تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إقتداء المجاهدين بغلظة السلف على المرتدين



ابن حزم
02-03-2008, 06:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.

هم أولئك الذين جاهدوا المنقلبين على أعقابهم الذين لم يضروا الله شيئاً، وسخرهم لنصرة دينه وحفظ أركانه؛ أبي بكر وأصحابه رضي الله عنهم أحمعين، فيهم أولياء الله وخاصته، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي ... الحديث).

وقال فيهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات).

الذين حفظوا سنن النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في كل صغيرة وكبيرة، وعملوا بها، ويلغوها.

ومن ذلك ما أمرنا الله عز وجل به من قتال الكافرين والمرتدين والمحاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، باليد واللسان سواء، والغلظة عليهم، وأن لا تأخذهم فيهم رأفة ورحمة، لأنهم صدوا عن سبيل الله فضلوا وأضلوا كثيراً، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين} .

وهاهي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بين أيدينا، حيث كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا حمي البأس ولقوا القوم، تجدهم وراء النبي صلى الله عليه وسلم، واتقوا به، حيث كانوا يلوذون به وهو أقرب الناس للعدو، وكان من أشدهم بأساً في القتال.

فهو أرحم الخلق وأرأفهم بهم، كما قال تعالى عنه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال عنه كذلك: {ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.

ولا يوجد من هو أرحم بهذه الأمة منه...

ولكن ماذا فعل بالعرنيين؟ الذين شكوا إليه المرض فأرسلهم للتداوي من ألبان الإبل وأبوالهم، فأرتدوا عن الإسلام بعدما شفوا، وقتلوا الراعي وساقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم، وجئ بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وشمل أعينهم - وفي أخرى: كحل، أي؛ أحمى المسامير وأحرق أعينهم - وألقاهم في الحرة، ومنع عنهم الماء، حتى إن أحدهم كان يرتشف الأرض بفيه عطشاً، حتى ماتوا.

واعلموا أنه ما أنزل الله في القرآن من آية، وما جاءت في الأحاديث الصحيحة الثابتة من السنة؛ إلا وقد عمل بها قوم، وسيعمل بها آخرون - أحب من أحب وكره من كره -

فمن كان من الشاكرين الثابتين على هذا الدين، والمنافحين المصابرين على هذا المنهج القويم، الذين يحبهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يجاهد كل من المنقلبين على أعقابهم، الذين خرجوا على هذا الدين وصدوا عن سبيل رب العالمين، ويغلظ عليهم.

كحال هؤلاء الطواغيت المرتدين، أعداء الدين، الذين انسلخوا عن الإسلام بالكلية - وإن صلوا وصاموا وزعموا أنهم مسلمين - وانتسبوا إلى الكفار وأفكارهم الرديئة، ووضعوا القوانين الوضعية، وأتبعهم الناس فيها، ورضوا في دينهم بالدنية، فهدموا المساجد التي كانت تصدع بالحق، وقاتلوا أهلها، وفتحوا أبواب الفساد والمنكرات على مصراعيها، وأحلوا دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، فقتلوا وأسروا وانتهكوا الأعراض، فهم اليوم ينكلون بإخواننا المساجين أشد التنكيل، ويفعلون بهم الأفاعيل... نسأل الله أن يعذبهم بأيدينا في الدنيا قبل الآخرة، ويشف صدورنا ويذهب غيظ قلوبنا.

ثم كيف لا نغلظ عليهم أو نسعى جاهدين للانتقام لإخواننا، فضلاً عن القتال لنصرة هذا الدين، وحفظ بيضة الإسلام والمسلمين؟! قال تعالى: {ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة، أتخشونهم؟! فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين * قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخرهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم} .

فهذا تهييج من الله تعالى، وتحريض وإغراء على قتال الكافرين، والتنكيل بهم، وعلى رأسهم هؤلاء المرتدين.

وكذلك فعل السلف الصالح من الصحابة والتابعين - خير الناس للناس -

حيث كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد، يحرضه حين جاءه الخبر؛ بأنه كسر طليحة ومن معه، فقال: (ليزدك ما أنعم الله به خيراً، واتق الله في أمرك فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، جد في أمرك ولا تلن، ولا تظفر بإحد من المشركين إلا نكلت به، ومن أخذت ممن حاد الله أو ضاده ممن ترى أن في ذلك صلاحاً؛ فأقتله).

فأخذ خالد رضي الله عنه يطلب هؤلاء شهراً، يأخذ بثأر من قُتل من المسلمين الذين كانوا بين أظهرهم حيث ارتدوا، فمنهم من حرقه بالنار، ومنهم من رضخه بالحجارة، ومنهم من رمي من شواهق الجبال.

ثم استدعى خالد مالك بن نويرة، وأخبره عما صدر منه من متابعة سجاح - التي ادعت النبوة - وعلى منعه الزكاة، وقال: (ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟)، فقال: إن صاحبكم يزعم ذلك! فقال خالد : (أهو صاحبي وليس بصاحبك؟! يا ضرار! أضرب عنقه)، فضرب عنقه، وأمر برأسه؛ فجعل مع حجرين، وطبخ على الثلاثة قدراً.

كل هذا ليعتبر بهم من يسمع خبرهم ممن ارتد من العرب، فكان خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه؛ بحق سيف الله على المشركين والمرتدين، استعمله الصديق رضي الله عنه على قتالهم، فشفى واشفى.

وهذا زيد بن الخطاب رضي الله عنه في قتال أهل اليمامة، يحرض الصحابة على القتال فقال: (أيها الناس! عضوا على أضراسكم، وأضربوا في عدوكم، وامضوا قدماً) .

وهذا ابن أبي قحافة الصديق رضي الله عنه يقول: (حرق فجاءة بالبقيع).

وسببه أنه قدم عليه، فزعم إنه أسلم، وسأله أن يجهز معه جيشاً يقاتل أهل الردة، فجهز معه جيشاً، فجعل لا يمر بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله، فلما سمع به الصديق بعث وراءه جيشاً، فرده، وعندما تمكن منه بعث به إلى البقيع، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار، فحرقه وهو مقموط.

وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه، إذ يحرض الصحابة على قتال الخوارج أعداء الله، لم يتوانوا في ذلك لحظة، وما فعله بالشيعة لخير دليل على هذا الخُلق؛ حيث أضرم ناراً وألقاهم فيها.

لقد كان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظة على المرتدين وغيرة على هذا الدين، ولو كانوا في هذا الزمان لما جلسوا لحظة أو تعطلوا ساعة عن قتالهم والتنكيل بهم.

فنحن إذن على آثارهم لمقتدون، وعلى إحياء سنتهم لعازمون، وإننا لمصرون على التقتيل والتحريق والتمثيل بأعداء الله - قصاصاً باخواننا رحمهم الله - والغلظة عليهم، وكل ما فعله السابقون الأولون في حق الخارجين عن شريعة رب العالمين.

حتى - والله - لو وجدنا سنة أخرى في شدة القتال وإرهاب العدو لا نعلمها لسارعنا إلى العمل بها وإحيائها، حتى نكون حقاً من السلفيين ومن التابعين للصحابة بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً، ذلك الفوز العظيم.

وما العمليات التي يقوم بها إخواننا حفظهم الله في مناطق عديدة؛ من تفجير وتدمير للعديد من مراكز الطواغيت المحصنة وأوليائهم وأعوانهم، والتنكيل بهم وضربهم في الصميم، لأكبر دليل على غلظة المجاهدين في حق الخارجين عن هذا الدين، والاقتداء بسلفهم الصالح.

كما قال تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}، وقال: {حتى إذا اثخنتموهم} .

وسنحرض من أجل البقاء على هذا الطريق - الذي كان عليه الصديق وخالد وسائر الصحابة معهم رضي الله عنهم -

واننا لم نشف صدورنا بعد، إذ لم نبلغ ما بلغه الصحابة من القتل، حيث قتلوا رضي الله عنهم في معركة اليمامة من بني حنيفة قريباً من عشرة آلاف مقاتل، وقيل؛ واحد وعشرين ألفاً، وقتلوا في يوم واحد؛ أربعة عشر ألفاً، سبعة آلاف صباحاً، وأخرى عشياً.

وأنه لما استدعى أبو بكر رضي الله عنه؛ خالد بن الوليد، فقدم عليه في المدينة، وقد لبس درعه التي من حديد، وقد صدئ من كثرة الدماء، وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء.

وكذلك علي بن أبي طالب في خلافته، حيث قتل في معركة واحدة؛ أكثر من أربعة آلاف من الخوارج، ولم ينج منهم إلا أربعة مائة، وذلك لأنهم لم يجدوا رؤوسهم من كثرة الجثث التي كانت بعضها على بعض.

وكذلك فعل التابعون مع الخوارج، إذ أخذت رؤوسهم، ووضعت في طريق المسجد الكبير في دمشق، وجعلت أدراجاً.

وكل هذا لم نزل بعيدين عنه اليوم.

فهذه سنة الصحابة رضوان الله عليهم وطريقتهم ومنهجهم لمن أراد أن يكون سلفياً حقاً، بل هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا أمره الله تعالى في سورة التوبة والطلاق، حيث قال: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبأس المصير}.

وهي صفة المؤمنين الصادقين الصابرين السائرين على هذا المنهج، حيث قال تعالى عنهم في سورة الفتح: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا}.

فعليكم إخواني المجاهدين أن تواصلوا الإثخان في هؤلاء المفسدين، الأرجاس، الأنجاس، والتقرب إلى الله بضرب رقابهم، والتنكيل بهم، كما قال تعالى: {أما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}، راجين بذلك رضى الله تعالى والفوز بجنات النعيم مع النبيين والصدقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.


{ولتعلمن نبأه بعد حين}