الروزنامة الزراعية

رامي زريق
يأتي إلغاء الروزنامة الزراعية تتويجاً لنمط اقتصادي مارسه الرأسماليون الذين تحكّموا بلبنان منذ ولادته. فها هي فرصة نادرة في عالم التبادل الحر تسنح بحماية المنتج المحلي لفترات قصيرة ترفضها الحكومة الحالية من تلقاء نفسها. وكانت البلدان العربية قد استثنت لبنان من اتفاقية التيسير العربية التي تحرر الأسواق، وذلك لفترة ثلاث سنوات لمساعدته على النهوض من العدوان الإسرائيلي الأخير. تبرر الحكومة قرارها بالنظرية التبسيطية التي تفيد بأن الحماية تسبب خللاً في الأسواق، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، وأن الحل الوحيد يكمن في تحرير الأسواق. تحمل هذه النظرية بعض الحقيقة، ولكنها لا تصح إلّا إذا كانت جميع الأسواق محررة. لماذا إذاً هذه التضحية الطوعية؟
هل هي بمثابة تقدمة أوراق اعتماد لعرّابي النيوليبرالية؟ هل تأتي لخدمة التجار الذين يستفيدون من التبادل ويستعدون لاستثمار هذه الفرصة الذهبية لاستيراد الأغذية الرديئة واحتكارها والتلاعب بأسعارها وبنوعيتها على حساب صحة المواطن؟ هل هي لإفراغ الريف مما بقي من المزارعين ولإطلاق أيدي السماسرة وتحويل البراري إلى منتجعات يترفّه فيها الأغنياء ويُستبعد عنها الفقراء؟ مهما كانت الأسباب، فقد ارتفعت أصوات قليلة تتساءل كيف تجرؤ الحكومة على إعدام القطاع الزراعي عندما يكون صلب جمهور الموالاة منتمياً إلى هذا القطاع، وكيف تتغافل المعارضة عن هذا الملف الأساسي الذي يمسّ معيشة مناصريها؟
والجواب عن هذه الأسئلة سهل جداً، إذ إن الجماهير اليوم مشغولة بالطائفية وبمبايعة من يهديها إلى حرب إلغاء الغير. ويبدو من الحشود في مهرجانات الشحن ومن فراغ ساحات الاحتجاج المعيشي أن مجمل اللبنانيين يفضّلون مناصرة الطائفية على صون الأرض والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية.

عدد الجمعة ٢٢ شباط ٢٠٠٨