تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الهدي النبوي في تدبير الطعام والشراب(على حلقات)



هنا طرابلس
07-01-2003, 12:56 PM
الحلقة الاولى
غسل اليدين قبل الطعام وبعده:

يستحب للمسلم غسل اليدين قبل الطعام وبعده لحديث سلمان الفارسي t أن رسول الله r قال: " بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده " .وقد فسر العلماء وضوء الطعام بغسل اليدين.

وعن أنس بن مالك tقال: سمعت رسول الله rيقول: "من أحب أن يكثر الله خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع" رواه ابن ماجة والبيهقي.

وعن أبي هريرة t أن النبي r قال: " من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومنَّ إلا نفسه " ، والغمر: ريح اللحم وزهومته.

وعنه أيضاً عن النبي r قوله: " إن الشيطان حساس لحّاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومنَّ إلا نفسه " .

وعن أبي سعيد tعن النبي r قوله: " من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا يلومنَّ إلا نفسه " ، والوضح: البرص.

ولا تخفى الحكمة الصحية من هذا الهدي النبوي .ففي حياة الإنسان اليومية كثيراً ما يصافح شخصاً مريضاً أو حاملاً لجراثيم ممرضة أو يلمس أشياء ملوثة بجراثيم خطيرة فهو يجلس لطعامه غير عالم أن بين أنامله خطراً كامناً ينتظر ذلك الطعام فيلوث لقمة يبتلعها ليصاب بذلك المرض، وأكثر الأمراض انتشاراً عن ذلك الطريق هي الكوليرا والتيفوئيد والزحار.هذا وإن الجلد يحتوي على سطحه على أثلام وأخاديد، وإن ما يفرزه من دهن وعرق يساعد على التصاق تلك الجراثيم وبيوض الطفيليات بالجلد وحفظها بين ثناياه.

ويأتي الهدي النبوي بالأمر بغسل اليدين قبل الطعام متوافقاً مع بدهيات الطب الحديث الوقائي ليسلم طعامه من عوامل التلوث والمرض. أما غسل اليدين بعد الطعام فلأن بقاياه التي تلوث الأنامل يمكنها إذا بقيت أن تتفسخ وأن تشكل ضمن حرارة الجسم وسطاً ملائماً لتكاثر الجراثيم واستحالتها إلى خطر داهم وهذا الخطر هو الذي حذر منه النبي r في كثير من أحاديثه التي أوردناها.

ويعلق د.الراوي على قوله r: " من أراد أن يكثر خير بيته "، أن غسل اليدين قبل الطعام يدخل البركة على الإنسان كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، وأن البركة هنا هي _بركة العافية_ وهي الكنـز الذي لا يفنى والكرم الإلهي الذي لا يقدر بثمن. وأن غسل اليدين قبل الطعام إجراء حاسم للوقاية من الفقر كما ورد في الأثر " الوضوء قبل الطعام بركة وينفي الفقر وبعده ينفي اللمم " .

هنا طرابلس
07-01-2003, 12:57 PM
جلسة الطعام في الهدي النبوي:

عن أبي جحيفة tقال: " لا آكل متكئاً " رواه البخاري.

وعن أنس t قال: " رأيت النبي r جالساً مقعياً يأكل تمراً " رواه مسلم.

و قد ورد عن أبي بن كعب في صفة طعام النبي r: " أن النبي r كان يجثو على ركبتيه وكان لا يتكئ ".

وعن عبد الله بن بسر t قال كان لرسول الله r قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا وسجدوا للضحى أتي بتلك القصعة وقد ثرد عليها فالتفوا حولها، فلما كثروا جثا رسول الله r فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقالr: إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً، ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها " ، وجثا يجثو: جلس على ركبتيه.

وعن أنس بن مالك tقال: " لم يأكل النبي r على خوان قط وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات " رواه البخاري، وفي رواية للترمذي: قيل لقتادة فعلام كانوا يأكلون؟ قال على السفر، والسُّفَر: جمع سُفرة وهو ما يوضع على الأرض ليؤكل عليه.

قال ابن القيم : وقد فسر الاتكاء بالتربع، وفسر بالاتكاء على الشيء وهو الاعتماد عليه وفسر بالاتكاء على الجنب. والأنواع الثلاثة من الاتكاء: فنوع منها يضر وهو الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام عن هيئته ويعوقه عن سرعة نفوذه الى المعدة فيضغطها فلا يستحكم فتحها للغذاء. وأما النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية ولهذا قال r: " آكل كما يأكل العبد ". وكان يأكل وهو مقع، والإقعاء أن يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر القدم اليمنى. وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي. وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد التي تحت الجالس فيكون المعنى: أما إذا أكلت لم أقعد متكئاً كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطعام، لكني آكل بُلْغة كما يأكل العبد.

ويرى د.إبراهيم الراوي أن الجهاز الهضمي يحتاج إلى كمية كبيرة من الدم ليستطيع القيام بما يلزم لاستقبال الطعام الوارد والتهيؤ لهضمه لذا كان الإجراء الطبي الصحيح لذلك وجوب الجلوس وثني الساقين تحت الجسم لحصر الدم في منطقة الجهاز الهضمي، مع وضع الساق اليسرى منثنية واليمنى مرتكزة على القدم لجعل المعدة حرة طليقة بعيدة عن أي ضغط مسلط باتجاهها من الخارج. وهذا هو أصح حالة لعمل الجهاز الهضمي. كما يجب الامتناع عن الحركة والسير أثناء الطعام لمنع ذهاب الدم إلى العضلات في وقت يكون جهازه الهضمي في أمس الحاجة إليه. وهذا الوضع "جلسة الطعام" التي طبقها أستاذ البشرية سيدنا محمد r وهو أصح وأسلم في حالة الجلوس على الأرض حول السفرة من استعمال الكراسي حول مائدة الطعام.

وحول الأكل متكئاً يقول د.الراوي أن الاتكاء يسبب التشنج والاضطراب والتقلص في عضلات البلعوم فلا يستطيع الإنسان بلع اللقمة في ارتياح ولذة، كما أنه يحدث ارتخاءً في عضلات البطن فلا تستطيع المعدة استقبال الطعام بشكل صحيح. ولأن المعدة تكون بوضعها الصحيح في حالة انتصاب الجذع وارتكازه على الأرض دون لجوئه إلى الارتكاز الجانبي في حالة الاتكاء.

أما د.غياث الأحمد فيرى أن الجلوس على المقعدة (التربيع) يؤدي إلى انبساط المعدة وإلى أن تأخذ المعدة مجالاً واسعاً فتزيد قابليتها لأخذ الطعام والمزيد منه. أما الإقعاء بنصب الساقين أو أحدهما مما يضيق حيز المعدة ويقلل اتساعها مما يؤدي بها إلى الامتلاء بمقدار أقل من الطعام حيث يشعر المرء بالشبع بآلية انعكاسية فيقل مطعمه ولا يصاب بالتخمة

هنا طرابلس
07-01-2003, 01:00 PM
التسمية قبل الطعام والأكل باليمين مما يلي الآكل:

عن عمر بن أبي سلمة tقال: كنت غلاماً في حجر رسول الله r وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله r: " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " رواه البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يأكل طعاماً في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال r: " أما أنه لو سمى لكفاكم " .

عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب رسول الله r قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع؟ قال: " لعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " .

و عن جابر بن عبد الله tأن النبي r قال: " لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال " رواه مسلم، وفي رواية له عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قوله r: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ".

و عن سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله r بشماله فقال له r: " كل بيمينك قال: لا أستطيع، ما منعه إلا الكبر فقال r: لا استطعت قال سلمة: فما رفعها إلى فيه " رواه مسلم.

و من حديث طويل رواه عبد الله بن بسر tأن النبي r أتي بقصعة قد ثرد فيها فقال عليه الصلاة والسلام: " كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها " وعن أنس tأن النبي r قال: " اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه " رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عباس tأن النبي r قال: " البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافته ولا تأكلوا من وسطه " .

التسمية أول الطعام تربط المسلم بالرزاق المنعم وتخلق فيه حالة من الطمأنينة تذكره بأن الرزق من عند الله ولا شك أن الذي يأكل وهو بحالة نفسية من الراحة والرضا فإن تمثل الطعام في بدنه ومن ثَمَّ فإن استفادته منه تكون أعظم مما لو كان قلقاً متوتراً أثناء تناوله لطعامه .فالتوتر والقلق يؤديان إلى عسر الهضم وإلى عدد من أمراض السبيل الهضمي والتي تقلل الاستفادة من الطعام المتناول.

وأما تخصيص اليد اليمنى للأمور الكريمة من أكل وشرب ومصافحة وغيرها، وتخصيص اليسرى للأمور المستقذرة من استنجاء ورمي للأقذار فهو ولا شك تنظيم نبوي كريم يمكن اعتباره من أسس النظافة والصحة الشخصية، وينسجم مع مبادئ الطب الوقائي الحديث للوقاية من العدوى وتقليل عوامل سراية المرض.

أما أن يأكل المرء مما يليه من قصعة الطعام فهو ولا شك هدي نبوي إلى خلق كريم تتجمل به الجماعة المسلمة وينم عن أدب اجتماعي جم رفيع هو من تعاليم من وصفه المولى مخاطباً إياه ] وإنك لعلى خلق عظيم [. ولعل من حكمته أنه يقلل خطر انتقال الأوبئة فيما لو كان بعض الآكلين حملة لجراثيم مهمة.