تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نظرية الخروج في الفقه السياسي الاسلامي



عزام
02-26-2008, 05:27 PM
هناك كتاب للاستاذ كامل رباع قدم فيه دراسة ماجستير في الدراسات الاسلامية في فلسطين حيث تناول هذه المسألة بعمق و تمحيص، لذلك انصح المهتمين بقراءته "نظرية الخروج في الفقه السياسي الاسلامي". وهذه عينة من المقدمة ستتبعها ان شاء الله مقتطفات من هذا الكتاب. اذا احببتم.
المقدمة :


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأمرنا بقول الحق لا نخشى في الله لومة لائم ، والسداد في القول والبعد عن الأهواء فقال : *( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً )* كما أمرنا بنبذ الباطل وأهله فقال: *( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )* وبعد.

لقد ابتليت الأمة الإسلامية المجيدة عبر تاريخها الطويل بفتن أنشبها بعض بنيها ، فولدت فتناً أخرى أطمعت أعداءها فيها، وكان أكبر فتنة ابليت بها الأمة انحرافها عن الحق والهدى وابتعادها عن شريعة الله ، وقد أدى هذا الانحراف إلى ضياع الخلافة الإسلامية عام 1924 م ونبذ شريعة الله، واستولى على بلاد المسلمين من يتفنن في إبعاد المسلمين عن عقيدتهم السمحة وإغراقهم في بحر الفساد ، بل دعموا كل ما هو آت من الغرب، فشجعوا الأفكار الغربية الهدامة عبر إعلامهم الرسمي، فظهرت الهجمة على الإسلام ، فاتهم أنه دين رجعي يريد العودة بالمسلمين إلى العصور المظلمة، وأنه دين ظالم للمرأة وأنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين .
وفي وسط هذا الجو المحموم من التناقضات الفكرية والسياسية والاجتماعية اقتنع بعض المفكرين المسلمين الغيورين على هذا الدين بأن العالم الإسلامي بحاجة إلى تغيير، فظهرت الجماعات الإسلامية كل منها يحمل منهجاً للتغيير، منها ما يدعو إلى تكوين قاعدة إسلامية عريضة ، وأول لبنات هذه القاعدة الفرد المسلم، ورأت أنه إذا تحقق بناء الفرد تحقق بناء المجتمع امسلم .
وعلى النقيض من هذا المنهج ظهر فكر الجماعات الإسلامية التي رفعت شعار القوة ، وأعلنت الجهاد ضد من يحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية دون النظر إلى النتائج أو مراعاة المصالح والمفاسد، وظهرت الجماعات الإسلامية التي اتجهت إلى العمل السياسي والتحرك من خلال القنوات الرسمية والقانونية، في حين ظهرت جماعات ترى أن السبيل إلى الهدف يكون عن طريق التمسك بالإسلام ونصرة الله باتباع شرعة ، فإذا تم ذلك تحقق النصر من عند الله .
إن الجماعات الإسلامية العاملة أخذت كل واحدة منها تدعي أن منهجها هو المنهج الشرعي، وما عداه من مناهج غير شرعي ، فاتهمت الجماعات الجهادية من لم يسلك طريقها أنه موال للنظم الحاكمة، ورأت الجماعات الأخرى أن الجماعات الجهادية قد تطرفت في رأيها وابتعدت عن جادة الصواب ، كما أن النظم الحاكمة وصفت من يحاول تطبيق الشريعة الإسلامية وإعادة الإسلام إلى واقع الحياة بأقبح الصفات ، فظهرت المصطلحات الحكومية التي نعتت بها الإسلاميين- المتزمتون- الرجعيون – المتطرفون – المغتصبون – خوارج هذا العصر ، وغير ذلك الكثير.
وظهر الخلاف بين العلماء حول شرعية عمل بعض الجماعات الإسلامية الخارجة، وحول هذا الموضوع الذي أصبح مدار نقاش وحوار على الساحة السياسية والفكرية، كما أن النظم العربية والإسلامية الحاكمة روجت لمذهب الصبر المحرم للخروج على إمام المسلمين الرعي ما لم يصل إلى درجة الكفر البواح، معتبرين أنفسهم شرعيين يجب طاعتهم .

أهمية الموضوع :

يعتبر هذا الموضوع من أكثر المواضيع التي تطرح يومياً، بين مؤيد ومعارض ومحلل ومحرم، خاصة أن من الجماعات الإسلامية من رفعت لواء الخروج وطبقته عملياً ، ويكثر الحديث عن شرعية هذا العمل وآثاره على المجتمع الإسلامي، فهو موضوع قديم حديث يكثر الجدل حوله ، فهو موضوع في غاية الأهمية لما في التحليل أو التحريم للخروج من آثاره على المجتمع الإسلامي.

أهداف البحث : من أهداف البحث ما يلي :

1 - تقديم دراسة شاملة مفصلة مترابطة لهذا الموضوع .
2 - صياغة المادة العلمية صياغة فقهية ما أمكن ، والبعد عن الطرح الذي لا يحكمه الفقه وأصوله
في صياغته ، ولا يسنده الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة .
3 - محاولة الرد على طروحات بعض المفكرين المعاصرين من بعض القضايا الفكرية .
4 – بيان موقف أهل السنة من الخروج على الإمام الفاسق ، وإزالة بعض الأفكار الخاطئة .
5 – بيان موقف الجماعات الإسلامية من الخروج وبيان أدلتها مع المناقشة والترجيح .

أسباب اختيار الموضوع : فترجع إلى ما يلي :

1 – الأهمية الكبيرة لهذا الموضوع .
2 - عدم وجود دراسة شاملة مجتمعة في مصنف واحد خاصة أن الجامعات العربية تتحرج في طرح مثل هذا الموضوع .
3 - رغبتي في إضفاء الطابع الفقهي لهذا الموضوع بجميع جزئياته ما أمكن، خاصة أن بعض الدراسات افتقدت هذا الجانب .
4 – جهل عامة المسلمين بالموقف الفقهي لهذا الموضوع ، لأن الإعلام الرسمي الحكومي يركز على الجوانب التي تخدمه من هذا الموضوع .

عملي في هذا البحث :
نظراً لسعة البحث وشموله لعدد من القضايا فإنني في هذا البحث ركزت على بعض المسائل التي لها بعد معاصر، لذا فإن جميع المسائل لم تكن على مستوى واحد من الاستيعاب والشمول، لأن ذلك لو حصل لاحتاج الأمر إلى ضعفي حجم هذه الرسالة .
وعليه فقد كان عملي في هذا البحث كالتالي :
1- الرجوع إلى كتب الفقه وأصوله وكتب الفكر الإسلامي والسياسة الشرعية التي تناولت الموضوع ما أمكنني ذلك .
2- الرجوع ما أمكن إلى كتب التفسير وشروح السنة والتاريخ الإسلامي .
3- إبراز المسألة الفقهية المختلف فيها ، ثم تحرير محل النزاع .
4- عرض أقوال العلماء في كل مسألة وبيان أدلتهم ومناقشةها مع الترجيح المستند إلى الأدلة .
5- الرجوع ما أمكن إلى المراجع المعتمدة للفرق والجماعات الإسلامية ، فإن لم أعثر عليها عمدت إلى المراجع المشهورة في هذا الفن.
6- تخريج الإحاديث النبوية مع بيان درجتها من الصحة أو الضعف، ثم قمت بفهرسة الآيات والأحاديث النبوية التي استشهدت بها ، وبيان مكانها من البحث .
خطة البحث :
لقد قمت بتقسيم البحث ألى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة .
أما المقدمة فقد اشتملت على :
1 - أهمية الموضوع 2 - أهداف البحث
3 - أسباب اختيار الموضوع . 4 - عملي في البحث
5 – خطة البحث . 6 - الصعاب التي واجهتني .
أما التمهيد فقد بينت فيه المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردات عنوان البحث، وبيان إسهامات العلماء فيه .

أما أبواب البحث فهي ثلاثة :
 الباب الأول : السلطة في الإسلام
الفصل الأول : الخلافة عقد بين الحاكم والمحكوم
المبحث الأول :الخلافة فريضة شرعية وشرورة بشرية. ويتكون من المطالب التالية :
- المطلب الأول : الأدلة على وجوب نصب خليفة .
- المطلب الثاني : الخلافة ضرورة بشرية .
- المطلب الثالث : مصدر الوجوب .
- المطلب الرابع : نوع الوجوب .
المبحث الثاني : أركان عقد الخلافة .
- المطلب الأول : معنى البيعة لغة واصطلاحاً .
- المطلب الثاني : طبيعة عقد البيعة .
- المطلب الثالث : من هو العاقد ؟
- المطلب الرابع : شروط أهل الحل والعقد .
- المطلب الخامس : عدد من تنعقد بهم الخلافة .
- المطلب السادس : مدة العقد .
- المطلب السابع : مادة العقد " المعقود عليه "
- المطلب الثامن : عقد الخلافة عقد مراضاة .
الفصل الثاني : شرعية السلطة في الإسلام
تمهيد : معنى الشرعية والمشروعية والفرق بينهما، ومعنى السلطة لغة واصطلاحاً .
المبحث الأول : إقامة شريعة الله
المبحث الثاني : اختيار السلطة .
المبحث الثالث : الوحدة ويتكون من :
- تمهيد : حرص الإسلام على الوحدة
- المطلب الأول : آراء العلماء القدامى في الوحدة .
المبحث الرابع : الفصل بين السلطات . ويتكون من:
- تمهيد : نشأة المبدأ ومعناه .
- المطلب الأول : الفصل بين السلطات في الإسلام .
المبحث الخامس : الجزاء السياسي للإمام الخارج عن الشرعية . ويتكون من :
- المطلب الأول : حقوق الإمام الشرعي .
- المطلب الثاني : الجزاء السياسي للإمام غير الشرعي .
الفصل الثالث : شروط الإمام
المبحث الأول : شروط الانعقاد .
المبحث الثاني : شروط الأفضلية .
الفصل الرابع : طرق انعقاد الإمامة .
المبحث الأول : العهد والاستخلاف
المبحث الثاني : التغلب والقهر .
الفصل الخامس : موجبات عزل الخليفة
تمهيد : حق الأمة في عزل الخليفة
المبحث الأول : الكفر
المبحث الثاني : ترك الصلاة وإقامتها .
المبحث الثالث : الفسق والظلم .
المبحث الرابع : نقص الكفاءة النفسية والجسدية .
المبحث الخامس : ترك الشورى .
الفصل السادس : الطرق السلمية لعزل الخليفة .
 الباب الثاني : نظرية الخروج على الإمام الفاسق
الفصل الأول : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية .
المبحث الأول : أهمية هذا الفرض ومعناه .
المبحث الثاني : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
المبحث الثالث : شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- المطلب الأول : شروط المنكِر
- المطلب الثاني : شروط المنكَر
- المطلب الثالث : بم يتحقق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- المطلب الرابع : تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية .
المبحث الرابع : محاسبة الإمام فرض على المسلمين .

الفصل الثاني : موقف الفرق الإسلامية من الخروج على الإمام الفاسق
تمهيد : تضمن نشأة الفرق – معنى الفرقة – عدد الفرق – مصطلح أهل السنة وبداية نشأته .
المبحث الأول : موقف الخوارج من الخروج على الإمام الفاسق .
- تمهيد : نشأة الخوارج وأصل التسمية
- المطلب الأول : المبادىء العامة للخوارج
المبحث الثاني : موقف الشيعة من الخروج
- تمهيد : معنى التشيع
- المطلب الأول : موقف الشيعة من الإمامة
- المطلب الثاني : موقف الأثني عشرية من الخروج
- المطلب الثالث : موقف الزيدية من الخروج
المبحث الثالث : موقف المعتزلة
- تمهيد : أصل التسمية والنشأة .
- المطلب الأول : موقف المعتزلة من الخروج وأدلتهم .
المبحث الرابع : موقف المرجئة من الخروج .
الفصل الثالث : موقف اهل السنة والجماعة من الخروج على الإمام الفاسق
المبحث الأول : بطلان دعوى الإجماع وعلة الخلاف في الخروج على الإمام الفاسق .
المبحث الثاني : آراء العلماء في الخروج على الإمام الفاسق .
المبحث الثالث : كيفية الخروج .
المبحث الرابع : الخروج على إمام فاسق ليس بغياً .
 الباب الثالث : موقف الجماعات الإسلامية المعاصرة من الخروج .
الفصل الأول : موقف جماعة الإخوان المسلمين من الخروج .
تمهيد : نشأة الجماعة وأهدافها والفكر السياسي للمؤسس .
المبحث الأول : موقف الجماعة من الخروج .
الفصل الثاني : موقف حزب التحرير من الخروج
المبحث الأول : نشأة الحزب وأهدافه .
المبحث الثاني : موقف الحزب من الخروج وأدلته .
الفصل الثالث : موقف الجماعات الجهادية من الخروج
تمهيد : عوامل نشأة الجماعات الجهادية .
المبحث الأول : موقف جماعة المسلمون " التكفير والهجرة " .
- تمهيد : نشأة الجماعة وهدفها .
- المطلب الأول : موقف الجماعة من الخروج وأدلتهم
المبحث الثاني : موقف جماعة شباب محمد " شباب الكلية الفنية العسكرية " .
المبحث الثالث : موقف جماعة الجهاد .
- تمهيد : نشأة الجماعة وهدفها .
- المطلب الأول : موقف الجماعة من الخروج
المبحث الرابع : موقف الجماعة الإسلامية من الخروج .
الفصل الرابع : موقف الجماعات التي جعلت القوة خياراً مطروحاً .
المبحث الأول : حركة النهضة التونسية .
المبحث الثاني : الجبهة القومية الإسلامية في السودان .
- تمهيد : نشأة الجماعة .
- المطلب الأول : موقف الجماعة من الخروج .
المبحث الثالث : الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر.

الفصل الخامس : موقف الجماعات التي تبنت النهج السياسي
تمهيد : لمحة عن مناهج التغيير.
المبحث الأول : حزب الرفاه اسلامي في تركيا " حزب الفضيلة" .
المبحث الثاني : موقف الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية .
الفصل السادس : موقف الجماعات التربوية
المبحث الأول : موقف جماعة التبليغ
المبحث الثاني : موقف السلفية المعاصرة .

الفصل السابع : السبيل إلى الهدف
أما الخاتمة فقد لخصت فيه أبرز نقاط البحث، وأهم ما توصلت إليه، وقدمت بعض التوصيات التي أرى أهميتها.

عزام
02-26-2008, 05:28 PM
1-: الجزاء الشرعي للإمام غير الشرعي
إن حق النصرة للحاكم والتعاون معه أثر من آثار الشرعية، بمعنى أن الخليفة ما دام له صفة الشرعي أي مطبقاً لشريعة الله ومختاراً من قبل الأمة فهو الإمام الشرعي الذي له هذه الحقوق، فإذا خرج عن الشرعية الإسلامية بأن أصدر قانوناً يخالف الشرعية الإسلامية ، فإن على المسلمين حينها واجب النصح له وإرشاده إلى الخير والصواب، وتتبع كل السبل السليمة لإعادته إلى الهدى والصواب، فإن لم يستجب بعد كل هذه الطرق والأساليب السلمية وجب على المسلمين أمران :
أ - عدم الطاعة له .
ب- عدم التعاون معه .
فالحاكم الذي له حق الطاعة والتعاون هو الحاكم الشرعي، فإذا خرج من الشرعية فلا حق له في الطاعة، وسقط عن المسلمين هذا الواجب: " إن حق الطاعة إنما هو للأمير الذي لا يخالف أحكام الشريعة ولا يخرج عن مبادئها " . أي عدم التعاون معه، لذلك فإنالنص القرآني الذي أوجب على المسلمين التعاون مع الحاكم على الخير هو نفس النص الذي يعتبر دليلاً على عدم التعاون مع الإمام الخارج عن الشرعية. لأن الخروج عن الشرعية الإسلامية إثم كبير، لا يجوز التعاون مع الإمام فيه خاصة أن ضرر هذا الإثم كبير يعود على المسلمين، كما أن التعاون مع الإمام رغم عدم مشروعيته يصبغ عليه صفة الشرعية، وهو ليس كذلك، وهذا عين المعاونة على الشر الذي نهى الله عنه، وهذا عدوان على الحقوق الشرعية للمسلمين .
فخروج الحاكم عن الشرعية الإسلامية منكر يجب تغييره حسب الاستطاعة، ويبدأ أولاً بالطرق السلمية ، لأن الأسلام أشد ما يمنع إراقة الدماء وهو حريص على عدم إثارة الفتن، لأن الفتنة أشد من القتل كما قال الله تعالى:
*( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل) * سورة البقرة 191
وأول الطرق السلمية هو إنكار القلب لهذا المنكر، وهذا الإنكار لا يكون صادقاً إلا إذا قام المكلف بعمل إيجابي متجانس معه، وذلك عن طريق اعتزال المنكر ومقاطعة الطغاة الجائرين حتى يحس هؤلاء أنهم ليسوا على وفاق مع رعيتهم، وحتى أنهم يحسوا أنهم على خطأ، يجب التراجع عنه، وهذا يشكل تهديداً خطيراً للحكام ومقاومة سلمية تؤتي أكلها حينما يحسن استغلالها.
ويستدل على شرعية هذه المقاومة بما يلي :
أ - قول الله تعالى *( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون )* سورة هود 113 . إنها صورة قرآنية دقيقة ترشد المسلمين إلى ما يجب عليهم فعله إزاء الحاكم الظالم الخارج عن الشرعية ، إنها ترشد إلى عدم الرضا بما عليه الظلمة من الظلم، " فالركون إلى الشيء هو السكون إليه بالأنس والمحبة ، فاقتضى ذلك النهي عن مجالسة الظالمين ومؤانستهم والإنصات إليهم " .
ب - إن السنة النبوية حافلة بالأحاديث التي تنهى عن مجالسة الظالمين ومسامرتهم، وفي ذلك حديث صريح ينهى فيه الرسول عن أي نوع من أنواع التعاون مع الظلمة ، فيقول: " يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة ، وقضاة خونة ، وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً . " والجابي هو الذي يجمع الأموال .
والشرطي هو أداة تنفيذ أوامر الخليفة، والعريف هو القيّم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم، ويعرّف الأمير على أحوالهم . فالرسول صلى الله عليه وسلّم أراد أن يبين للمسلمين أن أي صورة من صور التعاون مع الحكام الظلمة محرمة ، فالتأييد لهم أو التصفيق والدعاء لهم كلها صور محرمة يجب اجتنابها .
لقد سطّر لنا التاريخ الإسلامي المنير مواقف مشرفة للتابعين وغيرهم إزاء ظلم بعض الخلفاء ، فقد رفض أبو حنيفة النعمان القضاء في العهد العباسي في عهد أبي جعفر المنصور، وكذلك رفض الليث بن سعد فقيه مصر عرض أبي جعفر المنصور ولاية مصر، حتى أن هؤلاء العلماء الجهابذة أفتوا بحرمة أخذ الأموال من قبل الحكام الظلمة على شكل هبات أو مكافآت ، لأن الحكام لا تسمح نفوسهم بعطية إلا لمن طمعوا في الاستعانة بهم على تحقيق أغراضهم، وتكليفهم بالمواظبة على الدعاء، والتزكية، والإطراء عليهم .
يقول أبو حامد الغزالي وهو من أشد المانعين لأخذ الهبات من الحكام الظلمة " فلو لم يذل الآخذ نفسه بالسؤال أولاً، وبالتردد في الخدمة ثانياً، وبالثناء والدعاء ثالثاً، وبالمساعدة له على أغراضه عند الاستعانة رابعاً، وبتكثير جمعه في مجلسه وموكبه خامساً، وبإظهار الحب والولاء والمناصرة له على أعدائه سادساً، وبالستر على ظلمه ومقابحه ومساوىء أعماله سابعاً، لم ينعم عليه بدرهم واحد"
فأخذ الأموال من الحكام الظلمة يكون في الغالب على حساب المبادىء التي يؤمن بها ويؤدي إلى التنازل عن الحق من أجل المال . فأخذ الأموال من الحكام الظلمة حب لهم ومناصرة لهم في الظاهر ، وهذا صورة من التعاون المحرم معهم كما أنه ظلم للحاكم نفسه لأنه مساعدة لهم على التمادي في الباطل، لأن المسلمين لو قاطعوا الحكام لربما حاسبوا أنفسهم ، ولكن تأييدهم ومناصرتهم إغواء لهم على الباطل.
إن أفضل وسيلة يمكن أن يقاوم ظلم الحكام وخروجهم عن الشريعة الإسلامية أن يعلنوا مقاومتهم ومخالفتهم لسلوك الإمام وعدم تعاونهم معه، وهذا له دور إيجابي فعال لمقاومة الجور والظلم ، خاصة إذا كان إجماع من قبل المسلمين على ذلك، ويقع أكثر الواجب على عاتق العلماء، لأن بصلاحهم يصلح الناس ، فكيف إذا كان العلماء على أبواب الحطام .
إن في موقف العزيز بن عبد السلام عبرة ودرساً لنا نحن المسلمون ، فقد خرج معه آلاف المسلمين المصريين حينما لم يستجب أمراء المماليك له .
عزل الإمام بالطرق السلمية أولاً :
إن الجزاء السياسي للإمام الخارج عن الشرعية المتمثل في عدم الطاعة وعدم التعاون مقدمة ووسيلة من الوسائل التي يجب اتباعها في طريق عزل الإمام إن لم يستجب لنداءات الإصلاح والتغيير، فإذا لم يستجب كان حقاً على المسلمين أن يعملوا على عزل الخليفة، ولكن يجب اتباع الطرق السلمية في العزل .
لأن الإسلام يحرص كل الحرص على عدم إراقة الدماء وعدم إثارة الفتنة بين المسلمين، لذا يجب على المسلمين محاولة عزل الخليفة بالطرق السلمية . فيجب أولاً إنكار المنكر بالقلب، ومن ثم باللسان، وذلك بنصح الإمام وإرشاده إلى الخير ومعاودة ذلك مرات ومرات، وهذا الواجب أي – مقاومة الظلم ومحاولة عزله بالطرق السلمية – هو التزام عقدي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإيمان المسلم، وليس المسلم في حل منه، لأن السكوت عن الحق حرام، والساكت عن الحق شيطان أخرس ، ولكن يجب اتباع الطرق السلمية في العزل خشية إثارة الفتنة وقتل واقتتال بين المسلمين المسلمين، وهذا حرام والطريق إلى الحرام حرام، ولذلك يجب تجنب هذا الحرام .
ولكن في حالة استجابة الخليفة للطرق السلمية التي يجب اتباعها يجب على المسلمين تنفيذ الأمر الرباني ، بوجوب عزل الإمام الخارج عن الشرعية، ولكن ذلك مشروط بعدم إثارة الفتنة ، وعدم إراقة دماء المسلمين، والنظر فيه إلى مصلحة المسلمين، وسنتحدث عن الطرق السلمية لعزل الخليفة في فصل لاحق .
2- الإستخلاف أو العهد

تعتبر البيعة أو الاختيار الطريق الشرعي والوحيد لتولي الخلافة كما بيّنا في فصل " شرعية السلطة في الإسلام" وهذا ما تدل عليه طريقة اختيار الصحابة للخلفاء الراشدين . أما طريقة الاستخلاف فهي من الطرق الشرعية التي عدها العلماء القدامى لتولي منصب الخليفة، واعتبروا الاستخلاف والعهد طريقة واحدة، وسنتناول المعنى اللغوي للاستخلاف قبل المعنى الإصطلاحي.
الاستخلاف لغة: يقال استخلف فلان فلانا: أي جعله مكانه. أن يجعله خليفة في حياته ثم من بعده، أي أن ينص في حال حياته على شخص معين يؤخذ له البيعة في حال حياة المتخلف، ولا يعد خليفة إلا بعد موت الخليفة .
أما العهد في اللغة : كل ما عوهد إليه، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد، والعهد: الوصية، يقال : هذا ما عهدإلي: أي ما أوصى إليه، والعهد: التقدم إلى المرء في الشيءن والجمع عهود، والعهد والموثق واليمين يحلف بهما الرجل من قبل ولي العهد.
أما العهد اصطلاحا: فهو لا يختلف عن تعريف الاستخلاف.
وقد عرّفه أخمد العوضي : هي الولاية التي يعقدها الخليفة في حياته لمن رضيه أهل الحل والعقد بالأغلبية، ليكون خليفة بعده.
وتعريف العوضي للعهد لا يختلف عن تعريف الاستخلاف، على اعتبار أنه لا يفرّق بينهما. ويستدل على عدم التفريق بينهما بكتاب أبي بكر الصديق الذي قال فيه: هذا عهد به ابن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا، إني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب.
فهذا يدل على أن العهد والاستخلاف واحد، لأن أبا بكر الصديق استعمل لفظي العهد والاستخلاف ، فدل على أنهما واحد، وهذا ما كان عليه العلماء القدامى من عدم التفريق بين العهد والاستخلاف، ولكن بعض العلماء فرق بين العهد والاستخلاف، وذلك بالنظر إلى ما ابتدعه الأمويون، ومن جاء بعدهم من أشياء في الاستخلاف، فالاستخلاف والعهد في الأصل ترشيح، وهو سنة ، ولكن الأمويين لم يلتزموا بهذه السنة .
ولهذا فرّق بعض العلماء بين الاستخلاف والعهد من وجوه:
العهد يكون في الصحة والعافية، ويقصد به إيثار ذوي القربى، أما الاستخلاف فيكون في حال حضور الوفاة. والاستخلاف سنة، والعهد بدعة ابتدعها معاوية بن أبي سفيان. الاستخلاف يقوم على الشورى والعهد على الملك العضوض. الاستخلاف يكون لمستجمع للشروط، أما العهد فهو لمن لم يستجمع الشروط، حتى ولي العهد لصغار غير مكلفين.
فالتفريق بين الاستخلاف والعهد كان من ابتداع الأمويين، فالأصل أن الاستخلاف ترشيح من قبل الخليفة المستخلف، ولكن بعد ذلك أصبح العهد عند الأمويين ملزماً لا يجوز مخالفته، ويأخذون على ذلك الإيمان المغلظة.
لقد ذهب كثير من العلماء إلى أن الاستخلاف أو العهد طريقة شرعية لتنصيب خليفة، بل ادعى بعض العلماء الاتفاق على جوازها. فقال الخطابي " الاستخلاف سنة اتفق عليها الملأ من الصحابة، وهو اتفاق الأمة لم يخالف فيها إلا الخوارج والمارقة الذين شقوا عصا الطاعة. وقال الخطيب الشربيني: وانعقد الإجماع على جواز الاستخلاف ، ويشارك الشربيني ادعاء الإجماع أو الإتفاق، ومحمد رشيد رضا وصبحي الصالح والماوردي أيضاً .
استدل هؤلاء على مذهبهم بما يلي :
1 - إجماع الصحابة على جواز الاستخلاف.
2 - استخلاف النبي عليه السلام الأمراء على جيش مؤتة، فقد رتب الأمراء في الجيش ، فإذا جاز في الإمارة جاز في الخلافة .
مناقشة وترجيح

أظن أن ادعاء بعض العلماء الإجماع على جواز الاستخلاف غير صحيح، لأن بيعة الخلفاء الراشدين لم تتم بإجماع المسلمين بل بغالبيتهم ، لعدم وجود بعض الصحابة في المدينة ومعارضة بعضهم أيضاً. يقول الماوردي: " اختلف أهل العلم في ثبوت ولايته بغير عقد ولا اختيار، فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته، وإن لم يعقدها أهل الاختيار" . فالإجماع لم يتحقق ، والاستخلاف غير متفق عليه – مع أن الماوردي يرجح انعقادها – على اعتبار أن هؤلاء يرون أن الاستخلاف عقد وليس ترشيحاً .
أرى أن الاستخلاف جائز، كما هو رأي غالب العلماء، ولكن الاستخلاف معناه هنا: الترشيح وليس العقد، والذين رأوا أنه عقد، رأيهم ضعيف لضعف الأدلة التي اعتمدوا عليها هي:
1. إجماع المسلمين لم ينعقد على جواز الاستخلاف بمعنى العقد للمعهود إليه كما ذكرنا.
2. إن القول : أنه لا يوجد نص شرعي يمنع الاستخلاف أو العهد غير صحيح، لأن نصوص الشريعة الإسلامية دالّة على أن الخلافة عقد، والعقد لا بد فيه من الرضى والاختيار .
3. أن القياس على استخلاف النبي لأمراء مؤتة قياس مع الفارق، لعلم النبي بما سيحصل للجيش وأمرائه، حتى وإن استخلف فهو منع للاختلاف حول الأمير في فترات لا يصح فيها الاختلاف، وهي حالة الحرب.
كما أنه لو كان الاستخلاف عقداً " لأفضى ذلك إلى إجتماع إمامين في عصر واحد وهذا لا يجوز" ولو كان الاستخلاف عقداً لاستخلف عمر بن الخطاب واحداً لا ستة من الصحابة، كما أن الذين تم استخلافهم من الخلفاء الراشدين لا يوجد معارض لهم، فهم المبشرون بالجنة ولهم السبق والفضل في الإسلام ، وهم موضع ثقة المسلمين .
فالرأي الصحيح أن العهد والاستخلاف كان مجرد ترشيح وليس عقداً ، وفي هذا يقول الفراء " أن الإمامة لا تنعقد للمعهود إليه بنفس العهد، وإنما تنعقد بعهد المسلمين" . وهذا ما كان عليه الخلفاء الراشدون، حيث كانوا يجلسون في المسجد ليبايعهم المسلمون، فلو كان الاستخلاف عقداً لما احتاجوا إلى ذلك. فالاستخلاف ترشيح وليس عقداً، وهو رأي أغلب المعاصرين من العلماء ، منهم فتحي عبد الكريم، عبد القادر عودة، محمود الخالدي، ظافر القاسمي، محمد يوسف موسى،وأحمد العوضي.
وإذا كان الاستخلاف ترشيحاً فلا بد له من شروط، وأهم هذه الشروط:
1. أن يكون المرشح مستجمعاً لشروط الخليفة، فولاية العهد للصغير أو الفاسق غير صحيحة .
2. ألا يعهد المستخلف إلى أصوله أو فروعه، لأن العهد شهادة، والشهادة لهؤلاء غير مقبولة لوجود التهمة بحقه، وهذا أمر مختلف فيه، وليس محل اتفاق .
3. أن يقبل المعهود إليه، لأن العقد لا بد فيه من الرضا، ولكن هناك حالات لا يشترط فيها الموافقة، كحالة الحرب أو حصول فتنة، فيجب الاستجابة حرصاً على مصلحة المسلمين.
4. أن يكون المعهود إليه حاضراً، فلا يجوز العهد لرجل مجهول الإقامة .
ولا أريد هنا أن أبحث جواز ولاية العهد للأصول أو الفروع أو عدم جوازها ، لأن المسألة في نظري واضحة تماماً أن العهد ترشيح، وبالتالي يجوز للخليفة أن يرشح غيره سواء كانوا أصولاً أم فروعاً ما دام أن الاختيار في النهاية للمسلمين، شريطة استجماع المرشح للشروط المعتبرة شرعاً. أما إذا لم يكن مستجمعاً للشروط فلا يجوز ترشيحه، وليس في ترشيحه أي مصلحة بتاتاً.
وفي هذا رد على ابن خلدون الذي رأى أن العهد ليزيد بن معاوية كان لمصلحة الأمة الإسلامية وسببه: ضعف الوازع الديني، وحلول الوازع السلطاني والعصباتي محله، وهو يرى أنه لو لم يعهد ليزيد لأدى إلى وقوع فتنة، لكن هل انقطعت الفتنة بتولية يزيد؟ إن العهد ليزيد كان سبباً لاختلاف المسلمين واقتتالهم .
إن المصلحة كل المصلحة في التزام قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها، وفي حال مخالفتها لا بد من وجود مسلمين غيورين يطالبون بالتزام قواعد الشريعة الإسلامية، وهذا ما حصل مع يزيد إذ خرج عليه بعض المسلمين بسبب تلك المخالفة، كما أن علي بن أبي طالب الحريص على مصلحة المسلمين، لم يعهد من بعده لأحد من أبنائه حينما طلب منه بعض الصحابة ذلك. فقال لهم: " لا آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر " .
فترك الأمر للمسلمين كما تركهم رسول الله، ولم يرشح أحداً من الصحابة رغم حرصه على مصلحة المسلمين، ولكن الأمويين سنوا سنة سيئة في توريث الحكم، وهو أمر رفضه الفقهاء إذا كان العهد للأصول أو الفروع عقداً، وفي هذا يقول ابن حزم الأندلسي: " ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها " .
إن نظام التوارث نظام غير شرعي، وما حدث في عهد الأمويين والعباسيين من توريث الحكم لفروعهم، كان مخالفة صريحة لقواعد الإسلام، وكان سبباً لإزهاق المئات من أرواح المسلمين ، وكانت سبباً لضعف الدولة الإسلامية، الذي جرّ على المسلمين الويلات بسبب عدم التعاون بين الرعية والخلفاء، وغياب الثقة بين الفريقين، مما جعل الحجاج بن يوسف يبتدع فكرة جديدة تزيد من معاناة المسلمين، وهي فكرة الإيمان المغلظة على الوفاء للخليفة وعدم الخروج عليه، وهي فكرة اخذتها النظم المعاصرة . فتوريث الحكم، وهو اصطلاح أطلق على العهد للأصول أو الفروع : لا يجوز دون موافقة المسلمين ورضاهم، وما حصل عبر التاريخ الإسلامي إنما هو من أمور الدنيا، وليس من أمور الدين في شيء. فالإسلام لا يعرف نظام التوارث في الحكم، لأن الحكم الإسلامي الأصل أن يقوم على المبدأ الإسلامي الأصيل، وهو مبدأ الشورى.
3- إمامة المتغلب

قلنا أن البيعة هي الطريق الشرعي والوحيد لتولي الخلافة، وإنه يجب أن يتولى هذا المنصب من استجمع الصفات التي اعتبرها العلماء، هذا ما يجب أن يكون، لكن ربما يستولي على الحكم رجال مستوفون الصفات أو غير مستوفين يهدرون حق المسلمين في انتخاب من يسوسهم أو يحكمهم، فما هو رأي العلماء في ذلك؟
ذهب كثير من العلماء إلى الاعتراف بإمامة المتغلب، وحرموا الخروج عليه، وأوجبوا طاعته. لذا فإن العلماء اعتبروا إمامة المتغلب من طرق انعقاد الأمامة، وفي هذا يقول الخطيب الشربيني:" تنعقد الإمامة بالبيعة والاستخلاف، وباستيلاء جامع للشروط" .
ويقول النووي أيضاً : " وأما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة، وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت خلافته، لينتظم شمل المسلمين، فإن لم يكن جامعاً للشروط، بأن كان فاسقاً أو جاهلاً فوجهان: أصحهما انعقادها" . ولأننا لو قلنا لا تنعقد إمامته لم تنعقد أحكامه، ويلزم من ذلك الأضرار بالناس .
وهذا هو المروي عن أصحاب المذاهب الأربعة كما يقول محمد أبو زهرة: " والمروي عن مالك والشافعي وأحمد، أنه إذا تغلب شخص على الحكم وكان عادلاً وارتضاه الناس لعدله، فإنه يكون إماماً، وذلك لأن العبرة بالرضا ولو مآلا، والعدالة متوفرة فهو إمام عدل مستوف للشروط" . وينقل هذا الرأي أيضاً الزحيلي .
والملاحظ هنا من نصوص العلماء السابقة أنهم يرون انعقاد إمامة المتغلب إذا كان مستجمعاً للصفات وارتضاه المسلمون ، لأن العبرة في النهاية برضا المسلمين وموافقتهم . أما إذا كان مستجمعاً للصفات ولم يرضه المسلمون أو لم يستجمع الصفات كأن كان فاسقاً، فإن بعض العلماء يرون صحة إمامته وانعقادها، ويحرمون الخروج عليه.
واستدل هؤلاء على رأيهم بما يلي :
1. حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه :" إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجذع الأطراف "
2. قول المصطفى عليه السلام : " من كره من أمير شيئاً فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً إلا مات ميتة جاهلية " .
3. واستدلوا كذلك بما ورد عن عبادة بن الصامت إذ قال : " دعانا رسول الله عليه السلام فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثره علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال : إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان " .
ووجه الاستدلال في هذه الأحاديث أن الرسول عليه السلام أمر المسلمين بطاعة ولي الأمر وحرم الخروج عليه إلا في حالة الكفر البواح الذي لا شك فيه، والذي يتغلب على الحكم لا يصل إلى درجة الكفر البواح ما دام مسلماً لم يخرج من دائرة الإيمان، حتى وإن كان فاسقاً .
و أقوى الإدلة التي يعتمد عليها القائلون بإمامة المتغلب هو دليل المصلحة، إذ يتصور هؤلاء أن القول بإمامة المتغلب وسيلة إلى إخماد الفتن وحقن الدماء. وفي ذلك يقول القنوجي : " إن استولى ممن لم يجمع الشروط لا ينبغي أن يبادر إلى المخالعة، لأن خلعه لا يتصور غالباً إلا بحروب ومضايقات ، وفيها من المفسدة أشد مما يرجى من المصلحة ". وقد بين الغزالي الحكمة من وجوب طاعة متولي الحكم بالقوة، لأن في صرفه إثارة فتنة يلحق الضرر الكبير بالمسلمين، وتتعطل كثير من مصالحهم، فالحاجة إلى الحكام ووجودهم رغم فسقهم وظلمهم أفضل من عدم وجودهم. فالحرص على المصلحة والموازنة بين المصالح والمفاسد وارتكاب أخف الضررين، من الحجج التي اعتمد عليها هؤلاء، وهي نفس الأدلة التي اعتمد عليها من قال بوجوب الصبر على جور الأئمة وظلمهم والتي سنعرضها في الباب الثاني .
مناقشة الأدلة والترجيح

من الملاحظ أن الأدلة التي اعتمد عليها هذا الفريق : هي أدلة عامة لا يوجد دليل صريح قطعي على وجوب طاعة المتغلب على الحكم، وإنما هي اجتهادات داخل هذه الأدلة لا تنهض بها حجة، فالأدلة الآمرة بالصبر على فسق الأئمة على الأئمة مبنية على الخوف من حصول فتنة ، أو مراعاة مصالح المسلمين والتزاماً بأخف الضررين، وهذا ما تدل عليه نصوص العلماء : " ولو خرج رجل بسيفه على الناس حتى أقروا له بالطاعة ، وبايعوه صار إماماً يحرم الخروج عليه، لما في ذلك من شق عصا الطاعة ، وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم" وفي حاشية الدسوقي يرى أن إمامة المتغلب منعقدة، والمدار عنده على درء المفاسد ، وارتكاب أخف الضررين. فإذا كان المنع من عدم الاعتراف بشرعية إمامة المتغلب هو خشية حصول فتنة، فهل تتوقف الفتنة بذلك ؟.
إن التاريخ الإسلامي يدل على أن الفتن زادت بالتغلب على الحكم أو بالخروج على قواعد الشرعية الإسلامية ، وهذا ما حصل بعد خلافة يزيد بن أبي سفيان، فقد كثرت الثورات وأهدر الدم المسلم المحرم، لأن الخروج على قواعد الشريعة فتنة أعظم من الخروج الأمام. كما إن إمامة المتغلب، أو حكومة الضرورة ، أو الحكومة الفعلية، أو السلطة المغتصبة، وغيرها من الأوصاف أو التسميات تدل على أن من يتولى الحكم بغير البيعة لا يعتبر شرعياً، وولايته غير صحيحة، وهذا ما تدل عليه نصوص العلماء، لأنهم حرّموا الخروج واعترفوا بإمامة المتغلب خشية حصول فتنة، فالقبول بها كما يرى هؤلاء كقبول المضطر لأكل الميتة، والضرورات تبيح المحظورات. فاعتراف العلماء بها اعتراف ضرورة، لذلك سموها حكومة الأمر الواقع .
وخلاصة المسألة : أن إمامة المتغلب غير شرعية للأسباب التالية :
1. الخلافة عقد، والعقد قائم على الرضا والاختيار، والتغلب على الحكم اغتصاب لحق المسلمين في الاختيار .
2. إن الاعتراف بإمامة المتغلب هدر وهدم لأهم مبادىء الشريعة الإسلامية، وهي الشورى" ولو فتح الباب لكل متغلب من غير مسوغ لهدمت الشورى . "
3. إن مصلحة المسلمين في الوحدة، وفي التغلب على الحكم سبب لحصول الفرقة والاختلاف والقتال والتاريخ يدل على ذلك.
4. إن التغلب على الحكم فيه مخالفة صريحة لهدي الخلفاء الراشدين، الذين تولوا عن طريق البيعة .
الحل في حال اغتصاب الحكم :

أن المتغلب على الحكم إما أن يكون مستجمعاً للصفات مرضياً عنه بعد تغلبه، فهذا تعتبر إمامته شرعية إذا بايعه المسلمون، فالعبرة بالرضا، فإذا رضي المسلمون عنه أزيلت حالة الاغتصاب. أما إذا كان المتغلب غير مستجمع للصفات أو مستجمعاً، ولكن غير مرضي عنه، سواء عقدت البيعة له بالإكراه أو لم تعقد، فإنه يعتبر غير شرعي، ووجوده منكر يجب تغييره حسب الاستطاعة كما بينه المصطفى عليه السلام في قوله: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، ومن لم يستطع فليغيره بلسانه، ومن لم يستطع فليغيره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان " .
والتغيير منوط بالاستطاعة وعدم حصول فتنة كما سنبين في فصل " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ولكن إمامة المتغلب ناقصة كما يرى السنهوري، لأنها لم تقم على الرضا، والواجب عنده تغييرها ، يقول : " لا يجوز أن يستسلم لحكم القوة إلا إذا كان لا يستطيع عمل شيء آخر. أما إذا كان يغلب على ظنه إعادة الحق إلى أصحابه، وإقامة الخلافة الصحيحة الملتزمة بالشرعية، فيجب عليه ذلك دفاعاً عن ذلك الحق " .
وحتى يعترف بشرعية الحكومة الواقعة لا بد من توافر الشروط التالية عند السنهوري:
1. أن تقوم بتثبيت النظام والأمن على جزء من العالم الإسلامي، وأن تكون الدولة قد وقعت تحت سيطرته ، فإذا خرج على الدولة ، وكان الخليفة الصحيح ما زال له قوة ولم يسقط، وجب نصرته، والخارج غير شرعي يجب محاربته.
2. لا بد من عقد البيعة حتى وإن كانت بالإكراه حتى يكتسب الصفة القانونية، ويوافقه الرأي محمد خير هيكل .
إنني أرى أن إمامة المتغلب لا تأخذ الصفة الشرعية إلا إذا بايعها المسلمون عن رضا وقبول. أما إذا أكره المسلمون على ذلك ، فإنها تبقى فاقدة لصفة الشرعية، ويتعامل المسلمون معها على أنها منكر يجب تغييره ضمن ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا إذا كان المتغلب غير مستجمع للصفات وكان فاسقاً أو ظالماٌ، وأرى أنه يجوز الخروج عليه إذا تحققت فيه صفة الفسق . أما إذا كان المتغلب على الحكم مستجمع للصفات، ولكن لم يرض المسلمون عنه أو بايعوه بيعة إكراه، فإنني أرى أن هذه المعصية لا تستوجب الخروج عليه، وينكر عليه باللسان أو بأي طريق سلمي آخر حتى يرجع إلى الحق ، فإن لم يرجع فعلى المسلمين السمع والطاعة تجنيباً لإراقة الدماء وحرصاً على مصالح المسلمين .

عزام
02-26-2008, 05:32 PM
مواقف الحركات الاسلامية

1- موقف جماعة الدعوة والتبليغ
قلنا فيما سبق أن هناك من الجماعات الإسلامية من يتبنى النهج التربوي الداعي إلى إصلاح الفرد، الذي يؤدي بدوره إلى إصلاح المجتمعات، وهذا الاتجاه يتبنى أسلوب الدعوة السلمية التي تعتمد على استقطاب الأفراد، ويرفض العنف والثورة والقوة وسيلة للتغيير حتى وصل إلى مفاهيم ومقولات يكررها إذا ما دعي إلى الجهاد، أو إلى تغيير المنكر بالقوة.
ومن هذه المقولات التي يطرحها اتباع النهج التربوي:

إننا نستحق ما يجري لنا، لانحرافنا عن الحق .
علينا أن نحاسب أنفسنا أولاً حتى نستحق النصر.
الحكام المتسلطون علينا إفراز طبيعي،لأننا فاسدون مثلهم.
إن الله إذا علم أن نفوسنا قد خلت من حظ نفوسنا، سيسلمنا القيادة.هذه هي المفاهيم الخاطئة التي رسخت في أذهان اتباع النهج التربوي، فرأوا أن علينا أولاً: أن نصلح أنفسنا فإذا صلحنا صلح الآخرون. ومن الجماعات التي تؤمن بهذا النهج، جماعة التبليغ التي أنشأها محمد الياس الكاندهلوي الذي ولد عام 1303 ه في الهند ، وقد توفي عام 1364 ه، وهو من أسرة صوفية.
وقد اعتمد في دعوته على ستة مبادىء أو أصول هي :

الكلمة الطيبة: أي أن العمل على تنفيذ شرع الله، وإحياء سنة النبي عليه السلام .
إقامة الصلوات الخمس والجمع والأعياد.
العلم والذكر، لأن الذكر ينقي القلب من حب الدنيا، والعلم يساعد في تقوية المسلمين.
إكرام كل مسلم.
إخلاص النية لله، ومحاسبة المسلم نفسه.
النفر في سبيل الله، أو التبليغ الجماعي، أي الخروج في جماعة لتبليغ الأصول.ويضاف إليها مبدأ سابع، وهو ترك ما لا يعني. والمقصود عدم التدخل في السياسة، لأن وضع المسلمين كأقلية لا يسمح لهم بإقامة دولة إسلامية. ويقصد بذلك وضع المسلمين في الهند، ولكن الجماعة سحبت ذلك على كل البلاد الإسلامية، فلم تتدخل في السياسة، ولم تراع الحالة الخاصة للهند، وحالة المسلمين في البلاد العربية، لذلك رفضت التدخل في السياسة، واعتبرت أن السياسة تورث قسوة القلب، ورأت أن الجهاد المطلوب اليوم: هو جهاد النفس مستدلين بحديث الرسول عليه السلام الضعيف: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ". وترى أن الخروج الواجب اليوم هو الخروج، لتبليغ أصول الجماعة، كما أن النصر من عند الله، ولا نصر إلا إذا اتبعنا سنة الرسول عليه السلام في كل شيء، واقتدينا بالصحابة رضوان الله عليهم.
موقف السلفية المعاصرة من الخروج

إن مصطلح السلفية من المصطلحات التي يكتنفها الغموض، أو عدم التحديد في عدد من الدوائر الفكرية والسياسية في واقعنا المعاصر. فهناك من يرى في السلفية التيار المحافظ، والجامد بل يصفه بعضهم بالرجعي، وهناك من يرى في السلفية، التيار الأكثر تحرراً من فكر الخرافة والبدع، ثم الأكثر تحرراً واستنارة في المجال الفكري .
- أما معنى السلفية اللغوي : فهي مأخوذة من لفظ السلف، ومفرده سالف ، والسلف المتقدم، ويقال سلف كريم، أي آباء متقدمون.
- أما المعنى الإصطلاحي : فالسلفية لها معنيان :
1. سلفي زماني : فقد اختلف العلماء في المراد تاريخياً بالسلف، فقيل الصحابة، والتابعون، وقيل الصحابة والتابعون وتابعوهم، وقيل القرون الثلاثة الاولى.
2. سلفي تابعي : وهم الذين قالوا: نؤمن بما آمن به السلف الأوائل وأصحاب الرسول عليه السلام، وما آمن به أئمة الدين، وهم الذين يسمون في وقتنا الحاضر بالسلفيين.
نشأة السلفية :
يعتبر عهد الصحابة والتابعين من العهود التي كانت فيه عقيدتهم صافية، لقرب عهدهم من الرسول عليه السلام، ولقلة الاختلاف بين المسلمين، ولكن نتيجة اتساع الدولة الإسلامية ، ودخول كثير من الأعاجم والإسلام، ظهر الاختلاف والميل إلى الابتداع ، فاشتغل العلماء بالنظر والاستنباط، فادعى كل واحد منهم إنه عقيدة السلف، وخاصة بعد ظهور الفرق الإسلامية التي تأثرت بالثقافات الأخرى. ويعتبر الإمام أحمد بن حنبل من الأئمة الذين دعوا إلى عقيدة السلف، وهو أول من صاغ عقائد الحركة السلفية ، فدعا إلى إسلام العرب الأولين، إسلام المجتمع العربي البسيط، إسلام النصوص، والمأثورات البعيد عن التأويل والفلسفة ، ثم سار على نفس الطريق، ابن تيمية الذي حارب البدع، التي ظهرت في المجتمع المسلم . وفي القرن الثاني عشر الهجري، ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي استطاع أن ينشر دعوته بواسطة الأمير محمد بن سعود، واستخدم القوة في تغيير المنكر، فهدم المقامات التي كان المسلمون يتبركون بها، وحارب فكرة الاستعانة بالأولياء والصالحين .
أهداف السلفية :
نلخص أهداف الحركة السلفية بما يلي :

تربية المسلم الحقيقي : والمسلم الحق هو الذي يؤمن بوحدانية الله، ول يشرك به أحداً ، لذلك فهم يدعون إلى الرجوع إلى الكتاب وسنة المصطفى عليه السلام، ويحذرون من الشرك على اختلاف مظاهره، ومن الأحاديث الموضوعة، ويدعون إلى تنقية الكتب منها .
إيجاد المجتمع المسلم الذي يطبق شريعة الله كاملة . <
إقامة الحجة لله: أي الدعوة إلى دين الله كاملاً، فالسلفية تنفرد ببيان أصول الإسلام، وفروعه، وآدابه ، ومستحباته، ويحذرون من إهمال أي سنة، أو أي فرع من فروع الدين .
الأعذار إلى الله بأداء الأمانة: أي أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إذكاء الروح العلمية عند المسلمين ، وذلك بتحقيق المخطوطات وإسناد الفتوى إلى المختصين . موقف السلفية من الخروج :
إن الحركة السلفية المحافظة، تأثرت بكتابات وآراء أئمتها، أحمد بن حنبل، وابن القيم الجوزية، وغيرهم ، الذين كانوا يرون حرمة الخروج على الأئمة الظالمين والفسقين، وهم من أنصار مذهب الصبر، كما بينا في فصل" موقف أهل السنة والجماعة من الخروج" .
وإذا كان الإمام أحمد بن حنبل ضد استخدام القوة والخروج، فإن ابن تيمية سلك طريقاً آخر، فحمل السيف ضد التتار، وضد الحكام والظلمة والطغاة، وسار على هذا النهج بعد ذلك ، محمد بن عبد الوهاب الذي خرج على الدولة العثمانية بقوة السيف، وحارب بالقوة كل مظاهر الشرك التي ظهرت نتيجة ضعف الدولة العثمانية، وضعف الوازع الديني عند المسلمين .
إلا أن الحركة السلفية التي من أهدافها إيجاد المجتمع المسلم، فإنها كما يظهر لنا لا تعمل شيئاً لإيجاد الدولة الإسلامية، فهم لا يتدخلون بالسياسة، وليس لهم تنظيم بالمعنى الحركي ، لأن جهدهم منصب على الناحية العلمية كتخريج الأحاديث . إن السلفية اليوم لا تؤمن بالخروج، ولا تدعو لجهاد الأئمة الظلمة والفسقة، فهي تحمل رأي أحمد بن حنبل في وجوب الصبر على جور الأئمة. فالسلفية المعاصرة مع الصبر على جور الحكام، لأنهم في نظرهم لم يصلوا إلى درجة الكفر البواح، وبالتالي يجب الصبر عليهم .
3- موقف الاخوان المسلمين

مناقشة الإخوان المسلمين النظري حول الخروج موقف صحيح ، لا غبار عليه، فهم مع استخدام القوة، بعد نفاد الطرق السلمية، وتوفر القوة والاستطاعة، ومراعاة فقه الموازنات، لكن هل حاول الإخوان تطبيق الموقف النظري على أرض الواقع ؟ .
إن الناظر يرى أن الإخوان المسلمين حاولوا الخروج في بعض الدول العربية، ومنها سوريا التي استشهد في حماة بسبب الخروج أكثر من ثلاثين ألفاً، وفي السودان كذلك ساعدت الجبهة القومية الإسلامية عمر البشير على تسلم الحكم، كما ساعدت الضباط الأحرار على الانقلاب، لكن جمال عبد الناصر بعد نجاح الانقلاب التف عليهم ، وزج بهم في السجون، أما حوادث الخروج الفردية فقد كان الإخوان يستنكرونها .
إننا أمام أمرين :
- الأول : في عهد البنا كان موقفه واضحاً تجاه الخروج والقوة وهو الموقف المعلن للجماعة، وفي عهده أنشىء النظام الخاص الذي قام بعدة عمليات تبرأ الإخوان منها.
- الأمر الثاني : إن الإخوان بعد البنا ، كان الوقف من قبل قادة الإخوان أهنهم ضد العنف واستخدام القوة، حتى ولو كان الحاكم جائراً ، بل إن بعض قادة الإخوان سعوا إلى حل النظام الخاص، الذي كان يؤكد الإخوان أن النظام الخاص أنشىء لمحاربة الإنجليز، وليس لقتل وزراء .
- إذن حق لنا أن نتساءل هل هناك موقفان للإخوان، أحدهما معلن ، وهو ضد الخروج والعنف، وآخر حقيقي سري، مع الخروج واستخدام القوة حينما تحين الفرصة، وتتوفر شروطها كما بين إلينا؟ وسؤال آخر هل سار الإخوان على خطى البنا أم لا؟ والذي دعاني للسؤال، المرونة في لغة الخطاب الساسية الإخوانية تجاه الحكام بينما كانت لغة البنا على عكس ذلك.
4- موقف حزب التحرير

إن موقف حزب التحرير من الخروج موقف واضح، فهو يرفض الخروج الفردي، بل يحرم المقاومة الفردية، أما الخروج الجماعي: فإن حزب التحرير يوجب الخروج حين تتوفر النصرة للحزب من قبل الجيش أو غيره، فحين يتم الاتفاق على نصرة الحزب ، يبايع شخص من قبل الحزب على أن يكون خليفة للمسلمين، وتعلن حينها الدولة الإسلامية .
أما الخروج من قبل افراد أو مجموعات غير مؤهلة لإقامة الدولة، فذلك لا يجوز، ويستندون في ذلك على أن الرسول عليه السلام لم يستخدم القوة في المرحلة المكية التي نعيشها، فهم فرقوا بين الكفر الطارىء الذي يوجب المنابذة بالسيف، وبين الكفر الأصيل الذي يوجب اتّباع سنة المصطفى عليه السلام في إقامة الدولة .
إنني لا أتفق مع حزب التحرير في الآراء التالية :
القول إننا لا نعيش في المرحلة المكية من عمر الدعوة الإسلامية ، وقد شاركهم في هذا الرأي جماعة المسلمون أو التكفير والهجرة التي أوجبت الهجرة إلى الكهوف. إن هذا الرأي أو القول قد جانب فيه الحزب الصواب، لأن هذه المرحلة التاريخية قد انتهت، ولن تعود، ولأن أحكام الإسلام قد اكتملت، والتشريع الإسلامي قد استقر ووضح، والمسلم اليوم مطالب بكل الأحكام التي تمت .
إن فريضة الحج والصوم، وغيرها من الفرائض، فرضت في المدينة المنورة، فهل نتركها لأننا في المرحلة المكية؟ وإذا كانوا يقولون لا، وهم يقولون كذلك، فلم التفريق بين فريضة الحج وبين باقي الفرائض ؟ .
فالجهاد فريضة من الفرائض التي فرضت في المدينة، فلم القول إن الجهاد فقط هو من الأحكام التي ينطبق عليها الآن الفترة المكية التي لا يجوز فيها استخدام السيف أو القوة . ؟
ويرد عبد السلام فرج على هؤلاء بالقول : " والصواب هو أن مكة هي فترة نشأة الدعوة ، وقوله تعالى : * ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * قد نسخ كل هذه الأفكار التثبيطية بحجة أننا مكيون، فنحن لا نبدأ كما بدأ النبي ولكن نأخذ بما انتهى إليه الشرع "
وإذا كنا لا نعيش المرحلة المكية فنحن نعيش مرحلة العهد المدني ، بعد انتقال الرسول عليه السلام إلى الرفيق الأعلى ، حيث ارتد الكثير من المسلمين عن الإسلام مع بعض الفروق. وأهم هذه الفروق : أن دولة الإسلام وخليفتها كان قائماً .
وجانب آخر : أن الرسول عليه السلام في مكة بدأ دعوته سراً ، فهل يجب علينا أن ندعو إلى الله سراً ؟ إن الدعوة إلى الله سراً قد انتهت بإعلان الرسول عليه السلام دعوته على الملأ ، كما أن الرسول عليه السلام هاجر إلى الحبشة، فلم وطريقة الرسول عليه السلام عند حزب التحرير ملزمة لم يفرض حزب التحرير الهجرة على أتباعه ؟ أليست طريقاً سلكها الرسول عليه السلام، فلم نأخذ بعض الطرق ونترك أخرى ؟
إن طريق الرسول عليه السلام في إقامة الدولة ليست ملزمة لنا بأن نتبعها هي فقط، ولا نخرج عنها وذلك للأسباب التالية :

إن أحكام الشرع بعد وفاة الرسول عليه السلام أصبحت محكمة، والمسلمون مطالبون بالالتزام الكلي بها، والعمل على إحياء الغائب منها، وإيجاده ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
إن الظروف والملابسات التي أحاطت بالدعوة الإسلامية في عهدها الأول تختلف عن الظروف التي نعيشها نخن من عدة وجوه : v إن المسلمين اليوم ليس حالهم كحال أهل مكة فهم متعطشون للحكم الإسلامي ومتلهفون إلى النماذج المشرقة من حكم الخلفاء الراشدين ، فالمطلوب اليوم إحياء الأمة الإسلامية واستنهاضها لتقود العالم، وليس المطلوب ولادة جديدة وبالتالي السير على خطى الرسول عليه السلام .
v إن لغة الخطاب الموجهة إلى المسلمين ليست كلغة الخطاب التي وجهها الرسول عليه السلام إلى مشركي قريش الذين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً .
v إن الدول في زمن النبوة لم تكن نظمها السياسية والإدارية معقدة ، فلم تكن هناك حدود دقيقة، ودوريات للتفتيش ، ونقاط عبور تبرز فيها جوازات السفر، فكل منطقة تخضع لنفوذ دولة معينة، وبالتالي لا يمكن الانتقال من منطقة إلى أخرى إلا ضمن القيود المتفق عليها، كما يوجد اتفاقيات بين الدول على تسليم الفارين وإرجاعهم إلى الدولة التي خرجوا منها .
. 3إن أفعال الرسول عليه السلام لا تدل كلها على الوجوب، ويجب التفريق بين فعل النبيعليه السلام بوصفه نبي، وبين فعله بوصفه إماماً للمسلمين ، فهناك أفعال صدرت عنالرسول عليه السلام بوصفه نبياً، وهذه الأفعال واجبة الاتباع، ولا يتوقف العمل بها علىحكم حاكم، أو قضاء قاض، مثل الصلاة أو الزكاة أو الحج وإداء الحقوق إلى أصحابها، وهناك أفعال بوصفه إماماً للمسلمين، كتجهيز الجيوش، وإرسال السرايا، وعقد المعاهدات، فهذه تندرج تحت باب السياسة الشرعية التي تتغير بتغير الأحوال والظروف. لذا لا يجبالتأسي بأعيان تصرفاته، لأنها وإن كانت في أصلها مشروعة ن إلا أن تطبيق الصور الجزئية غير ثابت لتغير الظروف والأحوال.
4- إن حكم وجوب تغيير المنكر باليد حسب الاستطاعة باق لم ينسخ، فلم يكون الواجب في التغيير باللسان فقط دون اليد، مع أن الحديث صريح في وجوب تغيير المنكر حسب الاستطاعة باليد أو اللسان .
5- إن تفريق حزب التحرير بين الكفر الأصيل وبين الكفر الطارىء ليس في محله، فإذا كان التحول من الكفر إلى الإسلام يوجب المنابذة بالسيف، فمن باب أولى أن يقاتل من كان كافراً أصالة، كأن يستولي كافر على بلاد المسلمين ، فيجب قتاله سواء كان النظام يتحدث لغة عربية أو أعجمية ، فإذا أوجب الله الجهاد على المسلمين من إجل أيصال رسالة الإسلام، فمن باب أولى أن الجهاد واجب على من كان يحكم الإسلام، ثم حكم بالكفر.
لذا فإنني أرى أن استدلال حزب التحرير ليس في محله، وجانب للصواب، والخطأ اعتبار طريق الرسول عليه السلام ملزماً لا يجوز الحيد عنه، فلو فرضنا حسب منطقهم أنه بعد زوال الدولة عرضت النصرة على أمير أو حاكم ونصر الدعوة، فهل تعلن الدولة أم لا بد من السير في المرحلة السرية، ثم إعلان الدعوة، كما حصل مع الرسول عليه السلام؟ وإذا قالوا تعلن الدولة ، أليس في ذلك مخالفة لسنة النبي عليه السلام الذي سار بهذه الطريقة .

عزام
02-26-2008, 05:33 PM
5- مناقشة موقف الحركات الجهادية

إن الحركات التي رفعت لواء الثورة، والخروج على الظلم والفسق والكفر، وتبنت عقيدة الجهاد، لتغيير النظم الحاكمة، قد اعتمدت في رأيها على أدلة لا شك في قوتها، وضوحها، فلست مختلفاً معهم على أن الجهاد سبيل إلى التغيير، ولكن ليس الأمر على إطلاقه، فهناك ضوابط وشروط، ولكن ينبغي التنبيه على النقاط التالية :
1. إن على الحركات الإسلامية الجهادية أن لا تعتمد فقط على تبنيها عقيدة الجهاد على مسألة كفر الحاكم فقط: لأن هذا الأمر يمكن أن يكون محل خلاف، ويدخل في دوامة الجدل حول جواز أو عدم جواز الحكم على الشخص المعين، أو العذر بالجهل، أو إقامة الحجة، أو أن الاعتقاد محله القلب، وهذا لا يمكن معرفته . كل هذه يمكن أن تسبب إشكالاً، وخلافاً يمكن أن يضعف من قوة حجة الحركات الإسلامية عند الآخرين، فالبعض يقول : إنه لا يمكن الحكم على شخص معين بالكفر، وآخر يقول : إن هؤلاء معذورون بسبب السيطرة الأجنبية، وآخر يقول : يجب إقامة الحجة عليهم، فرغم أن هذه الأقوال يمكن الرد عليها، وردت الحركات الجهادية عليها، إلا أنه يبقي الحركات الجهادية في دوامة الجدل حول كفر الحكام. لذا ينبغي التركيز على قضية كفر النظام كله، وليس الحاكم فقط، لأن النظام المكون من الحاكم ومن القانون المطبق له شخصية اعتبارية يمكن الحكم عليها، ويخرجك من الإشكاليات السابقة . فنقول :
إن النظام إذا كان لا يطبق شرع الله يجب الخروج عليه، ولو بالقوة، وإذا كان يقيم شرع الله يجب الصبر عليه، كما يجب الخروج على النظم التي لا شرعية لها، فالنظام الذي لا يحكم بشريعة الله ولم يأت إلى السلطة بالاختيار ، نظام غير شرعي يجب الخروج عليه .
2. إذا كان الحكام كفاراً يجب الخروج عليهم بالقوة :
كما يرى التيار الجهادي ، فإن الخطأ الذي وقع به هؤلاء، إنهم وضعوا رجال المؤسسة العسكرية والأمنية في صف الحكام، واعتبروهم كفاراً، يجب قتالهم أو أنهم مانعون من إقامة الدولة الإسلامية ، وهذا منزلق خطير، لأن الذي يعمل في خدمة النظم الحاكمة ليسوا جميعاً مؤيدين لهذه النظم ، فكثير منهم، من يسعى وراء لقمة العيش، بل منهم من هو غير راض عن سلوك الحكام، وهؤلاء لا يحكم عليهم بالكفر ، كما أن الدولة الإسلامية لم تقم حتى يقتل من يقف في وجهها، لأن أعمال العنف التي يقوم بها أصحاب التيار الجهادي أعمال فردية، لا توصل إلى الهدف في ظل تحكم السيطرة على الدولة، وبيدها مقاليد الأمور .
كما أن الأطراف المعادية للتيار الإسلامي تتخذ من هذه الأعمال وسيلة وحجة لتشويه صورة الإسلاميين أمام الرأي العام ، فهذا التصرف عدا عن كونه مخالفاً للشرع ابتداء تنقصه الحكمة السياسية أنتهاء .
فما هي الفائدة من قتل وزير أو نائب ، سيأتي بدلاً منه وزير أحقد منه، لذا لا بد من النظر إلى النتائج المترتبة على أي عمل . وهذه من أهم قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أن لا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أكبر منه، فالرسول عليه السلام حينما قال عبد الله بن أبي سلول" ليخرجن الأعز منها الأذل " رفض قتله خشية أن يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه، مع أن ابن سلول يستحق القتل، لكن منع من قتله خشية الدعاية السيئة للدعوة وصاحبها .
لذلك لا يجوز قتل شخص إلا بعد ثبوت الدليل القطعي على استحقاقه القتل، كما ينبغي الموازنة بين المصالح والمفاسد الناتجة عن العمل. لذلك فإنني لست مع الخروج الفردي ولا مع العنف والمقاومة الفردية لأن سلبياته أكثر من إيجابياته ، ولا فائدة مرجوة منه، فالحركة الإسلامية مطالبة بالاستعداد من أجل استخدام القوة، مع توفر الشروط التي سنذكرها لاحقاً.
ومن التيارات الجهادية التي انحرفت عن جادة الصواب، جماعة المسلمون، التي كفرت مع النظام المسلمين، لأنهم في نظره لم يخرجوا على الحكام ، ولم يكفروهم، ورأت أن السبيل إلى إقامة الدولة اتباع سنة الرسول عليه السلام في الهجرة، إن هؤلاء يتصورون أنهم يعيشون في القرون الأولى، حيث الكهوف البعيدة التي يمكن الانتقال إليها، إننا نعيش في ظروف تختلف عن الظروف التي عاشها الرسول عليه السلام. إن كل شبر من أرض المسلمين اليوم خاضع لسيطرة حاكم، ويده تطول أي إنسان في محيط دولته، لذا فإنه لا يسمح لأي شخص أو مجموعة أن تعيش في تجمع يمكن أن يهدد النظام يوماً ، إن هذا الرأي يدل على فقر الرأي وقصر النظر .
أما مسألة كفر الأفراد أو الشعب ، فإن الحكم عليهم بالكفر غير صحيح، لأن وصف الدولة أو المجتمع بالجاهلي أو الحرب لا يقتضي أن أفرادها كفار يجب قتلهم، فالحكم على الفرد بالكفر إنما يكون بحسب ما يظهر منه، أما القول بأن دار الحرب هي الدار التي لا يحكم فيها بالإسلام ، فهذا القول وصف للدولة ، وليس حكماً على الأفراد، وهو يخص أنظمتها وقوانينها وليس أفرادها
إن الأفراد يحكم عليهم بالكفر، إذ توفرت الشروط التالية فيهم :
1) إقرار الشعب أو الأفراد بسلب سلطان الله في التشريع.
2) أن يدين الشعب أو الفرد للحاكم بالطاعة المطلقة وقلوبهم غير منكرة لاغتصاب السلطان
إن المسلمين في أقطار العالم الإسلامي كما هو واضح يحكمون بالحديد والنار ويرغبون بأن تغير حالهم، وأن يحكموا بالإسلام فهم غير راضين عن هذا الحال لذلك لا ينبغي أن يعاملوا معاملة الكفار .
6- مناقشة موقف الجماعات التي تتبنى النهج السياسي

إن الجماعات التي تتبنى النهج السياسي، ومنها الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، وحزب الرفاه التركي، ترى أن السبيل إلى تحكيم الإسلام يكون عبر صناديق الاقتراع، والدخول في ساحة اللعبة السياسية الديمقراطية، والعمل خلال القنوات الرسمية ، ونبذ كل أشكال ومظاهر العنف والقوة، ويعول هؤلاء في رأيهم هذا على رغبة الشعوب المسلمة في أن تحكم بالإسلام فنتيجة الانتخابات في النهاية، نعم للإسلام، لذلك يرى هؤلاء أنه يجب الاستفادة من خيار الديمقراطية، واللعب على هذا الوتر .
كما يرى هؤلاء أن الصدام المسلح ليس في صالح الإسلاميين ، لامتلاك النظم القوة المتمثلة في الجيش، كما أن الإسلاميين يمكن أن يستفيدوا من الدعم الغربي للديمقراطية، بدلاً من الوقوف في وجه الإسلاميين في حال امتلاك الحكم عن طريق القوة .
إن من يتبنى هذا النهج وحده، ويرى أن السبيل الموصل للهدف، لا يريد أن يضحي في سبيل الله، مع العلم أن ديننا، دين التضحية والاستشهاد، ولا مكان فيه لجماعة تؤثر السلامة والعافية، لذا شرع الله الجهاد مع ما فيه تعرض المسلمين للقتل والأسر، ولكن وراء ذلك هدف عظيم، وهو إيصال رسالة الإسلام للعالم .
ولا أريد هنا أن البحث عن جواز أو عدم جواز دخول البرلمانات، لأن العلماء بحثوا ذلك، وهم مختلفون بين مجيز ومحرم، وأرجح حرمة المشاركة في الوزارة مع جواز دخول البرلمانات لإعلان الدعوة الإسلامية، والوقوف في وجه أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية شريطة عدم الاعتراف بشرعية النظام، وعدم التنازل عن المبادىء الإسلامية، مع المطالبة المستمرة بتطبيق الشريعة الإسلامية .
لكن السؤال المهم ، ما هي الجدوى العملية المبتغاة من وراء هذا السبيل؟ هل يمكن الوصول إلى الهدف عن طريق الديمقراطية؟ وهل حققت الجماعات الإسلامية أهدافها؟ أم أنها لم تجن إلا المر والعلقم؟ .
إن المكاسب المبتغاة من وراء هذا النهج أقل بكثير من الخسائر والمفاسد التي نتجت عن دخول الإسلاميين هذا الطريق، وذاق المسلمون المخلصون ويلات هذا الأمر داخل الاتجاه الإسلامي، حيث أدى إلى حدوث خلاف وانشقاق، فرغم الجواز الشرعي، إلا أن هذا لا يمكن أن يوصل للهدف في ظل أنظمة تستخدم الديمقراطية من أجل كسب الشرعية والتأييد .
فحينما يقول الشعب: نعم للإسلام ، فإن النظم تسير جيشها من أجل الوقوف في وجه اختيار الشعب، وهذا ما حصل في الجزائر، حيث فاز الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية بأغلبية ساحقة، ولكن الجيش تدخل والتف على إرادة الشعب، وفي تركيا حصل مثل ذلك، وحى لو وافق الحكام على ذلك، فهل يوافق الغرب؟ إن فرنسا طالبت المجتمع المحلي بالتدخل للحيلولة دون حصول الإسلاميين الجزائريين على الحكم، وكان لديها الاستعداد للتدخل العسكري .
إن من الخطأ الاعتماد فقط على هذا النهج، أو الخط كسبيل للوصول إلى الحكم، فهو طريق من الطرق التي يمكن للإسلاميين أن يسلكوها، وليس هو الطريق الوحيد، ومن الخطأ اعتباره كذلك، فهو طرق إيصال كلمة الحق ولبيان زيف النظم التي تدعي الديمقراطية، وتعريتها أمام الشعوب، ولكن لا يعني ذلك الرفض المطلق لهذا الطريق، ويحذر منير شفيق من ردة الفعل على عدم احترام النظم إرادة الشعب ، فيقول: " إنهم منذ الآن أخذوا – أي الحكام – ينادون بديمقراطية يحرم منها الإسلاميون، بعد أن تأكدوا أنهم هم الخاسرون في هذا الميدان، ولهذا يجب أن لا تكون ردة الفعل الأولى التخلي عن القبول بالتعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، من جانب المعارضة الإسلامية أو البحث عن العنف رداً على ذلك، وإنما يجب أن يحول هذا السلاح – الديمقراطية – في بلادنا غلى سلاح ضدهم، يكشف حقيقتهم، ويربك موضوعاتهم النظرية والسياسية، وهذا بصورة عامة بالنسبة إلى أغلب البلدان الإسلامية، مع بقاء باب الخيارات مفتوحاً، وفقاً لنضوج كل خيار وظروف كل بلد "
ويقول ابراهيم موسى الإبراهيم بعد أن استعرض الدروس والعبر من دخول اللعبة الديمقراطية، والتي أثبت الواقع أن الدول الكبرى وأعوانها من النظم العربية لا تسمح بوصول الإسلاميين إلى موقع صنع القرار: والخلاصة " أن على الجماعات الإسلامية أن تستفيد ما وسعها الأمر من مناخ الديمقراطية، مع البحث عن البدائل المجدية في غيرها هذا الخيار. إن الديمقراطية خيار من الخيارات التي يتبعها الإسلاميون، مع وجوب الإعداد ، وترك الباب مفتوحاً أمام الخيارات الأخرى، التي يجب التركيز عليها أكثر من الخيار الديمقراطي.
7- مناقشة موقف الجماعات التربوية

وتعتبر جماعة التبليغ والدعوة والسلفية من الجماعات التي تبنت هذا النهج، وتدعو إليه وتدعو إلى تجنب الصدام مع السلطة الحاكمة، وتنبذ العنف والمقاومة، بل إن جماعة التبليغ ترى أن الجهاد هو جهاد النفس والشيطان.
لا أحد يختلف على أن التربية لها أهمية بالغة في تكوين شخصية المسلم وإيمانه. والجماعات الإسلامية تدعو إلى التربي، ولكن بمفهومها الشامل، وليس الاقتصار على الجانب الأخلاقي، والابتعاد عن السياسة التي تعتبرها جماعة التبليغ تورث قسوة القلب، كما أن التربية لها أهمية في تكوين قاعدة لحمل الدعوة الإسلامية .
إن الإسلام دين ودولة، والتفريق بينهما من البدع العصرية التي جاءت من الغرب ، فالرسول عليه السلام الذي تدعو جماعة التبليغ إلى التأسي والاقتداء به، هاجر إلى المدينة وأقام دولة ونظم الجيوش ، وأعلن الجهاد ضد كفار قريش ، وأرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وكل ذلك سياسة فلا فصل بين الدين والسياسة .
كما أن الحديث الذي تستدل به جماعة التبليغ على أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس حديث ضعيف أولاً. وثانياً لا يصح من حيث المعنى لأن الجهاد الذي يعرض المسلم فيه نفسه وأهله للهلاك هو الجهاد الأكبر. كما أنه يمكن أن يكون على سبيل المبالغة ، وإذا كان الجهاد جهاد النفس هو الجهاد الأكبر كما تقول جماعة التبليغ فهل ترك الصحابة الجهاد الأصغر عندهم ؟.
إن إقامة الدولة والدين، ونشره في العالم لا يتم عن طريق الموعظة فقط، بل لا بد من الجهاد لإزالة كل الحواجز التي تحول دون إيصال رسالة السماء للعالم، وهذا ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، فلم يعطلوا الجهاد، ولم يخرجوا جماعات للدعوة فقط، بل خرجوا جماعات يحملون السيف والدعوة، هذا أمر، والأمر الآخر أن جماعة التبليغ وغيرها من الجماعات التربوية تنظر إلى المجتمع على أنه مجموعة من أفراد فقط فإذا صلح هؤلاء صلح المجتمع .
إن هذه النظرية خاطئة للاعتبارات التالية :
1) نظرتها إلى المجتمع على أنه مجموعة أفراد فقط:
وهذا خطأ، لأن المجتمع نظام اجتماعي أو تركيب اجتماعي، تتمثل فيه العلاقات المادية للمجتمع والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذه مترابطة فيما بينها ترابطاً عضويا، والنظام السياسي على رأسها، يجسد هذا النظام الاجتماعي، ويمتلك أدوات القوة للحفاظ عليه . لذلك فإن هذا النظام لا يقبل أن يصل المسلمون إلى الحكم، وإن كان هؤلاء يظهرون أنهم مسلمون، ودين دولتهم الإسلام، ويعطلون الجمع والأعياد، ولا يقبل أن ينتشر الإسلام السياسي بين الأفراد، وإذا أحس بذلك فإنه يتحرك بسرعة لوقف هذا الانتشار تحت أي ذريعة .
إن أصحاب النظرية التربوية لم يبينوا كيف يتم التغيير :
فهل سيصلح أفراد المسلمين واحداً واحداً حتى يسقط النظام كورق الخريف، أم أنها ستواجه النظام بأسلوب آخر ؟
إن التجارب أثبتت والمنطق كذلك أن أي نظام لا يسقط كورق الخريف بل لا بد له من هزة عنيفة لتسقطه ، كما أن إصلاح أفراد المسلمين جميعاً مستحيل، لأنهم بشر فيهم الصالح والطالح، فالتغيير لا بد أن يكون مرتكزاً على قاعدة أو مجموعة تحمل فكرة إقامة الدولة الإسلامية وتعمل على تطبيقها .
2) إن هذه النظرية أو النهج هو جزء من العلاج، وليس العلاج كله:
ومن إيجابيات هذا النهج، أنه يستقطب أفراداً من المسلمين يمكن أن يكونوا يوماً من الأيام في صف المجاهدين، أو لا يقفوا في وجه التغير على الأقل. ولكن هذه النظرية لها سلبيات كثيرة منها:
- إنها تعمق معنى التواكل لا التوكل في نفوس أبناء الحركة الإسلامية، فالبعض يرى أن النصر والدولة ما هي إلا ثمرة الإيمان الصادق .
- عدم صياغة استراتيجية العمل الإسلامي على أساس أن الحركة هي التي تصنع الأحداث وتوجهها، بل تعتمد على ما تولده الأيام والليالي من أحداث .
- عدم تبنيها لمبدأ الثورة وامتلاك القوة لنصرة المبادىء التي تنادي بها .
كما أن عدم تدخل هذه الجماعات التربوية في السياسة وغض الطرف عن ظلم الحكام، ساعد في مد عمر النظام، وإضفاء الشرعية على حكمه بالسكوت عنه، كما أنه يعيق عمل الحركات الأخرى العاملة للتغيير .
إن النهج التربوي وحده ليس هو المطلوب، ولا يمكن أن يوصل للهدف، لذا يجب البحث عن نهج آخر شامل .
8- ترجيح

إن الحركات الإسلامية العاملة للتغيير، اتبعت مناهج مختلفة للتغيير، فما هو الموقف السليم والصحيح؟
بعد استعراض آراء الجماعات الإسلامية ، أرى أنه ينبغي التفريق بين أمرين، بين الخروج الفردي أي أن تخرج مجموعة قليلة من المسلمين على الحكام، وتتبنى الجهاد وسيلة التغيير، كأن تقوم بقتل أشخاص لهم مكانة، كالوزراء أو قضاة، أو كتاب، أو تستخدم أسلوب حرب العصابات لإسقاط النظام الحاكم، وبين الخروج الجماعي: أي خروج جماعة من المسلمين على النظام، مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويغلب على ظنها القدرة على إقامة الدولة الإسلامية .
والجماعات الإسلامية منها ما يوجب الخروج مطلقاً سواء كان فردياً أو جماعياً ، ومنها ما يوجب الخروج الجماعي ، يحرم الخروج الفردي . إن الذين أجازوا الهروج الفردي لم ينظروا إلى النتائج المترتبة على فعلهم هذا، بحجة أن المسلم مطلوب منه العمل بغض النظر عن النتيجة، إن هذ خلط وبعد عن الفهم الصحيح للإسلام .
إن العلماء القدامى حينما تحدثوا عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اشترطوا في إنكار المنكر أن لا يؤدي إلى منكر أكبر منه، فهل نظر هؤلاء إلى المنكر الذي نتج عن القيام بمثل هذه الأعمال ؟
قد شوه الإعلام الحكومي الرسمي صورة الإسلاميين وحمّلهم مسؤولية ما يجري من أعمال عنف ومقاومة، وازداد ظلماً بعد ظلم وجبروتاً وبطشاً، بل إن هذا العمل سمح للحكومة بضرب الحركة الإسلامية، بحجة مقاومة الفساد والخارجين على النظام والمخلين بأمن البلد واقتصاده.
إن المفاسد الناتجة عن الخروج الفردي أكبر بكثير من المصالح التي يرجوها الإسلاميون، فما الفائدة من قتل وزير؟ سيخلفه وزير أحقد منه . إن فريض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقتضي من المسلم العامل للتغيير، أن ينظر إلى مآلات الأمور ونتائجها، فإذا كانت المفاسد أكبر من المصالح يتوقف عن العمل و لا يقوم به، فإنكار المنكر يحتاج إلى فقه .
فالرسول عليه السلام – كما أسلفنا – لم يسمح بقتل عبد الله بن أبي سلول، وع استحقاقه القتل، خشية أن يقال: أن محمداً يقتل أصحابه، فهو يستحق القتل، ولكن النتيجة تضر أكثر من وجوده، لأن اليهود سيشنون حرباً إعلامية ضد الرسول عليه السلام وصحبه، وهذا يؤثر على الدعوة الإسلامية.
كما أن العلماء القدامى حينما استفتوا عن الخروج على إمام الفاسق، رأوا حرمة الخروج لما يترتب على الخروج من إثارة فتن، فهو يستحق العزل لفسقه، ولكن لا يعزل خشية حدوث فتنة، فالحجة في الحرمة هي المفاسد الناتجة عن الخروج .
وأذكر مثالاً آخر على وجوب النظر إلى النتائج ، إن انكار المنكر أحياناً يجر على المجتمع المصائب والويلات ، فلو أن مسلماً أراد أن ينكر على فتاة خروجها بلباس غير شرعي في ظل مجتمع عشائري كمجتمعنا، فما الذي يحدث ؟ فيمكن بسبب هذا الإنكار، أن يحدث قتال وشجار بين المسلمين وعداوات ومشاكل يصعب حلها وقد حدث مثل ذلك، فإنكار المنكر هنا أدى إلى مفاسد كبيرة .
ولنرجع إلى التاريخ لنرى أن حادث المنشية الذي اتهم فيه جمال عبد الناصر جماعة الإخوان المسلمين بتدبير محاولة اغتيال له، أدى إلى اعتقال الآلاف والزج بهم في السجون، وما ينتج عن ذلك من آثار على أسر المسلمين وعلى الدعوة الإسلامية. كما أن اغتيال مسؤول من قبل تنظيم ووقوع أشخاص في يد السلطة يؤدي إلى جر العشرات من أعضاء التنظيم إلى السجون، ومن ثم ضرب التنظيم وإرجاع العمل التنظيمي سنين إلى الوراء، وما حدث لجماعات الجهاد خير دليل على ذلك. لذا فإن الخروج الفردي في ظل أنظمة تملك الإعلام والسلطة لا فائدة منه ولا يجدي، بل إن مفاسد أكبر من مصالحه، لذا يجب الابتعاد عن هذا الطريق .
أما بالنسبة إلى الخروج الجماعي والذي يعني أن تقوم جماعة أو تنظيم بالخروج على النظام الحاكم، مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة الدولة الإسلامية، فهو واجب أوجبه الله جل وعلا، وأيدته وبينته النصوص الشرعية التي توجب الخروج على الإمام إذا ظهر منه الكفر البواح، هذا بالنسبة إلى الإمام الذي بويع بيعة شرعية ثم طرأ عليه الكفر البواح ، فما بالك بالذي اغتصب السلطة ولا يحكم شريعة الله؟
إن الأدلة واضحة صريحة أن الخروج إذا ظهر ظهر الكفر البواح، والكفر البواح اليوم واضح جلي ، حيث عطلت الشريعة الإسلامية، وحورب الإسلام، واتهم أنه غير صالح لهذا الزمان، ونزع الحجاب من على رؤوس طالبات الجامعة، واستبدلت الشريعة الإسلامية بقوانين من صنع البشر، فهل بقي بعد هذا التبديل إسلام؟.
إن المسلمين اليوم مطالبون بالعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية وعلى إقامة الدولة الإسلامية لأنه لا تطبيق لبعض أحكامها إلا بالدولة، وإذا كانت إقامة الدولة الإسلامية لا تتم إلا بقتال أو جهاد فالجهاد حينها واجب .
إن الخروج على النظم غير الشرعية فريضة ربانية ، دلت عليها النصوص الشرعية وضرورة بشرية تمليها علينا حالة الذل والضعف والهوان التي يعيشها المسلمون. لذلك فإنني أرجح رأي الجماعات التي جعلت الخروج والقوة خياراً مطروحاً يستخدم حينما تتوفر شروطه. فالخروج لا بد له من شروط وضوابط لأن الهدف هو إقامة الدولة الإسلامية دون جر المسلمين إلى حرب أهلية وإراقة دماء ، فلا بد من تحقيق الهدف بأقل الخسائر .
وأهم هذه الشروط والضوابط التي ينبغي مراعاتها :
أولاً : استنفاد الطرق السلمية :
بينا في فصل سابق أن اتباع الطرق السلمية واجب، لأن المسلمين ليسوا متعطشين للدماء فهم حريصون على عدم إراقة الدماء، فإذا لم تجد الطرق السلمية ، كالتغيير عبر صناديق الاقتراع، أو المظاهرات السلمية، والاعتصامات والمناشدات والنصح، والنصح لا يكون مرة واحدة بل عدة مرات أي يجب أن يستفرغ الوسع في إصلاحه، ومحاولة إعادته إلى رشده. أو غير ذلك من الطرق، يخرج عليه مع توفر الشروط الأخرى .
ثانياً : تحقق القدرة والاستطاعة :
إن خيار القوة جزء لا يتجزأ من العمل الإسلامي، لأن خصوم الإسلام والمسلمين لن يتنازلوا عن مواقعهم وكراسيهم إلا بالقوة، لذلك شرع الله الجهاد، وفرضه على المسلمين لتحطيم القوى التي تحول دون اعتناق العقيدة افسلامية وتكبيق الإسلام رغم ما فيه من تضحيات . ولكن الإسلام حينما فرض الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اشترط الاستطاعة على تحقيقه لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فعدالة الله تقتضي ألا يكلف مسلم بأمر خارج طاقته ، فإذا كان قادراً على فعله، وجب عليه القيام به ن كما بين الرسول عليه السلام في قوله: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، ومن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" ، فتغير المنكر بالقوة مشروط بالاستطاعة وهذا ما تدل عليه نصوص العلماء .
قال الشوكاني : " وإذا وقع من السلطان الكفر البواح الصريح، فلا يجوز طاعتهن بل تجب مجاهدته لمن قدر على ذلك "
ويقول القاضي عياض: ط فلو طرأ عليه كفر ، وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته ، ووجب على المسلمين القيام عليه، وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ، فإن تحقق العجز لم يجب القيام . "
فتغيير المنكر مشروط بالاستطاعة حتى يكون واجباً على المسلم، فالكافر واجب تغييره، كما هو واضح من نصوص العلماء إذا قدر على ذلك، وإذا لم يكن المسلمون قادرين يجب عليهم العمل على تحقيق القدرة والاستطاعة، لأنه لا سبيل إلا بذلك ، والقوة التي يجب إعدادها القوة المعنوية في تربية المسلمين تربية جهادية، حتى يكون لديهم الاستعداد للتضحية في سبيل الله، والقوة المادية في امتلاك السلاح والعتاد من أجل الدفاع عن النفس، والقدرة على تحقيق الهدف .
ثالثاً : غلبة الظن على النجاح :
إن من الشروط التي لا بد من النظر غليها، هو شرط غلبة الظن على نجاح الخروج، والوصول إلى الهدف، لأن المطلوب من المسلم ليس مجرد الخروج بل الواجب تحقيق الهدف، لأن الخروج العشوائي دون النظر إلى النتائج نتائجه سلبية ومفاسده أكثر، ولا يمكن أن يوصل للهدف، في ظل نظم إدارتها محكمة .
فالخروج العشوائي غير المنظم يؤدي إلى فشل العمل الإسلامي وإرجاعه إلى الوراء، وما حدث في سوريا خير دليل على ذلك، فخروج جماعة من المسلمين على النظام السوري دون تخطيط محكم، أدى إلى استشهاد ما يزيد عن ثلاثين ألفاً، لأن المخلصين من أبناء الحركة الإسلامية أرادوا فقط الخروج دون تخطيط، مما أدى إلى وقوعهم في يد النظام الحاكم .
وغلبة الظن على النجاح يقتضي ما يلي :
1. الإعداد الفكري والمادي.
2. التخطيط الجيد، وحسن التدبير فهجرة الرسول عليه السلام دليل على وجوب التخطيط واإعداد . وهذا يقتضي ما يلي:
أ - اختيار الوقت المناسب للخروج: كاستغلال حادثة معينة، كأن يكون الشعب فيها غاضباً على النظام، أو حالة غليان جماهيري جراء سلسلة من إجراءات قمعية أو غير ذلك.
ب - أن يكون الخروج شاملاً في الدولة التي يخرج عليها، حتى لا يستطيع النظام مواجهة الخارجين، أما إذا كان الخروج في منطقة معينة، فإن النظام يتوجه بكل قوته إليها، كما حصل في سوريا، التي كانت حماة وحمص تشتعل ناراً بينما المناطق السورية الأخرى وخاصة دمشق لم تحرك ساكناً.
ج- أن يكون الخروج جماعياً : وليس على يد فئة قليلة لا تستطيع الوقوف أمام النظام لأن الخروج العشوائي والفردي لا يجدي، لسهولة القضاء عليه من قبل النظام، فإذا تحققت القدرة والاستطاعة وخطط جيداً للخروج وغلب الظن على الخروج بسبب القدرة والتخطيط الجيد، وجب الخروج .
د - مراعاة فقه الموازنات أو النظر إلى النتائج ومآلات الخروج .
إن الخروج المسلح على أي نظام رعيته مسلمون ليس بالأمر السهل ، لأن الخروج يمكن أن يؤدي إلى إراقة لدماء المسلمين ودم المسلم محرم، يجب المحافظة عليه .
" إننا إزاء أمر خطير قد يطيح بالنظام كله، وقد يترتب عليه تدخل أعداء الإسلام ، فيحتلون أراضيه أو جزء منها، إذا رأوا المسلمين بأسهم بينهم شديد، من أجب ذلك ولإذ كان الخروج حفاظاً على ضرورة الدين بإقامة الشريعة ، فإن الضرورة تقدر بقدرها، ويكون استعمال الخروج تماماً كما يكون استعمال مبضع الجراح، وكما لا يسمح لأي إنسان أن يباشر عملية جراحية في جسم إنسان ، حتى لا يؤدي الأمر إلى إنهاء حياته، بدلاً من إنقاذ جسمه ببتر جزء منه ، كذلك لا ينبغي لأي إنسان أن يباشر عملية الخروج، لما قد يترتب عليها من إنهاء حياةت الأمة والدولة جميعاً " .
إذن الخروج ضرورة تقدر بقدرها ، لذا ينبغي على الحركة التي تريد الخروج، أن تنظر إلى مآلات الخروج، ونتائجه، فإذا غلب الظن الفشل، وجب الخروج مع توفر الشروط الأخرى، ولكن إذا غلب الظن الفشل ، وجب الصبر، مع وجوب الإعداد للخروج ، فالموازنة بين المصالح والمفاسد قاعدة يجب الأخذ بها في العمل الإسلامي ، كما يرى حين البنا ومحمد أحمد الراشد. وهذه هي الشروط التي ينبغي توافرها حتى يكون الخروج واجباً وناجحاً .
إن إقامة شرع الله يحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل، ولا يعني ذلك أن نتوقف عن العمل من أجل التغيير بحجة عدم الاستطاعة أو الخشية من حصول فتنة .
إن العمل الإسلامي يحتاج إلى تضحيات ، وما فتحت البلاد الإسلامية إلا بدماء الآلاف من المسلمين ، ويجب على العاملين في الحقل الإسلامي أن يعدوا العدة من أجل التغيير ، وأن ينفضوا عن أنفسهم ثوب الخوف ، خاصة أن الشعوب الإسلامية تكوى يومياً بالحديد والنار، وتدعو إلى الخلاص .

هنا الحقيقه
02-26-2008, 05:44 PM
بارك الله بك اخي عزام
وربما سبقتني او تفاوتنا بالوقت كنت عزمت ان اكتب في ما تفضلت به
لكن الخير ما اختاره الله سوف اضع بعض مواضيعي او مقتطفات منها لتعم الفائدة وتكون مطروحة للنقاش بيننا

ولي كلام في ما وضعته انت
ان كنت لا تمانع ان نناقشه

عزام
02-27-2008, 05:37 AM
السلام عليكم اخي هنا الحقيقة
لا بالطبع لا امانع ان اناقش.
لكن انا لا اتبنى كل ما قيل
فالكاتب اقام بحثا حول الموضوع
ولكن في النهاية هو وضع نظرته الخاصة التي قد لا نتفق معه فيها كلنا.
بانتظار تعليقاتك
عزام

مقاوم
02-27-2008, 06:36 AM
بالنسبة لي، البحث فقد الكثير من قيمته العلمية وخسر انتباهي بإعلان الكاتب في المقدمة:


وعلى النقيض من هذا المنهج ظهر فكر الجماعات الإسلامية التي رفعت شعار القوة ، وأعلنت الجهاد ضد من يحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية دون النظر إلى النتائج أو مراعاة المصالح والمفاسد،

فقد أبرم حكما وانطلق منه وهذا ينافي مقومات البحث العلمي الحيادي. ومن ثم فإن نقاشه للجماعات الجهادية جاء سطحيا وغير مكتمل لأن واقع هذه الجماعات يختلف من منطقة إلى منطقة وإن بايعوا تنظيما واحدا. علما بأن الجهاد ليس حكرا على تنظيم القاعدة أو غيرها بل هو عبادة وفرض أقله الكفاية وأنا ممن يقولون بتعينه في الوقت الحاضر بل منذ سقوط الأندلس.

لكني أتفق معه في بعض خلاصاته سيما ما يتعلق بحزب التحرير.

عزام
02-27-2008, 07:07 AM
بالنسبة لي، البحث فقد الكثير من قيمته العلمية وخسر انتباهي بإعلان الكاتب في المقدمة:

فقد أبرم حكما وانطلق منه وهذا ينافي مقومات البحث العلمي الحيادي. ومن ثم فإن نقاشه للجماعات الجهادية جاء سطحيا وغير مكتمل لأن واقع هذه الجماعات يختلف من منطقة إلى منطقة وإن بايعوا تنظيما واحدا. علما بأن الجهاد ليس حكرا على تنظيم القاعدة أو غيرها بل هو عبادة وفرض أقله الكفاية وأنا ممن يقولون بتعينه في الوقت الحاضر بل منذ سقوط الأندلس.

لكني أتفق معه في بعض خلاصاته سيما ما يتعلق بحزب التحرير.

خذني بحلمك اخي الكريم
البحث لا يركز على الجهاد بل على موضوع الخروج على الحاكم. وبالتالي لا اظن ان القاعدة مقصودة في موضوع الحركات الجهادية فتلك حركة جهادية عالمية هدفها الاساسي محاربة المحتل الغربي بل هو يقصد جماعات مثل التكفير والهجرة التي تكفر الحاكم والشرطة والشعب الذي لم ينضم اليها وووو.. وفضلا عن ذلك فهي غير منطقية لانها تحارب مجتمعا بكامله دون اي امكانية منطقية لتحقيق النصر بل جل ما تعتمد عليه هو العمليات الارهابية الفوضوية ضد مؤسسات الدولة او ضد السواح.
كلنا مع الجهاد ضد المحتل واظن الكاتب معه ايضا فهو مسلم فلسطيني لكن الخروج على الحاكم ليس سهلا وفيه فتنة كبيرة ووبال على الشعوب وله شروط.
اعد قراءة المقال بهذه الروحية ووضح لي اين اخطأ الكاتب.
اعود فاكرر اني لا اتبنى كل شيء كتبه الباحث ولكن احبذ ان نركز على نقطة ما ونناقشها لا ان نركز على موضوعية الكاتب او عدمها. فلا احد منا موضوعي في النهاية.
عزام

مقاوم
02-27-2008, 07:37 AM
إذن فالكاتب لا يتكلم عن الجهاد إلا بما يتعلق بمسألة جهاد الطاغوت ويعني تحديدا جماعة التكفير والهجرة؟

عزام
02-27-2008, 07:44 AM
إذن فالكاتب لا يتكلم عن الجهاد إلا بما يتعلق بمسألة جهاد الطاغوت ويعني تحديدا جماعة التكفير والهجرة؟
تماما وان شئت حاول ان تقرا ما سطرت تحته تجد ان كلامه قيم ولا يختلف عما تقوله انت او انا او اي فرد في هذه المجموعة الكريمة
عزام

مقاوم
02-27-2008, 07:46 AM
طيب إن شاء الله , إلى قراءة متأنية ويكون لنا بعدها كلام إن لزم الأمر.

عزام
02-27-2008, 07:57 AM
ان شئت ناخذ كل فقرة او فكرة ونناقشها لنسهل الامر
هل هناك اعتراض على هذا الكلام؟
عزام
إن الحركات التي رفعت لواء الثورة، والخروج على الظلم والفسق والكفر، وتبنت عقيدة الجهاد، لتغيير النظم الحاكمة، قد اعتمدت في رأيها على أدلة لا شك في قوتها، وضوحها، فلست مختلفاً معهم على أن الجهاد سبيل إلى التغيير، ولكن ليس الأمر على إطلاقه، فهناك ضوابط وشروط، ولكن ينبغي التنبيه على النقاط التالية :
1. إن على الحركات الإسلامية الجهادية أن لا تعتمد فقط على تبنيها عقيدة الجهاد على مسألة كفر الحاكم فقط: لأن هذا الأمر يمكن أن يكون محل خلاف، ويدخل في دوامة الجدل حول جواز أو عدم جواز الحكم على الشخص المعين، أو العذر بالجهل، أو إقامة الحجة، أو أن الاعتقاد محله القلب، وهذا لا يمكن معرفته . كل هذه يمكن أن تسبب إشكالاً، وخلافاً يمكن أن يضعف من قوة حجة الحركات الإسلامية عند الآخرين، فالبعض يقول : إنه لا يمكن الحكم على شخص معين بالكفر، وآخر يقول : إن هؤلاء معذورون بسبب السيطرة الأجنبية، وآخر يقول : يجب إقامة الحجة عليهم، فرغم أن هذه الأقوال يمكن الرد عليها، وردت الحركات الجهادية عليها، إلا أنه يبقي الحركات الجهادية في دوامة الجدل حول كفر الحكام. لذا ينبغي التركيز على قضية كفر النظام كله، وليس الحاكم فقط، لأن النظام المكون من الحاكم ومن القانون المطبق له شخصية اعتبارية يمكن الحكم عليها، ويخرجك من الإشكاليات السابقة . فنقول :
إن النظام إذا كان لا يطبق شرع الله يجب الخروج عليه، ولو بالقوة، وإذا كان يقيم شرع الله يجب الصبر عليه، كما يجب الخروج على النظم التي لا شرعية لها، فالنظام الذي لا يحكم بشريعة الله ولم يأت إلى السلطة بالاختيار ، نظام غير شرعي يجب الخروج عليه .
2. إذا كان الحكام كفاراً يجب الخروج عليهم بالقوة :
كما يرى التيار الجهادي ، فإن الخطأ الذي وقع به هؤلاء، إنهم وضعوا رجال المؤسسة العسكرية والأمنية في صف الحكام، واعتبروهم كفاراً، يجب قتالهم أو أنهم مانعون من إقامة الدولة الإسلامية ، وهذا منزلق خطير، لأن الذي يعمل في خدمة النظم الحاكمة ليسوا جميعاً مؤيدين لهذه النظم ، فكثير منهم، من يسعى وراء لقمة العيش، بل منهم من هو غير راض عن سلوك الحكام، وهؤلاء لا يحكم عليهم بالكفر ، كما أن الدولة الإسلامية لم تقم حتى يقتل من يقف في وجهها، لأن أعمال العنف التي يقوم بها أصحاب التيار الجهادي أعمال فردية، لا توصل إلى الهدف في ظل تحكم السيطرة على الدولة، وبيدها مقاليد الأمور .
كما أن الأطراف المعادية للتيار الإسلامي تتخذ من هذه الأعمال وسيلة وحجة لتشويه صورة الإسلاميين أمام الرأي العام ، فهذا التصرف عدا عن كونه مخالفاً للشرع ابتداء تنقصه الحكمة السياسية أنتهاء .
فما هي الفائدة من قتل وزير أو نائب ، سيأتي بدلاً منه وزير أحقد منه، لذا لا بد من النظر إلى النتائج المترتبة على أي عمل . وهذه من أهم قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أن لا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أكبر منه، فالرسول عليه السلام حينما قال عبد الله بن أبي سلول" ليخرجن الأعز منها الأذل " رفض قتله خشية أن يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه، مع أن ابن سلول يستحق القتل، لكن منع من قتله خشية الدعاية السيئة للدعوة وصاحبها .
لذلك لا يجوز قتل شخص إلا بعد ثبوت الدليل القطعي على استحقاقه القتل، كما ينبغي الموازنة بين المصالح والمفاسد الناتجة عن العمل. لذلك فإنني لست مع الخروج الفردي ولا مع العنف والمقاومة الفردية لأن سلبياته أكثر من إيجابياته ، ولا فائدة مرجوة منه، فالحركة الإسلامية مطالبة بالاستعداد من أجل استخدام القوة، مع توفر الشروط التي سنذكرها لاحقاً.
ومن التيارات الجهادية التي انحرفت عن جادة الصواب، جماعة المسلمون، التي كفرت مع النظام المسلمين، لأنهم في نظره لم يخرجوا على الحكام ، ولم يكفروهم، ورأت أن السبيل إلى إقامة الدولة اتباع سنة الرسول عليه السلام في الهجرة، إن هؤلاء يتصورون أنهم يعيشون في القرون الأولى، حيث الكهوف البعيدة التي يمكن الانتقال إليها، إننا نعيش في ظروف تختلف عن الظروف التي عاشها الرسول عليه السلام. إن كل شبر من أرض المسلمين اليوم خاضع لسيطرة حاكم، ويده تطول أي إنسان في محيط دولته، لذا فإنه لا يسمح لأي شخص أو مجموعة أن تعيش في تجمع يمكن أن يهدد النظام يوماً ، إن هذا الرأي يدل على فقر الرأي وقصر النظر .
أما مسألة كفر الأفراد أو الشعب ، فإن الحكم عليهم بالكفر غير صحيح، لأن وصف الدولة أو المجتمع بالجاهلي أو الحرب لا يقتضي أن أفرادها كفار يجب قتلهم، فالحكم على الفرد بالكفر إنما يكون بحسب ما يظهر منه، أما القول بأن دار الحرب هي الدار التي لا يحكم فيها بالإسلام ، فهذا القول وصف للدولة ، وليس حكماً على الأفراد، وهو يخص أنظمتها وقوانينها وليس أفرادها
إن الأفراد يحكم عليهم بالكفر، إذ توفرت الشروط التالية فيهم :
1) إقرار الشعب أو الأفراد بسلب سلطان الله في التشريع.
2) أن يدين الشعب أو الفرد للحاكم بالطاعة المطلقة وقلوبهم غير منكرة لاغتصاب السلطان
إن المسلمين في أقطار العالم الإسلامي كما هو واضح يحكمون بالحديد والنار ويرغبون بأن تغير حالهم، وأن يحكموا بالإسلام فهم غير راضين عن هذا الحال لذلك لا ينبغي أن يعاملوا معاملة الكفار .

مقاوم
02-27-2008, 08:10 AM
أعود لاحقا لأكمل إن شاء الله

أبو مُحمد
02-27-2008, 02:56 PM
السلام عليكم ...

بما أنكم ستأخذون كل فقرة وتناقشونها ثم تكملون فاسمحوا لي أن أعود لما تركته وهو من صلب الموضوع وقد علق عليه الاخ مقاوم بارك الله فيه فسبحان الله قرأت النصوص الاولى في وقت اضافتها تقريبا واستوقفتني هذه الجملة :

وعلى النقيض من هذا المنهج ظهر فكر الجماعات الإسلامية التي رفعت شعار القوة ، وأعلنت الجهاد ضد من يحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية دون النظر إلى النتائج أو مراعاة المصالح والمفاسد،

فقد هد الكاتب كل شيء بهذه الجملة ونعلم ان الامر بالرغم من تفريعاته الا ان خطوطه العريضة اثنان لا ثالث لهما خروج ... وعكسه مهما تعددت الاسماء والاعذار ... والكاتب بتعليقه على فكر الجماعات التي شعار القوة أغلق الباب على نفسه وعلى غيره للبحث العلمي الموضوعي والذي من المفترض انه يطلبه من خلال رسالته.


وبالطبع عني لن تجعلني هذه الجملة أن أهمل بقية البحث! بل باذن الله سأتابع وسأعلق أو أسأل كلما كانت حاجة الى ذلك.


وجزاك الله خيرا أخي عزام

عزام
02-27-2008, 03:20 PM
السلام عليكم ...
فقد هد الكاتب كل شيء بهذه الجملة ونعلم ان الامر بالرغم من تفريعاته الا ان خطوطه العريضة اثنان لا ثالث لهما خروج ... وعكسه مهما تعددت الاسماء والاعذار ... والكاتب بتعليقه على فكر الجماعات التي شعار القوة أغلق الباب على نفسه وعلى غيره للبحث العلمي الموضوعي والذي من المفترض انه يطلبه من خلال رسالته.

اخي الكريم ابا محمد وضحت للاخ مقاوم معنى هذه العبارة
على كل حاكم الباحث على النتيجة التي توصل اليها وليس المقدمة.. ها هي النتيجة
وساشير لك بالاحمر على الامكنة التي تبين ان الباحث ليس ضد استعمال القوة. بل هو يريد ان يتجنب اخطاء سابقة لبعض الحركات.
على فكرة عذرا المقالات فيها اخطاء مطبعية كثيرة حاولت ان اصحح بعضها منها هنا.. سامح الله الاخت التي طبعته لي.
عزام
إن الحركات الإسلامية العاملة للتغيير، اتبعت مناهج مختلفة للتغيير، فما هو الموقف السليم والصحيح؟
بعد استعراض آراء الجماعات الإسلامية ، أرى أنه ينبغي التفريق بين أمرين، بين الخروج الفردي أي أن تخرج مجموعة قليلة من المسلمين على الحكام، وتتبنى الجهاد وسيلة التغيير، كأن تقوم بقتل أشخاص لهم مكانة، كالوزراء أو قضاة، أو كتاب، أو تستخدم أسلوب حرب العصابات لإسقاط النظام الحاكم، وبين الخروج الجماعي: أي خروج جماعة من المسلمين على النظام، مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويغلب على ظنها القدرة على إقامة الدولة الإسلامية .
والجماعات الإسلامية منها ما يوجب الخروج مطلقاً سواء كان فردياً أو جماعياً ، ومنها ما يوجب الخروج الجماعي ، يحرم الخروج الفردي . إن الذين أجازوا الخروج الفردي لم ينظروا إلى النتائج المترتبة على فعلهم هذا، بحجة أن المسلم مطلوب منه العمل بغض النظر عن النتيجة، إن هذ خلط وبعد عن الفهم الصحيح للإسلام .
إن العلماء القدامى حينما تحدثوا عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اشترطوا في إنكار المنكر أن لا يؤدي إلى منكر أكبر منه، فهل نظر هؤلاء إلى المنكر الذي نتج عن القيام بمثل هذه الأعمال ؟
قد شوه الإعلام الحكومي الرسمي صورة الإسلاميين وحمّلهم مسؤولية ما يجري من أعمال عنف ومقاومة، وازداد ظلماً بعد ظلم وجبروتاً وبطشاً، بل إن هذا العمل سمح للحكومة بضرب الحركة الإسلامية، بحجة مقاومة الفساد والخارجين على النظام والمخلين بأمن البلد واقتصاده.
إن المفاسد الناتجة عن الخروج الفردي أكبر بكثير من المصالح التي يرجوها الإسلاميون، فما الفائدة من قتل وزير؟ سيخلفه وزير أحقد منه . إن فريض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقتضي من المسلم العامل للتغيير، أن ينظر إلى مآلات الأمور ونتائجها، فإذا كانت المفاسد أكبر من المصالح يتوقف عن العمل و لا يقوم به، فإنكار المنكر يحتاج إلى فقه .
فالرسول عليه السلام – كما أسلفنا – لم يسمح بقتل عبد الله بن أبي سلول، مع استحقاقه القتل، خشية أن يقال: أن محمداً يقتل أصحابه، فهو يستحق القتل، ولكن النتيجة تضر أكثر من وجوده، لأن اليهود سيشنون حرباً إعلامية ضد الرسول عليه السلام وصحبه، وهذا يؤثر على الدعوة الإسلامية.
كما أن العلماء القدامى حينما استفتوا عن الخروج على إمام الفاسق، رأوا حرمة الخروج لما يترتب على الخروج من إثارة فتن، فهو يستحق العزل لفسقه، ولكن لا يعزل خشية حدوث فتنة، فالحجة في الحرمة هي المفاسد الناتجة عن الخروج .
وأذكر مثالاً آخر على وجوب النظر إلى النتائج ، إن انكار المنكر أحياناً يجر على المجتمع المصائب والويلات ، فلو أن مسلماً أراد أن ينكر على فتاة خروجها بلباس غير شرعي في ظل مجتمع عشائري كمجتمعنا، فما الذي يحدث ؟ فيمكن بسبب هذا الإنكار، أن يحدث قتال وشجار بين المسلمين وعداوات ومشاكل يصعب حلها وقد حدث مثل ذلك، فإنكار المنكر هنا أدى إلى مفاسد كبيرة .
ولنرجع إلى التاريخ لنرى أن حادث المنشية الذي اتهم فيه جمال عبد الناصر جماعة الإخوان المسلمين بتدبير محاولة اغتيال له، أدى إلى اعتقال الآلاف والزج بهم في السجون، وما ينتج عن ذلك من آثار على أسر المسلمين وعلى الدعوة الإسلامية. كما أن اغتيال مسؤول من قبل تنظيم ووقوع أشخاص في يد السلطة يؤدي إلى جر العشرات من أعضاء التنظيم إلى السجون، ومن ثم ضرب التنظيم وإرجاع العمل التنظيمي سنين إلى الوراء، وما حدث لجماعات الجهاد خير دليل على ذلك. لذا فإن الخروج الفردي في ظل أنظمة تملك الإعلام والسلطة لا فائدة منه ولا يجدي، بل إن مفاسد أكبر من مصالحه، لذا يجب الابتعاد عن هذا الطريق .
أما بالنسبة إلى الخروج الجماعي والذي يعني أن تقوم جماعة أو تنظيم بالخروج على النظام الحاكم، مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة الدولة الإسلامية، فهو واجب أوجبه الله جل وعلا، وأيدته وبينته النصوص الشرعية التي توجب الخروج على الإمام إذا ظهر منه الكفر البواح، هذا بالنسبة إلى الإمام الذي بويع بيعة شرعية ثم طرأ عليه الكفر البواح ، فما بالك بالذي اغتصب السلطة ولا يحكم شريعة الله؟
إن الأدلة واضحة صريحة أن الخروج إذا ظهر ظهر الكفر البواح، والكفر البواح اليوم واضح جلي ، حيث عطلت الشريعة الإسلامية، وحورب الإسلام، واتهم أنه غير صالح لهذا الزمان، ونزع الحجاب من على رؤوس طالبات الجامعة، واستبدلت الشريعة الإسلامية بقوانين من صنع البشر، فهل بقي بعد هذا التبديل إسلام؟.
إن المسلمين اليوم مطالبون بالعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية وعلى إقامة الدولة الإسلامية لأنه لا تطبيق لبعض أحكامها إلا بالدولة، وإذا كانت إقامة الدولة الإسلامية لا تتم إلا بقتال أو جهاد فالجهاد حينها واجب .
إن الخروج على النظم غير الشرعية فريضة ربانية ، دلت عليها النصوص الشرعية وضرورة بشرية تمليها علينا حالة الذل والضعف والهوان التي يعيشها المسلمون. لذلك فإنني أرجح رأي الجماعات التي جعلت الخروج والقوة خياراً مطروحاً يستخدم حينما تتوفر شروطه. فالخروج لا بد له من شروط وضوابط لأن الهدف هو إقامة الدولة الإسلامية دون جر المسلمين إلى حرب أهلية وإراقة دماء ، فلا بد من تحقيق الهدف بأقل الخسائر .
وأهم هذه الشروط والضوابط التي ينبغي مراعاتها :
أولاً : استنفاد الطرق السلمية :
بينا في فصل سابق أن اتباع الطرق السلمية واجب، لأن المسلمين ليسوا متعطشين للدماء فهم حريصون على عدم إراقة الدماء، فإذا لم تجد الطرق السلمية ، كالتغيير عبر صناديق الاقتراع، أو المظاهرات السلمية، والاعتصامات والمناشدات والنصح، والنصح لا يكون مرة واحدة بل عدة مرات أي يجب أن يستفرغ الوسع في إصلاحه، ومحاولة إعادته إلى رشده. أو غير ذلك من الطرق، يخرج عليه مع توفر الشروط الأخرى .
ثانياً : تحقق القدرة والاستطاعة :
إن خيار القوة جزء لا يتجزأ من العمل الإسلامي، لأن خصوم الإسلام والمسلمين لن يتنازلوا عن مواقعهم وكراسيهم إلا بالقوة، لذلك شرع الله الجهاد، وفرضه على المسلمين لتحطيم القوى التي تحول دون اعتناق العقيدة الاسلامية وتكبيل الإسلام رغم ما فيه من تضحيات . ولكن الإسلام حينما فرض الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اشترط الاستطاعة على تحقيقه لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فعدالة الله تقتضي ألا يكلف مسلم بأمر خارج طاقته ، فإذا كان قادراً على فعله، وجب عليه القيام به ن كما بين الرسول عليه السلام في قوله: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، ومن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" ، فتغير المنكر بالقوة مشروط بالاستطاعة وهذا ما تدل عليه نصوص العلماء .
قال الشوكاني : " وإذا وقع من السلطان الكفر البواح الصريح، فلا يجوز طاعتهن بل تجب مجاهدته لمن قدر على ذلك "
ويقول القاضي عياض: فلو طرأ عليه كفر ، وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته ، ووجب على المسلمين القيام عليه، وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ، فإن تحقق العجز لم يجب القيام . "
فتغيير المنكر مشروط بالاستطاعة حتى يكون واجباً على المسلم، فالكافر واجب تغييره، كما هو واضح من نصوص العلماء إذا قدر على ذلك، وإذا لم يكن المسلمون قادرين يجب عليهم العمل على تحقيق القدرة والاستطاعة، لأنه لا سبيل إلا بذلك ، والقوة التي يجب إعدادها القوة المعنوية في تربية المسلمين تربية جهادية، حتى يكون لديهم الاستعداد للتضحية في سبيل الله، والقوة المادية في امتلاك السلاح والعتاد من أجل الدفاع عن النفس، والقدرة على تحقيق الهدف .
ثالثاً : غلبة الظن على النجاح :
إن من الشروط التي لا بد من النظر غليها، هو شرط غلبة الظن على نجاح الخروج، والوصول إلى الهدف، لأن المطلوب من المسلم ليس مجرد الخروج بل الواجب تحقيق الهدف، لأن الخروج العشوائي دون النظر إلى النتائج نتائجه سلبية ومفاسده أكثر، ولا يمكن أن يوصل للهدف، في ظل نظم إدارتها محكمة .
فالخروج العشوائي غير المنظم يؤدي إلى فشل العمل الإسلامي وإرجاعه إلى الوراء، وما حدث في سوريا خير دليل على ذلك، فخروج جماعة من المسلمين على النظام السوري دون تخطيط محكم، أدى إلى استشهاد ما يزيد عن ثلاثين ألفاً، لأن المخلصين من أبناء الحركة الإسلامية أرادوا فقط الخروج دون تخطيط، مما أدى إلى وقوعهم في يد النظام الحاكم .
وغلبة الظن على النجاح يقتضي ما يلي :
1. الإعداد الفكري والمادي.
2. التخطيط الجيد، وحسن التدبير فهجرة الرسول عليه السلام دليل على وجوب التخطيط واإعداد . وهذا يقتضي ما يلي:
أ - اختيار الوقت المناسب للخروج: كاستغلال حادثة معينة، كأن يكون الشعب فيها غاضباً على النظام، أو حالة غليان جماهيري جراء سلسلة من إجراءات قمعية أو غير ذلك.
ب - أن يكون الخروج شاملاً في الدولة التي يخرج عليها، حتى لا يستطيع النظام مواجهة الخارجين، أما إذا كان الخروج في منطقة معينة، فإن النظام يتوجه بكل قوته إليها، كما حصل في سوريا، التي كانت حماة وحمص تشتعل ناراً بينما المناطق السورية الأخرى وخاصة دمشق لم تحرك ساكناً.
ج- أن يكون الخروج جماعياً : وليس على يد فئة قليلة لا تستطيع الوقوف أمام النظام لأن الخروج العشوائي والفردي لا يجدي، لسهولة القضاء عليه من قبل النظام، فإذا تحققت القدرة والاستطاعة وخطط جيداً للخروج وغلب الظن على الخروج بسبب القدرة والتخطيط الجيد، وجب الخروج .
د - مراعاة فقه الموازنات أو النظر إلى النتائج ومآلات الخروج .
إن الخروج المسلح على أي نظام رعيته مسلمون ليس بالأمر السهل ، لأن الخروج يمكن أن يؤدي إلى إراقة لدماء المسلمين ودم المسلم محرم، يجب المحافظة عليه .
" إننا إزاء أمر خطير قد يطيح بالنظام كله، وقد يترتب عليه تدخل أعداء الإسلام ، فيحتلون أراضيه أو جزء منها، إذا رأوا المسلمين بأسهم بينهم شديد، من أجب ذلك ولإن كان الخروج حفاظاً على ضرورة الدين بإقامة الشريعة ، فإن الضرورة تقدر بقدرها، ويكون استعمال الخروج تماماً كما يكون استعمال مبضع الجراح، وكما لا يسمح لأي إنسان أن يباشر عملية جراحية في جسم إنسان ، حتى لا يؤدي الأمر إلى إنهاء حياته، بدلاً من إنقاذ جسمه ببتر جزء منه ، كذلك لا ينبغي لأي إنسان أن يباشر عملية الخروج، لما قد يترتب عليها من إنهاء حياةت الأمة والدولة جميعاً " .
إذن الخروج ضرورة تقدر بقدرها ، لذا ينبغي على الحركة التي تريد الخروج، أن تنظر إلى مآلات الخروج، ونتائجه، فإذا غلب الظن الفشل، وجب الخروج مع توفر الشروط الأخرى، ولكن إذا غلب الظن الفشل ، وجب الصبر، مع وجوب الإعداد للخروج ، فالموازنة بين المصالح والمفاسد قاعدة يجب الأخذ بها في العمل الإسلامي ، كما يرى حسن البنا ومحمد أحمد الراشد. وهذه هي الشروط التي ينبغي توافرها حتى يكون الخروج واجباً وناجحاً .
إن إقامة شرع الله يحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل، ولا يعني ذلك أن نتوقف عن العمل من أجل التغيير بحجة عدم الاستطاعة أو الخشية من حصول فتنة .
إن العمل الإسلامي يحتاج إلى تضحيات ، وما فتحت البلاد الإسلامية إلا بدماء الآلاف من المسلمين ، ويجب على العاملين في الحقل الإسلامي أن يعدوا العدة من أجل التغيير ، وأن ينفضوا عن أنفسهم ثوب الخوف ، خاصة أن الشعوب الإسلامية تكوى يومياً بالحديد والنار، وتدعو إلى الخلاص .

هنا الحقيقه
02-27-2008, 03:22 PM
لذا ينبغي التركيز على قضية كفر النظام كله، وليس الحاكم فقط، لأن النظام المكون من الحاكم ومن القانون المطبق له شخصية اعتبارية يمكن الحكم عليها، ويخرجك من الإشكاليات السابقة . فنقول :
إن النظام إذا كان لا يطبق شرع الله يجب الخروج عليه، ولو بالقوة، وإذا كان يقيم شرع الله يجب الصبر عليه، كما يجب الخروج على النظم التي لا شرعية لها، فالنظام الذي لا يحكم بشريعة الله ولم يأت إلى السلطة بالاختيار ، نظام غير شرعي يجب الخروج عليه .

اتفق مع هذا الكلام وهو سليم 100\100 لكننا لا نستطيع ان نجعله قانون عام
فلا يجوز ان نطبقه في كل ارض وعلى كل حكومة او نظام
فكما نعرف ان اي فراغ في منطقة يؤدي الى تدخل الغير لملئ الفراغ فالخروج ان لم يتم بخطة مدروسة او متانية مما يساعد على ملئ الفراغ بسرعة والاستعداد للدفاع عن ما جناه المغيرون فاكيد سوف تكون المصيبة والطامة اكبر واعظم

وانا اتفق تماما مع الكاتب على قوله انه لا يجوز القيام والخروج على الحاكم حتى لو كان الحاكم ظالم لكنه يقيم حدود الله في والشرع في الناس ويكون دستوره هو كتاب الله وسنته بين رعيته
وهذا محرم شرعا وجاءت النصوص في هذا
على العموم كل ما جاء في مشاركتك 12 فهو امر صحيح ولا غبار من وجهة نظري

عزام
02-27-2008, 03:39 PM
اتفق مع هذا الكلام وهو سليم 100\100 لكننا لا نستطيع ان نجعله قانون عام
فلا يجوز ان نطبقه في كل ارض وعلى كل حكومة او نظام
فكما نعرف ان اي فراغ في منطقة يؤدي الى تدخل الغير لملئ الفراغ فالخروج ان لم يتم بخطة مدروسة او متانية مما يساعد على ملئ الفراغ بسرعة والاستعداد للدفاع عن ما جناه المغيرون فاكيد سوف تكون المصيبة والطامة اكبر واعظم

وانا اتفق تماما مع الكاتب على قوله انه لا يجوز القيام والخروج على الحاكم حتى لو كان الحاكم ظالم لكنه يقيم حدود الله في والشرع في الناس ويكون دستوره هو كتاب الله وسنته بين رعيته
وهذا محرم شرعا وجاءت النصوص في هذا
على العموم كل ما جاء في مشاركتك 12 فهو امر صحيح ولا غبار من وجهة نظري
اوافق انا ايضا على كل ما قلته
ارأيت اخي الكريم
ان نقاط الاتفاق بيننا اكثر بكثير من نقاط الاختلاف
بل في هذا الموضوع بالذات تبدو نقاط الاختلاف معدومة
عسى ان يوافقنا الاخوان مقاوم و ابو محمد ايضا
عزام

هنا الحقيقه
02-27-2008, 03:49 PM
لقد سطّر لنا التاريخ الإسلامي المنير مواقف مشرفة للتابعين وغيرهم إزاء ظلم بعض الخلفاء ، فقد رفض أبو حنيفة النعمان القضاء في العهد العباسي في عهد أبي جعفر المنصور، وكذلك رفض الليث بن سعد فقيه مصر عرض أبي جعفر المنصور ولاية مصر، حتى أن هؤلاء العلماء الجهابذة أفتوا بحرمة أخذ الأموال من قبل الحكام الظلمة على شكل هبات أو مكافآت ، لأن الحكام لا تسمح نفوسهم بعطية إلا لمن طمعوا في الاستعانة بهم على تحقيق أغراضهم، وتكليفهم بالمواظبة على الدعاء، والتزكية، والإطراء عليهم .
يقول أبو حامد الغزالي وهو من أشد المانعين لأخذ الهبات من الحكام الظلمة " فلو لم يذل الآخذ نفسه بالسؤال أولاً، وبالتردد في الخدمة ثانياً، وبالثناء والدعاء ثالثاً، وبالمساعدة له على أغراضه عند الاستعانة رابعاً، وبتكثير جمعه في مجلسه وموكبه خامساً، وبإظهار الحب والولاء والمناصرة له على أعدائه سادساً، وبالستر على ظلمه ومقابحه ومساوىء أعماله سابعاً، لم ينعم عليه بدرهم واحد"
فأخذ الأموال من الحكام الظلمة يكون في الغالب على حساب المبادىء التي يؤمن بها ويؤدي إلى التنازل عن الحق من أجل المال . فأخذ الأموال من الحكام الظلمة حب لهم ومناصرة لهم في الظاهر ، وهذا صورة من التعاون المحرم معهم كما أنه ظلم للحاكم نفسه لأنه مساعدة لهم على التمادي في الباطل، لأن المسلمين لو قاطعوا الحكام لربما حاسبوا أنفسهم ، ولكن تأييدهم ومناصرتهم إغواء لهم على الباطل
اخي عزام ما رأيك في هذا الكلام ؟

طرابلسي
02-27-2008, 04:47 PM
إذا كان النظام كافرا _ وهو كذلك _ لا يصح الخروج عليه بقوة السلاح لما في ذلك من مفسدة على المجتمع _ أما الخروج منه ببغضنا له وعدم تحاكمنا إليه ثم التشهير به أمام من اعتقد شرعيته لئلا يغتر به فيكون عونا للطاغوت بتكثير سواده أو مؤازرته والقتال لأجله ..

أما حين وجود عصبة ذات قوة ولديها منعة قادرة على تغيير هذا النظام الكافر دون ان يترتب عليه مفسدة كبيرة يصبح لزاما عليها ذاك التغيير وعلى المجتمع مساندتها والعمل على تنحية نظام الكفر عن رقاب الناس ,,, لكن ...... من شاهد بعين البصيرة وأزل الناس منازلهم الصحيحة لعلم أن سواد المجتمع سيدافع بشراسة عن نظام الكفر بعد أن لبّس عليه عملاء السلاطين دينه فأصبغوا على الطاغوت السمة الشرعية والخارج عليه صفة الفرقة الضالة :)

لدي مقال طويل في هذا الموضوع ولطوله لم يقرأ هنا جيدا بل كان الحذف طريقه ( بالخطأ ) والحق على فخر ساعيده يوما .......
أما الان فسأحمل هذه الرسالة إلى مقر عملي ليتسنى لي قراءتها على رواق واظنها جيدة وجيدة
طبعا كنظرة أولى ولي عودة حولها إن شاء الله

عزام
02-27-2008, 05:47 PM
لدي مقال طويل في هذا الموضوع ولطوله لم يقرأ هنا جيدا بل كان الحذف طريقه ( بالخطأ ) والحق على فخر ساعيده يوما .......
أما الان فسأحمل هذه الرسالة إلى مقر عملي ليتسنى لي قراءتها على رواق واظنها جيدة وجيدة
طبعا كنظرة أولى ولي عودة حولها إن شاء الله
ارك الله فيك شيخ طرابلسي
نحن بانتظار مقالك ان شاء الله
الرسالة مقتطفة من كتاب كبير الحجم وضعت فهرسه في الاول.. ارجو مع ذلك ان تكون هذه المقتطفات مفيدة ومعبرة عن الكتاب الكامل.
عزام

عزام
02-27-2008, 05:52 PM
اخي عزام ما رأيك في هذا الكلام ؟
للاسف كلام صحيح
ليس هذا حكرا على الحكام فقط بل كل من يمدك بالمال سيؤثر على مبادئك:
انظر:
عمر خالد- صالح كامل
طارق سويدان - الوليد بن طلال
فكيف ان كان حاكم له سلطة؟
ماذا نقول عن علاقة القرضاوي بقطر؟
ماذا نقول عن البوطي والنظام السوري؟
د. رفاعي والحريري؟
والقائمة تطول...
عزام

من هناك
02-27-2008, 09:16 PM
اخي عزام،
نسيت ان تضيف

أ. حدبا و .........

عزام
02-27-2008, 09:21 PM
اخي عزام،
نسيت ان تضيف

أ. حدبا و .........
لا تضيع الموضوع اخي بلال
كنا نتحدث بشكل جاد
عزام

هنا الحقيقه
02-29-2008, 02:28 PM
للاسف كلام صحيح
ليس هذا حكرا على الحكام فقط بل كل من يمدك بالمال سيؤثر على مبادئك:
انظر:
عمر خالد- صالح كامل
طارق سويدان - الوليد بن طلال
فكيف ان كان حاكم له سلطة؟
ماذا نقول عن علاقة القرضاوي بقطر؟
ماذا نقول عن البوطي والنظام السوري؟
د. رفاعي والحريري؟
والقائمة تطول...
عزام
نعم صحيح بارك الله بك
لكن هناك فرق بمن ينسب نفسه الى هذا وذاك
ويقول انا فقيهك وافعل ما تريد
ويسال بنفسه السلاطين وهذا ما اشار اليه الكاتب
وبين من هو جالس في بيته يشتغل في العلم
ويرسل له الامير او الميسور الاموال ليعينه على الدنيا
ومثل هؤلاء كثير من السلف الصالح وان شئنا نعدهم فلا نحصيهم ابدا
فهناك من كان ياخذ عطاء الخلفاء من الامويين والعباسيين وهناك من كان ينفق عليه من الاغنياء الكثير ولكنهم ما حادوا ولا خرجوا عن الطريق الحق
فالامر نسبي وباعتقادي لا مانع شرعي انما هي نفسيات الرجال
فمنهم من يميل مع المال ومنهم من يجعل المال يميل حيث مال
وهنا ربما اختلف مع كاتب الموضوع

اما عمرو خالد وسويدان وغيرهم فلا اعلم حقيقة علاقتهم مع اهل المال والسلطة لاني حقيقة لا اسمع لهم او اتتبعهم فانا لا اخذ كلامهم جملا وتفصيلا الا اللهم عبارة او معلومة نفعتني او افادتني

عزام
02-29-2008, 02:42 PM
اما عمرو خالد وسويدان وغيرهم فلا اعلم حقيقة علاقتهم مع اهل المال والسلطة لاني حقيقة لا اسمع لهم او اتتبعهم فانا لا اخذ كلامهم جملا وتفصيلا الا اللهم عبارة او معلومة نفعتني او افادتني
طبعا كثير من كلامهم فيه خير.
لكن في قناة الرسالة مثلا يركزون على القيم والاخلاق وطرق الادارة الناجحة.. دون سائر الامور التي تهم المسلمين. فنستنتج ان هاك فيتو معين على هذه المواضيع التي تعتبر شائكة بنظر اصحاب المال.
روى لي صديقي ان هذا الحوار جرى في الرسالة:
فلان1: اتدرون ما السبيل الى استرجاع عز الامة الاسلامية؟
فلان2: ما هو؟
فلان1: استعمال سلاح النفط بنجاح...
طبعا صديقي صدم.. لانه ظن ان المتحدث سيتكلم عن العودة الى الدين وما شابه..
عزام

هنا الحقيقه
02-29-2008, 02:44 PM
نسال الله السلامة ولا حول ولا قوة الا بالاله

عزام
03-13-2008, 09:08 PM
اتابع بذكر بعض مقالات البوطي في هذا لموضوع والرد عليها سياتي فيما بعد فلا يستعجل الاخوة علينا
عزام

تكفير الحكام
الأدلة التي يعتمد عليها الخارجون:
لا أعلم دليلا يستند إليه هؤلاء الذين يخرجون على حكامهم هنا وهناك سوى ما يزعمونه بكل بساطة وطمأنينة من أن حكامهم كافرون خارجون عن الله...ونظرا إلى أن الحاكم إذا كفر وخرج عن دين الإسلام الذي هو دين الغالبية العظمى من شعبه أو رعيته وجب نزع الطاعة من يده وعزله عن سدة الحكم بالقوة إن لم يمكن بالتراضي فإنهم يؤدون بخروجهم عليه واجبا أنيط بأعناق الأمة بأسرها فيما يوهمون ويزعمون. تلك هي حجتهم التي يرددونها ويلقننونها لأتباعهم. وتحرير الأمر في هذه المسألة يقضي بيان موجبات الكفر وحدودها والقواعد التي رسمها أئمة الشريعة الإسلامية في ذلك ثم بيان ما يجب على المسلمين أتخاذه عند ثبوت موجب من موجبات الكفر في حق شخص ما من المسلمين أيا كانت صفته ومهما كان مركزه.
متى يثبت الكفر وما هي موجباته:
وإنما نعني بالكفر هنا، الكفر الطارئ الذي يعبر عنه بالردة إذ تلك هي التهمة التي يلصقها بحكام المسلمين أؤلئك الذين يبررون الخروج عليهم. ولننتبه هنا إلى الأسباب الكلية التي تستوجب الردة بقطع النظر عن الجزئيات الكثيرة التي تتدرج داخلها.
إن موجبات الردة لا تخرج عن أن تكون من نوع الأقوال أو الأفعال أو ما يدخل في نطاق السخرية والتحقير.
أما ما يستوجب الردة من الأقوال فهو كل ما كان تعبير ا صريحا عن إنكار ركن من أركان الإسلام أو الإيمان أو عن إنكار حكم من الأحكام الإسلامية المعروفة من الدين بالبداهة والضرورة أي بحيث يستوي في معرفته العالم والجاهل من عامة الناس. وأما ما يستوجبها من الأفعال فهو كل فعل يحمل دلالة قاطعة على شيء يتناقض مع ركن من أركان الإيمان أو الإسلام ، كالسجودلصنم وكالتزيي بزي يحمل دلالة دينية معروفة لدى الناس جميعا تناقض الإسلام مناقضة حادة. وأما ما يستوجبها من السخرية والازدراء والاحتقار فمسألة إلى أنه قد يكون داخلا في زمرة الأقوال أو الأفعال ولكن العلماء أفردوه بنوع ثالث لعدم وجود الجد الذي من شأنه أن يتوافر في النوعين السابقين.
وضابط السخرية أو التحقير المستوجبين للكفر أو الردة أن يسخر من ركن من أركان الإسلام أو الإيمان، أو أي حكم من الأحكام الإسلامية الثابتة والمعروفة للجميع بالبداهة والضرورة أو أن يحتقره بوسيلة واضحة من وسائل التحقير كأن يسخر من الصلاة أو الحج أو الزكاة أو من الجنة والنار بوسيلة قاطعة في الدلالة على السخرية، أو أن يحتقر القرآن أحتقارا واضحا أو يزدري الفقه الإسلامي عموما. فتلك هي موجبات الردة وأنواعها.
وإذا تبينت القاعدة الكلية في ذلك فإنك لن تنتبه في جزئيات الأمثلة الكثيرة وبوسعك أن تصنفها طبقا لما أوضحناه فيتبين لك ما كان منها موجب للكفر وما لم يكن منها موجبا لذلك. ولا نعرف لدى العلماء خلافا في هذا الذي اوضحناه، اللهم الا ما هو معروف من أمر الخوارج وتكفيرهم بارتكاب المعاصي ... وهم خارجون في هذا عن إجماع الملة متنكبون عن صراط الله عز وجل. فهل يرعى الأخوة الخارجون اليوم على حكامهم أو الذين يحفزون المسلمين ويهيجونهم للخروج على حكامهم ، هذه القاعدة التي لا نعلم خلافا فيها، بصدد ماقفهم التي يقفونها من الحكام؟؟؟
إن القاعدة التي أوضحناها لا يمكن تطبيقها إلا على أحاد الناس، فردا فردا كلا على حدة...أما هؤلاء الخارجون أو الداعون إلى الخروج فأحكامهم جماعية دائما، وتكفيرهم موجه للعموم لا للأفراد. وقرار التجريم بالكفر الجماعي لهؤلاء الحكام، يستند عندهم إلى عدم الحكم بما أنزل الله سواء في حق أنفسهم أو في حق شعوبهم، ونظرا إلى أن الله عز وجل قد قال: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" (المائدة ) فقد اصبح جميع حكام البلاد العربية والإسلامية كفارا.
إن هذا القرار ينطوي على جنوحين عن الحق الذي لا نعلم فيه خلافا لدى المسلمين عدا الخوارج كما أوضحنا:
أولهما: التكفير الجماعي دون تبيين لموجبات الكفر عند كل فرد على حدة.
ثانيهما: أعتبارهم مجرد الحكم بخلاف شرع الله كفرا، ومن الواضح أن ذلك لا يدخل في اي من المكفرات القولية أو الفعلية أو الاستهزائية التي سبق بيانها.
إن عدم حكم المسلم بشريعة الإسلام قد يكون بدافع تكامل وقد يكون بدافع ركون منه إلى شهوة من شهواته أو مصلحة من مصالحه الدنيوية وقد يكون بدافع إنكار منه لشرع الله عز وجل، ولا يستبين أحد هذه الدوافع إلا بالبينة والبرهان فإن لم يوجد دليل على واحد منها فالاحتمالات الثلاثة قائمة. وإذا وقع الاحتمال كان افتراض دافع معين منها دون غيره تحكما ومن ثم يسقط الاستدلال به... ويبقى الأصل معمولا به وهو الأسلام وذلك بموجب قاعدة الأصل بقاء ما كان على ما كان. إننا لو حاربنا هؤلاء الأخوة فأطلقنا الحكم بكفر كل من حكم بغير شرع الله عز وجل ، لسرى حكم التكفير هذا على كثير من الآباء والآمهات وعلى كثير من ذوي السلطة والقيادة الجزئية في مؤسسات أو مصانع أو معاهد أو أحياء إذا ما أكثر الذين يتنكبون من هؤلاء جميعا عن الحكم بشرع الله ويحملون رعاياهم إن في البيوت أو المؤسسات أو المعاهد أو الأسواق والأحياء على أتباع أحكام أخرى غير أحكام الله عز وجل.
بل إن إطلاق هذا الحكم يقتضي الحكم بكفر كل مرتكب لمعصية في حق نفسه إذا هو لم يزج نفسه في المعصية إلا بموجب حكم حكم به على نفسه. ألا ترى أن الذي يذهب إلى الحانة ويطلب من النادل أن يأتيه بزجاجة خمر قد أدلى من خلال طلبه هذا بحكم وأنه حكم بغير ما قد أنزل الله؟؟؟
فهل يفتي هؤلاء أو يقضي بكفر هؤلاء الناس جميعا؟؟؟
إن هذا القضاء لو صدر منهم لاقتضى ذلك تكفير كل عاصي حكم على نفسه بغير شرع الله وتكفير كل أب أو أم أمر أحدهما أولاده بفعل معصية أو ترك طاعة من الواجبات وإذن لآل حال كل عاصي إلى الكفر...وإذن لكان معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، كل بني آدم كفار بأخطائهم ومعاصيهم التي يحكمون بها على أنفسهم أو أهليهم أو رعاياهم"
ومن المعلوم أن هؤلاء الناس أي الذين يحكمون على قادة المسلمين بالكفر لا يعممون حكم هذا في حق أمثالهم من الناس جميعا.
فما سمعنا منهم أحدا يكفر والدا أمر أبنته بخلع الحجاب أو أمر أبنه بالعمل في مصرف ربوي، أو يكفر تاجرا أمر أجيرا أو شريكه بالغش في المعاملة أو بممارسة عقد غير شرعي، وإنما التكفير الموجب لهذا موجه إلى الحكم والقادة...! ولا شك أن هذا التفريق الذي لا معنى له إنما هو نتيجة حكم اعتباطي يقود إليه التشهي والرغبة المزاجية في التكفير أو عدمه، ونسأل الله تعالى أن يحررنا من حاكمية الشهوات والأهواء، ويسلمنا طائعين لحاكمية الله وحده. والمهم أن نعود بعد هذا فنعلم ما هو مقرر في سائر كتب العقيدة والفقه من أن مدار الأمر في أصل كل من الكفر والإسلام على الاعتقاد فإذا ترتب على القول أو الفعل حكم بالتكفير، فذلك لأن القول أو الفعل يحمل دلالة قاطعة على أعتقاد مكفر. فأما إن لم تكن له على ذلك دلالة قاطعة بينة، بل تعددت الاحتمالات الممكنة لم يجز ترتيب حكم الارتداد أو الكفر عليه، وانحصرت دلالة ذلك القول أو الفعل عنئذا على الفسوق والعصيان مع إحالة باطن الأمر إلى الله عز وجل.
وقد أوضح الإمام أحمد هذه الحقيقة التي لا نعلم فيها خلافا، والإمام أحمد أورع أئمة المسلمين في هذا وأكثرهم حيطة لدين الله عز وجل، فهو الذي يقول فيما يرويه عنه أبو قدامة: "من قال الخمر حلال ، فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريما لما ذكرنا، فأما إن أكل لحم خنزير أو ميتة أو شرب خمرا، لم يحكم بردته بمجرد ذل، سواء فعله في دار الحرب أو دار الإسلام لأنه يجوز أن يكون فعله معتقدا تحريمه، كما يفعل غير ذلك من إذن فقد أتضح أن الخروج على قادة المسلمين وحكامهم، خروج محرم ووافتئات على شرع الله وأمره، فضلا عن أن يكون مباحا، فضلا عن أن يسمى جهادا في سبيل الله ما لم يعلن واحد من هؤلاء القادة كفرا صريحا بالله عز وجل بمقتضى قاعدة التكفير التي تم بيانها.

عزام
03-14-2008, 02:43 PM
قتل من يسمونهم أعوان الظلمة:

غير أن عمل هؤلاء الناس اليوم لا يقتصر على الخروج بالترصد القتالي على القادة والحكام الذين ينعتونهم بالكفر والردة لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله وإنما يمتد إلى ملاحقة الموظفين الذين تحت أيديهم من شرطة وجنود ومستخدمين. وهم ينطلقون إلى هذا من فتوى يفتون بها أنفسهم، وهي أن هؤلاء العمال والموظفين ، أعوان الظلمة أي الحكام، فيجري في حقهم من الأحكام ما يجري في حق رؤسائهم الذين يستخدمونهم ويستعينون بهم...! وقد أوضحنا أن هؤلاء الذين يسمونهم ظلمة من القادة والحكام لا يجوز الخروج على أي منهم بأي قتال أو عدوان ومن ثم فلا يجوز الخروج على أعوانهم وموظفيهم بأي قتل أو إيذاء من باب أولى.
على أن هؤلاء الحكام لو كانوا ستحقون الخروج عليهم بالقتال فعلا وكان ثمة مبرر شرعي بذلك فلا يجوز ملاحقة عمالهم وموظفيهم بالقتل أو الإيذاء لمجرد كونهم كذلك أي بدون جريرة من كفر أو ارتكاب موجب حد صدر من كل منهم على حده.
ولا يجوز سلب صفة الإسلام أو الإيمان عنهم لمجرد كونهم موظفين أو أجراء أو جندوا تحت سلطة حكامهم والمتنفذين بشؤونهم.
لقد كان حاطب بن أبي بلتعة من أبرز الأعوان لمشركي قريش يوم فتح مكة فيما تقضي به مقاييس هؤلاء الناس اليوم-ولقد قدم لهم – وهم كفار (كلمة ناقصة)- من المساعدة والعون، ما لا يقدم مثله جل من يسميهم اليوم هؤلاء الناس أعوان الظلمة ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ،-قد علم بالذي فعله حاطب-لم ينزع عنه صفة الإسلام، ولم يحكم عليه بقتل ولا بأي إيذاء، لما علم أنه مؤمن بالله ورسوله ولما نزلت في حقه الآية التي أنكرت عليه فعله مخاطبته ضمن جماعة المؤمني بصفة الإيمان وذلك في قوله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " ( الممتحنة) وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسه بأي أذى ولم يزد على أن نصحه واستتابه. وسبب ذلك أن ما قدمه من العون للمشركين لا يحمل دلالة قاطعة على كفره، إذ ربما كان الحامل على ذلك شيئا آخر، كما اتضح ذلك فعلا لما أعتذر حاطب بن أبي بلتعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا:
"إني كنت أمرا ملصقا في قريش، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم بدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام وقد صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك."
فإذا لم يكن هذا الذي أقدم عليه حاطب بن أبي بلتعة مكفرا ولم يكن موجبا لتصنيفه مع مشركي قريش ليعد واحدا من الحربيين مثلهم ومن ثم لم يعامله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا معاملة المؤمن الصادق في إيمانه فكيف وبأي وجه يصح أن يصنف من يسمون اليوم بالشرطة أو الدرك أو الموظفين أو الجنود داخل دول إسلامية مع المرتدين والكفار؟؟؟ ثم يفتى بقتلهم وأغتيالهم وهم يعلنون في كل يوم ومناسبة إسلامهم؟؟؟ وربما كانوا من الملازمين لأوارم الله والكثير من أحكامه ؟؟؟ وإذا لم يجز الخروج بأي أذى على قادتهم وحكامهم فكيف يجوز التصدي بالقتل لأعوانهم؟؟؟
ويبدو أن هؤلاء الناس عثروا على كلمة (أعوان الظلمة ) في كتاب من كتب المتصوفة وفي مجال الحديث عن فضيلة التورع عن كثير من الشبهات التي تتعلق بالمال والخدمات ومن ذلك تقديم يد العون للظلمة عن طريق بعض الوظائف والقيام ببعض المهام...وتبدوا إلى مكان الشبهة في أموالهم والحرمة في أعمالهم وإلى ضرورة التورع والتوقي من الركون إلى الظالمين بالتأييد أو بتقديم العون. تقرأ كثيرا من هذا في الإحياء للغزالي، وفي قوت القلوب لأبي طالب المكي ، وفي معارج السالكين لأبن القيم فحسبوا أن (أعوان الظلمة) هؤلاء قد أصبحوا مرتدين خارجين عن الملة وأنهم يجب أن يصنفوا مع أهل الحرابة، وما أكبر البعد بين تلك المقدمة وهذه النتيجة. والخطأ يكون أولا في حكمهم على القادة والحكام بالكفر والخروج عن الملة ثم يكمن في عدهم الموظفين والعسكر والشرطة والمستخدمين أعوانا للظلمة أي الكافرين...! ثم يكمن في عد هؤلاء الأعوان (على فرض أنهم أعوان للظلمة فعلا) مرتدين كسادتهم يجوز الخروج عليهم بالقتل والتشريد.

من هناك
03-14-2008, 03:12 PM
وفي معارج السالكين لأبن قيممن هو إبن قيم هذا؟

عزام
03-14-2008, 04:18 PM
كان خطأ مطبعيا صححناه

عزام
03-15-2008, 07:32 PM
استغلال الغرب لخلافاتنا

المناخ الذي يفرض نفسه اليوم في المنطقة كلها هو مناخ ما يسمى بالصحوة الإسلامية ومن ثم فهو المرتكز المفضل لبعث عوامل التهارج والشقاق بين الحكام الذين من اليسير أن يتهموا بالفوق وغلإعراض عن خدمة الدين ورعايته، والإسلاميين الذين من اليسير أن يتهموا باستغلال الدين للطموحات السياسية وآمال السيطرة والزعامة. ومن المعلوم أن المراقبين الغربيين من ذوي الأطماع السياسية والاستعمارية في المنطقة ليس من شأنهم بل ربما ليس في مقدورهم أن يوجدوا معدوما ليوظفوه ويستغلوه وإنما جرت العادة لديهم أن يستغلوا أي موجود من نقاط الضعف أو الأخطاء المتوضعة فيها ويتخذوا منه الآداة المسخرة لما يبتغون.ولقد كانت ولا تزال جدلية التناقض بين الإسلاميين (أو أكثرهم ) وحكامهم، من أبرز واخطر نقاط الضعف هذه فالريبة متبادلة بين الطرفين كما أوضحنا وأسباب هذه الريبة موجودة ومستحكمة ولسنا هنا بصدد تحليلها فضلا عن معالجتها.إنما المهم أن نعلم بأن المراقبين الغربيين والعاكفين منهم في الخفاء على رسم الخطوط ثم إحالتها إلى سبل التنفيذ، يستغلون نقطة الضعف هذه ويوظفونها إلى أبعد حد ممكن...إنهم يزيدون هذه الريبة عمقا، ويدفعون بها إلى النتائج المتوقعة من تربص كل طرف بالآخر، بل يهيئون المناخ المناسب لما هو أكثر من ذلك، من مقاومة وعدوان. وهذا ما صرحت به مجلة وزارة الخارجية الأمريكية وما يكشف عنه الباحث الغربي اليهودي برنارد لويس وما تفيض ببيانه والحديث عنه صحف ومجلات أمريكية وأوربية كثيرة وهذا ما يدعوا إليه بصراحة تقرير مجلس الأمن القومي الأمريكي الصادر في نهاية عام / 1991.
إذن فإن التهارج الذي يستشري اليوم بين بعض الجماعات الإسلامية والقادة الذين يمسكون بزمام الحكم من آثار المخطط الغربية التي لم تعد خفية. يصب على أختلاف خطورته ودرجاته-في مصلحة الغرب- ويتناسق طرديا مع مقتضى أطماعه التي آشرنا إليها آنفا. إذ أنه السبيل الوحيد إلى تحقيق ما سماه برنارد لويس (سياسة التفكيك والتجزئ ) سواء على مستوى علاقات دول المنطقة بعضها مع بعض، أو على مستوى العلاقة بين حكام كل دولة وشعبها. وهي السياسة التي تتكفل بتفويت فرص الاستقرار، ومن ثم تضطر هذه الدول المفككة والمضطربة إلى الارتماء في فلك الغرب، إن لم تقل :في أحضانه. والسؤال الذي نطرحه الآن هو:
أفيعقل أن لا يكون أي من الطرفين : الحكام، أو الإسلاميون، على بينة من هذا الأمر؟ أفيعقل أن لا يعلم أي من أفراد الطرفين أن الغرب يتخذ من هذا التشاكس أو التشابك أذل مطية يمضي بها إلى تحقيق أمانيه وأطماعه، وأن أطماعه لن تتحقق إلا بتفويت مصالح هذه الأمة، وفي مقدمتها مصلحة الدين بكل ما يتبعها من آثار؟؟؟
والجواب الذي يتوقع ان نسمعهمن طرف القادة والحكام:
هو أن هذه الحقائق محل يقين منهم، ولكن لا خيار لهم في الأمر إذ أنهم في موقع الرد والدفاع، لا في موقع التحرش والهجوم وقد سمعنا هذا الجواب فعلا من كثير منهم. إذن، لا بد أن يتوجه السؤال إلى الطرف المتربص والمهاجم ألا وهو طرف الإسلاميين فما الجواب المتوقع؟ إنني لم أقف إلى الآن على جواب محدد عن هذا السؤال على الرغم من كثرة طرحه وتداده في كثير من الأوساط وفي كثير من البحوث والكتابات. وإنما قلت" ...على جواب محدد "أحتراز عن كلام يقال تعليقا على هذا السؤال هو إلى التهرب من السؤال أقرب منه إلى الجواب المطلوب ..." يتحدثون – بصدد الإجابة عن هذا السؤال- عن انحرافات الحكام أو خطائهم التي لا يجوز السكوت عليها، وعن ظلم هؤلاء الحكام لهم بسبب ما استلبوه من حقوقهم الديمقراطية المشروعة في بلوغ الحكم، وهذا ما يقوله اليوم ويردده أقطاب جبهة الإنقاذ في الجزائر. وإذا أردنا أن نصوغ هذا الكلام بطريقة تصلح أن تكون جوابا منطقيا من على هذا السؤال المطروح، فأنه لا بد أن يأتي هكذا: إننا نعلم ما يجنيه الغرب من وراء أعمالنا هذه المصالح، وما يوقعه فينا من كم الخسائر ولكننا معذرون في أن يجني لنفسه من وراء الخسائر التي يلحقها بنا مصالحه الكثيرة التي ينشدها- وعذرنا هو انحرافات الحكام وأخطاؤهم وأهم من ذلك أنهم أغتصبوا منا حقوقنا السياسية في الوصول إلى كراسي الحكم...!!!
والنتيجة أن الطرفين يعلمان إذن أن هذا التهارج الذي يجري في بعض الدول العربية والإسلامية بين القادة وكثير من الفئات الإسلامية إنما يصب في مصلحة الغرب، ومن ثم فإنه – أي الغرب – ينفخ في ناره بأساليب شتى ولكن أحد الطرفين يعتذر بأنه منفعل لا فاعل في حين يتعذر الطرف الثاني بأنه مظلوم ، ولا بد أن ينتقم...!!! وقبل أن ننتقل إلى السؤال الثاني ، لا بد من القول بأن القادة والحكام كثيرا ما يتخذون مواقف أو يتصرفون تصرفات من شأنها أن تستثير الجماعات الإسلامية وتحملهم على اتخاذ مواقف التربص والعداءأن فيهم من لا يلقي بالا للمكاسب التي يجنيها الغرب من التهارج الذي يسود المجتمعات الإسلامية إذ لا يهمهم ما قد ينزل من الخسائر جراء ذلك في الإسلام والمسلمين. وحكام الجزائر بالذات أضافوا ربما إلى ذلك أن أغلقوا في وجوه الإسلاميين أبوابهم الشرعية المفتوحة إلى الحكم.
إذ لا شك أن الإسلاميين تدرجوا صعدا في سلم الديمقراطية إلى الحكم بنجاح كبير، وكان من حقهم أن يتموا تجربتهم الديمقراطية لولا أن التدخل العسكري أقتحم الموقف فحال بينهم وبين إتمام التجربة. أقول هذا مع يقيني بأن الخيرة فيما أختاره الله وبأن الذي قضاه الله ينطوي على حكمة باهرة وخير كبير للإسلام والمسلمين في الجزائر. فلو ان الإسلاميين المتمثلين في جبهة الانقاذ وصلوا إلى الحكم وأمسكوا بزمامه لوجدوا أنفسهم في حيرة بالغة بين سلوك أحد طريقين أحلاهما مرا. سيتشغلون بتحضير القوانين والإنظمة الإسلامية لتطبيقها ويضعون المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي ترزخ الجزائر تحتها على الرف إلى أجل غير مسمى، أم يشتغلون بحل هذه المشكلات العويصة المستعصية ويضعون منهاج إقامة المجتمع الإسلامي وبرامج تحضيراته على الرف...!!!؟ وأغلب الظن أن الجبهة ستتيه بين الواجبين الذين يتجاوز كل واحد منهما حدود إضافتها ولن تأتي من حيرتها واضطرابها بشئ ولسوف يرصد الإعلام الغربي وما يتبعه من أجهزة وقوى مناوئة للإسلام. هذا التيه الذي سيقع فيه أولئك الأخوة ليبرره ويبالغ في تضخيمه أمام أبصار العالم وبصائره موحيا بأن الإسلام (وليس الإسلاميين ) قد تمكن من فعل ما يشاء ولكن ها هو عاجزا عن أن يفعل أي شئ...!!! ولو وثق الأخوة هناك بحكمة الله وبالغ رحمته لعلموا أن ما قضى به الله بعد السعي الذي استنفذوه هو الخير، ولرددوا قول الله عز وجل بطمأنينية .
وهل سمع الناس أن عاقلا أراد أن يصون أثاث داره من يد باغية تسربت لإفساده أو أقتناصه فراح يقذف بقطع هذا الأثاث قطعة أثر قطعة يزعم أنه يقاتله ويدافع عنها بذلك، حتى تحطمت جميعا وآلت إلى جذاة...!؟!؟!؟ إذن من ذا الذي يصدق أن تحطيم الإسلام في الجزائر والسعي بها إلى التفكك والاضمحلال خدمة لدين الله وجهاد في سبيله...!؟!؟!؟ لا أحد من العقلاء يمكن أن يصدق هذه الدعوى الباطلة؟؟؟ لذا فإن السؤال لا يزال قائما ينتظر الجواب المقنع ...مالدافع الخفي الذي جعل هؤلاء الناس على هذا النحو الذي يمارسونه من أعمال؟؟؟؟ الذي أخشاه أن يكون الدافع الخفي هو حب الثأر والانتقام...!!! لقد حرمت جبهة الانقاذ من حقها في الوصول للحكم إذن لا بد من أن تثأر لنفسها وتنتقم من أؤلئك الذين حرموها هذا الحق بكل ما يمكن من وسائل الثأر والانتقام ومهما كانت النتائج....!!!! والاهتياج إلى الثأر كان في مقدمة ما قضى عليه الإسلام من أعمال الجاهلية وموبقاتها... والمد الإسلامي الذي تحقق من بعده كان مرده من أسباب من أهمها تحرر المسلمين من هذا الاهتياج والانضباط بأخلاقية" ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا، أعدلو هو أقرب للتقوى" (المائدة ). والتضحية بالذات وحقوق النفس في سبيل مزيد من تقريب الإسلام إلى العقول وتحبيبه للنفس. أما هؤلاء الثائرون فقد أنتقلوا تحت وطأة ما أصابهم من حسن الآهتمام بالإسلام إلى البحث عن أي سبيل للانتقام للذات وإعادة الاعتبار إليها. ولقد كنت أناقش أحد رجال العالم المتعاطفين مع جبهة الأنقاذ في هذه المسألة وكان فيما قاله لي: أليس من حق هؤلاء الناس وقد ظلموا أن يدافعوا عن أنفسهم ويلحوا على المطالبة بحقهم؟؟؟ قلت : إن كانت مهمتهم التي وثق الناس من أجلها بهم هي الدفاع عن أنفسهم والنضال المسميت في سبيل حقوقهم الشخصية فذلك إذن من حقهم أما إذا كانت مهمتهم التي شدت الناس إليهم هي أن يضحوا بأنفسهم وحقوقها في سبيل مصلحة الاسلام ومن أجل حمايته فإن ما تحولوا إليه اليوم خيانة للمهمة الاسلامية والتي كانوا قد تظاهروا بها. والعجيب جدا أنه لم يزد في الإجابة عن كلامي هذا على قوله: إنهم بشر من الناس وليسوا ملائكة ...على أي حال ...!!! ولست أدري كيف يحق للإنسان أن يشد الناس إلى نفسه بدعوى أنه واحد من ملائكة الله في تساميه على النفس وتضحيته بكل شئ في سبيل الإسلام، ثم أن يعود – إذا نيل من جانبه واهتاجت عوامل الانتقام في نفسه- فيذكر أؤلئك الناس أنه ليس إلا مجرد بشر...!!! أين هو الجهاد ومن هم المجاهدون إذن؟؟؟
بوسعي أن أقرر إذن أن أعمال هؤلاء الإسلاميين هي في ظاهرها خروج على الحاكم ولكنها في الحقيقة تجاوز صريح لمبادئ الإسلام وأحكامه الواضحة التي هي محل أتفاق...وما أيسر أن يكون الخروج على الإسلام باسم الانتصار له والدفاع عنه ومن حبس نفسه أمام الألفاظ والشعارات ، خدع عن المعاني ببريقها الآخاذ. وقديما قالوا إن في الأغبياء من حطم رأس صديقه بالصخرة التي لا حق الذبابة بها وأهوى بها عليه... غير أن الغباء عذر وأي عذر بالنسبة لمن كان معافى من الغباء ولكنه مبتلى بحب النفس والذات...!!! غير أن سلسلة الاسئلة التي تفرض نفسها لم تنته بعد.... فالسؤال الذي يرد بعد هذا كله هو: وهل الإسلام يترسخ في القلوب عن طريق فرضه على كراسي الحكم والاطاحة بالمتربيعن عليه من أولي الرغبة في السلطان؟؟؟ إذا بقي الناس جاهلين بالإسلام وحقيقته وبقي أولو الشبهات يعانون من شبهاتهم وظل أصحاب الأهواء يرزحون تحت أهوائهم فماذا عسى أن يصنع الكرسي الذي تعاقب عليه شخص بعد آخر، بل ماذا عسى أن تصنع القوة التي أتيح لها أن تزهق قوة مثله؟؟؟ وهل الإسلام حكم يستقر على عرش أم قناعة تسري إلى القلب؟؟؟ لو كان سبيل الإسلام إلى المجتمع متمثلا في امتلاك زمام الحكم إذن لما أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دعى بصدق إليه يوم فاوضه قريش أن يكون هو الملك عليهم والمنتقذ فيهم على أن يتحول عن محاورتهم بشأن الإسلام ويقلع عن دعوتهم إليه .
لقد علمتنا سيرة صلى الله عليه وسلم وطبيعة هذا الدين وواقع التاريخ الإسلامي وتجارب الربانيين والدعاة إلى الله ، أن العرش الذي يتربع عليه الإسلام هو الأفئدة والعقول، ثم أنه يستقر بعد ذلك نظاما وأخلاقا في المجتمع، ثم أنه يعلو بأصحابه ليستقروا –حفظه له- على كراسي الحكم. ولقد علمنا التاريخ القريب والبعيد، والمنطق الذي يخضع له كل عقل أن ما فرض بالقوة ولو كان إسلاما ينتزع بالقوة مثلها ولو كانت فسوقا أو إلحادا. وهل في الناس من يجهل أن اليقين إذا أستقر في العقل وهيمن بالعاطفة على القلب، لم يمتلخه إلا يقين معارض.
وهيهات أن يتسرب يقين معارض إلى فؤاد من أستيقن حقائق الاسلام وامتلكت عليه عواطفه. وهل فيهم من يجهل أن القوة إذا حلت محل اليقين نافستها فقضت عليها قوة ، بل قوة معارضة ربما فأحالت قوتها إلى ضعف ووجودها إلى انمحاق...!؟!؟!؟! بل ما رأينا سبيل القوة والقهر إذا تتخذ بديلا عن الدعوة إلى الإسلام والتعريف به إلا نذير سوء في حقه ومبعث كراهية له، فالقوة التي تستعمل بديلا عن واجب الدعوة والتبليغ تصبح هي ذاتها مبعث ضعف يحيق بالاسلام وحكمه. والدعوة اللينة التي تستعمل أداة لنشر الاسلام تصبح هي ذاتها مبعث قوة في رسوخه وحكمه. ولكن يا عجبا لمن يبدي التحرق على الاسلام ويعيش في وهم رعايته ونصره ثم لا يفقه هذا الكلام الذي لا بد أن يدركه كل ذي عقل والذي تجده في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتؤكده وقائع التاريخ. غير أن العجب كله يزول غذا تذكرنا ما قلناه منذ قليل من أن الهياج إلى الانتقام والثأر ليس له منطق وليس من شأنه أن يصغي إلى المنطق، وقد علمنا أن هؤلاء الناس –وقد اغتصبت منهم حقوقهم التي طالما انتشوا بها- يمرون بحالة الهياج النفسي التي شغلتهم عن كل شئ وأنستهم كل شئ إلا السعي بكل ما يمكن إلى الثأر والانتقام...!!! فإن قال لهم قائل : ولكن ها هو الإسلام الذي كنتم تتحرقون عليه يتمزق تحت السنابك ويتلاشى في ضرام نيرانكم التي توقدونها ، جاء الجواب من خلال صمتهم اللامبالي:"....إذا مت ظمآنا فلا نزال القطر"
ولكن فلنفترض أن الوصول إلى كراسي الحكم باب من أبواب خدمة الإسلام إذن فهذا الباب قد أغلق في وجوه الإسلاميين غير أن أبوابا كثيرة أخرى لا تزال مفتحة أمهم لخدمته، فما لهم لا يلجون منها إلى خدمة الإسلام التي هي من شأنهم وقصارى همهم...!؟ وما لهم أعرضوا عن خدمته من خلال هذه الأبواب المنفتحة أمامهم كلها بعد أن أغلق أمامهم –ظلما كما قلنا- باب الوصول للحكم...؟؟؟؟ بقي أن نجيب عن السؤال الأخير الذي يمثل آخر حلقة في سلسلة هذه التساؤلات وهو:
فكيف إذن يضيق الغربيون ذرعا بما يسمونه التطرف آنا والأصولية آنا أخر، بل كيف يذهبون في ذلك إلى حد الخوف منه، وإبداء القلق منه على مصالحهم ومطامعهم في المنطقة؟؟؟ أليس الذي قلناه أحرى أن يحملهم على الاغتباط بذلك كله؟؟؟... أي فكيف يعلنون عن خوفهم من هذا الذي يغتبطون به؟؟؟!!! والجواب أن القادة الغربيين يخططون لهذا الذي نراه وهم أسعد ما يكونون بهذا الذي يجري هنا وهناك من مظاهر العنف السارية بين الإسلاميين وحكام هذه المناطق ولكن لعل من أشد مظاهر الغباء أن يبحث أحدنا جادا عن دلائل هذه السعادة أو الاغتباط في وجوه القوم أو كتاباتهم أو تصفيق أيديهم. إذ متى كان هؤلاء القادة المتمرسون بفن الاستدراج والاستغلال من السذاجة بحيث يعلنون عن شماتتهم بنا كلما وقعنا في تيه أو تعثرنا في كمين ؟؟؟!!! إن العكس هو الذي يقتضيه تكتيك الخداع الغربي وهو الذي يجري اليوم فعلا. وإن كل ما يعج به الإعلام الغربي من أحاديث التخوف من المتطرفين والأصوليين إنما يبتغى منه الإيحاء إليهم بأن أعمالهم قد غدت مبعث هلع ورعب في نفوس القادة الغربيين ليزدادوا إمعانا في أعمالهم تلك وليزدادوا ضرواة في العنف الذي يمارسونه وليزدادوا يقينا بأن ذلك إذن هو الحل الأمثل للقضاء على الهيئة الغربية وتحرير البلاد العربية والإسلامية منها.
إن من أهم الفرص الذهبية التي يتلمسها الغربيون (وأقصد دائما القادة منهم) ويبذلون جهدا كبيرا في إيجادها أن يتهيأ في نطاق العمل الإسلامي مناخ صالح لاختلاط الأوراق ودس الزيف ابتغاء تحميل الإسلام والمسلمين ما يشوه حقيقته ويسئ إلى سمعتهم. وليس ثمة فرصة لقيامهم بهذا الدور كفرصة العنف الإسلامي ، إذ يتهيأ مناخه وتتفتح أبوابه.فحدث عنئذا عن أدوار القوى الخفية الوافدة في التسرب والإفساد والتخريب ولا حرج. ولكم تم العثور في مناسبات وأماكن شتى على هذه القوى المتمثلة في رسل مكلفين ليزيدوا الفتنة هياجا والنار ضراما، تحت مظلة العنف الإسلامي وشرعية الدعوة إليه.
ولكني أعود فأقول : إن من الغباء أن يتوقع أحدنا انتهاء الغربيين من السذاجة إلى حيث يعلنون عن فرحهم بهذه الفرصة السانحة إذ تلوح لهم. وهل فينا من لا يعلم أن الفرصة كلها تفوت بإعلان هذا الاغتباط؟؟؟؟

عزام
03-23-2008, 08:08 AM
نبدأ بما يلي باستعراض الرد على كلام البوطي

اعتبار الطغاة أئمة للمسلمين

يتوصل البوطي ان الخروج على الحاكم اما جهاد (اذا تلبس بكفر بواح) واما بغي (اذا كان الخارج يملك اجتهادا مقبولا) واما حرابة (اذا كان بدون اجتهاد)...

1- كيف جاء هذا الحاكم إلى السلطة؟
إن معظم الحكام في أرض الإسلام إنما جاؤوا نتيجة انقلابات عسكرية وسيطروا بالقوة على بلادهم ، ولم يزعموا أنهم أمراء المسلمين ، بل يرفضون هذه التسمية لأنها تفرقة طائفية بين المواطنين فهم رؤساء الجمهورية أو ملوك البلاد وأساس ولايتهم المواطنة لا الإسلام.
2- ليس عندهم شيء اسمه بيعة ولي الأمر ، إنما عندهم انتخاب المواطنين لرئيس الدولة ، أو ترشيح الحزب الحاكم للرئيس ، وقد يكون الحزب علمانياً ليس فيه عالم مسلم يصح أن يطلق عليه أنه من أهل الحل والعقد. فهذا الانتخاب يعطيه الشرعية حسب دستور البلاد من مجموع الأصوات التي اختارته من عوام الناس ، وليس منطلقاً من فكرة أهل الحل والعقد ، والبيعة منهم له ، فالشرعية عندهم شرعية الدستور لا شرعية القرآن ولا شرعية الحديث ولا شرعية الإسلام .
3- والدستور الذي يحتكمون اليه في معظم الأحيان دستور علماني إما أنه لا يعترف بالإسلام أصلاً في جميع مواده ، ويعتبر الشريعة الوضعية (شريعة الناس) مقدمة على شريعة الله ، وإما أن يعتبر الإسلام واحداً من المصادر الدستورية التي يأخذ منها التشريع مثله مثل العرف ودساتير اليهود والنصارى ، وفي كلتا الحالتين ، فهم لا يعترفون بالشرعية إلا للدستور لا للقرآن ولا للسنة ، فكيف يعطيهم الإسلام الشرعية ، ويتحدث عنهم بصفتهم أئمة للمسلمين؟!.
4- ودعاة الإسلام الذين يطرحون الإسلام بديلاً عن الجاهلية ويدعون إلى تحكيم شريعة الله في الأرض مضيق عليهم ، أو ممنوعون من التعبير عن آرائهم ، أو متهمون في دينهم ووطنيتهم ، ويسمح للكافرين بالتعبير من آرائهم والمشاركة في الحكم ، ويحظر على دعاة الإسلام الدعوة إلى الإسلام وتحكيم شريعته .
5- وهم لا يحتكمون إلى الإسلام في شيء إلا إذا كان لهم مصلحة معينة فيسخرون علماء المسلمين لتأييدهم ، وذلك في حالة الخطر المحدق عليهم ، فيعرفون الإسلام عندئذٍ يدافع المسلمون عنهم ، وإذا أرادوا ابتزاز أموال الناس ، أو ابتزاز أرواحهم يبحثون عمن يفتي لهم في ذلك ، فقد صاروا ولاة أمور المسلمين وأمراءهم عندما أصبحت عروشهم في خطر . فيطلبون من العلماء أن يفتوا بحرمة الثورة عليهم ، ويطبقون آيات القرآن في حكم الثائرين عليهم أنهم محاربون لله ولرسوله.
6- ونحن لسنا بصدد التكفير أو التفسيق بمقدار ما نحن بصدد الوعي واليقظة الذي نطالب به دعاة الإسلام وعلماءه أن لا يكونوا أداة مسخرة بيد الحكام وإذا كان الإسلام قد حرّم الخروج على الحاكم الفاسق والثورة عليه ، فهو قد حرّم كذلك السكوت على فسقه ، ودعا العلماء إلى نصيحته ، وحين لا يستجيب للنصيحة أن يقولوا كلمة الحق في وجهه ، ويصدعوا بحكم الإسلام فيه ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ويطالبوا بتحكيم شريعة الله ، ولو كلّفهم ذلك حياتهم وأرواحهم.
فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ، وسيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر أمره فنهاه فقتله.
ونعود بعد استعراض هذه النقاط لنقول : إن إسباغ الشرعية على الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، وينطلقون في شرعيته من القوانين الوضعية التي يحكمون بها الناس. لا يجوز أن نسبغ عليهم شرعية ولاية أمر المسلمين ، ونتحدث عن حكم الثائرين عليهم في شريعة الله ، ونقدمها لهم هدية لينحروا رقاب المسلمين باسم الإسلام الذي يحاربونه ويستخفون به ويحكمون بغيره.
وليقم الحاكم والسلطان بما شاء في حرب الدعاة إلى الله، حسب ما تمليه عليه مصلحته والمحافظة على طاغوته ، بشريعة دستوره ، أو بشريعة هواه. والله تعالى حسيبه والرقيب عليه ، لأنه لم يرتض الإسلام ابتداءً حتى، نأتي لنعطيه شرعية إبادة الثائرين عليه ، وقد يخطئ الثائرون أو يصيبون. فهذا موضوع يخصهم في فهمهم لشريعة الله ، ويحاسبون كذلك على تقصيرهم في الفهم أو خطئهم في الاجتهاد ، لكن الذي نرباً بعلماء الإسلام عنه ، وندعوهم إلى الوعي به هو أن لا يسبغوا شرعية القتل للدعاة أو الثائرين فقط ، ويسكتوا عن التشريع بغير ما أنزل الله من الحاكمين في كل شيء.
فلقد أصدر حاكم سورية مثلاً حكماً بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ، فهو لم يحكم سورية باسم الإسلام ابتداءً ، إنما حكمها باسم الحزب القائد ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، فليأخذ فتواه في موقفه هذا تجاه خصومه من حزبه ودستوره لا من دعاة الإسلام وعلمائه. لا نريد من علماء الإسلام أن يكونوا ألعوبة بيد الحكام يسخرونهم فقط لتثبيت عروشهم ، ولا نريد لعلماء الإسلام أن يكونوا أضحوكة للطغاة يستفتونهم فقط في الحكم للخارجين عليهم ، ويرمونهم في سلة المهملات في تشريعات الحياة كلها بعد ذلك. وكنا نربأ بالمؤلف الدكتور البوطي من أن يرضى لنفسه في تأليف كتاب كامل ليفتى فيه بقتل وصلب ونفي الخارجين على الحكام الذين يحكمون ويشرعون في حياتهم كلها للناس بغير شريعة الله.

عزام
03-28-2008, 10:03 PM
تحريم الخروج عليهم

نريد أن نحاور الدكتور البوطي بهدوء وحكمة من خلال المنطلق العلمي الذي يطرحه ، ونذكره كذلك بما يلي :
1- إن الأحكام الشرعية التي يسوقها في حق الحكام وأئمة المسلمين والخارجين عليهم خلال أربعة عشر قرناً من الزمن ، كانت تتحدث عن الحكام الذين ارتضوا الإسلام شرعة وعقيدة ، فحتى بداية هذا القرن كانت مجلة الأحكام العدلية المنبثقة من الإسلام هي التي تحكم الناس ، فالتشريع هو بكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام والحكام الذين يخرجون عليها لا يعلنون أن ما عندهم خيرٌ من الإسلام . إنما يحكمون بالهوى أو المصلحة ، لكنهم مقرون بالتشريع من عند الله فقط.
2- وعندما ألغيت الخلافة الإسلامية وقامت الكيانات الإسلامية المصطنعة في كل أرض الإسلام ألغى الحكام بالتدرج الاحتكام إلى شريعة الله التي كانت متمثلة بمجلة الأحكام العدلية ، وجاءوا بدساتير اليهود والنصارى والأهواء البشرية بديلاً عنها ، ألغوا الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله ، واحتكموا إلى العرف وإلى الشعب ، وصاغ العلمانيون هذه القوانين ، والدستور الذي يحكم هذه القوانين من غير القرآن والسنة إلا في جانب أحكام الأحوال الشخصية . وهكذا فقد كل حاكم شرعيته حين احتكم إلى غير شريعة الله . وفقد حقه في أن يسمى ولي أمر المسلمين ، وكل الأحكام الشرعية السابقة لا تنطبق عليه ، إنما يحاكم إلى الدستور الذي وضعه ، والقانون الذي سنه ، وعلماء المسلمين إنما شرّعوا لمن يحتكم إلى شريعة الله لا لمن يحتكم إلى شرعة اليهود والنصارى والمرتدين في الأرض ، ولم يحكم بإسلام أمثال هؤلاء أحد.
يقول المؤلف بهذا الصدد (وقرار التجريم بالكفر الجماعي لهؤلاء الحكام يستند عندهم إلى عدم الحكم بما أنزل الله ، سواء في حق أنفسهم أو في حق شعوبهم ، ونظراً إلى أن الله عز وجل قد قال : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } فقد أصبح جميع حكام البلاد العربية والإسلامية كفاراً . إن هذا القرار ينطوي على جنوحين عن الحق الذي لا نعلم فيه خلافاً لدى المسلمين عدا الخوارج كما أوضحنا أولهما : التكفير الجماعي دون تبين لموجبات الكفر عند كل فرد على حدة.
ثانيهما: اعتبار مجرد الحكم بخلاف شرع الله كفراً ، ومن الواضح أن ذلك لا يدخل في أي من المكفرات القولية أو الفعلية أو الاستهزائية التي سبق بيانها.
إن عدم حكم المسلم بغير شريعة الإسلام ، قد يكون بدافع تكاسل ، وقد يكون بدافع ركون منه إلى شهوة من شهواته ، أو مصلحة من مصالحه الدنيوية. وقد يكون بدافع إنكار منه لشرع الله عز وجل ولا يستبين أحد من هذه الدوافع إلا بالبينة والبرهان. فان لم يوجد دليل على واحدٍ منها ، فالاحتمالات الثلاثة قائمة ، وإذا وقع الاحتمال كان افتراض دافع معين منها دون غيره تحكماً ، ومن ثم يسقط الاستدلال به ، ويبقى الأصل معمولاً به وهو الإسلام ، بموجب قاعدة : الأصل بقاء ما كان على ما كان) .
ونقول للمؤلف ما يلي:
1- إن الأمر ليس قائماً بالتكفير الجماعي ، كما يرى في الجنوح الأول ، فكل دعاة يقفون من حاكمهم الموقف المناسب ولا علاقة لهم بحكام المسلمين جميعاً ، فلا داعي للتعميم بهذه الصورة.
2- أما الجنوح الثاني الذي ذكره هو اعتبارهم مجرد الحكم بغير ما أنزل الله كفراً ، ونحن نذكر الشيخ أن الأمر أبعد من ذلك ، إن الأمر يتناول التشريع بغير ما أنزل الله ، وليس الحكم بغير ما أنزل الله ، والفرق كبير بين الأمرين ، فان اختلف العلماء المسلمون في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله ، فهم لم يختلفوا في حكم من شرّع بغير ما أنزل الله واحتكم إليه عامداً.
وتنقل من كتاب الشيخ هذا النص ابتداءً:
( من قال : الخمر حلال ، فهو كافر يستتاب ، فان تاب وإلا ضربت عنقه ، وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه لما ذكرنا ، فأما إن أكل لحم الخنزير أو ميتة أو شرب خمراً لم يحكم بردته بمجرد ذلك سواءً فعله في دار الحرب أو دار الإسلام لأنه يجوز أن يكون فعله معتقداً تحريمه ، كما يفعل غير ذلك من المحرمات) .
ونسأل شيخنا هذا السؤال :
إن كل دور الخمر المنتشرة في الدول الإسلامية ، والتي يتم تناولها في المقاصف والملاهي وبيعها في الحانات والحوانيت العادية ، أليست تصدر كلها بتصريح رسمي من وزارات التموين في هذه الدول ؟ فهو محرم في أماكن ، ومباح في أماكن أخرى ، وهو محرم تناوله في مواقع ومباح في مواقع أخرى . وتحليل شربها وتحليل بيعها ، ويحرس هذه الأماكن ، هل هذه أكبر ، أم أن يقول إن الخمر حلال أكبر.
فمن قال هذا الكلام كافر يستتاب ، والذي ينشر الخمر في الأرض وينظم بيعها ، ويحرس تناولها ، ويحمى شاربها ليس كافراً يستتاب؟؟
ولننتقل مع شيخنا خطوة أخرى ، ونسأل ربنا عز وجل :
كيف يتحقق إيمان الناس الذين يرفضون الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله؟
يقول الله تعالى في محكم التنـزيل : { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين }. كيف تم التفريق بين الصدق في الإيمان وبين الكذب والادعاء فيه؟ يجيب ربنا عز وجل : { وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق بأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليم ورسوله بل أولئك هم الظالمون } فهم الكاذبون ، وما أولئك بالمؤمنين لأنهم رفضوا وأعلنوا رفضهم الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهم لا يكتفون بالإعراض إذا دعوا ، بل يقتلون ويسجنون من يدعوهم إلى ذلك. أما المؤمنون الذين صدق إيمانهم { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ، ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } .
وليأذن لنا الشيخ بعرض نقطتين حول صحة ولاية أمر المسلمين من الذين لا يدينون للإسلام بالولاء والحاكمية :
1- عندما جاء جنكيز خان حكم الأرض (بالياسا) أو (الياس) ، وذكر الجويني نتفاً من ذلك: أنه من زنا قتل محصنا أو غير محصن ، وكذلك من لاط قتل ، ومن تعمد الكذب قتل ، ومن سحر قتل ، ومن تجسس قتل . . ) إلى غير ذلك من الأحكام ، وعلّق الحافظ ابن كثير على ذلك بقوله : وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنـزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى لياسا وقدّمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ، قال تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } وقال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
2- وبصدد قتال التتار : تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو ، فانهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام ، فانهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه ، فقال الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) : هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على عليّ ومعاوية ، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما . وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم. وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة ، فنفطن العلماء والناس لذلك. وكان يقول : إذا رأيتموني من ذلك الجانب (جانب التتار) وعلى رأسي مصحف فاقتلوني ، فتشجع الناس في قتال التتار ، وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد) .
وعلى أثر هذه الفتوى كانت وقعة شقحب العظيمة التي قتل فيها من التتار ما لا يعلمه إلا الله عز وجل : { وهم يزعمون أنهم مسلمون }.

هنا الحقيقه
03-29-2008, 06:03 PM
متابع ........ز

عزام
03-29-2008, 06:07 PM
تطبيق حد الحرابة والبغي على الخارجين عليهم

انتهى الأمر عند الدكتور البوطي أن الخروج على الحكام محرم بقوله :
إذن ، فقد اتضح أن الخروج على قادة المسلمين وحكامهم ، خروج محرم ، وافتئات على شرع الله وأمره فضلاً عن أن يكون مباحاً ، فضلاً عن أن يسمى جهاداً في سبيل الله ، ما لم يعلن واحد من هؤلاء القادة كفراً صريحا بالله عز وجل بمقتضى قاعدة التكفير تم بيانها). ويتساءل الدكتور بعد تحريم الخروج على الحاكم قائلا:
( فهل هم بغاة إذن؟)
والبغاة فيما أجمع عليه الفقهاء ، هم فئة خرجت على إمام المسلمين بمقاتلته أو بمنعه حقاً من الحقوق التي يجب أداؤها إليه ، معتمدين على رأي اجتهادي في تسويغ عملهم . وقد توفرت لهم شوكة ، ومنعة وفيهم زعيم مطاع.
هذه الشروط الثلاثة محل اتفاق من الفقهاء لتسمية الفئة الخارجة فئة باغية . وهي ليست شروطاً لتسويغ خروجهم وعملهم في ميزان الشرع ، كما قد يظن ، وإنما هي شروط للآداب وقيود معينة يجب أن تلتزم بها الدولة في قتالهم .
فأما لو خرجوا على إمام المسلمين دون الاعتماد على رأي اجتهادي له وجه يمكن قبوله ولو بوجه ضعيف أو دون أن تكون له شوكة وزعيم مطاع فيهم ، فليس على الدولة أن تتقيد في مقاومتهم بشيء من تلك الضوابط والآداب ، بل يعدون من أهل الحرابة ، وبوسع الدولة أن تعاملهم كمعاملتهم إذا علمنا هذا ، فلنتساءل أفيعد هؤلاء الخارجون اليوم بغاة أو محاربين؟
يتوقف الجواب عن هذا السؤال على الجواب عن سؤال قبله ، وهو : هل يعتمد هؤلاء الناس اليوم على رأي اجتهادي مؤيد بحجة مقبولة من وجهة نظرهم؟
لقد أصغينا فيما مضى إلى الأدلة التي يعتمد عليها هؤلاء الخارجون ، وكلها يدور حول تكفير الحاكم ، وأحسب أنه قد اتضح لدى مناقشتنا لأدلتهم هذه أنهم يذهبون بالتمسك بأدلتهم إلى الخروج على قواطع النصوص ، ولخروج على إجماع المسلمين باستثناء الخوارج ، ومن ثم فإنهم لا يتحركون في آرائهم الخاصة بهم ضمن ساحة الأحكام الاجتهادية ، بل يصادمون بآرائهم هذه الإجماع والنصوص ، وقد علمنا أنه لا اجتهاد في مورد النص ، ولذا فلن نجد في القواعد الفقهية وأحكامها ما يدل على انطباق تعريف البغاة عليهم ، وإنما الذي ينطبق عليهم تعريف أهل الحرابة) .
ولو بقي كلام الدكتور البوطي عاماً لكان رأياً فقهياً اجتهادياً نختلف معه في جانب ، ونلتقي معه في جانب آخر ، لكنه قدّم نفسه مفتياً لثلاثة أنظمة قائمة ، وذكر هذه الأنظمة بالاسم وهي : نظام الحكم في مصر ، والنظام في الجزائر ، والنظام في سورية.
وطاوعته نفسه في أن ينتقل من المجتهد في الأحكام الفقهية العامة ، إلى الفتوى في الواقع القائم للحكام في هذه الدول ضد الخارجين عليهم فيها ، فهو يناقش وضع الخارجين على هذه الأنظمة بصفة كل نظام فيها يمثل حكم إمام المسلمين ، والخارجون عليه إما بغاة وإما محاربون ، يطبق عليهم حد الحرابة ، ومن أجل هذا نحن مضطرون أن نناقش معه وضع هذه الأنظمة الثلاثة ، التي أصدر فيها فتواه المباشرة.ها نحن أولاء نرى المؤلف يقول بصدد الحكم على الخارجين على النظام المصري:
(الخروج على كمب ديفيد: لعل الذي قلناه لا ينطبق تماماً على واقع الإسلاميين المتطرفين اليوم في مصر ، ذلك لأن أعمال الخروج التي تجري اليوم في مصر ، ليست في حقيقتها وليدة تقويم لشخص الحاكم ، أمسلم هو أم لا ، ولا هي وليدة اتهام للدولة بأنها تحكم بغير شرع الله . وإنما هي وليدة رفض الخروج الذي قرره ثم نفذه أنور السادات ، وقد كان خروجاً على إجماع الدول العربية والإسلامية كلها آنذاك ، تمثل في عقد صلح دائمي مع إسرائيل ، وبقطع النظر عما استلبته من حقوق واغتصبته من مقدسات ، أهدرت ، بموجبه حقوقاً لله ، وحقوقاً لعباد الله ، كما تمثلت بما هو أخطر وأسوأ من ذلك كله وهو تطبيع العلاقات على المستوى الرسمي والشعبي بين إسرائيل ومصر بقطع النظر عما سيجره هذا التطبيع من ويلات لمصر وشعبها ، وعما سير سخه في قلب مصر من قواعد عدوانية ضد الإسلام الذي فيها. بطرق يملك الإسرائيليين فيها كل القوى ، وكل عوامل التنفيذ وأجهزته ، ولا يملك المصريون أمامها إلا نظرة المتهور أو تبعية المنافق الذليل) . ويعود فيعتذر مباشرة عن هذه الأقوال حتى لا يفهم منه أنه يؤيد البغاة الخارجين فيقول في الهامش : ليكن واضحاً هذا الفرق الذي أورده هنا بين ما يجري اليوم في مصر ، وما يجري في الجزائر لا يهدف إلى تبرير القتل والأعمال العدوانية والتخريبية التي تجري في مصر دون التي تجري في الجزائر ، بل لابد من التأكيد بأن هذه الأعمال تظل محرمة ممنوعة في مقاييس الشرع وأحكامه كما سنذكر بعد قليل) .
ويذكر بعد قليل:فإن قلنا إن قمع هذه الحرابة المقنعة مشروع (الصلح مع إسرائيل) ، بل واجب ، وعلى الحكام وعلى الفئات الشعبية حقاً ، فان ما يجري اليوم في مصر مشروع بأصله إذن ، وإن كان محرماً وغير مشروع باختراقاته التي تتجاوز الحدود الشرعية إلى الحرام الذي لم يأذن به الله. وإن قلنا: إن قمع هذه الحرابة متداخل ومتشابك مع الحرام الذي لم يأذن به الله ، فلا يمكن أن يتم القمع المباح أو الواجب إلا من خلال عمليات واسعة تتناول المشروع وغير المشروع ، فإن هذا يعني أن الحكم بشأنه داخل في ساحة الاجتهاد الفقهي ، وإن للإسلاميين مجالاً للنظر والحكم فيه ، وتصبح هذه الأعمال التي تجري اليوم على أيديهم نوعاً من البغي الذي عرفناه وبيّنا حكمه ، وآداب مقاومته) .
نحن لن نقف لنناقش موقفه من الخارجين على نظام الحكم في مصر ، وعلى الحاكمين فيه ، بأن في هذا شبهة شرعية لهم ، فخروجهم مشروع في أصله ، لكننا نود أن نقول له وهو يملك هذه الجرأة الأدبية والشجاعة في قول الحق ، لا تأخذه فيه لومة لائم أن يتفضل فيصدر هذا الحكم بحق من يمضون اليوم للصلح والسلام مع إسرائيل والذي أخَّر السلام مع اليهود هم اليهود وليست سورية ، فإسرائيل لا تريد أن تعطى الجولان لأسد كما أعطت سيناء للسادات . ويعلن الأسد صراحة أن السلام الكامل مقابل تسليم الجولان الكامل ، وأن يتفضل المؤلف وأن يتحدث عن مخاطر لصلح والسلام مع إسرائيل ، لنقول : أن الرجل قد خانه اجتهاده ، ولم يخنه دينه ، ولا ندري ثانية كذلك ، ألم يكن تسليما الجولان مؤامرة عام 1967م من خلال بيان أصدره وزير الدفاع السوري آنذاك حافظ أسد ، وأعلن فيه استسلام الجولان حتى خرج الجيش والمقاومة منها ، ودخلتها إسرائيل بعد أربع وعشرين ساعة ، أليس تسليم أجزاء من أرض الإسلام لليهود بطواعية واختيار خيانة تستحق ثورة الإسلاميين على فاعليها ، وتدخلهم في نطاق البغاة بدل دخولهم في نطاق المحاربين ؟
نحن نوّد من العالم الدكتور أن يفتينا في هذه الأمور ، ويطبق عليها الأحكام الشرعية كما طبقها على الخارجين على النظام في مصر . وله منا الشكر الجزيل في ذلك.ونتابع الخطى معه لنستمع إليه وهو يصدر فتواه بحق الإسلاميين الثائرين في سورية والجزائر ، يقول : (أيا كان الأمر ، فإن هذا المناخ الذي كونه كامب ديفيد في القطر المصري يختلف كل الاختلاف عن مناخ العمليات الهجومية ، والانتفاضية التي تتم باسم الإسلام على الحكام ورجا لهم وأعوانهم في البلاد والأخرى كالجزائر. كما يختلف عن المناخ الذي مارس فيه بعض الإسلاميين عملياتهم الهجومية والانتقامية في أول الثمانينات ضد نظام الحكم في سورية. بل ضد عوامل الاستقرار من حيث هو في المجتمع السوري ، لذا فإن ما يجري اليوم في الجزائر على أيدي من يسمون أنفسهم الإسلاميين ، وما جرى بالأمس في سورية على أيدي بعض الإسلاميين ، لا يدخل في باب البغي لأن المبررات التي يعتمدون عليها لا تعتمد على أي مستند شرعي . بل هي مبررات مزاجية نفسية تتعارض مع قواطع النصوص ، وما اتفق عليه الأئمة من أحكام ، وقد مضى بيان ذلك مفصلاً ، فليس إذن في شيء من أعمالهم ما قد يخضع لمبررات اجتهادية كما هو الشأن في البغاة.
إذن ففي أي باب تدخل هذه العمليات والأعمال؟ إن القسمة ثلاثية محصورة ، فالخروج إما أن يكون جهاداً ، وإما أن يكون بغياً ، وإما أن يكون حرابة أو صيالاً ، فإذا ثبت أن خروج هؤلاء الناس لا ينطبق عليه معنى الجهاد وتعريفه الشرعي ، ولا ينطبق عليه البغي وتعريفه ، فهو إذن لابد أن يكون حرابة أو صيالا) .