تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عبدالله بن عباس



بشرى
06-06-2003, 03:36 PM
الصحابِيّ عبد الله بن العبّاس (حَبْرُ هذه الأمّة)

هو عبد الله بن العباس، بن عبد المطلب بن هاشم، عمِّ رسولِ الله e.
يشبه ابن عباس، عبد الله بن الزُّبير في أنّه أدرك الرسول وعاصره وهو غلام، ومات الرسول قبل أن يبلغ ابن عباس سنّ الرجولة.. ولقبهُ "الحَبْر"، حبر هذه الأمة. هيّأه لهذا اللقب ولهذه المنزلة استنارة عقله وذكاء قلبه، واتساع معارفه. لقد عرف ابن عباس طريق حياته في أوليات أيامه, وازداد بها معرفة، عندما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام يدنيه منه وهو طفل، ويربّت على كتفيه، ويدعو له قائلا: "اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل".

ثمّ تواكلت المناسبات والفرص التي يكرر فيها الرسول هذا الدعاء ذاته لابن عمّه عبدالله بن عبّاس، وآنئذ، أدرك ابن عباس أنه خلق للعلم والمعرفة.. فعلى الرّغم من أنّه لم يكن قد جاوز الثالثة عشرة من عمره يوم مات رسول الله، فإنّه لم يضع من طفولته الواعية يوما دون أن يشهد مجالس الرسول ويحفظ عنه ما يقول. وبعد ذهاب الرسول e إلى الرفيق الأعلى، حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما فاته سماعه وتعلّمه من الرسول نفسه.

فكان لا يسمع أنّ "فلانا" يعرف حكمة أو يحفظ حديثا، إلا سارع إليه وتعلّم منه وهو لا يعني بجمع المعرفة فحسب بل يعني مع جمعها بفحصها وفحص مصادرها.. يقول عن نفسه :"إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد والثلاثين من أصحاب رسول الله e. ويقول: "لمّا قبض رسول الله قلت لفتى من الأنصار : هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير" فقال : يا عجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك، وفيهم من أصحاب رسول اللهِ من ترى؟؟" فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله.

هكذا راح فتانا العظيم يسأل، ويسأل، ويسأل، ثمّ يفحص الإجابة مع نفسه ويناقش بعقل جريء... وهو في كل يوم تنمو معارفه وتنمو حكمته، حتى توفّرت له في شبابه الغضّ حكمة الشيوخ وأناتهم وحصافتهم، وحتى كان أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، يحرص على مشورته في كل أمر كبير، وكان يلقبه بـ "فتى الكهول"...
سئل ابن عباس يوما : أنّى أصبت هذا العلم؟ فأجاب: "بلسان سؤول وقلب عقول"!! فبلسانه السؤول دوما، وبعقله الفاحص أبدا، ثمّ بتواضعه ودماثة خلقه، صار ابن عباس حَبْر هذه الأمّة..

ويصفه سعد بن أبي وقاص بهذه الكلمات :
"ما رأيت أحدا أحضر فهما، ولا أكبر لبّا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما عن ابن عباس. ولقد رأيت "عمر" يدعوه للمعضلات وحوله أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فيتحدّث ابن عباس، ولا يجاوز عمر قوله".
ومع غزارة علمه، ونفاذ حجّته، لم يكن يرى في الحوار والمناقشة معركة ذكاء يزهو فيها بعلمه ثمّ بانتصاره على خصمه، بل كان يراها سبيلا قويما لرؤية الصّواب ومعرفته.

ولم يكن ابن عباس يمتلك هذه الثروة الكبرى من العلم فحسب، بل كان يمتلك معها ثروة أكبر، من أخلاق العلم وأخلاق العلماء.
ولقد كان معاصروه يتحدّثون فيقولون: "ما رأينا بيتا أكثر طعاما ولاشرابا ولا فاكهة ولا علما من بيت ابن عباس".
وهو طاهر القلب، نقيّ النفس، لا يحمل لأحد ضغنا ولا غلاّ.
وهوايته التي لا يشبع منها، هي تمنّيه الخير لكل من يعرف ومن لا يعرف من الناس. ويقول عن نفسه: "إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أنّ الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم".
وهو عابد قانت أواب يقوم الليل ويصوم الأيام. وكلما قرأ القرآن وبلغ في قراءته بعض آيات الزجر والوعيد وذكر الموت والبعث بكى وعلا نشيجه.
وفي عامه الحادي والسبعين، دعيَ للقاء ربه.
"يا أيّتها النفس المطمئنّة إرجعي إلى ربّك راضية مرضيّة فادْخلي في عبادي وادخلي جنّتي". صدق الله العظيم.