تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سورة الحجرات دراسة تحليلية وموضوعية



منال
01-07-2008, 12:58 PM
سورة الحجرات

دراسة تحليلية وموضوعية



للشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر




أولاً: المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (آل عمران:102).

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" (النساء:1).

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً" (الأحزاب:70، 71).

أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد r وبهذين الأصلين اهتدت الأمة قديما، وهما سبيل نجاتها في سائر الأزمان والأحوال. من تمسك بهما رشد واستقام، ومن ضل عنهما غوى وهوى.

ويزداد يقيني يوما بعد يوم أنه لا خلاص لهذه الأمة من هذا الواقع الذي تعيشه، والبؤس الذي تحياه، لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس، إلا بأن تجعل القرآن الكريم سبيل نجاتها، وحبل خلاصها، وهاديها من حيرتها، ومنقذها من رقدتها، به تحيا، وفي ضوئه تسير، وعلى منهاجه تموت، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: من الآية7).

وانسجاما مع هذه القناعة، وتفاعلا مع هذا اليقين طفقت أعيش مع كتاب الله، أفسر آياته، وأبين دلالاته، وأشير إلى هداياته.

ومن ذلك أنني وقفت منذ زمن بعيد مع سورة الحجرات، أتأملها عندما أقرؤها، وأبحث في تفسيرها ومقاصدها، ثم تحول هذا التأمل إلى دروس ألقيها عند كل آية من آياتها، وأخيرا رأيت أن أخرج هذه التأملات والدروس والمباحث في كتاب يستفيد منه العامة والخاصة، لينهلوا مما نهلت من
ه، ويشربوا مما منه شربت.
ذلك أن سورة الحجرات مدرسة متكاملة، تربى في ضوئها أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنها مع قصرها، وقلة عدد آياتها جاءت شاملة لأحكام وآداب وأوامر ونواه لا تجدها مجتمعة في سورة سواها.

إن سورة الحجرات مدرسة متكاملة، جاءت لتربي الأمة على سمو الأخلاق، وفضائل الأعمال وعلو الهمم.

إنها مدرسة عقدية وتشريعية وتربوية، ولذلك فلا عجب أن نرى أخلاق الجيل الأول هي أخلاق القرآن، التي هي أخلاق إمامنا وإمام ذلك الجيل محمد-صلى الله عليه وسلم- الذي كان خلقه القرآن. ولذلك قادوا الدنيا بأسرها. لا بسيوفهم ولا بأموالهم، ولكن بأخلاقهم المستمدة من دينهم، ومثلهم المأخوذة من كتاب ربهم وسنة نبيهم-صلى الله عليه وسلم. وأمتنا اليوم أحوج ما تكون إلى منقذ لها مما هي فيه جائعة والزاد بين يديها، عطشى والماء فوق ظهورها محمول.

ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما صلح أولها إلا بالكتاب والسنة، "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي".

وهذه السورة - سورة الحجرات - تعالج قضايا وأمورا تسهم في حل كثير من المعضلات التي تواجهها الأمة اليوم. ولكن ما سبق عزمت على المضي قدما في إخراج بعض كنوز هذه السورة، حيث لم أرـ حسب اطلاعي - تفسيرا شاملا لهذه السورة، يقف مع آياتها محللا ومفسرا، ومع موضوعاتها دارسا ومبينا ومحققا.

فجاءت دراستي لهذه السورة في قسمين:
القسم الأول: تناولت فيه دراسة الآيات وتفسيرها تفسيرا تحليليا.
والقسم الثاني: تناولت فيه دراسة السورة، دراسة موضوعية شاملة.

ولا أدعي أنني أتيت فيها يتعلق بالتفسير التحليلي بما لم تأت به الأوائل من العلماء والمفسرين، وإنما هو الجمع والانتقاء والاختصار والتعليق والترجيح حسب ما يقتضيه المقام، وأنا عالة عليهم - رحمهم الله وأحسن مثوبتهم.

أما القسم الثاني: فقد كان الجهد فيه أوضح، والعمل أشمل، وبخاصة أنني تطرقت إلى موضوعات اقتضت مني مزيدا من البحث والاستقصاء، والسهر والعناء، التفكير في ضوء ما كتبه الأئمة والعلماء، مستهديا بالكتاب والسنة، وفقه سلف الأمة.

فجاء هذا الكتاب مشتملا على نوعي التفسير - التحليلي والموضوعي -: وقد تناولت في القسم الأولي ما يلي:

1- أسباب نـزول آياتها، وقد ذكرت أهم أسباب النـزول، ورجحت ما أراه عند كل آية إذا تعددت أسباب نـزولها.

2- القراءات الواردة في السورة، واقتصرت على القراءات المتواترة، سوى مواضع قليلة، مع بيان حجة القراءة عند الحاجة.

3- بعض أحكام التجويد، وبخاصة التي اختلفت بعض القراء في نطقها، وهي أخص من القراءة، ولذلك أفردتها.

4- الوقف والابتداء، وهذا المبحث ينسجم مع الشمول الذي التزمته في دراستي لهذه السورة، وبخاصة أن هناك من يخطئ كثيرا في هذا الباب، فيقف في موضع حقه الوصل، ويصل في موضع حقه الوقف.

5- اللغة والإعراب، وقد تناولت فيه ما يتعلق بمعاني الآيات وتفسيرها، مع الوقوف عند إعراب بعض الآيات مما يستدعيه المقام، ويحتاج إليه طالب العلم.

6- وقفات بلاغية، وقد اقتصرت فيه على ثمان وقفات وبلاغية، تسهم في فهم المعنى وبيان المراد.

7- ما ورد في السورة من أحكام.

وهناك من يتصور أن الأحكام التشريعية في هذه السورة قليلة، وهذا غير صحيح، بل فيها جملة من الأحكام والأوامر والنواهي، بيّنتها في هذا المبحث.
هذه هي المباحث التي تناولتها في القسم الأول، وهو الدراسة التحليلية، وقد ركزت في هذا القسم على أن تكون منطلقا للدراسة الموضوعية، حيث إنه يصعب فهم القسم الثاني دون استيعاب القسم الأول، بل إنهما أشبه بالقاعدة والمثال، يصعب فصل أحدهما عن الآخر.

أما القسم الثاني وهو الدراسة الموضوعية، فقد استغرق أغلب الدراسة وأكثر ما ورد في الكتاب، تطرقت في هذا القسم إلى موضوعات استمددتها من آيات هذه السورة وهداياتها.

وقد بذلت فيها وسعي وأفرغت طاقتي في ضوء ما يعيشه المرء من ظروف وأوضاع، في عالم مضطرب هائج، لا يستطيع المرء أن ينـزع نفسه منه، قد تكون هذه الأوضاع مما ساهم في شمول هذه الدراسة، المعالجة الواقعية عند تناول هذه الموضوعات، دون غلو أو جفاء.

وفي هذا القسم بينت أن السورة قد اشتملت على عدة موضوعات ووقفات، كل موضوع منها يحتاج إلى دراسة مستقلة، فمنها الموضوعات العقيدية، ومنها التشريعية، وأخرى في السلوك والأخلاق.

والموضوعات والوقفات التي تناولتها في هذه السورة هي:

أولا: الوحدة الموضوعية للسورة.
ثانيا: وقفات مع سورة الحجرات، وفي هذا المبحث وقفت ثلاث وقفات:
1- منهج للدعاة.
2- مع أسماء الله وصفاته.
3- اللسان في ضوء سورة الحجرات.
ثالثا: موضوعات سورة الحجرات، وهذا أهم مباحث السورة، بل هو صلب البحث وجوهره، وما عداه مكمل له ومتمم، وقد تناولت فيه ستة موضوعات:
1- التقدم بين يدي الله ورسوله.
2- الأدب مع العلماء.
3- التقوى وامتحان القلوب.
4- التثبت في الأخبار.
5- الأخوة.
6- الإسلام والإيمان.
ثم ختمت بخاتمة مختصرة مناسبة، مع ذكر ثبت للمصادر والمراجع، ثم فهرس الموضوعات.
هذا وأسأل الله - جل وعلا - أن يجعل هذه الدراسة نافعة، ومحققة للأهداف التي كتبت من أجلها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وهذا جهد المقل، فما في هذا الكتاب من خير وصواب فمن الله وحده (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (النساء: من الآية113)، (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (البقرة: من الآية255).
وما فيه من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران: من الآية165).
ولا يسعني إلا أتقدم بالشكر - بعد شكر الله - لكل من ساهم في إنجاز هذه الدراسة واستكمالها، سواء أكانت مساهمة حسية أو معنوية، وأخص بالشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث كان تفريغها لي سنة كاملة مساعدا في إنجاز هذا البحث.
وكذلك أخص أساتذتي ومشايخي وزملائي، الذين ساهموا بعلمهم وآرائهم وكتبهم، فلهم جميعا جزيل الشكر وجميل العرفان. رب اغفر لي ولوالدي، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، صلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
الرياض: 29-7-1413هـ
يتبع بالدراسة بإذن الله

هنا الحقيقه
01-08-2008, 05:50 AM
جزاك الله خيرا احتي منال

منال
01-08-2008, 01:58 PM
جزانا واياكم اخينا الفاضل


الدراسة التحليلية


بسم الله الرحمن الرحيم

اسم السورة: سورة الحجرات.
مكان نـزولها: المدينة، وقد ذكر ابن كثير أنها في السنة التاسعة من الهجرة، فهي مدنية ([1] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=26247#_ftn1)انظر: تفسير ابن كثير 4-207. ).
عدد آياتها: ثمانية عشر آية.

ثانياً: أسباب نـزول آياتها

هناك عدة أسباب لنـزول هذه السورة، حيث إن بعض الآيات ورد فيها أكثر من سبب من أسباب النـزول.

أسباب النـزول:
وجمعا بين الاختصار والشمول، وتحاشيا للسرد والتطويل، فسأذكر مجمل الأسباب التي وردت في كل آية إن كان لها سبب نـزول ([2] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=26247#_ftn2)كل آية في القرآن لها سبب نـزول، ولكن السبب إما أن يكون عاما أو خاصا، والمراد هنا السبب الخاص. ) ومتعدد، ثم أذكر أرجحها كاملا حسب ما يظهر لي، مع التنبيه إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: قولهم: نـزلت الآية في كذا، يراد به تارة سبب النـزول ويُراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب كما تقول: عني بهذه الآية كذا.
وقال القاسمي تعقيبا على كلام شيخ الإسلام: وبه يجاب عما يرويه كثير من تعدد سبب النـزول، فاحفظه فإنه من المضنون به على غير أهله. والله أعلم.
وقال أيضا: قولهم: نـزلت الآية في كذا، قد يكون المراد به الاستشهاد على أن مثله مما تتناوله الآية، لا أنه سبب نـزولها ([3] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=26247#_ftn3)انظر:ت فسير القاسمي 15-114. )
وعندما أرجح أن هذا هو سبب النـزول فإني أعني به السبب المباشر لنـزولها، لا ما تشمله الآية، وكذلك عندما أضعف بعض الأقوال فإني أقصد أنه ليس هو السبب المباشر، لا أن الآية
لا تشمله، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
http://i128.photobucket.com/albums/p165/3ola4/dividers/flowers/df260.gif
قوله - تعالى ـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات: من الآية1).
ورد في سبب نـزولها أربعة أقوال:
1- أنها نـزلت في أبي بكر وعمر عند قدوم وفد بني تميم ([1] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn1) انظر: زاد المسير 7-454، وذكر فيه أثرا عن ابن الزبير، وهو من رواية ابن مردويه عنه. )
وهذا القول فيه نظر؛ لأن الذي نـزل في أبي بكر وعمر الآية التي بعدها.
ولكن يمكن حمل هذا القول على أن هذه الآيات نـزلت جميعا، فكان من أسباب نـزولها جملة قصة أبي بكر وعمر، وهو ما يفهم من حديث البخاري في الصحيح كما سيأتي.
2- أن قوما ذبحوا قبل أن يصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، فأمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يعيدوا الذبح، فنـزلت هذه الآية، قاله الحسن ([2] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn2)انظر: تفسير الطبري 26-117، وزاد المسير 7-454. )
3- أنها نـزلت في قوم كانوا يقولون: لو أنـزل الله في كذا وكذا، فكره الله ذلك،وقدم فيه،قاله قتادة ([3] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn3)انظر: تفسير الطبري 26-117، وزاد المسير 7-454، وتفسير ابن كثير 4-205. )
4- أنها نـزلت في عمرو بن أمية الضمري، وكان قد قتل رجلين من بني سليم قبل أن يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاله ابن السائب ([4] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn4)انظر: زاد المسير 7-455. ).

ويصعب الجزم بأحد الأقوال، إلا أن قول قتادة قوي، وكذلك القول الأول حسب التوجيه الذي ذكرت، مع أنني ألمس ضعفا في القولين الثاني والرابع.

http://www.mowjeldoha.com/mix-pic/borders/www.mowjeldoha.com-borders-50.gif

قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) (الحجرات: من الآية2).
ورد في سبب نـزولها قولان:
1- أنها نـزلت في أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في قصة بني تميم ([5] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn5) انظر: تفسير الطبري 26-119، وزاد المسير 7-456، وتفسير ابن كثير4-206. ).
2- أنها نـزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان جهوري الصوت، فخشي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان يتأذى بصوته، فأنـزل الله الآية. قاله مقاتل وغيره ([1] (http://www.saowt.com/forum/#_ftn1)انظر: تفسير الطبري 26-118، وتفسير ابن كثير 4-206. ). والقول الثاني ضعيف، لأن ثابت بن قيس ظن أن الآية فيه، فاستدعاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأزال عنه هذا الظن، بل بشره بالجنة، وفي بعض الروايات بشره بالشهادة، ولذا فإن ثابتا - رضي الله عنه - وإن خاف أن الآية نـزلت فيه، فإنه أيقن بعد ذلك أنه ليس هو المراد وأيضا جهورية صوته خلقة لا تعمدا.

والقول الصحيح أنها نـزلت في أبي بكر وعمر، للآثار الصحيحة الواردة في ذلك.

قال البخاري: حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي، حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: "كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - رفعا أصواتهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم- حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر،قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر - رضي الله عنهما -: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنـزل الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) (الحجرات: من الآية2)"
قال ابن الزبيرـ رضي الله عنه -: "فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه ولم يذكر ذلك عن أبيه - يعني أبا بكر رضي الله عنه – " قال ابن كثير: انفرد به البخاري ([2] (http://www.saowt.com/forum/#_ftn2)أخرجه البخاري(6-46)كتاب التفسير.وانظر: تفسير ابن كثير (4-206). ).

وفي رواية أخرى للبخاري قال: حدثنا حسن بن محمد، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، حدثني ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبيرـ رضي الله عنهماـ أخبره أنه "قدم ركب من بني تميم على النبي - صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرـ رضي الله عنه -: أمّر القعقاع بن معبد، وقال عمر رضي الله عنه بل أمّر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر رضي الله عنه ما أردت إلا خلافي، فقال عمر رضي الله عنه ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنـزلت في ذلك:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات: من الآية1).حتى انقضت الآية: (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) (الحجرات: من الآية5)" قال ابن كثير: وهكذا رواه منفردا به أيضا ([1] (http://www.saowt.com/forum/#_ftn1)صحيح البخاري (6-47)كتاب التفسير،وانظر: تفسير ابن كثير (4-206). ).

وبهذين الحديثين يتضح أن سبب النـزول قصة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -.

http://www.pic.alfrasha.com/data/media/57/1112.gif
3- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) (الحجرات: من الآية3)

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -:لما نـزل قوله: ( لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ )(الحجرات: من الآية2) تألّي ([2] (http://www.saowt.com/forum/#_ftn2)أي: آلى على نفسه،أي: حلف عليها. ) أبو بكر ألا يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا كأخي السرار،فأنـزل الله في أبي بكر: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ )(الحجرات: من الآية3)([3] (http://www.saowt.com/forum/#_ftn3)انظر:زاد المسير 7-457، وقد ذكره الواحدي في أسباب النـزول 219 بغير سنده،وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف:وأخرجه البزار وابن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال:لما نـزل (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم). الآية قلت: يا رسول الله !آليت ألا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله، قال: وأخرجه الحاكم والبيهقي في المدخل من حديث أبي هريرة قال: لما نـزلت: (الذين يغضون).الآية، قال أبو بكر: والذين أنـزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل، وقال صحيح على شرط مسلم. انظر: تخريج أحاديث الكشاف، تفسير سورة الحجرات (4-352)، والمستدرك (2-462)، ومجمع الزوائد (7-111)،قال الهيثمي عن إسناد البزار: وفيه حصين بن عمر الأحمسي وهو متروك، وقد وثقة العجلي،وبقية رجاله رجال الصحيح.اهـ. ).

http://i128.photobucket.com/albums/p165/3ola4/dividers/flowers/df246.gif

قوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ )(الحجرات: من الآية4)

في سبب نـزولها ثلاثة أقوال:
الأول: "أن بني تميم جاءوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنادوا على الباب: يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحنا زين، وإن ذمنا شين، فخرج وهو يقول: إنما ذلكم الله فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك. فقال: ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا. فقال الزبرقان بن بدر لشاب منهم: قم فاذكر فضللك وفضل قومك فقام فذكر ذلك، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثابت بن قيس فأجابه، وقام شاعرهم،فأجابه حسان، فقال الأقرع بن حابس: والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا، وتكلم شاعرنا، فكان شاعرهم أشعر، ثم دنا فأسلم، فأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكساهم، وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط عند عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فنـزلت الآية."

هذا قول جابر بن عبد الله وآخرين ([1] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn1)رواه الواحدي في أسباب النـزول ص 220 مطولا، من رواية معلى بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم عن جابر، وفي سنده معلى الواسطي ضعفه الدارقطني وغيره، وانظر: زاد المسير 7-458. وذكره السيوطي في الدر المنثور (6-90)وعزاه لابن إسحاق، وابن مردويه عن ابن عباس. ).

وقال ابن إسحاق: نـزلت في جفاة بني تميم، وكان فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم المنقري وغيرهم ([2] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn2)انظر:زاد المسير 7-458وأسباب النـزول 219 فقد ذكره عن ابن إسحاق بدون سند.).

وقال ابن كثير: ذكر أنها نـزلت في الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه فيما أورده غير واحد، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن الأقرع بن حابس "أنه نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد يا محمد، وفي رواية يا رسول الله فلم يجبه، فقال: يا رسول الله إن حمدي لزين وإن ذمي لشين، فقال ذاك الله [3] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn3)انظر:تفسير ابن كثير (4-207)ومسند الإمام أحمد (3-488). قال الهيثمي في المجمع (7-111):رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، إن كان أبو سلمة سمع من الأقرع، وإلا فهو مرسل كإسناد أحمد الآخر. قال السيوطي في الدر المنثور(6-89):أخرجه أحمد وابن جرير،وأبو القاسم البغوي وابن مردويه والطبراني بسند صحيح.).

الثاني: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث سرية إلى بني العنبر، وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري، فلما علموا بذلك هربوا وتركوا عيالهم، فسباهم عيينة، فجاء رجالهم يفدون الذراري، فقدموا وقت الظهيرة ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائل، فجعلوا ينادون: يا محمد اخرج إلينا، حتى أيقظوه، فنـزلت هذه الآية" قاله ابن عباس ([4] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn4) انظر زاد المسير (7-459). قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (4-358):أخرجه ابن مردويه من رواية ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس اهـ.وهذا إسناد تالف والكلبي متهم. ).

الثالث: "أن ناسا من العرب قال بعضهم لِبَعْضٍ:انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، إن يكن نبيا نكن أسعد الناس به، وإن يكن ملكا نعش في جناحه، فجاءوا فجعلوا ينادون: يا محمد، يا محمد، فنـزلت هذه الآية." قاله زيد بن أرقم ([5] (http://www.saowt.com/forum/newreply.php?do=postreply&t=26247#_ftn5)انظر:تفسير الطبري (26-121)، وذكره السيوطي في الدر (6-89)وحسنه وزاد نسبته لابن راهويه ومسدد وأبي يعلى والطبراني وابن أبي حاتم عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ وانظر زاد المسير7-459. ).
والذي يترجح لديّ أن السبب الأول هو الصحيح، أي أنها نـزلت في وفد بني تميم، ومناداتهم للرسول- صلى الله عليه وسلم- من وراء الحجرات.
أما القول الثاني فهو ضعيف.
أما الثالث:فلعله يمكن حمله على بني تميم، فتتحد القصة مع تعدد الروايات.
http://i128.photobucket.com/albums/p165/3ola4/dividers/flowers/df247.gif
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات: من الآية6).

هذه الآية نـزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط كما قال جمهور المفسرين.
وقد ورد في ذلك عدة آثار من طرق مختلفة من أحسنها - كما قال ابن كثيرـ: ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق، وهو الحارث بن ضرار بن أبي ضرار، والد ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين - رضي الله عنها - قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي سابق، حدثنا عيسى بن دينار،حدثني أبي أنه سمع الحارث ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول: "قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، فقلت: يا رسول الله، أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي دفعت زكاته، وترسل إلى يا رسول الله إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول، ولم يأته،وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله - تعالى - ورسوله، فدعا بسروات قومه، فقال لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان وقت لي وقتا يرسل إلى رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده، مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق - أي خاف - فرجع حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله !إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فغضب رسوله الله - صلى الله عليه وسلم- وبعث إلى الحارث رضي الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه، حتى إذا استقبل البعث، وفصل عن المدينة لقيهم الحارث،فقالوا هذا الحارث، فلما غشيهم قال: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم ؟ قالوا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال رضي الله عنه لا والذي بعث محمدا- صلى الله عليه وسلم- قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، ما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله،- صلى الله عليه وسلم- قال: فنـزلت الحجرات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات: من الآية6) إلى قوله: (حَكِيمٌ)(الحجرات: من الآية8)"([1] (http://www.saowt.com/forum/#_ftn1)المسند (4-279).وانظر تفسير ابن كثير (4-208)قال السيوطي في الدر المنثور (6-91): أخرجه أحمد وابن حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه بسند جيد. وقال الهيثمي في المجمع (7-112):ورجال أحمد ثقات. ).
قال ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث: وذكر بعده عدة روايات.
وكذا ذكر غير واحد من السلف منهم ابن أبي ليلى ويزيد بن رومان، والضحاك، ومقاتل بن حيان وغيرها في هذه الآية أنها نـزلت في الوليد بن عقبة،والله أعلم ([2] (http://www.saowt.com/forum/#_ftn2)انظر:تفسير ابن كثير(4-210)،وتفسير الطبري (26-123)، وأسباب النـزول (222)،وزاد المسير (7-460). ).
http://www.mo3afa.com/fasel/f3.gif

قوله - تعالى -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )(الحجرات: من الآية9).
في سبب نـزول هذه الآية قولان: يتبع بإذن الله


_________________
ملاحظة: تم نقل الهامش الى موضعه لاختلاف عرض الكتاب عن عرض الموضوع بالمنتدى اذ صفحة الكتاب أصغر
ووضع الهامش باللون البنفسجى وخط أصغر من الموضوع

منال
01-14-2008, 01:37 PM
http://www.sh11sh.com/sh11sh1/anyaflower177.gif


قوله - تعالى -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )(الحجرات: من الآية9).
في سبب نـزول هذه الآية قولان:
الأول: في قصة ذهاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن أبي، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- لو أتيت عبد الله بن أبي، فركب حمارا وانطلق معه المسلمون يمشون، فلما أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: إليك عني،فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله، لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها نـزلت فيهم: (وإن طائقتان)" (3 رواه البخاري (3-166)كتاب الصلح،ومسلم (3-1424) كتاب الجهاد رقم (1799)، وأحمد في المسند (3-157،219)وابن جرير الطبري في تفسيره 26-128 وانظر زاد المسير 7-462،والدر المنثور6-90 نسبه السيوطي لابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس ـ رضي الله عنه ـ. ). [سورة الحجرات،الآية:9].
وقد وردت رواية أخرى عن أسامة بن زيد وهي قريبة من هذه (4وهي عند البخاري (7-120)كتاب الأدب ومسلم (3-1422)كتاب الجهاد، رقم (1798). ).


القول الثاني: أنها نـزلت في رجلين من الأنصار كان بَيْنَهُمَا مماراة في حق بَيْنَهُمَا، فقال أحدهما: لآخذن حقي عنوة، وذلك لكثرة عشيرته، ودعاه الآخر ليحاكمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلم يزل الأمر بَيْنَهُمَا حتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال.


وهذا القول لقتادة (1انظر: زاد المسير 7-463 وذكره السيوطي في الدر 6-95 من رواية عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة. ).


والقول الأول هو الأظهر والأرجح لثبوته في الصحيحين وغيرهما.
أما الثاني فقد قال قتادة: ذكر لنا، ثم ساقة كما هو في الدر المنثور.
http://maninut.com/graphics_sites/misc/images/shadesofbluebar5.gif


قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ )(الحجرات: من الآية11)


وقد ذكر العلماء لنـزولها سببين:

الأول: "أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوما يريد الدنو من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان به صمم، فقال لرجل بين يديه: أفسح، فقال له الرجل: قد أصبت مجلسا، فجلس مغضبا، ثم قال للرجل: من أنت، قال: أنا فلان، فقال ثابت: أنت ابن فلانة، فذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية، فأغضى الرجل ونكس رأسه، ونـزل قوله - تعالى -: (لا يسخر قوم من قوم).[سورة الحجرات،الآية:11]." قاله صالح عن ابن عباس (2- انظر زاد المسير 7-465 وقد ذكره الواحدي في أسباب النـزول (223)بغير سند ولم يعزه لأحد، وقال الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف: ذكره الثعلبي ومن تبعه عن ابن عباس بغير سند. انظر:تخريج أحاديث الكشاف،سورة الحجرات (4-370).

).
والثاني: "أن وفد تميم استهزءوا بفقراء أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رأوا رثاثة حالهم، فنـزلت هذه الآية" قاله الضحاك ومقاتل (3البغوي والخارن عن الضحاك بغير سند، وأورده السيوطي في الدر6-97من رواية ابن أبي حاتم عن مقاتل،وانظر: زاد المسير 7-466 )


وهذان السببان ضعيفان، وسأرجح ما أراه في آخر هذه الآية.
http://www.w6w.net/album/35/w6w_w6w_20050505042334136285493640. gif
قوله - تعالى -: ( وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ )(الحجرات: من الآية11)


ذكر بعض المفسرين ثلاثة أقوال في سبب نـزولها:

الأول: "أن نساء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عيرن أم سلمة بالقصر، فنـزلت هذه الآية" قاله أنس بن مالك (4 ذكره البغوي والواحدي والخازن بغير إسناد، وانظر: زاد المسير 7-466. ).

الثاني: وهو قريب من الأول وفي معناه (4 - انظر: زاد المسير 7-466وقد ذكره بعض المفسرين بلا إسناد)
الثالث: "أن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن النساء يعيرنني ويقلن: يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هلا قلت: إن أبي هارون، وإن عمي موسى، وإن زوجي محمد، فنـزلت هذه الآية" رواه عكرمة عن ابن عكرمة عن ابن عباس (1- ذكره الواحدي في أسباب النـزول والبغوي في تفسيره عن عكرمة عن ابن عباس بلا إسناد، وانظر: زاد المسير 7-466 ).


وهذه الأسباب ضعيفة، لضعف أسانيدها.
http://jdayl.jeeran.com/cd5e62308b.gif
قوله - تعالى -: ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ )(الحجرات: من الآية11).


في نـزولها ثلاثة أقوال:

الأول: "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم ألقاب يدعون بها، فجعل الرجل يدعو الرجل بلقبه،فقيل له يا رسول الله: إنهم يكرهون هذا فنـزل قوله - تعالى -: (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ).[سورة الحجرات،الآية:11]" قاله أبو جبيرة بن الضحاك(2- أخرجه أحمد (4-69)،(5-380). وأبو دواد (4-290، 291)كتاب الأدب رقم (4962). وابن ماجه (2-1231)كتاب الأدب رقم (3741).والترمذي (5-362)كتاب التفسير، رقم (3268)، قال الترمذي: حسن صحيح.والحاكم (2-463)،وقال:صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وانظر: تفسير الطبري (26-132)، والدر المنثور(6-97)،وزاد المسير (7-467)، وتفسير ابن كثير (4-212). ).



الثاني: أن أبا ذر كان بينه وبين رجل منازعة، فقال له الرجل: يا ابن اليهودية فنـزلت، قاله الحسن(3- انظر: زاد المسير (7-467). )


الثالث: أن كعب بن مالك الأنصاري كان بينه وبين أبي عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي كلام، فقال له: يا أعرابي، فقال له عبد الله يا يهودي، فنـزلت فيهما الآية، قاله مقاتل (4 نظر: زاد المسير (7-467). ).
http://www.sh11sh.com/sh11sh1/springbar.gif


قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )(الحجرات: من الآية13)


في نـزولها ثلاثة أقوال:
الأول:أنها نـزلت في ثابت بن قيس وفي الرجل الذي لم يفسح له، حيث قال ثابت:أنت ابن فلانة (5قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (4-370):"ذكره الثعلبي من تبعه عن ابن عباس بدون إسناد"،وكذلك ذكره غير واحد بدون إسناد، وانظر: زاد المسير 7-473. ).



الثاني: أنها نـزلت في قوم تكلموا في بلال، وعيروه عندما أذن يوم الفتح فوق ظهر الكعبة. قاله مقاتل وابن أبي مليكة (1 ذكره السيوطي في الدر المنثور (6-107)وعزاه:لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن أبي مليكة.انظر:دلائل النبوة للبيهقي (4-328)،وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (7-473)، والواحدي في أسباب النـزول (224)عن مقاتل. ).



الثالث: "أن عبدا أسود مرض فعاده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قبض فتولي غسله وتكفينه ودفنه، فأثر ذلك عند الصحابة، فنـزلت هذه الآية" قاله يزيد بن شجرة (2- قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (4-375):ذكره الثعلبي والواحدي بغير سند.وانظر:زاد المسير(7-473). ).


وكل هذه الآثار ضعيفة،فلا يجزم بأي واحد منها.
http://www.sh11sh.com/sh11sh1/starbar1.gif

قوله - تعالى -: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات: من الآية14)


جمهور المفسرين على أن هذه الآية نـزلت في أعراب بني أسد، حين قدموا المدينة، وامتنوا بإسلامهم وقالوا آمنا. وكانوا يمنون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويقولون: أتيناك بالأنفال والعيال ولم نقاتلك، فنـزلت الآية كما قال مجاهد وغيره (3- أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد.انظر:تفسير الطبري 26-141،وزاد المسير 7-476، وتفسير ابن كثير 4-219،والدر المنثور(6-111). ).

وقال السدي: نـزلت في أعراب مزينة، وجهينة، وأسلم، وأشجع، وغفار، حيث كانوا يدعون الإيمان ولما استنفرها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الحديبية تخلفوا فنـزلت (4- انظر:زاد المسير 7-476،وذكره البغوي والخازن عن السدي بغير إسناد.انظر: معالم التنـزيل للبغوي(4-218). ).


والراجح هو الأول.قال ابن كثير: والصحيح الأول (5- تفسير ابن كثير 4-219. ).

منال
01-24-2008, 12:50 PM
ثالثاً: القراءات


وردت عدة قراءات سبعية في بعض آيات سورة الحجرات، ولأهمية بيانها ولعلاقتها بالتفسير مما يساعد على فهم المعنى فسأذكر هذه القراءات ومن قرأ بها، مع بيان علة القراءة عند الحاجة، وقد أشير إلى بعض القراءات غير السبعية وهو قليل.
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com18.gif

1- قوله - تعالى -: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات: من الآية6).
قرأ حمزة والكسائي "فتثبتوا" بثاء مثلثة بعدها باء موحدة، وبعدها تاء مثناة فوقية، من التثبت.
وقرأ الباقون "فتبينوا" بباء موحدة وياء مثناة تحتية بعدها نون، من التبين (1 - انظر:التبصرة لمكي ص 681، والإشارات الجلية لمحمد سالم محيسن ص 439. )
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com1.gif
2- قوله - تعالى -: ( حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )(الحجرات: من الآية9).
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمر بتسهيل الهمزة الثانية، بين بين، وقرأ الباقون بتحقيقها (2- انظر:الإرشادات الجلية لمحيسن ص 439. )
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com44.gif
3- قوله - تعالى -: ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )(الحجرات: من الآية10).
قرأ ابن عامر وحده: "بين إخوتكم" على تاء الجماعة (3قال ابن مجاهد: وروى هشام بن عمار عن سويد عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر: (بين أخويكم) مثل الناس.انظر:كتاب السبعة في القراءات ص 606. ).
وقرأ الباقون: (بين أخويكم) على اثنين.
فالحجة لمن قرأه بالياء أنه رده على اللفظ لا على المعنى، والحجة لمن قرأه بالتاء أنه رده على المعنى لا على اللفظ، وحجته أن الطائفة جمع وإن كان واحدا في اللفظ، كما قال: ( خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا )(الحج: من الآية19) وقال ههنا قبلها: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا )(الحجرات: من الآية9) على المعنى لا على اللفظ.
أما قراءة التثنية - بالياء - تثنية أخ، لأن كل طائفة جنس واحد فردوه على اللفظ دون المعنى (4انظر:كتاب السبعة ص606وحجة القراءات لابن زنجلة ص 675، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه ص 330. ).

http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com46.gif
4- قوله - تعالى -: ( وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ )(الحجرات: من الآية11).
قرأ البزي وصلا بتشديد التاء، مع المد المشبع للساكن، وقرأ الباقون بالتخفيف مع القصر (1- نظر:الإرشادات الجلية ص 439،والكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي 2-284). )

http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com59.gif
5- قوله - تعالى -: ( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ )(الحجرات: من الآية11).
قرأ ورش والسوسي بإبدال همزة بئس في الحالين. وكذا حمزة عند الوقف، ولو ابتدأت بـ "الاسم" فلجميع القراء وجهان:
الأول:الابتداء بهمزة الوصل مفتوحة.
الثاني:الابتداء باللام مكسورة (2- انظر: الإرشادات الجلية ص 439. )

http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com67.gif
6- قوله - تعالى -: ( وَلا تَجَسَّسُوا )(الحجرات: من الآية12).
قرأ البزي وصلا بتشديد التاء، مع المد المشبع للساكن، وقرأ الباقون بالتخفيف مع القصر (3- انظر الإرشادات الجلية ص 439، والكشف عن وجوه القراءات السبع 2-284. ).
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com73.gif

7- قوله - تعالى -: ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ )(الحجرات: من الآية12).
قرأ نافع وحده:"ميِّتا" بالتشديد.
وقرأ الباقون:"ميْتا"ساكنة الياء.
وهما لغتان، الأصل التشديد، ومن خفف استثقل التشديد فحذف الياء، قال الشاعر:



ليس من مات فاستراح بميت


إنما الميت ميت الأحياء

فجمع بين اللغتين (4- انظر: كتاب السبعة ص 606وحجة القراءات لابن زنجلة ص 677، والحجة في القراءات السبع ص 331. ).
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com83.gif

8- قوله - تعالى -: ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )(الحجرات: من الآية13).
قرأ البزي بتشديد التاء وصلا، وقرأ الباقون بتخفيفها (5 - انظر:الإرشادات الجلية ص 439،والكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي 2-284. ).
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com94.gif

9- قوله - تعالى -: ( وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً )(الحجرات: من الآية14).

قرأ أبو عمرو: "لا يألتكم" بهمزة ساكنة بين الياء واللام، ويبدل منها ألفا إذا سهل كل همزة ساكنة.

قرأ الباقون: "لا يلتكم" بغير همز، وبعد الياء لام مكسورة.

وهما لغتان، يقال لات يليت، ككال يكيل. وألت يألت، فمن همز أخذه من ألت يألت، ومن ترك الهمز أخذه من لات يليت، ومعناهما لا ينقصكم (1- انظر: كتاب السبعة ص 606، والحجة لابن خالويه ص 31،والكشف عن وجوه القراءات السبع 2-284،والإقناع في القراءات السبع 2-770. ).

وقال ابن زنجلة: وحجته - أي أبي عمروـ إجماع الجميع على قوله: ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ )(الطور: من الآية21) فرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه أولي.
وحجة الباقين: اتباع مرسوم المصاحف،وذلك أنها مكتوبة بغير الألف (2 - انظر:حجة القراءات لابن زنجلة ص 676. ).
http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com95.gif
10- قوله - تعالى -: ( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(الحجرات: من الآية18).
قرأ ورش بترقيق الراء في "بصير" وقرأ الباقون بتفخيمها (- انظر:الإرشادات الجلية ص 440. 3 ).

وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم: "بما يعلمون "بالياء.
وقرأ الباقون: ( بِمَا تَعْمَلُونَ)(الحجرات: من الآية18)(4 - انظر:الإرشادات الجلية ص 440. ) بالتاء.

وحجة ابن كثير قوله قبلها: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا )(الحجرات: من الآية15) أي:والله بصير بما يعمل الْمُؤْمِنُونَ.
وحجة الباقين: قوله قبلها: ( لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ )(الحجرات: من الآية17) فخاطبهم ثم قال: ( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(الحجرات: من الآية18)(5انظر:كتاب السبعة ص 606، وحجة القراءات لابن زنجلة ص 677، والتبصرة لمكي ص 681. ).

منال
02-05-2008, 12:03 PM
رابعاً: بعض أحكام التجويد




ورد في هذه السورة بعض أحكام التجويد المهمة التي اختلف القراء في نطق بعض آياتها،ولأهميتها،وللمنهج الذي التزمته في تفسير هذه السورة،وهو الشمول مع الإيجاز فسأذكر أهم ما ورد في ذلك موجزا:



أولا:المقلل والممال(1- انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440. ).



قوله - تعالى -: ( لِلتَّقْوَى ) (الحجرات: من الآية3)(2- انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440 )، (إِحْدَاهُمَا ) (الحجرات: من الآية9)(3- انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440 ) ، (وَأُنْثَى ) (الحجرات: من الآية13)(4 - انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440).

قرأ حمزة والكسائي بالإمالة.
وقرأ ورش بالفتح والتقليل.
وقرأ أبو عمرو بالتقليل.

قوله - تعالى -: ( الْأُخْرَى ) (الحجرات: من الآية9)(5- انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440 ) قرأ أبو عمرو بالإمالة وكذلك حمزة والكسائي.
وقرأ ورش بالتقليل.

قوله - تعالى -: ( جَاءَكُمْ ) (الحجرات: من الآية6)(6 - انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440) قرأ حمزة وابن ذكوان بالإمالة.

وقوله - تعالى -: ( عَسَى ) (الحجرات: من الآية11)(7- انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440 ).


( أَتْقَاكُمْ ) (الحجرات: من الآية13)(8 - انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440.


)، ( هَدَاكُمْ ) (الحجرات: من الآية17)(- انظر:الإرشادات الجليةص439ـ440. 9 ).
قرأ حمزة والكسائي بالإمالة.
وقرأ ورش بالفتح والتقليل.

http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com5.gif



ثانيا:المدغم: (1- الإرشادات الجلية ص 439. ).





الصغير: قوله - تعالى -(يَتُبْ فَأُولَئِكَ ) (الحجرات: من الآية11)(2- الإرشادات الجلية ص 439. ) بالإدغام لأبي عمر والكسائي.
وبالإظهار والإدغام لخلاد.
وبالإظهار للباقين.



الكبير: قوله - تعالى -: ( الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) (الحجرات: من الآية7)(- الإرشادات الجلية ص 439.


3 ) وقوله: ( بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ ) (الحجرات: من الآية11) (4 - الإرشادات الجلية ص 439.


) وقوله: ( يَأْكُلَ لَحْمَ ) (الحجرات: من الآية12)(5 - الإرشادات الجلية ص 439.
)وقوله: (وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) (الحجرات: من الآية13) بالإدغام للسوسي، وله الاختلاس في قوله: ( الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) (الحجرات: من الآية7).

الوقف والابتداء

لأهمية الوقف والابتداء، ولأثره على فهم المعنى المراد، فكم وقف على غير مكان الوقف، أو ابتدئ فيما لا يبتدأ به، فقلب المعنى إلى ضده.

ولأن أكثر كتب التفسير لا تذكر الوقف والابتداء، من أجل ذلك كله بحثت عن كتاب جامع مختصر، مع الأصالة والدقة، فوقفت على كتاب الأشموني: " منار الهدى في بيان الوقف والابتداء".

وسأذكر ما في كتاب الأشموني مقارنا بما ذكره أبو يحيى: زكريا الأنصاري في كتابه: "المقتصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء".

وحسبك بهذين العلمين كفاية وعلما.

وسأجعل كلام الأشموني أصلا، والأنصاري سأذكر ما خالف فيه الأشموني، وما لم أذكره فإنه دليل الاتفاق بَيْنَهُمَا.

ولعل من المناسب أن أبين بعض أنواع الوقف، حتى يتضح المراد عند ذكر الوقوف في سورة الحجرات.

فالوقف ينقسم إلى اضطراري، واختباري، واختياري:

فالاضطراري: هو الذي يعرض للقارئ ضرورة لسبب من الأسباب كالعطاس، والنوم، والنسيان، وضيق النفس ونحو ذلك من الأسباب، فيقف مضطرا على الكلمة التي كان يتلوها حال حدوث السبب.

ثم يبتدئ القراءة عند زوال السبب من الكلمة التي وقف قبلها، إن كان يصلح الابتداء بها، أو من قبلها مما يصلح الابتداء به.

والاختباري: هو الذي يؤمر القارئ بالوقوف عليه، لبيان المقطوع، والموصول، والمجرور، والمربوط، والمحذوف، والثابت للاختبار.

أما الاختياري - وهو المعني هنا - فينقسم إلى:
تام، وكاف، وحسن، وقبيح.

فالوقف التام: هو الذي لم يتعلق ما بعده به لا معنى ولا لفظا، كالوقف على قوله - تعالى - في سورة البقرة: ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(البقرة: من الآية5) فالآية التي بعدها في وصف الكافرين، وغالبا ما يكون في رؤوس الآيات ونهاية القصص.

والوقف الكافي: هو ما يتعلق ما بعده به معنى لا لفظا، كالوقف على قوله - تعالى -: ( أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(يّـس: من الآية10) لأن الآية التي بعدها في وصف الكافرين، وهي متعلقة بها معنى لا لفظا، فيوقف عليها ويبتدأ بما بعدها.

الوقف الحسن: هو ما تعلق ما بعده به معنى ولفظا، فيحسن الوقف عليه، ولا يبتدأ بما بعده، لارتباط ما بعده به من ناحية المعنى والإعراب، كأن يكون في الجملة الثانية صفة لموصوف، أو مستثنى لمستثنى منه، أو جواب لشرط أو لطلب، مثل قوله - تعالى -: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً )(النساء: من الآية93) وكقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ )(الفاتحة: من الآية2).

والوقف القبيح: هو أن يقف القارئ على كلمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بما بعدها، بحيث لو ابتدأت بما بعده أفاد معنى فاسدا وغير مقصود كالوقف على قوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا )(المائدة: من الآية17).

وأقبح منه الابتداء بما بعده كأن يبتدأ بقوله: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )(المائدة: من الآية17) و(الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ )(التوبة: من الآية31) ونحوهما.

http://www.uaekeys.com/fwasel/www.uaekeys.com18.gif
والآن نأتي إلى ما ورد في السورة من وقف وابتداء.

( وَرَسُولِهِ )(الحجرات: من الآية1) وعند الأنصاري كاف.
( وَاتَّقُوا اللَّهَ )(الحجرات: من الآية1) أحسن منه.
( عَلِيمٌ)(الحجرات: من الآية1) تام.
( فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )(الحجرات: من الآية2) ليس بوقف لعطف ما بعده على ما قبله، ومثله لعدم الوقف ( لِبَعْضٍ )(الحجرات: من الآية2) لأن قوله: ( أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)(الحجرات: من الآية2) موضعه نصب مفعول به،أي لخشية حبوطها.
( لا تَشْعُرُونَ)(الحجرات: من الآية2) تام.
( عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ )(الحجرات: من الآية3) ليس بوقف؛ لأن خبر إن، لم يأت بعد.
( لِلتَّقْوَى )(الحجرات: من الآية3) كاف.
( عَظِيمٌ)(الحجرات: من الآية3) تام.
( لا يَعْقِلُونَ)(الحجرات: من الآية4) كاف، قال الأنصاري: وكذا (خَيْراً لَهُمْ )(الحجرات: من الآية5).
( حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ )(الحجرات: من الآية5) ليس بوقف؛ لأن جواب لو، لم يأت بعد، وهو ( لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ )(الحجرات: من الآية5) وهو كاف.
( رَحِيمٌ)(الحجرات: من الآية5) تام.
( فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات: من الآية6) ليس بوقف، لأن قوله: (أَنْ تُصِيبُوا )(الحجرات: من الآية6) موضعه نصب بما قبله، ومثله في عدم الوقف ( بِجَهَالَةٍ )(الحجرات: من الآية6).
لأن ( فَتُصْبِحُوا )(الحجرات: من الآية6) موضعه نصب بالعطف على ( أَنْ تُصِيبُوا )(الحجرات: من الآية6).
( نَادِمِينَ)(الحجرات: من الآية6) حسن.
( لَعَنِتُّمْ )(الحجرات: من الآية7) وصله أولي لأداة الاستدراك بعده، قال الأنصاري: (لَعَنِتُّمْ )(الحجرات: من الآية7) صالح.
( فِي قُلُوبِكُمْ )(الحجرات: من الآية7) حسن.
( وَالْعِصْيَانَ )(الحجرات: من الآية7) كاف.
( الرَّاشِدُونَ)(الحجرات: من الآية7) حسن، إن نصب (فَضْلاً )(الحجرات: من الآية8) بفعل مقدر تقديره:فعل الله بكم هذا فَضْلا وَنِعْمَةً، وليس بوقف إن نصب (فَضْلاً )(الحجرات: من الآية8) مفعولا من أجله، والعامل فيه ( حَبَّبَ )(الحجرات: من الآية7) وعليه: فلا يوقف على شيء من ( حَبَّبَ )(الحجرات: من الآية7) إلى هذا الموضع، وربما جاز مع اختلاف الفاعل، لأن فاعل الرشد غير فاعل الفضل.
( وَنِعْمَةً )(الحجرات: من الآية8) كاف.
( حَكِيمٌ)(الحجرات: من الآية8) تام.
( بَيْنَهُمَا )(الحجرات: من الآية9) كاف، ومثله ( إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )(الحجرات: من الآية9) قال الأنصاري: صالح.
( بِالْعَدْلِ )(الحجرات: من الآية9) حسن، قال الأنصاري: كاف، ولك الوقف على ( وَأَقْسِطُوا )(الحجرات: من الآية9).
( وَأَقْسِطُوا )(الحجرات: من الآية9) أحسن مما قبله.
( الْمُقْسِطِينَ)(الحجرات: من الآية9) تام.

( بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )(الحجرات: من الآية10) كاف.
( تُرْحَمُونَ)(الحجرات: من الآية10) تام.
( عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ )(الحجرات: من الآية11) ليس بوقف، لأن قوله: ( وَلا نِسَاءٌ )(الحجرات: من الآية11) مرفوع بالعطف على ( قَوْمٌ )(الحجرات: من الآية11) كأنه قال: ولا يسخر نساء من نساء، وهو من باب عطف المفردات.
( خَيْراً مِنْهُنَّ )(الحجرات: من الآية11) حسن، قال الأنصاري: كاف.
قال الأشموني: ومثله ( أَنْفُسَكُمْ )(الحجرات: من الآية11)، وكذا ( بِالْأَلْقَابِ )(الحجرات: من الآية11)، (بَعْدَ الْأِيمَانِ )(الحجرات: من الآية11) كاف عند أبي حاتم للابتداء، وقال الأنصاري: حسن.
( الظَّالِمُونَ)(الحجرات: من الآية11) تام.
( مِنَ الظَّنِّ )(الحجرات: من الآية12) حسن، قال الأنصاري: صالح.
( إِثْمٌ )(الحجرات: من الآية12) أحسن مما قبله، قال الأنصاري: كاف.
( وَلا تَجَسَّسُوا )(الحجرات: من الآية12) كاف.
( بَعْضاً )(الحجرات: من الآية12) تام،على استئناف الاستفهام،وليس بوقف إن جعل ما بعده متصلا بما قبله ومتعلقا به.
( فَكَرِهْتُمُوهُ )(الحجرات: من الآية12) حسن.
( وَاتَّقُوا اللَّهَ )(الحجرات: من الآية12) كاف، وقال الأنصاري: صالح.
( رَحِيمٌ)(الحجرات: من الآية12) تام.
( وَأُنْثَى )(الحجرات: من الآية13) جائز.
( لِتَعَارَفُوا )(الحجرات: من الآية13) كاف، ومثله ( أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: من الآية13) وقال الأنصاري: ( لِتَعَارَفُوا )(الحجرات: من الآية13) تام، و( أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: من الآية13) حسن.
( خَبِيرٌ)(الحجرات: من الآية13) تام.
( آمَنَّا )(الحجرات: من الآية14) حسن.
( أَسْلَمْنَا )(الحجرات: من الآية14) أحسن مما قبله.
( فِي قُلُوبِكُمْ )(الحجرات: من الآية14) كاف عند أبي حاتم للابتداء بالشرط، ومثله ( شَيْئاً )(الحجرات: من الآية14).
( رَحِيمٌ)(الحجرات: من الآية14) تام.
( ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا )(الحجرات: من الآية15) حسن.
(فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (الحجرات: من الآية15) جائز، وقال الأنصاري: صالح، والمعنى واحد.
(الصَّادِقُونَ) (الحجرات: من الآية15) تام، إن جعل الذين خبر (الْمُؤْمِنُونَ) (الحجرات: من الآية15) فإن جعل نعتا لم يوقف على شيء إلى (الصَّادِقُونَ) (الحجرات: من الآية15) لأن (أُولَئِكَ) (الحجرات: من الآية15) يكون خبر (الْمُؤْمِنُونَ) (الحجرات: من الآية15).
(بِدِينِكُمْ) (الحجرات: من الآية16) حسن.
(وَمَا فِي الْأَرْضِ) (الحجرات: من الآية16) كاف.
(عَلِيمٌ) (الحجرات: من الآية16) تام، على استئناف ما بعده، وجائز إن جعل متصلا بما قبله.
(أَنْ أَسْلَمُوا) (الحجرات: من الآية17) كاف، ومثله (إِسْلامَكُمْ) (الحجرات: من الآية17).
(لِلْإِيمَانِ) (الحجرات: من الآية17) ليس لوقف، لأن الشرط الذي بعده جوابه ما قبله.
(صَادِقِينَ) (الحجرات: من الآية17) تام.
(وَالْأَرْضِ) (الحجرات: من الآية18) كاف.


آخر السورة: تام (1 - انظر:منار الهدى للأشموني ص 366 سورة الحجرات،والمقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء، لزكريا الأنصاري على حاشية منار الهدى ص 366. ) والله أعلم.

منال
02-05-2008, 02:29 PM
رابعا: اللغة والإعراب

سأقف مع بعض الكلمات، التي وردت في السورة مبينا معناها، ومع بعض الجمل موضحا موقعها من الإعراب، مع الالتزام بالمنهج الذي أشرت إليه سابقا.

قوله - تعالى -: (لا تُقَدِّمُوا) (سورة الحجرات، الآية:1) (1- انظر:منار الهدى للأشموني ص 366 سورة الحجرات،والمقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء، لزكريا الأنصاري على حاشية منار الهدى ص 366. ) أي: لا تتقدموا، والتقدم قد يكون حسيا، وقد يكون معنويا.
وقال أبو عبيدة: تقول العرب: فلان يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه: يعجل بالأمر والنهي دونه(2- انظر:مجاز القرآن2-219. ).

وقال أبو حيان: كانت عادة العرب الاشتراك في الآراء، وأن يتكلم كل بما شاء، ويفعل ما أحب فجرى من بعض من لم يتمرن على آداب الشريعة بعض ذلك.

قال ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه، وتقول العرب: تقدمت في كذا وكذا، وقدمت فيه إذا قلت فيه (3 - انظر:البحرالمحيط 8-105.
).
قوله - تعالى -: (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) (الحجرات: من الآية2) قال الزجاج:أمرهم الله أن يخاطبوه بالسكينة والوقار، وأن يفضلوه في المخاطبة، وذلك مما كانوا يفعلونه في تعظيم ساداتهم وكبرائهم(4- نظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2-32. ).

قوله - تعالى -: (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) (الحجرات: من الآية2) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، تقديره: جهرا كجهر.

قوله - تعالى -: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) (الحجرات: من الآية2) أن في موضع نصب على حذف الجار تقديره، لأن تحبط، مثل: (رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) (يونس: من الآية88) ومعناه: لا تفعلوا ذلك فتحبط أعمالكم، والمعنى لئلا تحبط أعمالكم،فالمعنى معنى اللام في إن، وهذه اللام لام الصيرورة، وهي كاللام في قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) (القصص: من الآية8)
والمعنى فالتقطه آل فرعون ليصير أمرهم إلى ذلك، لا أنهم قصدوا أن يصير إلى ذلك، وكذلك: (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) (الحجرات: من الآية2) فيكون ذلك سببا لأن تحبط أعمالكم (1- انظر:مشكل إعراب القرآن لمكي 2-315 ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2-32. ).

وقال الطبري: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) (الحجرات: من الآية2) يقول: ألا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها، ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض.

وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحويي الكوفة: معناه: لا تحبط أعمالكم، قال: وفيه الجزم والرفع إذا وضعت "لا" مكان "إن" قال: وهي قراءة عبد الله (فَتَحْبطْ أَعَمَالُكُمْ) (2- سورة الحجرات آية: 2. ) وهو دليل على جواز الجزم.

وقال بعض نحويي البصرة: قال: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) (الحجرات: من الآية2) أي مخافة أن تحبط أعمالكم، وقد يقال: أسند الحائط أن يميل (3- نظر: تفسير الطبري 26-220. ).

قوله - تعالى -: (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات: من الآية2) (-4 نظر: تفسير الطبري 26-220. ) يقول: وأنتم لا تعملون ولاتدرون.

قوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ) (الحجرات: من الآية3) الغض هو: خفض الصوت، حيث آلى أبو بكر على نفسه أن يكلمه كأخي السرار. وخبر "إن" (أُولَئِكَ الَّذِينَ) (الحجرات: من الآية3) وقيل هو نعت للذين، والخبر: (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (الحجرات: من الآية3) وهو ابتداء وخبر في موضع خبر "إن" (5- انظر: مشكل إعراب القرآن 2-315. ).

قوله - تعالى -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) (الحجرات: من الآية3) أي:أخلص قلوبهم، و"هم" يخرج على تفسير حقيقة اللغة، والمعنى: اختبر الله قلوبهم فوجدهم مخلصين، كما تقول:

قد امتحنت هذا الذهب وهذه الفضة، تأويله: قد اختبرتهما بأن أذبتهما حتى خلصتُ الذهب والفضة، فعلمت حقيقة كل واحد منهما.

وقال أبو حيان: (امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) (الحجرات: من الآية3) أي جُرِّبت ودُرِّبت لِلتَّقْوَى، فهي مضطلعة بها (1- انظر: البحر المحيط 8-106، ومعاني القرآن للزجاج 2-32، ومعاني القرآن للفراء 3-70. ).

أو المراد: أخلصها لِلتَّقْوَى، أي جعلها خالصة لأجل التقوى، أو أخلصها لها، فلم يبق لغير التقوى فيها حق، كأن القلوب خلصت ملكا لِلتَّقْوَى، وهذا أبلغ، وهو استعارة من امتحان الذهب وإذابته ليخلص إبربزه من خبثه فينقى (2 - انظر: روح المعاني للألوسي 26-138. ).

قوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) (الحجرات: من الآية4) خبر "إن" (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (الحجرات: من الآية4) وهو ابتداء وخبر في موضع خبر "إن": ويجوز في الكلام نصب "أكثرهم" على البدل من "الذين" وهو بدل الشيء من الشيء، والثاني بعضه.

قال الفراء: وجه الكلام أن تضم الحاء والجيم من "الحجرات" وبعض العرب يقول: الحجرات - بفتح الجيم - وكل جمع، كأن يقال في ثلاثة إلى عشرة غرف وحجر،فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع أجود من ذلك.

قال الزجاج: ويحوز في اللغة: الحجرات - بتسكين الجيم - ولا أعلم أحدا قرأ بالتسكين.
وواحد الحجرات حجرة، ويجوز أن تكون الحجرات جمع حجر وحجرات، والأجود أن تكون الحجرات جمع حجرة.

والحجرة: الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، وحظيرة الإبل تسمى حجرة، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، كالغرفة والقبضة (3- انظر: معاني القرآن للزجاج 2-33 معاني القرآن للفراء 3-70، ومشكل إعراب القرآن لمكي 2-315، والبحر المحيط 8-108. ).

قال الزمحشري: والمراد حجرات نساء النبي- صلى الله عليه وسلم-وكانت لكل واحدة منهن حجرة.

ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرقوا على الحجرات، متطلبين له، فناداه بعض من وراء تلك، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة، فنادوه من ورائها، أو أنهم ناده من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جمعت إجلالا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-ولمكان حرمته.
والفعل - وإن كان مسندا إلى جميعهم - فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعا(1- انظر:الكشاف 3-558، وتفسير القاسمي 15-112. ).

قوله - تعالى -: (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (الحجرات: من الآية4)(2 - انظر:الكشاف 3-558، وتفسير القاسمي 15-112. )
قال أبو حيان: انتفاء العقل عن أكثرهم دليل على أن فيهم عقلاء، وليس كما ذكر الزمخشري من احتمال نفي العقل عنهم جميعا، حيث قال: ويحتمل أن يكون الحكم بقلة العقلاء فيهم قصدا إلى نفي أن يكون فيهم من يعقل، فإن القلة تقع موقع النفي في كلامهم.

قال أبو حيان في رده عليه: وليس في الآية الحكم بقلة العقل منطوقا به فيحتمل النفي، وإنما هو مفهوم من قوله: (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (3- انظر:الكشاف 3-558، وتفسير القاسمي 15-112. ).
والنفي المحض المستفاد إنما هو من صريح لفظ التقليل لا من المفهوم، فلا يحمل قوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (البقرة: من الآية243) النفي المحض للشكر، لأن النفي لم يستفد من صريح التقليل (4 - انظر: البحر المحيط 8-108، والكشاف 3-558. )


قوله - تعالى -: (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) (الحجرات: من الآية5).

قال الزمخشري: (أَنَّهُمْ صَبَرُوا) (الحجرات: من الآية5) في موضع الرفع على الفاعلية، لأن المعنى: لو ثبت صبرهم.

قال أبو حيان معقبا على كلام الزمخشري: وهذا ليس مذهب سيبويه، لأن "أن" وما بعدها بعد "لو" في موضع مبتدأ لا في موضع فاعل، ومذهب المبرد أنها في موضع فاعل بفعل محذوف كما زعم الزمخشري، واسم كان ضمير يعود على المصدر المفهوم من صبروا، أي: لكان هو، أي صبرهم خيرا لهم(1 انظر:البحر الميحط 8-109، والكشاف 3-559. ).

قوله: (لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) (الحجرات: من الآية5)
قال الزمخشري: في كان إما ضمير فاعل الفعل المضمر بعد "لو" وإما ضمير مصدر "صبروا" كقولهم: من كذب كان شرا له (2- الكشاف 3-559. ).

قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات: من الآية6) الفسق:هو الخروج (3- قال النسفي: الفسوق الخروج من الشيء، يقال: فسقت الرطبة عن قشرها، ومن مقلوبه:فقست البيضة إذا كسرتها وأخرجت ما فيها، ثم استعمل في الخروج عن القصد بركوب.انظر تفسير النسفي 4-163. ) عن الطاعة إلى المعصية بما لا يصل إلى الكفر، وقد يطلق الفسق ويراد به الكفر، ولكنه ليس مرادا هنا.
والتبين: طلب البيان والتعرف حتى يتضح الحال.
والتثبت: هو طلب الثبات والتأني حتى يتضح الحال.
والنبأ: الخبر، وقال الراغب: لا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يكون ذا فائدة عظيمة، يحصل به علم أو غلبة ظن.
وتنكير "فاسق" و"نبأ" للتعميم، لأنه نكرة في سياق الشرط، وهي كالنكرة في سياق النفي تفيد العموم، كما هو مقرر (4 - انظر روح المعاني 26-145. ).
قوله: (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً) (الحجرات: من الآية6) أن في موضع نصب لأنه مفعول من أجله، و (فَتُصْبِحُوا) (الحجرات: من الآية6) عطف عليه.
قوله: (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: من الآية6) الندم: ضرب من الغم، وهو أن تغتم على ما وقع منك تتمنى أنه لم يقع، وهو غم يصحب الإنسان صحبة لها دوام (5- انظر: تفسير النسفي 4-263. ).

قوله - تعالى -: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) (الحجرات: من الآية7) العنت: هو المشقة والجهد. (لَعَنِتُّمْ) (الحجرات: من الآية7) أي: لشق عليكم، وقال مقاتل: لأثمتم.
والجملة المصدرة بلو لا تكون كلاما مستأنفا، لأدائه إلى تنافر النظم، ولكن متصلا بما قبله حالا من أحد الضميرين في (فِيكُمْ) (الحجرات: من الآية7) المستتر المرفوع أو الجار والمجرور، وكلاهما مذهب سيبويه (1 - انظر:البحر المحيط 8-110. ).
قوله: (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات: من الآية7) أي حسنه في قلوبكم فآمنتم.
قوله: (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (الحجرات: من الآية7) الفسوق: قال الطبري:الكذب، وَالْعِصْيَانَ قال: يعني ركوب ما نهى الله في خلاف أمر رسوله، r وتضييع ما أمر الله به.
قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات: من الآية7).
السالكون طريق الحق (2 - انظر:تفسير الطبري 26-126. ).
قوله - تعالى -: (فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً) (الحجرات: من الآية8) "فضلا" و"نعمة" منصوب مفعول له، المعنى: فعل الله ذلك بكم فَضْلا من الله وَنِعْمَةً، أي: للفضل والنعمة.
قول الزجاج: ولو كان في غير القرآن لجاز: فضل - بالرفع - من الله وَنِعْمَةً، المعنى: ذلك فضل من الله وَنِعْمَة (3- انظر: معاني القرآن للزجاج 2-35، والبحر المحيط 8-110. ).

قوله - تعالى -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات: من الآية9).
الطائفة: هي الجماعة من الناس، وتطلق على غير الناس.
وقال ابن العربي: الطائفة: كلمة تطلق في اللغة على الواحد من العدد، وعلى ما لا يحصره عدد(1- انظر أحكام القرآن لابن العربي 4-1717. ). وارتفع (طَائِفَتَانِ)(2- انظر أحكام القرآن لابن العربي 4-1717. ) بإضمار فعل، والتقدير: وإن اقتتل طائفتان، أو إن كان طائفتان، لأن إن للشرط، والشرط لا يكون إلا بفعل، فلم يكن بد من إضمار فعل، وهو مثل: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة: من الآية6) ولا يجوز حذف الفعل من شيء مع حروف الشرط العاملة إلا مع " إن" وحدها، وذلك لقوتها، وأنها أصل حروف الشرط (3- انظر:مشكل إعراب القرآن 2-149. ).
(اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات: من الآية9) العدول إلى ضمير الجمع - بدل التثنية - لرعاية المعنى، فإن كل طائفة من الطائفتين جماعة، فقد روعي في الطائفتين معناهما أولا ولفظهما ثانيا، على عكس المشهور في الاستعمال.
ومما قيل في ذلك: أنهم - أولا - في حال الاقتتال مختلطون؛ فلذا جمع أولا ضميرهم، وفي حال الصلح متميزون متفارقون؛ فلذا ثني الضمير (4 - انظر: روح المعاني 26-149. ) .
قوله - تعالى -: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) (الحجرات: من الآية9).
فإن بغت: تعدت وطلبت العلو بغير حق، والبغي هو الاستطالة والظلم ورفض الصلح.
تفيء: ترجع، والفيء الرجوع، وقد سمي به الظل والغنيمة لأن الظل يرجع بعد نسخ الشمس، والغنيمة ما يرجع من أموال الكفار.

قوله - تعالى -: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) (الحجرات: من الآية9).
العدل: الإنصاف.
وأقسطوا: اعدلوا، والقسط، يستعمل في الجور وفي العدل (5- انظر: تفسير القاسمي 15-123. ).

قوله - تعالى -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: من الآية10) مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإصلاح، و"ما" كافة تكف "إن" عن العمل، ولولا ذلك لقيل: إنما المؤمنين إخوة: بنصب المؤمنين (1- انظر: تفسير الرازي 27-130. ).
قال الشهاب: وتسمية المشاركة في الإيمان أخوة، تشبيه بليغ، أو استعارة، شبه المشاركة فيه بالمشاركة في أصل التوالد، لأن كلا منهما أصل للبقاء، إذ التوالد منشأ الحياة، والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان (2- انظر: تفسير القاسمي15-123. ).
(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات: من الآية10) وضع الظاهر موضع المضمر مضافا إلى المأمورين، للمبالغة في التقرير والتخصيص، وتخصيص الاثنين بالذكر دون الجمع، لأن أقل ما يقع بينهم الشقاق اثنان، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل، كانت بين الأكثر ألزم (-
3انظر: الكشاف 3-565، وتفسير القاسمي 15-124. ).

قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) (الحجرات: من الآية11).
السخرية: الاستهزاء، وحكى أبو زيد، سخرت به، وضحكت به، وهزأت به.
وقال الأخفش: سخرت منه، وسخرت به، وضحكت منه، وضحكت به.
والاسم: السخرية والسخرى.
قال المراغي: السخرية الاحتقار وذكر العيوب والنقائص على وجه يضحك منه (4 - انظر: فتح القدير للشوكاني 5-64، وتفسير المراغي 25-133. ).
قوله - تعالى -: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (الحجرات: من الآية11).
اللمز: العيب، ويكون بالقول وبالإشارة باليد أو العين.
قوله - تعالى -: (وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) (الحجرات: من الآية11).
التنابز: التعيير، أي لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب يكره أن يقال فيه (5 - انظر:تفسير السعدي 7-136، وتفسير المراغي25-133. ).


قال في البحر: التنابز بالألقاب: التداعي بها، تفاعل من نبزه، وبنو فلان يتنابزون، والنبز: لقب سوء، واللقب ما يدعى به الشخص من لفظ غير اسمه وغير كنيته، وهو قسمان: قبيح، وهو ما يكرهه الشخص؛ لكونه تقصيرا به وذما له. وحسن، وهو بخلاف ذلك، كالصديق لأبي بكر، والفاروق لعمر(1- انظر:البحر المحيط 8-104. ).
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) (الحجرات: من الآية12).
الظن: هو الأمر بين الشك واليقين، يبنى لا على قرينة ولا دليل، وقد يبنى على قرينة ضعيفة، أو ما يتوهم أنه دليل وليس كذلك.
قال الشوكاني: الظن هنا: هو مجرد التهمة التي لا سبب لها(2- فتح القدير 5-64. ).
قال ابن العربي: حقيقة الظن، قال علماؤنا: إن حقيقة الظن، تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر، والشك: عبارة عن استوائهما، والعلم: هو حذف أحدهما وتعيين الآخر(3 - انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4-1724).
قوله: (وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات: من الآية12).
التجسس: هو تتبع عورات المسلمين وإفشاؤها.
قال الأخفش: التجسس - بالجيم - البحث عما يكتم عنك، والتحسس - بالحاء -: طلب الأخبار والبحث عنها.
وقال ثعلب: بالحاء: فيما يطلبه الإنسان لنفسه، وبالجيم: أن يكون رسولا لغيره (-.
4 انظر:فتح القدير 5-65). 000
قوله - تعالى -: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (الحجرات: من الآية12).
الغيبة: أن تذكر الرجل بما يكرهه.
قوله: (مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات: من الآية12) انتصب مَيْتًا على الحال من لحم.
الفاء في قوله: (فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات: من الآية12) تقتضي وجود تعلق، فما ذلك؟ قال الرازي: نقول فيه وجوه:
أحدها: أن يكون ذلك تقدير جواب كلام، كأنه - تعالى - لما قال: (أَيُحِبُّ) (الحجرات: من الآية12) قيل في جوابه ذلك.
وثانيها: أن يكون الاستفهام في قوله: (أَيُحِبُّ) (الحجرات: من الآية12) للإنكار، كأنه قال: لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ إذاً، ولا يحتاج إلى إضمار.
وثالثها: أن يكون ذلك التعلق هو تعلق المسبب بالسبب، وترتبه عليه كما تقول: جاء فلان ماشيا فتعب، لأن المشي يورث التعب فكذا قوله (مَيْتاً) (الحجرات: من الآية12) لأن الموت يورث النفرة، فكيف يقربه ليأكل منه، ففيه إذاً كراهة شديدة (1 - انظر: تفسير الرازي 27-135. ).
قوله - تعالى -: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: من الآية13).
الشعب: قال أبو حيان: الشعب: الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي: الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة.
فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن يجمع الأفخاذ، والفخذ يجمع الفصائل.
مثال: خزيمة: شعب، وكنانة: قبيلة، وقريش: عمارة، وقصي: بطن، وهاشم: فخذ، والعباس: فصيلة.
وسميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها.
قال الشاعر معبرا عن هذا المعنى (2 - انظر: تفسير القاسمي 15-136. ) :




اقصد الشعب فهو أكثر حي

ثم يتلوهما العمارة ثم الـ

ثم بعدها العشيرة لكن



عددا في الحواء ثم القبيلة

بطن والفخذ بعدها والفصيلة

هي في جنب ما ذكرنا قليلة

وقد قيل: الشعوب في العجم والقبائل في العرب، والأسباط في بني إسرائيل، وهذا القول وأمثاله تحكم لا دليل عليه.
وسموا شعوبا: لتشعبهم واجتماعهم، والشعب من أسماء الأضداد (1 انظر: البحر المحيط 8-104، 166، وفتح القدير 5-67، وهذا القول للزبير بن بكار كما قال الشيخ ابن بري، انظر تفسير القاسمي 15-136. )
قوله - تعالى -: (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات: من الآية14) قال مكي: إنما أتت "لم" ولم تأت "لن" لأنه نفي لماض، و"لن" إنما هي نفي لمستقبل، فالقوم إنما أخبروا عن أنفسهم بإيمان قد مضى، فنفى الله - تعالى - قولهم بـ: "لم" ولو أخبروا عن أنفسهم بإيمان سيكون لكان النفي بـ "لن"، ألا ترى إلى قوله: (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) (التوبة: من الآية83) فقال: (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) (التوبة: من الآية83) لأنهم إنما قالوا: نخرج معك يا محمد، مستأذنين في خروج مؤتنف، فلذلك نفى بـ "لن" ولم ينف بـ "لم" (2 - انظر: مشكل إعراب القرآن 2-316. ).
قوله (لا يَلِتْكُمْ) (الحجرات: من الآية14) (3- انظر: مشكل إعراب القرآن 2-316. ) أي: لا ينقصكم، يقال: لات يلت إذا نقص، ولاته يليته ويلوته إذا نقصه (4- انظر: فتح القدير 5-68. ).
قوله: (ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) (الحجرات: من الآية15) الريب: هو الشك، وهو ضد اليقين.
قال أبو حيان: ثم تقتضي التراخي، وانتفاء الريبة يجب أن يقارن الإيمان، فقيل من ترتيب الكلام لا من ترتيب الزمان، أي: ثم أقول لم يرتابوا. وقيل: قد يخلص الإيمان ثم يعترضه ما يثلم إخلاصه فنفى ذلك فحصل التراخي (5 - انظر: البحر المحيط 8-117. ).

أو أريد انتفاء الريبة في الأزمان المتراخية المتطاولة، فحاله في ذلك كحاله في الزمان الأول الذي آمن فيه (1- انظر: البحر المحيط 8-117. )
قوله - تعالى -: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) (الحجرات: من الآية17).
المن: هو ذكر المعروف والإحسان.
(أَنْ أَسْلَمُوا) (الحجرات: من الآية17) في موضع المفعول، ولذلك تعدى إليه في قوله: (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) (الحجرات: من الآية17).
ويجوز أن يكون (أَسْلَمُوا) (الحجرات: من الآية17) مفعول من أجله، أي: يتفضلون عليك بإسلامهم.
قوله: (أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) (الحجرات: من الآية17) إعرابها مثل (أَنْ أَسْلَمُوا) (الحجرات: من الآية17) فإن فيها الوجهين (2 - انظر: البحر المحيط 8-117، وفتح القدير 5-69. ).

أبو مُحمد
02-05-2008, 09:12 PM
السلام عليكِ ورحمة اله وبركاته،
جزاكِ الله عنا خيرا أختي منال.

أرجو أن تتريثي قليلا حتى نتابع أول بأول وبارك الله فيك.

لدي مجرد سؤال صغير : حسب ما أذكر فان كلمة "بئس" في قوله تعالى : "بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ" في قراءة ما تُقرأ "بيس" ... فهل من أحد يؤكد أو ينفي وبارك الله فيكم.

أبو مُحمد
02-06-2008, 05:53 AM
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ

بخصوص هذه الايات ذُكِر ان الترجيح سيأتي
وهذان السببان ضعيفان، وسأرجح ما أراه في آخر هذه الآية. وحقيقة اني تهت عنه فهلا بينته لي أختي.

وبارك الله فيك

منال
02-07-2008, 06:46 PM
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته،
جزاكِ الله عنا خيرا أختي منال.

أرجو أن تتريثي قليلا حتى نتابع أول بأول وبارك الله فيك.

لدي مجرد سؤال صغير : حسب ما أذكر فان كلمة "بئس" في قوله تعالى : "بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ" في قراءة ما تُقرأ "بيس" ... فهل من أحد يؤكد أو ينفي وبارك الله فيكم.
وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته

جزانا واياكم وعذرا على التاخير اخينا الفاضل

بالنسبة للسؤال فهو مذكور فى المشاركة الخامسة (واظن يقصد بالحالين الوقف والوصل)
والله اعلم

وهذا ما جاء بالاعلى:
- قوله - تعالى -: ( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ )(الحجرات: من الآية11).
قرأ ورش والسوسي بإبدال همزة بئس في الحالين. وكذا حمزة عند الوقف، ولو ابتدأت بـ "الاسم" فلجميع القراء وجهان:
الأول:الابتداء بهمزة الوصل مفتوحة.
الثاني:الابتداء باللام مكسورة (2- انظر: الإرشادات الجلية ص 439. )


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ

بخصوص هذه الايات ذُكِر ان الترجيح سيأتي وحقيقة اني تهت عنه فهلا بينته لي أختي.

لم تته وانما النسخة التى عندى ليس بها نهاية الآيات فقد توقف الكلام عند "وَلا تنَابزُوا بالألقَاب" اعدت النظر لعلى لم الحظها جيدا وهناك تكملة بها الترجيح لكن لا يوجد شىء
فهذه النقطة وايضا اخرى لا اعرف هل الكلام عندى بالنسخة ناقص ام ماذا؟
ولعلها تكون فى نهاية البحث فلم أتم القراءة بعد

سابحث عن طريق لمراسلة الشيخ باذن الله واساله

وبارك الله فيك تذكرنى بالاخ هنا الحقيقة فى طريقة قراءتك
بارك الله فيكم ونفعنا واياكم بما نقرأ
صراحة اغبطكم على القراءة على الانترنت فهى تعصبنى جدا و لا اعرف السبب

أبو مُحمد
02-07-2008, 07:24 PM
بارك الله فيك أختي.
حقيقة بخصوص بئس قد قرأت النص الذي جلبته في حينه ولكني لم أفهمه ... جزاكِ الله خيرا.

وبخصوص التكملة أقول أعانكِ الله ووفقكِ لما يحبه ويرضاه.

منال
02-07-2008, 07:32 PM
لماذا لم تفهم؟

- قوله - تعالى -: ( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ )(الحجرات: من الآية11).
قرأ ورش والسوسي بإبدال همزة بئس في الحالين.
يعنى تُقرأ بيس تبدل الهمزة الى ياء فى الوقف والوصل

وكذا حمزة عند الوقف،
هذه القراءة بئس فى الوصل وبيس فى الوقف

ولو ابتدأت بـ "الاسم" -- يعنى لما تقف على بئس ونبدأ ب "الاسم"-فلجميع القراء وجهان:
الأول:الابتداء بهمزة الوصل مفتوحة. يعنى أَ
الثاني:الابتداء باللام مكسورة يعنى لِ (2- انظر: الإرشادات الجلية ص 439. )

لو لسه مش واضح بسأل الشيخ أسامة شهاب الدين وبارك الله فيك

هل أكمل؟

أبو مُحمد
02-07-2008, 07:37 PM
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته

فهِمت أختي من قراءتي الثانية عندما فصلتِ أنتِ الملخص.

جزاكِ الله عنا خيرا.

أكملي على بركة الله.

منال
02-07-2008, 07:54 PM
وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته

وفيكم بارك الله آخر نقطة عدّلتها كتبت اللام لانه لن يُقرأ فيها بهمزة حسب ما وردبالكلام والله اعلم



خامساً: وقفات بلاغية


ورد في هذه السورة من أنواع البلاغة ما يحسن الوقوف عند بعضه تجلية للفظ وإيضاحا للمعنى، وقد ذكرت بعض الأوجه البلاغية فيما مضى وأذكر ما لم أذكره هناك:

1- قوله - تعالى -: (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات: من الآية1).

قال القاسمي: في الآية تجوزان:

أحدهما(1- لم يذكر إلا الأول.) في "بين اليدين" فإن حقيقته ما بين العضوين، فتجوز بهما عن الجهتين المقابلتين لليمين والشمال، قريبا منه بإطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما، فهو من المجاز المرسل.

ثم استعيرت الجملة استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء، ومتابعة لمن يلزم متابعته، تصويرا لهجنته وشناعته، بصورة المحسوس كتقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره، فنقلت العبارة الأولى بما فيها من المجاز إلى ما ذكر، على ما عرف في أمثاله (2 - انظر: تفسير القاسمي 15-106، والكشاف 3-552. )

2- قال الزمخشري: ورود الآية على النمط الذي وردت عليه، فيه ما لا يخفى على الناظر من بينات إكبار محل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإجلاله:
منها: مجيئها على النظم المسجل به، بالسفه، والجهل لما أقدموا عليه.

ومنها: لفظ "الحجرات" وإيقاعها، كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه.

ومنها: المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم.
ومنها: التعريف باللام دون الإضافة (- 3 انظر: الكشاف 3-558، وتفسير القاسيم 15-112. ).

3- في قوله: (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: من الآية6) فائدتان:

إحداهما: تقرير التحذير وتأكيده، ووجهه أنه - تعالى - لما قال: (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) (الحجرات: من الآية6) قال بعده، وليس ذلك مما لا يلتفت إليه، ولا يجوز للعاقل أن يقول: هب أني أصبت قوما، فماذا علي؟

بل عليكم منه الهم الدائم، والحزن المقيم، ومثل هذا الشيء واجب الاحتراز منه.

والثانية: مدح المؤمنين، أي لستم ممن إذا فعلوا سيئة لا يتلفتون إليها، بل تصبحون نَادِمِينَ عليها (1 - انظر: تفسير الرازي 27-121، وتفسير القاسمي 15-117).

4- قال أبو السعود في قوله - تعالى -: (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) (الحجرات: من الآية11) القوم مختص بالرجال لأنهم القوام على النساء، وهو في الأصل إما جمع قائم، كصوم وزور في جمع صائم وزائر، أو مصدر نعت به فشاع في الجمع.

وأما تعمميه للفريقين في مثل قوم عاد وقوم فرعون، فإما للتغليب، أو لأنهن توابع.

واختيار الجمع لغلبة وقوع السخرية في المجامع.

والتنكير: إما للتعميم، أو للقصد إلى نهي بعضهم عن سخرية بعض، لما أنها يجري بين بعض وبعض (2- انظر: تفسير أبي السعود 5-177، وتفسير القاسمي 15-127. ).

5- قوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (الحجرات: من الآية11).
قال الشهاب:

و(أَنْفُسَكُمْ) (الحجرات: من الآية11) على ظاهره، والتجوز في قوله: (تَلْمِزُوا) (الحجرات: من الآية11) فهو مجاز ذكر فيه المسبب، وأريد السبب، والمراد: لا ترتكبوا أمرا تعابون به. قال القاسمي: وضعف بأنه بعيد عن السياق، وغير مناسب لقوله: (وَلا تَنَابَزُوا) (الحجرات: من الآية11) وكونه من التجوز في الإسناد، إذا أسند فيه ما للمسبب إلى السبب، تكلف ظاهر، وكذا كونه كالتعليل للنهي السابق لا يدفع كونه مخالفا للظاهر.

وكذا كون المراد به لا تتسببوا في الطعن فيكم، بالطعن على غيركم كما في الحديث: "من الكبائر أن يشتم الرجل والديه" (3- أخرجه مسلم (1-92) رقم (90). ). إذا فسر بأنه إذا شتم والدي غيره، شتم الغير والديه - أيضا - (4 - انظر: تفسير القاسمي 15-128. ).

6- قوله - تعالى -: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) (الحجرات: من الآية12) (1- انظر: تفسير القاسمي 15-128. )قال ابن الأثير في (المثل السائر) في بحث الكناية: فمن ذلك قوله - تعالى -: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ) (2 - انظر: تفسير القاسمي 15-128. ) فإنه كنى عن الغيبة بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله كلحم الأخ، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله مَيْتًا، ثم جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة.

فهذه أربع دلالات واقعة على ما قصدت له، مطابقة للمعنى الذي وردت من أجله.

فأما جعل الغيبة كأكل لحم الإنسان لحم إنسان آخر مثله فشديد المناسبة جدا، لأن الغيبة إنما هي ذكر مثالب الناس، وتمزيق أعراضهم، وتمزيق العرض مماثل لأكل الإنسان لحم من يغتابه، لأن أكل اللحم تمزيق على الحقيقة.

وأما جعله كلحم الأخ فلما في الغيبة من الكراهة، لأن العقل والشرع مجتمعان على استكراهها، آمران بتركها، والبعد عنها، ولما كانت كذلك كانت بمنـزلة لحم الأخ في كراهته.

ومن المعلوم أن لحم الإنسان مستكره عند إنسان آخر، إلا أنه لا يكون في مثل كراهة لحم أخيه، فهذا القول مبالغة في استكراه الغيبة.

وأما (3 - يبدو أنه سقط من الطباعة ما يتعلق بالكناية عن لحم الميت، ولكنه واضح مما قبله وبعده. ) جعله ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة فلما جُبلت عليه النفوس من الميل إلى الغيبة، والشهوة لها، مع العلم بقبحها.

فانظر أيها المتأمل إلى هذه الكناية تجدها من أشد الكنايات شبها، لأنك إذا نظرت إلى كل واحدة من الدلالات الأربع التي أشرنا إليها، وجدتها مناسبة لما قصدت له (4- انظر: تفسير القاسمي 15-134. ).

قوله - تعالى -: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: من الآية13).

ما الحكمة في اختيار النسب من جملة أسباب التفاخر ؟
ولم يذكر المال.

قال الرازي: نقول: الأمور التي يفتخر بها في الدنيا وإن كانت كثيرة، لكن النسب أعلاها، لأن المال قد يحصل للفقير فيبطل افتخار المفتخر به - وقد يفتقر الغني فيبطل افتخاره - والحسن والسن، وذلك غير ثابت ولا دائم، والنسب ثابت مستمر غير مقدور التحصيل لمن ليس له، فاختاره الله للذكر، وأبطل اعتباره بالنسبة إلى التقوى، ليعلم منه بطلان غيره بالطريق الأولى، لأنه إذا سقط اعتبار الأعلى فسقوط اعتبار الأدنى أولى وهذا فيه من البلاغة ما فيه (1- انظر: تفسير الرازي 27-137. ).

قوله - تعالى -: (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات: من الآية14) قيل: مقتضى الظاهر أن يقول: قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا، أو: لم تؤمنوا ولكن أسلمتم، فعدل عنه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان، والجزم بإسلامهم، وقد فقد شرط اعتباره شرعا.

وقيل: إنه من الاحتباك، وأصله: لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا، ولكن أسلمتم، فقولوا: أسلمنا، فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر.

والأول أبلغ، لأنهم ادعوا الإيمان فنفاه عنهم، ثم استدرك عليه فقال: دعوا ادعاء الإيمان، وادعوا الإسلام، فإنه الذي ينبغي أن يصدر عنكم على ما فيه، فنفى الإيمان، وأثبت لهم قول الإسلام، دون الاتصاف به (2 - القول بأنهم لم يتصفوا به فيه نظر، فما دام قال لهم قولوا أسلمنا، فقد أثبته لهم، لكنه ليس هو الإيمان. ) وهو أبلغ مما ذكر من الاحتباك، مع سلامته من الحذف بلا قرينة ( 3- ذكره القاسمي في تفسيره 15-140، وقال: هذا ما في القاضي وحواشيه. ).

منال
03-18-2008, 03:45 PM
سادساً: ما ورد في السورة من أحكام


ورد في السورة بعض الأحكام الشرعية، وقد اختلف منهج المفسرين الذين تناولوا الأحكام التي وردت في هذه السورة، فمنهم من تناول الأحكام بتوسع، حتى جاء ببعض الأحكام التي لم ترد في السورة، وآخرون اقتصروا على ما ورد فيها مع الاختصار في عرضها وبيانها.
وانسجاما مع المنهج الذي ذكرته في المقدمة، فسأذكر أهم الأحكام التي وردت في السورة، أو تمت الإشارة إلى أصل موضوعها.

مع أن ما سأذكره لا يغني عن الرجوع إلى كتب الأحكام لمن أراد مزيدا من التوسع والتفصيل.

قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الحجرات:1).


1- قال ابن العربي: هذه الآية أصل في ترك التعرض لأقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وإيجاب اتباعه، والاقتداء به، ولذلك قال النبي-صلى الله عليه وسلم- في مرضه: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" فقالت عائشة لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف (2- أسيف: حزين، وقيل: سريع الحزن والبكاء. ) وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء، فمر عليا - وفي مسلم فمر عمر - فليصل بالناس، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- "إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس" (2- رواه البخاري (4-122) كتاب الأنبياء، ومسلم (1-313، 314) كتاب الصلاة رقم (418). ). قال ابن العربي: يعني بقوله: صواحب يوسف: الفتنة، بالرد عن الجائز إلى غير الجائز (3- انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4-1713. ).

2- وجوب تقوى الله في السر والعلن (4- سيأتي الحديث عن التقوى في القسم الموضعي إن شاء الله. ) وأمر بالتقوى هنا، لأن التقدم بين يدي الله ورسوله إما حسي أو معنوي، ولا يعصم من ذلك إلا التقوى، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات:2).

1- حرمة النبي- صلى الله عيه وسلم - ميتا كحرمته حيا.

2- ذكر بعض العلماء أن كلامه المأثور - بعد وفاته - صلى الله عيه وسلم - مثل كلامه المسموع من لفظه، من حيث وجوب الإنصات، وعدم جواز رفع الصوت عند من يتلو كلامه، كما لا يجوز الإعراض عنه.

واستدل هؤلاء بهذه الآية، وبقوله - تعالى -: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) (لأعراف: من الآية204) وكلام الرسول- صلى الله عيه وسلم - من الوحي، وله من الحرمة مثل ما للقرآن إلا معاني مستثناة، وبيانها كتب الفقه (1- ممن قال بذلك ابن العربي، وذكره القرطبي ولم يعلق عليه، انظر أحكام القرآن لابن العربي 4-1715، وتفسير 15-307. ) وهذا القول فيه نظر، فإن لشخص الرسول - صلى الله عيه وسلم - من الحرمة ما ليس لكلامه.

ولا يعني هذا أنه ليس لكلامه حرمة، كلا، ولكنه ليس كمنـزلة الرسول - صلى الله عيه وسلم - وحرمة شخصه.

ثم إن هناك فرقا بين حرمة القرآن وقدسيته وبين ما للسنة فمن الفروق بينهما:

أ- أن القرآن يتعبد بتلاوته، بخلاف السنة.

ب- أنه لا يجوز مس المصحف إلا طاهرا (2 - المسألة خلافية كما هو معروف، ولكن لا يختلف في وجوب الطهارة من الحدث الأكبر بالنسبة لمس المصحف) بخلاف كتب الصحاح.

جـ- أن الجنب لا يتلو القرآن بخلاف قراءة الأحاديث.

د- أنه تجوز رواية الأحاديث بالمعنى بخلاف القرآن.

إذا علم هذا علمنا أن الاستدلال بالآيتين على ما ذكر لا يسلم، مع أن للسنة مكانتها وحرمتها ووجوب العمل بها، وعدم جواز رد أي شيء منها، أو الاستهزاء بها.

3- قال بعض العلماء: إن معنى قوله: (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) (الحجرات: من الآية2) أي لا تخاطبوه: يا محمد، يا أحمد، ولكن يا نبي الله، ويا رسول الله، توقيرا له وتعظيما (3 - انظر: تفسير القرطبي 15-306. ) وما ذكره العلماء هو في حياة الرسول- صلى الله عيه وسلم - أما بعد وفاته فلا يجوز دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - كما يفعل المبتدعة والمشركون، وبخاصة عند قبره - صلى الله عيه وسلم - .

ولكن يستفاد مما ذكره العلماء، أنه لا يليق ذكر اسمه مجردا عن وصفه بالنبوة أو الرسالة، أو الصلاة عليه- - صلى الله عيه وسلم حيث إن ذلك من الجفاء وسوء الأدب، مما يكون له تأثيره السيئ في نفوس السامعين، أو القراء، بينما يجب أن نربي الناس على حبه، وتعظيمه، وتوقيره، واحترامه مما يليق بمكانته الرفيعة - صلى الله عيه وسلم - وآله.

4- ليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر، ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة به- صلى الله عيه وسلم - لأن ذلك كفر، والمخاطبون مؤمنون.

كما أن رفع الصوت بحضرته- صلى الله عيه وسلم - لحاجة تدعو إلى ذلك، وليس فيه أذى لرسول الله- صلى الله عيه وسلم - فإنه جائز، بل قد يكون صاحبه مأجورا، كالأذان، وأثناء الحرب لإخافة العدو، أو نداء المجاهدين من الصحابة، فقد ورد أن رسول الله- صلى الله عيه وسلم - أمر العباس يوم حنين - عندما انهزم المسلمون - أمره أن ينادي في الناس، وفي بعض الروايات "اصرخ بالناس" وكان العباس أجهر الناس صوتا، فنادى بأهل الشجرة رضي الله عنه (1 - انظر: تفسير القرطبي 15-307، والحديث أخرجه مسلم في الصحيح (3-1398) كتاب الجهاد رقم (1775)، وعبد الرزاق في المصنف (5-379، 380) وابن عساكر كما في كنـز العمال (10-545). ).

5- كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره - صلى الله عليه وسلم - احتراما لمكانته وإجلالا له- صلى الله عيه وسلم - (2 - انظر: تفسير القرطبي (15-307). ).
قال ابن كثير: قال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره - صلى الله عيه وسلم - كما كان يكره في حياته، لأنه محترم حيا وفي قبره - صلى الله عيه وسلم - وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي- صلى الله عيه وسلم - قد ارتفعت أصواتهما، فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما ؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا(3- انظر: تفسير ابن كثير 4-207، وتفسير القاسمي (15-113)، وهذا الأثر أخرجه البخاري في الصحيح (1-121) كتاب الصلاة. ).

قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات: من الآية6).

1- قال ابن العربي: من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا، لأن الخبر أمانة، والفسق قرينة تبطلها (4 استثنى من ذلك بعض المسائل مما يتعلق بالدعوى والجحود، وإثبات حق مقصور على الغير، ونحو ذلك. انظر: تفسير القرطبي 15-312. )فأما في الإنسان على نفسه فلا يبطل إجماعا (5 - انظر: أحكام القرآن 4-1715. ).

2- اختلف العلماء في ولاية الفاسق في النكاح - وليس هذا مكان بحث ذلك - ولكن الراجح ثبوت ولايته، وأن الفسق لا يسقطها (1 - انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4-1715، وتفسير القرطبي 15-312. ).

3- إمامة الفاسق فيها تفصيل يطول، وخلاف بين العلماء، والراجح جواز إمامته، وصحة الصلاة خلفه، ولكن الأولى والأفضل عدم الصلاة خلفه إذا وجد غيره (2 - انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4-1716. ).

4- في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا لأنه إنما أمر بالتثبت عند نقل خبر الفاسق، وهذا دليل على قبول خبره - بدون تثبت - إذا كان عدلا.


ولا فرق في ذلك بين ما كان في العقائد وغيرها، وهذا منهج أهل السنة والجماعة، ولا يلتفت إلى قول غيرهم (3 - انظر: تفسير القرطبي 15-312، وسنذكر بعض المصادر الخاصة. ).

أما الحدود والجنايات وبعض الأحكام كخروج رمضان - على الراجح - فإن النص قد حدد في كل مسألة ما تحتاج إليه من شهود.

5- قال ابن العربي: أما أحكامه إن كان حاكما واليا فينفذ منها ما وافق الحق، ويرد ما خالفه، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال، ولا تلتفتوا إلى غير هذا القول، من رواية تؤثر أو قول يحكى، فإن الكلام كثير والحق ظاهر (4- انظر: أحكام القرآن 4-1716 وتفسير القرطبي 15-312. ).


6- وقال أيضا: لا خلاف أنه يصح أن يكون رسولا عن غيره في قول يبلغه، أو شيء يوصله، أو إذن يعلمه، إذا لم يخرج عن حق المرسل والمبلغ، فإن تعلق به حق لغيرهما لم يقبل قوله، وهذا جائز للضرورة (5 - أي الضرورة العامة، لأنه قد يوجد من العدول، فلا يبطل الحكم. ) الداعية إليه، فإنه لو لم يتصرف بين الخلق في هذه المعاني إلا العدول لم يحصل منها شيء لعدمهم (6الأولى: لقلتهم. ) في ذلك (7 - انظر: أحكام القرآن، لابن العربي 4-1716. ).

7- قال الجصاص واتفق أهل العلم على جواز قبول خبر الفاسق في أشياء، فمنها أمور المعاملات يقبل فيها خبر الفاسق، وذلك نحو الهدية، إذا قال إن فلانا أهدى إليك هذا، يجوز له قبوله وقبضه، ونحو قوله: وكلني فلان ببيع عبده هذا فيجوز شراؤه منه، ونحو الإذن في الدخول إذا قال له قائل: ادخل، لا تعتبر فيه العدالة، وكذلك جميع أخبار المعاملات (1- انظر: أحكام القرآن للجصاص 3-399. ) وهذا القول قريب مما ذكره ابن العربي في الفقرة السابقة ذكرته إيضاحا وتأكيدا، وبخاصة أن أحدهما حكى الاتفاق والآخر نفى الخلاف.

قوله - تعالى -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) (الحجرات: من الآية9).


1- قال أبو بكر بن العربي: هذه الآية هي الأصل في قتال المسلمين (2 - أي من البغاة ونحوهم، لآنهم مسلمون،ووجوب قتالهم لا يخرجهم من الإسلام. ) والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عني النبي- صلى الله عيه وسلم - بقوله: "يقتل عمارا الفئة الباغية" (3 - أخرجه مسلم (4-2236) كتاب الفتن رقم (2916). ).

وقد أفاض الجصاص في الاستدلال على جواز قتال الفئة الباغية وذكر الأدلة ورد الشبهة في كل دليل ذكره المخالفون، وهو كلام نفيس بجملته، ولولا طوله والتزامي بعدم التفصيل لذكرته (4 - انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3-1717، وأحكام القرآن للجصاص 3-400. ).

2- قتال البغاة له أحكام كثيرة، ذكرها الفقهاء والمفسرون، وفصلوا فيها، كبيان متى يكون قتالهم؟ وكيف ؟ وحكم القتال مع الإمام وهل هو فرض كفاية أو عين ؟ وحكم غنائمهم، وهل يؤخذ منهم أسرى؟ إلى غير ذلك من الأحكام التي يحتاج إليها في مثل هذه الأحوال، كفانا الله شر المحيج إليها.

3- في هذه الآية والتي بعدها: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات: من الآية10) دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله - تعالى - سماهم أخوة مؤمنين مع كونهم باغين، قال الحارث الأعور: سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الحجة والقدوة، سئل عن قتال أهل البغي: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا، [في رواية: من الكفر فروا].
فقيل: أمنافقون؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.

قيل له: فما حالهم ؟ قال: إخواننا بغوا علينا (1- انظر: تفسير القرطبي 15-323. ).

4- لعل من المناسب أن أختم الحديث عن أحكام هذه الآية بكلام نفيس ذكره القرطبي في تفسيره فقال: لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به (2 - أي لا نقطع بالخطأ في مكان الاجتهاد، أما إذا كان فعله خطأ مما ورد النص به فيجوز، لأن الصحابة ليسوا معصومين بآحادهم، وقد وقع بعضهم في أخطاء وأقيم على بعضهم الحدود. ) إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة، ولنهي النبي- صلى الله عيه وسلم - عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم (3- وهم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان لا جميعهم. ).

هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة أن طلحة شهيد، ومما يدل على ذلك ما صح وانتشر من إخبار علي بأن قاتل الزبير في النار.
وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم وتفسيقهم، وإبطال فضائلهم، وجهادهم، وعَظِيم غنائهم في الدين - رضي الله عنهم -.
وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة:134).
وسئل بعضهم عنها - أيضا - فقال: تلك دماء قد طهر الله منها يدي، فلا أخضب بها لساني، يعني من التحرز من الوقوع في خطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه.
قال ابن فورك: ومن أصحابنا من قال: إن سبيل ما جرى بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين أخوة يوسف مع يوسف، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة، فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة.


وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد- صلى الله عيه وسلم - وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا، قال المحاسبي: فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه، ولا نبتدع رأيا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله إذ كانوا غير متهمين في الدين، ونسأل الله التوفيق (1 - انظر: تفسير القرطبي 15-321، وقد نقلت هذا الكلام لأهميته، ولأننا نسمع من يتكلم في صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقول: هم رجال ونحن رجال، نعوذ بالله ما يفعله السفهاء منا. ).

قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) (الحجرات: من الآية11).

1- حرمة السخرية بالمسلم بل وغيره مما لا تجوز السخرية به، قال الجصاص، نهى الله بهذه الآية عن عيب من لا يستحق أن يعاب على وجه الاحتقار له، لأن ذلك هو معنى السخرية، فإن كان معيبا فاجرا فعيبه بما فيه جائز.

روي أنه لما مات الحجاج قال الحسن: اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته، فإنه أتانا أخيفش أعيمش، يمد بيد قصيرة البنان، والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله، يرجل جمته، ويخطر في مشيته، ويصعد المنبر فيهذر حتى تفوته الصلاة، لا من الله يتقي، ولا من الناس يستحي، فوقه الله، وتحته مائة ألف أو يزيدون، لا يقول له قائل: الصلاة أيها الرجل، ثم قال الحسن: هيهات والله (2- أي هيهات أن يجرؤ أحد على أن يقول له ذلك، كأنه يعتذر للناس في زمان الحجاج لسكوتهم عن الإنكار. ) حال دون ذلك السيف والسوط (3- انظر: أحكام القرآن للجصاص 3-404. ).

قال القاسمي: وكل هذا يرجع إلى استحقاق الغير، والضحك عليه، والاستهانة به، والاستصغار له، وعليه نبه بقوله - تعالى -: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) (الحجرات: من الآية11) أي: لا تستحقره استصغارا، فلعله خير منك، وهذا إنما يحرم في حق من يتأذى به، فأما من جعل نفسه مسخرة، وربما فرح من أن يسخر به، كانت السخرية في حقه من جملة المزح، ومنه ما يذم (4- هذه نفيسه فالزمها. ) وما يمدح.

وإنما المحرم استصغار يتأذى به المستهزأ به، لما فيه من التحقير والتهاون، وذلك تارة بأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه، ولم ينتظم، أو على أفعاله إذا كانت مشوشة، كالضحك على حفظه، وعلى صنعته، أو على صورته وخلقته، إذا كان قصيرا أو ناقصا، لعيب من العيوب، فالضحك من جميع ذلك داخل في السخرية المنهي عنها (1- انظر: تفسير القاسمي 15-126. ).

2- حرمة التنابز بالألقاب وهو التداعي بما يكره منها، فإن الألقاب على ثلاثة أنواع:

1- قسم يكرهه الإنسان ويبغضه، وهو ما يعير به، فهذا يحرم التسمية به أو النداء. بل إن الرسول- صلى الله عيه وسلم - غير ألقاب بعض أصحابه وأسماءهم، فسمى العاص: عبد الله، وشهابا: هشاما، وسمى حربا سلما.
وهذا هو المراد بالآية: (وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ) (الحجرات: من الآية11).
2- قسم يحبه صاحبه كأبي تراب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث لقبه الرسول- صلى الله عيه وسلم - به.
قال سهل بن سعد: ما كان اسم أحب إلى علي أن يدعى به من أبي تراب. فهذا لا يكره.
3- وقسم غلب عليه الاستعمال، كالأعرج والأحدب، ولم يكن لصاحبه فيه كسب يجد في نفسه منه عليه، قال ابن العربي: فجوزته الأمة، واتفق على قوله أهل الملة.

قلت: بشرط ألا يقصد قائله التعيير واللمز ونحوه، قال ابن العربي: والذي يضبط هذا كله ما قدمناه من الكراهة لأجل الأذية (2 - انظر: أحكام القرآن للجصاص 3-405، وأحكام القرآن لابن العربي 4-1723. ). قال القرطبي: وعلى هذا المعنى ترجم البخاري - رحمه الله - في كتاب الأدب من الجامع الصحيح في (باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم: الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل) قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "ما يقول ذو اليدين" (3- انظر: صحيح البخاري (7-85) كتاب الأدب. ). قال أبو عبد الله بن خويز منداد: تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب، ألا ترى أن النبي- صلى الله عيه وسلم - لقب عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا هريرة بذي الشمالين، وبذي اليدين، في أشباه ذلك.

قال الزمخشري: ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن، قال عمر رضي الله عنه أشيعوا الكنى فإنها منبهة.
ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله، وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها - من العرب والعجم - تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير.
قال الماوردي: فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره، وقد وصف رسول الله- صلى الله عيه وسلم - عددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب. قال القرطبي: فأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة لا العيب فذلك كثير.
وقد سئل عبد الله بن المبارك عن الرجل يقول: حميد الطويل، وسليمان الأعمش، وحميد الأعرج، ومروان الأصغر، فقال: إذا أردت صفة ولم ترد عيبة فلا بأس به.

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر، وفي رواية: الأصيلع (1- صحيح مسلم (2-925) كتاب الحج رقم (1270)، وانظر: تفسير القرطبي 15-329. ).

منال
03-18-2008, 03:46 PM
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (الحجرات: من الآية12).


1- الظن على أربعة أضرب: محظور، ومأمور به، ومندوب إليه، ومباح.

فأما الظن المحظور: فهو سوء الظن بالله، روى جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-قبل موته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " (2- أخرجه مسلم (4-2205) كتاب الجنة رقم (2877)، وأبو داود (3-189) كتاب الجنائز، رقم (3113). ).

وكذلك من الظن المحظور: سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة، وهذا هو المراد بالآية، وكذلك ما يشمله حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الثابت في الصحيحين، عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عيه وسلم - قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" (1أخرجه البخاري (7-88، 89) كتاب الأدب، ومسلم (4-1985) كتاب البر والصلة، رقم (2563) والترمذي (4-313) كتاب البر والصلة، رقم (1988). ).


قال الجصاص: وكل ظن فيما له سبيل إلى معرفته، مما تعبد بعلمه فهو محظور، لأنه لما كان متعبدا تعبد بعلمه ونصب له الدليل عليه فلم يتبع الدليل وحصل على الظن كان تاركا للمأمور به. (2- انظر أحكام القرآن للجصاص (3-406). )


وأما المأمور به: هو ما لم ينصب له عليه دليل يوصله إلى العلم اليقيني به، وقد تعبد بتنفيذ الحكم فيه، فالاقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم عليه واجب، وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول، وتحري القبلة، وتقويم المستهلكات، وأرش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها توقيف، فهذه وما كان من نظائرها قد تعبدنا فيها بتنفيذ أحكام غالب الظن. (3- انظر: أحكام القرآن للجصاص (3-406). ).


وأما الظن المندوب إليه: فهو حسن الظن بالأخ المسلم، فإن قيل: إذا كان سوء الظن محظورا فواجب أن يكون حسن الظن واجبا، قيل له: لا يجب ذلك لأن بَيْنَهُمَا واسطة، وهو أن لا يظن به شيئا، فإذا أحسن الظن به فقد فعل مندوبا إليه. (4 - انظر:أحكام القرآن للجصاص3-406. ).


وأما الظن المباح فالشكاك في الصلاة يجوز له أن يعمل بما غلب على ظنه، ويجوز له أن يبني على اليقين. (5- هكذا قال الجصاص 3-406، والمسألة فيها تفصيل ليس هذا مكانه. ).


2- حرمة التجسس وتتبع العورات وهذه الآية نص في ذلك، وقد ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال -- صلى الله عيه وسلم - "ولا تحسسوا وَلا تَجَسَّسُوا" (6 - هو تكملة الحديث السابق "إياكم والظن"أخرجه البخاري (7-88،89)، كتاب الأدب،ومسلم (4-1985)كتاب البر والصلة رقم (2563).
). والتحسس والتجسس معناهما متقارب وحكمها واحد، وقد قرئ في الشواذ "ولا تحسسوا" بالحاء وممن قرأ بذلك: أبو رجاء والحسن وغيرهما.
ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي: لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله. (1 - انظر: تفسير القرطبي(15-332). ).


3- حرمة الغيبة، وقد ثبت تحديدها في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "قال لأصحابه: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته" (2- تفسير القرطبي (15-334)وسيأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله. والحديث أخرجه مسلم في الصحيح (4-2001)كتاب البر والصلة، رقم (2589).أبو داود (4-269)كتاب الأدب،رقم (4874).والترمذي (4-209)كتاب البر والصلة، رقم (1934).وأحمد في المسند (2-230،384،386،458). ).

4- ذهب قوم إلى أن الغيبة لا تكون إلا في الدين، ولا تكون في الخلقة والحسب، وقالوا: ذلك فعل الله به. وذهب آخرون إلى عكس ذلك فقالوا: لا تكون الغيبة إلا في الخلق والخلق والحسب، والغيبة في الخلق أشد، لأن من عاب صنعة فإنما عيب صانعها.
قال القرطبي: وهذا كله مردود.
أما الأول: فيرده حديث عائشة حيث قالت في صفية: إنها امرأة قصيرة، فقال لها النبي- صلى الله عيه وسلم - "لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته" (3 أخرجه أبو داود (4-269)كتاب الأدب رقم (4875). والترمذي (4-570) كتاب صفة القيامة،رقم (2502).وأحمد في المسند (6-189)، وصحيحه الألباني كما في صحيح الجامع رقم (5140). ).

وقد أجمع العلماء على أن ذلك غيبة إن أريد به العيب.
وأما الثاني فمردود - أيضا - عند جميع العلماء، لأن العلماء من أول الدهر من أصحاب رسول الله- صلى الله عيه وسلم - والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدين، ولأن عيب الدين أعظم العيب، وكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه. (4انظر: تفسير القرطبي (15-337)فقد توسع في ذلك ودلل عليه. ).

5- لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدا فعليه أن يتوب إلى الله .
وهل يستحل المغتاب ؟ اختلف في ذلك:

فقالت فرقة ليس عليه استحلاله، وإنما هي خطيئة بينه وبين ربه، واحتجت ببعض الحجج الضعيفة، وليس فيها دليل من كتاب أو سنة.
وقالت فرقة: هي مظلمة، وكفارتها الاستغفار لصاحبها الذي اغتابه، واحتجت بحديث يروى عن الحسن، قال: "كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته"، وهذا ليس بحديث وإنما هو قول للحسن.

وقالت فرقة: هي مظلمة وعليه الاستحلال منها، واحتجت بقول النبي، - صلى الله عيه وسلم - "من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال؛ فليتحلله منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم" الحديث. (1 - انظر: تفسير القرطبي (15-337).والحديث أخرجه البخاري في الصحيح (3-99) كتاب المظالم.وأحمد في المسند (2-506). ).


والقولان الأولان ضعيفان، والثالث هو الصحيح، ولكن استثنى بعض العلماء ما إذا خشى حدوث مفسدة من إخباره بأنه اغتابه، أو مات قبل تحلله، فإنه يدعو له ويذكره بخير، ويستغفر له، ويكون كفارة له، وهذا هو الراجح، والله أعلم. (2- انظر:آفات اللسان للقحطاني ص (42). ).

6- قال العلماء: ليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر، وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث وروي عن الحسن أنه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة، صاحب الهوى، والفاسق المعلن، والإمام الجائر. وقد سبق ذكر كلام الحسن في الحجاج بعد موته.

وروى الربيع بن صبيح عن الحسن قال: ليس لأهل البدع غيبة. (3- انظر:تفسير القرطبي (15-339). )


7- ومما تجوز فيه الغيبة ذكر من ظلمك لمن ترجو أن ينصفك، أو لنفي التهمة عنك قال - سبحانه -: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (النساء: من الآية148) وقال- صلى الله عيه وسلم -
"لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" (1- هذا الحديث علقه البخاري في الصحيح بصيغة التمريض فقال: ويذكر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكره.انظر:صحيح البخاري (3-85)،كتاب الاستقراض.قال الحافظ في الفتح (5-76): وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن الشريد بن أوس الثقفي عن أبيه بلفظه، وإسناده حسن. انظر:سنن أبي داود (3-313) كتاب الأقضية،رقم (3628). سنن النسائي (7-316)كتاب البيوع، رقم (4689،4690). سنن ابن ماجه (2-811)كتاب الصدقات، رقم (2472). مسند الإمام أحمد (4-222،388،389) والحديث حسنه الألباني كما في صحيح الجامع رقم (5487). ). "وقالت هند لرسول الله -- صلى الله عيه وسلم - إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي" الحديث. (2- انظر:تفسير القرطبي (15-339).والحديث أخرجه البخاري (6-193،194)كتاب النفقات، ومسلم(3-1338) كتاب الأقضية، رقم (1714). وأبو داود (3-289) كتاب البيوع، رقم (3532). والنسائي (8-246)،كتاب آداب القضاة، رقم (5420).وأحمد في المسند (6-39،50). ).

8- ومما تجوز فيه الغيبة إذا كان ما تذكره من سوء فيه مصلحة غالبة أو ضرورة، كمن يسال عن رجل ليأتمنه على مال أو عرضه أو نحوه.

وكمن يريد تزويج إنسان أو يتزوج منه لقوله -- صلى الله عيه وسلم - "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" (3- انظر: تفسير القرطبي (15-339).والحديث أخرجه مسلم في الصحيح (2-1114)كتاب الطلاق رقم (1480).وأبو داود (2-285،286) كتاب الطلاق، رقم (2284).والترمذي (3-441،442)كتاب النكاح،رقم (1135). ).


ولكن يجب ألا يزيد السائل أو المتظلم عن مقدار الحاجة التي دعت لذكر هذا الأمر، ولا يجوز التوسع فيه، وليحذر من مداخل الشيطان فإنه شيطان. والله يعصمنا من الزلل (4- انظر:آفات اللسان للقحطاني ص (48). ).


وكذلك منهج أهل الحديث في ذكر الرواة. وقد جمع بعض العلماء الأمور التي تجوز فيها الغيبة بهذين البيتين (5- وقد خصص النووي بابا في " رياض الصالحين" ذكر فيه الأمور التي تباح فيها الغيبة وجعلها ستة، ورد الشوكاني بعضها في كتابه " رفع الريبة عما يجوز وما لا يجوز من الغيبة" فراجعه فإنه نفيس. انظر: رياض الصالحين ص (575،577)، آفات اللسان للقحطاني ص (42). )




القدح ليس بغيبة في ستة


ومجاهر فسقا ومستفت ومن




متظلم ومعرف ومحذر


طلب الإعانة في إزالة منكر





قوله - تعالى -: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات: من الآية14).

1- قال ابن كثير - رحمه الله -:
استفيد من هذه الآية الكريمة أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل - عليه السلام - حين سأل عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان (1- أخرجه مسلم(1- 36، 37) كتاب الإيمان،رقم (8).والترمذي (5-8)كتاب الإيمان، رقم (2610)، وأبو داود (4-223)كتاب السنة، رق (4695) وغيرهم ) فترقى من الأعم إلى الأخص، ثم للأخص منه.


وروى الإمام أحمد والطبري بسنديهما عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه - رضي الله عنهما - قال: "أعطى رسول الله- صلى الله عيه وسلم - رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا، فقال سعد: يا رسول الله، أعطيت فلانا وفلانا وفلانا، ولم تعط فلانا شيئا وهو مؤمن، فقال -- صلى الله عيه وسلم - أو مسلم؟ حتى أعادها سعد ثلاثا، والنبي- صلى الله عيه وسلم - يقول: أو مسلم؟ ثم قال النبي -- صلى الله عيه وسلم - إني لأعطي رجالا وأدع من هو أحب إلي منهم، فلم أعطه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم" قال ابن كثير: أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به (2- صحيح البخاري (1-12) كتاب الإيمان،وصحيح مسلم (1-132)كتاب الإيمان،رقم (150) وانظر:تفسير الطبري 26-141. ).

قال ابن كثير: فقد فرق النبي، - صلى الله عيه وسلم - بين المؤمن والمسلم، فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام.


قال القاسمي: ومن اللطائف أن يقال في الإيمان والإسلام ما قالوه في الفقير والمسكين: إذا اجتمعنا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا ( - انظر: تفسير ابن كثير 4-219، وتفسير القاسمي 15-140. ).

ويعني بذلك أنه إذا أطلق لفظ الإيمان وحده، فإنه يشمل الإيمان والإسلام مثل قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ( - انظر: تفسير ابن كثير 4-219، وتفسير القاسمي 15-140. ) فيشمل الإيمان والإسلام.

وإذا أطلق الإسلام وحده، فإنه يشمل الإسلام والإيمان مثل قوله - تعالى -: (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: من الآية102) أي مسلمون مؤمنون.

وإذا اجتمعا افترقا، أي أنه إذا جاء الإسلام والإيمان في جملة واحدة فإن لكل واحد معناه الذي يخصه، فالإسلام: الانقياد في الظاهر، والاستسلام لحكم الإسلام.والإيمان: هو التصديق بالقلب.

ولا يكون الإنسان مؤمنا إلا إذا كان مسلما، فيجتمع فيه عمل القلب - وهو الإيمان - وعمل الجوارح وهو الإسلام،أو كما قال العلماء:القول باللسان، والتصديق بالجنان، وعمل الجوارح والأركان.


قال في الإكليل: في الآية دليل على أن الأعمال من الإيمان، وقدمنا أن هذا ما لا خلاف فيه بين السلف ( - انظر: تفسير القاسمي 15-142. من أراد مزيد بيان فليرجع إلى كتب العقيدة، كشرح الطحاوية ص 2-459، والإيمان لابن تيمية ص 225. ).


2- قال القاسمي: قال في الإكليل: في الآية رد على الكرامية في قولهم: إن الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب، وهو ظاهر، وقد استوفى الرد عليهم ابن حزم في الفصل (2 - انظر: تفسير القاسمي 15-140. ).

3- قال ابن كثير: دل هذا - أي ما في الآية - على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك.

ولو كانوا منافقين - كما ذكر بعض العلماء كالبخاري - لعنفوا وفضحوا كما ذكر المنافقين في سورة براءة ( - انظر: تفسير ابن كثير 4-219. ).


4- وجوب استحضار منة الله على العبد أن وفقه لطاعته ( - ذكر ابن القيم أن من شروط قبول العمل شهود المنة،أي منة الله على العبد، فلولا فضله ومنته ما كان هذا العمل، وشهود المنة يكون قبل العمل وأثناء العمل وبعده. ) وخطورة تسرب شيء من الشعور بمنة العبد على الله، وهذا محبط للعمل ومذهب لِلإِيمَانِ.

وقد يكون الشعور بالمنة على الله - نعوذ بالله من ذلك - إما بالقول أو العمل، وأخطره ما كان بالقلب لصعوبة الإحساس به ودقته وخفائه فهو أخطر من الرياء.