تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة الانتقال من لبنان إلى مخيّم البارد



ابو حسين
02-22-2008, 04:02 PM
http://www.al-akhbar.com/themes/bidi/alakhbar.gif
المصدر: جريدة الأخبار (http://www.al-akhbar.com (http://www.al-akhbar.com/))
رحلة الانتقال من لبنان إلى مخيّم البارد



http://www.al-akhbar.com/files/images/p05_20080219_pic1.preview.jpg
عشرات ينتظرون السماح لهم بتفقد ما بقي في منازلهم في نهر البارد (الأخبار)ديما شريف

• قصص حواجز ومعابر تماهى بها النازحون مع مواطنيهم في غزة
لا تنتهي مأساة الفلسطينييّن مع المعابر أينما وجدوا. من غزة إلى لبنان تتكرّر معاناة الوقوف على الحواجز ومنع الدخول... وفي لبنان وعلى معابر الدخول إلى مخيم نهر البارد الوضع مشابه لما يحصل في رفح. فالدخول إلى «البارد» القديم أو الجديد يتطلب تصاريح وتفتيشاً وانتظاراً
تنطلق سيارة «البيجو الستايشن» من مخيم البداوي في رحلة تستمر عشر دقائق لتصل إلى الحاجز الغربي للمخيم على الأوتوستراد الدولي، الذي يعرف بحاجز المحمرة. يتكدس في داخلها اثنا عشر شخصاً، وهي لا تتسع لسوى تسعة. يقوم الشبان والشابات في إحدى المنظمات الإنسانية برحلتهم اليومية إلى المخيم، حيث يساعدون العائلات التي عادت إلى جزئه الجديد.
يتنفس الشباب الصعداء لعدم وجود القافلة اليومية لمئات السيارات التي تنتظر دورها للدخول. في الأيام العادية، يمتد صف هذه القافلة مسافة طويلة على الطريق الدولية، وينتظر ركاب السيارات ما يقارب ساعتين للدخول. لمن يأتي راجلاً أيضاً حصته من الانتظار، فالطابور قد يصل تعداده إلى مئات الأشخاص أيام الازدحام في انتظار الدور للتفتيش والتدقيق. ولكن يوم السبت يخف الزحام كثيراً، إذ تتوجه أغلبية النازحين إلى معبر النهر في محاولة يائسة للدخول إلى المخيم القديم، تبوء غالباً بالفشل.
قبل سنة لم يكن الحاجز موجوداً هنا، بل كان مجرد «مفرق المحمرة». لا يستطيع القادم أن يرى مدخل المفرق بسبب حواجز إسمنتية علوّها أكثر من مترين تمنعك من الرؤية إلا من الجهة المقابلة. يستقبلك جندي لبناني طالباً إبراز التصاريح والنزول للتفتيش.
يضحك الجندي على المعبر عندما يرى «التكدس» داخل السيارة ويقول لمحمود المشغول وراء المقود بجمع التصاريح «بدي اشتريلك فان لتنقل الكل». وكونه في مزاج جيد، يسمح للجميع بالدخول دون التفتيش الفردي، ولكن بعد مسح السيارة بالسكانر للتأكد من كونها دون سلاح.
سهولة المسألة في هذا اليوم تجعل الشباب متفائلين بباقي يومهم. ففي العادة الأمر مناط بمزاجية الجندي على المعبر. فبعد الانتظار ساعات يترجل الجميع ويخضعون للتفتيش. التدقيق بالأسماء على التصاريح أولاً وأحياناً لا تؤخذ البطاقات «إذا كان الجندي آدمي وبيعرفنا وبيشوفنا كل يوم، منفوت بسرعة»، كما يقول أحد الشبان. ثم التفتيش الممل أحياناً في الهنغار على يد المجندين. لا يهم إذا كنت قد خرجت للتو من المخيم وتعود بسبب نسيانك شيئاً في الداخل، يجب إبراز التصريح والتعرض للتفتيش الذي يشمل حتى أكياس الطعام.
راوية، وهي طالبة جامعية ومن سكان المخيم الجديد، تقول إنه في يوم ماطر كانت في سيارة الأجرة مع شيخ كبير والسائق، وأصرّ الجندي عند الحاجز على إنزالهم جميعاً للتفتيش تحت المطر. تميّز راوية بين ضابط كان مسؤولاً عن المخيم قبل هذا الموجود حالياً. وترى أن جنوده وضباطه «كانوا أحسن في المعاملة معنا»، فتسكتها والدتها بالقول: «كلّو (أسوأ) من بعضو».
صديقة راوية كانت عائدة مع زميلاتها من الجامعة، وأصر الجندي على المعبر أن ينزلن للتفتيش، رغم عدم وجود مجنّدات للقيام بذلك. فسألته إحدى الفتيات من سيقوم بالتفتيش، فأجابها بأنه المسؤول عن ذلك، فرفضت الفتيات النزول وهددته إحداهن بمجزرة إذا أصرّ على التفتيش. ومرّ من يعرف إحدى الفتيات وسيكون هو المسؤول عن النتيجة، فتراجع عن قراره. يرى أحد الشبان أن الناس ضاقوا ذرعاً بالإهانات التي يتعرضون لها مع عدم التمييز بين الشبان والمسنّين، وخصوصاً الإصرار على تفتيش الفتيات على أيدي الجنود أحياناً لا المجنّدات.
القصص تتشابه مع الجميع. كل من دخل المخيم تعرض لمضايقات وسمع كلاماً كان بعضه شديد العنصرية بحق الشعب الفلسطيني. طبيب فلسطيني يعمل مع الهلال الأحمر الفلسطيني تعرّض لاعتداء على أيدي جنديين بعدما طلب منهما الإسراع في المعاملات كي يذهب إلى وظيفته. ولم يشفع له عمله وتدخُّل الموجودين على الحاجز لتخفيف حدة الضرب.
على معبر النهر من الجهة الجنوبية للمخيم المشهد مخيف. الجسر الذي لا يزال صامداً فوق النهر البارد الشمالي، مقفل بوجه سكان المخيم القديم. مئات الأشخاص في تظاهرة شعبية تبدأ عند السادسة صباحاً في محاولة لحجز دور للدخول وتفقّد بيوتهم، فيما لا يتجاوز عدد المحظوظين بالفوز ببطاقة الدخول العشرات. وقت الدوام الرسمي من التاسعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر ليومين فقط في الأسبوع.
يسمي السكان المعبر «معبر إريز» بسبب ما يعانونه عنده من مهانة يتذكرون عبرها مواطنيهم في الأراضي المحتلة مع جيش العدو الإسرائيلي. فالبداية مع تصريح الدخول لتفقّد منازلهم الذي يتطلب المعجزات للحصول عليه، ولكنه لا يضمن لحامله الدخول الفوري، وينتهي مفعوله حال الخروج من أنقاض مربع الركام الذي كان يعرف بالمخيم القديم. ثم الانتظار حتى يأتي الدور ليعاين الجندي التصريح بعناية شديدة وقد يسمح لصاحب البيت، يرافقه أحياناً أحد أفراد عائلته، بالدخول إلى المربع الأمني المحظور.
في الجهة المسموح الوجود فيها، يحاول أحدهم، بمساعدة أقربائه، أن يحمّل على سيارة بقايا غرفة نوم لم تطلها نيران الحرب. إحدى السيدات المسنّات تخرج من المعبر دامعة العينين، تحمل ما وجدته بين حطام منزلها: صورة والدها الذي خرج من فلسطين ومات لاجئاً في البارد قبل سنوات على أرض ضاقت بـ«الأخ الغريب» ولا تنفك تدفعه باتجاه الخروج.

صحوة المعابر
لم تكن حواجز الجيش تعمل فعلياً على مداخل مخيم نهر البارد في السابق. فقد كان هناك وجود للجيش على المدخل من جهة العبدة وعلى الطريق الدولية المحاذية للمخيم، إضافة إلى حاجز عند المدخل الجنوبي في منطقة وادي النحلة على الطريق البحرية. كان الجيش نادراً جداً ما يوقف الداخلين إلى المخيم عند الوصول من المدخل الجنوبي أو يفتش السيارات الداخلة ويفحصها، وأحياناً كان الموقع يخلو من الجنود. في المخيم الجديد يبدو وجود عناصر من الجيش والأمن الداخلي أمراً مألوفاً جداً، وعلى نحو يومي في معظم الأحيان.
مباشرة وراء الحاجز يقبع هنغاران مخصصان للتفتيش، تجلس أمام أحدهما مجنّدة تنتظر ما يشغلها. يذكّر الحاجز كثيراً بالمعابر الحدودية بين الدول غير الشقيقة، ولذلك يتفق الكثيرون على تسميته بمعبر «إريتز».


عدد الثلاثاء ١٩ شباط ٢٠٠٨
عنوان المصدر:
http://www.al-akhbar.com/ar/node/64311 (http://www.al-akhbar.com/ar/node/64311)