تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كيف يخاطب القرآن النفس البشرية



فـاروق
01-22-2008, 08:27 AM
يقول عالم الرياضيات جفري لانج الذي اعتنق الاسلام: إنك إذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة فإما أن تكون لتوك قد استسلمت له أو أنك ستقاومه فهو يحمل عليك وكأن له حقوقا عليك بشكل مباشر وشخصي وهو يجادلك ويتحداك وينتقدك و يخجلك

ومن حيث الظاهر يرسم خطوط معركة ولقد كنت على الطرف الآخر من المواجهة ولم أكن في وضع يحسد عليه إذ بدا لي واضحا أن مبدع القرآن يعرفني أكثر مما كنت أعرف نفسي

الفنان يستطيع أن يجعل العين في أي لوحة يرسمها وكأنها تنظر إليك حيثما كنت لكن أي مؤلف يستطيع أن يكتب كتابا مقدسا يتوقع فيه حركاتك وسكناتك اليومية!!

لقد كان القرآن يسبقني دائما في تفكيري ويزيل الحواجز التي كنت قد بنيتها منذ سنوات وكان يخاطب تساؤلاتي

في كل ليلة كنت أضع أسئلتي واعتراضاتي ولكنني كنت أكتشف الإجابة عليها في اليوم التالي يبدو أن مبدع القرآن كان يقرأ أفكاري ويكتب الأسطر المناسبة لقراءتي القادمة كنت أشعر بالانقياد وأشق طريقي إلى الزاوية التي لا تحوي سوى خيار واحد.

هذا المقطع رائع جدا من حيث ان كاتبه احسن وصف ميزة القرآن الكريم. تحدثنا فيما قبل عن متطلبات التأثر حين قراءة القرآن الكريم.. ولكن هذا كان للمسلم.. السؤال الذي يطرح علينا: كيف يشد القرآن الكريم غير المسلم للاسلام؟ سؤال اجاب عنه جفري لانج ببراعة.

القرآن الكريم ليس رواية ادبية حتى تقرأها للتمتع او بحثا عن التشويق والاثارة. لا شك انه نص ادبي مهم جدا ولكن ليس على النسق الذي تعودنا ان نطالعه في كتابات اليوم ولا عجب فهو من تنزيل رب العالمين. ولله المثل الاعلى قد ينظر احدنا الى لوحات بيكاسو او فان غوخ فلا يفهم منها شيئا وهي قمة في الفن ذلك لانه لم يعرف اصول هذا الفن.

لكن قد يسأل سائل.. القرآن الكريم انزل للكل فكيف يكون فهمه مقتصرا على النخبة؟ الجواب: نحن لم نقل ذلك.. القرآن لكل الناس من حيث كونه كتابا للدعوة "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" فمن منا لا يدرك بساطة و قوة "قل هو لله احد" التي تختصر العقيدة الاسلامية كلها.الا ان التبحر في معاني القرآن البعيدة واستنباط الاحكام والعبر يحتاج لشخص مجتهد ومتبحر.

القرآن فوقي اللهجة
المميز في تجربة لانج انه استعمل فيها المنطق الرياضي الذي يقول "خذ الافتراض على نه صحيح وانظر الى أين يوصلك" فعلى هذا الاساس افترض جيفري لانج لا شعوريا انه يقرأ كتابا من رب العالمين فوضع في فكره محاولة فهم الامور على هذا الاساس الا ان بدا له ما يخالف هذا الافترلض بشكل جلي. وانا اظن ان من يقرا القرآن بهذه الروحية سيصل في النهاية الى الحقيقة اما ان قرأه بنفسية من يتشكك به منذ البداية باحثا عن شواهد متفرقة مأخوذة بشكل عشوائي ليثبت حكما مسبقا استقر في ذهنه فلن يفهم القرآن. ذلك ان القرآن وكما اشار لانج ليس كتابا مسالما..

انه لا يهادنك بل يتحداك.. انه يدفعك ان تأخذ موقفا منه.. فاما تستسلم له وتقر انه من لدن عزيز خبير او ان تحاربه.

تركيزه على العبر والمبادىء
الميزة الاخرى التي تميز القرآن الكريم لنه لا يهتم بالتفاصيل وقد يصور نفس الحادثة من عدة زوايا مركزا فيها على العبر التي تفيد الانسان في كل مكان وزمان لا على الاشخاص وهنا مصدر الاختلاف الاساسي مع كتب سائر الاديان التي تحتوي على تفاصيل لا تليق بكتاب منزل مثل صفحات كاملة من الارقام والانساب والقياسات. ولا عجب فالقرآن كتاب يتكلم فيه الله مباشرة وهو امر لا تدعيه هذه الكتب بل تعترف انها شهادات شخصية لاشخاص اوحي اليهم هذا الكلام بالمعنى لا بالنص.

ففي حين نجد ان هذه الكتب تحمل نفسية الكاتب واهتماماته وعقلية عصره واحينا تناقضاته.. نجد في المقابل ان القرآن الكريم منسجم مع نفسه لا يكذب بعضه بعضا ولا يتناقض مع الاحداث التاريخية او العلمية مصداقا لقوله " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "


تركيزه على توحيد لله والايمان باليوم الآخر
يقول احد المفكرين الإسلاميين: كي تعرف أي كتاب هو فعلا كتاب الله فلنبحث في أيها ورد اسم الله أكثر؟ ففي حين يرد لفظ الجلالة ألاف المرات في القرآن الكريم بحيث لا تخلو صفحة منه فانك قد تقرأ صفحات كاملة من الكتاب المقدس لا تمر فيها هذه الكلمة، كذلك لا يرد الكلام عن يوم الحساب الا لماما وبصورة مجردة جدا وجافة في الكتاب المقدس. ان تركيز القرآن الكريم على مواضيع التوحيد والحساب قد يبدو مملا لمن يبحث عن التشويق والمتعة لكن علينا ان نتذكر ان القرآن الكريم كتاب تربية والتربية تحتاج للتكرار اولا ثانيا هو كتاب عبادة ودعاء والدعاء لا يكتفى فيه بالمرة الواحدة بل يحتاج الى اصرار وتوكيد من الداعي.

القرآن يركز على العقل ويفهم نفسية الانسان
كما اشار لانج يتحدى القرآن الكريم الناس ويستفزهم لتشغيل عقولهم ويسخر من ذهنية التقليد الاعمى وعبادة ما لا ينفع ولا يضر. وتتردد عبارة "افلا يعقلون" كثيرا كي تهز وجدان المشرك بالله او المكذب بتعاليمه. كذلك يصور القرآن نفسية الانسان الضعيفة والمتخاذلة والجحودة عبر كشفه لما تخفيه القلوب ويكشف زيف النفاق ويكسر كل انواع الحجج الواهية التي يستعملها الناس لتبرير اخطاءهم. ويشير القرآن كذلك الى كافة التشوهات العقلية التي يعاني منها الناس ويمنح الاسان فرصة لاصلاح نفسه عبر تبصيره بطرق الهداية التي تكفل له السعادة الحقيقية.


الخلاصة:
طبعا هذا غيض من فيض، فلا يسعني ان اذكر كل مزايا القرآن في هذا المقال المتواضع بل حاولت فقط ان اوسع بتصرف ما لمح له البروفسور لانج. نصيحتي لغير المسلم: اقرأ القرآن بهذه الروحية وازع من نفسك كل حكم مسبق، اغمس نفسك في الجو الذي يضعك القرآن به ولو كنوع من التجربة. ان كنت قادرا ان تفعل ذلك مع افلام الخيال العلمية الخرافية فلن تعجز عن ذلك مع كتاب يدين به مليار انسان. لا تجابهه بحجج واهية مثل حجج المشركين الذين ادعوا انهم سينتصرون على الزبانية (ملائكة العذاب) ولا حجج فرعون الذي ادعى انه سيصعد الى السماء ليرى اله موسى.. تذكر انه بالنسبة للمسلمين. الله يتكلم بهذا الكتاب.. تخيل ولو للحظات انهم صادقين فعلا في ادعائهم..


http://www.hayran.info/articles.php?catid=52;68&id=95

منال
01-22-2008, 11:21 AM
السلام عليكم بارك الله فيك

علينا ان نتذكر ان القرآن الكريم كتاب تربية والتربية تحتاج للتكرار اولا ثانيا هو كتاب عبادة ودعاء والدعاء لا يكتفى فيه بالمرة الواحدة بل يحتاج الى اصرار وتوكيد من الداعي.

رائعة هذه فجزاك الله خيرا نسال الله ان يرزقنا حسن التدبر والتفكر فى كتابه الكريم.

من قلب بغداد
02-17-2008, 02:29 PM
جميل تبارك الرحمن ، مقال مُشوّق ..
بارك الله بك و في موازين حسناتك بعون الله

أبو مُحمد
02-17-2008, 03:25 PM
حقا انه مقال رائع فبارك الله في كاتبه وناقله.
أتمنى لو أحصل على كلام لانج الاصلي فأظن انه كُتب بغير العربية وهذا ما يهمني.

ان حصلنا على كلامه عن تجربته ووصفه للقران الكريم بلغته الام سيكون مفيدا أكثر باذن الله .

فـاروق
02-17-2008, 03:29 PM
بارك الله بكم (المقال من كتابة الاخ عزام...وقد نقلته من الموقع الذي يشرف عليه)

لقد اشتريت كل ما كتب جفري لنغ والله اعلم

ثلاث كتب باللغة الانجليزية...

عندما انتهي من قراءتها ربما اضع مقاطع منها

الكتب اسمها

struggling to surrender

even angels ask

Losing my religion: a call for help

أبو مُحمد
02-17-2008, 03:36 PM
بارك الله فيك وفي الاخ عزام.
نعم ... مثل هذه النصوص ستكون مفيدة كثيرا في الدعوة .. أقصد هنا في قسم حوار أهل الكتاب مثلا أو حتى في مواضيع مفتوحة في أي قسم آخر.

عزام
02-17-2008, 03:36 PM
بارك الله بك اخي فاروق على هذا التنويه
عزام


السلام عليكم بارك الله فيك

علينا ان نتذكر ان القرآن الكريم كتاب تربية والتربية تحتاج للتكرار اولا ثانيا هو كتاب عبادة ودعاء والدعاء لا يكتفى فيه بالمرة الواحدة بل يحتاج الى اصرار وتوكيد من الداعي.

رائعة هذه فجزاك الله خيرا نسال الله ان يرزقنا حسن التدبر والتفكر فى كتابه الكريم.
هذه حكم اضافية عن حكمة التكرار في القرآن، اخت منال
عزام
يعيب علينا المبشرون تكرار القصص وآيات النعيم والعذاب في القرآن الكريم فنرد بما يلي:
1- من الطبيعي ان تتكرر آيات العذاب و النعيم في القرآن الكريم كي يصادفها الانسان كلما قرأ القرآن فيخشع قلبه و يطمع في الجنة.. لاحظ ان ضعف تكرار العذاب والنعيم في الاناجيل قد ادى لبعض النصارى الى انكار وجودهما جملة وتفصيلا وتفسيرهما بمعان مجازية!!!
2- التربية ليست قولة تقال مرة وتنتهي ! وكل من مارس التربية مع صغير أوكبير يعلم إلى أي مدى يحتاج من يتلقى التربية إلى " التذكير " الدائم حتى يستقيم على الأمر المطلوب. وتأتي الاكتشافات العلمية الحديثة لتؤكد هذا الامر لأن القناعة العقلية لا تكفي لتقويم الانسان بل يجب ان تدخل هذه القناعة الى العقل الباطن الذي اثبت العلم انه بحاجة لتكرار كي تترسخ المعلومات فيه وتصبح جزءا منه.
3- اكتشف العلماء ان كل سورة من سور القرآن الكريم لها وحدة موضوعية فهي لها مضمون موحد.. لذا تأتي القصة في كل مرة لتخدم هذا المضمون ومن هنا فإن قصة سيدنا موسى عليه السلام مثلا خدمت كل سورة اتت بها عبر التركيز على مشاهد معينة تناسب هدف هذه السورة. (انظر دراسة سيدنا آدم عليه السلام في ركن الدراسات القرآنية لتر مثالا على ما نقوله..)
4- مع تكرار بعض تعابير القرآن الكريم فإننا لا نشعر بالإملال تماما كما لا يشعر المرء بالملل من تناول الخبز كل يوم.. فكأن القرآن هو غذاء الروح والقلب..
5- لا نسلم ان التكرار يضعف النص الادبي.. فتكرار قوله تعالى في سورة الرحمن (فَبِأيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التي احتوتها تستحق أن يُذكر بها حتى لا تُنسى، وحتى يُعرف فضل المنعِم بها.
التكرار في القرآن الكريم واهدافه
ما الحكمة من تكرار القصة في القرآن (الشيخ عطية صقر)
قصص القرآن الكريم هو أحسن القصص صدقًا وبلاغة، قال تعالى: (نَحْنَ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ) (سورة الكهف : 13) وقال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) (سورة هود: 49) وتتضح حكمة هذا القصص من قوله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (سورة هود : 120). وإذا كان هناك تكرار في القرآن للقصة الواحدة فلا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا
1- أن القرآن لم ينزل مرة واحدة حتى يُعاب التكرار، ولكنه نزل مُنجمًا مفرقًا على مدى ثلاث وعشرين سنة، تنزل الجملة منه بحسب الظروف الطارئة، والقصة الواحدة قد تصلح لكل هذه الظروف، متسقة معها مراعاة لمقتضى الحال، و ذلك هو سر البلاغة التي نزل بها القرآن في أعلى درجاتها.
2- والنظرة العابرة إلى القصة التي نزلت عدة مرات قد يفهم منها أنها متشابهة متماثلة تمامًا، لكن النظرة الدقيقة ترينا أن القصة في موضع يُركز فيها على جانب، منها وتكون الجوانب الأخرى تابعة ومكملة؛ لأن المقام يقتضي إبراز هذا الجانب، بينما تراها هي في موضع آخر يُركز فيها على جانب معيَّن منها كان في غيرها من التوابع المكملة، وذلك لاقتضاء المقام له أيضًا، ولذلك قد يهمل في بعضها لفظ أو يترك تعيين اسم يوجد له داع للذكر، أو التعيين في مقام آخر، ومن هنا كان متغايرة وليست متشابهة، بالنظر إلى الجانب الذي كان عليه التركيز في كل منها. وليست قصة موسى هي وحدها التي تكررت في القرآن، فإلى جانبها قصص لرسل آخرين، تحمل هذه الحكمة التي في قصة موسى، وقد يرشح للاهتمام بها تشابه ظروف الدعوة أكثر بين موسى ومحمد عليها الصلاة والسلام، وبخاصة أن عددًا كبيرًا من اليهود كان موجودًا في المدينة وكان لهم دور كبير في مقاومة الدعوة.
3- على أن قضية ضعف النص الأدبي بتكراره ليست دائمة مسلَّمة، فقد يكون لتكراره ما يجعله بليغًا حتى لو كان متشابهًا تمام التشابه في تركيبه، سواء منه المفردات والجمل، وكان من البلاغة العربية تكرار اسم الحبيب في البيت الواحد من الشعر تعميقًا لحبه وإيذانًا بشرفه. ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد وتكرار قوله تعالى في سورة الرحمن (فَبِأيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التي احتوتها تستحق أن يُذكر بها حتى لا تُنسى، وحتى يُعرف فضل المنعِم بها وتكرار قوله تعالى في سورة المرسلات (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عشر مرات، وهي قصيرة أيضًا كسورة الرحمن، دليل على أن المقام يقتضي التنبيه والتحذير عند كل ما يذكر من موجبات هذا التحذير. وبهذا لا مجال للطعن في بلاغة القرآن الكريم، الذي تحدَّى الله به الجن والإنس وما يزال يتحدى، ومن يتعمق في المعرفة والتدبر أدرك أنه ما يزال على الشاطيء، ولم ينزل بعدُ إلى البحر بأعماقه المليئة بالأسرار، فهو صنع الله الذي أتقن كل شيء (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد) (سورة فصلت: 42

عدم الإملال
وسر حكمه عدم إملاله ، هو: أن القرآن قوت وغذاء للقلوب! وقوة وغناء للعقول! وماء وضياء للأرواح ودواء وشفاء للنفوس! فلا يمل لذلك! فإننا نأكل الخبز كل يوم! فلا نسأم ولكن نمل إذا تناولنا الطف ثمرة، كل يوم، . . فالقرآن حق وحقيقة، صدق وهداية، وفصاحة خارقة. فلذلك لا يمل. ويحافظ على شبابه دائما كما يحافظ على طراوته وحلاوته. إن بليغا مدققا من رؤساء قريش، ذهب من جانب المشركين ، لاستماع القرآن . . فاستمع ، ورجع ! فقال : إن لهذا الكلام حلاوة وطراوة لا يشبه كلام البشر؟ فإني أعلم الشعراء والكهان ! فهذا لا يشبه أقوالهم ! فليس لنا ، إلا أن نقول : إنه سحر، لنخدع أتباعنا. . هذا، فإن أشد أعداء القرآن عنادا، يصيرون حيارى ، عن فصاحته أيضا . .
التكرار (محمد قطب)
من الظواهر التي تلفت النظر في القران ظاهرة التكرار. وقد تكون أشد وضوحا في السور المكية منها في السور المدنية. ولكن السور المدنية كذلك لا تخلو من التكرار. وقد تحدث الذين لا يعلمون من المستشرقين وتلامذتهم من " المثقفين " في هذه الظاهرة ما شاء لهم الحديث . وحين ننظر إلى القران على أنه كتاب التربية لهذه الأمة، وللبشرية كلها التي ينبغي أن تدخل في دين الله، تزول عنا غرابة هذه الظاهرة، وتصبح بعض حكمتها على الأقل مفهومة لدينا. إن التربية ليست قولة تقال مرة وتنتهي ! وكل من مارس التربية مع صغير أوكبير يعلم إلى أي مدى يحتاج من يتلقى التربية إلى " التذكير " الدائم حتى يستقم على الأمر المطلوب. ومن ثم يستطيع أن يقدر الهدف التربوي من عملية التكرار في القران : "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد". " المص . كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى اللمؤمنين ". " فذكر إن نفعت الذكرى، سيذكر من يخشى". وهكذا بتضح أن التكرار لا يأتي اعتباطا. إنما يأتي لهدف مقصود. أضف إلى ذاك أن القران قد نزل علي مدى ثلاثة وعشرين عاما متطاولة، فكان المدى بعيدا بين نزول الاية وشبيهها إلى حد قد يبلغ عدة سنوات.
ولكن الذي نريد الإشارة إليه هنا هو أننا حتى حين نتلوه مجمعا على صورته في المصحف، وحتى حين نتلوه متقاربا لا يفصل زمن كبير بين الاية وشبيهتها، فإننا لا نجد فيه تكرارا حقيقيا بالمعنى المفهوم من اللفظ، مما نجد ظاهرة أخرى في الحقيقة تستحق منا النظر من حيث هي جمال فني في التعبير، ومن حيث هي لون من التأثير الوجداني فريد. قليل جدا من الايات أو من العبارات في التي وردت بنصها أكثر من مرة في القرآن، لأمر مقصود . مثل حكاية قول الكفار : "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " في أكثر من موضع : في سورة النمل، وفي سورة يس، وفي سورة الملك، كما جاءت في صيغة أخرى في سورة السجدة : " ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ". ". كما جاءت حكاية قولهم كذلك في طلب الاية في اكثر من موضع : "ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه " أو : " لولا نزل عليه آية من ربه " أو : " وقال الذين كفروا . . . " . والمقصود من هذا التكرار الإشعار بأنهم يكثرون من ترديد هذه الأقوال ويلحون في التحدي وفي طلب الاية . . وفيما عدا هذا القليل النادر الذي يكرر بلفظه لهدف مقصود ، نجد أن الظاهرة الحقيقية ليست هي " التكرار " وإنما هي " التنوع".
ولبيان هذه الظاهرة نحتاج أن نتحدث قليلا في " اللفظ و" المعنى " و" الموضوع " و " الأ سلوب ". !ن أي محاولة لتصور اللفظ منفصلا عن المعنى، او المعنى منفصلا عن الاسلوب هي محاولة خاطئة منذ البدء. وقد تقتضي ضرورات البحث العلمي أن نتحدث عن الأمور في هذه الصورة المجزأة المنفصلة الأجزاء . أما في عالم الواقع فلا يمكن أن يوجد هذا التجزؤ ولا ذلك الانفصال. ولتوضيح الأمر نضرب مثالا من وجه الإنسان. إن كل وجه بشري مكون من عينين وشفتين وأنف وأذنين . . الخ . فإذا كان هذا "الموضوع " بالنسبة للوجه ، فإن " الأسلوب " هو اجتماع هذه الأعضاء على نحو معين من النناسق يعطيها " شكلا " معينا ذا ملامح محددة. بمكن في أية لحظة أن نتصور وجه فلان من الناس على أنه مجرد عينين وشفتين وأنف وأذنين . . الخ، أم نتصوره دائما على أنه تلك " الملامح " الناشئة من اجتماع هذه الأعضاءء على النحو المعين، حتى وإن تحدثنا حيانا عن صفات خاصة بكل عضو من الأعضاء ؟ وكذلك الأمر في التعبير بالألفاظ. المعاني المجردة - أي المعاني الذهنية لكل لفظ . بمفرده أو لمجموع العبارة - هي الأعضاء أو العناصر التي يتكون منها من الموضوع. ولكنها - مجردة - ليست هي التي تعطينا المعنى المقصود قي الحقيقة، أو ليست هي التي تعطينا " التأثير " الحقيقي. انما الذي يعطي المعنى الحقيقي أو " التأثير " هو اجتماع هذه المعاني على نحو معين من التناسق يعطيها ملامح محددة . وإذا كان الأمر كذلك في الكلام بصفة عامة فهو كذلك في القرآن بصورة أدق . . وخاصة حين نتحدث عن ظاهرة التكرار في القران . ففيما عدا النصوص النادرة التي أشرنا إليها لا يوجد نصان متماثلان في القران كله ! إنما يوجد تشابه فقط دون تماثل . تشابه كذلك ألذي قد يوجد بين الإخوة أو الأقارب، ولكنه ليس تكرارا بحال من الأحوال. إنه مثل ثمار الجنة : " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ". حين يتناولون الثمرة لأول وهلة يقولون: هذا الذي رزقنا من قبل! فإذا تذوقوه عرفوا أنه مختلف عنه، يشبهه ولكنه لا يماثله ! ومن ثم يعيشون في مذاقات متجددة على الدوام وإن بدت لأول وهلة مكررة. وكذلك الحياة مع القران. إنها تعطي مذاقات متجددة على الدوام وإن بدت لأول وهلة مكررة . . وذإك في حدود ظاهرة التكرار التي نتناولها في هذا الفصل ، ولسنا نتحدث بشيء هنا عن المذاقات المتجددة التي يجدها الإنسان مع المعنى الواحد كلما فتح الله عليه بإحساس جديد أو تصور جديد ، أو قبس من النور العلوي جديد . . فذلك أمر آخر لا ينتهي ولا ينفد ما دامت الحياة !
أكثر الموضوعات تكرارا وتنوعا في ذات الوقت هي موضوعات العقيدة بمفرداتها الستة : الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة والكتاب والنبيين والقدر خيره وشره ، وقصص الأنبياء، وقصة آدم والشيطان ، وأخلاقيات الإيمان. وذلك في السور المكية والمدنية على السواء. أما في السور المدنية خاصة فالموضوع المتكرر - إلى جانب العقيدة - هو موضوع الجهاد في سبيل الله ، وكل ما يدور حوله من جميع نواحيه. أما التشريعات فهي بطبيعتها لا تحتاج الى تكرار، ويكفي الأمر بها مرة واحدة. إنما الذي كان في حاجة إلى تكرار الحديث فيه هو وجوب الطاعة لله. وقد تم ذلك في كل فترة التربية في مكة حتى استقرت قاعدته تماما، ولم يعد الأمر في حاجة إلا لأن يعرف المؤمنون ماذا أمر ربهم فيستجيبون . . مع التذكير الخفيف بين الحين والحين الآخر. والقاعدة العامة ان كل سورة من سور القرآن على اطلاقها لها شخصيتها المميزة وجوها الخاص. وكل نص من نصوص القرآن وان بدا متشابها فإنه يأخذ جو السورة التي يرد فيها، ومن ثم تكون له ملامحه الخاصة في كل مرة. ومن اكثر الموضوعات ورودا في القرآن الحديث عن آيات الله في الكون في معرض الحديث عن قضية الالوهية.. وفي السور المكية بصفة خاصة ترد هذه الاشارات بكثرة ملحوظة قد توهم لأول وهلة بوجود التكرار بمعنى التماثل.

سـمـاح
02-17-2008, 03:38 PM
السلام عليكم،
جزى الله خيراً المشرف العام على نقل هذا المقال المميز. انا قرأت الكتاب الذي اقتبس منه المقال وهو بالانكليزية.
وبما ان الكتاب عندي فسانقل لكم ان شاء الله تجربة الكاتب مع القرآن بلغته الام.
عندما اجد الوقت ...

أبو مُحمد
02-17-2008, 03:40 PM
بارك الله فيك أخت سماح وأعانكِ الله.

منال
02-17-2008, 07:12 PM
هذه حكم اضافية عن حكمة التكرار في القرآن، اخت منال
عزام
يعيب علينا المبشرون تكرار القصص وآيات النعيم والعذاب في القرآن الكريم فنرد بما يلي:
1- من الطبيعي ان تتكرر آيات العذاب و النعيم في القرآن الكريم كي يصادفها الانسان كلما قرأ القرآن فيخشع قلبه و يطمع في الجنة.. لاحظ ان ضعف تكرار العذاب والنعيم في الاناجيل قد ادى لبعض النصارى الى انكار وجودهما جملة وتفصيلا وتفسيرهما بمعان مجازية!!!
2- التربية ليست قولة تقال مرة وتنتهي ! وكل من مارس التربية مع صغير أوكبير يعلم إلى أي مدى يحتاج من يتلقى التربية إلى " التذكير " الدائم حتى يستقيم على الأمر المطلوب. وتأتي الاكتشافات العلمية الحديثة لتؤكد هذا الامر لأن القناعة العقلية لا تكفي لتقويم الانسان بل يجب ان تدخل هذه القناعة الى العقل الباطن الذي اثبت العلم انه بحاجة لتكرار كي تترسخ المعلومات فيه وتصبح جزءا منه.
3- اكتشف العلماء ان كل سورة من سور القرآن الكريم لها وحدة موضوعية فهي لها مضمون موحد.. لذا تأتي القصة في كل مرة لتخدم هذا المضمون ومن هنا فإن قصة سيدنا موسى عليه السلام مثلا خدمت كل سورة اتت بها عبر التركيز على مشاهد معينة تناسب هدف هذه السورة. (انظر دراسة سيدنا آدم عليه السلام في ركن الدراسات القرآنية لتر مثالا على ما نقوله..)
4- مع تكرار بعض تعابير القرآن الكريم فإننا لا نشعر بالإملال تماما كما لا يشعر المرء بالملل من تناول الخبز كل يوم.. فكأن القرآن هو غذاء الروح والقلب..
5- لا نسلم ان التكرار يضعف النص الادبي.. فتكرار قوله تعالى في سورة الرحمن (فَبِأيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التي احتوتها تستحق أن يُذكر بها حتى لا تُنسى، وحتى يُعرف فضل المنعِم بها.
التكرار في القرآن الكريم واهدافه
ما الحكمة من تكرار القصة في القرآن (الشيخ عطية صقر)
قصص القرآن الكريم هو أحسن القصص صدقًا وبلاغة، قال تعالى: (نَحْنَ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ) (سورة الكهف : 13) وقال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) (سورة هود: 49) وتتضح حكمة هذا القصص من قوله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (سورة هود : 120). وإذا كان هناك تكرار في القرآن للقصة الواحدة فلا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا
1- أن القرآن لم ينزل مرة واحدة حتى يُعاب التكرار، ولكنه نزل مُنجمًا مفرقًا على مدى ثلاث وعشرين سنة، تنزل الجملة منه بحسب الظروف الطارئة، والقصة الواحدة قد تصلح لكل هذه الظروف، متسقة معها مراعاة لمقتضى الحال، و ذلك هو سر البلاغة التي نزل بها القرآن في أعلى درجاتها.
2- والنظرة العابرة إلى القصة التي نزلت عدة مرات قد يفهم منها أنها متشابهة متماثلة تمامًا، لكن النظرة الدقيقة ترينا أن القصة في موضع يُركز فيها على جانب، منها وتكون الجوانب الأخرى تابعة ومكملة؛ لأن المقام يقتضي إبراز هذا الجانب، بينما تراها هي في موضع آخر يُركز فيها على جانب معيَّن منها كان في غيرها من التوابع المكملة، وذلك لاقتضاء المقام له أيضًا، ولذلك قد يهمل في بعضها لفظ أو يترك تعيين اسم يوجد له داع للذكر، أو التعيين في مقام آخر، ومن هنا كان متغايرة وليست متشابهة، بالنظر إلى الجانب الذي كان عليه التركيز في كل منها. وليست قصة موسى هي وحدها التي تكررت في القرآن، فإلى جانبها قصص لرسل آخرين، تحمل هذه الحكمة التي في قصة موسى، وقد يرشح للاهتمام بها تشابه ظروف الدعوة أكثر بين موسى ومحمد عليها الصلاة والسلام، وبخاصة أن عددًا كبيرًا من اليهود كان موجودًا في المدينة وكان لهم دور كبير في مقاومة الدعوة.
3- على أن قضية ضعف النص الأدبي بتكراره ليست دائمة مسلَّمة، فقد يكون لتكراره ما يجعله بليغًا حتى لو كان متشابهًا تمام التشابه في تركيبه، سواء منه المفردات والجمل، وكان من البلاغة العربية تكرار اسم الحبيب في البيت الواحد من الشعر تعميقًا لحبه وإيذانًا بشرفه. ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد وتكرار قوله تعالى في سورة الرحمن (فَبِأيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التي احتوتها تستحق أن يُذكر بها حتى لا تُنسى، وحتى يُعرف فضل المنعِم بها وتكرار قوله تعالى في سورة المرسلات (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عشر مرات، وهي قصيرة أيضًا كسورة الرحمن، دليل على أن المقام يقتضي التنبيه والتحذير عند كل ما يذكر من موجبات هذا التحذير. وبهذا لا مجال للطعن في بلاغة القرآن الكريم، الذي تحدَّى الله به الجن والإنس وما يزال يتحدى، ومن يتعمق في المعرفة والتدبر أدرك أنه ما يزال على الشاطيء، ولم ينزل بعدُ إلى البحر بأعماقه المليئة بالأسرار، فهو صنع الله الذي أتقن كل شيء (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد) (سورة فصلت: 42

عدم الإملال
وسر حكمه عدم إملاله ، هو: أن القرآن قوت وغذاء للقلوب! وقوة وغناء للعقول! وماء وضياء للأرواح ودواء وشفاء للنفوس! فلا يمل لذلك! فإننا نأكل الخبز كل يوم! فلا نسأم ولكن نمل إذا تناولنا الطف ثمرة، كل يوم، . . فالقرآن حق وحقيقة، صدق وهداية، وفصاحة خارقة. فلذلك لا يمل. ويحافظ على شبابه دائما كما يحافظ على طراوته وحلاوته. إن بليغا مدققا من رؤساء قريش، ذهب من جانب المشركين ، لاستماع القرآن . . فاستمع ، ورجع ! فقال : إن لهذا الكلام حلاوة وطراوة لا يشبه كلام البشر؟ فإني أعلم الشعراء والكهان ! فهذا لا يشبه أقوالهم ! فليس لنا ، إلا أن نقول : إنه سحر، لنخدع أتباعنا. . هذا، فإن أشد أعداء القرآن عنادا، يصيرون حيارى ، عن فصاحته أيضا . .
التكرار (محمد قطب)
من الظواهر التي تلفت النظر في القران ظاهرة التكرار. وقد تكون أشد وضوحا في السور المكية منها في السور المدنية. ولكن السور المدنية كذلك لا تخلو من التكرار. وقد تحدث الذين لا يعلمون من المستشرقين وتلامذتهم من " المثقفين " في هذه الظاهرة ما شاء لهم الحديث . وحين ننظر إلى القران على أنه كتاب التربية لهذه الأمة، وللبشرية كلها التي ينبغي أن تدخل في دين الله، تزول عنا غرابة هذه الظاهرة، وتصبح بعض حكمتها على الأقل مفهومة لدينا. إن التربية ليست قولة تقال مرة وتنتهي ! وكل من مارس التربية مع صغير أوكبير يعلم إلى أي مدى يحتاج من يتلقى التربية إلى " التذكير " الدائم حتى يستقم على الأمر المطلوب. ومن ثم يستطيع أن يقدر الهدف التربوي من عملية التكرار في القران : "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد". " المص . كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى اللمؤمنين ". " فذكر إن نفعت الذكرى، سيذكر من يخشى". وهكذا بتضح أن التكرار لا يأتي اعتباطا. إنما يأتي لهدف مقصود. أضف إلى ذاك أن القران قد نزل علي مدى ثلاثة وعشرين عاما متطاولة، فكان المدى بعيدا بين نزول الاية وشبيهها إلى حد قد يبلغ عدة سنوات.
ولكن الذي نريد الإشارة إليه هنا هو أننا حتى حين نتلوه مجمعا على صورته في المصحف، وحتى حين نتلوه متقاربا لا يفصل زمن كبير بين الاية وشبيهتها، فإننا لا نجد فيه تكرارا حقيقيا بالمعنى المفهوم من اللفظ، مما نجد ظاهرة أخرى في الحقيقة تستحق منا النظر من حيث هي جمال فني في التعبير، ومن حيث هي لون من التأثير الوجداني فريد. قليل جدا من الايات أو من العبارات في التي وردت بنصها أكثر من مرة في القرآن، لأمر مقصود . مثل حكاية قول الكفار : "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " في أكثر من موضع : في سورة النمل، وفي سورة يس، وفي سورة الملك، كما جاءت في صيغة أخرى في سورة السجدة : " ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ". ". كما جاءت حكاية قولهم كذلك في طلب الاية في اكثر من موضع : "ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه " أو : " لولا نزل عليه آية من ربه " أو : " وقال الذين كفروا . . . " . والمقصود من هذا التكرار الإشعار بأنهم يكثرون من ترديد هذه الأقوال ويلحون في التحدي وفي طلب الاية . . وفيما عدا هذا القليل النادر الذي يكرر بلفظه لهدف مقصود ، نجد أن الظاهرة الحقيقية ليست هي " التكرار " وإنما هي " التنوع".
ولبيان هذه الظاهرة نحتاج أن نتحدث قليلا في " اللفظ و" المعنى " و" الموضوع " و " الأ سلوب ". !ن أي محاولة لتصور اللفظ منفصلا عن المعنى، او المعنى منفصلا عن الاسلوب هي محاولة خاطئة منذ البدء. وقد تقتضي ضرورات البحث العلمي أن نتحدث عن الأمور في هذه الصورة المجزأة المنفصلة الأجزاء . أما في عالم الواقع فلا يمكن أن يوجد هذا التجزؤ ولا ذلك الانفصال. ولتوضيح الأمر نضرب مثالا من وجه الإنسان. إن كل وجه بشري مكون من عينين وشفتين وأنف وأذنين . . الخ . فإذا كان هذا "الموضوع " بالنسبة للوجه ، فإن " الأسلوب " هو اجتماع هذه الأعضاء على نحو معين من النناسق يعطيها " شكلا " معينا ذا ملامح محددة. بمكن في أية لحظة أن نتصور وجه فلان من الناس على أنه مجرد عينين وشفتين وأنف وأذنين . . الخ، أم نتصوره دائما على أنه تلك " الملامح " الناشئة من اجتماع هذه الأعضاءء على النحو المعين، حتى وإن تحدثنا حيانا عن صفات خاصة بكل عضو من الأعضاء ؟ وكذلك الأمر في التعبير بالألفاظ. المعاني المجردة - أي المعاني الذهنية لكل لفظ . بمفرده أو لمجموع العبارة - هي الأعضاء أو العناصر التي يتكون منها من الموضوع. ولكنها - مجردة - ليست هي التي تعطينا المعنى المقصود قي الحقيقة، أو ليست هي التي تعطينا " التأثير " الحقيقي. انما الذي يعطي المعنى الحقيقي أو " التأثير " هو اجتماع هذه المعاني على نحو معين من التناسق يعطيها ملامح محددة . وإذا كان الأمر كذلك في الكلام بصفة عامة فهو كذلك في القرآن بصورة أدق . . وخاصة حين نتحدث عن ظاهرة التكرار في القران . ففيما عدا النصوص النادرة التي أشرنا إليها لا يوجد نصان متماثلان في القران كله ! إنما يوجد تشابه فقط دون تماثل . تشابه كذلك ألذي قد يوجد بين الإخوة أو الأقارب، ولكنه ليس تكرارا بحال من الأحوال. إنه مثل ثمار الجنة : " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ". حين يتناولون الثمرة لأول وهلة يقولون: هذا الذي رزقنا من قبل! فإذا تذوقوه عرفوا أنه مختلف عنه، يشبهه ولكنه لا يماثله ! ومن ثم يعيشون في مذاقات متجددة على الدوام وإن بدت لأول وهلة مكررة. وكذلك الحياة مع القران. إنها تعطي مذاقات متجددة على الدوام وإن بدت لأول وهلة مكررة . . وذإك في حدود ظاهرة التكرار التي نتناولها في هذا الفصل ، ولسنا نتحدث بشيء هنا عن المذاقات المتجددة التي يجدها الإنسان مع المعنى الواحد كلما فتح الله عليه بإحساس جديد أو تصور جديد ، أو قبس من النور العلوي جديد . . فذلك أمر آخر لا ينتهي ولا ينفد ما دامت الحياة !
أكثر الموضوعات تكرارا وتنوعا في ذات الوقت هي موضوعات العقيدة بمفرداتها الستة : الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة والكتاب والنبيين والقدر خيره وشره ، وقصص الأنبياء، وقصة آدم والشيطان ، وأخلاقيات الإيمان. وذلك في السور المكية والمدنية على السواء. أما في السور المدنية خاصة فالموضوع المتكرر - إلى جانب العقيدة - هو موضوع الجهاد في سبيل الله ، وكل ما يدور حوله من جميع نواحيه. أما التشريعات فهي بطبيعتها لا تحتاج الى تكرار، ويكفي الأمر بها مرة واحدة. إنما الذي كان في حاجة إلى تكرار الحديث فيه هو وجوب الطاعة لله. وقد تم ذلك في كل فترة التربية في مكة حتى استقرت قاعدته تماما، ولم يعد الأمر في حاجة إلا لأن يعرف المؤمنون ماذا أمر ربهم فيستجيبون . . مع التذكير الخفيف بين الحين والحين الآخر. والقاعدة العامة ان كل سورة من سور القرآن على اطلاقها لها شخصيتها المميزة وجوها الخاص. وكل نص من نصوص القرآن وان بدا متشابها فإنه يأخذ جو السورة التي يرد فيها، ومن ثم تكون له ملامحه الخاصة في كل مرة. ومن اكثر الموضوعات ورودا في القرآن الحديث عن آيات الله في الكون في معرض الحديث عن قضية الالوهية.. وفي السور المكية بصفة خاصة ترد هذه الاشارات بكثرة ملحوظة قد توهم لأول وهلة بوجود التكرار بمعنى التماثل.

جزاك الله خيرا وبارك الله بحضرتك

قرأت نصفها ولى عودة بإذن الله

Abuhanifah
02-17-2008, 07:36 PM
مقال موفق أخي فاروق وفقك الله ووفق الأخ عزام الى كل خير...
عندي سؤال وهو هل وجد العالم جفري لانغ هذه الحكم القرآنية وهو يقرأ القرآن باللغة الاجنبية أم انه تعلم العربية وقرأ القرآن ثم وجد تلك الحكم (أقصد هل ذكر هذا الأمر في كتبه التي قرأتها)؟
السلام عليكم

عزام
02-17-2008, 08:18 PM
مقال موفق أخي فاروق وفقك الله ووفق الأخ عزام الى كل خير...
عندي سؤال وهو هل وجد العالم جفري لانغ هذه الحكم القرآنية وهو يقرأ القرآن باللغة الاجنبية أم انه تعلم العربية وقرأ القرآن ثم وجد تلك الحكم (أقصد هل ذكر هذا الأمر في كتبه التي قرأتها)؟
السلام عليكم
وعليكم السلام اخي
الاصح ان نقول قرأ ترجمة القرآن بالانكليزية..
ومع ذلك فقد اثرت فيه التأثير المذكور
عزام

من هناك
02-18-2008, 02:06 AM
السلام عليكم،
هذا النص والله اعلم مقتبس من كتاب حتى الملائكة تسأل وقد نقلت يوماً إلى المنتدى نصاً للانج

من سنة، دعونا لانج لبعض المحاضرات إلى مونتريال وقد آلمني جداً طريقته في النظر إلى المسلمين. نسأل الله الثبات للجميع.

عزام
02-18-2008, 06:19 AM
السلام عليكم،
هذا النص والله اعلم مقتبس من كتاب حتى الملائكة تسأل وقد نقلت يوماً إلى المنتدى نصاً للانج

من سنة، دعونا لانج لبعض المحاضرات إلى مونتريال وقد آلمني جداً طريقته في النظر إلى المسلمين. نسأل الله الثبات للجميع.
صحيح اخي بلال
لانج اهتدى للاسلام ولكن من خلال كتابه نلمس بعض الاعتراضات على امور شبه مجمع عليها.
عزام

من هناك
02-18-2008, 03:36 PM
صحيح اخي بلال
لانج اهتدى للاسلام ولكن من خلال كتابه نلمس بعض الاعتراضات على امور شبه مجمع عليها.
عزامليس هذا فحسب ولكن خلال الإحتفال كان يسخر من المسلمين لأنهم عنصريون وظن ان حماسة المسلمين للتسليم عليه ناتجة عن كونه اشقر وعيونه زرق وان الكثير من المسلمين لن يتحمسوا للسلام عليه لو كان افريقياً

هنا الحقيقه
02-18-2008, 03:40 PM
وظن ان حماسة المسلمين للتسليم عليه ناتجة عن كونه اشقر وعيونه زرق وان الكثير من المسلمين لن يتحمسوا للسلام عليه لو كان افريقياً
عجيــــــــــــــــــب

أبو مُحمد
02-18-2008, 03:43 PM
ظن ان حماسة المسلمين للتسليم عليه ناتجة عن كونه اشقر وعيونه زرق وان الكثير من المسلمين لن يتحمسوا للسلام عليه لو كان افريقياً

صدق وهذا ما أراه بأم عيني ...
ليس تعميما أو ما شابه لكن هذا ما أجده من الكثيرين وكنت قد كتبت كلاما عن هذا الموضوع في منتدى آخر منذ زمن!