تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كتابة الحديث في عصر الصحابة



fakher
08-29-2002, 10:55 AM
تدرجت علوم الحديث عبر التاريخ ، ومرت بمراحل وأطوار متعددة حتى عصرنا الحاضر ، وأول هذه المراحل والأدوار دور النشأة ، وذلك في عصر الصحابة الممتد إلى نهاية القرن الأول الهجري .

وقد توفرت للصحابة رضي الله عنهم عوامل عدة ، كانت من أهم الأسباب والدواعي لحفظ الحديث ، ومن هذه العوامل

صفاء أذهانهم وقوة قرائحهم ؛ فقد كانت العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ، والأمي يعتمد على ذاكرته لتسعفه حين الحاجة .

ومنها قوة الدافع لهم على حفظ الحديث ، حيث أيقنوا أن هذا الدين هو سبب سعادتهم وعزهم في الدنيا ، وفوزهم في الآخرة ، فتلقفوه بغاية الحرص والاهتمام ، وزاد من هذا الدافع في نفوسهم تحريضه صلى الله عليه وسلم على حفظ حديثه وأدائه إلى الناس في أحاديث كثيرة تدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بذلك وتكرار الوصية به ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) أخرجه أبو داود وغيره . ومن العوامل الوسائل التربوية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبعها في إلقاء الحديث على الصحابة مما سهل عليهم حفظه ، فلم يكن يسرد الحديث سردًا متتابعًا ، بل يتأنى في إلقاء الكلام ليتمكن من الذهن ، ولم يكن يطيل الأحاديث ، بل كان كلامه قصدًا ، وكثيرًا ما كان يعيد الحديث لتعيه الصدور .

ومن أهم الوسائل المهمة التي سلكها الصحابة في حفظ الحديث الكتابة ، على الرغم مما وقع فيها من اختلاف الروايات ، وتباين الوجهات ، حتى صُنّفت فيها التآليف في القديم والحديث .

وخلاصة ذلك أن تقييد الحديث وكتابته مر بمرحلتين :

المرحلة الأولى :

مرحلة جمع الحديث في صحف خاصةٍ بمن يكتب ، دون أن تتداول بين الناس ، وهذه بدأت منذ عهده صلى الله عليه وسلم وبإذنه .

المرحلة الثانية :

الكتابة التي تكون مرجعًا يُعْتَمَد عليه ، ويتداولها الناس فيما بينهم ، وهذه بدأت من القرن الثاني للهجرة ، وفي كلٍّ من هاتين المرحلتين كانت الكتابة مجرد جمع للأحاديث في الصحف من غير مراعاة لتبويب أو ترتيب معين ، ثم جاء دور التصنيف الذي اتخذت فيه الكتابة طابع التبويب والترتيب من منتصف القرن الثاني ، وبلغ أوجه وذروته في القرن الثالث المعروف بعصر التدوين كما سيأتي في مواضيع لا حقة .

ومما ورد كتابته من الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :

1- الصحيفة الصادقة : التي كتبها عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد انتقلت هذه الصحيفة إلى حفيده عمرو بن شعيب ، وأخرج الإمام أحمد في مسند عبد الله بن عمرو من كتابه المسند قسمًا كبيرًا من أحاديث هذه الصحيفة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

2- صحيفة علي بن أبي طالب : وهي صحيفة صغيرة تشتمل على العقل - أي مقادير الديات - وعلى أحكام فكاك الأسير.

أخرج نبأها البخاري وغيره عن أبي جحيفة قال : قلت هل عندكم كتاب ؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة . قال قلت : فما في هذه الصحيفة ؟ قال العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر.

3 - صحيفة سعد بن عبادة ، فقد أخرج الترمذي في سننه ، عن ابن سعد بن عبادة قوله : وجدنا في كتاب سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين والشاهد .

4 - كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه وعماله ، فيما يتعلق بتدبير شؤون الأقاليم الإسلامية وأحوالها ، وبيان أحكام الدين ، وهي كتب كثيرة تشتمل على مهمات أحكام الإسلام وعقائده ، وبيان الأنصبة والمقادير الشرعية للزكاة ، والديات والحدود والمحرمات وغير ذلك ، ومن هذه الكتب :

أ- كتاب الزكاة والديات الذي كاتب به أبو بكر الصديق وأخرجه البخاري في صحيحه ، فقد روى أبو داود و الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه حتى قبض .

ب- كتابه لعمرو بن حزم عامله على اليمن ، بين فيه أصول الإسلام ، وطريق الدعوة إليه ، والعبادات وأنصبة الزكاة والجزية والديات .

ج- كتابه إلى وائل بن حجر لقومه في حضرموت ، وفيه الأصول العامة للإسلام ، وأهم المحرمات .

5- كتبه صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ككتابه إلى هرقل ملك الروم ، وإلى المقوقس بمصر ، وغيرهم .

6 -عقوده ومعاهداته التي أبرمها مع الكفار ، كصلح الحديبية ، وصلح تبوك ، وصحيفة المعاهدة التي أُبرمت في المدينة بين المسلمين وبين من جاورهم من اليهود وغيرهم .

7 - كتب أمر بها صلى الله عليه وسلم لأفراد من أصحابه لمناسبات ومقتضيات مختلفة ، مثل كتابة خطبته لأبي شاهٍ اليماني .

وغير ذلك مما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم مما لم نحصه هنا ، أو لم نحط به علمًا ، وهو كاف لإثبات تواتر الكتابة في عهده صلى الله عليه وسلم وإثبات أن ما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم تناول قسمًا كبيرًا من حديثه ، هو أهم هذه الأحاديث وأدقها لاشتمالها على أمهات الأمور ، وعلى أحكام دقيقة تتعلق بالأرقام تحتاج إلى ضبط دقيق ، مما يجعل الكتابة عنصرًا هامًا في حفظ الصحابة للحديث ، ينضم إلى العوامل الأخرى ليدعمها ويؤازرها في تحقيق تحمل الصحابة للحديث النبوي تحملاً حافظًا أمينًا كافلاً بأن يؤدوه بعد ذلك كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

المرجع: منهج النقد في علوم الحديث د.نور الدين عتر بتصرف

سـمـاح
06-05-2008, 07:31 AM
كتابة الحديث في القرن الثاني

الدور الثاني من أدوار علوم الحديث هو دور التكامل ويمتد من مطلع القرن الثاني إلى أول الثالث ، وقد اكتملت علوم الحديث في هذا الدور ووجدت كلها واحدًا واحدًا ، وخضعت لقواعد تداولها العلماء وتعارفوا عليها ، وتميز هذا العصر بأمور أهمها :
الذهبي في تذكرة الحفاظ .


ولذلك نهض أئمة الإسلام للتعامل مع هذه المتغيرات ، والتصدي لها ، ونتج عن ذلك ما يلي :

1.ضعف ملكة الحفظ في الناس ، كما نص على ذلك 2.طول الأسانيد وتشعبها بسبب بعد العهد وكثرة حملة الحديث ، فقد حمل الحديث عن كل صحابي جماعات كثيرة تفرقوا في البلاد ، فكثرت الأحاديث ، ودخلتها القوادح الكثيرة ، والعلل الظاهرة والخفية .

2. توسع العلماء في الجرح والتعديل ونقد الرجال ، لكثرة شيوع الضعف من جهة الحفظ ، ومن جهة انتشار الأهواء والبدع ، فتفرغ جماعة من الأئمة لنقد الرجال واشتهروا به ، 3. توقفوا في قبول الحديث ممن لم يعرف به ، أخرج 4. تتبعوا الأحاديث لكشف خباياها ، ووضعوا لكل صورة جديدة قاعدة تعرِّفها وتبين حكمها ، فتكاملت أنواع الحديث ، واتخذت اصطلاحاتها الخاصة بها ، ووجدت العناية بسبر الروايات وتتبعها لكشف علل الحديث ، وشهد هذا القرن نشاطًا زائدًا في الرحلة من أجل هذا الغرض ، حتى اعتبرت الرحلة من ضرورات التحصيل لطالب الحديث ، فلا تعلم محدثًا له شأنه إلا وقد رحل في البلاد في طلب الحديث ، وأفاد العلماء من رحلاتهم هذه فوائد كثيرة ، حيث اطلعوا على ما نشره الصحابة في شتى الآفاق ، ووازنوا بين الأسانيد والمتون ، مما تفرع عنه كثير من الفوائد ، واحتل الرحالون في سبيل العلم مكانة مرموقة في المجتمع العلمي ، حتى صار لقب الرحال ، والرحالة ، والجوال ، وإليه كانت الرحلة .... شعارًا على كبار المحدثين ، وطوف كثير منهم بالشرق وبالغرب أكثر من مرة ، وتناقل الناس أخبار رحلاتهم ، وما صادفهم من المشاق والعجائب بالإكبار والإجلال .

3.كثرة الفرق المنحرفة عن جادة الصواب ، وعن المنهج الذي كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان ، كالخوارج والرافضة والمعتزلة والجبرية وغيرهم . 1.التدوين الرسمي : فقد أحسّ عمر بن عبد العزيز بالحاجة الملحة لحفظ السنة ، فكتب إلى الأمصار أن يكتبوا ما عندهم من الحديث ويدونوه حتى لا يضيع بعد ذلك .
أخرج البخاري أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن حزم : انظر ما كان من الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فاكتبه ، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء .
فكتب الزهري وأبو بكر بن عبد الرحمن وغيرهما ما في آفاقهم من الحديث .
ولم يلبث التدوين المبوب أن انتشر ، فجمعت الأحاديث في الجوامع والمصنفات ، كجامع معمر بن راشد(154) ، وجامع سفيان الثوري (161) ، وجامع سفيان بن عُييَنة (198) ، وكمصنف عبد الرزاق (211) ، ومصنف حماد بن سلمة (167) ، ووضع الإمام مالك كتابه (الموطأ) ، وهو أصح التآليف آنذاك ، لكن أحاديثه قليلة قدرت بخمسمائة حديث ، وقد ذكر فيه أقوال الصحابة والتابعين ، وقلده كثير من الناس حتى بلغت الموطآت الأربعين وعُنيَ مالك بانتقاء أحاديث الموطأ ، حتى قال الإمام الشافعي : ما على أديم الأرض بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك.
وقد أخرجوا في هذه التآليف الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع ، لأنهم قصدوا جمع الحديث للمحافظة عليه ، فلذلك توسعوا وذكروا في المسألة كل ما ورد ونقلوه بأسانيدهم إلى قائله .
كشعبة بن الحجاج (160) ، وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي (198) وغيرهم .
مسلمفي مقدمة صحيحه عن أبي الزناد قال : أدركت بالمدينة مائةً كلُّهم مأمون ، ما يؤخذ عنهم الحديث ، يقال: ليس من أهله .

وكان الإمام الزهري أول من عُنيَ في هذا القرن بجمع الضوابط وإلقائها إلى الناس ، وأمر أتباعه بجمعها ، حتى عده البعض واضع علوم الحديث .
لكن تلك العلوم والضوابط التي وجدت حتى عصرهم ، كانت محفوظة في صدور الرجال لم يدون شيء منها في كتاب - فيما نعلم فضلاً عن أن يجمعها ويضبط قواعدها مصنف خاص - اللهم إلا ما وجدنا للشافعي رحمه الله من فصول وأبحاث متفرقة لها أهميتها في هذا الفن .
فقد تكلم في الرسالة عن الحديث الذي يحتج به ، وشرط فيه شروط الصحيح ، وتكلم في شرط حفظ الراوي ، والرواية بالمعنى ، والمدلس وقبول حديثه ، كما أنه ذكر في " الأم " الحديث الحسن ، وتكلم في الحديث المرسل وناقش الاحتجاج به بقوة ، وبحث في غير ذلك من علوم الحديث ، فكان ما كتبه الشافعي أول ما بلغنا من علوم الحديث مدونًا في كتاب .


المرجع:
منهج النقد في علوم الحديث د . نور الدين عتر بتصرف

سـمـاح
06-05-2008, 07:38 AM
كتابة الحديث في القرن الثالث

هذا هو الدور الثالث من الأدوار التي مرت بها السنة وعلوم الحديث ، ويمتد من القرن الثالث الهجري إلى منتصف القرن الرابع ، والقرن الثالث هو عصر التدوين وهو عصر السنة الذهبي الذي دونت فيه السنة وعلومها تدوينًا كاملاً .

ففي مطلع هذا القرن ارتأى العلماء إفراد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالتصنيف ، فابتكروا لذلك (المسانيد) التي جمعوا فيها الحديث النبوي مرتبًا بحسب أسماء الصحابة ، فأحاديث أبي بكررضي الله عنه مثلاً تجمع كلها في مكان واحد ، تحت عنوان مسند أبي بكروكذا أحاديث عمر وهكذا .

ثم جاء البخاري فرأى إفراد الحديث الصحيح وأن يرتب على الأبواب لتسهيل الوصول إليه والفقه فيه ، فوضع كتابه الجامع الصحيح ، وجاء بقية الستة فوضعوا كتبهم على الأبواب ، وراعوا حسن الاختيار ، وإن كان أصحاب السنن لم يشترطوا الصحة ، وهكذا كان لمدرسة البخاري الفضل العظيم على السنة بما صنفت في رواية الحديث وفي علوم الحديث ، ثم تبع الشيخين في اشتراط الصحة ابن خزيمة(311هـ) ، ثم ابن حبان(354هـ) .

وفي هذا العصر أصبح كل نوع من أنواع الحديث علمًا خاصًا ، مثل علم الحديث الصحيح ، وعلم المرسل ، وعلم الأسماء والكنى ، وهكذا ، فأفرد العلماء كل نوع منها بتأليف خاص .
وكتب يحيى بن معين(234هـ) في تاريخ الرجال ، ومحمد بن سعد(230هـ) في الطبقات ، وأحمد بن حنبل (241هـ) في " العلل ومعرفة الرجال ".. والناسخ والمنسوخ ، ونبغ في التأليف والكتابة الإمام العلَم علي بن عبد الله المديني(234هـ) ، شيخ البخاري ، فقد ألف في فنون كثيرة جدًا ، حتى بلغت مؤلفاته المائتين ، وكان له السبق في تصنيف كثير منها ، حتى قيل : إنه ما من فن من فنون الحديث إلا ألف فيه كتابًا .

وأصبح التصنيف أمرًا متبعًا لا ينفك عنه إمام في الحديث ، والأئمة أصحاب الكتب الستة كلهم لهم تآليف كثيرة في علوم الحديث ، وكذلك فعل غيرهم وكانت تآليفهم تحمل اسم العلم الذي دونت فيه ، حتى شمل التدوين كل نوع من أنواع علوم الحديث ، وجُعِل في كتاب مفرد ، وصار يقال لهذه العلوم المتفرقة (علوم الحديث ) .

واستوفى العلماء المتون والأسانيد دراسة وبحثًا ، واشتهرت الاصطلاحات الحديثية لكل نوع من أنواع الحديث واستقرت بين العلماء ، كما يلاحظ ذلك من كتاب الترمذيوغيره .
لكن لم يوجد في هذا الدور أبحاث تضم قواعد هذه العلوم ، وتذكر ضوابط تلك الاصطلاحات ، اعتمادًا منهم على حفظهم لها وإحاطتهم بها ، سوى تأليف صغير هو كتاب " العلل الصغير " للإمام الترمذي(279هـ) فإنه وإن جعله مؤلفه خاتمة لكتاب الجامع ، فقد أفرده بالتحديث ، وحمله عنه العلماء جزءًا مستقلاً ، لما اشتمل عليه من الفوائد ، وهو كتاب جامع لمهمات من المسائل في الجرح والتعديل ، ومراتب الرواة ، وآداب التحمل والأداء ، والرواية بالمعنى ، والحديث المرسل . وتعريف الحديث الحسن ، وتعريف الحديث الغريب وشرح هذا التعريف .


المرجع:
منهج النقد في علوم الحديث د . نور الدين عتر بتصرف

سـمـاح
06-05-2008, 07:44 AM
علوم الحديث من القرن الرابع إلى أوائل القرن السابع

هذا الدور يمكن أن يعرف بأنه دور التآليف الجامعة وظهور فن علوم الحديث مدونًا ، ففي هذه الفترة أكب العلماء على تصانيف السابقين التي كانت تجربة أولى في التدوين ، فجمعوا ما تفرق في مؤلفات الفن الواحد ، واستدركوا ما فات السابقين ، معتمدين في كل ذلك على نقل المعلومات عن العلماء بالسند إليهم كما فعل سابقوهم ، ثم التعليق عليها والاستنباط منها. فوجدت كتب في علوم الحديث لا تزال مراجع لا يغني عنها غيرها ، ومن أهمها :

1. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ، ألفه القاضي أبو محمد الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد المتوفى سنة (360 ) .
وهو أكبر كتاب وضع في علوم الحديث حتى ذلك العصر ، استوفى فيه مؤلفه البحث في آداب الراوي والمحدث ، وطرق التحمل والأداء ، واجتهاد المحدثين في حمل العلم ، وما يتعلق بهذا الفن من الأمور ، فهو في الحقيقة من كتب علوم الحديث بمعناه الإضافي لا باعتبار كونه اسمًا ولقبًا للعلم الخاص المعروف .

2. الكفاية في علم الرواية ، للخطيب البغدادي أبي بكر أحمد بن علي المتوفى سنة (463هـ) ، وقد استوفى فيه البحث في قوانين الرواية ، وأبان فيه عن أصولها وقواعدها الكلية ، ومذاهب العلماء فيما اختلفت آراؤهم فيه ، ولا يزال حتى يومنا أعظم كتاب في هذا الباب .

3. الإلماع في أصول الرواية والسماع ، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى (سنة 544هـ ) وهو كتاب مفيد جدًا .
فهذه المراجع وسواها مما صنف في ذلك العصر في كل نوع من أنواع علوم الحديث أصبحت المراجع الأصلية في هذه الفنون ، بنى عليها اللاحقون بأن حذفوا أسانيدها وتلافوا أوهامًا يسيرة فيها ، واستدركوا زيادات أضافوها إليها .
وفي هذا الدور وضعت التآليف الجامعة لأنواع الحديث ، ونما التدوين في فن علوم الحديث ، ومن أهم ما صنف في ذلك :

1. معرفة علوم الحديث ، للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المتوفى سنة ( 405هـ ) ، بحث فيه اثنين وخمسين نوعًا من علوم الحديث ، وقد طبع في مصر سنة 1937م .

2. المستخرج ، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى سنة (430هـ ) ، زاد فيه على الحاكمأشياء فاتته ، ولذلك سماه مستخرجًا ، ومع ذلك فقد تركا أشياء للمتعقب .

3. ما لا يسع المحدث جهله ، للميانجي أبي حفص عمر بن عبد المجيد المتوفى سنة (580هـ ) وهي رسالة مختصرة .
وكان أبرز الأعلام الذين شيدوا بنيان علوم الحديث في هذا الدور واعتمد عليهم من جاء بعدهم : الحاكم النيسابوري والخطيب البغدادي .

أما الحاكم فقد شق الطريق لمن بعده بوضع كتابه المذكور ، قال ابن خلدون : " ومن فحول علمائه - يعني علوم الحديث - وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه مشهورة ، وهو الذي هذبه وأظهر محاسنه " .

وأما الخطيب فإنه قد صنف في كل فن من فنون الحديث كتابًا مفردًا جامعًا مستوفيًا ، حتى أضحت كتبه ملاذ الأئمة في فنون الحديث ، كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة : " كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه " .

وكان طابع الجمع في هذه التآليف بارزًا ظاهرًا ، فقد عمد المصنفون إلى نقل أقوال أئمة الفن في كل مسألة بأسانيدهم ، ووضعوا لكل مجموعة منها عنوانًا يدل على مضمونها ، معتمدين على القارىء في فهمها وإدراك مراميها ، سوى شيء يسير من الإيضاح أو المناقشة ، إلا أن الحاكم قصد ضبط القواعد ، لكن فاته كما ذكر العلماء أمران :
- استيعاب أنواع الحديث
- وتهذيب العبارات وضبطها حتى يتضح المراد من التعريف .

المرجع :
منهج النقد في علوم الحديث د.نور الدين عتر بتصرف