تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حين زحف الباشوات "عا بيروت"



أم ورقة
02-22-2008, 08:50 AM
حين سقطت ورقة التوت وزحف الباشوات «عا بيروت»

رامي زريق
قبل ولادة دولة لبنان بقرنين، حصل تغيير جذري في المنظومة الزراعية التي كانت سائدة في جبل لبنان. فبعدما كان نمط الزراعة السائد آنذاك يرتكز على الإنتاج الموجّه للاستهلاك المحلي والاكتفاء الذاتي (اقتصاد الكفاف)، انتشرت زراعة أشجار التوت بهدف حصاد الأوراق لإطعامها لدود القز وإنتاج الحرير. شجّع الأمير فخر الدين الثاني هذا النوع من الزراعة الكثيفة الصناعية الطبع، والهادفة للتصدير، فأنشأ البنى التحتية من طرقات وجسور وأنظمة ري وموانئ، واقتطع حصة من كل بالة حرير كانت تبحر في اتجاه شركائه آل الميدتتشي في إيطاليا. ومع تحول الزراعة من التنوع الى التخصصية، اضمحلّ إنتاج الغذاء المحلي واستبدل بالاستيراد من بر الشام ومن مصر ومن شتى أنحاء الإمبراطورية العثمانية، فاغتنى التجار والزعماء والإقطاعيون والمرابون.آدام زيغليز ــ الولايات المتحدة الأميركية
وبقي إنتاج الحرير مصدر العيش الرئيسي لآلاف العائلات الريفية في جبل لبنان لأكثر من قرنين.
وفي بداية القرن العشرين، انهار سوق الحرير اللبناني نتيجة عوامل محلية وخارجية، كالاحكتار ودخول شركات استثمار أجنبية كبرى إلى السوق اللبنانية، والتغيرات العالمية في أسعار الحرير. وجد حينها أهل جبل لبنان أنفسهم أمام حقول واسعة من أشجار التوت التي لا يستطيعون أكل أوراقها، بينما كانت الأراضي المخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية قد أصبحت شبه معدومة. وعندما ضربتهم المجاعة الكبرى خلال الحرب العالمية الأولى، مات منهم مئات الآلاف، وهاجرت أعداد كبيرة إلى القارة الأميركية، إلى أن أصبحت قراهم شبه فارغة. لم تؤثِّر المجاعة على الرأسماليين الذين اغتنوا من تخزين المؤن وبيعها بأعلى الأسعار لمن يستطيع أن يدفع، فشيّدوا قصورهم في بيروت العاصمة، وأخذوا يتصرفون كالنبلاء، وأعطوا أنفسهم ألقاباً أجنبية أو تركية مثل الماركيز والكونت والبيك والباشا.
ومع ولادة دولة لبنان الكبير تحت الانتداب الفرنسي، قرر الآباء المؤسسون، ومعهم الأم الحنون القابلة القانونية فرنسا، إتباع سهول البقاع وعكار وهضاب جبل عامل إلى الجبل المجيد للاستفادة من أراضي هذه المناطق الزراعية وفلاحيها لتزويد جبل لبنان بالمؤن والأغذية التي لم يعد باستطاعته إنتاجها.
لم يحسن الحكام الجدد، الذين انضم إليهم ممثلو الإقطاع في الأقاليم الريفية المتبعة حديثاً، إدارة تلك المناطق وإنماءها. تعاملوا معها بنمط شبه استعماري، وأرادوا الاستفادة من أطيابها من دون تنميتها، فمارسوا في لبنان الجديد الاقتصاد الرأسمالي المتوحش، المبني على شريعة الغاب، ناسين أن دور الدولة لا يقتصر على فرض الضرائب وقمع المعارضين، بل يشمل خدمة المواطنين. نتيجة لذلك، بقيت تلك المناطق من دون مدارس وطرقات وخدمات أساسية، وانتشر فيها الفقر والحرمان، إلى أن هجرها أهلها إلى العاصمة أولاً، ثم إلى أفريقيا وأميركا وأوستراليا.
وتدهورت الزراعة في هوامش الوطن، كما سبق وتدهورت قبل عقود في جبل لبنان. لم تلتفت الدولة الجديدة يوماً إلى من بقي من المزارعين، لا بل اتخذت قرارات مناهضة لإنتاج الغذاء المحلي، فوسّعت أسواق الاستيراد وتدفقت نتيجة لذلك السلع الغذائية من البلدان التي تدعم قطاعها الزراعي.
تدنّت كميّات الأغذية المنتجة محلياً، وتغيّرت العادات الغذائية لسكان المدن الجدد وأهاليهم في الريف، وأصبح لبنان يستورد من الغذاء أضعافاً مما ينتجه محلياً. تهافت الحكام على توقيع اتفاقات التجارة الحرة وعلى نزع ما بقي من مكتسبات الدعم التي يتمتع بها المزارعون، كدَور وزارة الزراعة في إرشاد صغار المزارعين. لم يكتف المسؤولون بإعدام صغار المزارعين، بل رحبوا بالزراعة المتخصصة الموجهة للتصدير، رافعين راية الميزة التفاضلية، ومحاولين إقناع الفقراء بأن من مصلحتهم إنتاج الورود للتصدير متمثلين بهولندا، متناسين أن في هذه البلدان حكومات ترعى مصالح مواطنيها.
وفرح الرأسماليون وأصحاب الوكالات الحصرية، لأنهم اغتنوا أكثر فأكثر من العمولة على الاستيراد، ومن بيع السلع المستوردة، فشيدوا قصورهم الصيفية وأنشأوا المنتجعات الخاصة بهم على الأراضي نفسها التي كان يزرعها الفلاحون. وعندما احتلّت إسرائيل جزءاً كبيراً من الأراضي اللبنانية المنتجة و«زرعتها» ألغاماً وقنابل عنقودية، تماهوا مع الاحتلال، وأداروا رؤوسهم إلى الناحية الأخرى كي لا يشهدوا على تدمير ما بقي من المنظومات الغذائية المحلية في الوطن.
وها نحن اليوم نواجه أزمة اقتصاد عالمية تأتي لتفاقم أزمات محلية في الاقتصاد والحكم والفساد والإنماء. أسعار السلع الغذائية الأساسية فوق الريح، والفقراء في الشوارع. الأرض موجودة ومهملة، ولم تفرغ الأرياف من مزارعيها بعد: قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لإنعاشها ولبناء دولة لكلّ مواطنيها...

عدد الجمعة ٢٢ شباط ٢٠٠٨

من هناك
02-22-2008, 02:35 PM
على فكرة الكثير من هؤلاء الباشوات الذين زحفوا لا زال احفادهم في السلطة ومنهم من باع ارضه في فلسطين ايضاً وهكذا افسدوا في الأرض ولا زال إفسادهم يتفاقم حتى اليوم