تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها



مقاوم
01-13-2008, 01:10 PM
من خلال الحوار في أحد المواضيع برز موضوع الحداثة وتبين أن بعض الإخوة والأخوات لا يعرفون الأبعاد العقدية للموضوع. المنادون بالحداثة ينكّرونها بمسميات أخرى ويمكرون مكر الليل والنهار لضرب الإسلام ورموزه ومصادره على كافة الأصعدة من فكر وأدب ولغة وسياسة و و و.

عنوان الموضوع هو في الواقع عنوان كتاب صدر للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي أحد الأعضاء المؤسسين وعضو مجلس أمناء الحملة العلمية لمقاومة العدوان.وهو من بين قلة من الدعاة والمفكرين الإسلاميين الذين فطنوا لخطورة الحداثة وانبروا لتعريتها والتحذير منها.
وهذه نبذة مختصرة من سيرته الذاتية:
الاسم : سعيد بن ناصر الغامدي
المولد : في سنة1381 في الملد من بلاد غامد
الدراسة:
* تخرج في المرحلة الابتدائية من المدرسة السلفية في بلجرشي سنة 1392هـ
* تخرج في معهد الباحة العلمي في سنة 1398هـ
* تخرج في كلية الشريعة في أبها عام 1402هـ
* حصل على الماجستير من كلية أصول الدين في جامعة الإمام في الرياض سنة 1410هـ في تخصص العقيدة والمذاهب المعاصرة
* حصل على الدكتوراه في التخصص نفسه سنة 1420هـ أستاذ مساعد في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية الشريعة وأصول الدين ، جامعة الملك خالد بأبها
* عمل وكيلا لكلية الشريعة وأصول الدين 1406-1408
* عمل مشرفاً على وحدة البحث العلمي في كلية الشريعة وأصول الدين من تاريخ 25/2/1421
* القيام بالتدريس في كلية الشريعة وأصول الدين من سنة 1403 ، من معيد إلى محاضرإلى أستاذ مساعد في جامعة الملك خالد
·يعمل الآن أستاذاً في جامعة الملك عبدالعزيز – كلية المجتمع.

سأقوم بنشر مقالاته هنا بالتدريج لما رأيت فيها من فوائد عظيمة ودرر دفينة عسى أن توفر للإخوة في المنتدى أعضاءا وزوارا مرجعا ومعينا ينهلون منه فيستفيدون ويفيدون بإذن الله. المقالات تتسم بالطول وتتطلب مجاهدة النفس في القراءة لكنها تستحق ذلك منا.
وإلى المقال الأول:

المقدمة وأهمية الموضوع والدراسات السابقة في الموضوع

الحمد لله رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، خالق الخلق أجمعين ، الإله الحق المبين ، خلق الإنسان من سلالة من طين، وخلق الملائكة من نور مبين ، وخلق الجان من مارج من نار ، أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، وقدر المقادير ، وشرع الشرائع ، وخلق الدنيا والآخرة والموت والحياة ، والجنة والنار ، وجعل الجنة للمؤمنين داراً ، والنار للكافرين قراراً.
وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه ، المبعوث رحمة للعالمين أجمعين ، بالدين القويم ، والصراط المستقيم ، فدعا إلى الله وجاهد في سبيله ، وأقام منارات العلم والهدى والخير والعدل ، وأثبت أحكام الإسلام في خير دولة أقيمت على وجه الأرض، وأنشأ مجتمعاً هو خير مجتمع ظهر على وجه البسيطة ، اتبعوا أوامر الله فلم يظلوا ، وحكَّمُوا شريعته فلم يذلوا ، وساروا على الهدى المستقيم فكانوا خير أمة أخرجت للناس ، رضي الله عنهم وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، أمَّا بعد:
فإنه لما كثرت سهام الشبهات التي يرميها أعداء الإسلام ، وتطاول أهلها ، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم ، وبثوا سمومهم الفكرية والسلوكية ، على شبيبة الأمة الإسلامية ، محاولين إغراقهم في الضلالات ، وإخراجهم من النور إلى الظلمات ، وتبديل يقينهم وإيمانهم ، وطرحهم في مفاوز الشكوك والريب والترهات ؛ كان لزاماً على من علم ذلك وخبره أن يبين لأمته وأبناء ملته خطورة هذه المسالك ، وفضاعة هذه المهالك ، كما قال تعالى : { وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ }.
1 - أهمية الموضوع وسبب اختياره :
إنّ من أخطر وأشنع ما فعله أعداء الإسلام لتحصيل تلك المطالب الخبيثة ، وتحقيق تلك المقاصد الضالة ما اتخذ في زمننا هذا من أساليب ثقافية ظاهرها “ الأدب والشعر والثقافة والنقد ” وباطنها الكفر والشك والنفاق .
ذلك أن أعداء الإسلام استطاعوا أن يبذروا في أرض المسلمين بذور حقدهم ، ويستنبتوا فيها - في غفلة وضعف من أهلها - نباتات الشجرة الخبيثة ، شجرة المادية الملعونة ، فإذا بالمسلمين يرون ويسمعون
من ينادي بالكفر جهرة ويدعو إلى الضلال صراحة ، ويروج للرذائل الفكرية والخلقية علانية ، مرة تحت قناع “ الأدب المعاصر ” ومرة تحت شعار “ الثقافة الإنسانية ” وأخرى تحت لافتة “ التحديث ومجاراة العصر وتداخل الثقافات ” وأخر لاتحصى تحت عناوين كثيرة تدور كلها تحت معنى قول الله تعالى : {ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } ، وقوله سبحانه : {ويُرِيدُ الَذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً } .
فالإضلال والإفساد غايتهم ومسلكهم ومنهجهم مستخدمين في ذلك وسائل الشهوات والشبهات ، ومع كل ذلك يزعمون ويدعون أنهم يريدون الإصلاح ، والنهضة والتقدم : {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }.
إن التجربة الإسلامية في مواجهة أرباب التضليل والإفساد تجربة طويلة مريرة ، بيد أن أشدها مرارة ، وأقساها وطأة هي ما تمر به الأمة في هذه الأزمنة ، إثر ما يسمى بـ “ الصدمة الحضارية ” التي أنتجت أجيالاً من أبناء المسلمين ، انسلخت من دينها وقيمها ، وراحت تلهث خلف سراب المذاهب المادية ، والعقائد الجاهلية المعاصرة ، وأصحابها يمدونهم في الغي ثم لايقصرون ، ويغرونهم ، ويمكنون لهم - بحكم غلبتهم ونفوذهم - في شتى الميادين .
إن مختلف النظم الفكرية المعاصرة المستوردة ، تحمل في طياتها ألواناً عديدة من الانحرافات ؛ ذلك لأنها إفراز نظريات مادية ذات جذور وثنية .
ومن أخطر هذه النظم المستوردة : النظام اللاديني المسمى بـ “ العلمانية ” والذي يظهر في أردية شتى ، منها الرداء الثقافي والأدبي المسمى بـ “ الحداثة ” التي أولع بها بعض أبناء البلاد الإسلامية فراحوا يبثون من خلالها السموم الفكرية ، ويرسخون المفاهيم الضلالية فاتحين أمام شباب الأمة أبواب التمرد - باسم الثقافة والأدب - ونوافذ التحدي للدين والسلوك القويم .
كل همهم ترويج أصناف الزيف تحت شعار الحرية الفكرية وعالمية الفكر الإنساني والموضوعية العلمية ، وهم أبعد الناس عن الحرية ؛ لأنهم مجرد أتباع مقلدين ، وأبعد الناس عن الموضوعية ؛ لأنهم أصحاب أهواء تجارت بهم تجاري الكَلَب بصاحبه .
ولكنهم - بسبب غفلة أو تغافل ، جهل أو عمالة - رسّخت لهم أقدام في مواضع التأثير ، فإذا بالأمة ترى من أبنائها من يدعو إلى الإلحاد ويجاهر بالكفر ويحارب دين الله جهاراً نهاراً ، ومن لم يكن على هذا القدر من الشطط في الكفر ، أو لم تكن له القدرة على التصريح به ، تجده ملفوفاً بالشكوك في كل مايتعلق بالإسلام من عقائد وشرائع وأخلاق ، يتناولها تناول المستريب ، ويحاكمها محاكمة المتهم .
وهؤلاء وهؤلاء لايفتأون يذكرون أئمة الكفر بالذكر العاطر ، ويجعلون منهم قدوات ، ويرسمونهم أمام أعين الأجيال في أحسن صورة وأجمل وصف ، ويغدقون عليهم ألوان المديح والإطراء والتبجيل والتمجيد .
وهناك صنف ثالث تسيطر عليه بعض أوهام المروجين للخمور الفكرية ، فيرى أن الإسلام دين سماوي يعتني بالقيم والأخلاق والشعائر ، والعقائد المجردة ، لكنه لايستوعب الواقع ولايتدخل فيه ، ولايعنيه من أمور الناس إلاّ ما كان في إطار السلوك والشعائر ، أمَّا الأدب والفكر والثقافة أو السياسة والاقتصاد ، فهذه لها ميادينها المستقلة عن الدين وأحكامه ومعاييره، وهذا الصنف - على إغراقه في الانحراف - يعتبر من أمثلهم طريقة .
وهناك صنف رابع ضُربت عليهم عماية الجهل أو التجاهل ، ورانت على قلوبهم غشاوة الغباء أو التغابي ، فإذا هم يهونون من خطر هؤلاء ويحسنون بهم الظن ، ويدافعون عنهم ، ويميعون النظرة الحقيقية الجادة ، ويضفون البراءة عليهم وعلى أعمالهم الشائنة ، تحت حجج واهية بليدة ، أو يساعدون في إضفاء نوع من الضبابية على جوانب من طرحهم وفكرهم ، وكأن لسان حال هذا الصنف ينطق بـ { إنْ أَرَدْنَا إلاَّ إحْسَاناً وتَوْفِيقاً } .
بل كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى : { ولا تُجَادِلْ عَنِ الَذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ولا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وكِيلاً } .
وبين هذه الأصناف جميعاً درجات من الانحراف والضلال بعضها أشر من بعض ، كما أن بعضها أخف من بعض .
ومما يزيد الأمر سوءاً أن هؤلاء الممسوخين لهم نفوذ صارخ في أجهزة التوجيه والإعلام في كثير من بلاد المسلمين ، ولا شغل لهم إلاّ نقل النفايات البشرية ، أو المماحكة فيما فرغ الشرع المعصوم من تقريره وإثباته .
قضيتهم الكبرى استيراد الآراء النظرية المتناقضة ، وتخدير إحساس الأمة بآلاف الدواوين والمسرحيات والرسوم والمقالات النقدية وغير النقدية ، من خلال الإثارة والجاذبية والمتعة الفنية في الشعر والرواية والقصة ، وتهريج المسرح وأصباغ الرسوم ، ومن خلال صناعة النجوم .
وإذا بنا نرى كل طائفي - يحمل أحقاده التاريخية على الإسلام - يخفي دمامة معتقداته تحت فلسفة الحداثة والعلمنة ، ويخرج سمومه القاتلة من أكمام الثوب الأدبي الفضفاض .
كما نرى الوثنية والنصرانية واليهودية تبرز في أقلام المبغضين لقرون الهجرة المباركة ، المعادين لتراث الأمة .
وإذا بنا نرى جهودهم وخبراتهم وقدراتهم تصب في إناء اليهودية التلمودية ، لتجتمع كلها تحت لواء الرغبة الجامحة للإجهاز على الإسلام وعقيدته وشريعته وتراثه وحضارته وتاريخه المجيد .
ومما يفت فؤاد المسلم أن يجد لهؤلاء الأرجاس أدوات من بني جلدتنا ، استقطبتهم زمزمة كهان الحداثة ، في حين غفلة منهم عن دينهم ، وعجز منهم عن تحقيق وجودهم بتحصيل علمي رصين ، فإذا هم يرددون أفكار الزنادقة والملاحدة ، ويضاهون اليهود والنصارى والوثنيين - ببلاهة وغوغائية - في عبارات مطاطة وألفاظ مبهمة ، وتراكيب غامضة إذا حققتها وجدتها التبعية والتقليد ليس غير .
وليست المأساة متوقفة عند هذا الحد ، بل تجدها تزداد خطورة عندما تلتفت إلى الركام الهائل من المؤلفات والمجلات والملاحق الأدبية ، والمراكز الثقافية في كثير من البلدان العربية ، فلاتجد عليها إلاَّ طائفياًّ نبت في الظلام وخرج من وراء الكواليس ليكون هو وأضرابه من معالم الأدب الحديث ، أو نصرانياً ترعرع تحت ظل الصليب يتسنم التوجيه والتثقيف ، أو ملحداً وجودياً أو ماركسياً أو إباحياً يبرز من أعطاف جثة المادية الغربية ليكون من رموز العلم والأدب والفن ، أو تابعاً لهؤلاء لايدري ، ولايدري أنه لايدري .
أمَّا إذا تأملت في تعبيراتهم ورموزهم ، فإنك تجدها على قسمين ، أحدهما : مكشوف ، والآخر مقنع ، وكلاهما مسخر لخدمة الحداثة ومضامينها ، وموجه لتحطيم دين الله تعالى والإرث المبارك والتراث الخير ، ومؤسس للقيام بدور التخريب الفكري ، والتلويث الثقافي ، والانحلال الخلقي ، فتجد في إنتاجهم المجاهرة بإنكار الرب سبحانه وتعالى ، وجوداً وألوهية ، والاستهانة بأسمائه - تعالى - وصفاته ، وجحد وجود الملائكة والسخرية منهم ، وتكذيب الرسل والأنبياء وإنكار قضية الوحي جملة وتفصيلاً ، وجحد الكتب المنزلة والسخرية بكل ذلك ، وإضفاء صفة النبوة والمعجزة على الشاعر والحداثي المبدع ، وجعل الأساطير بديلاً للوحي الكريم ، والآلهة الوثنية شريكاً لله العظيم ، مع تكذيب بالقدر واستهانة به ، وتهكم بالمؤمنين به ، وجحد المعاد وسائر الغيبيات ، مع الإيمان بغيبيات وثنية جاهلية ، ولذلك تجدهم يوظفون الرموز الوثنية واليهودية والنصرانية في أعمالهم بشكل بارز وكثيف .
أمَّا إذا جاؤوا إلى تاريخ الإسلام فإنهم لايستخرجون منه سوى أمثالهم من أهل الزيغ والشك والانحراف والزندقة ، وهم مع كل ذلك يطرحون فكرتهم على أساس أنها فكرة كلية شاملة ، متطورة أبداً ، قادرة على احتواء كل قضايا الكون والحياة والإنسان ، وعلى ذلك فقد توجهوا بعنف وحقد لمحاربة الحكم الإسلامي والسخرية من أخلاق الإسلام والسعي لترسيخ ألوان الانحرافات الاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية ، والدعوة للانحلال والفوضى الخلقية والدعوة إلى استبدال شرع غير الله بشرع الله الحكيم ، إلى غير ذلك من مفردات الانحرافات التي لاتكاد تحصى لكثرتها وتنوعها .
أمَّا المقنَّع من أفكارهم تحت أردية الغموض والرمزية فهو كثير كذلك ، ولايخرج عن المضامين السابقة ، بل هو في خوضها الآسن غارق .
فإذا أرادوا - مثلاً - الحديث عن القرآن سموه “ صوت الألوهية ” أو “ نتاج الغيبوبة ” ، والحكم الإسلامي يرمزون له بالملح والرماد والجفاف ، وقررن الهجرة والفتح الإسلامي والخلافة رمزوا لها بالإبل والسفر والنخيل والبخور والتعاويذ والصحراء والهجير والرمال الضريرة ، والعمائم المتخمة والأعشاب الميتة ، وأرض الحروف عندهم أرض النبوات والإسلام والهدى ، والأغوار الخرساء يريدون بها التاريخ الإسلامي ، والشريعة والصلاة والمنارة يرمزون لها بالستارة السوداء ، والإصلاح والدعوة وإحياء الإسلام يعبرون عن موقفهم منها بقولهم : “ أهدم كل لحظة مدائن الغزالي ” ونبذ التراث والإقبال على الغرب يأتي تحت قولهم : “ أرفض الرمل واتجه نحو البحر ” ، والحداثة يسمونها : الشمس وفاطمة وفضة ونافذة الضوء ورياح المواقع والتضاريس ، والمطر والخصب ، والتكوين الآتي إلى آخر ما هنالك من رموز وألفاظ تحتها الأفاعي والحيات .
إضافة إلى إحياء الرموز الباطنية وأسسها الفلسفية لتشكل ملامح غير معروفة إلاّ لذي التتبع ، وتعطي للغة دلالات غير دلالاتها الأصلية ، وهو جانب آخر من جوانب الخطورة التي ينطوي عليها المشروع الحداثي يتمثل في دعوتهم إلى “ تفجير اللغة ” أو “ التحديث اللغوي ” فإذا انضاف إلى ذلك سعيهم لهدم أصول الفقه ، وضوابط تلقي الوحي وفهمه وتطبيقه علمنا أن القوم لايهدفون إلى تجديد في الأساليب ولاتحديثٍ في الصيغ بقدر مايستهدفون هدم ملة الإسلام ، وإقامة ملة الحداثة مكانها { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}.
من هذا كله وغيره كان الموضوع على جانب كبير من الأهمية ، وكان اختياري له بعد مدة طويلة من المتابعة لإصداراتهم والنظر في أعمالهم والتأمل في مقالاتهم ، والمناظرة والمناقشة مع بعض أتباع هذه النحلة محلياً وعربياً .
فسجلت فيه بحثي هذا لأبيين بعض جوانب الخطورة في الأدب العربي المعاصر ، لعله يكون سبباً في كبتهم فينقلبوا على أعقابهم خاسرين ، وسبباً لإيضاح الحق لمن استغفل وجرى في مجراهم مؤيداً أو منافحاً ؛ لعله يعود إلى الهدى ، وسبباً لتحريك حمية أهل الإيمان فيلتفتوا إلى دعاة جهنم ممن يتكلمون بألسنتنا ويتسمون بأسمائنا ويعيشون بين ظهراني المسلمين .
وأكبر آمالي أن يكتب الله لي أجر المنافحة عن دينه والمغايظة لأعدائه ، وإبانة سبيل المجرمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة .
2 - حدود الموضوع :
وقد قسمت هذا البحث إلى أربعة أبواب وخاتمة ، وصدرته بالمقدمة والتمهيد .
فالمقدمة تحدثت فيها عن أهمية الموضوع وسبب اختياره ، وعن حدود الموضوع وبعض الدراسات السابقة فيه .
والتمهيد تحدثت فيه بإيجاز عن شمول الإسلام لكل أعمال الإنسان ومناشطه ، وعن علاقة الأدب بالاعتقاد ، ونبذة عن الانحرافات العقدية المعاصرة في مجال الثقافة والفن والأدب .
أمَّا الباب الأول فهو بعنوان : الانحرافات المتعلقة بالله سبحانه وتعالى ، وتحته أربعة فصول :
الفصل الأول : الانحرافات المتعلقة بالربوبية .
الفصل الثاني : الانحرافات المتعلقة بالألوهية .
الفصل الثالث : الانحرافات المتعلقة بالأسماء والصفات .
وأمَّا الباب الثاني فهو بعنوان : الانحرافات المتعلقة بالملائكة والكتب المنزلة والأنبياء ، وتحته ثلاثة فصول :
الفصل الأول : الانحرافات المتعلقة بالملائكة عليهم السلام .
الفصل الثاني : الانحرافات المتعلقة بالكتب عامة والقرآن خاصة .
الفصل الثالث : الانحرافات المتعلقة بالرسل عليهم الصلاة والسلام .
وأمَّا الباب الثالث فهو بعنوان : الانحرافات المتعلقة باليوم الآخر والقدر ، وتحته ثلاثة فصول :
الفصل الأول : الانحرافات المتعلقة باليوم الآخر .
الفصل الثاني : الانحرافات المتعلقة بالقدر .
الفصل الثالث : الانحرافات المتعلقة بالغيبيات الأخرى .
وأمَّا الباب الرابع فهو بعنوان : الانحرافات المتعلقة بالأحكام والسلوك ونظام الحياة ، وتحته خمسة فصول :
الفصل الأول : العبث بالمصطلحات الشرعية والشعائر الإسلامية .
الفصل الثاني : محاربة الحكم الإسلامي والدعوة إلى تحكيم غيره .
الفصل الثالث : السخرية من الأخلاق الإسلامية والدعوة إلى الانحلال والفوضى الخلقية .
الفصل الرابع : الانحرافات في القضايا الاجتماعية والنفسية .
الفصل الخامس : الانحرافات في القضايا السياسية والاقتصادية .
وأمَّا الخاتمة ففيها : بيان أسباب الانحراف العقدي في الأدب العربي الحديث ، ومقترحات لمواجهة الانحراف العقدي في الأدب العربي الحديث .
هذا وقد بدأت أهتم بهذا الموضوع وأعتنى بجمع الكتب فيه من أيام الدراسة الجامعية ، يوم شعرت أن بعض الطلاب قد تأثرت عقائدهم بشكوك قادت بعضهم إلى الإلحاد الصريح ، وبعضهم إلى ريب في وجود الله تعالى والنبوات والمعاد ، وكنت أراهم يتداولون دواوين شعراء الحداثة وكتبهم النقدية والفكرية ، وأظن أن ذلك من باب الحرص على التجديد الفني والأدبي كما كانوا يزعمون ، فلما اطلعت على ما لديهم وجدت أن الأمراض الاعتقادية قد تسربت إليهم من مجالسات أهل الشبه والأهواء ، ومن الكتب التي كان جلساؤهم بل أساتذتهم في الشر يوجهونهم لشرائها ، واقتنائها وكانت هناك مكتبة لأحد الحداثيين تجلب كتب أهل الحداثة ومجلاتهم ، والقوم على أرففها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ، يتهافتون على شرائها ثم توزيعها إهداء أو إعارة .
وكانت لي معهم جولات وصولات في القضايا الكبرى ؛ قضية وجود الله ، قضية القدر ، والنبوة ، والمعاد ، وأحكام الشريعة ، وغير ذلك .
ثم واصلت متابعتي لهذا التيار على مستوى الصحف المحلية ، والأندية الأدبية ، والأمسيات الشعرية ، وجرى فيها من الأحداث مايطول شرحه .
وفي عام 1407 هـ سجلت على شريطين مادة علمية عن هذا الاتجاه بعنوان “ الحداثة حقائق ووثائق ” كانت ذات أثر بالغ على صعيدين :
الأول : أهل الدين والإيمان فهؤلاء تبين لهم خطورة هذا المذهب ، وضلاله وبشاعته ، وعظم انحرافاته .
الثاني : أهل الحداثة والعلمنة وقد وقع هذا العمل منهم موقع الصيحة ، فهبوا يدافعون في الصحف والأندية ، وفي المنشورات ، وطفقوا يبحثون عن أي شيء به يحتمون ، أو من خلاله يهاجمون ، واستعدوا وألَّبُوا ، وتناصروا ، واستخدموا بعض الفئات الجاهلة أو المتجاهلة ، وظاهرهم إخوانهم من الحداثيين العرب في مصر وبيروت ولندن وباريس .
وفي أثناء هذه المسيرة الطويلة من المرحلة الجامعية حتى تسجيل هذا البحث جمعت كميات كبيرة من كتبهم ومجلاتهم وقصاصات كثيرة من صحفهم وملاحقهم الأدبية ، ولما جئت لكتابة هذا البحث وجدت أمامي ركاماً هائلاً مما هو في ملكي ، فضلاً عما في الأندية الأدبية والمكتبات الكبيرة ، وكان من المستحيل أن أجمع مادة هذا البحث من كل هذه الكتب والمجلات والملاحق ، فعمدت إلى كتب ودواوين وروايات أكابر عتاة هذه النحلة ، وأعرضت عن التلاميذ الصغار الذين يحاكون أساتذتهم ويرددون مقالاتهم ، وقد قرأت بعد تسجيلي لهذا البحث مايزيد على خمسة عشر ألف صفحة من كتبهم ، ولايدخل في هذا العدد ما قرأته من مجلات وملاحق ، ولا ما سبق لي قراءته طوال ثلاثة عشر عاماً من أواسط المرحلة الجامعية حتى تاريخ تسجيل هذا البحث ، ولا ما قرأته من كتب مضادة للحداثة والعلمانية .
ومادمت أتحدث عن حدود الموضوع فإني أرغب في تبيان عدة أمور :
1 - أنه بعد النظر في كتب أهل الأدب الحديث تبين لي أن أكثرهم يطلقون لفظ “ المعاصرة ” و “ الأدب المعاصر ” على أدب الحداثة .
ذلك أن الحداثة عندهم مصطلح عسير التحديد مضطرب الحدود محملٌ بمعان مشكلة ملتبسة ، وأكثر ماتجد التباسه مع لفظ “ المعاصر ” و “ الجديد ” و “ العصري ” ، بحيث يضفى هذا الالتباس على هذا المصطلح طابعاً مضطرباً قلقاً ، يجعله متداخلاً بعمق - في استعمالهم - مع مصطلح “ المعاصر ” و “ الجديد ” في الإشارة إلى مفهوم الحداثة .
وعلى هذا فعنوان البحث وموضوعه يتجه مباشرة لمعالجة موضوع الحداثة .
2 - وبناء على ما سبق فإني ابتدأت في هذا البحث من بداية الحداثة الشعرية العربية في العراق على يد السياب أو نازك الملائكة حسب اختلاف الحداثيين ، وكلاهما ظهر في حقبة واحدة ما بين 1366 هـ - 1380 هـ/1946 م - 1960 م .
على أنني قد أتحدث عن بعض من سبقهم مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمه ومعروف الرصافي ، والرابطة القلمية وجماعة ابولو والديوان وغيرهم ممن يعدون الإرهاصات الفكرية والأدبية للحداثة .
3 - ركزت على دواوين وكتب أكابر الحداثيين وأوائلهم ومشاهيرهم في البلاد العربية ، وإن ذكرت بعض تلاميذهم فعلى سبيل الاستطراد أو الاستشهاد في قضية محددة ، ولذلك لم أتعرض - إلاَّ لماماً - للحداثة المحلية ؛ لأنني رأيتهم مجرد نقلة ومحاكين لأولئك الأوائل ، الذين كانوا هم بدورهم مجرد نقلة ومقلدين للحداثيين الغربيين .
4 - رتبت أكثر الفصول على الطريقة التالية : أبدأ بذكر إجمالي لمعتقد أهل السنة والجماعة في القضية المتناولة ، ثم أذكر - غالباً - الجذور الفكرية للانحرافات الاعتقادية عند أهل الأدب العربي المعاصر ، ثم أورد أوجه الانحرافات والشواهد عليها ، وأعقب على بعض الشواهد ناقداً ومفنداً ، وأترك أكثرها من غير تعقيب لوضوح انحرافها وشططها ، أو اكتفاء بما مهدت به للفصل من ذكر لمجمل عقيدة أهل السنة ، والجذور الفكرية للانحرافات الحداثية .
5 - ركزت في ذكر الشواهد على مايسمونه شعراً ، ثم على بعض الروايات ، ولم أفرق بين الحداثة الشعرية والحداثة الفكرية ؛ لأنه لا فرق بينهما في الحقيقة ، إلاّ كالفرق بين النصرانية وترانيم يوم الأحد في الكنيسة .
فالحداثة الفكرية قاعدة الصنم ، والحداثة الأدبية بقية أجزائه .

مقاوم
01-13-2008, 01:12 PM
6 - عُنِيتُ بإيراد شواهد كثيرة على انحرافاتهم ، وأحلت في الهوامش على مواضع أكثر ؛ وذلك لتحقيق أحد أهم أهداف هذا البحث ، وهو إثبات انحرافاتهم ، بأدلة من كلامهم ، وبشهادات بعضهم على بعض ، بيد أني لم أورد كل ما جمعته من مادة في هذا الصدد ؛ لكثرته ، وما إيرادي للشواهد العديدة من كلامهم إلاّ لأن ( ... اللفظ دليل مادي قائم على حقيقة اللافظ ، قال الله تعالى : { ولَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ } ) ، فإذا نقلت نص كلامهم وضعته بين قوسين ، وذكرتُ اسم المرجع في الهامش ، وإذا نقلت المعنى كتبتُ في الهامش “ انظر ” .
7 - بذلت جهدي في ترجمة من ترد أسماؤهم ، وجعلت ثبتاً في الأخير للأسماء المترجم لها ، غير أن بعض الأسماء لم أترجمها ؛ لأنني لم أجد مصدراً للترجمة ، ولا معلومات لدي عنها ، بيد أني لم أترك ترجمة الشخصيات ذات التأثير في حركة الحداثة الفكرية والأدبية .
8 - حاولت أن أقرن كل تاريخ ميلادي بتاريخ هجري ، ولم أتعمد ترك شيء من هذه التواريخ إلاّ ما كان في داخل نص منقول .
9 - أوردت الشعر الحداثي على طريقتهم في الكتابة ، ووضعت نقاطاً تدل على الحذف .
10 - علقت على بعض النصوص التي تحتاج إلى تعليق ، وسردت نصوصاً أخرى في مجال الاستشهاد على قضية من قضايا الانحراف دون تعليق عليها ؛ لأن المراد هو إثبات هذا الوجه من الانحراف أو ذاك .
11 - كان التركيز على الاستشهاد بالشعر الحداثي أكثر من غيره لأسباب عديدة أهما : أن الحداثيين أنفسهم اعتبروا الشعر أساس مشروعهم ، وأهم أعمالهم ، وأخطر إبداعاتهم ، ثم لكثرة الأعمال الشعرية وانتشارها ، وكثرة قرائها .
12 - ذكرت أثناء عرض أفكار وعقائد القوم ، الأوصاف التي يستحقونها ، وتنطبق على ما فاهوا به من كلام ، مثل أوصاف الضلال والزيغ والإلحاد والانحراف والسخف والتهافت والانحدار والتبعية والغثائية ونحو ذلك ، كما أني صرحت بأسماء من نقلت عنهم ، وسبب ذلك أن التصريح بالأسماء هو الموافق لأهداف البحث ، ولا قيمة للبحث بدون ذلك .
وأمَّا ذكر الأوصاف ؛ فلأنها تنطبق عليهم حقيقة ، بل إن بعضهم اعترف صراحة بالإلحاد والكفر والزنى واللواط والمخدرات ، فلا ضير في ذكر هذه الأوصاف في المواطن المناسبة لها ، ولا منافاة بين ذكرها والموضوعية اللازمة ، والعرض العلمي .
والمتأمل في أسلوب القرآن العظيم في معالجته لقضايا الكفر والنفاق وأنواع الانحرافات الأخرى ، يجد المحاجة بالبرهان والمجادلة بالدليل جنباً إلى جنب مع ذكر الأوصاف المطابقة للموصوفين مثل { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } ، { انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ } ، { وقَعَدَ الَذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ } ، { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ، { ولا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وأَضَلُّوا كَثِيراً وضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ } ، { إنْ هُمْ إلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، { مَثَلُ الَذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } ، { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } ، إلى غير ذلك من آيات القرآن العظيم ، وقد نظرت في كتب الصراع بين أهل الإسلام وأصحاب الانحرافات المعاصرة منذ بدأت موجات الغزو التغريبي المادي المعاصر ، فرأيت كثيراً من أهل الغيرة الإيمانية يتجنب في كتاباته ذكر الأوصاف اللائقة بأصحابها ، ظناً منه أن ذلك يناقض الموضوعية أو ينافي أصول الطرح العلمي ، تحت ظنون مايسمى بالتجرد العلمي ونزع الذاتية والترفع المعرفي ونحو ذلك ، وقد فاتهم أنهم بهذا الأسلوب قد أسهموا نوع إسهام في إرساء مطلب من مطالب الحداثيين والعلمانيين ، وذلك بنزع الوصف الاعتقادي أو المعرفي عن أقوالهم ، بحيث تذوب هذه الأقوال الشنيعة في أحماض التناولات الثقافية المجردة، والتحليلات النقدية الباردة .
ثم إنه بالنظر إلى كون أصحاب هذه الأقوال راضين عن أقوالهم مرتاحي القلوب إليها ، باذلي الجهد في نشرها وترويجها، فلا شطط في وصفهم بما اطمأنت إليه نفوسهم وبما استبطنته قلوبهم ، كما تشهد بذلك أقلامهم وأعمالهم .
وأرى أن هذه الأوصاف لازمة للحط من منازلهم في قلوب من أشرب حبهم بجهل أو تجاهل ، بقدر ما حازوه من هذه القلوب بغير حق .
ثم إني ما قسوت في القول - إن عُدَّت هذه الأوصاف قسوة - إلاّ على الذين قست أقوالهم في حق ركن من أركان الإيمان أو قضية من قضايا الإسلام أو علم من علومه .
أضف إلى ذلك أنهم حين يناقشون أهل الإسلام فإنهم لايترددون في رميهم بأقذع الألفاظ وأخبث الشتائم ، وأسخف الأكاذيب ، ولم أكن فيما وصفتهم به - ولله الحمد - في شيء من ذلك ، بل كان نعتي لمن أطالوا التلاعب بعقول القراء وباعوا الضلالة بيع الهدى ، وعرضوا الباطل وكأنه الحق ، وسوقوا الانحرافات ، وكانوا سماسرة ووكلاء لأعداء الإسلام ؛ نعتاً لايتجاوز ما هم عليه ، إن لم يكن فيه تقصير عن وصف حالهم أسأ إسلام ، ورفع وطأة أهل الأهواء والشبهات ، وسد سبل انحرافاتهم الكثيرة ، وكشف المضلين المفتونين ، المنطوين على أسقام أصابت عقولهم وقلوبهم ، فرشح عنها مارشح من آراء باطلة وجهالات ساقطة ، وانحرافات يخزي بعضها بعضاً ، هذا و ( إن تصور مذهب هؤلاء : كاف في بيان فساده ، لايحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر ، وإنّما تقع الشبهة ؛ لأن أكثر الناس لايفهمون حقيقة قولهم وقصدهم ، لما فيه من الألفاظ المجملة والمشتركة ، بل وهم أيضاً لايفهمون حقيقة مايقصدونه ويقولونه ... وكل من يقبل قول هؤلاء فهو أحد رجلين ، إمَّا جاهل بحقيقة أمرهم ، وإمَّا ظالم يريد علواً في الأرض وفساداً ، أو جامع بين الوصفين ، وهذه حال أتباع فرعون الذين قال الله فيهم : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } وحال القرامطة مع رؤسائهم ، وحال الكفار والمنافقين في أئمتهم الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لاينصرون ) .




3 - الدراسات السابقة في الموضوع :
هناك مجموعة من المؤلفات التي تعرضت لهذا الموضوع ، أو بالأحرى لبعض القضايا فيه ، حيث لم أجد كتاباً جامعاً تحدث عن موقف الحداثيين من أركان الإيمان ومقتضياتها العملية .
وهذه المؤلفات تختلف من حيث حجمها ، ونوعية التناول للموضوع ، ومقدار العمق والشمول في محاكمة القضايا إلى عقيدة الإسلام وشريعته وغير ذلك من أمور ، وسوف أذكر جملة منها مرتبة حسب الترتيب الهجائي معطياً نبذة يسيرة عن كل واحد منها :
1 - أباطيل وأسمار : للأستاذ محمود محمد شاكر ، يقع في جزأين كبيرين يحتويان على 630 صفحة ، وفيه مناقشة علمية وأدبية واعتقادية لأوائل جذور الانحراف ، وخاصة لويس عوض ثم توفيق الحكيم ومحمد مندور وطه حسين وغالي شكري ومحمد خلف الله وغيرهم ، وقد تحدث عن هؤلاء وخلفياتهم الفكرية ، وتاريخ عمالتهم وارتباطهم بالمستعمر والكنيسة ، وتلاعبهم بالألفاظ والمصطلحات ، وتدليسهم للمفاهيم ، ودعوتهم إلى العامية ، وسيرهم في مخطط التبشير والاستشراق وأثر العقيدة النصرانية على أعمالهم الكتابية ، وممارساتهم العملية ، وكشف عداوتهم للقرآن وأخباره ، والإسلام وأحكامه ، واللغة ومدلولاتها .
على رقي في أسلوبه ، وفخامة في ألفاظه ، وجمال في ترتيبه ، وجدير بكل متخصص في هذا الشأن ، أو مريد العلم فيه أن يطلع على هذا السفر النفيس .
2 - الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر : للدكتور محمد محمد حسين رحمة الله ، ويقع في 470 صفحة ، وهو من أجل الكتب وأنفعها في مضمار بيان أوجه الصراع بين الكفر والإسلام في هذا العصر ، وتاريخ هذا الصراع ، وامتداداته ، كتبت بقلم محب للإسلام عميق الفهم فيه وفي أساليب ومقاصد أعدائه .
وقد تحدث عن الخلافة الإسلامية ، وأثر إلغائها في ترسيخ العقائد الجاهلية المعاصرة ، وأثر ذلك على الآثار الأدبية والفكرية ، وكيف بدأت إثر ذلك الدعوات العلمانية اللادينية ، والقومية ، والمناداة بالجامعة العربية بديلاً من الجامعة الإسلامية ، ثم الدعوات الإقليمية ، ثم تعرض لقضية “ القديم والجديد ” وكيف تجلت المعارك في هذه القضية عن صراع بين الإسلام ومقتضياته ، والتغريب وملحقاته ، وماتلى ذلك من دعوات للعلمانية والإلحاد ، وإفساد المرأة والتعليم والإعلام والأدب ، وهدم للدين والأخلاق واللغة العربية ، وقد استغرق ذلك منه مايقارب نصف الكتاب وفيه تجلت قدرة المؤلف - رحمه الله تعالى - في الربط بين هذه الاتجاهات وجذورها ، ودوافعها ومشروعاتها المستقبلية .
ومن أراد الاطلاع على أبعاد الحرب القائمة ضد الإسلام وخلفياتها التاريخية والاعتقادية والفكرية ، وأساليبها العملية ، وأبعادها المستقبلية فلا غنى له من الاطلاع على هذا الكتاب النفيس ، الذي نال حظاً من القبول عند المثقفين المسلمين قلما يناله غيره ، وهو جدير بهذه المنزلة .
3 - أدب الردة ، قصة الشعر العربي الحديث : للأستاذ جمال سلطان ، ويقع في 151 صفحة ، وهو كتاب جيد من كاتب عرف باطلاعه العميق في الاتجاهات المعاصرة .
وقد بدأ كتابه بعرض تاريخي فكري موجز لنشأة الحداثة الشعرية في البلدان العربية من الديوان وأبولو والمهجر وغيرها ، ومن حداثة العراقيين إلى المصريين إلى مجلة شعر في لبنان ، ثم جال جولة سريعة في بعض المذاهب الأدبية من الرومانسية حتى الواقعية الاشتراكية ثم تعرض لمفهوم العالمية عند شعراء الحداثة ، وبيـّن أن المراد به أوروبا مكاناً والعصر الحديث زماناً ، والمادية فكراً واعتقاداً ، ثم تحدث عن مفهوم التجديد وموقفهم من الثابت والمحافظ ، ودعوتهم للهدم الكامل والتطور المطلق ، ثم تحدث عن التيارات المشبوهة التي تقف خلف هذا الشعر الحديث .
ويتميز المؤلف بقدرته الفذة على ربط كل هذه القضايا بالمفاهيم الإسلامية ، واستشهاده الدقيق والمتنوع بكلامهم حيث حشد جملة كبيرة من الشواهد المختلفة لحداثيين من بلدان عديدة ، وهي ميزة كبيرة لهذا الكتاب ، الذي تميز أيضاً برصانة الأسلوب ، وجودة السبك ، وجمال العبارة والتركيب .
4 - أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب : للدكتور السيد أحمد فرج ، ويقع في 325 صفحة ، وهو وإن كان يتحدث عن نجيب محفوظ إلاّ أنه يعد - بحق - من الدراسات الناضجة ، التي يُمكن الإتساء بها في مناقشة قضية العلمانية والحداثة في البلاد الإسلامية ، لاسيما وأن مؤلفه صاحب خبرة دقيقة في هذا المجال ، والمطلع على كتابه “ جذور العلمانية ” يجده على صغر حجمه من أعمق الكتب وأنضجها في هذا المجال .
تحدث المؤلف في كتابه أدب نجيب محفوظ عن الجذور الاعتقادية التي انطلق منها ، وجعل القسم الأول منه عن حياة نجيب محفوظ بكل خلفياتها ومؤثراتها الزمانية والمكانية والفكرية ، ومدى تأثير كل ذلك على فكره وإنتاجه ، وجعل القسم الثاني عن القضايا الفكرية التي اهتم نجيب محفوظ بطرحها من خلال رواياته من اشتراكية وحرية جنسية ، ودعوة تغريبية جلية ، وعمالة لليهود واستخذاء للنصارى وخضوع للماديين .
والكتاب بقدر مايتحدث عن نجيب محفوظ إلاّ أنه أيضاً يتحدث عن التيار التغريبي الذي يستهدف تقويض الإسلام ، وإلحاق المجتمع الإسلامي - في تبعية مهينة ذليلة - بالغرب في العقيدة والسلوك ونظام الحياة ، فهو بحق يصور إشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب من خلال رؤية إسلامية واضحة ، وروح إيمانية جياشة .
4 - الإسلام والحداثة : لعبدالمجيد الشرفي من تونس ، ويقع في 346 صفحة ، وهو كتاب لا علاقة له بموضوع هذا البحث ، وإنّما أوردته لرفع التباس قد يرد من قراءة العنوان .
وهو كتاب علماني المنهج والمقصد ، يحاكم قضايا علم أصول الفقه والفقه والتفسير والحديث ، والقضايا العملية : السياسية والحكمية المتفرعة عنها ، محاكمة علمانية مادية قبيحة ، يظهر فيها التحامل على الإسلام ، والتبجيل للعلمانية والماركسية وغيرها من المذاهب المادية المعاصرة .
5 - أسلوب جديد في حرب الإسلام : للأستاذ جمعان بن عايض الزهراني ، ويقع في 211 صفحة ، وهو كتاب جليل النفع ، يدل على غيرة متألقة ، وقلب شجاع .
تحدث فيه مؤلفه عن الحداثة ، ومفهومها الشمولي عند سدنتها ، ثم تعرض لكاهنها الأكبر الباطني أدونيس ومضامين أطروحاته وفكره المادي ، وعمق عداوته للإسلام واللغة العربية والمجتمع الإسلامي ، ثم خصص فصلاً متميزاً عن الأساس العقائدي للحداثة ، أوضح فيه جملة من الأطر الاعتقادية المنحرفة التي تمر من خلالها الحداثة العربية وكلها تتجه نحو هدف واحد “ مضادة الإسلام ومناقضته ” وقد أورد جملة من الشواهد الصارخة ذات الدلالة الواضحة على عداوتهم للإسلام ، واستعارتهم الأفكار والعقائد المنحرفة والسعي في ترويجها ، ثم تحدث في فصل آخر عن الحرية الإبداعية والماسونية العالمية ، بيّن فيه أثر الماسونية في الحركة الحداثية ، وملامح التشابه بين الحركتين ، في أصل المخطط وأهدافه ووسائله ، وأصوله الفكرية ، ثم تحدث عن المثالب الخلقية والسلوكية التي كست جسد الحداثيين .
والكتاب كله يحتوي على دراسة جيدة للحداثة وجذورها الفكرية ومخططاتها التخريبية ، من منطلق اعتقادي أولاً - وهو أهم وأخطر منطلق - ثم من منطلق فكري وثقافي وفني في درجة ثانية ، وهو وإن كان معظمه عن أدونيس إلاّ أنه يحتوي على حقائق عامة تنطبق على أكثر أهل الحداثة .
6 - التجديد في الشعر الحديث ، بواعثه النفسية وجذوره الفكرية : للدكتور يوسف عزّ الدين : ويقع في 279 صفحة ، وهو من إصدارات نادي جدة الأدبي .
وقد بين فيه حجم التلوث الفكري في أدب الحداثة وأوجه التبعية للغرب ، والشعور الكامن لديهم بالضعف والنقص أمام الغرب ، وأثر فرويد عليهم ، ثم تحدث عن مسيرة التجديد في الشعر العربي وما خالطها من أخلاط ومفاسد فكرية وفنية ، ثم تحدث عن بواعث التجديد وجذوره ، وأنه من أول بداية له كانت تقليداً للغرب ، والذي يعاني من فراغ روحي ، تسرب إلى مقلديه من العرب ، ثم تحدث عن ظواهر فنية ولغوية في الشعر الحديث ، ثم عن مضامين الشعر الجديد ، وأهم ما في الكتاب حديثه تحت عنوان “ الحداثة المدمرة ، والشعر الحديث ، والأسطورة ” .
والكتاب في الجملة جيد من حيث المناقشة الفنية والفكرية ، وفيه بعض الأخطاء الفكرية كتسليمه بالتطور المطلق ، والثناء على بعض رموز الحداثة كالسياب وحجازي وعبدالصبور بل وصفهم أحياناً بالخيرية !! .
ومع إعلان المؤلف غيرته الدينية والعربية إلاّ أنه لم يستطع أن يظهرها في عمق وشمول عند تناوله لشعر الحداثيين .
7 - تحت راية القرآن : للأستاذ مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله تعالى - ويقع في 413 صفحة ، وفيه وقائع معركته مع طه حسين الذي كان يمثل طليعة التوجه العلماني والحداثي ، وخاصة في كتابه “ في الشعر الجاهلي ” .
والكتاب شهير ، وكاتبه أشهر من نور على علم ، وهو لايتحدث عن الحداثة بوجه خاص ، ولكنه يعالج مشكلة التغريب في الفكر والأدب العربي المعاصر ، وهو سجل حافل لوقائع تلك المعركة بين أهل الإسلام والمنهزمين من أبناء المسلمين .
8 - جناية الشعر الحر : للأستاذ أحمد فرح عقيلان ، ويقع في 115 صفحة ، وهو من إصدارات النادي الأدبي في أبها ، وأصله محاضرة ألقيت بهذا العنوان ، وقد أحدث هذا الكتاب ردة فعل عنيفة لدى أتباع الحداثة المحليين فكتبوا ضده واستعدوا عليه ، وسخروا منه .
يتحدث الكاتب عن الجناية القاتلة التي أحدثها شعراء الحداثة في الدين والأخلاق والمفاهيم واللغة ، وقد أورد المؤلف جملة من الشواهد الدالة على مقدار الهبوط في الذائقة الفنية والسلوكية والأدبية ، لدى شعراء الحداثة ، في أسلوب لاذع ، وتحدث في هذا الكتاب بإيجاز عن الانحرافات المواكبة للحداثة مثل الدعوة للعامية ، وقطع الصلة بالشرق ، ودعوات إفساد المرأة ، ثم بين أن كثيراً من شعراء الحداثة لايطمأن إلى ماضيهم ولا إلى عقيدتهم ، وخصص الكلام عن السياب وأدونيس والبياتي ولويس عوض وسعيد عقل ، وأتى بنماذج من كلامهم ومواقفهم وذكر خلفياتهم الدينية ، وانتماءاتهم الاعتقادية .
ثم ذكر جنايتهم على اللغة العربية وأوجه هذه الجناية ، وجنايتهم على التراث العربي ، والعبارات الشاذة والقبيحة التي شاعت في كلامهم ، وتهجمهم على الشعر القديم ، ثم ذكر النظريات الفلسفية التي أثرت في شعرهم مثل الوجودية والفرويدية والبرناسية والواقعية والماركسية ، ثم تحدث عن نفوذ الحداثيين في الصحافة واستغلالهم لهذا النفوذ في ترويج باطلهم ، ثم تحدث عن بعض الجوانب الفنية .
والكتاب على صغر حجمه يعتبر شهادة حق من غيور على الدين والأمة والمجتمع ، وبيان قوي لأبعاد هذا السرطان الثقافي .
9 - الحداثة بين التعمير والتدمير : للدكتور حسن بن فهد الهمويمل ، ويقع في 55 صفحة من الحجم المتوسط .
وقد انطلق فيه مؤلفه من منطلق اعتقادي ، لبيان حجم التدمير الحداثي للإنسان والأديان والأخلاق وغير ذلك من مناحي الحياة ، في عبارة حديثة ، وصياغة متألقة ، وأصل الكتاب محاضرة ألقاها المؤلف بالعنوان نفسه ، ومن أهم مضامينه بيانه أن الحداثة ليست مجرد التغيير الفني بل هي البحث عن الضد المعرفي والثقافي والاعتقادي .
وقد ساق جملة من المفاهيم النافعة بصورة مختصرة سريعة ، وددت أن المؤلف بسط هذه المفاهيم واستشهد لها بشواهد من كلامهم وهو قادر - بحكم علمه الواسع في هذا الميدان ، واطلاعه وأصالة منهجه - أن يأتي بالجديد المفيد في إبانة خطر هذا المنهج التدميري ، بيد أنه ينبغي للمؤلف أن يحذف من عنوان كتاب لفظ “ التعمير ” ؛ لأن الحداثة لاتنطوي على أي عنصر بناء ، اللهم إلاّ إن كان مراده تعمير الحداثة والحداثيين للإلحاد والكفر والضلال ، والأصنام الوثنية ، فذلك شيء حقيقي ، وإن كان العنوان لايدل عليه ، أو أنه أراد تضمين دعواهم في هذا العنوان ليبين زيف ذلك ، فهذا لا ضير فيه .
10 - الحداثة تعود : للدكتور حلمي محمد القاعود ، ويقع في 54 صفحة من الحجم الصغير . وهو خطاب مبسط للقارئ العادي ، يكشف فيه مؤلفه المغالطات الحداثية التي يدلس بها أهل الحداثة على الناس ، ومؤلفه من الكتاب المعروفين بالمتابعة والتصدي للتيارات الحداثية والعلمانية .
تحدث المؤلف عن مصطلح الحداثة ومضامينه ، وبراءة بعضهم من حداثة أدونيس لما انكشفت سوأتها ، وبين أن هذه البراءة مجرد خدعة ؛ لأن الواقع أنهم جميعاً في مضمار واحد ، ثم تحدث عن مجموعة من الأساليب التلبيسية التي يستخدمها أهل الحداثة .
والكتيب في الجملة عبارة عن رأي وانطباع وتأملات وتحليلات سريعة حول موضوع الحداثة .
11 - الحداثة في منظور إيماني : للدكتور عدنان علي رضا النحوي ، ويقع في 170 صفحة من القطع الكبير ، وقد قسمه إلى أربعة أبواب :
الأول عن لفظة الحداثة بين القديم والجديد ، وتحته حديث عن مصطلح الحداثة ومدلولها اللغوي ومضامينها الفكرية وجذورها اللغوية .
والثاني نماذج من فكر الحداثة وآدابها ، استعرض فيه كتاب أدونيس “ مقدمة في الشعر العربي ” كنموذج كاشف لحقيقة الحداثة ، عقب على بعض المقاطع ، ثم تحدث في الفصل التالي عن كتاب جدلية الخفاء والتجلي لكمال أبو ديب ، وناقش بعض مضامينه ، ثم الفصل الذي يليه عن كتاب “ الخطيئة والتفكير ” لعبدالله الغذامي وفيه ناقش بعض المفاهيم البنيوية التي علق عليها الغذامي أبحاثه في كتابه هذا ، واستطرد في قضية الخطيئة والتكفير .
وفي الباب الثالث الحداثة بين الشعر والنثر ، وهو باب مختص بالأمور الفنية والجمالية .
ثم أعقبه بالباب الرابع عن امتداد الحداثة بين الشرق والغرب مركزاً على قضية البنيوية ، وأثر الماركسية والبعثية في الحداثة ، ثم لخص جملة من الركائز الأساسية في الفكر الحداثي والبنيوي ، ثم تحدث عن الحداثة والمادية الجدلية .
والكتاب مليء بالمناقشة العلمية الشرعية لكثير من المفاهيم التي تعرض لها .
12 - الحداثة في ميزان الإسلام : للشيخ عوض بن محمد القرني ، ويقع في 139 صفحة من الحجم الكبير ، وقد قدم له سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ، وصدر هذا الكتاب عام 1408 هـ وكان لإصداره أصداء واسعة على كل المستويات العلمية والثقافية ، ومايزال يعد من أهم المراجع التي تناولت قضية الحداثة .
وقد تألب الحداثيون المحليون والأقليميون على هذا الكتاب ، وأظهروا حنقهم الشديد على مؤلفه ومقدمه ، فكتبوا في ذلك المقالات ونشروا المنشورات وعقدوا الندوات ، مما يدل على عمق وحرارة الطعنة التي تلقوها .
وقد تحدث مؤلفه فيه عن الجذور التاريخية للحداثة ، ثم عن الغموض في أدب الحداثة والغاية منه ، ثم خصص مقطعاً من كتابه لبيان أن الحداثة منهج فكري يسعى لتغيير الحياة ، وأعقبه بالحديث عن الحداثيين المحليين وموقفهم من الإسلام وقيمه ، ثم عن بعض رموز الحداثة العربية وارتباط الحداثيين المحليين بهم ، ثم عن أساليب الحداثيين في نشر فكرهم .
والكتاب على صغر حجمه - نسبياً - إلاّ أنه يعتبر من أفضل ما كتب في هذا المجال ، فقد تناول القضايا الحداثية بصراحة ، وكشف مراميها وأهدافها بوضوح ، معتمداً على معايير الإسلام الاعتقادية والشرعية ، معضداً أقواله بالشواهد والأدلة من كلامهم ، معقباً عليها تعقيبات سديدة مفيدة ، في أسلوب واضح وعبارة سلسلة ، وتوجه إلى المقصود من غير تعمية ولا التباس .
وجملة القول : هذا الكتاب من أفضل ما كتب عن الحداثة من كاتب غيور على دينه وأمته ، ومهما قلت في هذا الكتاب فإن مخبَرَه الحقيقي أكبر من الإخبار عنه .
13 - حوار مع الشعر الحر : لسعد دعبيس من ليبيا ، ويقع في 104 صفحات ، وهو مخصص في بحث الخصائص الفنية المشتركة بين الشعر الحر والشعر القديم ، ولا علاقة له بموضوع هذا البحث .
14 - الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث : للدكتور محمد الكتاني ، ويقع في 1360 صفحة ، تحدث فيها المؤلف عن قضية الصراع حديثاً موسعاً يدل على جهد كبير ودأب وسعة اطلاع ، وتمكن قوي في مجال الثقافة والأدب ، إلاّ أن المعيارية الشرعية والاعتقادية لديه شبه معدومة ، ولذلك لم تأخذ حيزاً في نظرته إلى قضية الصراع ، بل تتناول الموضوع تناولاً حيادياً ، وهذا من أكبر المآخذ على هذا الكتاب الضخم ، حيث حاول أن يمسك العصا من الوسط - كما يقال - ولايغضب أياً من الفئتين ، وأظنه أخفق في ذلك غاية الإخفاق ، بيد أن المهم في هذا الصدد أنه أسقط المعيارية الإسلامية الاعتقادية والشرعية .
وعلى كل حال فالكتاب يحتوي على رصد دقيق وشامل لقضية الصراع وتاريخه وجذوره وامتداداته ، وأشكاله ومدارسه واتجاهاته الفكرية ، ويُمكن الاستفادة منه في هذه المجالات أيما استفادة .
15 - الغارة على التراث الإسلامي : للأستاذ جمال سلطان ، ويقع في 155 صفحة من القطع الكبير ، وهو كتاب جليل النفع ، من كاتب عرف بغيرته على الإسلام وبقلمه الرصين ، وفيه تحدث عن المخططات التخريبية الحداثية والعلمانية الموجهة إلى التراث الإسلامي ، وخلفيات الأحلاف الفكرية المشبوهة في حربهم لتراث الإسلام وآمال الصحوة الإسلامية ، وتحدث عن موقف الحداثة الفكرية والعلمانية الفكرية والعملية الموجه بشراسة وحقد عميق إلى التراث الإسلامي مستشهداً على ذلك بشواهد عديدة ، أظهرها مايجري في الجامعة الأمريكية في بيروت ، وفي جامعة الدول العربية .
16 - في النقد الحديث : للدكتور نصرت عبدالرحمن ، ويقع في 206 صفحة ، وهو دراسة في مذاهب نقدية حديثة وأصولها الفكرية ، وجذورها الفلسفية الغربية ، وتأثير هذه الفلسفات على المذاهب النقدية ، وتسلسل هذه التأثيرات إلى النقد والشعر الحداثي العربي ، ولم يركز المؤلف على المضامين الاعتقادية بل كان تركيزه على القضايا النقدية والفنية وأسسها الفلسفية ، وقد أجاد في الربط بينهما ، وفي إعادة كل مذهب نقدي تعرض له إلى قاعدته الفكرية .
17 - القصيدة الحديثة وأعباء التجاوز : لأبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري ، ويقع في 286 صفحة من القطع الكبير .
وفيه دراسة احتفالية بالشعر الحديث ، وثناء على إنجازاته الفنية واللغوية ، ومدح لأصحابه الذين استطاعوا أن يتجاوزوا الظواهر الفنية القديمة ، ويأتوا بملامح فنية جديدة لم يستطع الأصلاء المهدفون إهداف النواعير أن يفهموها “ حسب تعبيره ” ثم امتدح الآفاق العالمية ، والغناء الفكري والهم الجماعي ، وعزائم الحداثة الممتعة للعقل والقلب والروح ، والقيم الجمالية الممثلة للعطاء الحضاري إلى آخر ما هنالك من عبارات إطراء ، يقابلها عبارات تعريض وقدح لغير الحداثيين الذين يرى أنهم تشغلهم الصورة الجزئية ، ولم يحسوا بالجمال الفني المتجدد ؛ لأنهم يقيسون بالمقاييس الجامدة في كتب البلاغة والنقد القديم ، ويستمتعون باسترجاع النماذج الماضية ، ووأد القيم الجمالية الحديثة ، وقتلنا بما أتخمنا به من الاسترجاع للماضي ، وغلواء التقرير والمباشرة ، وانعدام الآفاق الحضارية والفلسفية والتراث العالمي التي تضمنها الشعر الحديث إلى آخر ما قال .
ثم يعقد مقارنة حداثية علمانية فيقرر أن النقل والاتباع والتقليد هي أسباب النظرة المتخلفة والهابطة لدى المسلمين ، النظرة المتهمة للمقابل الذي هو الإبداع والابتكار والحداثة التي هي خرق المعهود والخروج عن المألوف .
وخلاصة القول : إن رواد التطرف العلماني والحداثي ينطلق انحرافهم وضلالهم الأدبي والفكري والسلوكي من قاعدة التمرد على شرع الله ، زعماً منهم أن هذا الشرع الحنيف ليس شاملاً لكل أعمال الإنسان ومناشطه ، وليس أهلاً لأن يحكم الناس أو يوجه أعمالهم ، أو يقود مسيرة حياتهم نحو حياة أفضل وأسعد ، وسوف أعرض في ثنايا البحث من دلائل هذه العقيدة المنحرفة مايؤكد أن هذا التيار التغريبي يقود حركة ردة عن الإسلام بصورة لم يشهد لها تاريخ المسلمين مثيلاً .
وفي ذلك مايوجب على العلماء والدعاة أن يبذلوا كل جهودهم في سبيل تثبيت العقيدة الصحيحة ، وتفهيم التوحيد الحقيقي ، وترسيخ مبدأ العبودية الشامل ، وتوضيح المفهوم الحقيقي لكلمة المسلم والإسلام فما أكثر جريانها على الألسنة ولكن كم من الناطقين بهما يشعر بما تتضمنان من معاني ؟ وكم من السامعين مايفهم منها تمام المفهوم الذي كان يفهمه الصحابة والتابعون ؟ .
إن إيضاح هذه المعاني وتجلية هذه الحقائق هو أهم مايجب أن تشمر همم المسلمين لتحقيقه واقعاً حياً معاشاً تندحر أمامه شبهات أهل الأهواء وضلالات أصحاب الضلال .

هنا الحقيقه
01-13-2008, 04:17 PM
بارك الله بك اخي مقاوم وجزاك الله خيرا

مقاوم
01-14-2008, 09:27 AM
بارك الله بك اخي مقاوم وجزاك الله خيرا
وفيكم بارك الله يا طيب.
أنا مدرك أن الموضوع طويل وتصعب قراءته في زيارة واحدة، لكني آمل أن يستثمر فيه الإخوة والأخوات بعضا من أوقاتهم لأهميته ولقلة الباحثين فيه من المنظور الإسلامي.

مقاوم
02-28-2008, 08:29 AM
نكمل أو نكتفي بهذا القدر؟؟