تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث: "سبعة يظلهم الله.."



أم ورقة
02-07-2008, 03:59 PM
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) سبعة يظلهم الله ، وليس هذا على سبيل الحصر، هناك أناس آخرون يظلهم الله غير هؤلاء، وقد جمعهم الحافظ ابن حجر في شرح البخاري فزادوا على العشرين.
لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يتحدث أحياناً بما يناسب المقام، فتجده يقول سبعة، ثلاثة، أربعة، أو ما أشبه ذلك، مع أن هناك أشياء أخرى لم يذكرها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أفصح الخلق وأقواهم بلاغة فيتحدث بما يناسب المقام.
وقوله : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )) وذلك يوم القيامة؛ لأنه في يوم القيامة ليس هناك شجر، ولا بناء، ولا جبال، ولا ثياب، ولا غير ذلك، حتى الناس يحشرون حفاة عراة غرلاً ليس هناك ظل إلا ظل الله، أي ظل يخلقه الله عز وجل يظلل من يظلهم الله تعالى في ذلك اليوم؛ لأنه ليس هناك ظل بناء، ولا ظل شجر، ولا ظل ثياب، ولا ظل مصنوعات أبداً، ليس هناك إلا الظل الذي ييسره الله تعالى للإنسان ، يخلق جل وعلا ظلاً من عنده، والله أعمل بكيفيته، ويظلل الإنسان.
الأول : إمام عادل: بدأ بالإمام العادل الذي يعدل بين الناس، وأهم عدل في الإمام أن يحكم بني الناس بشريعة الله؛ لأن شريعة الله هي العدل، وأما من حكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة؛ فهو من أشد الولاة جوراً- والعياذ بالله- وأبعد الناس من أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنه ليس من العدل أن تحكم بين عباد الله بشريعة غير شريعة الله، من جعل لك هذا؟ احكم بين الناس بشريعة ربهم عزّ وجلّ، فأعظم ما يدخل في ذلك أن يحكم الإمام بشريعة الله.
ومن ذلك أن يقتص الحق حتى من نفسه ومن أقرب الناس إليه؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ )(النساء: 135).
ومن ذلك أيضاً ألا يفرق بين قريبه وغيره، فتجده إذا كان الحق على القريب تهاون في تنفيذه وجعل يسوف ويؤخر، وإذا كان لقريبه على غيره بادر فاقتص منه. فإن هذا ليس من العدل . والعدل في ولي الأمر له فروع كثيرة وأنواع كثيرة لا يتسع المقام الآن لذكرها، فنسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لأئمة عادلين يحكمون فيهم بكتاب الله وبشريعته التي اختارها لعباده.
َأما الثاني فهو (( شاب نشأ في طاعة الله)) ، الشاب صغير السن الذي نشأ في طاعة الله واستمر على ذلك، هذا أيضاً ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنه ليس له صبوة، والغالب أن الشاب يكون لهم صبوة وميل وانحراف، ولكن إذا كان هذا الشاب نشأ في طاعة الله، ولم يكن له ميل ولا انحراف واستمر على هذا؛ فإن الله تعالى يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
والثالث: (( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) رجلان تحابا في الله ، يعني ليس بينهما صلة من نسب أو غيره، ولكن تحابا في الله. كل واحد منهم رأى أن صاحبه ذو عبادة وطاعة لله عز وجل، وقيام بما يجب لأهله ولمن له حق عليه ، فرآه على هذه الحال فأحبه.
" اجتمعا عليه وتفرقا عليه" يعني اجتمعا عليه في الدنيا ، وبقيا على ذلك إلى أن ماتا فتفرقا على ذلك؛ هذان أيضاً ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
والرابع : (( رجلٌ قلبه معلق بالمساجد)) يعني أنه يألف الصلاة ويحبها وكلما فرغ من صلاة إذا هو يتطلع إلى صلاة أخرى، فالمساجد أماكن السجود، سواء بُنيت للصلاة فينا أم لا، المهم أنه دائماً يرغب الصلاة قلبه معلق بها؛ كلما فرغ من صلاة تطلع للصلاة الأخرى.
وهذا يدل على قوة صلته بالله عزّ وجلّ؛ لأن الصلاة صلى بين العبد وبين ربه، فإذا أحبها الإنسان وألفها فهذا يعني أنه يحب الصلة التي بينه وبين الله، فيكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
والخامس: (( رجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال)) يعني دعته لنفسها لفجر بها، ولكنه كان قوي العفة، طاهر العرض (( قال إني أخاف الله)) ......
منعه من ذلك خوف الله عز وجلّ. قال إني أخاف الله ، لم يقل: أخشى أن يطلع علينا أحد.....
ولكن قال ((إني أخاف الله)) فهذا يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله لكمال عفته.


والسادس: ((رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) تصدق بصدقة مخلصاً بذلك لله عزّ وجلّ، حتى انه لو كان أحداً على يساره ما علم بذلك من شدة الإخفاء فهذا عنده كمال الإخلاص، فيظله الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهذا ما لم يكون إظهار الصدقة فيه مصلحة وخير، فإذا كان في إظهار الصدقة مصلحة وخير كان إظهارها أولى، لكن إذا لم يكن فيه مصلحة فالإسرار أولى.
والسابع : (( رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) ذكر الله خالياً في مكان لا يطلع عليه أحد، خالياً قلبه من التعلق بالدنيا، فخشع من ذلك وفاضت عيناه. هؤلاء السبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قد توجد صفتان فأكثر في شخص واحد، وقد لا يوجد في الإنسان إلا صفة واحدة وهي كافية.

مقتطف عن شرح لابن العثيمين - رحمه الله-
شرح رياض الصالحين- باب الامام العادل