تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : السلفية التي نحب ونعرف



فـاروق
01-28-2008, 11:39 PM
السلفية التي نعرف ونحب - 1

الشيخ محمد الغزالي

الهداة المبلغون عن الله جمّ غفير من بدء الخليقة إلى ختام النبوات بصاحب الرسالة العظمى، تلك الرسالة التي سوف تصحب العالم حتى يومه الأخير..
وهؤلاء الهداة تتفاوت أنصبتهم فيما أحرزوا من نجاح، وفيما أُوتوا من مواهب، مثلما تتفاوت نجوم السماء قدرًا وسنى..!!
نعم، هناك نبي دعا فما استجاب له أحد، وهناك من دعا فلباه نفر قلائل، وهناك من نجح في هداية قرية متوسطة العمران والسكان، وهناك من قدر على تربية جيل مضى على الدرب قليلاً ثم أدركه الإعياءُ فتوقف..
وهناك من بلغ الحق واستحفظه صحبه، وما هي إلا سنون طويلات أو قصيرات حتى تسرب الحق من أيديهم، فتلاشى مع الزمن، وحل مكانه باطل خدّاع..
ولكن من خمسة عشر قرنًا ظهر إنسان فذّ، رمق ببصيرته القرون الماضية والقرون الآتية، وأمده الله بروح من عنده، فإذا هو يتحرك في صحراء الجزيرة حاملاً البلاغ المبين، كانت الظلمة كثيفة والخصومة ملتهبة، وكسف الضلالة تتراكم في الشرق والغرب، وكأنما نجح إبليس في إغواء البر والبحر فما يبدو بصيص أمل.
على أن الرسول العربي الملهم، بدأ عمله بعزم يفل الحديد، وشرع في تكوين الرجال الذين يؤمنون به، ويجاهدون معه، وأفلست كل المقاومات في ثنيه عن وجهته، لقد مزق الحجب المسدلة على الفطرة، وانتعش العقل من غيبوبة رضّته بالوثنية المخرّفة، وصاح في القلب الإنساني: ألا تستحي من البعد عن الذي خلق فسوى وقدر فهدى..وأبصر الرجال من حوله الطريق، فالتقوا به واستمدوا من صلابته بأسًا في إحقاق الحق وإبطال الباطل:
(كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) (الرعد:30)
وتلاوة الرسوم ليست قراءة مجردة على نحو ما نألف!، إن تلاوته دليل عمل ورسم منهج وإيضاح خطة، كما يعلن في زماننا أي حزب عن برنامجه العام وإن كان الفرق بعيدًا.
ومنهاج الرسالة الخاتمة تغيير العالم أجمع، والعُدة من روحه، وفقّههم في كتابه، وجعل منهم – صلى الله عليه وسلم – أساتذة أُولئك الأصحاب الذين نفخ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم فن الحكم، ورعاية الجماهير، وحماية الحقوق، وتزكية السرائر، وبناء الأخلاق الحسنة، ودعم التقاليد الجميلة. وذلك كله في سياج من التوحيد المحض والعبادة النقية..
هذا الجيل القوي الوفي الزكي!، لا يدري أحد كيف صنع محمد صلى الله عليه وسلم ، ماذا سكب في أفئدتهم من تقوى وفداء، وشهود لعظمة الله وإقبال على الدار الآخرة، لا يدري أحد قوة الدفع وراء هذا الجيل الذي هزم فتن الحياة، وكيد الجبابرة، واستطاع بعظمة رائعة أن يُسلّم القرآن الكريم للأجيال التابعة دينًا ودولة، وأن يجنّبه ما عرا الكتب الأولى من تحريف وتصحيف.
أولئك هم سلفنا الصالح، الصالح لقيادة الحياة، وإرث الآخرة، عن جدارة لا عن دعوى..أُصارح أنني معجب بمحمد صلى الله عليه وسلم بتربيته لهم وبجهادهم معه ومن بعده لاستبقاء الحق في الأرض، ونفع العالمين به. وما أكبر دينهم في رقابنا! ألا ما أعظم صحابة وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم في الأوّلين والآخرين.
والآن بعد مسيرة طويلة للإنسانية أنظر إلى نفسي ومن حولي، فأجد الشبه قريبًا بين أعداء محمد في الأولين وأتباعه في الآخرين. على حين أجد الشبه بعيدًا بين أتباع محمد في الأولين وأتباعه في الآخرين.
إنهم عندما قدموا كلمة التوحيد للناس قدموها على أنها فكاك لأعناقهم من الوثنيات الدينية والاجتماعية والسياسية، فلا مكان في ظل الإسلام لفرعونية حاكمة، ولا قارونية كانزة، ولا كهنوتية موجهة، ولا جماهير ذلول الظهر لكل راكب أو مستغل، ومن خلال تعاليم الكتاب والسنة أدرك الناس دون تكلف ولا تقعر أن الحريات موطدة وأن الحقوق مصونة، وأن العقل ينبغي أن يفكر دون قيد، وأن أشواق الفطرة تلبي دون حرج، وأن الدولة في الإسلام مع المظلوم حتى ينتصف وعلى الظالم حتى يعتدل، وأن الصيحة الوحيدة التي يصحو عليها النائم ليصلي، ويصغي إليها المرهق قبل أن يدلف إلى فراشه ليرقد هي “الله أكبر الله أكبر” فجرًا وعشاءً.
هذه هي الدنيا كما فهمناها من ديننا، بيد أن العالم الإسلامي لا يعرف هذه المعالم في دنياه، وقد يسمع عن شيءٍ منها في العالم الذي لا يعرف الإسلام.
ومما يثير الدهشة أن ناسًا من المتحدثين في الإسلام لا يعرفون عن هذه المعالم شيئًا يُذكر، وعندما يتكلمون في الدعوة الإسلامية لا يعرجون من قريب ولا بعيد على هذه المعالم..
إنني لا أُكلفهم باعتراض أوضاع فاسدة فهم دون ذلك!
وإنما أكلفهم ببيان الحقائق العلمية، وشرح المقررات الإسلامية وحسب!
منذ أيام قُدِّمَ استجواب في “الكنيست” اليهودي عن مقتل شاب عربي في إحدى المظاهرات، ويظهر أن مقدم الاستجواب من العرب الشيوعيين في “دولة إسرائيل”..
ووقف “مناحم بيجن” يرد في غضب شديد ويقول: تريدون أن تقيموا الدنيا وتقعدوها لمقتل شاب عربي؟! على حين خيم الصمت التام بعد مقتل عشرة آلاف في “مدينة عربية مجاورة” وتسوية ثلث مساكنها بالأرض؟؟
وشعرت بالخزي وأنا أسمع الإجابة، وقلت لرجل يسمع معي” إن “بيجن” هنا ينطبق عليه الحديث المشهور: “صدقك وهو كذوب”.
وإذا كانت مجزرة “هذه المدينة” محنة تقشعر منها الجلود، وتتقرّح العيون، فإن الصمت-الذي لفت نظر السفاح اليهودي “مناحم بيجن” بعد وقوعها- محنة أنكى وأقسى..وقرأتُ في الصحف نبأ هذا الكاثوليكي الذي تبنى ثلاثين ألف طفل مسلم في الصومال لينشئهم على النصرانية بداهة، وقلت: إن جزءًا من المال العربي الضائع في أندية القمار كان يمكن أن يحفظ مستقبل هؤلاء.
وما أكثر يتامانا الذين استولت عليهم مؤسسات التنصير جراء هذا التفريط. الغرابة ليست في وقوع هذه الجرائم على فداحتها! الغرابة في ذهول ناس من المتحدثين في الإسلام عنها، وعن المقدمات النفسية والفكرية التي أدت إليها. إنني أرتاب في عقل هؤلاء أو دينهم

فـاروق
01-28-2008, 11:42 PM
السلفية التي نعرف ونحب - 2


فلنتأمل في ذاتنا نحن المسلمين! إننا نزيد على ألف مليون من البشر، ونسكن أرضًا تمتد بين المحيطين الأطلسي والهادي، وتحتوي على معاقل الممرات العالمية، ونملك ثلث ثروات العالم السائلة والجامدة، وهذه إمكانات تجعل منا أُمة طليعة لا أمة ذَنَبًا.
وقد كان سلفنا أقل عددًا، وأفقر مالا، ويحيا على أرض قفرة معزولة عن الحضارات الإنسانية الكبرى فكيف نجح وساد على حين أخفقنا وتخلفنا؟!
في اعتقادي أن الثقافات المسمومة التي نتناولها، والأحوال المعوجة التي ألفناها هي التي أزرت بنا.!
إن الإسلام يدرس بطريقة جنونية، وشياطين الإنس والجن يحرسون هذه الطريقة حتى تسلم لهم مكاسبهم الحرام وتبقى لهم زينة الحياة الدنيا.
ومع الإحساس العام بضرورة التغيير كي لا نفنى، ومع أننا بصّرنا القاصرين بأسباب الانحراف ومصادر الشر، فإن المستقبل غامض إلا أن يشاء الله.
وفيما كنت أُفكر في هذه الأمور وأمثالها، طرق بابي شاب وكان في عينيه بريق يدل على الذكاء والحماس معًا!
قال: قرأتُ بعض كتبك، ورأيت أن أستكمل معرفتك من أسئلة أُوجهها إليك!
قلت له: حسبك سؤال واحد فلدي ما يشغلني.
قال: ما رأيك في “الفوقية” بالنسبة إلى الله تعالى؟!
ومع تعوّدي لقاء شباب كثير من هذا الصنف إلا أن السؤال فاجأني.
تريثت قليلا ثم شرعت أتكلم: لا أدري كيف أُجيبك؟ أنا مع أهل الإسلام كلهم أُسبح باسم ربي الأعلى وبين الحين والحين يطوف بي من إجلال الله وإعظامه ما أظنني به واحدًا من الذين قيل لهم: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) – (النحل:50)
تسألني عن هذه الفوقية؟ لا أدري!، أنا مع العقلاء الذين يقولون: السماءُ فوقنا والأرض تحتنا، ثم إني بعدما اتسعت مداركي العلمية عرفت أن الأرض التي أسكنها كرة دائرة طائرة، وأنها مع أخوات لها يتسقن في نظام مع أمهن الشمس التي تجري هي الأخرى مع ولدات لها في مجرة معروفة الأبعاد والمدار.
وقد أحصى علماءُ الفلك مجرات كثيرة عامرة بالشموس مثل مجرتنا وحسبوا بعد مطالعات ومتابعات أنهم عرفوا حدود الكون.
ثم كشفت لهم المراصد على مسافة ملايين الملايين من السنين الضوئية أن هناك مجرات أُخرى أسطع ضوءًا وأشد تألقًا.فعرفوا أن الكون أرحب مما يظنون.
أنا لم يهُلني أمر هذه الكشوف، وإنما زاد إعظامي لربي، الذي بنى فأوسع، وذرأ فأبدع، إنه يهب لهذه الأكوان كلها وجودها وبقاءها لحظة بعد أُخرى!.
وأذكر أني رأيت مرة أسرابًا من النمل تحف بقطعة من الحلوى وتسلم فتاتها لأسراب أُخرى، رأيت أُلوفًا تأخذ من أُلوف، فاتجهت إلى السماء وأنا أقول: وثم أُلوف مؤلفة من النجوم الثابتة والكواكب الدوّارة. إن الدقة التي تحكم حياة النمل في جحوره هي الدقة التي تحكم الشموس في داراتها.رؤية تامة هناك وهناك
(له غيب السماوات والأرض أَبصِر بهِ وأَسمِع ما لهُم من دونهِ من وليٍ ولا يُشرِكُ في حُكمِهِ أحدًا) – (الكهف:26)
ما دامت السماءُ محيطة بنا فهي فوقنا وتحتنا، ونحن على أرضنا قد نكون فوق قوم يعيشون على الأرض في جانب آخر منها.وعلى أية حال فالخالق الأعلى له فوقية تقهر الخلائق جميعًا، وتستعلي وتستعلن على الجن والإنس والملائكة وسائر الموجودات.ذاك ما أعرف، ولا أُحب إفساد النُظُم القرآني الكريم بتعاريفٍ ما أنزل الله بها من سلطان.
قال الشاب: ألم تقرأ العقيدة الطحاوية؟ قلت: أُوصى المسلمين أن يقرءوا القرآن، وألا يعملوا عقولهم في اكتناه المغيبات التي يستحيل إدراك كنهها، وكذلك فعل سلفهم الصالح فأفلح.
قال الشاب: كتابك عقيدة المسلم؟ قلت: قررت فيه ما سمعت الآن!.
قال: إنه يتجه مع مذهب السلف ولكنك تبعت في ترتيب العقائد منهج أبو الحسن الأشعري وهو مؤوّل منحرف.قلت: رحم الله أبا الحسن وابن تيمية كلاهما خدم الإسلام جهده، وغفر الله لهما ما يمكن أن يكون قد وقع في كلامهما من خطأ.
اسمع يا بني: لماذا تُحيون الخصومات العلمية القديمة؟ كانت هذه الخصومات ودولة الإسلام ممدودة السلطة خفيفة الضرر، وإنكم اليوم تجددونها ودولة الإسلام ضعيفة، بل لا دولة له، فلم تعيدونها جذعة وتسكبون عليها من النفط ما يزيدها ضرامًا؟
وجِّهوا الأمة إلى كتاب ربها وسُنًّة نبيِّها واشغلوهم بما اشتغل به سلفنا الأول، اشتغل بالجهاد في سبيل الله فاعتز وساد مع ملاحظة أنهم يحررون غيرهم، أما نحن فمُكلَّفون بتحرير أنفسنا.
قال الشاب وهو يتململ: حسبناك من السلف!! قلت: إن انتماء إلى السلف شرف أتقاصر دونه وفي الوقت نفسه أحرص عليه، لقد جئت تسألني عن قضية لو سُئِل عليها الأصحاب-رضي الله عنهم- لسكتوا.
وأغلب الظن أنك تود لو تعثرت في الإجابة حتى تتخذني غرضًا أنت ومن وراءك، فلتعلم أن طهر النفس أرجح عند الله من إدراك الصواب.!
ليس سلفيّا من يجهل دعائم الإصلاح الخلقي والاجتماعي والسياسي، كما جاء بها الإسلام، وأعلى رايتها السلف، ثم يجري هنا وهناك مذكيًا الخلاف في قضايا تجاوزها العصر الحاضر، ورأى الخوض فيها مضيعة للوقت.
أما كان حسبنا منهج القرآن العزيز في تعليم العقائد؟.
في تعريف الناس بربهم نسمع قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو لهُ الأسماءُ الحُسنى) – (طه:8)
والاستجابة الفطرية لدى سماع هذه الآية أن نقول: عرفنا ربنا وما ينبغي له من نعوت الكمال!
ويقول تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفرلذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) – (محمد:19)
والاستجابة الطبيعية لدى تلقي هذا الأمر أن نقول: سمعًا وطاعة، علمنا أن الله واحد، ونستغفره من تقصيرنا في الوفاء بحقوقه.
ثم تتجه بعد ذلك جهود المربين والموجهين إلى تنمية الإيمان النابت في مغارسه الصحيحة حتى يتحول من معرفة نظرية إلى خشية وتقوى وحياء وخشوع، ولا نزال ننميه كما فعل سلفنا الصالح حتى يفعم المؤمن بمشاعر التمجيد، فيقول كما علمه الرسوم الكريم: “يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك”، فإذا واجه الموت في سلام أو حرب لم يجزع بل قال: “غدًا أُلاقي الأحبة محمدًا وحزبه” كما هتف بذلك بلال رضي الله عنه.
أما جعل الإيمان قضايا جدلية فهذا الموت الأدبي والمادي. ولو أن سلفنا مضى مع تيار الجدل ما فتح بالإسلام بلدًا

فـاروق
01-28-2008, 11:47 PM
عقيدة السلف

http://www.alghazaly.org/images/deco.gif إن منهج القرآن الكريم في إنشاء العقائد وإنضاجها خفيف رقيق أخف من الهواء وأرق من الماء، أما بعض الكتب التي تعرض العقائد في كثير من الأعصار والأقطار فعلى نقيض ذلك، وقد ألّفت كتابي “عقيدة المسلم” وأنا متشبع بهذه الأفكار، وأحسب أن الله نفع به كثيرًا.
على أن هناك أمورًا يُقحَم فيها السلف إقحامًا، ولا علاقة لهم بها، فما دخل السلف في فقه الفروع واختلاف الأئمة فيه؟!
ومن الذي يزعم أن ابن حنبل هو ممثل السلفية في ذلكم الميدان، وأن أبا حنيفة ومالكًا والشافعي جاروا على الطريق، وأمسوا من الخلف لا من السلف؟
إن هذا تفكير صبياني. وبعض من سُمّوا بالحنابلة الذين حكى تاريخ بغداد أنهم كانوا يطاردون الشافعية لحرصهم على القنوت في صلاة الفجر هم فريق من الهمل لا وزن لهم.وأنا موقن بأن الإمام أحمد نفسه لو رآهم لأنكر عليهم وذم عملهم.!
التبعة ليست على رعاع يمزقون شمل الأمة بتعصبهم، وإنما التبعة على علماء يعرفون أن رسول الله حكم أن للمجتهد أجرين إذا أصاب، وأجرًا واحدًا إذا أخطأ.
ولو فرضنا جدلاً أن الحق مع الحنابلة والأحناف في أنه لا قنوت في الفجر فمن الذي يحرم مالكًا والشافعي أجر المجتهد المخطئ.
وإذا كان من يخالفنا في الرأي مأجور فلم نسبّه ونحرجه ونضيق عليه الخناق؟؟!
المشكلة التي نطلب من أُولي الألباب حلها هي معالجة نفر من الناس يرون الحق حكرًا عليهم وحدهم، وينظرون إلى الآخرين نظرًا انتقاص واستباحة!
الواقع أن الأمراض النفسية عند هؤلاء المتعصبين للفرعيات تسيطر على مسالكهم وهم – باسم الدين – ينفسون عن دنايا خفية! وعندما يشتغل بالفتوى جزار فلن تراه أبدًا إلا باحثًا عن ضحية!!
وقريب من ذلك ما أقصه على ضيق تردد إن البعض يُنكر المجاز، أو يستهجن القول به ويغمز إيمان الجانحين إليه.
سألني سائل: تذكر حديث الإبراد بصلاة الظهر؛ لأن شدة الحر من فيح جهنم؟ قلت: نعم!. قال: جاء في الكلام عن فيح جهنم أن النار اشتكت إلى الله قائلة: أكل بعضي بعضًا.فأذن لها بنفسين في الصيف والشتاء. فأشد ما تجدون من الحر في الصيف فهو من أنفاس جهنم، وأشد ما تُحسّون من برد في الشتاء فهو من زمهرير النار!!.
قلت: ذلك تقريبًا معنى حديث. قال: أوتؤمن به؟ قلت: لا أدري ماذا تريد؟ الإبراد بالظهر مطلوب تجنبًا لوقدة الحر ولا غضاضة في ذلك، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.
قال: أسألك عن المعنى المذكور في الحديث؟ أتؤمن بأن جهنم شكت بالفعل وأن الله استمع إليها، ونفَّس عنها؟!.
قلت في برود: كون النار تكلمت بلسان فصيح وطلبت ما طلبت فهم لبعض الناس ولهم أن يقفوا عند الظاهر الذي لا يتصورون غيره، وهناك رأي آخر أنا أميل إليه وهو أن هذا أسلوب في تصوير المعاني يعتمد على المجاز والاستعارة.
وهنا تنمر السائل وبدأ في التشنج وقال: أكثير على قدرة الله أن تتكلم النار؟ أما يقدر ربنا أن تتكلم الحجارة؟
وأجبته ببرود أكثر: ما دخل القدرة الإلهية هنا؟ إن العلماء يفهمون النصوص على ضوء اللغة العربية، وما نقل إلينا من تراكيبها، وقدرة الله فوق الظن والتهم!
إن العرب الأقدمين أجروا على ألسنة الجماد والحيوان كلامًا ما نعلم نحن أنه ليس على ظاهره، وقد ذكرت في مكان آخر المثل العربي “قال الجدار للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني”.
وجاء مثل آخر على لسان الثور المخدوع: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”
والجدار ما تكلم، والثور ما نطق!.
ثم قلت يائسًا: ومع ذلك فإذا كنت ترى أن الجدار نطق والثور تكلم فلك مذهبك، ولا دخل للسلف أو الخلف في الموضوع كله!
وعاد الشاب يقول: هل في القرآن مجاز؟
وكتمت الغيظ الذي يغلي في دمي، وقلت: ما لاكه بعض العلماء في القرون الوسطى، ثم انتهوا منه وانتهى أهله، تريدون اليوم إحياءه وشغل الناس به؟ مرة حديث الفوقية، ومرة حديث المجاز؟!!
حدثني عن هذه الآيات:
(إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مُقحمون ، وجعلنا من بين أيديهم سدًَّا ) – (يس:8،9)
ترى هذه السدود هي السد العالي أو سد الفرات؟ وهل الأغلال هنا هي القيود والتي توضع أحيانًا في أيدي المجاهدين.أم أن هناك مجازًا في القرآن الكريم.؟
واستأنفت الكلام وأنا أتجه إلى الضحك.
لما سرّ المتنبي بشعب بوان وراقه الهواء والظل وتسلل الأشعة بين الأوراق والغصون تصنع دوائر شتى على ثيابه قال:
وألقى الشرق منها في ثيابي دنانيرًا تفر من البنان!
ثم قال في مجون لا يسوغ:
يقول بشعب بوان حصاني أَعن هذا يسار إلى الطعان
أبوكم آدم سن المعاصـي وعلمكم مفارقة الجنــان
هل وقف حصان المتنبي وسط الحديقة الغنّاء وألقى هذه الخطبة العصماء؟ أم أن المتنبي أنطق دابته بهذا الشعر؟ أظن الحكم على مذهبك أن الحصان هو الذي فسق بهذا الكلام ضد الأنبياء ويجب ذبحه!!.
إن هذا الشاب وأمثاله معذورون، والوزر يقع على من يوجههم، لأنه لا يفقه أزمات الحياة المعاصرة، ولا يرتفع إلى مستوى الأحداث، ولا يحس آلام أُمته، ولا يخطر بباله ما يُبيَّت للأمة الإسلامية ودينها العظيم من مؤامرات.
إننا نريد ثقافة تجمع ولا تفرّق، وترحم المخطئ ولا تتربص به المهالك، وتقصد إلى الموضوع ولا تتهارش على الشكل.
ولا أدري لماذا لا نؤثر العمل الصامت المنتج بدل ذلك الجدل العقيم؟
لا أريد الإطالة في نقد انحرافاتنا الفكرية والنفسية، وأُحب أن أخلص إلى منهج يصل حاضرنا بغابرنا، ويُنشئ خلفًا على غرار السلف، ويعيننا على استدامة رسالتنا وهزيمة عدونا.
إننا لا نستطيع – فرادى – أن نحقق شيئًا طائلا، فالجماعة من شعائر الإسلام، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب.

من هناك
01-29-2008, 01:42 AM
السلام عليكم،
جزاكم الله خيراً يا شيخ فاروق على النقل وما شاء الله انضممت إلى مدرسة الحق المر :)

لكن للشيخ رأي قاس في السلفية بسبب ما رأى من سلفيي اوروبا. اولئك الشباب الذين كانوا يعانون من الإضطهاد المدني في بلاد الحضارة وكانت سلفيتهم ردة فعل قاسية جداً على ما رأوه وجاء الشيخ كي يقترح عليهم آراء اخرى وتصادم معهم كثيراً.

فـاروق
01-29-2008, 08:18 AM
وعليكم السلام

وما زالت هذه النماذج موجودة الى يومنا هذا...

والشيخ نفسه تعرض ايضا للاعتقال فهو حتما يفهم المعاناة ويعذر الاشختص...ولكن الفكر امر آخر تماما

من هناك
01-29-2008, 12:10 PM
وما زالت هذه النماذج موجودة الى يومنا هذا...
والشيخ نفسه تعرض ايضا للاعتقال فهو حتما يفهم المعاناة ويعذر الاشختص...ولكن الفكر امر آخر تماما
من تقصد بالنماذج الموجودة :) انا لا اتناقش معك كثيراً هذه الأيام

بالنسبة للإعتقال، إن الخلافات العقائدية لا تمحى بالمعاناة بل تزيد لأن كل طرف يعتقد ان وجود الطرف الآخر هو من سبب معاناته