ابو شجاع
02-06-2008, 04:49 PM
بسم الله الرحمنالرحيم
صفات العمل الصحيح
الكاتب: محمد حسين عبد الله
قال تعالى:
(لمثل هذا فليعمل العاملون)
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) .
إن الغرائز والحاجات العضوية تتطلب إشباعاً، وتدفع الإنسان لأن يقوم بأعمال من أجل هذا الإشباع، وقد نظم الله سبحانه وتعالى هذه الأعمال تنظيماً صحيحاً دقيقاً يضمن للفرد طريقة للقيام بالعمل على الوجه الصحيح الناجح، وطلب من الإنسان أن يتبع الخطوات التالية حين قيامه بالعمل:
أولا: الانتقال من الإحساس إلى الفكر فالعمل:
بعد إحساس الإنسان بالواقع الخارجي المثير لغرائزه، أو بالمثير الداخلي لحاجاته العضوية، وقبل أن يندفع للقيام بالعمل من أجل الإشباع، عليه أن يفكر قبل القيام بالعمل وذلك من أجل أن يقوم بالعمل على الوجه الذي طلب منه رب العالمين الذي نظم جميع أعماله، ومن أجل أن لا يقوم بالعمل بناء على إلحاح من غرائزه وحاجاته العضوية على الإشباع.
فإن عرضت امرأة جميلة نفسها على رجل، وثار فيه الميل الجنسي، فقام بالإشباع بمجرد الإحساس بهذا الواقع المثير، وقع في الإثم، لأن ذلك الإشباع لغريزته كان إشباعاً خاطئاً، وإن فكر في هذا الواقع، وأدرك حكم الله في العمل الذي سيقدم عليه من أجل الإشباع إما أن يقترن بهذه المرأة بعقد شرعي، وإما أن يعمد إلى زوجته لإشباع ميله الجنسي منها، قال عليه السلام: (إذا أحدكم أعجبته امرأة فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه)، وقال عليه السلام: (عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء).
وطلب الله تعالى منا أن لا ننتقل من الإحساس إلى العمل مباشرة، لأن ذلك يؤدي إلى الوقوع في الخطأ والإثم، قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً)، فقد ذم الله في هذه الآية من ينتقلون من الإحساس إلى العمل مباشرة، فنعى على الذين ينشرون الأخبار بمجرد إحساسهم بها دون أن يترووا، فطلب منهم أن يرجعوا في الحكم على هذه الأخبار إلى الرسول، وإلى العالمين بها منهم، هؤلاء العلماء هم الذين يستطيعون استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الأخبار، فهم الذين يحكمون عليها بعد التفكير بها، لأن استنباطها لا يكون دون تفكير، وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككّم الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَالِ هَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (78) سورة النساء، فهؤلاء أطلقوا القول جزافاً دون تفكير، فقاموا بالعمل وهو القول دون تفكير، مدعين أن النصر من الله، وأن الهزيمة من الرسول، فصحح الله لهم أفهامهم في هذه الآية، مبيناً أن النصر والهزيمة كليهما مخلوقان لله، فمن أخذ بالأسباب التي بينها الله للنصر انتصر كما حصل في غزوة بدر الكبرى، ومن لم يأخذ بأسباب النصر هزم كما حصل للمسلمين في غزوة أحد عندما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوا الجبل قبل انتهاء المعركة.
فلو فكروا بما حصل معهم قبل أن يطلقوا هذا الحكم لأدركوا حقيقة النصر والهزيمة، وما يصيب الإنسان من رخاء وشدة، ولكنهم كما قال تعالى في معرض ذمهم: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) ، وطلب الله من المؤمنين أن يفكروا في كل ما يسمعونه من مصادر مشكوك في صدقها، وأن يتثبتوا من صحة هذه الأخبار قبل الحكم عليها، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ، لأن العقل دون تبين قد يوقع في الخطأ وفي الإثم، والتبين هو إعمال الفكر لمعرفة الحقيقة.
فالعمل حتى يكون صحيحاً وناجحاً وحسب أحكام الإسلام، لا بد أن ينتقل الإنسان قبل الإقدام على العمل من الإحساس إلى الفكر.
ولابد أن يصبح هذا الفكر مفهوماً عند المسلم، من أجل أن يكون العمل تطبيقاً لهذا الفكر، ومن أجل أن يؤثر هذا الفكر في السلوك، فيكون سلوك المسلم تبعاً لمفاهيمه، لأن الفكر وهو حكم على واقع لا يصبح مفهوماً إلا إذا كان لمدلول هذا الفكر واقع مدرك، أو واقع متصور في الذهن.
فعبارة (الصلاة فرض) لها مدلول، وهذا المدلول فكر مأخوذ من الأدلة الشرعية مثل: (وأقيموا الصلاة) ومثل: (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) ومثل: (صلوا كما رأيتموني أصلي). وهذا الفكر لا يكون مفهوماً إلا إذا أدرك المسلم مدلول هذا الفكر بكل جزئيَّاته، كشروط الصلاة وأركانها وحركاتها، وإلا إذا أدرك مدلول الفرضية وهي الطلب الجازم للفعل، والعقوبة المترتبة على ترك هذا الفعل، عندها يصبح هذا الفكر مفهوماً، فإن التزم به المسلم جسده في الواقع كما هو مطلوب، وحينها نعتبر أن هذا المفهوم ضابط لسلوكه في هذا العمل، ولكن المسلم قد يخالف هذا المفهوم، فلا يؤدي الصلاة وعندها نعتبر أن سلوكه تجاه الصلاة غير منضبط بمفهومه عنها.
ولهذا كان لابد لمن أراد أن يغير سلوك إنسان، أن يغير مفاهيمه، لأن السلوك تابع للمفاهيم، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فلا يتغير واقع مجتمع من المجتمعات من حال إلى حال، من حال الانحطاط إلى حال النهضة، إلا إذا غيروا هم مفاهيمهم عن الحياة.
ثانيا: أن يكون العمل مبنياً على الإيمان:
فالفكر الذي يسبق العمل لابد أن يكون منبثقاً عن وجهة النظر في الحياة، والمسلم حينما يقدم على عمل أو يحجم عن عمل، يجب أن يكون هذا الإقدام وذلك الإحجام مبنياً على إيمانه بأن هذا العمل يرضي الله، وذلك العمل يسخط الله، فهو يقوم بالعمل لأن الله أمر به، ويمتنع عن القيام به لأن الله نهى عنه، وهذا معنى أن يكون العمل مبيناً على الإيمان، لأن المسلم عندما يدرك أثناء قيامه بالعمل أن الله هو الذي أمر بالعمل يندفع بحماس ورضى في عمله، وهذا هو مزج المادة بالروح، لأن العمل الإنساني مادة فقط، وإدراك صلته وصلة العمل بالله هو الروح.
وقد ربط القرآن الكريم بين العمل الصالح وبين الإيمان في كثير من الآيات، قال تعالى: (إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض)، وقال: (ومن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) .
فإن استحضر المسلم الربط بين العمل والإيمان بالله حين قيامه بالعمل سيطر عليه الجو الإيماني خلال قيامه بالعمل، لأن قيامه بالعمل وهو يدرك أنه مخلوق لخالق، وأنه يقوم بعمله حسب أوامر هذا الخالق، يجعله يشعر بالسعادة، وهي نيل رضوان الله، وهذا الشعور هو الجو الإيماني. قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه). وقال: (الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى)، فأقصى ما يسعى إليه المسلم من أعماله هو ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى.
وإن ربط الفكر بالإيمان، يجعل الفكر عند المسلم مفهوماً ولاسيما إن كان الواقع الذي يدل عليه الفكر غير محسوس لدى المسلم، كالجنة والملائكة، إلا أن الإيمان بأن القرآن كلام الله وهذا الكلام اليقيني المقطوع بصدقه أخبر بأن هناك جنة ونار وملائكة وجناً، فنتيجة هذه الأخبار أصبح لمدلول هذه الأفكار واقع متصور في ذهن المسلم. لذلك أصبحت الأفكار عند المسلم مفاهيم تؤثر في سلوكه. فربط العمل بالإيمان يجعل الفكر الذي يقام بالعمل على أساسه مفهوماً.
يتبع
صفات العمل الصحيح
الكاتب: محمد حسين عبد الله
قال تعالى:
(لمثل هذا فليعمل العاملون)
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) .
إن الغرائز والحاجات العضوية تتطلب إشباعاً، وتدفع الإنسان لأن يقوم بأعمال من أجل هذا الإشباع، وقد نظم الله سبحانه وتعالى هذه الأعمال تنظيماً صحيحاً دقيقاً يضمن للفرد طريقة للقيام بالعمل على الوجه الصحيح الناجح، وطلب من الإنسان أن يتبع الخطوات التالية حين قيامه بالعمل:
أولا: الانتقال من الإحساس إلى الفكر فالعمل:
بعد إحساس الإنسان بالواقع الخارجي المثير لغرائزه، أو بالمثير الداخلي لحاجاته العضوية، وقبل أن يندفع للقيام بالعمل من أجل الإشباع، عليه أن يفكر قبل القيام بالعمل وذلك من أجل أن يقوم بالعمل على الوجه الذي طلب منه رب العالمين الذي نظم جميع أعماله، ومن أجل أن لا يقوم بالعمل بناء على إلحاح من غرائزه وحاجاته العضوية على الإشباع.
فإن عرضت امرأة جميلة نفسها على رجل، وثار فيه الميل الجنسي، فقام بالإشباع بمجرد الإحساس بهذا الواقع المثير، وقع في الإثم، لأن ذلك الإشباع لغريزته كان إشباعاً خاطئاً، وإن فكر في هذا الواقع، وأدرك حكم الله في العمل الذي سيقدم عليه من أجل الإشباع إما أن يقترن بهذه المرأة بعقد شرعي، وإما أن يعمد إلى زوجته لإشباع ميله الجنسي منها، قال عليه السلام: (إذا أحدكم أعجبته امرأة فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه)، وقال عليه السلام: (عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء).
وطلب الله تعالى منا أن لا ننتقل من الإحساس إلى العمل مباشرة، لأن ذلك يؤدي إلى الوقوع في الخطأ والإثم، قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً)، فقد ذم الله في هذه الآية من ينتقلون من الإحساس إلى العمل مباشرة، فنعى على الذين ينشرون الأخبار بمجرد إحساسهم بها دون أن يترووا، فطلب منهم أن يرجعوا في الحكم على هذه الأخبار إلى الرسول، وإلى العالمين بها منهم، هؤلاء العلماء هم الذين يستطيعون استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الأخبار، فهم الذين يحكمون عليها بعد التفكير بها، لأن استنباطها لا يكون دون تفكير، وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككّم الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَالِ هَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (78) سورة النساء، فهؤلاء أطلقوا القول جزافاً دون تفكير، فقاموا بالعمل وهو القول دون تفكير، مدعين أن النصر من الله، وأن الهزيمة من الرسول، فصحح الله لهم أفهامهم في هذه الآية، مبيناً أن النصر والهزيمة كليهما مخلوقان لله، فمن أخذ بالأسباب التي بينها الله للنصر انتصر كما حصل في غزوة بدر الكبرى، ومن لم يأخذ بأسباب النصر هزم كما حصل للمسلمين في غزوة أحد عندما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوا الجبل قبل انتهاء المعركة.
فلو فكروا بما حصل معهم قبل أن يطلقوا هذا الحكم لأدركوا حقيقة النصر والهزيمة، وما يصيب الإنسان من رخاء وشدة، ولكنهم كما قال تعالى في معرض ذمهم: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) ، وطلب الله من المؤمنين أن يفكروا في كل ما يسمعونه من مصادر مشكوك في صدقها، وأن يتثبتوا من صحة هذه الأخبار قبل الحكم عليها، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ، لأن العقل دون تبين قد يوقع في الخطأ وفي الإثم، والتبين هو إعمال الفكر لمعرفة الحقيقة.
فالعمل حتى يكون صحيحاً وناجحاً وحسب أحكام الإسلام، لا بد أن ينتقل الإنسان قبل الإقدام على العمل من الإحساس إلى الفكر.
ولابد أن يصبح هذا الفكر مفهوماً عند المسلم، من أجل أن يكون العمل تطبيقاً لهذا الفكر، ومن أجل أن يؤثر هذا الفكر في السلوك، فيكون سلوك المسلم تبعاً لمفاهيمه، لأن الفكر وهو حكم على واقع لا يصبح مفهوماً إلا إذا كان لمدلول هذا الفكر واقع مدرك، أو واقع متصور في الذهن.
فعبارة (الصلاة فرض) لها مدلول، وهذا المدلول فكر مأخوذ من الأدلة الشرعية مثل: (وأقيموا الصلاة) ومثل: (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) ومثل: (صلوا كما رأيتموني أصلي). وهذا الفكر لا يكون مفهوماً إلا إذا أدرك المسلم مدلول هذا الفكر بكل جزئيَّاته، كشروط الصلاة وأركانها وحركاتها، وإلا إذا أدرك مدلول الفرضية وهي الطلب الجازم للفعل، والعقوبة المترتبة على ترك هذا الفعل، عندها يصبح هذا الفكر مفهوماً، فإن التزم به المسلم جسده في الواقع كما هو مطلوب، وحينها نعتبر أن هذا المفهوم ضابط لسلوكه في هذا العمل، ولكن المسلم قد يخالف هذا المفهوم، فلا يؤدي الصلاة وعندها نعتبر أن سلوكه تجاه الصلاة غير منضبط بمفهومه عنها.
ولهذا كان لابد لمن أراد أن يغير سلوك إنسان، أن يغير مفاهيمه، لأن السلوك تابع للمفاهيم، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فلا يتغير واقع مجتمع من المجتمعات من حال إلى حال، من حال الانحطاط إلى حال النهضة، إلا إذا غيروا هم مفاهيمهم عن الحياة.
ثانيا: أن يكون العمل مبنياً على الإيمان:
فالفكر الذي يسبق العمل لابد أن يكون منبثقاً عن وجهة النظر في الحياة، والمسلم حينما يقدم على عمل أو يحجم عن عمل، يجب أن يكون هذا الإقدام وذلك الإحجام مبنياً على إيمانه بأن هذا العمل يرضي الله، وذلك العمل يسخط الله، فهو يقوم بالعمل لأن الله أمر به، ويمتنع عن القيام به لأن الله نهى عنه، وهذا معنى أن يكون العمل مبيناً على الإيمان، لأن المسلم عندما يدرك أثناء قيامه بالعمل أن الله هو الذي أمر بالعمل يندفع بحماس ورضى في عمله، وهذا هو مزج المادة بالروح، لأن العمل الإنساني مادة فقط، وإدراك صلته وصلة العمل بالله هو الروح.
وقد ربط القرآن الكريم بين العمل الصالح وبين الإيمان في كثير من الآيات، قال تعالى: (إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض)، وقال: (ومن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) .
فإن استحضر المسلم الربط بين العمل والإيمان بالله حين قيامه بالعمل سيطر عليه الجو الإيماني خلال قيامه بالعمل، لأن قيامه بالعمل وهو يدرك أنه مخلوق لخالق، وأنه يقوم بعمله حسب أوامر هذا الخالق، يجعله يشعر بالسعادة، وهي نيل رضوان الله، وهذا الشعور هو الجو الإيماني. قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه). وقال: (الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى)، فأقصى ما يسعى إليه المسلم من أعماله هو ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى.
وإن ربط الفكر بالإيمان، يجعل الفكر عند المسلم مفهوماً ولاسيما إن كان الواقع الذي يدل عليه الفكر غير محسوس لدى المسلم، كالجنة والملائكة، إلا أن الإيمان بأن القرآن كلام الله وهذا الكلام اليقيني المقطوع بصدقه أخبر بأن هناك جنة ونار وملائكة وجناً، فنتيجة هذه الأخبار أصبح لمدلول هذه الأفكار واقع متصور في ذهن المسلم. لذلك أصبحت الأفكار عند المسلم مفاهيم تؤثر في سلوكه. فربط العمل بالإيمان يجعل الفكر الذي يقام بالعمل على أساسه مفهوماً.
يتبع