تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : غَزَّة وَنصْر الله وَالعُقول الأسْطُوريَّة



أبو مُحمد
01-22-2008, 01:27 PM
إن مشاهدة طفل وطالب جامعة عربيين سيصبح الأول شيعيا فيما بعد والآخر سنيا ، هذه الأيام ستكشف لك كيف يتم تأسيس غالبية العقول العربية.

ذاك الطفل وقبل أن يتشكل وعيه ، تم دفعه عنوة ليمشي مع البقية في عاشوراء ، ويضرب نفسه ـ وإن لم يقسُ على جسده ـ دون أن يعرف لماذا يفعل هذا ، وما الحكمة في أن يتم تحميل هذا الطفل خطيئة أشخاص خذلوا المناضل والشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه قبل 1400 عام ، في نفس الوقت يطلب من هذا الطفل أن ينتقم من قتلة الشهيد الحسين ، رغم أن من ارتكب الجريمة مات أيضا وقبل 1400 عام .
عقل هذا الطفل لا يترك وحيدا بعد هذه المناسبة ، بل يعمل على تحويله إلى عقل أسطوري غير قادر على تفسير الأمور ، أو طرح السؤال المفصلي لهذا الكرنفال الجنائزي : لماذا هزم الحسين ؟

فمثل هذا السؤال يمكن له لخبطة كل الأمور ، لأنك ستحاول معرفة أين أخطأ الحسين في معركته ، حتى لا تكرر الهزيمة ، ولأنه يراد منك تقبل فكرة أن "الشهيد" الحسين انتصر وإن مات ، يتم إشغال عقلك بسؤال آخر "أين رأس الحسين" ؟

وبهذه الطريقة لا يمكن لك معرفة ما الذي يعنيه الانتصار وما الذي تعنيه الهزيمة ، وبهذه الطريقة يمكن تقبل خطاب السيد حسن نصر الله الذي يعلن للعالم أن لدينا أشلاء ورؤوس وأنصاف جثث لجنود إسرائليين ، فنقدم أنفسنا للعالم على أننا الجلادين فيما نحن الضحية والمهزومون الذين يريدون من العالم عدم التحيز لإسرائيل .

هذا لا يعني أن السيد حسن نصر الله يخدعنا ، لأنه هو نفسه الذي مشى رحلة ذاك الطفل الذي صنع له عقلا أسطوريا ، لهذا مازال يصر على أننا انتصرنا في حرب 2006م ، وأن انتصارنا إلاهيا ، فيما كان لبنان محاصرا جوا وبحرا وبرا من عدو قذر يحدد من يدخل ومن يخرج ، ونحن نصرخ على العالم بأن يتدخل ليوقف هذه المجزرة .

في الطرف الآخر من الصورة أحد من ذهبوا إلى جامعات الغرب ليتسلح بالمعرفة ، اتصل على برنامج يستضيف شيخا للفتوى ؛ ليسأله : هل يجوز لي أن ألجأ إلى الكنيسة لأحمي نفسي من العاصفة ؟

مثل هذا السؤال يكشف لنا أي عقل يحمله هذا الطالب ، وهل باستطاعة هذا العقل أن يستوعب المعرفة ، فيما هو أي العقل لا يستطيع أن يدل حامله على القرار السليم وقت الأزمة ؟

هذا العقل العربي السائد تجده كذلك داخل رؤوس المحاربين في غزة ، فهم لديهم فهم خاطئ بالحروب ، يريدون إطلاق صواريخ لقتل عدونا "إسرائيل" ، ولكن على العدو ألا يفعل شيئا حيال هذا لننتصر .

تجده أيضا في رؤوس القادة السياسيين بغزة ، فهم يطالبون الجميع أن يتدخلوا ليحموا شعب غزة ، وينسون أن هذه مهمتهم الأولى ، وأن عليهم ألا يدخلوا حربا إن لم يكونوا قادرين على حماية الشعب .

ثمة فئة قليلة في هذا العالم العربي ، تحاول جاهدة أن تحرر العقول من هذه الأساطير ، لكنها لا تملك القرار ، ولا هي العقول الأسطورية قادرة على هضم واستيعاب ما تقوله هذه الفئة .

فيصاب بعضهم بالإحباط وينغلق على ذاته يأسا لا ينتظر شيئا سوى موته ، فيما البعض الآخر يذهب للخارج وتتاح له الفرصة بأن يضيف للمعرفة الإنسانية ، وحين يحقق نوبل ، نتفاخر بما حققه العقل العربي ، مع أن هذا العقل لولا هروبه من تلك الأساطير التي دأب المجتمع زرعها في جل العقول ؛ لما صنع شيئا .

إمعانا بالتفاخر ، نحضر الحاصل على نوبل ، الذي ينتمي لنا عرقيا ، لكن عقله لا دخل له بالعقول السائدة لدينا ، ونسأله ما الذي ينقص العالم العربي ، أو من أين نبدأ ؟

فيخبرنا أن علينا إصلاح التعليم لتصلح العقول فيصلح الداخل ، فيردد حسن نصر الله هيهات منا الذلة ، فيما الشيخ الآخر يجيب على سؤال طالب آخر يسأله عن ما الذي يفعله في الاختلاط بالجامعات الغربية .

ما يثير الحنق أن جل الحكومات العربية لا تريد تغيير بوصلة العقل العربي ، أو هي مشغولة بالتجارة ليحقق أتباعها أرباحا أكثر ، دون أن تنتبه أن مضي العقل العربي في هذا الاتجاه ، سيدخل العالم العربي في قلاقل أكثر ، وسيجعل كل الدول العربية مرشحة لأن تكون عراقا أو لبنانا أو فلسطينا جديدة .

أعرف أننا نمر بأزمة جديدة قديمة اليوم ، وأعني ما يحدث في "غزة" ، وأن المقالات الشتائمية الموجهة لإسرائيل و بوش وللخونة إن شئتم ، هي الأكثر رواجا ، ولكن ما الذي سنحصده بعد حرق أعلام إسرائيل وأمريكا ، وشجب الجامعة العربية ؟

وإلى أن يحرر العقل العربي ، سيستمر الأمر على ما هو عليه ، لأن العقول المستعبدة لا يمكنها تحرير أو حماية الأوطان ؟



صالح الطريقي

"الموضوع لا يعكس وجهة نظري بحذافيره ولكني أتفق مع الكثير مما فيه!"