحيح مسلم(2) عن سلمان رضي الله عنه أنه قيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول... وذكر تمام الحديث.
هذا فضلاً عن أسس هذه العبادات والأخلاق والمعاملات، وهو ما يعتقده العباد في إلآههم ومعبودهم في ذاته، وأسمائه، وصفاته وأفعاله، وما ينشأ عن ذلك من أحكامه الكونية والشرعية المبنية على بالغ الحكمة وغاية الرحمة، فأخذ عنه ذلك الصحابة معيناً صافياً نقياً مبنياً على التوحيد الكامل المتضمن لركنين أساسيين: نفي، وإثبات.

فأما الإثبات فهو: إثبات ما يجب لله تعالى من الربوبية، والألوهية والأسماء والصفات، والأفعال.
وأما النفي فهو: نفي مشاركة غير الله تعالى لله فيما يجب له.
ومضى عليه التابعون لهم بإحسان ممن أدركوا زمن الصحابة أو جاءوا بعدهم من أئمة الهدى المستحقين لرضا الله -عز وجل- حيث يقول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100). ثم خلف خلوف عموا عن الحق أو تعاموا عنه فضلوا وأضلوا قصوراً أو تقصيراً، أو عدواناً وظلماً، فأحدثوا في دين الله تعالى ما ليس منه في العقيدة، والعبادة، والسلوك، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، أو كذبوها إن أمكنهم ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "واعلم أن عامة البدع المتعلقة بالعلوم والعبادات إنما وقع في الأمة في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"(3)... إلى أن قال: "فلما ذهبت دولة الخلفاء الراشدين، وصار ملكاً ظهر النقص في الأمراء فلابد أن يظهر أيضاً في أهل العلم والدين، فحدث في آخر خلافة علي -رضي الله عنه- بدعتا الخوارج والرافضة إذ هي متعلقة بالإمامة والخلافة وتوابع ذلك من الأعمال والأحكام الشرعية.

وكان ملك معاوية ملكاً ورحمة، فلما ذهب وجاءت إمارة يزيد وجرت فيها فتنة قتل الحسين بالعراق، وفتنة أهل الحرة بالمدينة، وحصروا مكة لما قام عبد الله بن الزبير، ثم مات يزيد وتفرقت الأمة: ابن الزبير بالحجاز، وبنو الحكم بالشام، ووثب المختار بن أبي عبيد وغيره بالعراق وذلك في أواخر عصر الصحابة، وقد بقي فيهم مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وغيرهم حدثت بدعة القدرية والمرجئة فردها بقايا الصحابة مع ما كانوا يردونه هم وغيرهم من بدعة الخوارج والروافض.

وعامة ما كانت القدرية إذ ذاك يتكلمون فيه أعمال العباد، كما يتكلم فيها المرجئة، فصار كلامهم في الطاعة والمعصية، والمؤمن والفاسق، ونحو ذلك من مسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد، ولم يتكلموا بعد في ربهم، ولا في صفاته إلا في أواخر عصر صغار التابعين، من حين أواخر الدولة الأموية حين شرع القرن الثالث تابعو التابعين ينقرض أكثرهم. فإن الاعتبار بالقرون الثلاثة بجمهور أهل القرن وهم وسطه، وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك، وجمهور تابعي التابعين في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وصار في ولاة الأمور كثير من الأعاجم، وخرج كثير من الأمور عن ولاية العرب، وعربت بعض الكتب العجمية من كتب الفرس، والهند، والروم، وظهر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد، ويحلف ولا يستحلف"(4).

حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف، وحدث التجهم وهو نفي الصفات، وبإزائه التمثيل...
إلى أن قال: فإن معرفة أصول الأشياء ومبادئها ومعرفة الدين وأصله، وأصل ما تولد فيه من أعظم العلوم نفعاً، إذ المرء ما لم يحط علماً بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حسكة" أهـ(5).

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "بدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة، فأنكرها من كان منهم حياً كعبد الله بن عمر وابن عباس وأمثالهما - رضي الله عنهم - ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة، فتكلم فيها كبار التابعين الذين أدركوها، ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين واستفحل أمرها واستطار شرها في زمن الأئمة كالإمام أحمد وذويه، ثم حدثت بعد ذلك بدعة الحلول وظهر أمرها في زمن الحسين الحلاج، وكلما أظهر الشيطان بدعة من هذه البدع وغيرها أقام الله لها من حزبه وجنده من يردها، ويحذر المسلمين منها نصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله ولأهل الإسلام"أهـ(6).
وقال ابن حجر - رحمه الله - في شرح البخاري: "فمما حدث تدوين الحديث، ثم تفسير القرآن، ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة من الرأي المحض، ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب".
فأما الأول: فأنكره عمر وأبو موسى وطائفة، ورخص فيه الأكثرون.
وأما الثاني: فأنكره جماعة من التابعين كالشعبي.
وأما الثالث: فأنكره الإمام أحمد وطائفة يسيرة، وكذا اشتد إنكار أحمد للذي بعده.
ومما حدث أيضاً تدوين القول في أصول الديانات فتصدى لها المثبتة والنفاة، فبالغ الأول حتى شبه، وبالغ الثاني حتى عطل، واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة، وأبي يوسف، والشافعي. وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور. وسببه أنهم تكلموا فيما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وثبت عن مالك أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء يعني بدع الخوارج، والروافض، والقدرية، وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو مستكرهاً، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدث الخلف، وإن لم يكن له منه بد فليكتف منه بقدر الحاجة، ويجعل الأول المقصود بالأصالة".أ.هـ(7).

ولما كان من حكمة الله البالغة أن يجعل للحق معارضين يتبين بمعارضتهم صواب الحق وظهوره على الباطل، فإن خالص الذهب لا يظهر إلا بعرضه على النار، قيض الله جل وعلا بقدرته التامة ولطفه الواسع وقهره الغالب من يدحض حجج هؤلاء المعارضين ويبين زيف شبههم وأنها كما قيل:
حجج تهافت كالزجاج تخالها حقا وكل كاسر مكسور
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - في خطبة كتاب "الرد على الجهمية": "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين. أهـ(8).
وكان من جملة من قيضهم الله تعالى لنصرة دينه والذب عنه باللسان والبنان والسنان شيخ الإسلام: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميه المولود في حران يوم الاثنين العاشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، المتوفى محبوساً ظلماً في قلعة دمشق ليلة الاثنين الموافق العشرين من شهر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وصلي عليه في الجامع الأموي بعد صلاة الظهر ولم يتم دفنه - لكثرة الزحام - إلا قبل العصر بيسير،رحمه الله تعالى رحمة واسعة،وجمعنا به مع من أنعم الله عليهم في جنات النعيم.
ولقد كان له رحمه الله مصنفات كثيرة في مجادلة أهل البدع ومجالدة أفكارهم ما بين مطولة ومتوسطة وقليلة، وحصل بذلك نفع كبير أشار ابن القيم - رحمه الله - إلى شيء منها في النونية حيث قال:
وإذا أردت ترى مصارع من خلا من أمة التعطيل والكفران
إلى أن قال:

فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة شيخ الوجود العالم الرباني


أعني أبا العباس أحمد ذلك البحر المحيط بسائر الخلجان


واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له نظير ثان

وكذاك منهاج له في رده قول الروافض شيعة الشيطان



ثم ذكر عدة من كتبه ورسائله وقال:

هي في الورى مبثوثة معلومة تبتاع بالغالي من الأثمان


إلى أن قال:

وله المقامات الشهيرة في الورى قد قامها لله غير جبان

نصر الإله ودينه وكتابه ورسوله بالسيف والبرهان

أبدى فضائحهم وبين جهلهم وأرى تناقضهم بكل زمان

إلى أن قال:

ومن العجائب أنه بسلاحهم أرداهم تحت الحضيض الداني

كانت نواصينا بأيديهم فما منا إلا لهم أسير عاني

فغدت نواصيهم بأيدينا فما يلقوننا إلا بحبل أمان

وغدت ملوكهم مماليكاً لأنصار الرسول بمنة الرحمن(9)


وكان من جملة رسائل الشيخ رحمه الله رسالة: "تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع" المعروفة باسم: "التدمرية".


(1) رواه أحمد (5/153) والطيالسي رقم (479) والبزار رقم (147) وابن حبان في صحيحه (1/142 رقم: 65).
(2) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة رقم (262).
(3) رواه أحمد (4/126، 127) وأبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة رقم (4607) والترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة رقم (2676) وابن ماجه، كتاب المقدمة، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين رقم (42، 43).
(4) رواه أحمد (1/18، 26) والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة رقم (2165) وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد رقم (2363).
(5) مجموع الفتاوى (10/354-368).
(6) انظر تهذيب سنن أبي داود (7/61).
(7) فتح الباري (13/253).
(8) انظر اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص(7).
(9) انظر شرح القصيدة النونية (833-839) ط الإمام.






يتبع............................... ....

أم ورقة
03-05-2008, 03:19 PM
جزاك الله خيراً... سنحاول ان نتابع..

هنا الحقيقه
03-05-2008, 08:10 PM
التدمرية


الظاهر أن هذه الرسالة ضمن أجوبة أجاب بها الشيخ أهل تدمر(10) وكانت هذه الرسالة من أحسن وأجمع ما كتبه في موضوعها على اختصارها؛ ومن أجل ذلك فإني أستعين الله - عز وجل - في لم شعثها وجمع شملها وتقريب معانيها لقارئها مع زيادة ما تدعو الحاجة إليه، وحذف ما يمكن الاستغناء عنه على وجه لا يخل بالمقصود(11)، وسميته: "تقريب التدمرية". وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه موافقاً لمرضاته نافعاً لعباده إنه جواد كريم.




بيان سبب تأليف هذه الرسالة

بين المؤلف سبب تأليف هذه الرسالة بقوله:
"أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات، وفي الشرع والقدر.
ثم علل وجوب إجابتهم بأمرين:
أحدهما: مسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين؛ لأنه لابد أن يخطر على القلب في هذين الأصلين ما يحتاج معه إلى بيان الهدى من الضلال، والحق من الباطل.
الثاني: كثرة اضطراب أقوال الناس فيهما، والخوض فيهما بالحق تارة وبالباطل تارات؛ فيلتبس الحق بالباطل على كثير من الناس، ومن ثم احتيج إلى البيان.


(10) مدينة قديمة بوسط سورية، انظر الموسوعة العربية الميسرة ص(500).
(11) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: ومما حذفت القاعدة السابعة لأنها غير موجودة في بعض النسخ، ويغني عنها ما سبقها من القواعد

هنا الحقيقه
03-05-2008, 08:12 PM
يبارك بك اختي واي سؤال لك فاسأل وان شاء الله نجيبك عليه

أبو مُحمد
03-05-2008, 08:14 PM
السلام عليكم ...
أرجو تقليل المشاركة الواحدة قدر الامكان أخي حتى يتمكن الجميع من المتابعة.
قد يطول الامر ولكن بهذا باذن الله تضمن ان الكثيرين سيتابعون ويقرؤون فتعم الفائدة المرجوة.

وبارك الله فيك.

هنا الحقيقه
03-05-2008, 08:47 PM
الكلام في التوحيد والصفات وفي الشرع والقدر


الكلام في التوحيد والصفات من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات من قبل المتكلم، المقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل المخاطب؛ لأنه خبر عما يجب لله تعالى من التوحيد وكمال الصفات، وعما يستحيل عليه من الشرك والنقص ومماثلة المخلوقات.
مثال ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)(البقرة: 255)ففي قوله: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) إثبات التوحيد، وفي قوله (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) إثبات كمال الصفات، وفي قوله: (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) نفي النقائص عن الله المتضمن لإثبات الكمالات.
وأما الكلام في الشرع والقدر فهو من باب الطلب الدائر بين الأمر والنهي من قبل المتكلم، المقابل بالطاعة أو المعصية من قبل المخاطب؛ لأن المطلوب إما محبوب لله ورسوله فيكون مأموراً به، وإما مكروه لله ورسوله فيكون منهياً عنه.
مثال ذلك قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (النساء: 36) ففي قوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ) الأمر بعبادة الله، وفي قوله: (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) النهي عن الإشراك به.
والفرق بين الخبر والطلب في حقيقتيهما وحكمهما معلوم،

(قلت وهنا يفصل الفرق بين خبر الله ورسوله وبين طلب الله ورسوله وماذا يفعل المخاطب ويتصرف امامهما)

فالواجب على العباد إزاء خبر الله ورسوله: التصديق والإيمان به على ما أراد الله ورسوله تصديقاً لا تكذيب معه؛ وإيماناً لا كفر معه، ويقيناً لا شك معه؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) (النساء:136).

والواجب على العباد إزاء الطلب: امتثاله على الوجه الذي أراد الله ورسوله من غير غلو ولا تقصير، فيقومون بالمأمور ويجتنبون المحظور لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الأنفال:20 - 23).


فصل

إذا تبين ذلك فهاهنا أصلان:
الأصل الأول في الصفات وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل كما جمع الله تعالى بينهما في قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11).
فقوله:

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) نفي متضمن لكمال صفاته مبطل لمنهج أهل التمثيل،

وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) إثبات لأسمائه وصفاته وإبطال لمنهج أهل التحريف والتعطيل، فنثبت ما أثبته الله لنفسه وننفي ما نفى الله عن نفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهذا هو المنهج السليم الواجب المبني على العلم والحكمة والسداد في القول والاعتقاد، وله دليلان أثري ونظري، وإن شئت فقل سمعي وعقلي.

أدلة القول والاعتقاد في الصفات

1: الاثري ( السمعي)

أما الأثري السمعي فمنه قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:180). وقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وقوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:74). وقوله (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36).

2: الدليل النظري (العقلي)

وأما النظري العقلي فلأن القول في أسماء الله وصفاته من باب الخبر المحض الذي لا يمكن للعقل إدراك تفاصيله، فوجب الوقوف فيه على ما جاء به السمع.



بتصرف يسير

منال
03-06-2008, 10:24 AM
السلام عليكم

جزاك الله خيرا



أرجو تقليل المشاركة الواحدة قدر الامكان أخي حتى يتمكن الجميع من المتابعة.
قد يطول الامر ولكن بهذا باذن الله تضمن ان الكثيرين سيتابعون ويقرؤون فتعم الفائدة المرجوة.

وبارك الله فيك.
وأنا مع هذا الرأى

ثلاث مشاركات فى يوم واحد كيف أتابع اذا غبت أياما ؟!

لا زلت أقرأ فى المقدمة

بارك الله فى حضرتك

هنا الحقيقه
03-06-2008, 10:35 AM
على شرط انك اتكون موجودة

منال
03-06-2008, 10:59 AM
حاضر بإذن الله

انهيت قراءة ممكن بقى حضرتك تضيف لو هما انهوا قراءة وجزاك الله خيرا

هنا الحقيقه
03-06-2008, 01:07 PM
فصل


والجمع بين النفي والإثبات في باب الصفات هو حقيقة التوحيد فيه؛ وذلك لأن التوحيد مصدر وحد يوحد. ولا يمكن صدق حقيقته إلا بنفي وإثبات، لأن الاقتصار على النفي المحض تعطيل محض. والاقتصار على الإثبات المحض لا يمنع المشاركة.

مثال ذلك: لو قلت: ما زيد بشجاع. فقد نفيت عنه صفة الشجاعة وعطلته منها.
ولو قلت: زيد شجاع. فقد أثبت له صفة الشجاعة، لكن ذلك لا يمنع أن يكون غيره شجاعاً أيضاً.
ولو قلت: لا شجاع إلا زيد. فقد أثبت له صفة الشجاعة، ونفيت أن يشاركه غيره فيها، فكنت موحداً له في صفة الشجاعة.
إذن لا يمكن توحيد أحد بشيء إلا بالجمع بين النفي والإثبات.
واعلم أن الصفات الثبوتية التي وصف الله بها نفسه كلها صفات كمال، والغالب فيها التفصيل، لأنه كلما كثر الإخبار عنها وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما لم يكن معلوماً من قبل؛ ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر من الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه.
وأما الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه فكلها صفات نقص ولا تليق به كالعجز، والتعب، والظلم، ومماثلة المخلوقين، والغالب فيها الإجمال؛ لأن ذلك أبلغ في تعظيم الموصوف وأكمل في التنزيه. فإن تفصيلها لغير سبب يقتضيه فيه سخرية وتنقص للموصوف، ألا ترى أنك لو مدحت ملكاً فقلت له: أنت كريم، شجاع محنك، قوي الحكم، قاهر لأعدائك إلى غير ذلك من صفات المدح، لكان هذا من أعظم الثناء عليه، وكان فيه من زيادة مدحه وإظهار محاسنه ما يجعله محبوباً محترماً؛ لأنك فصلت في الإثبات.

ولو قلت: أنت ملك لا يساميك أحد من ملوك الدنيا في عصرك؛ لكان ذلك مدحاً بالغاً؛ لأنك أجملت في النفي.

ولو قلت: أنت ملك غير بخيل، ولا جبان، ولا فقير، ولا بقال، ولا كناس ولا بيطار، ولا حجام، وما أشبه ذلك من التفصيل في نفي العيوب التي لا تليق به؛ لعد ذلك استهزاء به وتنقصاً لحقه.


وقد يأتي الإجمال في أسماء الله تعالى وصفاته الثبوتية كقوله تعالى في الأسماء: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (لأعراف: 180) وقوله في الصفات (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (النحل: 60).أي الوصف الأعلى.


وقد يأتي التفصيل في الصفات المنفية لأسباب منها:

1- نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون المفترون كقوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ)(المؤمنون: 91).
2- دفع توهم نقص في كماله كقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (ق:38).



أمثلة التفصيل في الإثبات والإجمال في النفي


الأمثلة على التفصيل في الإثبات كثيرة جداً فمنها:

قوله تعالى في سورة الحشر الآية: 22: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة) إلى آخر السورة، فقد تضمنت هذه الآيات أكثر من خمسة عشر اسماً، وكل اسم منها قد تضمن صفة أو صفتين أو أكثر.

وكقوله تعالى في سورة الحج الآية: 59: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ). إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ). فهذه سبع آيات متوالية، ختمت كل آية منها باسمين من أسماء الله - عز وجل - وكل اسم منها متضمن لصفة أو صفتين أو أكثر.



وأما أمثلة الإجمال في النفي

فمنها قوله تعالى:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى:11). وقوله تعالى:(هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم: 65). وقوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الإخلاص: 4).

منال
03-06-2008, 01:14 PM
جزاك الله خيرا

الواثق بالله
03-06-2008, 10:14 PM
موضوع إثرائي رائع بارك الله فيك , والله إني لأعشق التوحيد , كان ولازال الموضوع المفضل لدي حتى الآن ,


اللهم ارزقنا التوحيد السليم الخالص لوجهك

زدنا زادك الله علما

هنا الحقيقه
03-08-2008, 09:19 PM
فصل


واعلم أن الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات، كما دل على ذلك السمع، والعقل، والحس.
أما السمع: فقد قال الله عن نفسه: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء: 58). وقال عن الإنسان: (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان:2). ونفي أن يكون السميع كالسميع والبصير كالبصير فقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وأثبت لنفسه علماً وللإنسان علماً، فقال عن نفسه: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنّ) (البقرة: 235) وقال عن الإنسان: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) (الممتحنة: 10). وليس علم الإنسان كعلم الله تعالى، فقد قال الله عن علمه: (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (طـه: 98). وقال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5). وقال عن علم الإنسان: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء: 85).
وأما العقل: فمن المعلوم بالعقل أن المعاني والأوصاف تتقيد وتتميز بحسب ما تضاف إليه، فكما أن الأشياء مختلفة في ذواتها فإنها كذلك مختلفة في صفاتها وفي المعاني المضافة إليها، فإن صفة كل موصوف تناسبه لا يفهم منها ما يقصر عن موصوفها أو يتجاوزه، ولهذا نصف الإنسان باللين، والحديد المنصهر باللين، ونعلم أن اللين متفاوت المعنى بحسب ما أضيف إليه.
وأما الحس: فإننا نشاهد للفيل جسماً وقدماً وقوة، وللبعوضة جسماً وقدماً وقوة، ونعلم الفرق بين جسميهما، وقدميهما، وقوتيهما.
فإذا علم أن الاشتراك في الاسم والصفة في المخلوقات لا يستلزم التماثل في الحقيقة مع كون كل منها مخلوقاً ممكناً، فانتفاء التلازم في ذلك بين الخالق والمخلوق أولى وأجلى، بل التماثل في ذلك بين الخالق والمخلوق ممتنع غاية الامتناع.

من قلب بغداد
03-19-2008, 09:51 PM
جزاك الله خيراً ..
فقط لدي سؤال مُذ زمن يرد على ذهني ..



(كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)


هذهِ الـ كان هنا .. ما محلها أعني تدل على ماضي
و إن كانت تدل على ماضي فكيف ذاك

هنا الحقيقه
03-20-2008, 07:16 PM
في الزائغين عن سبيل الرسل وأتباعهم في أسماء الله وصفاته

الزائغون عن سبيل الرسل وأتباعهم في أسماء الله وصفاته قسمان:
ممثلة، ومعطلة، وكل منهم غلا في جانب، وقصر في جانب، فالممثلة غلوا في جانب الإثبات، وقصروا في جانب النفي. والمعطلة غلوا في جانب النفي، وقصروا في جانب الإثبات، فخرج كل منهم عن الاعتدال في الجانبين.
فالقسم الأول: الممثلة
وطريقتهم أنهم اثبتوا لله الصفات على وجه يماثل صفات المخلوقين، فقالوا: لله وجه، ويدان، وعينان، كوجوهنا، وأيدينا، وأعيننا، ونحو ذلك.
وشبهتهم في ذلك أن الله تعالى خاطبنا في القرآن بما نفهم ونعقل قالوا: ونحن لا نفهم ولا نعقل إلا ما كان مشاهداً، فإذا خاطبنا عن الغائب بشيء وجب حمله على المعلوم في الشاهد.
ومذهبهم باطل مردود بالسمع، والعقل، والحس.
أما السمع: فقد قال الله تعالى:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11) وقال: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل: 74). ففي الآية الأولى نفى أن يكون له مماثل مع إثبات السمع والبصر له. وفي الثانية نهى أن تضرب له الأمثال، فجمع في هاتين الآيتين بين النفي والنهي.
وأما العقل فدلالته على بطلان التمثيل من وجوه:
الأول: التباين بين الخالق والمخلوق في الذات والوجود، وهذا يستلزم التباين في الصفات، لأن صفة كل موصوف تليق به، فالمعاني والأوصاف تتقيد وتتميز بحسب ما تضاف إليه.
الثاني: أن القول بالمماثلة بين الخالق والمخلوق يستلزم نقص الخالق سبحانه؛ لأن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصاً.
الثالث: أن القول بمماثلة الخالق للمخلوق يقتضي بطلان العبودية الحق؛ لأنه لا يخضع عاقل لأحد ويذل له على وجه التعظيم المطلق إلا أن يكون أعلى منه.
وأما الحس: فإننا نشاهد في المخلوقات ما تشترك أسماؤه وصفاته في اللفظ وتتباين في الحقيقة، فللفيل جسم وقوة، وللبعوضة جسم وقوة، والتباين بين جسميهما وقوتيهما معلوم، فإذا جاز هذا التباين بين المخلوقات كان جوازه بين الخالق والمخلوق من باب أولى، بل التباين بين الخالق والمخلوق واجب، والتماثل ممتنع غاية الامتناع.
وأما قولهم: إن الله تعالى خاطبنا بما نعقل ونفهم فصحيح؛ لقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3). وقوله: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29). وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم) (إبراهيم: 4). ولولا أن الله أراد من عباده عقل وفهم ما جاءت به الرسل لكان لسان قومه ولسان غيرهم سواء، ولما حصل البيان الذي تقوم به الحجة على الخلق.
وأما قولهم: إذا خاطبنا عن الغائب بشيء وجب حمله على المعلوم في الشاهد فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن ما أخبر الله به عن نفسه إنما أخبر به مضافاً إلى نفسه المقدسة، فيكون لائقاً به لا مماثلاً لمخلوقاته، ولا يمكن لأحد أن يفهم منه المماثلة إلا من لم يعرف الله تعالى، ولم يقدره حق قدره، ولم يعرف مدلول الخطاب الذي يقتضيه السياق.
الثاني: أنه لا يمكن أن تكون المماثلة مرادة لله تعالى؛ لأن المماثلة تستلزم نقص الخالق جل وعلا، واعتقاده نقص الخالق كفر وضلال، ولا يمكن أن يكون مراد الله تعالى بكلامه الكفر والضلال، كيف وقد قال: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (النساء: 176). وقال: (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) (الزمر: 7).

منال
03-21-2008, 02:42 PM
جزاك الله خيرا

هنا الحقيقه
03-23-2008, 11:24 AM
فصل


والقسم الثاني(12): المعطلة
وهم الذين أنكروا ما سمى الله تعالى ووصف به نفسه إنكاراً كلياً أو جزئياً، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، فهم محرفون للنصوص، معطلون للصفات، وقد انقسم هؤلاء إلى أربع طوائف:

الطائفة الأولى: الأشاعرة ومن ضاهاهم من الماتريدية وغيرهم.
وطريقتهم أنهم أثبتوا لله الأسماء، وبعض الصفات، ونفوا حقائق أكثرها، وردوا ما يمكنهم رده من النصوص، وحرفوا ما لا يمكنهم رده، وسموا ذلك التحريف "تأويلاً".
فأثبتوا لله من الصفات سبع صفات: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، على خلاف بينهم وبين السلف في كيفية إثبات بعض هذه الصفات.
وشبهتهم فيما ذهبوا إليه أنهم اعتقدوا فيما نفوه أن إثباته يستلزم التشبيه أي التمثيل. وقالوا فيما أثبتوه إن العقل قد دل عليه، فإن إيجاد المخلوقات يدل على القدرة، وتخصيص بعضها بما يختص به يدل على الإرادة، وإحكامها يدل على العلم، وهذه الصفات "القدرة، والإرادة، والعلم" تدل على الحياة لأنها لا تقوم إلا بحي، والحي إما أن يتصف بالكلام والسمع والبصر وهذه صفات كمال، أو بضدها وهو الخرس والصمم والعمى، وهذه صفات ممتنعة على الله تعالى، فوجب ثبوت الكلام، والسمع، والبصر.
والرد عليهم من وجوه:
الأول: أن الرجوع إلى العقل في هذا الباب مخالف لما كان عليه سلف الأمة من الصحابة، والتابعين، وأئمة الأمة من بعدهم، فما منهم أحد رجع إلى العقل في ذلك وإنما يرجعون إلى الكتاب والسنة، فيثبتون لله تعالى من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسله إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل.
قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل: "نصف الله بما وصف به نفسه، ولا نتعدى القرآن والحديث".
الثاني: أن الرجوع إلى العقل في هذا الباب مخالف للعقل؛ لأن هذا الباب من الأمور الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال، وإنما تتلقى من السمع، فإن العقل لا يمكنه أن يدرك بالتفصيل ما يجب ويجوز ويمتنع في حق الله تعالى؛ فيكون تحكيم العقل في ذلك مخالفاً للعقل.
الثالث: أن الرجوع في ذلك إلى العقل مستلزم للاختلاف والتناقض، فإن لكل واحد منهم عقلاً يرى وجوب الرجوع إليه كما هو الواقع في هؤلاء، فتجد أحدهم يثبت ما ينفيه الآخر، وربما يتناقض الواحد منهم فيثبت في مكان ما ينفيه أو ينفي نظيره في مكان آخر، فليس لهم قانون مستقيم يرجعون إليه.
قال المؤلف رحمه الله في الفتوى الحموية: "فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة، فرضي الله عنه الإمام مالك بن أنس حيث قال: "أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء"(13). ومن المعلوم أن تناقض الأقوال دليل على فسادها.
الرابع: أنهم إذا صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معنى زعموا أن العقل يوجبه، فإنه يلزمهم في هذا المعنى نظير ما يلزمهم في المعنى الذي نفوه مع ارتكابهم تحريف الكتاب والسنة.
مثال ذلك: إذا قالوا المراد بيد الله عز وجل: القوة دون حقيقة اليد؛ لأن إثبات حقيقة اليد يستلزم التشبيه بالمخلوق الذي له يد.
فنقول لهم: يلزمكم في إثبات القوة نظير ما يلزمكم في إثبات اليد الحقيقية؛ لأن للمخلوقات قوة، فإثبات القوة لله تعالى يستلزم التشبيه على قاعدتكم.
ومثال آخر: إذا قالوا المراد بمحبة الله تعالى إرادة ثواب المحبوب أو الثواب نفسه دون حقيقة المحبة؛ لأن إثبات حقيقة المحبة يستلزم التشبيه.
فنقول لهم: إذا فسرتم المحبة بالإرادة لزمكم في إثبات الإرادة نظير ما يلزمكم في إثبات المحبة، لأن للمخلوق إرادة، فإثبات الإرادة لله تعالى يستلزم التشبيه على قاعدتكم، وإذا فسرتموها بالثواب، فالثواب مخلوق مفعول لا يقوم إلا بخالق فاعل، والفاعل لابد له من إرادة الفعل، وإثبات الإرادة مستلزم للتشبيه على قاعدتكم.
ثم نقول: إثباتكم إرادة الثواب أو الثواب نفسه مستلزم لمحبة العمل المثاب عليه، ولولا محبة العمل ما أثيب فاعله، فصار تأويلكم مستلزماً لما نفيتم؛ فإن أثبتموه على الوجه المماثل للمخلوق ففي التمثيل وقعتم، وإن أثبتموه على الوجه المختص بالله واللائق به أصبتم ولزمكم إثبات جميع الصفات على هذا الوجه.
الخامس: أن قولهم فيما نفوه: "إن إثباته يستلزم التشبيه" ممنوع لأن الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات كما تقرر سابقاً، ثم إنه منقوض بما أثبتوه من صفات الله، فإنهم يثبتون لله تعالى الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، مع أن المخلوق متصف بذلك، فإثباتهم هذه الصفات لله تعالى مع اتصاف المخلوق بها مستلزم للتشبيه على قاعدتهم.
فإن قالوا: إننا نثبت هذه الصفات لله تعالى على وجه يختص به ولا يشبه ما ثبت للمخلوق منها.
قلنا: هذا جواب حسن سديد، فلماذا لا تقولون به فيما نفيتموه فتثبتوه لله على وجه يختص به، ولا يشبه ما ثبت للمخلوق منه؟!
فإن قالوا: ما أثبتناه فقد دل العقل على ثبوته فلزم إثباته.
قلنا: عن هذا ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه لا يصح الاعتماد على العقل في هذا الباب كما سبق.
الثاني: أنه يمكن إثبات ما نفيتموه بدليل عقلي يكون في بعض المواضع أوضح من أدلتكم فيما أثبتموه.
مثال ذلك: الرحمة التي أثبتها الله تعالى لنفسه في قوله: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ)(الكهف: 58). وقوله: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس: 107).فإنه يمكن إثباتها بالعقل كما دل عليها السمع.
فيقال: الإحسان إلى الخلق بما ينفعهم ويدفع عنهم الضرر يدل على الرحمة، كدلالة التخصيص على الإرادة، بل هو أبين وأوضح لظهوره لكل أحد.
الثالث: أن نقول: على فرض أن العقل لا يدل على ما نفيتموه فإن عدم دلالته عليه لا يستلزم انتفاء في نفس الأمر، لأن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، إذ قد يثبت بدليل آخر، فإذا قدرنا أن الدليل العقلي لا يثبته فإن الدليل السمعي قد أثبته، وحينئذ يجب إثباته بالدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم.
فإن قالوا: بل العقل يدل على انتفاء ذلك لأن إثباته يستلزم التشبيه، والعقل يدل على انتفاء التشبيه.
قلنا: إن كان إثباته يستلزم التشبيه فإن إثبات ما أثبتموه يستلزم التشبيه أيضاً، فإن منعتم ذلك لزمكم منعه فيما نفيتموه إذ لا فرق، وحينئذ إما أن تقولوا بالإثبات في الجميع فتوافقوا السلف، وإما أن تقولوا بالنفي في الجميع فتوافقوا المعتزلة ومن ضاهاهم، وأما التفريق فتناقض ظاهر.

من قلب بغداد
03-23-2008, 02:19 PM
ومثال آخر: إذا قالوا المراد بمحبة الله تعالى إرادة ثواب المحبوب أو الثواب نفسه دون حقيقة المحبة؛ لأن إثبات حقيقة المحبة يستلزم التشبيه.
فنقول لهم: إذا فسرتم المحبة بالإرادة لزمكم في إثبات الإرادة نظير ما يلزمكم في إثبات المحبة، لأن للمخلوق إرادة، فإثبات الإرادة لله تعالى يستلزم التشبيه على قاعدتكم، وإذا فسرتموها بالثواب، فالثواب مخلوق مفعول لا يقوم إلا بخالق فاعل، والفاعل لابد له من إرادة الفعل، وإثبات الإرادة مستلزم للتشبيه على قاعدتكم.
ثم نقول: إثباتكم إرادة الثواب أو الثواب نفسه مستلزم لمحبة العمل المثاب عليه، ولولا محبة العمل ما أثيب فاعله، فصار تأويلكم مستلزماً لما نفيتم؛ فإن أثبتموه على الوجه المماثل للمخلوق ففي التمثيل وقعتم، وإن أثبتموه على الوجه المختص بالله واللائق به أصبتم ولزمكم إثبات جميع الصفات على هذا الوجه.
الخامس: أن قولهم فيما نفوه: "إن إثباته يستلزم التشبيه" ممنوع لأن الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات كما تقرر سابقاً، ثم إنه منقوض بما أثبتوه من صفات الله، فإنهم يثبتون لله تعالى الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، مع أن المخلوق متصف بذلك، فإثباتهم هذه الصفات لله تعالى مع اتصاف المخلوق بها مستلزم للتشبيه على قاعدتهم.


ممكن تلخيص ببضعة أسطر لأن الكلام مُتداخل ، إختصار مفهوم بعض الشيء :smile:
جُزيتم خيراً

هنا الحقيقه
03-23-2008, 07:22 PM
ربما من الصعوبة ان نختصر بالاسطر فهذا الكتاب هو مختصر للرسالة التدمرية
ولكن سوف اشرح بالاسلوب البسيط

احدى صفات الله تعالى هي المحبة اي ان الله يحب اولياءه ويحب ان يعمل احدنا عمل خير كما نص ذلك في النصوص من القرءان والاحاديث النبوية الشريفة
ولكن الاشاعرة ومن مثلهم قالوا
انما المحبة هي ارادة ثواب المحبوب اي ان الله تعالى عنده اراده يثيب بها من عمل صالح او قالوا ان معنى المحبة ليست صفة انما هي الثواب بنفسه فمن عمل عمل خير اثابه الله تعالى وهذا الثواب هو معنى المحبة لاننا لا يجوز ان نصف الله تعالى بالمحبة لان المحبة يتوجب عليها ان يكون للمحب احساس وعاطفة ومشاعر فان قلنا بها شبهنا الله تعالى بالمخلوق لان المخلوق عنده مشاعر وعاطفة ووجدان ولهذا يحب
فكان جواب اهل السنة والجماعة على قولهم هذا وردهم عليه كما قال ابن تيمية في الرسالة التدمرية
ان الارادة التي نسبوها لله تعالى وانه له ارادة يثيب المخلوق

يستلزم على الاشاعرة ان يبينوا ما هي الارادة لان الارادة صفة موجودة عند الله تعالى اي الخالق وعند المخلوق مما اقتضى على الاشاعرة ان ينزهو الله تعالى عن الارادة التي تشبه ارادة المخلوق فان نزهوها وقالوا هذه ارادة خالق ليست مثل ارادة المخلوق والله ليس مثلك شيء
فنقول للاشاعرة
والمحبة ايضا
فان صفة المحبة عند الخالق ليست مثلها عند المخلوق فالخالق تنزه وليس كمثله شيء ولا تستوجب عاطفة وخلاية حسية وعاطفية لان محبة الله ليست مثل محبة المخلوق فلما نزهتوا الارادة ولم تنزهوا المحبة ؟

وان الاشاعرة يحرفون الصفات لانهم لا يريدون ان يقعوا بالتشبيه علما انهم وقعوا بالتشبيه حسب قاعدتهم ونظريتهم ودليل ذلك
ان الاشاعرة اثبتوا لله القوة وهذه الصفة موجودة عند المخلوق فكيف اشركوا هذه الصفة بين الخالق والمخلوق وجعلوا هذه الصفة للاثنين
حجتهم ان قوة الخالق لا تشبه قوة المخلوق لان الخالق ليس كمثله شيء
فنقول لهم ونحن ايضا نقول ان محبة الخالق ليست كمثلها شيء فلما تنزهون قوة الخالق وعلم الخالق وارادة الخالق ولا تنزهون محبة الخالق ويد الخالق وعين الخالق

ارجو ان يكون الشرح السريع قد وضح لك ما استفسرت عنه واسال الله ان لا يكون قد حيرك اكثر :)

من قلب بغداد
03-23-2008, 08:16 PM
تمام جُزيتَ خيراً ، في موازين حسناتك بإذن الله

هنا الحقيقه
03-23-2008, 08:57 PM
ان شاء الله
بالمناسبة اجبت على سؤالك حول (كان) هل اطلعت عليه ؟

من قلب بغداد
03-23-2008, 09:19 PM
ممكن شيء عنها مقنع أكثر ؟ أعني عن الـ /كان
و تره حاضر << تنكتب بهذهِ الطريقة :)

هنا الحقيقه
03-23-2008, 09:21 PM
واين كتبتها حاظر :) سبحان الله لا اترك هذا الخطا ابدا

ليس هناك ما شيء مقنع اكثر هذا هو القول في كان سواء اقتنعت ام لا :)

من قلب بغداد
03-23-2008, 09:25 PM
مدري ! كانت " قبل التعديل " :) .. حاظر
كأنك تقول يلي ما يقتنع يلطش رأسه بالحائط
كنت اقصد قاعدة لغوية مثلاً شيء من هذا القبيل ؟
أو شخص فصّل في هذا الأمر ؟
يعني لو الواحد شك في قلبه نقول له يا تقتنع بالموجود يا روح الله معك

من قلب بغداد
03-23-2008, 09:28 PM
ليس بالدرجة الأولى تفصيل / بس يعني مثلاً
قال فلان الفلاني كذا و كذا يعني مو تقولون الواحد يقرأ لمن يقرأ ؟

هنا الحقيقه
03-23-2008, 09:34 PM
اها هم حقك
سوف اجد لك رابط
ولكن يا اختي اعتقد خير مكان تجدين كان وحكمها في الالفية وغيرها
خصوصا انهم قد بينوا ان كان فعل ماض ناقص يُخبر به عن الماضي المنقطع والمستمر إلى زمن التكلم وما بعده في بعض الحالات

من قلب بغداد
03-23-2008, 09:41 PM
عاد قلنا نسوي مثلكم :rolleyes:
طيب حالياً في الألفية يعني إن لم يخنِ نظري لم يأتِ ذكر أنها ماضٍ منقطع مستمر
مدري الألفية تقلب الراس ، على كل حال ننتظر عسى خير ..
يعني مو لازم يطمئن قلب الواحد حتى لا يبقى يشكك ؟

من قلب بغداد
03-23-2008, 09:51 PM
لا يكون هذا المقال تابع لحضرتكم :) ؟

هنا الحقيقه
03-24-2008, 01:03 PM
فصل

الطائفة الثانية: المعتزلة ومن تبعهم من أهل الكلام وغيرهم:
وطريقتهم أنهم يثبتون لله تعالى الأسماء دون الصفات، ويجعلون الأسماء أعلاماً محضة، ثم منهم من يقول إنها مترادفة فالعليم، والقدير، والسميع، والبصير شيء واحد، ومنهم من يقول إنها متباينة ولكنه عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، ونحو ذلك.
وشبهتهم أنهم اعتقدوا أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه؛ لأنه لا يوجد شيء متصف بالصفات إلا جسم، والأجسام متماثلة، فإثبات الصفات يستلزم التشبيه.
والرد عليهم من وجوه:
الأول: أن الله تعالى سمى نفسه بأسماء، ووصف نفسه بصفات، فإن كان إثبات الصفات يستلزم التشبيه فإثبات الأسماء كذلك، وإن كان إثبات الأسماء لا يستلزم التشبيه فإثبات الصفات كذلك، والتفريق بين هذا وهذا تناقض، فإما أن يثبتوا الجميع فيوافقوا السلف، وإما أن ينفوا الجميع فيوافقوا غلاة الجهمية والباطنية، وإما أن يفرقوا فيقعوا في التناقض.
الثاني: أن الله تعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، وأمرنا بدعائه بها فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (لأعراف: 180). وهذا يقتضي أن تكون دالة على معاني عظيمة تكون وسيلة لنا في دعائنا، ولا يصح خلوها عنها.
ولو كانت أعلاماً محضة لكانت غير دالة على معنى سوى تعيين المسمى، فضلاً عن أن تكون حسنى ووسيلة في الدعاء.
الثالث: أن الله تعالى أثبت لنفسه الصفات إجمالاً وتفصيلاً مع نفي المماثلة فقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (النحل: 60). وقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وهذا يدل على أن إثبات الصفات لا يستلزم التمثيل، ولو كان يستلزم التمثيل لكان كلام الله متناقضاً.
الرابع: أن من لا يتصف بصفات الكمال لا يصلح أن يكون رباً ولا إلهاً، ولهذا عاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه باتخاذه ما لا يسمع ولا يبصر إلهاً فقال: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (مريم: 42).
الخامس: أن كل موجود لابد له من صفة، ولا يمكن وجود ذات مجردة عن الصفات، وحينئذٍ لابد أن يكون الخالق الواجب الوجود متصفاً بالصفات اللائقة به.
السادس: أن القول "بأن أسماء الله أعلام محضة مترادفة لا تدل إلا على ذات الله فقط" قول باطل؛ لأن دلالات الكتاب والسنة متضافرة على أن كل اسم منها دال على معناه المختص به مع اتفاقها على مسمى واحد وموصوف واحد. فالله تعالى هو الحي القيوم، السميع البصير، العليم القدير، فالمسمى والموصوف واحد، والأسماء والصفات متعددة. ألا ترى أن الله تعالى يسمي نفسه بإسمين أو أكثر في موضع واحد كقوله: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) (الحشر: 23). فلو كانت الأسماء مترادفة ترادفاً محضاً لكان ذكرها مجتمعة لغواً من القول لعدم الفائدة.
السابع: أن القول "بأن الله تعالى عليم بلا علم، وقدير بلا قدرة وسميع بلا سمع ونحو ذلك" قول باطل مخالف لمقتضى اللسان العربي وغير العربي، فإن من المعلوم في لغات جميع العالم أن المشتق دال على المعنى المشتق منه، وأنه لا يمكن أن يقال عليم لمن لا علم له، ولا قدير لمن لا قدرة له، ولا سميع لمن لا سمع له ونحو ذلك.
وإذا كان كذلك تعين أن تكون أسماء الله تعالى دالة على ما تقتضيه من الصفات اللائقة به؛ فيتعين إثبات الأسماء والصفات لخالق الأرض والسموات.
الثامن: أن قولهم: "لا يوجد شيء متصف بالصفات إلا جسم" ممنوع، فإننا نجد من الأشياء ما يصح أن يوصف وليس بجسم، فإنه يقال: ليل طويل، ونهار قصير، وبرد شديد، وحر خفيف ونحو ذلك، وليست هذه أجساماً. على أن إضافة لفظ الجسم إلى الله تعالى إثباتاً أو نفياً من الطرق البدعية التي يتوصل بها أهل التعطيل إلى نفي الصفات التي أثبتها الله لنفسه.
التاسع: أن قولهم: "الأجسام متماثلة" باطل ظاهر البطلان، فإن تفاوت الأجسام ظاهر لا يمكن إنكاره. قال الشيخ "المؤلف": ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل(14).

من قلب بغداد
03-24-2008, 02:33 PM
جزاك الله خيراً .

هنا الحقيقه
03-24-2008, 04:40 PM
يبارك الله بك

هنا الحقيقه
03-25-2008, 07:28 PM
فصل
الطائفة الثالثة: غلاة الجهمية، والقرامطة، والباطنية ومن تبعهم.
وطريقتهم أنهم ينكرون الأسماء والصفات، ولا يصفون الله تعالى إلا بالنفي المجرد عن الإثبات، ويقولون: إن الله هو الموجود المطلق بشرط الإطلاق(15). فلا يقال هو موجود، ولا حي، ولا عليم، ولا قدير، وإنما هذه أسماء لمخلوقاته أو مجاز، لأن إثبات ذلك يستلزم تشبيهه بالموجود الحي، العليم، القدير. ويقولون: إن الصفة عين الموصوف، وإن كل صفة عين الصفة الأخرى، فلا فرق بين العلم والقدرة، والسمع والبصر ونحو ذلك.
وشبهتهم أنهم اعتقدوا أن إثبات الأسماء والصفات يستلزم التشبيه والتعدد، ووجه ذلك في الأسماء أنه إذا سمي بها لزم أن يكون متصفاً بمعنى الاسم. فإذا أثبتنا "الحي" مثلاً لزم أن يكون متصفاً بالحياة؛ لأن صدق المشتق يستلزم صدق المشتق منه، وذلك يقتضي قيام الصفات به وهو تشبيه.
وأما في الصفات فقالوا: إن إثبات صفات متغايرة مغايرة للموصوف يستلزم التعدد، وهو تركيب ممتنع مناقض للتوحيد.
والرد عليهم من وجوه:
الأول: أن الله تعالى جمع فيما سمى ووصف به نفسه بين النفي والإثبات "وقد سبق أمثلة من ذلك" فمن اقر بالنفي وأنكر الإثبات فقد آمن ببعض الكتاب دون بعض، والكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله. قال الله تعالى منكراً على بني إسرائيل: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: 85). وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) (النساء: 150 - 151).
الثاني: أن الموجود المطلق بشرط الإطلاق لا وجود له في الخارج المحسوس، وإنما هو أمر يفرضه الذهن ولا وجود له في الحقيقة، فتكون حقيقة القول به نفي وجود الله تعالى إلا في الذهن، وهذا غاية التعطيل والكفر.
الثالث: قولهم: "إن الصفة عين الموصوف، وإن كل صفة عين الصفة الأخرى" مكابرة في المعقولات، سفسطة في البديهيات، فإن من المعلوم بضرورة العقل والحس أن الصفة غير الموصوف، وأن كل صفة غير الصفة الأخرى، فالعلم غير العالم، والقدرة غير القادر، والكلام غير المتكلم، كما أن العلم والقدرة والكلام صفات متغايرة.
الرابع: أن وصف الله تعالى بصفات الإثبات أدل على الكمال من وصفه بصفات النفي، لأن الإثبات أمر وجودي يقتضي تنوع الكمالات في حقه، وأما النفي فأمر عدمي لا يقتضي كمالاً إلا إذا تضمن إثباتاً، وهؤلاء النفاة لا يقولون بنفي يقتضي الإثبات.
الخامس: قولهم: "إن إثبات صفات متغايرة مغايرة للموصوف يستلزم التعدد.." قول باطل مخالف للمعقول والمحسوس. فإنه لا يلزم من تعدد الصفات تعدد الموصوف، فها هو الإنسان الواحد يوصف بأنه حي، سميع، بصير، عاقل، متكلم، إلى غير ذلك من صفاته ولا يلزم من ذلك تعدد ذاته.
السادس: قولهم في الأسماء: "إن إثباتها يستلزم أن يكون متصفاً بمعنى الاسم فيقتضي أن يكون إثباتها تشبيهاً".
جوابه: أن المعاني التي تلزم من إثبات الأسماء صفات لائقة بالله تعالى غير مستحيلة عليه، والمشاركة في الاسم أو الصفة لا تستلزم تماثل المسميات والموصوفات.
السابع: قولهم: "إن الإثبات يستلزم تشبيهه بالموجودات".
جوابه: أن النفي الذي قالوا به يستلزم تشبيهه بالمعدومات على قياس قولهم، وذلك أقبح من تشبيهه بالموجودات، وحينئذ فإما أن يقروا بالإثبات فيوافقوا الجماعة، وإما أن ينكروا النفي كما أنكروا الإثبات فيوافقوا غلاة الغلاة من القرامطة والباطنية وغيرهم، وأما التفريق بين هذا وهذا فتناقض ظاهر.

من قلب بغداد
03-26-2008, 03:22 PM
هو الموجود المطلق بشرط الإطلاق ؟ < يعني ؟!
معدومات مثل أي شيء ؟

ايضاً جملة في البداية .. هل المعنى بصورة مختصرة
أنهم ينفون ما لا يليق بالله تعالى من الصفات و لا يثبتون ما يليق به ؟

هنا الحقيقه
03-26-2008, 03:49 PM
هو الموجود المطلق بشرط الإطلاق ؟ < يعني ؟!

يعني موجود بلا اسم ولا صفة نعرفه عليها انما يكفينا ان علم انه موجود لكن ماهي صفاته او اسماءه فهذا لا يجوز فقط نقول انه موجود لا نقول حي ولا عليم ولا رحمن ولا غيرها


معدومات مثل أي شيء ؟

مثل لا وجود

أنهم ينفون ما لا يليق بالله تعالى من الصفات و لا يثبتون ما يليق به ؟

لا ليس كذلك
انهم
ينكرون ولا يصفون الله بما وصفه نفسه وسمى به نفسه
ولا ينفون شيء
انما ينكرون الاسماء والصفات ويسكتون
يعني انهم
يقولون لا نقول انه حي ولا نقول انه قيوم
ولا ينفون عنه شيء لانهم يقولون
انه موجود شرط الاطلاق اي بدون اسماء ولا صفات ولا حياة ولا اي شيء هكذا مجرد فكرة في الذهن

من قلب بغداد
03-26-2008, 04:04 PM
ما شاء الله !
جزاك الله خير الجزاء

هنا الحقيقه
03-26-2008, 06:29 PM
فصل
الطائفة الرابعة: غلاة الغلاة من الفلاسفة، والجهمية، والقرامطة، والباطنية وغيرهم.
وطريقتهم أنهم أنكروا في حق الله تعالى الإثبات والنفي، فنفوا عنه الوجود، والعدم، والحياة، والموت، والعلم، والجهل ونحوها، وقالوا: إنه لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم، ولا جاهل ونحو ذلك.
وشبهتهم أنهم اعتقدوا أنهم إن وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإن وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات.
والرد عليهم من وجوه:
الأول: أن تسمية الله ووصفه بما سمى ووصف به نفسه ليس تشبيهاً ولا يستلزم التشبيه، فإن الاشتراك في الاسم والصفة لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات، وتسميتكم ذلك تشبيهاً ليس تمويهاً وتلبيساً على العامة والجهال، ولو قبلنا مثل هذه الدعوى الباطلة لأمكن كل مبطل أن يسمي الشيء الحق بأسماء ينفر بها الناس عن قبوله.
الثاني: أنه قد علم بضرورة العقل والحس أن الموجود الممكن لابد له من موجد واجب الوجود، فإننا نعلم حدوث المحدثات ونشاهدها،ولا يمكن أن تحدث بدون محدث، ولا أن تحدث نفسها بنفسها لقوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور: 35). فتعين أن يكون لها خالق واجب الوجود وهو الله تعالى.
ففي الوجود إذن موجودان:
أحدهما: أزلي واجب الوجود بنفسه.
الثاني: محدث ممكن الوجود، موجود بغيره، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يتفقا في خصائصه، فإن وجود الواجب يخصه، ووجود المحدث يخصه.
فوجود الخالق واجب أزلي ممتنع الحدوث، أبدي ممتنع الزوال، ووجود المخلوق ممكن حادث بعد العدم قابل للزوال، فمن لم يثبت ما بينهما من الاتفاق والافتراق لزمه أن تكون الموجودات كلها إما أزلية واجبة الوجود بنفسها أو محدثة ممكنة الوجود بغيرها، وكلاهما معلوم الفساد بالاضطرار(16).
الثالث: أن إنكارهم الإثبات والنفي يستلزم نفي النقيضين معاً وهذا ممتنع، لأن النقيضين لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما، بل لابد من وجود أحدهما وحده، فيلزم - على قياس قولهم - تشبيه الله بالممتنعات لأنه يمتنع أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً، ولا حياً ولا ميتاً، إلا أمراً يقدره الذهن ولا حقيقة له، ووصف الله سبحانه بهذا مع كونه مخالفاً لبداهة العقول كفر صريح بما جاء به الرسول.
فإن قالوا: نفي النقيضين ممتنع عما كان قابلاً لهما، أما ما كان غير قابل لهما كالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بالسمع والصمم، فإنه يمكن نفيهما عنه فيقال ليس بسميع ولا أصم.
فالجواب من أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن هذا لا يصح فيما قالوه من نفي الوجود والعدم، فإن تقابلهما تقابل سلب وإيجاب باتفاق العقلاء، فإذا انتفى أحدهما لزم ثبوت الآخر، فإذا قيل ليس بموجود، لزم أن يكون معدوماً، وإذا قيل ليس بمعدوم لزم أن يكون موجوداً، فلا يمكن نفيهما معاً ولا إثباتهما معاً.
الوجه الثاني: أن قولهم في الجماد: إنه لا يقبل الاتصاف بالحياة، والموت، والعمى، والبصر، والسمع، والصمم ونحوها مما يكون تقابله تقابل عدم، وملكه قول اصطلاحي لا يغير الحقائق، مردود بما ثبت من جعل الجماد حياً، كما جعل الله عصا موسى حية تلقف ما صنعه السحرة، وقد وصف الله تعالى الجماد بأنه ميت في قوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النحل: 20 - 21). وأخبر أن الأرض يوم القيامة تحدث أخبارها، وهي ما عمل عليها من خير وشر، وهذا يستلزم سمعها لما قيل ورؤيتها لما فعل.
الوجه الثالث: أن الذي يقبل الاتصاف بالكمال أكمل من الذي لا يقبله، فما يقبل أن يوصف بالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر ولو كان خالياً منه أكمل مما لا يقبل ذلك، فقولكم إن الرب لا يقبل أن يتصف بذلك يستلزم أن يكون أنقص من الإنسان القابل لذلك حيث شبهتموه بالجماد الذي لا يقبله.
الوجه الرابع: أنه إذا كان يمتنع انتفاء الوجود والعدم، فانتفاء عدم قبول ذلك أشد، وعلى هذا يكون قولهم: إن الرب لا يقبل الاتصاف بالوجود والعدم مستلزماً لتشبيهه بأشد الممتنعات.

هنا الحقيقه
03-28-2008, 02:14 PM
فصل


علم مما سبق أن كل طائفة من هؤلاء الطوائف الأربع واقعون في محاذير:
الأول: مخالفة طريق السلف.
الثاني: تعطيل النصوص عن المراد بها.
الثالث: تحريفها إلى معان غير مرادة بها.
الرابع: تعطيل الله عن صفات الكمال التي تضمنتها هذه النصوص.
الخامس: تناقض طريقتهم فيما أثبتوه وفيما نفوه.
فنقول لكل واحد منهم في جانب الإثبات: أثبت ما نفيت مع نفي التشبيه، كما أثبت ما أثبت مع نفي التشبيه.
ونقول له في جانب النفي: انف ما أثبت خوفاً من التشبيه، كما نفيت ما نفيت خوفاً من التشبيه وإلا كنت متناقضاً.
والقول الفصل المطرد السالم من التناقض ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، وإجراء النصوص على ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. ويتبين هذا بأصلين، ومثلين، وخاتمة:

فأما الأصلان:
فأحدهما: أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. أي أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً.
1- مثال ذلك: إذا كان المخاطب يثبت لله تعالى حقيقة الإرادة، وينفي حقيقة الغضب ويفسره: إما بإرادة الانتقام، وإما بالانتقام نفسه.
فيقال له: لا فرق بين ما أثبته من حقيقة الإرادة وما نفيته من حقيقة الغضب، فإن كان إثبات حقيقة الغضب يستلزم التمثيل، فإثبات حقيقة الإرادة يستلزمه أيضاً.
وإن كان إثبات حقيقة الإرادة لا يستلزمه، فإثبات الغضب لا يستلزمه أيضاً، لأن القول في أحدهما كالقول في الآخر، وعلى هذا يلزمك إثبات الجميع، أو نفي الجميع.
2- فإن قال: الإرادة التي أثبتها لا تستلزم التمثيل،لأنني أعني بها إرادة تليق بالله عز وجل لا تماثل إرادة المخلوق.
قيل له: فأثبت لله غضباً يليق به ولا يماثل غضب المخلوق.
3- فإن قال: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام وهذا لا يليق بالله تعالى.
قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة وهذا لا يليق بالله سبحانه وتعالى.
4- فإن قال: هذه إرادة المخلوق، وأما إرادة الله فتليق به.
قيل له: والغضب بالمعنى الذي قلت غضب المخلوق، وأما غضب الله فيليق به، وهكذا القول في جميع الصفات التي نفاها يقال له فيها ما يقوله هو فيما أثبته.
5- فإن قال: أثبت ما أثبته من الصفات بدلالة العقل عليه.
أجبنا عنه بثلاثة أجوبة سبق ذكرها عند الرد على الطائفة الأولى.

من قلب بغداد
03-28-2008, 04:22 PM
هل الكلام يبدو بحاجة إلى تركيز ؟
ممكن تبسيط الجزء الآخر واحد .. و جزاك الله خيراً

هنا الحقيقه
03-29-2008, 04:57 PM
علم مما سبق أن كل طائفة من هؤلاء الطوائف الأربع واقعون في محاذير:

يشير هنا الكاتب رحمه الله تعالى ان الطوائف الاربعة التي قررها
ومنهم الاشاعرة والمعتزلة والجهمية والفلاسفة والباطنية وغيرهم والذي تناولهم وجعل كل فرقة مشابهة لمثيلتها طائفة واحدة فصارت اربع طوائف حسب تقسيمه

ويبين المحاذير التي وقعوا بها وكانت السبب في انحراف عقيدتهم فيبين الكاتب نتائج الانحرافات وما اوقعوا انفسهم به

الأول: مخالفة طريق السلف.

طريق السلف الذي يجمع عليه من له العلم انه طريق اثبات صفات الله تعالى بدون تكييف او تمثيل او تشبيه
وهذا الطريق لم ياخذه هؤلاء الطوائف انما جنحوا لغير الطريق مما جعلهم يبتعدون عن الصواب فاولوا وجسموا وشبهوا ونفوا وعطلوا صفات الله تعالى التي اثبتها الله تعالى لنفسه


الثاني: تعطيل النصوص عن المراد بها.

ان ايات الله واحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم الصحيحة لا يجوز ان نعطلها اي ان نقول فيها لا نعلم مرادها او عن ماذا تتكلم فنتركها هكذا مهجورة فنكون قد اتهمنا الله تعالى بالتقصيروالعجز عن ايصال ما يريده الينا وهذا ما لا يليق ابدا بالله تعالى


الثالث: تحريفها إلى معان غير مرادة بها.

ويقصد ان الذي يخرفون الصفات عن معناها الحقيقي فلا يثبتها كما جاءت وانما يستخدم المجاز وغيرها فيصرفها عن معناها كما هو الحال في اليد والعين وغيرها وليس هذا منهج السلف وليس هذا ما فهمه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم


الرابع: تعطيل الله عن صفات الكمال التي تضمنتها هذه النصوص
عندما يقال لهم هل الله يغضب او يحب او له يد يقولون هؤلاء المعطلة لا نعلم ما المقصود ولا نعلم ماذا يريد الله تعالى بهذا القول فنعطلها ولا نفسرها ونتركهاهكذا
وبهذا التصرف يقعون في المحذور حيث اتهموا الله تعالى بانه لم يستطع ان يبين صفاته للمخلوقين وايضا ان القرءان فيه كلام غير مفهوم فلم يصفوا الله تعالة بما يليق علما ان الله تعالى هو الذي وصف نفسه هذه الصفات وهم يعطلوها


الخامس: تناقض طريقتهم فيما أثبتوه وفيما نفوه.

يقصد هنا
انهم يثبتون صفة معينة مثل الارادة التي يشترك بها الخالق مع المخلوق مع تنزيه الخالق عن ارادة المخلوق
ثم ينفون صفة اخرى لانها مشتركة مع المخلوق مثل المحبة
فهم ينفون المحبة لانها تشترك مع صفة المحبة للمخلوق فان قلنا لهم نزهوا محبة الخالق عن محبة المخلوق كما نزهتوا ارادة الخالق عن ارادة المخلوق سكتوا وقالوا هذه ايات متشابهات ولا يليق بالخالق ان يحب
فتعارض نفيهم مع اثباتهم


فنقول لكل واحد منهم في جانب الإثبات: أثبت ما نفيت مع نفي التشبيه، كما أثبت ما أثبت مع نفي التشبيه.

كما بينت فوق
يقصد ابن تيمية
اثبت الصفات النفيتها بنفس الطريقة التي اثبت بها الصفات الاخرى
مثل السمع فهم يثبتون السمع لله ولكنهم ينزهون سمع الخالق عن سمع المخلوق ويقولون ليس كمثله شيء
فنقول لما تثبتون السمع ولا تثبتون اليد
يقولون هذا تشبيه وتمثيل
فنقول لهم اثبتوا اليد كما اثبتوا السمع
ونزهوا اليد عن تشبيهها بالمخلوق او تمثيلها ونزهوا الله من اي شيء وقولوا ليس كمثله شيء


ونقول له في جانب النفي: انف ما أثبت خوفاً من التشبيه، كما نفيت ما نفيت خوفاً من التشبيه وإلا كنت متناقضاً.

نفس القاعدة والطريقة التي شرحتها في الاثبات

فأما الأصلان:
فأحدهما: أن يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض. أي أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً.
1- مثال ذلك: إذا كان المخاطب يثبت لله تعالى حقيقة الإرادة، وينفي حقيقة الغضب ويفسره: إما بإرادة الانتقام، وإما بالانتقام نفسه.
فيقال له: لا فرق بين ما أثبته من حقيقة الإرادة وما نفيته من حقيقة الغضب، فإن كان إثبات حقيقة الغضب يستلزم التمثيل، فإثبات حقيقة الإرادة يستلزمه أيضاً.
وإن كان إثبات حقيقة الإرادة لا يستلزمه، فإثبات الغضب لا يستلزمه أيضاً، لأن القول في أحدهما كالقول في الآخر، وعلى هذا يلزمك إثبات الجميع، أو نفي الجميع.
2- فإن قال: الإرادة التي أثبتها لا تستلزم التمثيل،لأنني أعني بها إرادة تليق بالله عز وجل لا تماثل إرادة المخلوق.
قيل له: فأثبت لله غضباً يليق به ولا يماثل غضب المخلوق.

شرحته بالاثبات


- فإن قال: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام وهذا لا يليق بالله تعالى.
قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة وهذا لا يليق بالله سبحانه وتعالى.

يقول من انكر وعطل ونفى صفة الغضب لله تعالى
وحجته ان الغضب لها عوارض مثلا احمرار الوجه وانتفاخ الاوداج وغليان الدم وسرعة خفقان القلب وغيرها
ويقولون هذا لا يليق بالله تعالى كيف نشبهه بالمخلوق
فكان قول ابن تيمية لهم رحمه الله
ان الارادة التي اثبتوها صفة لله تعالى
هي ايضا
معناها ميل النفس ورغبتها الى فعل منفعة وجلبها او دفع مضرة فكيف تقولون ان الله تعالى يميل الى شيء ويجلب منفعة له وهذا لا يليق برب العالمين
وهنا ابن تيمية يتركهم بين خيارين
اما ان ينفوا صفة الارادة او يثبتوا صفة الغضب
فان قالوا ان ارادة الله تعالى تختلف عن ارادة المخلوق
فنقول لهم ان غضب الله تعالى يختلف عن غضب المخلوق ولا يستوجب احمرار او خفقان او انتفاخ لان الله ليس كمثله شيء وله المثل الاعلى
فهذه بتلك اما ان تنفون الارادة وهذا يجعل عقيدتهم تذهب ادراج الرياح لانهم اثبتوها ليس بنص انما بالعقل والمنطق فان نفوها اعترفوا بقصور العقل وسقمه وذهبت طريقتهم المثلى
واما ان يثبتوا الغضب بنفس الطريقة فان اثبتوها تركوا التاويل وصاروا سلفية او على طريق السلف

(اعلمت الان لما اهل البدع والشبهات يكرهون ابن تيمية )؟!!!!!!!

- فإن قال: هذه إرادة المخلوق، وأما إرادة الله فتليق به.
قيل له: والغضب بالمعنى الذي قلت غضب المخلوق، وأما غضب الله فيليق به، وهكذا القول في جميع الصفات التي نفاها يقال له فيها ما يقوله هو فيما أثبته.
5- فإن قال: أثبت ما أثبته من الصفات بدلالة العقل عليه.
أجبنا عنه بثلاثة أجوبة سبق ذكرها عند الرد على الطائفة الأولى.

بينتها فوق
واعتذر ان اطلت ولكن حاولت التبسيط والتسهيل بقدر ما استطع وتجاوزات عن بعض التفاصيل حتى لا يختلط الامر او تشوش على المعلومة

هنا الحقيقه
03-31-2008, 02:37 PM
الأصل الثاني: أن يقال لمن يقر بذات الله تعالى ويمثل في صفاته أو ينفيها: القول في الصفات كالقول في الذات.
يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم.
فيقال لأهل التمثيل: ألستم لا تمثلون ذات الله بذوات المخلوقين؟! فلماذا تمثلون صفاته بصفات خلقه؟ أليس الكلام في الصفات فرعاً عن الكلام في الذات؟!
ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم: ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات؟ فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات!!
مثال ذلك: إذا قال: إن الله استوى على العرش فكيف استواؤه؟
فيقال له: القول في الصفات كالقول في الذات فأخبرنا كيف ذاته؟
فإن قال: لا أعلم كيفية ذاته.
قيل له: ونحن لا نعلم كيفية استوائه.
وحينئذ يلزمه أن يقر باستواء حقيقي غير مماثل لاستواء المخلوقين، ولا معلوم الكيفية، كما أقر بذات حقيقية غير مماثلة لذوات المخلوقين، ولا معلومة الكيفية، كما قال مالك وشيخه ربيعة وغيرهما في الاستواء: "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"(17).
فقوله: "الاستواء معلوم" أي معلوم المعنى في اللغة العربية التي نزل بها القرآن وله معان بحسب إطلاقه وتقييده بالحرف، فإذا قيد بـ (على) كان معناه العلو والاستقرار كما قال تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الفلك (المؤمنون: 28) وقال: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) (الزخرف: 13). فاستواء الله تعالى على عرشه علوه عليه علواً خاصاً يليق به، على كيفية لا نعلمها، وليس هو العلو المطلق على سائر المخلوقات.
وقوله: "والكيف مجهول" أي أن كيفية استواء الله على عرشه مجهولة لنا وذلك لوجوه ثلاثة:
الأول: أن الله أخبرنا أنه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى.
الثاني: أن العلم بكيفية الصفة فرع عن العلم بكيفية الموصوف وهو الذات، فإذا كنا لا نعلم كيفية ذات الله، فكذلك لا نعلم كيفية صفاته.
الثالث: أن الشيء لا تعلم كيفيته إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره أو الخبر الصادق عنه، وكل ذلك منتف في استواء الله - عز وجل - على عرشه، وهذا يدل على أن السلف يثبتون للاستواء كيفية لكنها مجهولة لنا.
وقوله: "والإيمان به واجب" أي أن الإيمان بالاستواء على هذا الوجه واجب، لأن الله تعالى أخبر به عن نفسه، وهو أعلم بنفسه، وأصدق قولاً وأحسن حديثاً، فاجتمع في خبره كمال العلم، وكمال الصدق، وكمال الإرادة وكمال الفصاحة والبيان فوجب قبوله والإيمان به.
وقوله: "والسؤال عنه" أي عن كيفيته بدعة؛ لأن السؤال عنها لم يعرف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه الراشدين، وهو من الأمور الدينية فكان إيراده بدعة، ولأن السؤال عن مثل ذلك من سمات أهل البدع، ثم إن السؤال عنه مما لا تمكن الإجابة عليه فهو من التنطع في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون"(18).
وهذا القول الذي قاله مالك وشيخه يقال في صفة نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا وغيره من الصفات: إنها معلومة المعنى، مجهولة الكيفية، وإن الإيمان بها على الوجه المراد بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة.

هنا الحقيقه
04-02-2008, 04:58 PM
فصل



وأما المثلان:
فأحدهما: نعيم الجنة: فقد أخبر الله تعالى أن في الجنة طعاماً وشراباً ولباساً، وزوجات، ومساكن، ونخلاً، ورماناً، وفاكهة، ولحماً، وخمراً، ولبناً، وعسلاً، وماءً، وحلية من ذهب ولؤلؤ وفضة وغير ذلك، وكله حق على حقيقته، وهو في الاسم موافق لما في الدنيا من حيث المعنى لكنه مخالف له في الحقيقة.
* أما موافقته لما في الدنيا في المعنى فلأن الله تعالى قال عن القرآن: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3). ولولا موافقته له في المعنى ما فهمناه ولا عقلناه.
* وأما مخالفته له في الحقيقة فلقوله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة: 17). وقوله في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"(19). قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء"(20).
فإذا كانت هذه الأسماء دالة على مسمياتها حقيقة، وكان اتفاقها مع ما في الدنيا من الأسماء لا يستلزم اتفاق المسميات في الحقيقة، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله، فإن مباينة الخالق للمخلوق أعظم وأظهر من مباينة المخلوق للمخلوق؛ لأن التباين بين المخلوقات تباين بين مخلوق ومخلوق مثله، فإذا ظهر التباين بينها كان بينها وبين الخالق أظهر وأولى. وقد انقسم الناس في هذا المقام - مقام الإيمان بالله واليوم الآخر - إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: السلف والأئمة وأتباعهم آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، وأنه حق على حقيقته مع اعتقادهم التباين بين ما في الدنيا وما في الآخرة، وأن التباين بين الخالق والمخلوق أولى وأعظم وأبين لقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11).
الفرقة الثانية: طوائف من أهل الكلام يؤمنون بما أخبر الله به عن اليوم الآخر من الثواب والعقاب، وينفون كثيراً مما أخبر الله به عن نفسه من الصفات.
الفرقة الثالثة: القرامطة، والباطنية، والفلاسفة لا يؤمنون بما أخبر الله به عن نفسه، ولا عن اليوم الآخر، بل ينكرون حقائق هذا وهذا.
فمذهبهم فيما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر أنه تخييل لا حقيقة له.
وأما في الأمر والنهي فكثير منهم يجعلون للمأمورات والمنهيات تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها، فيقولون: المراد بالصلوات معرفة أسرارهم، وبالصيام كتمان أسرارهم، وبالحج السفر إلى شيوخهم، ونحو ذلك مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام أنه كذب وافتراء وكفر وإلحاد.
وقد يقولون: إن الشرائع تلزم العامة دون الخاصة، فإذا وصل الرجل إلى درجة العارفين والمحققين عندهم ارتفعت عنه التكاليف، فسقطت عنه الواجبات وحلت له المحظورات.
وقد يوجد في المنتسبين إلى التصوف والسلوك من يدخل في بعض هذه المذاهب.
وهؤلاء الباطنية هم الملاحدة، الذين أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى لعظم إلحادهم ومخالفتهم لجميع الشرائع الإلهية.
المثل الثاني: الروح التي بها الحياة وهي أقرب شيء إلى الإنسان، بل هي قوام الإنسان، وقد وصفت في النصوص بأنها تقبض من البدن، ويصعد بها إلى السماء، وتعاد إلى البدن، ولا ينكر أحد وجودها حقيقة، وقد عجز الناس عن إدراك كنهها وحقيقتها، إلا ما علموه عن طريق الوحي، واضطربوا فيها اضطراباً كثيراً لكونهم لا يشاهدون لها نظيراً.
فمنهم طوائف من أهل الكلام جعلوها البدن، أو جزءاً منه، أو صفة من صفاته.
ومنهم طوائف من أهل الفلسفة وصفوها بأمور لا يتصف بها إلا ممتنع الوجود، فقالوا: لا هي داخل البدن ولا خارجه، ولا مداخلة له ولا مباينة، ولا متحركة ولا ساكنة، ولا تصعد ولا تهبط، ولا هي جسم ولا عرض. وقد يقولون إنها لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة، كما يصفون بذلك الخالق الواجب الوجود.
فإذا قيل لهم: إثبات هذا القول ممتنع في العقل ضرورة، قالوا: هذا ممكن، بدليل أن الكليات ممكنة موجودة وهي غير مشار إليها. وقد غفلوا عن كون الكليات لا توجد كلية إلا في الأذهان لا في الأعيان، فإن الذهن يفرض أشياء في الخيال لا يمكن وجودها في الخارج، كأن يتخيل ارتفاع النقيضين أو اجتماعهما مع أن هذا ممتنع.

هنا الحقيقه
04-06-2008, 11:08 PM
وأعلم أن اضطراب المتكلمين والفلاسفة في الروح كثير وله سببان:
أحدهما: قلة بضاعتهم مما جاء به الوحي في صفاتها.
والثاني: أنهم لا يشاهدون لها نظيراً، فإن الروح ليست من جنس هذا البدن، ولا من جنس العناصر والمولدات منها، وإنما هي من جنس آخر مخالف لهذه الأجناس، فعرفها الفلاسفة بالسلوب التي توجب مخالفتها للأجسام المشهودة، وجعلها المتكلمون من جنس الأجسام المشهودة، فطريق الفلاسفة فيها تعطيل، وطريق المتكلمين فيها تمثيل، وكلا الطريقين خطأ.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح إذا قبضت اتبعها البصر(21)، وأن الملائكة تجعلها في كفن وتصعد بها إلى السماء، ومع هذا فالعقول قاصرة عن إدراك كنهها وحقيقتها كما قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85).
فإذا كانت الروح حقيقة، واتصافها بما وصفت به في الكتاب والسنة حقيقة، مع أنها لا تماثل الأجسام المشهودة، كان اتصاف الخالق بما يستحقه من صفات الكمال مع مباينته للمخلوقات من باب أولى، وكان عجز أهل العقول عن أن يحدوا الله أو يكيفوه أبين من عجزهم عن حد الروح وتكييفها.
وإذا كان من نفى صفات الروح جاحداً معطلاً، ومن مثلها بما يشاهد من المخلوقات جاهلاً بها ممثلاً، فالخالق سبحانه أولى أن يكون من نفى صفاته جاحداً معطلاً، ومن قاسه بخلقه جاهلاً به ممثلاً.


(12) أي من الزائغين عن سبيل الرسل وأتباعهم.
(13) انظر مجموع الفتاوى (5/29).
(14) انظر مجموع الفتاوى (3/72).
(15) معنى قولهم "بشرط الإطلاق" أنه مطلق عن أي صفة ثبوتية؛ لأن الصفة تقيد الموصوف.
(16) راجع مجموع الفتاوى (6/43).
(17) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: نقله المؤلف رحمه الله بالمعنى. والمحفوظ من لفظهما: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول. والخطب في ذلك سهل.
(18) رواه مسلم، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون رقم (2670).
(19) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة رقم (3244) ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب صفة الجنة رقم (2824).
(20) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (1/135) والبيهقي في البعث رقم (368) وابن حجر في المطالب رقم (4692).
(21) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر رقم (920).

من هناك
04-06-2008, 11:17 PM
اتابع معكم

هنا الحقيقه
04-08-2008, 09:44 PM
شاكر لك المتابعه

هنا الحقيقه
04-11-2008, 03:43 PM
هذه الخاتمة تشتمل على قواعد عظيمة مفيدة:



القاعدة الأولى: أن الله تعالى موصوف بالنفي والإثبات


يعني أن الله تعالى جمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، كما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11). وإنما جمع الله تعالى لنفسه بين النفي والإثبات؛ لأنه لا يتم كمال الموصوف إلا بنفي صفات النقص، وإثبات صفات الكمال، وكل الصفات التي نفاها الله عن نفسه صفات نقص كالإعياء، واللغوب، والعجز، والظلم، ومماثلة المخلوقين.
وكل ما أثبته الله تعالى لنفسه فهو صفات كمال كما قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى) (النحل: 60) سواء كانت من الصفات الذاتية التي يتصف بها أزلاً وأبداً، أم من الصفات الفعلية التي يتصف بها حيث تقتضيها حكمته، وإن كان أصل هذه الصفات الفعلية ثابتاً له أزلاً، وأبداً، فإن الله تعالى لم يزل ولا يزال فعالاً.




فصل

فمن صفات الله تعالى التي أثبتها لنفسه: الحياة.. والعلم.. والقدرة.. والسمع.. والبصر.. والإرادة.. والكلام.. والعزة.. والحكمة.. والمغفرة.. والرحمة.
فحياته تعالى حياة كاملة مستلزمة لكل صفات الكمال، لم يسبقها عدم، ولا يلحقها فناء، كما قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان: 58). وقال: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد: 3). وقال: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة: 255).
وعلمه تعالى كامل شامل لكل: صغير وكبير، وقريب وبعيد، لم يسبقه جهل، ولا يلحقه نسيان، كما قال الله تعالى عن موسى حين سأله فرعون: ما بال القرون الأولى: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه:52). وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (لأنفال: 75).
وقدرته تعالى كاملة، لم تسبق بعجز ولا يلحقها تعب، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر: 44). وقال: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (الطلاق: 12). وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (ق: 38).
وحكمته تعالى حكمة بالغة، منزهة عن العبث، شاملة لخلقه وشرعه، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ) (الدخان: 38-39). وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (الملك: 2). وقال: (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الممتحنة: 10).
وحكمته كسائر صفاته لا يحيط بها الخلق، فقد نعجز عن إدراك الحكمة فيما خلقه أو شرعه، وقد ندرك منها ما يفتح الله به علينا.
وعلى هذا تجري سائر الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه، فكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

هنا الحقيقه
04-15-2008, 04:15 AM
فصل

ومن الصفات التي نفاها الله تعالى عن نفسه: الموت.. والجهل.. والنسيان.. والعجز.. والسنة.. والنوم.. واللغوب.. والإعياء.. والظلم.
قال الله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ) (الفرقان: 58). وقال عن موسى: (فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه:52). وقال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (فاطر: 44). وقال: (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة: 255). وقال: (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (ق:38). وقال: (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنّ) (الأحقاف: 33). وقال: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: 49).
وكل صفة نفاها الله تعالى عن نفسه فإنها متضمنة لشيئين:
أحدهما: انتفاء تلك الصفة.
الثاني: ثبوت كمال ضدها.
ألا ترى إلى قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر: 44). فإن الله تعالى لما نفى عن نفسه العجز بين أن ذلك لكمال علمه وقدرته.
وعلى هذا فنفي الظلم عن نفسه متضمن لكمال عدله. ونفي اللغوب والعي متضمن لكمال قوته. ونفي السنة والنوم متضمن لكمال حياته وقيوميته. ونفي الموت متضمن لكمال حياته. وعلى هذا تجري سائر الصفات المنفية.
ولا يمكن أن يكون النفي في صفات الله - عز وجل - نفياً محضاً، بل لابد أن يكون لإثبات كمال وذلك للوجوه التالية:
الأول: أن الله تعالى قال: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (النحل: 60). أي الوصف الأكمل، وهذا معدوم في النفي المحض.
الثاني: أن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء فكيف يكون مدحاً وكمالاً؟!
الثالث: أن النفي - إن لم يتضمن كمالاً - فقد يكون لعدم قابلية الموصوف لذلك المنفي أو ضده، لا لكمال الموصوف، كما إذا قيل: "الجدار لا يظلم" فنفي الظلم عن الجدار ليس لكمال الجدار، ولكن لعدم قابلية اتصافه بالظلم أو العدل، وحينئذ لا يكون نفي الظلم عنه مدحاً له ولا كمالاً فيه.
الرابع: أن النفي - إن لم يتضمن كمالاً - فقد يكون لنقص الموصوف أو لعجزه عنه كما لو قيل عن شخص عاجز عن الانتصار لنفسه ممن ظلمه: "إنه لا يجزي السيئة بالسيئة" فإن نفي مجازاته السيئة بمثلها ليس لكمال عفوه ولكن لعجزه عن الانتصار لنفسه، وحينئذ يكون نفي ذلك عنه نقصاً وذماً لا كمالاً ومدحاً.
ألم تر إلى قول الحماسي يهجو قومه:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إلى أن قال:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا

يريد بذلك ذمهم ووصفهم بالعجز لا مدحهم بكمال العفو بدليل قوله بعد:
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا شنوا الإغارة ركباناً وفرسانا

وبهذا علم أن الذين لا يصفون الله تعالى إلا بالنفي المحض لم يثبتوا في الحقيقة إلهاً محموداً بل ولا موجوداً كقولهم في الله عز وجل: "إنه ليس بداخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين، ولا محايث(22)، ولا فوق، ولا تحت، ولا متصل، ولا منفصل". ونحو ذلك.
ولهذا قال محمود بن سبكتكين(23) لمن أدعى ذلك في الخالق جل وعلا(24): "ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم". ولقد صدق - رحمه الله - فإنه لن يوصف المعدوم بوصف أبلغ من هذا الوصف الذي وصفوا به الخالق جل وعلا. فمن قال: لا هو مباين للعالم، ولا مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال: لا هو قائم بنفسه ولا بغيره، ولا قديم ولا محدث، ولا متقدم على العالم، ولا مقارن له. ومن قال: ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا متكلم، لزمه أن يكون ميتاً، أصم، أعمى، أبكم(25).

منال
05-09-2008, 08:24 AM
يرفع لمتابعة ما فات باذن الله

جزاكم الله خيرا

هنا الحقيقه
05-09-2008, 06:33 PM
فصل القاعدة الثانية

ما أخبر الله تعالى به في كتابه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم

وجب علينا الإيمان به، سواء عرفنا معناه، أم لم نعرفه

لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) (النساء:136) . وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء: 170).
ولأن خبر الله تعالى صادر عن علم تام، فهو أعلم بنفسه وبغيره كما قال الله تعالى: (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) (البقرة: 140) .
ولأن خبر الله تعالى أصدق الأخبار كما قال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) (النساء: 87).
ولأن كلام الله تعالى أفصح الكلام، وأبلغه، وأبينه كما قال الله تعالى: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان: 33). وقال: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِي) (الزمر: 23). متشابهاً: يشبه بعضه بعضاً في الكمال والبيان. وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 193-195).
ولأن الله تعالى يريد بما أنزل إلى عباده من الوحي أن يهتدوا ولا يضلوا كما قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (النساء: 26). وقال: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النساء: 176).
وهكذا خبر النبي صلى الله عليه وسلم صادر عن علم فإنه صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه وأسمائه وصفاته وأحكامه.
وخبره أصدق أخبار البشر، وكلامه أفصح كلام البشر، وقصده أفضل مقصود البشر، فهو أنصح الخلق للخلق.
فقد اجتمع في خبر الله تعالى وخبر رسوله كمال العلم، وكمال الصدق وكمال البيان، وكمال القصد والإرادة، وهذه هي مقومات قبول الخبر؛ ولهذا لو صدر الخبر عن جاهل أو كاذب، أو عيي، أو سيئ قصد لم يكن مقبولاً لفقد مقومات القبول أو أحدها.
فإذا كانت مقومات قبول الخبر تامة على أكمل وجه في خبر الله ورسوله وجب الإيمان به وقبوله سواء كان نفياً أم إثباتاً، ولم يبق عذر لمعتذر في رده، أو تحريفه، أو الشك في مدلوله، لاسيما في أسماء الله تعالى وصفاته.
وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها وجب قبوله، وعامة هذا الباب "باب الأسماء والصفات" منصوص عليه في الكتاب والسنة متفق عليه بين سلف الأمة.
وأما ما تنازع فيه المتأخرون مما ليس في الكتاب والسنة ولا عند سلف الأمة فليس على أحد بل وليس لأحد أن يثبت لفظه أو ينفيه لعدم ورود السمع به، وليس له أن يقبل معناه أو يرده حتى يعلم المراد منه. فإن كان حقاً وجب قبوله، وإن كان باطلاً وجب رده.
ولذلك أمثلة منها:
المثال الأول: الجهة:
أي لو قال قائل: إن الله في جهة، أو هل لله جهة؟
فيقال له: لفظ "الجهة" ليس في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه، فليس فيهما أنه في جهة، أو له جهة، ولا أنه ليس في جهة، أو ليس له جهة، وفي النصوص ما يغني عنه كالعلو، والفوقية، والاستواء على العرش، وصعود الأشياء إليه ونزولها منه.
وقد اضطرب المتأخرون في إثباته ونفيه، فإذا أجريناه على القاعدة قلنا: أما اللفظ فلا نثبته ولا ننفيه لعدم ورود ذلك، وأما المعنى فينظر ماذا يراد بالجهة: أيراد بالجهة شيء مخلوق محيط بالله عز وجل، فهذا معنى باطل لا يليق بالله سبحانه، فإن الله لا يحيط به شيء من مخلوقاته، فقد وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤوده حفظهما، ولا يمكن أن يكون داخل شيء من مخلوقاته.
أم يراد بالجهة ما فوق العالم، فهذا حق ثابت لله عز وجل، فإن الله تعالى فوق خلقه عال عليهم، كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية كانت له: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة"(26).
المثال الثاني: الحيز أو المتحيز:
فإذا قال قائل: هل نصف الله تعالى بأنه متحيز أو في حيز؟
قلنا: لفظ "التحيز" أو "الحيز" ليس في الكتاب والسنة ثابتة ولا نفيه عن الله تعالى، فليس فيهما أنه في حيز، أو متحيز، ولا أنه ليس كذلك، وفي النصوص ما يغني عنه مثل الكبير المتعال.
وقد اضطرب المتأخرون في إثبات ذلك لله تعالى أو نفيه عنه، فإذا أجريناه على القاعدة قلنا: أما اللفظ فلا نثبته ولا ننفيه لعدم ورود السمع به، وأما المعنى فينظر ماذا يراد بالحيز أو المتحيز؟ أيراد به أن الله تعالى تحوزه المخلوقات وتحيط به، فهذا معنى باطل منفي عن الله تعالى لا يليق به، فإن الله أكبر وأعظم وأجل من أن تحيط به المخلوقات وتحوزه كيف وقد وسع كرسيه السموات والأرض، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه؟! وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟"(27). وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".
أم يراد بالحيز أو المتحيز: أن الله منحاز عن المخلوقات أي مباين لها منفصل عنها ليس حالاً فيها، ولا هي حالة فيه، فهذا حق ثابت لله عز وجل، كما قال أئمة أهل السنة: هو فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه.




(تنبيه)
جاء في القاعدة "أنه يجب علينا الإيمان بما أخبر الله به ورسوله سواء عرفنا معناه أم لا" لكن ليعلم أنه ليس في كلام الله ورسوله شيء لا يعرف معناه جميع الأمة، بل لابد أن يكون معروفاً لجميع الأمة أو بعضها؛ لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 44). وقوله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: 89).
ولأنه لو كان فيه ما لا يعلم معناه أحد لكان بعض الشريعة مجهولاً للأمة، ولكن المعرفة والخفاء أمران نسبيان، فقد يكون معروفاً لشخص ما كان خفياً على غيره، إما لنقص في علمه، أو قصور في فهمه، أو تقصير في طلبه، أو سوء في قصده.

هنا الحقيقه
05-09-2008, 06:33 PM
هلابك منال نورت الموضوع

وفاتك مواضيع كثيرة ربما تجديها في قسم المجتمع

منال
05-19-2008, 12:31 PM
أنار الله حياتك بالايمان

بانتظار التتمة

هنا الحقيقه
05-19-2008, 04:37 PM
فصل القاعدة الثالثة

في إجراء النصوص على ظاهرها

ظاهر النصوص ما يتبادر منها من المعاني بحسب ما تضاف إليه وما يحتف بها من القرائن.
والواجب في النصوص إجراؤها على ظاهرها بدون تحريف لقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 192 - 195). وقوله: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3). وقوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاء) (الأعراف: 3).
فإذا كان الله تعالى أنزله باللسان العربي من أجل عقله وفهمه، وأمرنا باتباعه، وجب علينا إجراؤه على ظاهره بمقتضى ذلك اللسان العربي، إلا أن تمنع منه حقيقة شرعية.
ولا فرق في هذا بين نصوص الصفات وغيرها، بل قد يكون وجوب التزام الظاهر في نصوص الصفات أولى وأظهر؛ لأن مدلولها توقيفي محض لا مجال للعقول في تفاصيله.
فإن قال قائل في نصوص الصفات: لا يجوز إجراؤها على ظاهرها لأن ظاهرها غير مراد.
فجوابه أن يقال: ماذا تريد بالظاهر؟ أتريد ما يظهر من النصوص من المعاني اللائقة بالله من غير تمثيل، فهذا الظاهر مراد لله ورسوله قطعاً، وواجب على العباد قبوله، والإيمان به شرعاً؛ لأنه حق ولا يمكن أن يخاطب الله عباده بما يريد منهم خلاف ظاهره بدون بيان كيف، وقد قال: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم) (النساء: 26) وقال: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (النساء: 176) ويقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل: 44). ويقول: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52). ومن خاطب غيره بما يريد منه خلاف ظاهره بدون بيان فإنه لم يبين له ولم يهده.
أم تريد بالظاهر ما فهمته من التمثيل؟ فهذا غير مراد لكنه ليس ظاهر نصوص الكتاب والسنة؛ لأن هذا الظاهر الذي فهمته كفر وباطل بالنص والإجماع، ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله كفراً وباطلاً، ولا يرتضي ذلك أحد من المسلمين.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجري على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق، فاتفقوا على أن لله تعالى حياة، وعلماً، وقدرة، وسمعاً، وبصراً، حقيقة، وأنه مستوٍ على عرشه حقيقة، وأنه يحب ويرضى، ويكره ويغضب حقيقة، وأن له وجهاً ويدين حقيقة؛ لقوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان: 58). وقوله: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 29). (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة: 120). (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11). وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه: 5). وقوله: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة: 54). (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (المائدة: 119). (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) (التوبة: 46). (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (النساء: 93) وقوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن: 27). (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان) (المائدة: 64).
فأجروا هذه النصوص وغيرها من نصوص الصفات على ظاهرها وقالوا: إنه مراد على الوجه اللائق بالله تعالى فلا تحريف ولا تمثيل.
وبيان ذلك: أن من صفاتنا ما هو معان وأعراض قائمة بنا كالحياة والعلم والقدرة، ومنها ما هو أعيان وأجسام وهي أبعاض لنا كالوجه واليدين. ومن المعلوم أن الله وصف نفسه بأنه حي، عليم، قدير، ولم يقل المسلمون إن المفهوم من حياته وعلمه وقدرته كالمفهوم من حياتنا وعلمنا وقدرتنا، فكذلك لما وصف نفسه بأن له وجهاً ويدين لم يكن المفهوم من وجهه ويديه كالمفهوم من وجوهنا وأيدينا. وإنما قال المسلمون إن المفهوم من صفات الله في هذا وهذا لا يماثل المفهوم منها في صفاتنا، بل كل صفة تناسب الموصوف وتليق به، فلما كانت ذات الخالق لا تماثل ذوات المخلوقين، فكذلك صفاته لا تماثل صفات المخلوقين، وقد سبق أن القول في الصفات كالقول في الذات.
فتبين بذلك أن من قال: إن ظاهر نصوص الصفات غير مراد فقد أخطأ على كل تقدير، لأنه إن فهم من ظاهرها معنى فاسداً وهو التمثيل، فقد أخطأ في فهمه وأصاب في قوله "غير مراد"، وإن فهم من ظاهرها معنى صحيحاً وهو المعنى اللائق بالله، فقد أصاب في فهمه وأخطأ في قوله "غير مراد" فهو إن أصاب في معنى ظاهرها أخطأ في نفي كونه مراداً، وإن أخطأ في معنى ظاهرها أصاب في نفي كونه مراداً، فيكون قوله خطأ على كل تقدير.
والصواب الذي لا خطأ فيه أن ظاهرها مراد، وأنه ليس إلا معنى يليق بالله.